رواية جديدة بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) لعفاف شريف - الفصل 14 - 2 - الأربعاء 1/1/2025
قراءة رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض)
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة عفاف شريف
الفصل الرابع عشر
2
تم النشر الأربعاء
1/1/2025
كل يوم تبني فجوة جديدة بينهما، حواجز صمت وكلمات. هي تظن أنه اكتفى، وهو يبتعد بصمت، والفجوة تكبر دون أن يلحظها أحد.
لم تعرف كم ظلت تنتظره وحينما تأخر
اضطرت مجبرة أن تدلف لابنتها لتكون بجانبها،
ولم تدري متى غفت حتى.
وحينما حل الصباح،
لم يكن بالغرفة،
لكن الفراش وملابسه الملقاة عليه
أثبتت حضوره ليله أمس.
أتى وغادر وهي نائمة، لم تشعر به
ولم يعطها فرصة لتبرر
ولا لتسد تلك الفجوة.
فقط ابتعد مقررا عقابها.
نظرت لابنتها النائمة:
"أكِيد أنه رآها قبل أن يغادر، وقبلها أيضًا.
مستحيل أن يتخلى عن عادته تلك."
وهي، هل قبلها؟
هل اهتم بها كابنته،
حتى ولو لم تره.
تنهدت بضيق وهي تضع ابنتها بالفراش الخاص به،
تضع لها الرقية
وتتركها
القليل وتستيقظ.
خرجت أخذت حمامها وأبدلت ثيابها،
وجلست تنظر للباب،
بيدها الهاتف مترددة.
أمس هاتفته عشر مرات،
ولأول مرة منذ أن تزوجته
تجاهلها،
كانه لا يريد الحديث،
كانها لا تهمه.
رفعت الهاتف على أذنها تحادثه مرة أخرى،
لكن لا إجابة.
انزلقت من عينيها دمعة نادمة،
تشعر بقلبها يحترق.
خلاف بعد آخر،
وهي تخطئ.
لكن ماذا هي فاعلة؟
تخاف، بل ترتعب.
تتذكر ما حدث مع شقيقتها
فأصبحت ترتعب.
بداخلها الكثير من الهواجس،
خوفًا بل رعبًا من كل شيء.
لكن بداخلها دائمًا صوت يخبرها:
"متى كان حسام سي؟
بالعكس كان دائمًا حنونًا،
لا يبخل عليها
بمشاعره كان أو بماله،
كان يأتيها بالشيء قبل أن تطلبه حتى."
وماذا تفعل هي؟
تخلق الشجار بينهم كل يوم وآخر.
تعلم أنها مخطئة،
وبكل مرة تقرر أنها لن تفعل هذا مرة أخرى.
لكن ومع كل محادثة مع أمها،
تتبخر قوتها المزعومة
وتقع في شر أعمالها.
لا يأتي حديث أمها سوى بثمار فاسدة.
اتصلت به مرة أخرى، وأخرى، وأخرى،
ظلت هكذا حتى وصلت لثلاثين مكالمة.
لم يرد.
حتى أغلق الهاتف.
نظرت لهاتفها بعين مرتعشة،
وقبل أن تفكر بالبكاء،
صدح صوت بكاء صغيرتها.
انتفضت من مكانها تذهب للصغيرة التي كانت تقف تستند على الحواجز بعيون باكية.
حملتها، تضمها إلى قلبها.
هل هي أيضًا اشتاقت له؟
اشتاقت لحضنه الدافئ
وقلبه الحنون.
❈-❈-❈
مر يومها ببطء السلحفاة.
نامت الصغيرة واستيقظت ثلاث مرات.
وظلت هي تنظف المنزل النظيف بالفعل،
والوقت يمر ببطء مرهق،
كأنها تعد الدقائق منتظرة عودته.
كانت تنظف الحمام،
قبل أن تستمع لصوت رنين هاتفها.
انتفضت، تركض للخارج،
وفي غمرة سرعتها
انزلقت وسقطت أرضًا بقوة،
فارض الحمام مبتلة بسبب الماء المسكوب عليها.
كانت تتأوه بألم شديد
وهي تمسك ظهرها،
تبكي وكأن ألم قلبها لا يكفيها.
ظلت هكذا حتى استطاعت أن تتحرك،
وهي تتجه لهاتفها شاعرة بألم شديد
وهي تنظر لملابسها المبتلة.
صدع رنين هاتفها مع آخر،
وكانت أمها.
رفضت المكالمة وصوت بكائها يزداد.
قبل أن تتصل عليه،
وحينما لم يرد،
بعثت له رسالة سريعة وهي تشعر بالألم:
"الحقني يا حسام".
وجلست على الأريكة تشعر بألم شديد
بظهرها وقلبها.
❈-❈-❈
كان يجلس خلف مكتبه بانتظار المريض التالي،
يعمل بشرود لا يريده،
لكن لم يعد يحتمل تدخل حماته الشديد في حياته.
أيطلقها حتى يرتاح قلبها؟
يكره هو التدخلات وتعشق هي التدخل في حياتهم.
ويكره هو أكثر استسلام حور لها.
حتى وإن تحدثت، لماذا تطيعها؟
لماذا تسير خلفها مغمضة العين؟
ما السبيل لهذا؟
أهو مقصر؟
لا يرى؟
حتى وإن كان هكذا، فلتخبره،
لا تتصرف بتلك الطريقة أمامه.
وسط شروده، صدح رنين هاتفه للمرة التي لم يعد يعلم عددها.
وكالعادة، تجاهلها.
لكن وصول رسالتها له
جعله ينتفض، يغادر سريعًا بهلع،
دون أن يكون قادرًا على منع نفسه.
ففي النهاية،
إنها حور،
حبيبته.
❈-❈-❈
لم يعلم كيف وصل للمنزل بتلك السرعة،
وهو يدلف سريعًا وصوت أنفاسه العالية يزداد رعبًا.
وهو يجدها متكومة على الأريكة،
ملابسها المبتلة تلتصق بها،
ووجهها أصفر اللون شاحب وباهت كأنها لم تكف عن البكاء.
اقترب منها يطالعها بعين عاتبة، متعبة وخائفة،
قبل أن يحملها برفق.
انتفضت هي على أثره،
قبل أن تضع رأسها على صدره بستسلام، متألمة غير قادرة على الحديث
ولا لأي شيء.
وضعها برفق على الفراش،
أخرج ملابس نظيفة
وملىء الحوض بمياه ساخنة،
قبل أن يساعدها لتدخل،
ويسرع هو للخارج لإحضار الأدوية اللازمة
والاطمئنان على الصغيرة شمس.
انتهى سريعًا وحمل الصغيرة لغرفتهما لتظل بجانبهم.
وضع الصغيرة سريعًا على الفراش،
وهو يراها تخرج من الحمام
ليحملها برفق، يضعها بجانب ابنتها لتضمها إلى صدرها.
تاركًا له الحرية في تجفيف خصلاتها وعلاج ظهرها،
ودون أي رد فعل آخر،
دون حديث أو عتاب بتلك اللحظة.
انضم لهم في الفراش،
يضمهم إلى صدره،
فكفي ما حدث لليوم،
وليترك الغد للغد.
❈-❈-❈
اليوم صباحًا
دلفت للمدرسة تدفع عربة الصغار،
يجلس فيها الصغير عز يضم أخاه تميم.
اليوم هو الحفل المدرسي الخاص بالصغيرتين آية وآيلا،
وكالعادة رامي مختفي من الوسط،
ولكن هي لم تعد تهتم.
فلتهتم بالصغار
ونفسها والباقي لا يهم.
يكفيها أن تكون هي وهم بخير،
ولكن بداخلها سؤال يستمر في الظهور:
هل هي حقًا بخير
أم تدعي أنها بخير؟
انطلق صوت صراخ تميم وعز يحاول أن يضع يده في عينه،
لتحمله، تضمه إلى صدرها،والصغير يتشبث بها.
ليناظرها عز بعيون حزينة هو الآخر.
ابتسمت له بهدوء قبل أن تقربه هو الآخر إلى قلبها، تحمل الاثنين.
لم يمر الكثير وبدأ الصغار يظهرون،
يرقصون ويغنون، والصغيرتين تنيران المسرح.
تشيران لها بحماس.
ابتسمت لهم تشير لهم هي الأخرى،
وهي ترسل لهم الكثير من القبلات،
وتشير لتميم وعز على شقيقتيهما بفرحة.
وفجأة، من حيث لا تعلم،
سحب أحدهم عز من علي ساقها.
انتفضت سريعًا برعب،
قبل أن تهدأ وهي ترى رامي يقف أمامها، يناظرها بهدوء، يحمل بين يديه عز المشتاق له.
ناظرته لثوانٍ قبل أن تعيد وجهها حيث الصغار،
متجاهلة إياه تمامًا.
وقد جلس جانبها،
بعد أن طلب من أحد الآباء الذين كانوا يجلسون بجانبها أن يتنحى للمقعد الآخر ليجلس محله
بجانب زوجته.
سارت الحفلة بهدوء إلى حد ما،
كان صامتًا، وهي لم تحاول كسر صمته،
بل العكس أصرت أن تبقى مستمتعة بحفل صغارها
وهي تراهم يرقصون ويغنون على المسرح.
الجنيات الصغار،
زهرة حياتها.
قرأت المعوذتين وهي تراقب جمالهم
وبهاء طلتهم الخاطفة للأنفاس،
وهي تدعو في سرها أن يحفظهم الله لها.
دعتها من كل قلبها
وهي تضم الصغيرين تميم وعز بعد أن جاور أخاه.
هم هديتها بتلك الحياة،
وهي اكتفت بهم للأبد.
❈-❈-❈
اليوم سيعود مبكراً من العمل.
كانت قد أعدَّت السمك بوصفة حسناء الرائعة حتى أصبحت رائحتها الشهية تملأ المنزل. ورغم أنها لم تحب لمس السمك، إلا أنها حاولت التكيُّف لأجله، حاولت حقاً.
أعدَّت الأرز المُبهر والسلطة، حتى أنها أعدَّت العصير. جهزت المنزل ونفسها، كانت تحاول أن تكون هي، هي كما كانت تحلم. صعب ومحير نعم، تتخبط نعم، لكنها تؤمن أن هذا المنزل يستحق، وأن عمر يستحق أن تحاول لأجله.
صوت مفتاحه بالباب جعلها تبتسم بهدوء وهي تقف في استقباله تهديه ابتسامة مشرقة. قابَلَها هو بأخرى وهو يراها تستقبله بجمالها المعتاد ومنزلهم الدافئ. اقترب منها يمس وجنتيها وهو يقول بحنان: وحشتِني.
ابتسمت له وهي تقبِّل وجنته، قبل أن تشير للمنزل ولطاولة الطعام قائلة:
جهزت الغدا عشانك، عملتلك سمك. هيعجبك، أنا واثقة.
تنهد بضيق وهو يقول باعتذار:
معلش يا فريدة، مش هقدر آكل. لازم نروح لعمتي النهارده. اتصلت بيا وزعلانة جامد، وحقيقي كانت مضايقة أوي، وأصرت إني لازم أروح، ووعدتها أننا هنتغدى معاها النهارده إن شاء الله.
اختفت الابتسامة من على شفتيها وهي تناظره بانزعاج، قبل أن تقول:
بس انت ما قلتليش إننا هنروح النهارده!
يعني أنا مش مستعدة، وكمان الأكل اللي عملته؟
اقترب منها يقبِّل وجنتها قائلاً بأسف:
معلش يا حبيبتي، حقيقي غصب عني نسيت خالص واتلخمت. يا دوب قدرت أخلص الشغل بسرعة وأجي جري عشان نلحق نروح. معلش، يلا ادخلي البسي.
خفضت عينيها تنظر أرضاً بضيق شديد، قبل أن تتحرك لغرفتها لتبدل ثيابها، حزينة على جهدها الذي ضاع سدى.
❈-❈-❈
استقلا سيارة أجرة متوجهين نحو منزل عمته التي لم ترها ولا مرة حتى. لم تحضر زفافهما، ولم تحدثها أبداً لتبارك لهما.
عمة عمر بمقام والدته، هي من ربته، لذلك مقامها كبير لديه.
تنهدت وهي تسند رأسها على النافذة بجانبها، وهي تتذكر دخوله خلفها وهي ترتدي ملابسها ليتحقق مما سترتدي، وأصر على أن ترتدي أحد فساتينها الفضفاضة، إصرار لم تحبه.
كأنه يأمرها. وظل هكذا حتى تأكد من كل شيء، كأنها ذاهبة لمقابلة عمل لا لزيارة عمة زوجها.
وبداخلها حقاً هي ليست مرتاحة، وقلبها مثقل بالضيق.
❈-❈-❈
هبطت من سيارة الأجرة في منطقة شعبية قديمة.
أمسك يدها يسيران معاً، قبل أن يوقف إحدى العربات الصغيرة ليركبا فيها. وحينما سألته أخبرها ببساطة أنه "التوكتوك".
كان يسير بسرعة في شوارع ضيقة للغاية. كانت منطقة شعبية بحق، حتى تلك المناطق لم ترها في الأفلام.
وأخيراً وقف ذلك الشيء الصغير، وهي تترجل منه شاعرة بالغثيان، وأنها ستفرغ ما بمعدتها بأي لحظة.
ترنحت فجأة ليسندها هو سريعاً متسائلاً بقلق:
إنتِ كويسة؟
أومأت بتوتر وهي تمسح وجهها، تخرج زجاجة المياه الخاصة بها ترتشف منها بهدوء، وهو يمسك يدها يدخلها للبيت المنشود.
كان بيتاً قديماً جداً، متهالكاً وذا سلالم ضيقة وغير مريحة أبداً. الحوائط متآكلة وكأنه منذ الكثير من السنوات.
خطوات بسيطة وكانوا أمام باب شقة قديم أيضاً، يبدو أن كل ما هنا قديم بحق.
وقبل أن يرفع يده ليدق الباب،
فُتح الباب فجأة لتظهر من خلفه فتاة شابة، وهي تطلق صيحة متحمسة قبل أن تلقي بنفسها بين أحضان زوجها عمر.
❈-❈-❈
انتهى الحفل المدرسي، ليصر الصغار على الذهاب للمجمع التجاري الذي تأخذهم هي له دائماً. ومع إصرار الصغار ورغم رفضها، والغريب أنه وافق ببساطة.
رضخت هي لأجلهم.
جلسوا سوياً في منطقة المطاعم. طلب الصغار ما أرادوا، وطلب هو أيضاً، وطلبت هي مع إصرار الصغار وجبة بسيطة لكي تتشارك معهم.
بدأ الصغير عز يتململ بين يديها جائعاً وغير مرتاح. فأخرجت من حقيبتها زجاجة الحليب وأعطته إياها، إلا أنه رفضها.
جزَّت على أسنانها بغيظ تريد أن تعضه. فالصغير لا يحبها، ولا هي أيضاً، لكنها تجبر خارج المنزل.
تنهدت بضيق وهي تقف تحمله بين يديها، والحقيبة على كتفها بداخلها ساتر الرضاعة وأدواته الخاصة.
أوقفها بيده وهو يقول:
رايحة فين؟
أشارت له نحو الصغير بنظرات ذات مغزى وهي تقول:
مش هتأخر، خلي بالك من عز والبنات.
وغادرت سريعاً لتعود قبل أن يأتي الطعام.
❈-❈-❈
كانت تجلس في المكان الخاص بتبديل الحفاضات للرضع. أطعمته وبدلت له الحفاض، وحملته تلاعبه، تقبِّل وجنته وتحدثه قائلة بسعادة وهو يضحك:
قلب ماما يا ناس، قلب ماما الحلو المؤدب يا ناس، روح قلبي أنا.
قالتها وهي تقبِّله بشدة.
وما أن وصلت للطاولة وجدت صغيرتيها قد بدأتا بالأكل بالفعل. ابتسمت لهما بهدوء وهي تنقل عينيها بينهما تبحث عن ثالثهم.
قبل أن تتلفت حولها بسرعة، وعدم استيعاب، وقلبها يدق برعب، وهي تسأل المنشغل بطعامه بهلع وقلبها على وشك التوقف:
عز فين يا رامي؟!
رفع الآخر رأسه يناظرها بصدمة، جعلتها تصرخ برعب وهلع:عز!
ابني!
يتبع...
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة عفاف شريف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية