-->

رواية جديدة فراشة في سكٌ العقرب لناهد خالد الفصل 9 - الخميس 9/1/2025


قراءة رواية فراشة في سكٌ العقرب كاملة 

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية فراشة في سكٌ العقرب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة ناهد خالد

الفصل التاسع

تم النشر يوم الخميس

9/1/2025


- بابي! 


رددتها "نورهان" بصدمة وتبعها قولها الذي أظهر تفاجئها:


- هو تيم رجع؟ 


التقطه يجلسه فوق فخذه وهو يفتح مكبر صوت الهاتف يجيبها:


- ايوه رجعوا امبارح, سلم على طنط نورهان يا تيمو. 


صاح الصغير مرحبًا بحماس:


- نور ازيك؟ هتحضري البارتي بتاعي صح؟ 


وقبل أن تجيبه "نور" صدر صوت معترض من "شاهين" الذي قطب ما بين حاجبيهِ يوبخه بلطف:


- تيم وبعدين! مش قولنا اسمها طنط نور.


- بابي هي اللي قالتلي مقولش طنط. 


برر الصغير ببراءة, لتصدح ضحكة "نورهان" وتبعها قولها المرح:


- الواد ده مبيكدبش, طنط ايه انتَ عاوز تكبرني يا شاهين باشا. 


تجاهل "شاهين" جملتها, ومسد بكفه على وجنة الصغير وهو يخبره بنصح:


- حبيبي انا عارف انها فاسدة أخلاقك, بس الغلط غلط, ونور اكبر منك عيب تقولها نور من غير طنط. 


أطاعه الصغير برحابة صدر:


- حاضر يا بابي. 


صدرت زمجرة الأخرى عبر الهاتف تقول بتهكم:


- بابي بيحاول يعلمك الاحترام اللي هو... 


وقبل أن تكمل صدح صوت "شاهين" محذرًا بزمجرة غضب:


- نورهان! 


وحين ينطق أسمها كاملاً عليها أن تقلق, فغيرت مجرى الحديث وهي تحادث الصغير:


- قولي يا تيمو, بارتي ايه يا حبيبي؟


أخبرها الصغير بحماس:


- بارتي عيد ميلادي. 


- يا ماشاء الله كبرت يا صغنن, happy birthday يا روحي. 


أعرب الصغير عن شكره يقول:


- ثانكس, هتحضري؟ 


ودعمه "شاهين" يسألها منتظرًا معرفة موقفها هل سيكون ككل عام أم سيختلف هذه المرة:


- ولا هتعملي زي كل سنة؟ 


زفرة قوية خرجت منها وصلت لمسامعهما تبعها جملتها التي توقعها "شاهين":


- شاهين انتَ عارف مش هينفع احضر. 


نظر للصغير يخبره في لطف:


- تيم ممكن تروح تلعب بره شوية, هتكلم مع طنط في كلام كبار. 


- اوك. 


قالها قبل أن ينزله "شاهين" أرضًا فركض الصغير للخارج تاركًا باب غرفة المكتب مفتوح, أغلق مكبر الصوت ووضع الهاتف فوق أذنه يسألها باستخفاف:


- يا ترى خوف من أخوكِ ولا مش عاوزه تشوفي شدوى. 


- الاتنين. 


قالتها بصراحة واضحة, والتقطت أنفاسها بعدما بدأت تشعر بالاختناق جراء التطرق للحديث في هذه المواضيع التي تستنفذها:


- مش هينفع احضر لأن اكيد مازن هيعرف, وانا مش عاوزه مشاكل معاه, وغير كده انا مبحبش شدوى ولا عمري هتقبلها بينا, ومعرفش انتَ مستني ايه عشان تطلقها!؟ 


وسؤالها الأخير خرج منفعلاً يعبر عن مقتها لاستمرار زوجه بتلك السيدة التي تراها ماكرة, ولعوبة, كالحرباء المتلونة, تحصل على ما تريد بسهولة وبأفعال ملتوية تصلها في النهاية لمبتغاها, رغم ظهورها بصورة سيدة المجتمع الراقية, وتقمسها للشخصية الارستقراطية, لكنها لا ترى فيها أيًا من هذا, بل تراها مجرد حية متصنعة البراءة, ولا تعلم إن كانت نظرتها بها صحيحة أم لا, لكنها تصر عليها. 


مسد جبينه بأصابع كفه بتعب وقد بدأ يشعر بالصداع الدائم له يداهمه: 


- يا نور الموضوع مش بالسهولة دي, متنسيش إن في طفل وتيم متعلق بيا جدًا, مقدرش ابعد عنهم فجأة كده, ده لما بيسافر أسبوع ولا اتنين لجدته بيفضل يزن على شدوى ويكلمني عشان عاوز يرجع. 


سألته حانقة:


- ايوه و امتى هتبعد؟ ولا هتفضل عمرك كله مضيعه معاها واسمك متجوز! 


أخرج لفافة تبغه من علبة أنيقة تجمعهم, وأشعلها بقداحته الذهبية اللامعة, أخذ نفسًا عميقًا وزفره على مهل ثم أجابها شاردًا بالدخان المتصاعد:


- يمكن لما يوعى شوية ويفهم الكلام اللي هنقولهوله, لكن دلوقتي هيكون في ألف سؤال عن ليه هيسيبوا البيت, وليه مبقتش عايش معاهم في بيت واحد, وأسئلة تانية كتير مش هيفهم إجابتها دلوقتي, جوازنا مجرد رخصة لوجود شدوى في البيت, وأنتِ عارفة ده. 


خرج حديثها من بين أسنانها وهي تضغط على نفسها كي تكبح مقتها تجاه تلك السيدة:


- انا مش مرتحالها, ودايمًا حاسه إنها ممكن في أي وقت تأذيك عشان مصلحتها, انتَ ناسي إن لو جرالك حاجه هتكون واصية على تيم! تيم اللي كل أملاكك هتتنقل له تلقائي. 


ضحك خافتة صدرت منه ووصلتها لتلوي فمها بسأم من اقتناعه بحديثها, قبل أن يقول مستخفًا:


- مكبرة الموضوع اوي ودخلتِ في جو المسلسلات التركي! شدوى عمرها ما تفكر تأذيني, أولاً لأنها عارفة كويس إني مصدر حمايتها ومن غيري تضيع هي وتيم, وثانيًا لأنها بتحبني. 


- وأنتَ بتحبها؟


سألته بغيظ وضح في نبرتها كوضوح الشمس, ليتلاعب بحديثه معها وهو يبادل سؤالها بسؤاله:


- أنتِ شايفه ايه؟


- شايفه إنك تقفل, دمي اتحرق والله. 


وأغلقت الهاتف دون كلمة زائدة, لينظر لشاشة الهاتف التي تعلن عن انتهاء المكالمة بحاجب مرفوع وهز رأسه ملقيًا الهاتف فوق المكتب:


- مجنونة.  


دقة فوق الباب المفتوح تبعها دلوف أحد حراس القبو وهو يحييه باحترام بحركة من رأسه تبعها قوله:


- باشا. 


- في حاجه حصلت؟


سأل "شاهين" بانتظار سماع شيء يطربه كالعاده منذ الأمس, ليقول الحارس:


- البت عاوزه سعادتك, بتقول عندها كلام عاوزه تقوله. 


رفع حاجبه مستمتعًا وهو يسأله:


- سلِمت! 


وابتسامة سمجة زينت ثغر الواقف يجيبه:


- يدوب من شوية شافت الضيف التاني, طبعًا هو في حالة هستيرية من وقت ما وقع في أيدينا, فشكله خوفها اكتر من ضيف الصبح. 


اومأ برأسه راضيًا تمام الرضا عما يسمعه, وأخبره بأمر:


- الواد بتاع الصبح كفاية عليه كده, خدوه ارموه في أقرب مكان للكلب اللي كان باعته, ووصله معاه رسالة إن المرادي اللي شال الليلة الراجل بتاعه, لكن المرة الجاية اللي هيشيل الليلة الكلب نفسه, يعتبر اللي حصل في الراجل بتاعه تحذير له. 


ومدحه الرجل وهو يقول بكياسة:


- ده كرم أخلاق منك يا باشا, من امتى وشاهين باشا بيدي تحذيرات. 


لم يلتفت لحديثه وهو الذي لم يرضيه يومًا تلك الأشياء التي قد ترضي غيره, لا يلتفت لتأييد غرضه التقرب, ولا لفعل غرضه التودد وأخذ نقطة إضافية, وقال مسترخيًا على كرسيه:


- سيبها شوية.


تردد الرجل فيما يريد قوله لكنه في النهاية قال:


- باشا بس البت ممكن تتصرع, دي بتقعد تصرخ وكأن حد جوه بيعذبها! 


نظر له بجمود دون كلمة واحدة فشعر أن الكلام لم يرضيه, فكاد يتراجع مخبرًا إياه أنه سيجعلها تنتظر فلا بأس, لكنه استمع لكلمته أخيرًا:


- ماشي.. 


ولم يفهم معنى الجملة تحديدًا, فصمت منتظر بقية الحديث الذي توقع أمره له بأن يجلبها, ولكن اتسعت عيناه ذهولاً وهو يقول بعدما اطفأ لفافة تبغه ونهض متجهًا للخارج:


- ابقى طلعها بعد الغدا. 


بعد الغداء! نظر الحارس في ساعته ليجدها تشير للواحدة ظهرًا وغدائه في تمام الثالثة ونصف ساعة حتى ينتهي إذًا عليها الانتظار لساعتين ونصف بعد, إذًا فستنتظر! يا له من لعوب! دومًا في النهاية يصل لِمَ أراده, نفس النهاية لكن بطريقة ملتوية. 

❈-❈-❈


كانت تتابع عملها في الشركة التي تعمل بها, لتقترب منها صديقتها "جميلة" والتي بنفس الوقت زميلتها في العمل, ولكن تجمعهما صداقة قديمة قبل العمل, فهي تعرفها منذُ الثانوية العامة وقد كانت زميلتها في الصف, والتحقا بنفس الجامعة, وجاء قدرهما بأن يجدا عمل لهما معًا, جلست "جميلة" على كرسي مقابل لمكتب "نورهان" ومالت عليها تسألها بهمس:


- فكرتِ؟ 


أغمضت عينيها بنفاذ صبر, ولوت فمها بعدها وهي تنظر لها ساخطة:


- أنتِ تاني؟ قولتلك يا جميلة ردي من يومها.


برقت عيني "جميلة" وهي تنصحها:


- يا بنتي متبقيش عبيطة! الواد عينه هتطلع عليكي, ويتمنالك الرضا ترضي, يا هبلة ده ابن اخو صاحب الشركة. 


تهكمت وهي تسألها:


- اتجوزه عشان عمه صاحب الشركة يعني؟ ويا ترى ده هيفدني في إني اترقى مثلا!


تنهدت "جميلة" بهدوء ووضحت مقصدها:


- لا, بس قصدي ان مستقبله مضمون, وحالته المادية كويسة, ومحترم, وحلو شكلاً, وذوق, ناقصه ايه؟


حركت رأسها بيأس من أن تفهمها "جميلة", فهي دومًا تحسب الأمور من الناحية العقلية ولا تضع حسابات القلب والمشاعر في الحسبان.


- ناقصه احبه, وانا مستحيل احبه. 


اقترحت عليها وكأنها تبيع لها ثوب فتقنعها بأنه سيليق بها:


- طب ما تجربي, يمكن تحبيه.


قطبت ما بين حاجبيها بحدة:


- احبه ازاي وأنا بحب غيره يا جميلة؟! 


اغاظها ردها وهي تعلم جيدًا من المقصود ب"غيره" وتعلم القصة من البداية لحتى هذه اللحظة, صديقتها الغبية التي تصر على إضاعة عمرها هباءً مع شخص لا يناسبها ولا يلقي لها بالاً من الأساس, ولطالما نصحتها بأن تصرف تفكيرها عنه وجملتها الدائمة "يعني أخوكِ مبيقبلوش, وأنتِ وهو مبتتقابلوش ولا بتلمحيه حتى من وقت ما قطع علاقته بأخوكي, وبردو تقولي بحبه! طب هو انتِ بتشوفيه أصلاً عشان تعرفي هو كمان بيحبك ولا لأ" ودومًا كانت إجابتها الصمت, ونظرة حارقة تجعل "جميلة" تبتلع باقي حديثها. 


- وغيره بيحبك يا نن عين جميلة؟!


هي تسخر منها, الأمر واضح, تنهدت والتزمت الصمت كعادتها, لتنتفض "جميلة" واقفة وهي تقول من بين أسنانها محافظة على نبرتها المنخفضة:


- هتعنسي وانتِ مستنياه يا بنت عمران, وبكره تاخدي قلم على قفاكِ لما تلاقيه اتجوز وخلف وانتِ قاعدة على الأطلال.. اقولك حاجه؟ 


وكان سؤالها الأخير يحمل جدية جعل "نورهان" تظن أن الإجابة ستحمل نفس الجدية, ولكن تبخر ظنها والأخرى تهتف بطريقة جعلتها تضحك رغم همها:


- يتك خيبة. 


تنهدت بحزن حل عليها بعد انصراف "جميلة" ووجدت ذاتها تردد حانقة:


- منك لله يا جميلة دايمًا تقلبي عليا المواجع. 


كاذبة هي, تتحدث وكأنها تتناسى مواجعها أساسًا.. !

❈-❈-❈


- يا مازن اقعد بقى خيلتني!


قالها "مدحت" صديق "مازن" بالعمل بعدما سأم من فرط حركته منذُ أتى صباحًا, يركض هنا وهناك, ولا يعرف ما يفعله, جلس أخيرًا والغضب يتأكله وساقيهِ لم تتوقف عن الاهتزاز بينما يقول:


- هتجنن, مش عارف اوصلها, اوصلها ازاي وهي جوه قصره. 


نظر له "مدحت" يرى رد فعل حديثه عليه, فسأله بحذر:


- أقول اللي انا شايفه؟ 


نظر له "مازن" بقوة يحثه على القول, فذم شفتيهِ أسفًا يقول ما يراه من الوضع القائم: 


- مش هتعرف توصلها غير لما هي تقدر توصلك. 


- لا كتر خيرك. 


قالها باختناق ساخر ونهض يعيد دورته في أرجاء غرفة المكتب, ليعقب "مدحت" بجدية وحكمة:


- أنا بتكلم من الواقع, قولي هتوصلها ازاي وهي في قصره, شاهين المنشاوي عنده حرس ولا الحرس الجمهوري, هتوصلها ازاي جوه؟ 


تجمد في أرضه, ونظر له بقتامة يردد بهدوء يسبق العاصفة:


- يعني ابن المنشاوي بيهزمني في أول جولة في لعبتي أنا! أنا اللي خطت وصنعت اللعبة في الآخر هو اللي يكسب في أول جولة! 


- مش مهم اول جولة يا مازن, المهم الجولات الجاية, بعد ما تقدر تتواصل معاك لازم تبقى انتَ المتحكم في اللعبة. 


ضرب المكتب بقبضته بقوة هزته, وهدر متخليًا عن هدوئه:


- يعني هحط ايدي على خدي واستنى هي تكلمني! هقعد واستناها هي اللي تتصرف؟ وافرض معرفتش تتصرف, انا عارف هو بيعمل فيها ايه دلوقتي؟ افرض في خطر! هستناها تنقذ نفسها! ده انا كده ابقى**** مش راجل. 


ضرب "مدحت" كف بآخر غاضبًا:


- يا بني الموضوع مش فتحة صدر ولا فهلوة! العقل بيقول انك مش هتعرف توصلها جوه قصره, كل اللي بتقوله ده بقى ملوش معنى, لو عندك طريقة توصلها قولي وايدي على كتفك.


جلس مهمومًا وقد سقط على كرسيهِ خلفه شاعرًا بعجز يمقته, تتكرر هزيمته أمام غريمه, لا يُكتب له الانتصار ابدًا, مرة وحيدة منذُ زمن كُتب له الانتصار ومن بعدها والآخر ينتقم فلا يترك جولة إلا وينتصر فيها. 

❈-❈-❈

انتهوا من تناول الغداء, لينهض فورًا مغادرًا مائدة الطعام فلحقت بهِ على عجالة تهتف محاولة جذب انتباهه:


- أنا طلبت بدلة تيم اونلاين, وطلبت ليك نفس البدلة قولت يعني تعملوا ماتشنج هيكون شكلكوا حلو. 


توقف والتف لها محافظًا على جموده:


- بس انا عندي بدل كتير مكنتش محتاج بدلة جديدة. 


ابتسمت له بلطف وهي تقول محاولة سبر أغواره:


- بس انا اخترتلك نفس ديزاين بدلة تيم. 


رفع حاجبيهِ بملل وقال محاولاً إنهاء الحديث:


- ماشي.


ولكنه لم ينجح حين فتحت معه حديثًا آخر وهي تقول:


- شاهين احنا محتاجين نتكلم في تفاصيل ال... 

قاطعها وهو يقول بضجر واضح:


- شدوى! قولتلك التفاصيل دي مليش دعوة بيها, انا مش فاضي لحواراتك دي. 


امتعضت ملامحها وتخضن جبينها بحزن واضح وهي تردد كلمته بألم:


- حواراتي! كل ده عشان بشاركك تفاصيل البارتي, شاهين انا بحاول اوجد لغة حوار بينا, انتَ مش ملاحظ إن مفيش بينا أي كلام! حتى لما بحاول اشركك في حاجه تقولي مش فاضي.. ولا مليش دعوة بيها! 


تجمدت نظراته عليها وهو يسألها مستخفًا بحديثها:


- نوجد حوار بينا! وده ليه؟ احنا في ايه بينا عشان نوجد حوار فيه!


تغيرت ملامحها وكأنها أصبحت امرأة أخرى, وقالت بتملك محاولة الحفاظ على مكانتها وأحقيتها في حياته:


- أنا مراتك! ولا عشان متنازلة عن كل حقوقي فكرت إني مليش حقوق عندك؟ 


وها قد ظهر جانبها الشرس حين بدأت تدافع عن حقوقها, جانبها الذي يراه دومًا ويراها تخفيه خلف الشخصية المسالمة التي ترسمها, لكنه الوحيد الذي يراه مهما حاولت إخفائه, لم تظهر على ملامحه أي تغيير وقال متهكمًا رغم جدية نبرته:


- مراتي, صح أنتِ مراتي أنا ازاي نسيت! ماشي يا مراتِ.. خير بقى محتاجه ايه بعد كل اللي قولتيه ده وحقوقي وحقوقك! 


اقتربت منه خطوتين رافعة حاجبها الأيسر بتحدي وثقة وقالت بنفس نبرته المتهكمة:


- اقولك انا, مراتك يعني حقي اشاركك في كل حاجه في حياتك, حقي أكون دايمًا جنبك مش وراك, نتفاهم ونتكلم زي أي اتنين متجوزين مش كل كام شهر يجمعنا كلمتين يخلصوا لما حضرتك تزهق, مراتك يعني أكون مشاركك اوضتك وسريرك مش مرميه مع ابني وقدام الخدم عارفين ان علاقتنا منقطعة! 


طالعها بقوة وهو يسألها مستخفًا بكل حديثها المعاد للمرة الألف:


- أنتِ هتعيدي نفس الكلام كل كام شهر؟ هم البوقين دول مش لسه قيلاهم من فترة! 


أصدرت صوتًا ساخرًا من حنجرتها واتبعها تساؤلها رغم علمها للإجابة:


- وفرقوا؟ 


ابتسامة صفراء زينت ثغره وهو يجيبها ببرود:


- ولا هيفرقوا, مش معنى كده انك كل شوية تعيديهم! احنا بقالنا 6 سنين كده, والخدم مش مستغربين بالعكس دول هيستغربوا لو شافوكي في يوم نايمه في أوضتي, ونظرتهم لينا مش هتكون تمام, وأنا اهم حاجه نظرة الناس ليا. 


وانسحب من أمامها تاركًا إياها في خضم ذهولها من جوابه, "نظرة الناس"! ومن يقولها "شاهين المنشاوي"! الطاووس المغرور الذي لا يهتم لأحد غيره! لا يفرق معه نظرة الناس إليه حتى وإن سار عاريًا. 


صعدت درجات السلم ركضًا وهي تكاد تحفر فيها محل قدميها من شدة الغضب ولسانها يردد:


- نظرة الناس يا شاهين! والناس مش هتتكلم وانت هاجر مراتك من سنين! ماشي يابن المنشاوي, ماشي. 

❈-❈-❈

فتحت الباب بلهفة وقد ظنت أن تلك الدقات التي سمعتها فوقه تعود لابنتها الغائبة, لكن خاب ظنها وهي ترى "مجد" يقف أمامها مبتسمًا بحرج واضح, تنهدت بإحباط وهي ترحب بهِ:


- اهلاً يا مجد, ازيك يا بني؟ 


اجابها مبتسمًا ببشاشته المعهودة:


- الحمد لله يا ام فُلة, ازيك انتِ؟ 


- نحمد الله يا بني. 


وصمتت وصمت هو الآخر ليشعر بالحرج من وقفته هكذا بلا حِراك كالبلهاء, فتنحنح بتوتر وهو يقول محاولاً صياغة سؤاله:


- انا يعني... بقالي مدة مبشوفش فُلة وقولت يعني اجي اطمن لتكون فيها حاجه بعيد الشر. 


 نفت برأسها وقالت بثبات:


- فُلة عند ناس قرايبنا من أسيوط, قاعده معاهم فترة كده. 


قطبت ما بين حاجبيهِ مستغربًا وسألها بفضول لم يستطع كبحه يشوبه قلق على غيابها:


- خير؟ 


ارتبكت "مديحة" قليلاً في إجابتها ولكنها حاولت أن تبدو مقنعة كي لا تثير شكه وكي لا يعاود السؤال مرة أخرى:


- هم يعني... هم قرايبنا و... وشايفين لها شغلانه حلوه هناك, قالت تروح تجرب شهر ولا اتنين ولو عجبتها تستمر فيها بدل بهدلة الإشارات. 


- مانا قولتلك يا ست مديحة, اقنعيها نتجوز وانا استتها وارحمها من البهدلة. 


حاولت التهرب من حديثه هذه المرة وهي تقول:


- سيب كل حاجه لأوانها يا بني. 


وفهم تهربها من الموضوع ورغبتها في إغلاق الحديث فيه لحين إشعار آخر, فهز رأسه بإحباط ظهر جليًا على وجهه وقال منهيًا اللقاء:


- ماشي يام فُلة, ربنا يردها بالسلامة. 


وانسحب من أمامها يسأل نفسه سؤالاً واحدًا لمتى؟ لمتى سيظل معلقًا هكذا بين السماء والأرض, والسماء تعني موافقتها والأرض سيسقط فيها صريعًا إن رفضته بقرار نهائي لا رجعة فيه، والسؤال الأكثر إلحاحًا لِمَ لم يذق من الحب سوى مرارته؟ وهل سيُكتب له تذوق نعيمه؟ 


❈-❈-❈

وأخيرًا... 

هل انتهى عذابها أم مازال له بقية؟ رأت شعاع الأمل حين أخرجوها من تلك الغرفة المقيتة, شعرت وكأنها تسترد روحها وهي تصعد من ذلك القبو المشابه للقبر, لن تعود له مرة أخرى مهما كلفها الأمر, ستنجو بنفسها تحت أي خسارة أخرى, لن تتحمل, إن عادت له مرة أخرى ستموت رعبًا وقهرًا, واختناقًا, لن تتحمل ثانية جديدة في ذلك المكان الذي أطبق على أنفاسها. 


وأخيرًا أصبحت أمامه, وأمنيتها كانت شيء واحد وهي تراه يجلس باسترخاء تام فوق كرسي مكتبه ينفس دخان لفافته الفاخرة صانعًا سحابة دخانية حوله, ونظراته... وآهٍ من نظراته, منتصرة, شامتة, وكأنه يخبرها بصمت أنها هنا لتخبره بخضوعها لرغبته, وأمنيتها كانت أن تلتقط مطفأة السجائر الدخانية وتهوي بها على رأسه حتى ترى دمائه, ومجرد تخيلها للمشهد شعرت براحة! 


لم ينطق, ولم تستطع الوقوف على قدميها أكثر, فاتجهت بخطى بطيئة, وجسد مرهق لتجلس فوق الكرسي المقابل له, ورغم شحوب وجهها وانكسارها الواضح لكن رأسها مرفوعة بعزة زائفة, وأخيرًا قطعت هي الصمت وقالت بجمود:


- مازن اللي عاوزني اقطع علاقتي بيه أنا معرفوش اصلاً, عمري ما جمعتني بيه علاقة, لا بحبه ولا بيحبني, هو عمل كل ده عشان يوقعك انتَ, كان عارف انك هتجبني هنا, او هتحاول تقربلي, والمفروض اني وقتها اكسبك في صفي... لو سألتني ليه هقولك معرفش, بس اللي اعرفه انه كان هيستفيد بيا بعدين. 


أخرجت ما في جعبتها وزفرت أنفاسها وقد انتهت دون أن تهتم برؤية معالمه وأثر حديثها وهي تردد في داخلها 

"كسبت نفسي

نجوت بنفسي 

وليحترق الجميع

لن أخسر طاقتي لأجل أحد

لن أضحي لأجل أحد فلا أحد يستحق

ولا شيء يستحق

أنا أولاً ثم... لاشيء بعدي..

يتبع 


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ناهد خالد، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية..

رواياتنا الحصرية كاملة