-->

رواية جديدة على سبيل الألم لرانيا ممدوح - الفصل 26 - الأربعاء 12/2/2025

 

 قراءة رواية على سبيل الألم كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية على سبيل الألم 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا ممدوح 

الفصل السادس والعشرون


تم النشر الأربعاء

12/2/2025



عندما دخل ليث إلى المكان، كان الظلام يحيط به من كل الجهات، وأقدامه تخطو بحذر فوق الأرضية المهترئة. فجأة، لمعت عيناه برؤية شيء في الزاوية، اقترب ببطء، وقلبه يخفق بعنف، لكنه سرعان ما تجمد في مكانه.


"إيه ده؟!"


كانت هناك وسادة موضوعة على كرسي خشبي، ترتدي ملابس امرأة، وكأنها محاولة سخيفة لخداعه. شعر بالغضب يتصاعد في صدره، قبض على يديه بقوة، ثم استدار بسرعة وهو يصرخ:


"إنتو فاكريني عبيط؟!"


لكن لم يكن هناك أحد. المكان كان خاليًا تمامًا، وكأن الرجل الذي قابله قد تبخر في الهواء. أدرك ليث أنه وقع في فخ، لكنه لم يكن مستعدًا للاستسلام بسهولة.


خارج المبنى، كان رجاله يراقبون الموقف، وعندما لاحظوا تحركات مريبة، انقضوا بسرعة على الرجل الذي قاد ليث إلى هنا، ومعه شخص آخر كان يحاول الفرار. لم يكن هناك وقت للهرب، أمسكوهما بقوة، وطرحوهما أرضًا.


وصل ليث إليهم بخطوات غاضبة، نظر إلى الرجل الأول بعينين تقدحان شررًا، ثم انحنى نحوه وقال بصوت منخفض لكنه محمل بالغضب:


"كنت عارف إنها خدعة... بس دلوقتي، هتقول لي إنت مين وبتشتغل مع مين، وإلا هتندم ندم عمرك."


ضحك الرجل بتوتر وقال محاولًا التملص:


"يا بيه، الموضوع كله كان مجرد بيزنس، سمعنا عن الجايزة اللي حطتها وقلنا نجرب حظنا، والله ما نعرف حاجة عن مراتك."


ضاق صدر ليث أكثر، أمسك ياقة الرجل وسحبه للأعلى قليلًا:


"يبقى إنتوا مجرد نصابين؟"


أومأ الرجل برأسه سريعًا:


"أيوه! والله العظيم كنا عايزين الفلوس وبس! مفيش أي معلومة عن اللي بتدور عليها."


أفلت ليث الرجل بعنف، فوقع أرضًا، بينما كان الغضب يجتاحه. لقد كان على أمل، ولو بسيط، لكنه تحطم مرة أخرى.


نظر إلى رجاله وأمرهم بصرامة:


"بلغوا الشرطة... ودول لازم يتحاسبوا على الاحتيال ده."


كان قلبه يعتصر من الألم، لكنه لن يستسلم، سيواصل البحث، لأنه يعلم في أعماقه أن سبيل ما زالت هناك... تنتظره.


ضحك الرجل بتوتر وهو يحاول التملص من الموقف، ثم قال بصوت مرتعش:


"يا باشا اعتبرنا بنهزر معاك!"


لكن ليث لم يكن في مزاج يسمح له بالهزل. حدّق في الرجل بعينين تشتعلان غضبًا، ثم أمسك بياقته وسحبه نحوه بقوة، مما جعله يلهث بخوف.


"هزار؟! إنت فاكر إني بلعب؟!" صرخ ليث بنبرة حادة، ثم أضاف: "كنتوا ناويين تضحكوا عليا وتاخدوا الفلوس، صح؟ طيب دلوقتي، هتشوفوا الهزار بجد."


نظر إلى رجاله وأمرهم بصرامة:


"اربطوهم كويس، وسلموهم للشرطة حالًا... والنصابين دول لو عرفوا حاجة عن سبيل ومخبّيينها، هطلعها منهم بأي طريقة!"


حاول أحد الرجال المحتجزين أن يتكلم مبررًا، لكن ليث لم يكن مستعدًا لسماع المزيد من الأكاذيب. لقد ضاع ما يكفي من الوقت، وحان الوقت للتحرك بشكل جاد.


ارتجف الرجل وهو ينظر إلى ليث برجاء، ثم قال بصوت متوسل:


"أرجوك يا بيه، احنا مش بتوع بهدلة... لولا حوجتنا للفلوس، مكنّاش عملنا كده!"


لكن نظرات ليث كانت كالصخر، لا تحمل أي تعاطف. لم يكن لديه وقت لسماع تبريرات واهية. قبض على ياقة الرجل أكثر، ليجعله ينظر في عينيه مباشرة، ثم قال ببرود:


"فلوس؟ انتو فاكرين إن حياتي لعبة؟ فاكرين إنكم ممكن تبيعوا لي وهم وتاخدوا مكافأة؟!"


حاول الرجل أن يرد، لكن ليث لم يمنحه فرصة، بل دفعه قليلًا للخلف وهو يضيف بصوت غاضب:


"الموضوع أكبر منكم بكتير... ولو عرفت إنكم عارفين أي معلومة عن سبيل ومخبّيينها، أقسم بالله مش هرحمكم!"


التفت إلى رجاله وأشار إليهم:


"خدوهم على القسم فورًا، وخليهم يعترفوا بكل حاجة… وأنا عاوز كل واحد فيهم يتحقق معاه لوحده، هنعرف إذا كانوا بجد مش عارفين حاجة ولا بيكذبوا."


تحرك الرجال لتنفيذ الأوامر، بينما وقف ليث مكانه، قلبه يغلي بالغضب والإحباط. كان هذا مجرد طريق مسدود آخر، لكنه لن يتوقف عن البحث، لن يستسلم حتى يجد سبيل.

❈-❈-❈

لكن ليث فكر قليلًا، عقله يحاول استيعاب الأمر من كل الزوايا، ثم رفع يده فجأة وأمر رجاله:


"استنوا… سيبوهم!"


نظر الجميع إليه بدهشة، حتى الرجال المحتالون لم يصدقوا ما يسمعونه. أحدهم تمتم بارتباك:


"إحنا... إحنا أحرار؟"


ألقى ليث نظرة حادة عليه، ثم قال بلهجة صارمة:


"أحرار بس بشرط... كل واحد فيكم هيساعدني في البحث عن سبيل، وهتقولولي أي حد تعرفوه ممكن يكون ليه علاقة بالجريمة دي، وأي مكان مشبوه تعرفوه، مفهوم؟"


تبادل الرجال النظرات المرتبكة، ثم أومأ أحدهم برأسه وقال بسرعة:


"حاضر يا بيه، هنساعدك، والله العظيم هنساعدك!"


أخذ ليث نفسًا عميقًا، يعلم أنهم جبناء وسيفعلون أي شيء للخروج من هذا المأزق، لكنه لم يكن يملك خيارًا آخر. ربما يكون لديهم معلومات مخفية، ربما كانوا مجرد أدوات في يد شخص آخر أكبر منهم.


نظر إلى رجاله وقال بحزم:


"خلوهم تحت المراقبة، ولو حد فيهم فكر يهرب، تعرفوا تعملوا إيه."


ثم التفت إلى الرجال المحتالين مرة أخرى وأشار إليهم قائلاً:


"متخلوش غبائكم يضيّع حياتكم… أي معلومة، حتى لو كانت صغيرة، لازم توصلني فورًا."


وبتلك الكلمات، خرج من المكان بخطوات ثقيلة، بينما في داخله كانت نيران الغضب واليأس تتأجج أكثر من أي وقت مضى.


نظر ليث إلى الرجال المحتالين بحدة، ثم قال بنبرة صارمة:


"علشان أضمن ولائكم، لازم تمضوا شيك على بياض."


اتسعت أعينهم في ذعر، وتبادلوا النظرات المرتبكة قبل أن يهتف أحدهم بتوتر:


"شيك على بياض!؟ ليه بس يا بيه؟ احنا قولنا هنساعدك!"


ابتسم ليث ببرود واقترب منهم، ثم قال بصوت هادئ لكنه يحمل تهديدًا واضحًا:


"عشان لو فكرتوا تضحكوا عليا تاني، تبقوا عارفين كويس إن حياتكم هتتبهدل بمعنى الكلمة. محدش بيلعب معايا ويطلع سليم."


ابتلع الرجال ريقهم بصعوبة، وبدأت يد أحدهم ترتجف وهو يمسك القلم. نظروا لبعضهم البعض وكأنهم يبحثون عن مخرج، لكن لم يكن هناك أي فرصة للهرب.


بيد مرتجفة، أمسك أحدهم القلم ووقع على الشيك، تبعه الآخرون واحدًا تلو الآخر، وكل منهم يعلم أنه وقع في فخ لا مفر منه.


أخذ ليث الشيكات، نظر إليها نظرة رضا، ثم قال ببرود:


"دلوقتي بقيتوا تبعنا… أي حركة غلط، الشيكات دي هتكون آخر حاجة تشوفوها في حياتكم. أنا ابن سوق برضو و أعرف الاعبكم كويس"


ثم التفت إلى رجاله وأمرهم:


"خلّوهم تحت المراقبة، ولو حد فيهم حاول يلعب بديله… اتصرفوا معاه بالطريقة المناسبة."


وقف الرجال المحتالون في صمت، وجوههم ممتقعة من الرعب، بينما ليث خرج من المكان بخطوات ثابتة، مصممًا على الاستمرار في البحث عن سبيل، حتى لو اضطر للمرور فوق جثث كل من يقف في طريقه.


نظر ليث إلى الرجال المحتالين بحدة، ثم قال بنبرة مليئة بالتحدي:


"ها… هتساعدوني إزاي؟"


تبادل الرجال النظرات المرتبكة قبل أن يتحدث أحدهم بتلعثم:


"إحنا… إحنا ممكن نجيبلك معلومات عن الناس اللي بيشتغلوا في الحاجات دي… نعرف ناس في السوق السودا بيقدروا يوصلوا لأي حد."


رفع ليث حاجبه باهتمام، ثم قال ببطء:


"وكلامك ده مضمون؟ ولا بتألفوا أي حاجة علشان تخرجوا من الموقف؟"


أسرع رجل آخر بالرد، محاولًا إثبات جديته:


"لا لا يا بيه، إحنا بنقول الحقيقة… بس عايزين فرصة نثبتلك."


ابتسم ليث ببرود، ثم اقترب منهم وقال بصوت منخفض لكنه يحمل تهديدًا واضحًا:


"اسمعوني كويس… أي حركة غلط، الشيكات دي هتبقى نهايتكم. مفهوم؟"


هزّ الرجال رؤوسهم بسرعة، فأكمل ليث:


"دلوقتي، كل واحد فيكم هيبدأ يدور ويسأل في الأماكن اللي يعرفها… أي معلومة، أي طرف خيط، تجيبوهولي فورًا. ولو اكتشفت إنكم بتضيعوا وقتي…" سكت للحظة ثم تابع بصوت بارد "مش هترجعوا تشوفوا ضوء النهار تاني."


بلع الرجال ريقهم في رعب، ثم قال أحدهم بسرعة:


"حاضر يا بيه… هنبدأ من دلوقتي."


نظر ليث إلى رجاله وأمرهم بحزم:


"راقبوهم… وأي حد فيهم يحاول يلف ويدور، بلغوني فورًا."


ثم استدار وخرج من المكان، عازمًا على أن يقلب الدنيا رأسًا على عقب حتى يجد سبيل.


نظر أحد رجال ليث إلى المحتالين بحدة، ثم قال بصوت صارم:


"اسمكم إيه؟"


تلعثم أحدهم وهو يرد بسرعة:


"أنا اسمي رجب، وده صاحبي سعيد، والتالت اسمه منصور."


نظر إليهم رجل ليث بارتياب، ثم قال بنبرة مشككة:


"وكنتم فاكرين إن لعب العيال ده هيعدي كده؟"


تدخل ليث قبل أن يرد أحدهم، وقال بلهجة باردة و هو يحمل كوبا من القهوة:


"مش مهم أساميكم… المهم إنكم تثبتوا إنكم مفيدين ليا. وإلا…"


صمت ليث قليلًا، ثم أضاف بنبرة تهديدية:


"هتبقوا مجرد أسامي في سجل طويل من الناس اللي حاولوا يضحكوا عليا… واختفوا."


ارتجف الرجال الثلاثة، وأومأوا برؤوسهم بسرعة، بينما تابع ليث:


"دلوقتي… وروني هتساعدوني إزاي."


نظر سعيد إلى ليث بتفكير عميق، ثم قال بثقة: "بص يا باشا، أنا حياتي كلها كنت بسرق بيوت وأماكن مقفولة بإحكام، وعندي خبرة كبيرة في الحاجات دي، ممكن أروح القصر اللي قلت عليه وأحاول أطلع بأي معلومة تفيدنا."


نظر له ليث بريبة وقال: "أنا روحت هناك قبل كده ومالقتش أي حاجة، المكان كان مهجور وكأنه متسكنش أصلاً، أنت هتلاقي إيه يعني؟"


ابتسم سعيد ابتسامة واثقة وقال: "مفيش مكان بيتفضى من غير ما يسيب وراه أثر، لو في حد كان عايش هناك، أكيد في دليل، حتى لو بسيط، بس محتاج عين خبيرة تدور عليه."


فكر ليث قليلاً، ثم قال بحزم: "ماشي، جرب بس لو لقيت أي حاجة، حتى لو تفصيلة صغيرة، لازم تبلغني فوراً.. مع إني معتقدتش إنك هتلاقي حاجة أصلا "


هز سعيد رأسه وقال: "تمام، سيبها عليّ."


ثم نظر سعيد إلى ليث وقال بثقة:


"بس أنا شغلي مختلف، ممكن ألاقي حاجة إنت مكنتش واخد بالك منها. أي ورقة، أي أثر، أي حاجة صغيرة ممكن تفرق."


تردد ليث للحظة، لكنه قرر أن يمنح سعيد الفرصة، فقال بصرامة:


"طيب… بس لو كنت بتلعب بيا تاني، المرة دي مش هسيبك تطلع منها بسهولة."


أومأ سعيد بسرعة وقال:


"متقلقش، أنا هروح القصر وأشوف لو في أي حاجة مفيدة."


ثم التفت ليث إلى الآخرين وسأل:


"وانتم؟ هتفيدوني بإيه؟"


نظر رجب إلى منصور، ثم قال:


"إحنا نعرف ناس في السوق… ممكن نسمع كلام بيتقال هنا وهناك، نشوف لو حد ذكر حاجة عن البنت اللي بتدور عليها."


فكر ليث للحظة، ثم قال بحزم:


"تمام… كل واحد فيكم ليه مهمة. لو لقيتوا أي معلومة ترجعوا لي فورًا. مفهوم؟"


هز الرجال رؤوسهم بالموافقة، ثم انطلق كل منهم في طريقه، بينما ظل ليث في مكانه، يتمنى أن يكون هذه المرة قد اقترب خطوة من العثور على سبيل.

❈-❈-❈

توجه سعيد إلى القصر ليلاً، متسللاً بخفة بين الأشجار المحيطة به. كان الظلام يلف المكان، ولم يكن هناك أي أثر للحياة، تمامًا كما وصفه ليث. وقف أمام البوابة الكبيرة المتهالكة، ودفعها ببطء حتى انفتح جزء صغير يسمح له بالعبور.


دخل بحذر، يراقب كل زاوية بعين خبيرة، يبحث عن أي شيء غير مألوف. الأثاث كان مغطى بطبقة من الغبار الكثيف، وكأن أحدًا لم يلمسه منذ سنوات. سار بين الغرف واحدة تلو الأخرى، لكنه لم يجد أي دليل واضح.


حين وصل إلى الطابق العلوي، لاحظ شيئًا غريبًا. كانت هناك خزانة خشبية موضوعة بطريقة غير طبيعية، وكأنها تخفي شيئًا خلفها. اقترب منها، ثم بدأ في دفعها ببطء حتى ظهرت أمامه فتحة صغيرة في الجدار.


تسارعت دقات قلبه وهو ينحني ليرى ما خلفها. كانت هناك غرفة سرية، صغيرة ومظلمة، وبداخلها بعض الأغراض المبعثرة. دخل بحذر، وبدأ في تفحص المكان. وجد على الطاولة ورقة ممزقة كُتب عليها بخط يد مرتجف:


"لا تثق في أحد.. إذا وجدت هذه الورقة، فاعلم أنني كنت هنا.. لكن لا أعلم إلى متى سأبقى."


عقد سعيد حاجبيه وقال بصوت خافت: "دي

ه أكيد خطها.. سبيل كانت هنا."


أخذ سعيد الورقة وتأملها جيدًا، ثم بدأ يبحث في باقي أرجاء الغرفة الصغيرة. كان المكان ضيقًا بالكاد يتسع لشخص واحد، مما جعله يتساءل: "هل كانت محتجزة هنا؟ أم أنها اختبأت بنفسها؟"


ألقى نظرة فاحصة على الجدران، فلاحظ خدوشًا صغيرة بالقرب من الزاوية، وكأن أحدهم كان يحاول حفر شيء بأظافره أو بأي أداة حادة. اقترب أكثر، ومد يده يتحسس الجدار، حتى شعر بخشونة غير طبيعية في بقعة محددة. عندما دقق النظر، اكتشف أنه مكتوب على الجدار بخط باهت:


"أنا هنا ..."


لكن باقي الجملة كان ممسوحًا أو غير مكتمل، وكأن أحدهم تعمد إخفاءه.


تسارعت أنفاس سعيد، وبدأ قلبه ينبض بقوة. لقد كان على يقين الآن أن سبيل كانت هنا، لكن السؤال الأهم: "أين ذهبت بعد ذلك؟"


فجأة، سمع صوت خشخشة خلفه، فالتفت بسرعة وهو يضع يده على سكين صغيرة كان يحملها تحسبًا لأي طارئ. ظل واقفًا للحظات، يحبس أنفاسه، ثم تأكد أن الصوت جاء من خلف الجدار الآخر. اقترب بحذر، ووضع أذنه عليه محاولًا سماع أي حركة. كان هناك صوت طفيف، لكنه لم يكن واضحًا بما يكفي.


قرر سعيد المغامرة، فأخرج أداة صغيرة من جيبه، وبدأ يحاول فتح الفجوة الموجودة بين الألواح الخشبية. بعد دقائق من المحاولة، انفتح جزء صغير، ليكشف عن درج سري ضيق يؤدي إلى الطابق السفلي للقصر.


وقف سعيد مترددًا للحظة، ثم قال في نفسه: "لو رجعت من غير ما أكمل، عمرنا ما هنعرف الحقيقة."


وبخطوات حذرة، بدأ ينزل الدرج، متجهًا نحو المجهول…


نزل سعيد الدرج بحذر، ممسكًا بسكينه الصغيرة، بينما يحاول السيطرة على نبضات قلبه المتسارعة. كانت الرائحة في الطابق السفلي خانقة، مزيج من الرطوبة والعفن، وكأن هذا المكان لم يُفتح منذ سنوات.


كلما تعمّق في النزول، زادت العتمة، حتى لم يعد يرى سوى بضع سنتمترات أمامه. أخرج مصباحًا صغيرًا من جيبه، وأضاءه بحذر، لتكشف له الإضاءة الخافتة ممرًا ضيقًا يمتد أمامه. كانت الجدران قديمة، محطمة في بعض الأجزاء، وعليها آثار خدوش عشوائية، وكأن شخصًا ما كان يحاول الهروب.


همس سعيد لنفسه: "أكيد سبيل كانت هنا… بس راحت فين؟"


تقدم أكثر، حتى وصل إلى نهاية الممر، حيث كان هناك باب خشبي قديم، موارب قليلًا، ويبدو أن أحدًا قد فتحه مؤخرًا. مدّ يده بحذر، ودفعه ببطء ليكشف عن غرفة صغيرة خالية تقريبًا، إلا من سرير حديدي صدئ، وطاولة خشبية مقلوبة، وعلى الأرض كانت هناك بقايا حبال ممزقة، وكأن شخصًا كان مقيدًا هنا وتمكن من الفرار.


جال سعيد بعينيه في الغرفة، إلى أن وقعت عيناه على شيء جعله يقترب بسرعة… كان هناك سوار ذهبي صغير مرميًا على الأرض، وعليه حرف "س" منقوش بدقة.


التقطه وأخذ يتفحصه، ثم تمتم بدهشة: "ده أكيد ملك سبيل!"


وقف للحظة محاولًا استيعاب الأمر، ثم التفت بسرعة عندما سمع صوتًا خلفه. كان الصوت أشبه بحركة أقدام سريعة، وكأن أحدًا ما كان يتجسس عليه. تجمد في مكانه للحظات، ثم قرر التحرك بسرعة، عارفًا أن بقاءه في هذا المكان قد يكون خطرًا.


خرج من الغرفة وأخذ يجري عائدًا إلى السلم، لكنه سمع صوت باب يُغلق بعنف خلفه، فتوقف لثوانٍ محاولًا استيعاب الأمر. التفت خلفه، لكنه لم يرَ أحدًا. المكان كان هادئًا بشكل مريب.

❈-❈-❈

شعر سعيد بقشعريرة تسري في جسده، لكنه تماسك وأكمل طريقه بسرعة إلى الخارج. وبمجرد أن خرج إلى سطح القصر، أخذ نفسًا عميقًا، ثم توجه إلى السيارة حيث كان رجال ليث ينتظرونه بترقب.


بمجرد أن صعد إلى السيارة، سأله أحد الرجال: "إيه الأخبار؟ لقيت حاجة؟"


أخرج سعيد السوار الذهبي من جيبه، ورفعه أمامهم قائلاً بحزم: "لقيت دليل… سبيل كانت هناك، بس السؤال هي راحت فين؟"


نظر ليث إلى السوار الذهبي في يد سعيد بتمعن، ثم زفر بضيق وهو يقول: "كده معملناش حاجة برضو… لسه مش عارفين سبيل فين، ولا حتى عندنا خيط نمشي وراه."


كان الإحباط واضحًا في نبرته، لكنه لم يكن مستعدًا للاستسلام. جلس على الكرسي وأخذ يفكر بصمت، بينما سعيد وبقية الرجال يراقبونه في انتظار قرار منه.


قطع الصمت صوت ليان، التي كانت تتابع الحديث من بعيد، وقالت بتردد: "طيب… الاسورة دي لو فعلاً بتاعة سبيل، يبقى فيه احتمال إنها كانت محتجزة في القصر ده فعلاً… بس هل ده معناه إنها هربت؟ ولا حد خدها لمكان تاني؟"


رفع ليث رأسه وحدق فيها للحظات، ثم قال بحسم: "لو سبيل كانت هربت، كانت هتحاول توصل لي بأي طريقة… مستحيل تقعد كل المدة دي من غير ما تحاول تتواصل معايا."


أيد سعيد كلامه: "صح، ده معناه إن اللي كانوا محتجزينها نقلوها لمكان تاني، وممكن يكونوا سابوا أثر وراهم."


فكر ليث قليلاً، ثم ضرب يده على الطاولة قائلاً بحزم: "هنرجع للقصر تاني، بس المرة دي هنفتشه كويس، حجر حجر، مش هنسيب تفصيلة واحدة."


وقف الجميع باستعداد، لكن ليان قاطعته قائلة: "استنى يا ليث… إحنا كده بنلف في دايرة مفرغة! القصر ده أكيد كان مجرد محطة، مش المكان الرئيسي اللي محتجزينها فيه، إحنا محتاجين نعرف مين اللي كان هناك… مين اللي استخدم القصر ده!"


أومأ ليث برأسه موافقًا وقال: "عندك حق… يبقى لازم نلاقي حد من الحراس القدام اللي كانوا شغالين هناك… أكيد في حد شاف أو سمع حاجة."


نظر إلى سعيد وسأله: "تقدر تعرف مين كان شغال هناك قبل ما القصر يبقى مهجور؟"


ابتسم سعيد ابتسامة واثقة وقال: "سيبها عليّ، أعرف واحد كان بيشتغل هناك في المنطقة دي زمان، ولو في حد عنده معلومة، هو هيقولك و هيقدر يجيبلنا معلومات عن صاحب القصر ."


تنفس ليث بعمق ثم قال: "تمام… نتحرك فورًا."


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا ممدوح، لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة