رواية جديدة على سبيل الألم لرانيا ممدوح - الفصل 22 - الإثنين 3/2/2025
قراءة رواية على سبيل الألم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية على سبيل الألم
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رانيا ممدوح
الفصل الثاني والعشرون
تم النشر الإثنين
3/2/2025
رحلت سبيل من النادي وملامح وجهها تعكس ألمًا عميقًا يمتزج بين الفقد والذكريات التي لا تزال تؤلمها في كل لحظة. كانت خطواتها سريعة، وكأنها تحاول الهروب من شيء ثقيل يلاحقها.
اقتربت من السيارة التي كانت تقف بعيدًا عن مرأى الجميع. سيارة فارهة بطلاء لامع يعكس أشعة الشمس وكأنها تحاول أن تبقى مخفية عن الأعين رغم بريقها الفاضح.
كان ليث قد لاحظ تلك السيارة منذ اللحظة الأولى. ارتسمت على وجهه علامات الدهشة والريبة. كيف يمكن لسبيل، التي يعرف الجميع أنها لم تأخذ أي أموال من إرث والدها الراحل، أن تمتلك مثل هذه السيارة؟ ومن أين جاءت بتلك الملابس الباهظة ومضرب التنس الفاخر؟ الأسئلة بدأت تتكدس في عقله، وكان بحاجة إلى إجابات.
"مستحيل... في حاجة مش مفهومة هنا"، تمتم بصوت خافت.
لم يتمالك ليث نفسه. رفع يده ليوقف سيارة أجرة كانت تمر بالقرب منه. صعد بسرعة وقال للسائق بحزم:
"اتبع السيارة اللي قدامك من فضلك، بس خلي بالك متخليش حد يحس بينا."
نظر السائق إليه باستغراب لكنه لم يعترض. بدأ بملاحقة سيارة سبيل بحذر شديد، بينما كان ليث يراقب الطريق بعينين مليئتين بالفضول والشك.
ظل يتتبعها بصمت، كل لحظة تمر تزيد من توتره وتساؤلاته. إلى أين تذهب؟ ولماذا هذه السرية؟
فجأة توقفت سيارة سبيل أمام قصر ضخم ذو بوابة حديدية عالية. كان القصر يبدو وكأنه لوحة من عالم آخر، بحدائقه الواسعة وشرفاته المزخرفة.
شهق ليث بصوت مسموع:
"إيه ده؟ قصر؟!"
رأى سبيل تنزل من السيارة وتدخل عبر البوابة التي أُغلقت خلفها بقوة وكأنها تقطع أي صلة بالعالم الخارجي.
نزل ليث من سيارة الأجرة، ووقف مشدوهًا أمام القصر. كان يحاول استيعاب ما يراه. كيف يمكن لسبيل أن تكون هنا؟ مستواهم المادي جيد، لكنه ليس بهذا الثراء الفاحش.
"مستحيل... عم شاهين اللي هو تاجر كبير ملوش قصر بالشكل ده، فإزاي هي تكون هنا و تسكن في مكان زي ده ؟"
بدأت الشكوك تتسلل إلى قلبه. غضب، ارتسمت على وجهه تعابير الغيظ والغيرة. كان هناك شيء غامض ومبهم يحيط بسبيل، وهو لم يعد قادرًا على تجاهله.
عاد إلى سيارة الأجرة بصمت، وأعطى السائق العنوان الخاص بمنزله. طوال الطريق كان عقله مشغولًا بتلك الصور المتداخلة: القصر، السيارة، ملابس سبيل الفاخرة.
"لازم أعرف الحقيقة... لازم أنا مصدوم من اللي شوفته ، ازاي تروح مكان زي ده و سائق و سيارة أنا مش فاهم حاجة ، ازاي ، حتى النادي كان رافض رجوعها و فجأة رجعت تاني معانا ."
بمجرد وصوله إلى منزله، صعد إلى غرفته بخطوات سريعة. قلبه يغلي من الغضب والغيرة. أغلق الباب خلفه بقوة، وكأنه يريد عزل نفسه عن العالم.
توجه إلى درج صغير بجانب السرير، وأخرج صورة قديمة تجمعه بسبيل. كان يحتفظ بها منذ وقت طويل، وكان يعتبرها إحدى ذكرياته الثمينة.
نظر إلى الصورة بعيون مليئة بالغيظ. كيف خدعته؟ كيف استطاعت أن تبني تلك الصورة البريئة في ذهنه؟
"مش ممكن... كل حاجة كانت كذبة؟ معقول سبيل اللي كانت ملاك بالنسبالي بقت كده ليه ؟ أكيد السجن غيرها و غير مبادئها و أخلاقها أنا اللي كنت مجنون و بتقبلها زي ما هي بكل عيوبها و مميزاتها لكن يا خسارة كل ده و هي ما تستاهلش حبي و انتظاري و تضيحتي بوقتي في وقت مهم زي ده علشانها"
لم يستطع التحكم في انفعالاته. مزق الصورة إلى قطع صغيرة، كأنما يمزق مشاعره معها. لكن ذلك لم يكن كافيًا ليطفئ نيران غضبه.
أشعل ولاعته، ورمى بقايا الصورة في اللهب. ظل يراقبها وهي تحترق حتى تحولت إلى رماد، وكأنها تمثل احتراق ثقته وأحلامه معها.
جلس على الأرض بصمت، والدخان يتصاعد من الرماد أمامه. عيناه كانتا مشدوهتين، وملامحه تحمل خليطًا من الغضب والألم.
"لازم أعرف الحقيقة... مش هرتاح غير لما أعرف كل حاجة عنها.برضو قلبي مش هاين عليه ينساها بسهولة كده "
❈-❈-❈
في اليوم التالي، وصلت سبيل إلى النادي بحماسها المعتاد، تنتظر لقاءها المعتاد مع ليث للتدرب معًا. كانت الشمس تسطع بحرارة على ملاعب التنس، وأصوات اللاعبين تعلو في الأرجاء بحماس كل منهم يضرب بكرته في سماء الملعب بحرارة و اللعب يصل إلى أعلى ذروة النشاط .
جلست سبيل على مقعد تحت الظل وهي تراقب الملعب بعينين مليئتين بالتوقع. مرت دقائق طويلة دون أن يظهر ليث.
"يمكن اتأخر شوية"، تمتمت لنفسها محاولة طمأنة قلبها.
لكن مع مرور الوقت، بدأت تشعر بشيء من القلق. مرت ساعة كاملة، ثم ساعتان، ولا أثر له.
في اللحظة التي بدأت فيها تفقد الأمل، لمحت ليث على بُعد مسافة قصيرة، لكنه لم يكن قادمًا نحوها. كان في الملعب الآخر، يتدرب مع مدرب محترف.
ارتفع حاجباها بدهشة: "معقول؟ نسيني؟ معقول نسي ميعادنا "
راقبته لبعض الوقت، يحرك المضرب بخفة وتركيز، ووجهه خالٍ من أي تعبير يوحي بأنه يتذكر موعدهما.
"غريب جدًا... ده مش ممكن يكون نسي"
ظلت تنتظره ثلاث ساعات كاملة، علّه ينتهي من تدريبه ويأتي ليشرح لها سبب غيابه، لكنه لم يفعل.
غادرت النادي بخطوات مثقلة، تحاول أن تحسن الظن به: "أكيد حصل حاجة منعته... يمكن كان مشغول أو حصلت له ظروف.. أو محتاج يركز في تدريبه أكتر علشان البطولة "
لكن القلق لم يترك قلبها.
في اليوم التالي عادت إلى النادي بنفس الأمل، متوقعة أن تراه، لكنه لم يظهر.
"يمكن النهارده مختلف... يمكن يكون فاضي نتدرب سوا"
لكن اليوم مرّ كما مرّ سابقه، لا ليث ولا يوجد تبرير لغيابه.
استمر الأمر لعدة أيام، وسبيل لم تتوقف عن الحضور وانتظاره. ظلت تتشبث بأمل واهٍ بأنه سيأتي ليخبرها بما حدث.
لكن الأسبوع انقضى كاملًا، ولم يظهر ليث على الإطلاق.
كانت جالسة في زاوية الملعب الأخير في اليوم السابع، عيناها معلقتان بالمدخل، لكن لا أحد يمر.
"هو زعل مني؟ أو يمكن في حاجة مش عايز يقولها؟"
حاولت أن تجد أعذارًا له، لكنها بدأت تشعر بشيء أشبه بالخيانة.
نهضت ببطء، وملامح خيبة الأمل ترتسم على وجهها.
"خلاص... مش هستناه تاني... لو عايز يختفي، هو حر."
غادرت النادي هذه المرة بحزم، لكنها لم تستطع إخفاء الألم الذي اعتلى ملامحها، وكأن قلبها كان يهمس: "ليه يا ليث؟ إيه اللي حصل؟"
❈-❈-❈
وقفت سبيل أمام بوابة التدريب الخاصة بالذكور، تترقب خروج ليث بعينين مليئتين بالقلق والترقب. مرت لحظات ثقيلة قبل أن تراه يخرج بخطوات سريعة.
صاحت بفرح وهي تلوّح بيدها:
"ليث! إزيك؟"
لكنه تجاهلها تمامًا، وواصل طريقه دون أن يلتفت.
ارتسمت على ملامحها دهشة مختلطة بالحيرة، لكنها لم تستسلم. أسرعت خلفه، خطواتها متلاحقة مع نبضات قلبها المتسارعة:
"ليث! استنى!"
ظل صامتًا، يمضي بخطواته العنيدة وكأنه يهرب من شيء ما.
اقتربت منه، ونظرت إليه بدهشة مشوبة بالقلق:
"إيه اللي حصل؟ أنا عملت حاجة ضايقتك؟"
لم يردّ عليها أو ينظر في اتجاهها حتى، وكأن كلماتها مجرد هواء لا يصل إلى أذنيه.
ازدادت حيرتها وألمها:
"ليث... مش كده، قول أي حاجة! لو زعلان مني قولي على الأقل قول"
ظل يمشي وكأن الأرض تسحبه بعيدًا عنها، صمته كان أبلغ من أي إجابة.
"يعني إحنا كنا أصحاب كويسين، وفجأة كده تتجاهلني ليه؟"
توقفت سبيل في مكانها، شعرت بانكسار يجتاح قلبها وهي تراه يبتعد دون أن يلتفت ولو لمرة واحدة.
خرج صوتها مرتعشًا، محاولًا كتم دموعها:
"ما كنتش فاكرة إنك هتعمل فيا كده..."
وقف ليث بالقرب من السيارة الفارهة التي كانت تنتظر سبيل عند بوابة النادي، مشيرًا بيده نحوها وعيناه مشتعلة بتساؤلات لا تنتهي.
قال بصوت مشحون بالغضب والشك:
"ممكن أفهم؟ واحدة زيك بحالتك اللي أنا عارفها كويس جدًا ازاي تركب عربية زي دي؟ وتلبس لبس زي ده؟ وتسكن في قصر؟ يا ترى إيه المقابل لكل ده؟ أكيد مفيش حاجة ببلاش الأيام دي."
حدق فيها بنظرات حادة وكأنها شفرة تحاول اختراق أسرارها:
"مستنية إيه؟ يا ريت تجاوبيني على السؤال اللي مخليني مانمش طول الأيام اللي فاتت. أنا حابب أسمع منك إجابة بدل ما أسيب دماغي تجاوب هي، وطبعًا عارفة إيه هي الإجابة اللي في دماغي."
رفعت سبيل عينيها إليه، وقد تشابكت مشاعر الصدمة بالحزن في ملامحها:
"إنت بتشك في أخلاقي يا ليث؟"
رد بصوت يحمل مزيجًا من الغضب والألم:
"أي حد في مكاني هيشك. أومال كل ده جه منين؟ يعني أكيد في سبب."
ارتعشت كلماتها وهي تحاول أن تبقى ثابتة:
"هتصدقني لو قلت لك إني معرفش السبب؟ وكل ده ببلاش لحد دلوقتي؟"
توقف الزمن لوهلة وهي تنظر إلى عينيه الممتلئتين بالحيرة والخذلان.
"بس انت ليه مهتم بحاجة زي كده؟ احنا بنتدرب سوا و..."
قطع حديثها ليث بغضب خفي، وكأنه يكشف عن جرح دفين:
"علشان أنا كنت فاكر إني بالنسبة لك حاجة كبيرة أو مختلفة عن كل الناس. كنت فاكر إنك بتحبيني زي ما بحبك."
❈-❈-❈
فتحت سبيل عينيها بصدمة، وكأن كلمات ليث التي خرجت من فمه فجأة قد أصابتها في مقتل. لم تكن تتوقع أن يواجهها بهذا الوضوح المباغت.
قال بصوت يحمل مزيجًا من الجرأة والتصميم:
"مش مهم عندي إنك كنتِ في السجن، ولا مهم عندي وجودك في القصر ده... لو وافقتِ تكوني معايا لآخر العمر."
ازدادت صدمتها، وشعرت أن قلبها يكاد يتوقف من وقع تلك الكلمات. لم تكن تعلم إن كان حلمًا أم حقيقة.
لاحظ ليث صدمتها و صمتها ، تمتم بصوت متلعثم:
"واضح إنك مش حابة حاجة زي كده."
هزت رأسها بنبرة أكثر هدوءًا:
"لأ... مش قصدي كده، بس أنا اتفاجئت من طلبك ده. أنت متعرفش عني حاجة، كل اللي تعرفه عني قليل جدًا."
ابتسم بثقة وكأنه يحمل يقينًا لا يهتز:
"مش عاوز أعرف... أنا واثق فيكِ."
نظرت إليه بنظرة ممتلئة بالامتنان، وكأنها ترى في عينيه شخصًا نادرًا في هذا العالم المليء بالشكوك والخداع. شعرت للحظة أنها أمام شخص مختلف تمامًا عن كل من عرفتهم من قبل.
تنهدت بعمق، محاولة ترتيب أفكارها:
"تعالَ نقعد ونتكلم... وبعدها قرر."
هز رأسه موافقًا، ثم مشى بجانبها نحو مكان هادئ ليبدأ حديث قد يغير مسار حياتهما للأبد.
❈-❈-❈
جلسا في زاوية هادئة من مكان التدريب، يحاوطهما الهدوء الذي لا يقطعه سوى همسات حديثهما المتوتر. سبيل كانت تضغط على شفتيها بتردد كبير، تبحث عن الكلمات المناسبة لتكشف عن الحقيقة.
قالت أخيرًا بصوت مختنق:
"أنا بعد ما خرجت من السجن رجعت البيت، لقيت عمي ومراته وبناته قاعدين فيه، وعمي غرقان في الديون... هو راجل سيئ، بيشرب خمرة وبيقامر وضيع كل فلوسه، مش بس كده، ده فلوس بابا كمان. البيت كان باسمي... لولا كده كان ضاع هو كمان."
نظر إليها ليث بتركيز، ولم يقاطعها رغم صدمته.
أكملت بنبرة متوترة:
"في يوم دخل البيت الراجل صاحب الديون، وطلب إنه ياخدني مقابل الدين... مقالش هو عايز مني إيه. ومن وقتها قدم لي كل الخدمات اللي مكنتش عارفة أعملها... زي إني أرجع التدريب، وأكمل تعليمي، ولبس غالي جدًا، وأوضة نوم مكنتش أحلم بيها."
تنفست بعمق وكأنها تحاول التخلص من ثقل الكلمات:
"هو بقاله أسبوع مجاش القصر... يعني مشوفتوش غير مرة واحدة من ساعة ما رحت بيته."
انفعل ليث فجأة، قائلاً بحسم:
"الدين ده تبع عمك... إنتِ مالك بيه؟ ده شيء ملكيش يد فيه."
ثم نظر إليها بنظرة تحمل وعدًا:
"تعالي... نتجوز أنا وإنتِ، ونسيب كل العك ده وعمك والراجل ده يتفلقوا سوا ."
فتحت عينيها بدهشة، وكأنها لم تصدق ما تسمعه. لم تجد كلمات ترد بها على عرضه المفاجئ، لكن شيئًا ما في أعماقها كان يدفعها للتفكير بجدية فيما قاله.
نظرت سبيل إلى ليث بدهشة وحيرة: "وأهلك هيوافقوا تتجوزني؟"
ابتسم ليث بثقة وهدوء: "أهلي مين؟ أبويا وأمي ماتوا من زمان، وأنا عايش مع عمي مؤقتًا، بس ده وضع مش دائم. ولما نتجوز، هنروح بيت أبويا نعيش فيه... محدش له عندي حاجة."
ترددت سبيل للحظة وهي تحاول فهم هذا العرض المفاجئ: "بس... أنت مش فاهم الوضع اللي أنا فيه. الناس مش بس بتشوفني بنت قتيل... لأ، شايفينني بنت مجرمة واتحبست. كل الناس بتشك في أخلاقي وبتتكلم عليّ، حتى لو طلعت من السجن، الكلام مش بيقف."
قاطعها ليث بحزم: "مش فارق معايا كلام الناس، أنا مش عايش علشان أرضيهم، ولا أنتِ المفروض تعيشي علشان ترضيهم. أنا عارفك كويس وواثق فيكِ."
هزّت سبيل رأسها بنبرة يائسة: "أنت مش فاهم! الوضع مش سهل زي ما أنت متخيله. أنا عايشة في قصر راجل غريب، عمّي غرقان في الديون وباع كرامته، وعايز يبيعني كمان! الراجل اللي دفع ديون عمي بيعمل لي كل حاجة... تدريب، تعليم، لبس، حتى أوضة نوم مكنتش أحلم بيها... وكل ده ببلاش؟! إزاي أصدق إنه مفيش مقابل؟ و أنا خايفة يضرنا لو اتجوزنا بعد كده من غير ما أدفع دين عمي "
صمت ليث لثوانٍ وهو يحاول استيعاب كلامها، ثم قال بهدوء لكنه مليء بالغضب المكتوم: "الديون دي تبع عمك، مش ليكِ أي علاقة بيها. محدش له الحق يطلب منك تدفعي تمن غلطة حد تاني."
حاولت سبيل تبرير موقفها: "بس هو ساعدني فعلاً، وفضلت أقول لنفسي إنه ممكن يكون راجل كريم، أو يمكن بيحاول يساعدني من غير غرض... بس فكرة إنه يظهر فجأة ويختفي فجأة مخوفاني."
اقترب ليث منها ونظر إليها بثقة: "مش مهم الراجل ده عايز إيه أو عمّك بيعمل إيه... المهم أنا وإنتِ. سيبك من كل العك ده وتعالي نتجوز. نبعد عن كل المشاكل دي ونبدأ حياتنا من جديد."
فتحت سبيل عينيها بدهشة: "أنت بتتكلم جد؟!"
أومأ ليث بثبات: "أيوة، أنا بتكلم جد. فكّري لحد بكرة، ولو لقيتك واقفة عند البوابة الخلفية للنادي، هعرف إنك موافقة تعيشي معايا."
شعرت سبيل بارتباك شديد، وكأنها عالقة بين نارين: "بس إزاي هنهرب من كل ده؟ يعني مش هيكون فيه مشاكل؟"
قال ليث بحزم: "أنا عامل حساب كل حاجة. بيت أبويا موجود، ومستعد أتحمل أي حاجة علشانك. المهم تكوني معايا."
نظرت سبيل إليه بنظرة ممتنة ممزوجة بالحيرة: "أنا مش عارفة أقول إيه... أنت فعلاً شخص نادر في الزمن ده."
ابتسم ليث: "كل اللي محتاجه منك إنك تفكري. مش عايزك تقرري دلوقتي."
تركها ليث بعدما ألقى كلماته، وترك سبيل غارقة في أفكارها، تتصارع مع مشاعرها وظروفها. هل يمكنها الهروب من عالم مليء بالظلم والخوف لتجد الأمان بجوار ليث؟ أم أن الواقع سيقف عائقًا أمام أحلامهما؟
❈-❈-❈
عادت سبيل إلى القصر، لكن هذه المرة كانت مشاعرها أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى. دخلت غرفتها وأغلقت الباب خلفها، وجلست على طرف السرير، مغمضة عينيها بعمق وهي تحاول ترتيب أفكارها.
كل شيء بدا متشابكًا في عقلها، وكأن الكلمات التي قالها ليث قد حُفرت داخلها، وصارت ترددها في ذهنها طوال الوقت: "تعالي نتجوز وأنا و إنتِ سيبك من كل ده، هنعيش مع بعض ونبني حياة جديدة."
لكن ماذا عن عمها؟ وماذا عن الديون التي لا تعرف كيف ستنتهي؟ كان كل شيء معقدًا. بعد وفاة والديها، أصبح عمها هو المسؤول عنها، رغم كل عيوبه، ورغم كل الظروف السيئة التي مر بها. كان هو الذي يعولها، حتى وإن كان وضعه المالي محرجًا. كان يشعر بأنه مدين لها، وأنها تدين له حقه من الإرث الذي ضاع منه.
"لكن ليث عنده حق..." همست سبيل لنفسها. "أنا مش لازم أستمر في العيش في ظل الماضي أو في حياة عمّي. أقدر أعيش حياة مستقلة، حياة مليئة بالأمل بدلًا من الخوف من اليوم التالي."
كانت تنظر إلى نافذتها التي تطل على الحديقة الواسعة، حيث الأشجار تحركها الرياح في حركة رتيبة، كأن الطبيعة نفسها تشاركها التفكير. "أنا لا أريد أن أكون في هذا القصر إلى الأبد. لا أريد أن أعيش في هذا الهاجس الدائم."
فجأة، شعرت بحضور شيء ثقيل في صدرها. كانت تتذكر حديث ليث عن أن الحياة يمكن أن تكون أفضل، وأنه مستعد لأخذها إلى مكان بعيد عن كل هذه الفوضى. "هل أستحق حقًا هذه الفرصة؟ هل يمكنني التخلي عن الماضي بكل ما فيه؟"
بدأت الدموع تتساقط من عينيها، لكنها مسحتها بسرعة، وكأنها تريد أن تتخلص من أي شيء يعوق تفكيرها. "إذا قررت أن أكون مع ليث، هل سيكون هذا الاختيار الأنسب لي؟ هل سأكون سعيدة؟"
وبينما كانت تواصل التفكير، بدأ قلبها يتسارع مع كل فكرة جديدة تظهر في رأسها. كانت مترددة، لكن كان جزء منها يطلب منها أن تأخذ خطوة جريئة نحو المستقبل، وأن تترك وراءها الماضي بكل تعقيداته.
وفي تلك اللحظة، قررت سبيل أن تسأل نفسها سؤالًا واحدًا: "هل أنا مستعدة أن أعيش من أجل نفسي؟ أم سأظل أسيرة الماضي طوال حياتي؟"
وفي النهاية، كان الجواب واضحًا. "أنا بحاجة إلى التغيير."
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا ممدوح، لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية