رواية جديدة سرداب الغرام لندا حسن - الفصل 11 - 2 - الأحد 5/1/2025
قراءة رواية سرداب الغرام كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية سرداب الغرام
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة ندا حسن
الفصل الحادي عشر
2
تم النشر يوم الأحد
5/1/2025
جلس "يوسف" في شقته مع "مهرة" بعدما ذهب للاطمئنان عليها، لكنه لم يكن جالسًا معها، لحظات مرت عليه وهو شاردًا في ذكرى مرت عليهم منذ أكثر من ثلاث سنوات..
"دلف عز إلى المكتب بعدما دق الباب وسمح له "يوسف" بالدخول، وقف ينظر إليه للحظة ثم قال بجدية:
-البنت اللي قولتلك عليها معايا بره اهي ادخلها تشوفها
أومأ إليه برأسه بتأكيد:
-آه خليها تدخل
ذهب إلى الخارج ثم عاد من جديد يدلف وخلفه "آية" التي تحدثت برفق:
-ازيك يا يوسف عامل ايه
وقف على قدميه خلف المكتب بينما هي تقدمت منه لتسلم عليه أجابها بهدوء مُبتسمًا:
-الحمدلله بخير اتفضلي
أبتعدت من أمامه لتذهب جانبًا فيفتح الطريق أمامه لرؤيتها، تلك الفتاة التي خطفت عيناه من مقلتيه وسحرت قلبه الذي ارتفعت دقاته دون إرادة أو دراية، وقف أمامها كالأبلة يتخبط بين الطرق وهو في محله لم يتزحزح تتناثر كلماته بهمجية وهو صامت يتحرك ناظرًا إلى الجميع وعيناه ثابتة عليها..
فتاة بعينان رمادية اللون خلابة تتزين بالخط الأسود المحيط لمرماديتها وبسحبة أعين لا تماثل أحد ولا تتشابه مع أحد، لم يراها سابقًا ولن يراها أبدًا مرة أخرى وذلك السيال من الأهداب الذي يغطي عينيها، سحر، تفكيره لم يسعفه لتفسير عيون من أمامه سوى بأنها سحر أو شيء غريب أتى وسيرحل بعد قليل عندما يأخذ نظرته الكافية منها ليتذكرها طوال العمر وتخلد ذكراها به ولن يجدها مرة ثانية مهما حدث..
لقد كانت هذه عيناها فقط التي سلبت أنفاسه وجعلته يقف بينهم متحيرًا ثابتًا غير قادرًا على الحركة إذًا ماذا عن بقية ملامحها؟ ماذا عن شفتيها فقط!.. تلك الشفتين الوردية الغريبة كليًا، تلك الشفتين التي تتحلى برسمة فريدة خاصة كرسمة عيناها لا تخص سواها؟ تدعوه لفعل أشياء لا يدري كيف تخطر على باله.. من هذه!
من هذه الفتاة التي تتمتع بجمال خطف أعينه منه وسلب أنفاسه إلى أن بقيٰ واقفًا خجولًا من نفسه أمامهم بعد أن لم يستطع التحكم بذاته وهو ينظر إليها! هل حدث ذلك مع صديقه عندما رآها أم أنه يعظم الأمور؟ أي أمور وأي تعظيم لما قد ينظر إليها أحدًا غيره من الأساس؟ لما قد يتعمق بها وملامحها رجلًا غيره؟ لما قد ينظر غيره إلى تلك الخصلات الغجرية المتناثرة حول وجهها وتتطاير خلفها بطولها وروعتها، هل يستطيع أن يمد كف يده ليمسد على خصلاتها بمنتهى الرقة وليشعر بملمسها ونعومتها؟
أحمر وجهها من الخجل، شعرت بأنها تود الأرض لو تفتح أبوابها وتأخذها داخلها دون عودة، أبعدت عيناها عنه بعدما طال نظرة إليها بل طال أكثر من اللازم لتتوجه بنظراتها إلى صديقتها تتسائل بأعين خجولة ما الذي يحدث هل أصابه شيء كصاعقة كهربائية مثلًا ليقف هكذا دون أي رد فعل وكل ما يتحرك به هو عيناه البنية التي تتحرك على ملامحها وخصلاتها وكأنه يؤكد على شيء يخصه هو..
نظرت "آية" إلى "عز" باستغراب وقد شعر هو الآخر بخوف "مهرة" وتراجعها للخلف بعد نظرات "يوسف" المريبة عليها ولكنها كانت نظرات انبهار واضحة..
أقترب منه يجذبه محتضنًا إياه رافعًا ذراعه عليه كي يتمكن من أخذه إلى الخارج بعيدًا عنها، جذبه عنوة فسار "يوسف" معه دون أن يتحدث لكنه استدار ينظر إليها بلهفة كبيرة وكأن حياته تتمثل في نظرته إليها والتمتع بجمالها.. فعلت المثل وهي تراه يبتعد تستدير تنظر إليه باستغراب جلي تتسائل هل يمكن أن يكون أبلة؟
أقتربت من "آية" صارخة عليها بريبة:
-يخربيتك أنتي جيباني فين.. ده شكله مجنون
ابتسمت ضاحكة وتوجهت لتجلس على الأريكة خلفها قائلة بمرح:
-مجنون ايه يا هبلة ده شكله معجب
أقتربت منها بعدما ابتعدت هي تقول باستغراب:
-بطلي مش وقت هزار هو ماله وقف زي الهُبل كده ليه
أجابتها "آية" بجدية:
-والله شكله مُعجب كان بيبص عليكي أنتي بس
أمسكت بيدها وبادرت تحاول جذبها للذهاب إلى الخارج بعدما شعرت بالريبة منه:
-طب يلا نمشي
وقفت أمامها بعدما جذبتها عنوة تقول بقوة:
-نمشي فين أنتي اتهبلتي ده صاحب الشركة
انفعلت "مهرة" صائحة بعصبية واضعة يدها الاثنين في جانبيها:
-وأنا هشتغل عند واحد بصباص ليه إن شاء الله
عقبت على حديثها بهدوء:
-يابنتي يوسف مش كده استني بس يجي وأنتي هتشوفي دا راجل بجد وكاريزما بس معرفش حصله ايه
صاحت بهمجية:
-حصله ايه؟ ده متحرش
ارتفعت ضحكات الأخرى أمامها بعدما استمعت إلى حديثها لتصيح بانفعال أكثر:
-بتضحكي على ايه أنتي كمان
وجدت باب المكتب يُفتح من جديد ليطل منه "عز" وخلفه "يوسف" الذي ما أن دلف إلى داخل المكتب وقعت عينيه عليها مرة أخرى وكأن السحر أصابه.. وكأنه كان له هو فقط!..
زفرت بضيق بعدما أطال النظر بها مرة أخرى فصاحت بصوتها المنفعل أمامه:
-يلا ياستي خلينا نمشي
كان صوتها همجي منفعل، جريء إلى الحد الذي كان ظاهر للجميع إلا هو فقد رآها رقيقة هادئة خلابة وساحرة.. تقدم إلى الداخل حينما أدرك أنها سترحل إن بقيٰ على هذا الوضع فحاول الاستفاقة منه ليتقدم إليها يقف أمامها مباشرة فكان قريب إلى الحد الكافي الذي يجعله يتأمل جمالها أكثر..
أتاها صوته الأجش قائلًا:
-أنا يوسف رضوان
حركت وجهها للناحية الأخرى تنظر إلى "آية" ثم عادت إليه قائلة بجدية شديدة:
-أهلًا.. مهرة.
ردد خلفها بانبهار:
-اسمك مهرة؟
أومأت إليه برأسها للأمام مؤكدة فصاح دون تردد:
-حتى الإسم مختلف!
افتعلت حركة بيدها جوار وجهها تعبر عن اعتقادها أنه مجنون، ثم نظرت إليهم ثلاثتهم وذهبت إلى الخارج عازمة أمرها ومتأكدة منه أنها لن تعمل هنا مع هذا الأبلة المتحرش المختل، يستحيل أن تعمل معه فقد كان هذا هو أول لقاء بينهم ماذا إن أصبحت أمامه طيلة الوقت!؟ مؤكد لن تفعل ذلك.."
عاد "يوسف" من شروده ضاحكًا متذكرًا أن بعد ذلك خرجت سريعًا تاركة إياهم رافضة العمل معه رفضًا قاطعًا، لكنه جعل صديقتها تقنعها للعودة مرة أخرى بعد حديث طويل بينهم وعندما عادت للتحدث معه كانت منفعلة تنتظر منه ولو ردة فعل أو نظرة واحدة لا تعجبها حتى ترحل مرة أخرى لكنه تدارك الموقف وتفهم أنها إن رحلت لن يستطيع رؤيتها مرة أخرى، لن يستطيع أن يُمتع نظره بهذا الجمال الخلاب الغير متواجد بالمرة.. ربما يكن جمالها معتاد بطرق أخرى بكثير من النساء لكن سحرها كان مختلف، اسمها، عيونها بسيال أهدابها وكل ما صدر منها حتى نبرة صوتها..
من هنا بدأت الشرارة بينهم، شرارة غرام أسعدتهم وأول من أحرقت كان هم!
❈-❈-❈
شجار نشب بين الأبناء ووالدتهم المسنة، ارتفعت الأصوات الصارخة عليها عاليًا وانخفض صوتها الصارم، تنظر إليهم بتشتت بعدما لم تستطع كبح جموح غضبهم وإرادتهم تجاة امتلاك حفيدتها اليتيمة..
تحدث "حمدان" ولدها بعصبية وغضب:
-اسمعي بقى أنا مش هستنى تاني هتقولي فين مكانها ولا أروح أنا أدور عليها واجيبها
تهكمت ساخرة تلوي شفتيها باستهزاء:
-وأنت فاكر لو روحت تدور عليها هتلاقيها وهتجيبها!
وقف على قدميه أمامها بعدما استفزته بنظرتها ونبرتها الساخرة وأتاها صوته الحاد العنيف:
-هلف مصر، مش هسيب فيها مكان هدور عليها لو إبره في كوم قش وهجيبها ووقتها قسمًا بالله ما هسمي عليها وابقي احميها مني
عقبت على كلماته ببرود:
-مش هتلاقيها يا حمدان
أقترب منها ولدها الآخر مُتسائلًا باستغراب بعدما شتتت أفكاره أيضًا بحديثها الواثق عن كونه لن يجدها أبدًا:
-مهرة فين؟ اوعي تكوني سفرتيها بره مصر
أومأت إليه مراوغة بالحديث:
-حاجه زي كده
أكمل يتسائل بقوة:
-إزاي يعني؟ لوحدها ولا معاها حد
نظرت إلى البعيد تتجه بوجهها في ناحية أخرى بعيدة عنهم مُجيبة بلا مبالاة:
-ميخصكوش، المهم إني مطمنة عليها
أقترب منها مغيرًا ملامحه التي تحولت إلى الهدوء معتقدًا أن ذلك سيغير رأي والدته أو يبدل حديثها وتصرفاتها معهم:
-طب طمنينا معاكي
لكنها كانت على دراية تامة هذه المرة وفي المرات السابقة والقادمة، تعلم تمام العلم ما الغرض والمغزى وراء خوفهم عليها الكاذب ولم يكن سوى خوف على مالها الذي يريدون أن يكون من ضمن أملاكهم لكنها لن تجعل ذلك يحدث أبدًا ما دامت على قيد الحياة، ستحافظ عليها وعلى مالها إلى أن يتوفاها الله:
-وهو انتوا عايزين تطمنوا عليها بردو.. عايزين تنهشوا في لحمها بس طول ما أنا عايشة ده مش هيحصل.. محدش فيكم لا هيعرف طريقها ولا هيقربلها وهموت وبردو محدش هيعرف هي فين
أبتعد ليبقى جوار شقيقه قائلًا بغيظ:
-ليه ده كله.. مش هتيجي هنا أبدًا لأهلها وناسها
نفيت حديثه بقوة غير خائفة:
-لأ مش هتيجي أنا حذرتها متدخلش هنا
قال الآخر بنفاذ صبر وهو يحاول التماسك حتى يستطيع أخذ أي معلومة من والدته ليصل إليها:
-هاتي رقمها نكلمها
ابتسمت ساخرة وأجابته بهدوء بارد:
-مسحته من عندي علشان محدش يعرف يوصلها ولو عايزين دوروا عليها بقى وبردو مش هتلاقوها
كانت واقفة معهم بالغرفة فتاة تدعى "زهرة" ابنه "محمود" شابة ملامحها رقيقة وجميلة ترتدي عباءة بيتية بألوان زاهية وهناك على رأسها وشاح يغطي خصلاتها ابتسمت قائلة بدعابة:
-أنا حاسه إننا في مسلسل ذئاب الجبل ومهرة شكلها هتطلع متجوزة في الآخر زي وردة واللي جوزتها ستي زي ما عمل الشيخ بدار
لم يستمع أحدًا منهم إلى رد والدتهم حتى أن "زهرة" للحظات اعتقدت أن حديثها التي قالته بطريقة مازحة مؤكد وهو ما حدث إلى أن تحدث والدها متسائلًا بريبة بعدما شك بالأمر أيضًا:
-اوعي تكون اتجوزت بصحيح
اهتاج "حمدان" وثار في الغرفة يرفع عباءته بغضب وعصبية يشيح بيديه بهمجية صارخًا بغل:
-اتجوزت؟ دا أنا اقتلها بايدي وأقطع لحمها في أكياس دي مخطوبة لابني
تنهدت والدتهم بهدوء تحمل ثقل كبير على عاتقها لا تدري متى التخلص منه وتسائلت بجدية:
-وافرضوا.. افرضوا أن كلام زهرة صحيح ومهرة اتجوزت هتقطعها بصحيح؟ مش لو لقيتها يا حمدان
أجابها وعروق وجهه وجسده بارزة بعدما فارت الدماء بعروقه مما استمع إليه منهم والذي جعله غاضبًا للحد الأعمى:
-هلاقيها ولو اتجوزت يبقى هموت وأنا بدور عليها علشان اقتلها
عادت بظهرها للخلف قائلة بنبرة ذات مغزى وبها التهديد واضح:
-ولو اتجوزت حد أكابر من عيلة عندهم ظباط ورجال أعمال وحاجات كبيرة كده منعرفهاش إحنا
نظر كلا من ولديها إلى بعضهم البعض يتبادلون النظرات وكأن حديثها صحيح ليأتي صوت "محمود":
-أنتي بتلعبي علينا ولا ده حصل فعلًا
ابتسمت برفق بعدما رأت شحوب وجههم وتحول ملامحهم وقالت:
-مهرة متجوزتش وبخير وبعيدة ومحدش يعرف يوصلها ريحوا نفسكم وابعدوا عنها علشان أنا لو عاندت معاكم مش هتعرفوا طريقها مدى الحياة
أكملت تؤكد عليهم:
-ماشي يا حمدان؟ ماشي يا محمود
استردت بتهديد واضح ونبرة عالية مرتفعة ناظرة إليهم بقوة وثبات وقسوة عيناها أحرقتهم:
-وبلاش تهديد كتير وسيرة القتل تتكرر المرة دي هعديها المرة الجاية هبور أرضها أو هبيعها والبيت هيبقى مصيره زيها وتبقوا لا طالين سما ولا أرض
أردف "حمدان" وهو يعاتبها بلين مغيرًا طريقته معها بعدما رأى التحول الذي حدث منها:
-أنتي بتعملي كل ده في عيالك علشان خاطر البت دي.. دا أنا كنت ههننها كانت هتبقى ست البلد مرات عمر ابني اللي مافيش منه
تهكمت ساخرة مُجيبة:
-عمر الطمعان فيها وأبوه وعمه الطمعانين في مالها
أكملت حديثها الذي كان ذات مغزى وهي تلقي نظرة على ابنة ولدها الآخر:
-كفاية كتر كلام.. دور لابنك على عروسه تانية هتلاقي قدامك كتير وأنت اللي مش شايف
ثم صرخت بهم قائلة:
-يلا اطلعوا بره
خرجوا من الغرفة بعدما رمقها كل منهم بنظرة نارية مليئة بالحقد والغضب فلم تترك لهم الفرصة لكي يغتالوا ابنة أخيهم الراحل وينالوا مما نالته، على الرغم من أن كل منهم يمتلك مثل ما تمتلكه "مهرة" وأكثر ولكن الأرض التي تمتلكها هي كانت تفوق أرضهم في المحصول والسعر التي ستأتي به إن فكر أحدهم ببيعها وكأنها أرض مباركة تختلف عن جميع أراضي البلدة بأكملها.. يأخذون خيرها ولكن الخير لا يكفي لما لا تكون الأرض كلها؟
أقتربت "زهرة" منها تنظر إليها بقوة تتمعن بها قائلة باستغراب بعدما فكرت بحديثها الذي قالته عن طريق المزاح ولكن ردة فعل جدتها أثارت فضولها وشكوكها:
-صحيح يا ستي مهرة شكلها متجوزة
أجابتها بصوتٍ منخفض:
-اقفلي الباب وتعالي
توجهت الأخرى لتغلق الباب وعادت من جديد لتجلس أمامها فاستمعت إلى حديثها الذي قالته بصوتٍ منخفض:
-أنا عارفه إن لو قولتلك مش هتقولي لحد
تدللت قائلة بمرح:
-اشمعنى بقى يا ستي ما يمكن أقول لابويا أو عمي حمدان
أكدت عليها جدتها بعقلانية وصدق متأكدة هي منه ومنها:
-لأ مش هتقولي علشان أنتي كنتي بتحبيها ومن مصلحتك أنها مترجعش علشان اللي بتحبيه ياخدك
استغربت الأخرى وضيقت ما بين حاجبيها مضيقة عينيها عليها وهي تتسائل:
-قصدك ايه يا ستي
غمزتها بعينها اليمنى وأكملت ضاحكة بلؤم:
-قصدي أنتي عارفاه كويس يا زهرة هتلفي وتدوري عليا.. مش بتحبي عمر وعايزاه
احتارت "زهرة" في مداراة مشاعرها وخجلها الذي ارتسم على خديها سريعًا فحاولت التحدث والتوتر مسيطر عليها:
-يا ستي....
قاطعتها جدتها بعدما وضعت يدها على فخذها تربت عليها ضاحكة:
-أنا عارفه كل حاجه كبيرة آه بس لسه مخرفتش.. اسمعي كويس
أكملت بصوت منخفض كي لا يستمع أحد من الخارج قائلة بجدية:
-أنا هديكي رقم مهرة تسجليه عندك علشان امسحه من عندي علشان لما أحب اطمن عليها هي بترن كل فين وفين وكمان قولتلها أنا اللي هرن عليها
أكملت توضح أسبابها:
-بكده لو حد دور عندي مش هيلاقيه نهائي وطول ماهو عندك محدش هيفكر فيكي
سألتها بفضول:
-هي متجوزة يا ستي
أومأت إليها مُجيبة برفق بعدما ابتسمت عندما تذكرتها هي وزوجها الخلوق:
-متجوزة ومن زمان عمر مش هيتجوزها مهما حصل علشان هي على ذمة راجل وراجل ايه واصل وكبير
ضربت "زهرة" بيدها على صدرها صارخة بفزع معتقدة أنه كبيرًا بالعمر:
-يالهوي كبير في السن
ضربتها جدتها على فخذها بقوة مصححة حديثها:
-سن ايه يا غبية كبير في المقام إنما السن صغير والشكل ما شاء الله
قالت بعدم تصديق:
-بجد ياستي
أومأت إليها بصدق:
-بجد
سألتها مرة أخرى بفضول أكبر من السابق:
-طب هو اسمه ايه ولا هما فين
عادت إلى الخلف قائلة بعد تفكير رافضة البوح لها عن أي شيء آخر يكفي ما علمته:
-لأ أكتر من كده مش هقول علشان لو حد اكتشف إنك عارفه حاجه متبقيش عارفه خالص لسانك فالت عرفاكي
تحدثت الأخرى بانزعاج:
-بقى كده دا أنا هبقى ستر وغطا عليكي
ابتسمت جدتها وأجابت بعقلانية وهدوء:
-لنفسك علشان يتجهلك ويحنلك.. كله علشان مصلحتك ومصلحتها والكل يستفيد
أقتربت "زهرة" منها تقبل يدها بعدما وجدت أنها على الرغم من كل ذلك تفكر بها وبالجميع وتعلم أن كل ما تفعله ليس سوى المنفعة لهم على عكس والدها وعمها:
-ربنا يخليكي لينا يا ستي
أكملت تتمنى قائلة:
-ويهدي ابوكي وعمك..
كانت "زهرة" وهي زهرة كما تحدث عنها اسمها متفتحة متعطشة للحياة فتاة شابة يافعة مليئة بالحيوية، ريفية بسيطة لكنها ناضجة ورقيقة، تحب ابن عمها "عمر" الذي لم ينظر إليها ولو لمرة واحدة بل كان دائم النظر إلى ابنة عمهم الآخر "مهرة" والتي لم تكن تطيقه أو تطيق الاستماع إلى صوته أو رؤية وجهه، كانت ترى محاولته التحرش بها ولو بالكلمات وهي التي تبتعد عنه.. دومًا كانت حزينة لأنها تراه يركض خلفها وهي ترجمه بالحجارة ولم يفكر بها يومًا.. ولم يحيد عقله عنها يتجه به إلى الناحية الأخرى ليراها..
لكن الآن قد تغير الأمر هناك من رأى حبها له، هناك من سيجعله يراها، لن تفرض نفسها عليه ولكن يكفي أن يراها ويفكر بها ثم من بعد ذلك هي متأكدة من أنه لن يتركها أبدًا.. وبالأخص بعد ما فعلته جدتها لقد زوجت "مهرة" لتبعدها عن الجميع هنا..
تتمنى لو كانت هي في محل "مهرة" لتنال كل ذلك الحب من جدتها، على الرغم من أنها تحب الجميع ولكن "مهرة" نالت القدر الأكبر منهم والتي يتساوى معهم جميعًا.. ليتها كانت ليحبها "عمر" ليتها حقًا..
ولكن.. هل كانت ستنال كره أعمامها أيضًا..
دومًا ما نتمنى أن نكون في محل أشخاص أخرين فقط لأننا رأينا الصورة الخارجية عن حياته، ربما معه مال ربما يمتلك الجمال ربما الحظ يحالفه في كل خطواته ولكن! هل في مرة واحدة فكرنا أن نرى كواليس الداخل؟ ماذا عن كره أحدهم له؟ ماذا عن فشلة في المحاولة؟ ماذا عن تعاسته وحزنه الدائم! وماذا عن وحدته وبكاءه الخفي!..
❈-❈-❈
دلف إلى الفيلا بخطوات سريعة صاعدًا إلى الأعلى حيث غرفته لكنه وجد والده يهتف بصوته المرتفع مناديًا عليه، وقف على الدرج لم يكمل الصعود ليعود إليه مرة أخرى ولكنه قبل أن يعود وجد "نورا" تهبط من الأعلى بفستان أبيض اللون كما لو أنها ليلة زفافها لكنه كان رقيق وتظهر إليه في كامل زينتها!..
عاد متسائلًا باستغراب بين ذاته عن ما الذي يحدث متوجهًا إلى الغرفة حيث والده، وقف أمامه متسائلًا:
-في ايه
أجابه والده بهدوء، برود ولا مبالاة:
-ألف مبروك
ضيق عيناه عليه مستغربًا:
-على ايه
بمنتهى البرود أكمل يُجيبه:
-كتب كتابك على نورا.. النهاردة
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ندا حسن، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية