رواية جديدة بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) لعفاف شريف - الفصل 15 - 3 - الثلاثاء 7/1/2025
قراءة رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض)
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة عفاف شريف
الفصل الخامس عشر
3
تم النشر الثلاثاء
7/1/2025
كان يقف في المطبخ يضع طعام الغداء في الأطباق قبل أن يوقظها لتأكل معه.
استيقظ صباحًا على صوت بكاء الصغيرة، ليجدها متكومة بجانبه بتعب، حتى أنها تقريبًا لم تسمع صوت بكاء شمس.
لذلك حمل الصغيرة وتركها تنام بهدوء لتحصل على أكبر قدر من الراحة، وليهتم هو بالصغيرة.
طلب إجازة لليوم، وقرر أنه سيعمل يوم الإجازة عوضًا عن اليوم.
تناول الإفطار هو والصغيرة المشاكسة،
تلك التي أطارت عقله من الصباح.
وظلا هكذا يلاعبها تارة وتبكي تارة، حتى انتهت طاقته.
وقرر طلب طعام من الخارج، فلا هي ستقدر على إعداد شيء سريع، ولا هو سيسمح لها من الأساس.
وقف يحمل الصغيرة، يضمها إلى صدره في حامل الرضع، وهي تحرك يدها هنا وهناك، مستكشفة وجهه كعادتها، قبل أن تحط بيدها الصغيرة على وجهه، مصدرة صوتًا عاليًا.
نظر لها بغيظ، لترجع رأسها وتضحك بقوة.
تظاهر بأنه سيأكل يدها الصغيرة، لتُعطيه كفًا آخر بيدها الأخرى وتضحك مرة أخرى.
لم يقدر على الصمود أمام ضحكتها أكثر من ثوانٍ، قبل أن ينفجر هو الآخر ضاحكًا، ضامًا إياها إلى صدره، مقبِّلًا وجنتيها الممتلئة الشبيهة بحلوى السكر.
قبل أن تنتبه عيناه لتلك الواقفة على باب الغرفة بتعب، تحدق فيهم بصمت تام.
ابتهجت الصغيرة بشدة وهي تصفق بيديها، تشير لأمها بسعادة، راغبة بالذهاب إليها، متحدثة بكلمات غير مفهومة.
وعندما ظلت كما هي محلها، اقترب منها هو حتى وصل إليها، ومالت الصغيرة نحوها تمسك خصلاتها وتشُدُّها نحوها.
تأوهت وهي تقترب منهم حتى كادت أن تلتصق به، والصغيرة تريد أن تذهب إليها، فلم يجد نفسه سوى وهو يشدها من خصرها، يضمها والصغيرة.
وضعت رأسها على صدره، والصغيرة أيضًا، وظلوا هكذا حتى همست بحزن:
أنا آسفة يا حسام.
تنهد وهو يضمها إلى صدره بصمت، وتحرك بها والصغيرة نحو المائدة، مُقررًا أنه يجب أن يجلسا سويًا طويلًا، عله يكتشف سبب الخلل الذي يحدث بكل مرة.
عله يحل تلك المعضلة، فهو في كل الأحوال لن يتحمل خسارتها.
ولا يريد
❈-❈-❈
لحظات الفراق تخبرنا بكل ألم
أننا أصبحنا وحدنا،
حتى وإن كان الجميع حولنا،
نشعر بالوحدة تغزو قلوبنا،
ويصبح الصمت هو رفيقنا،
والذكريات تلاحقنا بكل تفاصيلها،
مما يجعلنا نتساءل عن الزمن الذي مضى،
وعن تلك اللحظات التي كنا فيها معًا.
كان يجلس على فراشه يقلب في مجمع الصور الخاص بالعائلة،
صور زفافه،
هو وزهرته الراحلة رحمها الله،
أول أطفاله،
واحدًا تلو الآخر،
جميع المراحل،
من الروضة حتى التخرج،
صور الزفاف الخاصة بهم،
أول أطفالهم،
وأول أحفادهم.
كل تلك تظل ذكريات،
الكثير من الذكريات تمر أمام عينه كل يوم،
يصر هو على جمعها مهما رأى الجميع أنها غير مهمة.
يرى هو أنها الأهم والمهم،
تلك الذكريات التي تحتضن قلبه.
الجميع غادره،
وظل هو هكذا.
لن ينكر محاولة الجميع التواجد رغم انشغالهم،
لكنه يريد أن يراهم حوله من جديد،
لا يريد الهدوء،
يريد إزعاجهم وثرثرتهم.
يريد أن يستعيد صغاره مرة أخرى.
رنين هاتفه رسم الابتسامة على شفتاه،
وهو يفتح المكالمة المرئية،
ليقابله وجه حفيدته الصغيرة مريم،
وبجانبها مراد.
ابتسم ابتسامة عميقة وهو يقول بشوق:
وحشتوني.
ردت مريم بسرعة:
وإنت كمان يا جدو.
أهداها قبلة لتهديها هي أخرى،
والصغير يحزو حزوها،
ويقبله.
قبل أن يشير له على الواجبات الخاصة بهم.
ورغم اشتياقه لهم،
لكن خلو المحادثة من ابنه أمير أو حتى زوجته
أثار فضوله.
فهو منذ الكثير لم يحادث الصغار محادثة مرئية لانشغالهم بالتمارين والتدريب،
كما قال أمير.
لذا تساءل بهدوء:
أمال فين بابي ومامي يا ولاد؟
إجابتة مريم بحزن:في الشغل يا جدو.
نظر إلى ساعته،
الآن الوقت تأخر هناك.
سأل مرة أخرى:
مين معاكم؟
رد مراد:
إيميليا.
ظهرت من خلفهم إيميليا،
ليسألها بهدوء:
أستاذ أمير مش موجود؟
هو متعود يتأخر كده؟
هزت رأسها قبل أن تقول:
نعم، سيد أمير والسيدة يارا لا يصلان الآن،
يصلان عادة بعد منتصف الليل.
أومأ لها بصمت،
قبل أن يتابع حديثه مع الصغار ببال مشغول،
ماذا يحدث هناك مع أحفاده؟
وأين ابنة من كل هذا؟
❈-❈-❈
فتح باب الشقة وهو يشير لها أن تدخل،
ودلفت بالفعل دون أن تنظر إليه،
لكنها وقفت مكانها متسمرة متسعة العينين،
وهي تشاهد أمامها لوزة نائمة على طاولة الطعام،
التي أصبحت ساحة حرب فعلية،
وقد تناثر كل شيء في كل مكان.
تنام ببطن أكبر من بطنها المعتادة كأنها منتفخة،
وبجانبها أطباق الطعام التي نسيت أن تدخلها المطبخ قبل أن تغادر من سرعتها،
وقد أصبحت فارغة إلا من بعض الأشياء الصغيرة،
ويبدو أنها تناولت كل شيء،
حقًا كل شيء،
بمعنى كل شيء.
قضت على الأخضر واليابس، الحيوانة!
لم تترك لها حتى قطعة واحدة لتذوقها،
لتسقط بعدها في نوم عميق،
بعد أن ملأت معدتها بطعامها،
ينقصها كوب شاي فقط.
هزت رأسها برعب حقيقي، وهي تبتلع ريقها وتنظر لعمر الواقف بجانبها،
متسع العينين، فاغر الفم، يشاهد لوزة التي فتحت عينيها متفاجئة من وجودهم،
متقلبة يمينًا ويسارًا،
تهز ذيلها بدلال،
قبل أن تقوم من مكانها،
تسير ببطء وتتبختر،
تكمل مسح باقي الأطباق.
حسنًا، على الأقل هي قطة نظيفة،
لم تحب أن ترهقها في غسيل الأطباق.
لوزة مثال للقطة التي تم تربيتها عشر مرات.
أفاقت من أفكارها على صيحة عمر العالية،
والتي لم تفزعها هي فقط،
بل أفزعت لوزة،
التي انتفضت تنظر له بغيظ،
تصدر عدة أصوات غاضبة،
جعلته يتراجع للخلف قليلًا،
وهو يراها تقترب منه تسير على الطاولة،
تراجع أكثر وهو يشير لفريدة بقرف قائلاً بسرعة: "إياكِ تقربي مني،
أنتِ فاهمة؟"
ناظرته بضيق،
قبل أن تقترب من لوزة،
التي أسقطت نفسها على الطاولة لتداعبها فريدة،
ولم تبخل عليها الأخرى بالكثير من الحب،
وهي تميل عليها تقرص وجنتها قائلة بحب: "طب سبيلي حتة يا لوزة،
بس هنا على قلبك، أنتِ واللوز الصغير."
قالتها وهي تمسد على بطنها الممتلئة،
تحت نظرات عمر المغتاظة من فريدة وتصرفاتها،
قبل أن يصيح مرة أخرى: "طلعي القطة دي بره،
دي كلت السمك،
كلت السمك اللي أنا كان نفسي فيه!"
ظلت تداعب القطة قليلاً دون أن تعطيه أي اهتمام،
قبل أن تلتف له و هي تحملها،
قائلة وهي تقترب منه خطوة،
يبتعدها هو للخلف مرة أخرى : "أنتِ ليكِ عين كمان تزعق؟
أنت إزاي كده؟
أنا سكّت مش عشان خايفه،
أو مش عشان أنتِ صح،
سكّت عشان رد فعلي مش هيعجبك،
فخليني ساكتة،
أحسن ليا وليك."
وكادت أن تلتفت منهيّة النقاش، إلا أنه صاح مرة أخرى: "لا، متسكتيش، اتكلمي!
أنا مش حابب الوضع الصامت ده،
لازم نتناقش،
نحل اللي بينا،
مش تسبيني وتمشي،
اتكلمي أنا مش عايزك تسكتي!"
وضعت لوزة على الأرض،
لتسير ببطء وتلتف حول ساقها ،
قبل أن ترد بقهر وهي تضرب صدره: "عايزني أتكلم؟
عايزني أقول إيه؟
أقولك إزاي سمحت لوحدة تحضنك بالشكل ده؟
إزاي اتجرأت تعمّل كده؟
أنت هنتني،
وهنت حبي،
وهنت كرامتي،
وأنا شايفة في حضنك واحدة غيري.
واللي انكسر جوايا النهارده،
لا يمكن يصلحه أي حاجة!"
وكادت أن تغادر وهي تبكي،
إلا أن يديه منعتها وهو يقربها من صدره قائلاً برفق: "فريدة،
لو سمحتي اهدي،
دي سلمى بنت عمتي."
ناظرته بغضب،
لكنه أكمل بسرعة: "أنا مش ببرر،
بس هي متربية معايا،
وبتعتبرني أخوها،
وعملت كده برد فعل طبيعي وتلقائي،
عشان ما شفتنيش من يوم ما اتجوزنا،
ودي أول مرة أبعد عنهم كده،
أنا عارف إنه غلط وحرام،
صدقيني مش ببرر أبدًا،
بس مكنش ينفع تعملي كده،
أنا كنت هبعدها عني،
بس أنتِ ضربتيها،
وشديتي شعرها،
واتفضحنا في البيت،
ودي بنت عمتي في الأول والآخر،
أنتِ متخيلة الموقف اللي أنا فيه؟
فريدة، لازم تعرفي أن مفيش في قلبي غيرك،
واللي حصل كان غلط من الطرفين،
منك ومنها."
أبعدته عنها سريعًا قائلة باستهجان: "مني؟
مني أنا؟
إيه، عايزيني أشوفها بتحضنك،
وأسقفلها؟
أقولها: بارفوا يا حبيبي،
كملي أحضان؟
إنت بتقول إيه؟
واحدة معرفهاش بتحضن جوزي؟
إنت متوقع مني إيه؟
هتقبلها انت عليا يا عمر؟
هتقبل حد يحضني؟"
قالتها بصراخ،
لتتسع عيناها وهو يصيح بها بحدة: "فريدة،
إنتِ اتجننتي؟
إيه اللي بتقوليه ده؟"
قالها وهو يشدد على يدها بقوة وغضب وغيرة.
تنهدت بغيظ وألم وهي ترد:
"شفت انت مستحملتش مجرد كلام،
متخيل أنا كان إيه إحساسي؟
لا، مش متخيل،
لأنك لو متخيل،
مكنتش وقفت قدامي بتقولي إني غلطت،
الغلط لو حصل،
ف منك،
مش مني.
وأنا عمري ما هسامحك أبدًا
على اللحظة دي،
أنت غلطان، وبدل ما تعتذر،
واقف تحاسبني،
حاسب نفسك الأول!"
ومالت للأسفل تحمل لوزة بين يديها قائلة بحزم: "أنا النهاردة هنام مع لوزة،
نام أنت في أي حتة ثانية."
ودلفت لغرفتها،
صافعة الباب خلفه،
معلنة انتهاء النقاش.
❈-❈-❈
جلست على الفراش بعد أن أبدلت ثيابها،
تلاعب لوزة النائمة بجانبها الخاص،
فهي تخص نفسها بجانب عمر،
يعاتبها،
يراها مخطئة،
أي رجل هذا؟
أي رجل تزوجت؟
يراها مخطئة.
حسنًا، فلتصفق لهم المرة القادمة!
هزلت.
أفاقت من شرودها على صوت طرقات الباب.
ظلت تنظر له عدة ثوانٍ،
قبل أن يأتيها صوت عمر قائلاً برفق: "فريدة،
فريدة افتحي، خلينا نتكلم بهدوء طيب.
ما مش طبيعي اللي بيحصل ده،
نتكلم ونتعاتب.
حقك عليا يا ستي،
أنا غلطان وآسف،
بس افتحي لو سمحتي."
نظرت للوزة التي تقلبت على الفراش تعطيها ظهرها،
قبل أن تقف وتفتح الباب، تناظره بضيق.
طالعها بهدوء وهو يقول: "ينفع اللي بيحصل ده؟
بدل ما نقعد نتكلم ونتناقش،
بتتقمصي زي العيال؟"
اتسعت عيناها،
وهي تمسك بالباب تحاول إغلاقه في وجهه،
إلا أنه ضحك وهو يمنعها بسرعة قائلاً برفق: "يا ستي، بهزر،
يا فريدة،
عمتي هي اللي باقيه ليا في الدنيا،
هي اللي ربتني وكبرتني وعلمتني،
ولولاها بعد رب، مكنتش وصلت أبدًا للي أنا فيه.
أنتِ متعرفيش هي ضحت قد إي عشاني،
وحرمت نفسها وبيتها قد اي ،
مقدرش أزعلها أبدًا،
مقدرش أبدًا، صدقيني،
لكن برضو مستحيل أقدر أزعلك."
قالها وهو يرفع يدها ويقبلها،
وهو يكمل: "سلمي تصرفاتها متهورة شوية،
لكن أوعدك أحط حد للموضوع ده،
وأي حاجة حصلت متتكررش تاني أبدًا،
أوعدك،
بس لو سمحتي قدري أنهم أهلي،
وغصب عني الوضع اللي أنا فيه،
أنا بين نارين بينك وبينهم،
ولازم نلاقي حل للي حصل النهارده."
ناظرته بضيق وصدرها يشتعل،
وظل هكذا يراضيها ويحايلها،
حتى صمتت،
وهي لا تجد ما يقال.
وقبل أن يدخل معها لغرفتهما
ليكملا الحديث،
ناظر لوزة التي تناظره بهدوء من على فراشه،
تحديدًا الجانب الخاص به،
تتقلب به يمينًا ويسارًا،
وقبل أن يصيح بها أن تبتعد،
أوقفته فريدة تلك المرة قائلة بحسم:
"لو سمحت، متزعقش للوزة تاني،
دي حامل ونفسيتها مهمة جدًا جدًا في المرحلة دي."
وأكملت بتقرير: "لوزة هتنام جمبي يا عمر."
ونام عمر على الأريكة،
يستحق العقاب،
لكن بداخلها،
هي لا تريد عقابه،
هي لا تريد سوى الراحة لقلبها المحتار،
فهي لم تعد تفهم ما تفعل حتى.
❈-❈-❈
بعد مرور ثلاث أيام،
وقفت سيارة الأجرة أمام منزل والديها.
كم فكرت لكي تأخذ تلك الخطوة،
الكثير من التفكير،
الكثير من التردد،
الكثير من التوتر،
والكثير من التراجع عن تلك الخطوة.
خطوة أرادتها وإن لم تردها.
هي لم ترد أن تأتي،
لكنها ورغم كل شيء أتت.
اشتاقت لهم،
اشتاقت لأمها،
وأبيها،
صارمين،
متعبين،
مرهقين.
ماذا ستفعل؟
هل ستقاطعهم إلى نهاية العمر؟
لن تفعل،
لن تستطيع أصلاً.
اليوم هاتفَت أمها أكثر من مرة،
لكن النتيجة كانت واحدة،
لم تجبها.
ترجلت من السيارة،
ووقفت أمام الباب عدة دقائق،
قبل أن ترن الجرس.
تبعه استقبال حار من إحدى المساعدات،
ما إن رأتْها أمامها،
ابتسمت لها قائلةً بسعادة: "وحشتوني أنتم كمان قوي،
عاملة إيه؟"
وبعد حديث سريع،
تساءلت وهي تنظر حولها: "فين مامي؟
ممكن تبلغيها إني جيت؟
أو خلاص أنا هطلعلها."
ابتسمت لها المساعدة باعتذار،
وهي تخبرها أنها ليست هنا،
قد ذهبت إلى الشركة.
قطبت حاجبها باستغراب،
إلا أنها لم تهتم كثيرًا،
وهي تودعها بابتسامة هادئة،
متوجهة نحو الشركة،
نحو مصير لم تعلم عنه شيء.
❈-❈-❈
صعدت بهدوء نحو مكتب والدها بعد أن حياها الموظفون بسعادة من وجودها.
ابتسمت لهم بهدوء وهي ترفع الهاتف على أذنها تجيب عمر قائلةً بهدوء:
"قدامك قد إيه يا عمر؟"
"تمام، أكون نزلت.
أنا مش هطول.
هسلم عليهم وانزل."
"أوك، باي."
وأغلقت معه وهي تقف أمام مساعدة مكتب والدها،
التي ما إن رآتها حتى تحركت بسرعة، تحييها، وتسمح لها بالدخول، وتسألها ماذا تحب أن تشرب.
حينها توجهت نحو الباب بابتسامة،
وقلبها مرتجف،
قلب خائف،
لكن يملؤه الكثير من الأمل،
والكثير من الرغبة في أحد تلك الأحضان،
أو حتى ابتسامة فقط.
أخذت نفسًا عميقًا،
ورفعت يدها تطرق بالباب بيد مرتجفة،
كطالبةً تواجه امتحانًا عصيبًا للغاية.
وما إن سمعت إذن الدخول،
حتى دلفت مغلقةً الباب خلفها،
بابتسامة اختفت تمامًا،
وهي ترى ثلاث أزواج من العيون
تناظرها بدهشة، غضب، غيرة، ومشاعر كثيرة
لن تقدر حتى على فهمها.
قبل أن ينتفض والدها من مكانه،
يصيح بها بغضب وعصبية وكأن الجن قد تلبس جسده أو تعرض لماس كهربائي:
"إنتِ بتعملي إيه هنا؟
أنا مش قلتلك انسِي إن ليكي أب وأم؟
انسِي إنك كنتِ واحدة من العيلة دي.
قلتلك اعتبري نفسك يتيمة.
اخرجي بره!
بره!
جايّة تعملي إيه؟
جايّة تخدي فلوس؟
جوزك الجروبع بعتك تخدي مننا؟
انسِي!
لو بتموتي كده،
مش هتخدي أي حاجة.
بره!
بره!"
قالها بزعيق،
جعلها ترتد قليلاً للخلف،
وهي ترى وقوف أمها تحدّجها بضيق،
وأسيا التي تحركت تناظرها بتفحص شديد،
تفحص دقيق وشديد،
كأنها تريد أن ترى كيف تحيا،
سعيدة؟
أم تتمنى أن تكون تعيسة؟
قبل أن تقترب من شوكت تربت على صدره قائلةً بهدوء:
"لو سمحت يا عمو،
اهدي عشان صحتك."
واكملت وهي توجه حديثها إلى فريدة:
"اخرجي لو سمحتي.
عمو هيتعب بسببك."
اتسعت عينا الأخرى بشدة،
تناظر أمها تريد أن ترى رد فعل أمومي.
أي رد فعل؟
أن تدافع عنها؟
أن تنهر ابن أخيها؟
أن تصرخ بها كيف لها أن تطرد ابنتها؟
لكن رد أمها كان محطمًا لكل آمالها،
وهي تقول بتأكيد:
"أسيا عندها حق.
امشي يا فريدة.
إنتِ اخترتي طريقك خلاص.
جايّة تعملي إيه؟
اخرجي يلا.
كفاية اللي عملتيه."
لا تعلم من أين أتت بكل تلك القوة
على الصمود والسكوت.
من أين أتت بقوة لكبح دموعها اليائسة؟
قبل أن تحرك ساقها اليابسة،
تلتف وتخرج بصمت تام،
ودموعها المتحجرة تأبى الهبوط لأجلهم.
غادرت بصمت يستحقوه،
ولا تستحقه هي.
صمت مؤلم.
❈-❈-❈
كان يسير في ممر الشركة
يحمل بين يديه عدة ملفات يراجعهم سريعًا قبل أن يصعد لوالده لتوقيعهم.
كان ذهنه مشغولًا وعقله مزدحمًا للغاية،
ولا يدري لماذا في تلك اللحظة تحديدًا.
إلا أن شيئًا ما دفعه ليرفع وجهه،
والغريب أنه فعلها،
ورفع وجهه يتطلع أمامه.
وهنا توقفت قدماه، فجأة تسمرت، كان هناك مغناطيس قد أوقفه.
شيء أقوى من المغناطيس بالنسبة له
فريدة.
حين ظهرت، توقف الزمان في لحظة،
وكأن الكون نفسه اختار أن يتنفس بحضورها.
الهواء، الأرض، والشمس، كل شيء حوله كان يراقبها،
وكل لحظة بدونها كانت مجرد غياب.
هي الحكاية التي لم تكتمل إلا بلقائها،
وفي عينيها، وجد قلبه موطنه،
هي السبب الذي يعيد الحياة لكل لحظة،
حين أشرقت، أصبح العالم أكثر إشراقًا.
كانت تناظره ولا تنظر إليه.
لم تراه حتى،
إلا أنه أسرع قبل أن تتخطاه يهمس بصدمة وسعادة: "فريدة".
وكم كان ينتظر أن يتذوق حلاوة اسمها من بين شفتيه.
قطعة السكر تعطي حلاوة لأي شيء.
وقفت فاجأه، تناظره بدهشة تحولت لارتباك،
قبل أن تقول دون وعي: "تميم".
كان يود أن يوقف كل شيء في تلك اللحظة
ليحتفظ بها فقط.
أكان اسمه بتلك الحلاوة من قبل؟
ابتسم لها وهو يرفع يده مرحبًا بها قائلاً بشوق: "عاش من شافك يا فريدة".
رفعت يدها بإحراج لكي تضعها في يده
تسلم عليه،
لكن يدًا أخرى وضعت في يده.
يد تعرفها جيدًا.
التفتت تنظر بجانبها بتفاجؤ
وهي تري عمر يناظرها بضيق.
كان أشد لتميم المتعجب من هذا الرجل.
من هذا أصلاً؟
تبادل الرجلان نظرات حادة، وساد التوتر والحدة في الأجواء بينهما.
قبل أن تقول فريدة بتوتر مشيرة لتميم: "تميم،
ابن عم أونكل مدحت شريك بابا".
وأكملت مشيرة لعمر: "عمر،
جوزي".
يتبع...
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة عفاف شريف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية