-->

رواية جديدة بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) لعفاف شريف - الفصل 19 - 3 - السبت 25/1/2025

 

  قراءة رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض)

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة عفاف شريف


الفصل التاسع عشر

3

تم النشر السبت

25/1/2025



وقفت أمام المرآة تضم المئزر أكثر عليها، قبل أن ترفع يدها المرتعشة تمسح البخار المتراكم على المرآة.

كل مسحة تكشف جزءًا منها وجهها المتعب والشاحب، عينها التي بدت وكأنها تروي قصة كاملة حزينة مليئة بالألم.

نظرت لنفسها بصمت، كأنها لم تعد تعلم ما بها، ما بقلبها، قبل أن تشيح بوجهها سريعًا، غير قادرة على مواجهة صورتها أكثر.


خرجت تفتح للوزة الغرفة أولاً، لتناظرها بضيق، قبل أن تتجه ببطء نحو الأريكة تنام عليها منتظرة طعامها، فهي قد جاعت.

بيت مقرف وظالم، يحبسوها طول الليل ويتأخرون عليها في طعام الفطور.

مقرفين غير مقدرين أنها حامل.

حامل = الكثير من الطعام، الكثير من الدلال.

لا تقدير ولا احترام.


هزت فريدة رأسها بيأس، تتجه نحو المطبخ تجلب الطعام المحضر لها، 

ووضعته لها أرضًا بجانب الماء.

توجهت له لوزة بجوع شديد،

 وتوجهت هي نحو الأريكة ملقية بنفسها عليها بتعب.

أمسكت هاتفها، تناظر عدد المكالمات الفائتة من سارة.

بالتأكيد قلقت عليها، لكنها فعليًا لم تشعر بنفسها لا بالأمس ولا اليوم.

لذا قررت مهاتفتها، لكن الأخرى رفضت الاتصال.

وقبل أن تهاتفها مرة أخرى، وجدتها تتصل بها مكالمة مرئية.

أجابتها بهدوء، لتسمع شهقة الأخرى وهي تهمس بصدمة: "يا نهار أبيض، وشك أصفر وعينك حمراء كده ليه يا بنتي؟


ابتسمت لها ابتسامة باهتة دون رد، قبل أن تأخذ أنفاسها تتساءل همسًا:

تميم... أنا مقدرتش أشوف الأخبار. مقدرتش حقيقي. حاسة أعصابي سابت خالص. هو كويس؟


ناظرتها سارة بحزن، وهي تؤكد لها قائلة بخفوت:

أنا متابعة المواقع من امبارح. نزل خبر أنه تخطى مرحلة الخطر.

الحقيقة مقدرش أأكدلكِ إنه صح ولا لا.

أنتِ عارفة، السوشيال ميديا مفهاش خبر موثوق.

أومأت لها بصمت، لتتابع قائلة:

محدش يعرف تفاصيل عن اللي حصل.

منتظرين يفوق عشان يعرفوا إيه اللي حصل.


واكملت:

"فريدة..."

نظرت لها، وهي تهمس بحذر:

أنتِ ليه اترعبتي على تميم بالطريقة دي؟

يعني كنت عارفة إنك هتزعلي، بس منظرك ومنظر عينك الحمره دم...

كانك مبطلتش عياط طول الليل. خلاني مش قادرة مسألكِش.


تنهدت فريدة لوهلة قبل أن تجيب:

هقولك. بصي يا سارة، يمكن الكلام ده سمعتي جزء منه ده لأنك كنتِ شاهدة على اللي حصل.

لكن الموضوع ده كان بالنسبة لي صفحة. أنا مش حابة أتكلم بخصوصها.

بس خليني أقولك إن أولًا كده... أنا أصلاً مش بستحمل الأخبار دي، وحقيقي بتعب نفسيًا لما بسمع أي خبر وحش.

معرفش السبب، يمكن عشان أنا شخص حساس، بس ده كان بيخليني دايمًا أبعد عن السوشيال ميديا،

لأني مش حابة أشوف حاجة توجع قلبي. ده أولًا.

ثانيًا بقي لأنه تميم وأنا أعرفه، الوجع والضغط كان أكبر.

تميم ساب في حياتي أثر كبير أوي، وحاجات مهمة ليّ أنا كفريدة.

يمكن لو كان في حياة حد غيري، مكنش إتأثر زيي.

بس الوضع هنا مختلف، أنا مختلفة عن ناس كتير، وده اللي محدش بيفهمه.

أنا غير، مشاعري غير، حياتي غير، كل حاجة مختلفة، ومحدش للأسف بيقدر اختلافنا كبشر.

أنتِ عارفة أنا كنت عايشة إزاي، قد إيه كنت تعيسة بسببهم.

تميم عمل الحاجة اللي محدش غيره قدر يعملها.

حتى أنا، مهما حاولت أعمل، كنت بفشل فشل زريع.

إني أخرج من الحفرة دي، هو كان السبب.

جه في أكثر وقت كنت فيه بتعرض لأكثر أنواع الضغط من بابي ومامي.

كنت خلاص على حافة الانهيار، وكل حاجة كانت سودة في وشي.

لولا تميم ولولا أنه شخص محترم، أنا كان زماني متجوزة بشخص غصب عني.

لأني معرفش الوضع كان هيوصل لإيه.

بس هو وقف جنبي.

أنا عمري ما هقدر أنسى اليوم.

تميم خلاني أكسر جبل كان فوق قلبي وروحي من سنين طويلة.

كسرها هو في أيام.

تميم شجعني إني أخد حقي، إني أعيش زي ما كنت بحلم طالما أنا ماشية صح،

طالما مبعملتش حاجة غلط.

ساب جوايا كتير أوي، أكتر مما حد ممكن يتخيل.

والخبر... الخبر خلاني حاسّة إن قلبي وجعني.

حسيت لوهلة روحي بتتسحب، ودموعي مش قادرة تقف.

حسيت إني مش قادرة أتقبل أن يكون حصل له حاجة.

تميم شخص كويس أوي.

تميم...

وصمتت.


فتحت سارة فمها تنوي أن تسأل شيئًا، كادت أن تتراجع عنه،

إلا أنها سألت دون أن تقدر على منع نفسها:

"فريدة، أنتِ...

قاطعتها فريدة تهز رأسها برفض، قائلة همسًا خافتًا:

"لا... لا يا سارة."


إلا أن سارة تابعت بإصرار:

"فريدة..."


أغمضت الأخرى عينيها مردفة بمرارة:

"مينفعش... مينفعش أبدًا اللي بتفكري فيه ده.

مينفعش أبدًا يا سارة، أنا بحب عمر.

بحبه أوي.

وتميم كان صفحة في حياتي ، ملهاش علاقه بالحب ، بس عمري ما هنساها.

لأنها كانت السبب إني قدرت أكون أنا.

أكون فريدة وبس.


❈-❈-❈

كان مسطحًا على فراشه بعد أن خضع للعديد من الفحوصات للتأكد أنه بخير.

اقتربت منه الممرضة تعدل له الوسادة وتسأله بهدوء: محتاج أي حاجة؟

هز رأسه نافيًا.

ابتسمت له، متجهة نحو الباب تفتحه ليدخل بعدها مدحت وأخواته وأحمد ما عدا أمير.

دخلوا الغرفة واحدًا تلو الآخر.

كان يناظر الجميع والجميع يناظره، الابتسامة ترتسم على وجوههم والدموع تملىء عيونهم.

كان أول من اقترب منه أبيه الغالي، يقف بجانب الفراش يضمه لصدره دون حديث، دون أي شيء، فقط يضمه.

ابتسم له تميم بضعف، رفع يده ليقبلها قائلاً برفق: "اطمن يا حبيبي، أنا كويس."

وتابع مشاكسا بتعب وصوت واهن ضعيف: "زي القط بسبع أرواح، ولا كنت عايز تخلص مني، قاعد على قلبك يا حج."

ابتسم مدحت بضعف قائلاً بدعاء: "العمر كله يا رب يا حبيبي، ربنا يحميك ويحفظك."

اقترب حسام يردد بمزاح: "الله الله، فاق تميم وكل الجو، لا ازعل، وأجيب ناس تزعل."

ناظره مدحت بقرف قبل أن يقول بتأكيد: "اخبط راسك في أتخن حيطه، في أربعة أهو، اختار اللي تحب."

ضحك الجميع، شاعرين بتبدد الحزن من الأجواء.

تحركت ملك من بين أحضان أنس، تخطو ببطء تتمسك ببطنها المنتفخة.

وما إن اقتربت حتى انفجرت في بكاء عنيف، جعل حسام يقول بمزاح: "يا بت يا بت، كله عياط عياط، ارزعيه حضن يلا."

قالها لتندفع هي دون تردد، تحط فوق صدره بعنف.

تجعدت ملامح تميم بألم شديد، يكتم تأوهًا متألمًا إثر ضغطها على جرحه بثقلها، لكنه لم يتكلم وهو يضمها برفق.

ليقترب أنس سريعًا، يبعدها برفق عن صدر تميم قائلاً برفق: "براحة بس يا ملك."

ليتابع حسام بمزاح: "الواد يحبه عيني، لسه مفقش، مش حمل وزنك."

فجأة تبدلت ملامح ملك لتناظره بشر، قائلة بعصبية: "قصدك إيه؟ إني تخنت؟

كتم أنس ضحكته، لتلتف له قائلة بعيون يملؤها الغضب: "بجد يا أنس؟

اتسعت عينا أنس بشدة وهو يشير لحسام قائلاً بسرعة: "أنا مالي أنا! روحي اضربي أخوكي."

ولم تتردد فعلاً، لتقرب من حسام سريعًا تنهال عليه بالضربات، وهو يركض وهي خلفه، وتتعالى حولهم ضحكات الجميع.

حتى تميم الواهن بفراشه.

اقترب أحمد يهمس له بهدوء، يربت على يده: "حمد الله على السلامة، الحمد لله إنك بخير يا حبيبي."

ابتسم له تميم بهدوء، وعيناه تراقب آلاء الواقفة بسكون تام.

مد يده يدعوها للاقتراب، لكنها لم تقترب.

ناظرها بتساؤل، إلا أنها همست بضعف: "مكنتش هسامحك أبدًا لو كان حصلك حاجة. إزاي متاخدش بالك من نفسك؟

ابتسم لها قائلاً بهمس: "أديكي جيتي عشان تخدي بالك مني، مش هتيجي بقي في حضني؟ وحشاني يا أم العيال."

ركضت نحوه تبكي وتلقي بنفسها بين أحضانه، ليتأوه بألم ووجع شديد للمرة الثانية.

يضمها لصدره ويقبل حجابها بحنان.

قبل أن يسارع حسام برفعها قائلاً بتعب: "يا بنات، إنتو فكرين نفسكم عصافير؟ الله أكبر عليكم، كل واحدة قد ال..."

وقبل أن يكمل، لكمته آلاء بقوة قائلة بضيق: "احترم نفسك."

ناظرها بقرف قائلاً بهمس: "صبرك عليا، هعمل من ودانك قطايف، بس اصبر لما نروح احترامًا للموقف."

قاطع مزاحهم دخول أمير قائلاً باعتذار وحرج: "آسف جدًا، جتني مكالمة شغل مهمة قوي."

واقتراب من تميم قائلاً بهدوء: "الف سلامة يا تميم، الحمد لله إنك قمت بالسلامة."

ابتسم له الآخر يومئ برأسه بهدوء، وتعب اشتد عليه.

تحرك مدحت، يجلس على الفراش أمامه، قبل أن يردف بتساؤل حازم: "إيه اللي حصل يا تميم؟ مين اللي عمل كده فيك؟ احكيلي كل اللي حصل بالتفاصيل."

عم المكان هدوء، والجميع يترقب ما سيقال في تلك اللحظة.

إلا أنه قبل أن ينطق بأي شيء، دلفت الممرضة قائلة بهدوء: "بعتذر منكم، بس لازم الكل يخرج، عشان أستاذ تميم محتاج يرتاح. وكمان نبص ونطمئن على الجروح قبل ما البوليس يوصل في أي لحظة.

قالتها بتأكيد، مشيرة لحضور الشرطة.

لتنهد مدحت بضيق قائلاً بهدوء وإرهاق: "حسام خد أخواتك وأحمد واخرجوا إنتو يلا لو سمحتم. أنا دقائق وهحصلكم على طول، مش هتاخر."

نظرت ملك لوالدها بحزن، يدفعها أنس، وآلاء يدفعها حسام، وأمير الذي سعد لديه مكالمة مهمة للغاية.

غادروا واحدًا تلو الآخر.

وظل هو جالسًا في مكانه ينظر أرضًا.

رفع رأسه، يناظر تميم بعيون حانية قائلاً برفق وتأكيد: "إنت كويس يا حبيبي؟"

أومأ له تميم همسًا بتأكيد: "الحمد لله، عمر الشقي بقي يا حج."

قالها ممزاحًا إياه بوهن.

زفر مدحت قبل أن يكمل بحزم: "أنا هنا، مش همشي ولا هتحرك غير وإنت معايا."

ابتسم له تميم يربت على يده بوهن.

ليشدد الآخر على يده بحنان وحب، قبل أن يتحرك مغادرًا الغرفة، وخلفه تميم ينظر في أثره بإرهاق شديد، خشية من ردة فعل الجميع وتحديدًا على ما سيروي لهم بعد قليل.


❈-❈-❈


كان يجلس على مكتبه يراجع بعض الأعمال الموكلَة له، قبل أن يشرد في آخر حديث مع روفيدا. كم مر عليه؟ لم يعد يعد تلك الأيام، لكنه أصبح يخشاها بشدة.


عودة للوقت السابق

في مكتب روفيدا

منذ عدة أيام


كان يناظرها بعينين متسعتين، مذهولًا من شدة جرأتها. تريده بكل بساطة وجرأة، تريده. كيف واتتها الجرأة على النطق بها أصلًا؟


انتفض مبتعدًا بحدة عن يدها التي كانت على صدره، والذي كان يعلو ويهبط بعنف.


تناظره هي بتحدٍّ وابتسامة كبيرة واثقة، قبل أن تقترب هي تلك الخطوات القليلة التي ابتعدت عنها.


تلتف حوله، تتلمسه، وهو ينفض يدها.

لتقول بفم ممطوط: متستقلش بذكائي يا عمر، عايز تقولي إنك اتفجئت ومكنتش تعرف؟


 مستحيل أصدق إنك بالغباء ده، أنت أذكى من كده. أنت كنت عارف بس عامل نفسك مش عارف.


صمت ولم يرد، لم يجد ما يقوله. هي حقيرة، نعم، لكنه يعلم أنها تقول الحقيقة. بل كل الحقيقة.

كان يعلم أنها تريده، لكن لم يتوقع أن تفصح عن ذلك.


أكملت دورانها حوله، قبل أن تقف أخيرًا وتواجهه قائلة بحزم:

"أنت ليا يا عمر. حبيت أو لا؟

وأكملت همسًا خافتًا: المكتب ده بقي بتاعي خلاص. يعني إذا حابب تفضل هنا وتاكل عيش، يبقى تكون معايا.

تراجع خطوة للخلف، يشعر بقلبه يتضخم.

لتكمل هي متابعة:

وإذا لا، براحتك. لكن لا  هتلاقي شغل عندي ولا عند غيري. هخليك تقعد في بيتكم. وعد مني أعمل كده. وانت عارف أني أقدر، وأكثر من كده كمان.

وتابعت بابتسامة شريرة محذرة:

هدِّيك فرصة لآخر الشهر. شفت أنا طيبة إزاي. معاك لآخر شهر. وتجيلي لوحدك، ومن نفسك، راضي وموافق. بس خليني أقولك، أنا مش هصبر عليك كتير.


تركتته يغادر، وغادر بالفعل.


أفاق من شروده، لا يصدق ما حدث يومها. ألقي بالقلم على المكتب، ينظر للأ شيء.

روفيدا تتركه في حاله تمامًا، كأنها تعطيه مساحة قبل احتلاله.

أنه محاصر، ولا سبيل للنجاة من نيرانها،

 سوى بإلقاء نفسه في نيران أخرى،

 أشد قسوة.


❈-❈-❈

كان يجلس يُناظر الضابط أمامه بهدوء، والذي أردف بهدوء: "أستاذ تميم، حمد الله على السلامة أولًا.

رد عليه قائلًا بصوت خافت متعب: "الله يسلمك، شكرًا.

ليتابع الضابط حديثه قائلاً بهدوء: إحنا محتاجين ناخد إفادتك عشان نقدر نفتح محضر رسمي باللي حصل يوم الأحد الموافق ..........

المدعو ...... لاقاك على الطريق قريب من مقابر ... غارق في دمك.

ولما شافك وقعت فاقد للوعي ، وقتها نقلك لمستشفى ....... وبعدها والدك نقلك هنا.

المكان مفهوش كاميرات، محدش شاف اللي حصل، ولا في أي شهود.

أنت الوحيد اللي تقدر تقول إيه اللي حصل ومين اللي عمل كده.

تنهد تميم وهو يرفع يده يُسمح وجهه بتعب، متذكرًا ما حدث يوم الحادثة، يوم سقط غارقًا في دمائه.


يومها انتهى متأخرًا من الجلوس بجانب قبر أمه، لم يُدرك أنه تأخر أكثر من اللازم، وبكل غباء، لم يأتي بسيارته حتى.

والخروج من هنا في تلك الساعة كان بحاجة إلى سيارة، أي سيارة.

أمسك هاتفه يهاتف أحمد ليأتي له، لكن لم يجد أي إشارة أبدًا، وبالتالي سيسير لمسافة جيدة قبل أن يلتقط هاتفه أي إشارة.

وفعلاً خرج من المقابر يسير ببطء، والظلام يُحاوطه إلا من بعض أنوار خافتة تسمح له برؤية بسيطة للغاية يكاد يعتمد عليها، ليسير دون أن يسقط.

لكن ما حدث بعدها كان في ثوانٍ محدودة.

فمن حيث لا يدري، وجد أحدهم يكبله من الخلف وآخر أمامه.

انتفض يبعده بقسوة ويدفع الآخر ليسقط أرضًا.

ولم يدري وهو يتحرك ليركض من أين ظهر فجأة حبل غليظ ليتعثر به ويسقط أرضًا على وجهه متأوهًا بالألم.

ألقي بنفسه للخلف واقفًا بسرعة ليظهر أمامه رجلين اخرين من حيث لا يدري.

كلهم ملثمين يلتفون حوله كدائرة لن تسمح بفراره بتلك السهولة التي يظنها.

يناظروه بعين يملؤها الشر والإجرام.

صاح به أحدهم: "طلع كل اللي معاك يلا."

ناظرهم بضيق وهو يضع يده ببطء في جيبه مخرجًا المحفظة، ليسقطها أرضًا بهدوء.

وما إن أمال أحدهم نفسه ليلتقطها، حتى عاجله بساقه ملقيًا إياه أرضًا.

هجم عليه الثلاثة، أطاح أحدهم

 ليكبله اثنان بقوة.

يصارعهم هو بعنف شديد.

وقف الواقع أرضًا يقترب منه بغل شديد.

ليعاجله تميم بأن رفع ساقيه بسرعة يدفعه بقوة في صدره، مائلًا برأسه للأمام بسرعة ليرجعها أسرع، مطيحًا وجه أحد المكبلين له.

وما إن فقد قيده لثوانٍ، حتى استدار ينطح الآخر بقوة وعنف.

راكضًا بسرعة، لا يدري إلا أين، وأصوات الأرجل الراكضة خلفه تزداد قربًا.

وفجأة من حيث لا يدري، ظهر أمامه أحدهم، ولم يدرك سوى وذلك الملثم  يشهر أمامه مدية كبيرة.

يغرزها بقوة في بطنه.

اتسعت عيناه بشدة من شدة الألم، وهو يشعر بالنصل يخترقه.

فلم يجد نفسه سوى وهو يرفع يده بقوة ليلكمه بسرعة لم يستوعبها الآخر.

وقبل أن يفعل أي شيء آخر، شعر بنصل أخر يخترق ظهره.

حاول أن يخرج المدية أو أن يلتفت للخلف، لكنه لم يجد الوقت لذلك.

قبل أن يعاجله أحدهم بلكمة أطاحت به أرضًا، ويقترب منه ليتفحص جيوبه ليأخذ كل ما فيها، كل شيء.

كان يعاني من ألم، إلا أنه كان مصممًا على النجاة.

فلم يجد نفسه سوى وهو يطوحه بساقه وكاد أن يستقيم.

يركض مرة أخرى.

وما إن وقف يترنح بألم، إلا ووجد نصلًا آخر يخترقه  مرة أخرى.

ولم يكتفِ بل أخرجها وطعنه أخرى بقوة، متعمدًا أن تكون في أماكن متفرقة حتى يشعره بالألم أكثر وأكثر.

مستمتعًا بأصوات تأوهات المتألم وعجزه.

حتى أبعده عنه آخر يصرخ فيه بقوة: "يا غبي يا غبي، سيبه هيموت في إيدك، إيه اللي أنت عملته ده!"

واكمل موبخًا الآخرين: "بسرعة، بسرعة، خدوا كل حاجة بسرعة."

وبالفعل أخذوا كل شيء.

وتركوه ظنًا منهم أنه مات من شدة الطعنات.

أما هو فظل في مكانه يئن بالألم، يشعر أنه انتهى بالفعل، ولا يدري من أين أتى بتلك القوة وهو يردد بضعف: "يا رب، يا رب."

يتحرك زاحفًا بالألم حتى اقترب من بداية الطريق.

وما إن رأى سيارة حتى استقام بضعف وألم شديد.

وبعدما توقفت السيارة فجأة، خرج صاحبها راكضًا تجاهه حتى سقط فاقدًا الوعي.

لا يعي أي شيء سوى أنه يتألم، يتألم بشدة.

ولم يكن فقط ألم جسده، بل وقلبه.


أفاق من ذكرياته الأليمة وهو ينتهي من ذكر كل التفاصيل.

سأله الضابط بهدوء: "أنت شاكك أن الحادثة بفعل فاعل؟"

ناظره تميم بصمت تام، قبل أن ينطق بكلمة واحدة متعبة: "لا.

الموضوع كان واضحًا أنه سرقة بس."

ناظَرهُ الضَّابطُ بتفَحُّصٍ شديدٍ،

قبل أن يقف قائلاً: "حمد لله على السَّلامة مرَّةً ثانيةً.

إن شاء الله في حد هيجي عشان ياخد منك مواصفات المتهمين.

وأتمنى لو عندك أي معلومات تبلغنا بيها عشان نوصلهم في أسرع وقت."

"حمد لله على السلامة."

وغادر.

وظلَّ تميم يتطلَّع في أثره بشرود،

قبل أن يغمض عينيه،

شاعِرًا أنه بحاجةٍ للنوم،

الكثير من النوم،

والابتعاد عن البشر.

يكفيه لليوم.


❈-❈-❈


اجتمع الجميع مرةً أخرى في غرفته،

بعد أن نام لعدة ساعاتٍ، شاعِرًا بالكثير من الإجهاد والتعب الشديد.

لم يتبقي الكثير على موعد انتهاء الزيارة،

لذا أصروا على الجلوس بجانبة،

يضحكونَ ويتشاغبونَ، محاولين التخفيف من الوضع.

لكنه لم يكن معهم أبدًا.

كان بعيدًا،

بعيدًا كل البعد عنهم.

كان هناك،

كان بعقله وقلبه وكل جوارحه،

عند قطعة السكر،

قطعة السكر التي ذابت بقلب غيره.

قطعة السكر التي لم يُقدَّر له أن تكون له.

تنهيدةٌ متألمةٌ خرجت من قلبه،

قاطعها بعدها صوت طرقاتٍ على الباب.

لم يرفع رأسه ولم يهتم،

لكن الصمت الذي حلَّ في لحظةٍ واحدةٍ

أثار فضوله.

رفع عيناه يتطلع أمامه،

لتتسع عيناه،

وهو يرى تلك الواقفة عند الباب، تناظره بابتسامةٍ كبيرةٍ.

قائلةً بهدوءٍ وخجلٍ مصطنعٍ، وهي تطالع تميم والجميع يطالعها: "هاي."

ولم تكن سوى قريبةً قطعة السكر،

آسيا.

وما زاد ذهوله وارتفاع حاجبه أكثر

هو اقتراب أخته ملك منها، محتضنةً إياها،

قائلةً بابتسامةٍ ودودةٍ: "تعالي يا آسيا."

وعندما لاحظت صمت الجميع،

أكملت: "دي آسيا،

اتعرفت عليها في المستشفى هنا يا تميم،

وبقينا صحاب."


يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة عفاف شريف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة