-->

رواية جديدة على سبيل الألم لرانيا ممدوح - الفصل 24 - السبت 8/2/2025

 

 قراءة رواية على سبيل الألم كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية على سبيل الألم 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا ممدوح 

الفصل الرابع والعشرون


تم النشر السبت

8/2/2025


تركه شاهر ملقى أرضا في منزل العرس و الذي ما زال يتزين بأنوار جميلة في الخارج و التي يتم نزعها في اليوم التالي صباحًا . 


ظل ليث نائما حتى الساعة العاشرة فور استيقاظه ذهب إلى ذلك القصر مثل المجنون و وجد البوابة الحديدية مفتوحة على ذراعيها 

دخل إلى الداخل و كلما اقترب كان يتسلل إلى قلبه امل كبير من وجود زوجته و حبيبته في الداخل لكن هذا الأمل اختفى حينما وجد كل شئ اختفى من هذا القصر ، كل شئ و كأنه مهجور منذ سنوات 


فكر قليلا في الذهاب الى عم سبيل المقزز و الذي بالطبع ليث يشك به كثيرًا أنه خلف ما حدث ليلة أمس ، لكن أيضا لم يجد أي شخص في المنزل . 

❈-❈-❈

ركض ليث كالمجنون إلى بيت عمه، لكن عمه كان قد سافر كعادته من أجل العمل في الخارج. وجد ليان التي نظرت إليه بقلق من أعلى رأسه حتى أسفل قدميه:


"في إيه؟ مالك يا ليث؟ أنت لسه ببدلتك من امبارح؟!"


سقط ليث أرضًا، فلم تستطع قدماه أن تحملاه بعد الآن، وقال وهو يقاوم انهياره:


"سبيل اتخطفت امبارح وأنا معرفش عنها حاجة. ساعديني ألاقيها، أرجوكِ يا ليان أنا مش عارف أعمل إيه!"


قالت ليان بقلق وهي تحاول تهدئته:


"اهدأ يا ليث، هنبلغ البوليس وهو هيتصرف أكيد. لكن لازم تحكي لي الموضوع من الأول. قوم خد دوش حلو والبس لبس مريح علشان تحكي على رواقة."


صرخ ليث بانفعال:


"دوش إيه! بقولك مراتي اتخطفت، هو أنا بقولك راحت تتفسح؟!"


نهضت ليان وهي تقول بحزم:


"طب قوم معايا وقول كل حاجة بالتفصيل."


جلس ليث على الأريكة وقد استبد به الحزن والأسى، عيناه تفضحان كل ما يشعر به.


"ها قول."


"سبيل دي اللي دافعتي عنها من سبع سنين، لما خرجت من السجن اكتشفت إن عمها مديون، والراجل صاحب الدين طلب سبيل مقابل الدين الكبير ده. كان ممكن تدي له البيت، بس فكرت في مرات عمها وبناتها، فالراجل خدها من أسبوع، وقدملها لبس ورجعها التمرين تاني. حكت لي كل ده وأنا قررت نتجوز ونبعد عن المشاكل دي. لكن لما اتجوزنا وكنا لسه بنتكلم دخل علينا ناس شكلهم غريب وخدروها وخدروني. مدريتش إيه اللي حصل بعد كده. أول ما فتحت عيني جريت على القصر بتاعه جايز ألاقيهم، لكن كان مهجور وكأن مفيش حد سكنه قبل كده."


نظر إلى ليان بصدمة ثم قال:


"هو بجد كان في سبيل ولا أنا مجنون؟ كل ده محصلش وبتخيل؟ أنا مجنون يا ليان! ده عمها ومراته مش موجودين."


صعقت ليان مما سمعته، ثم قالت في تعجب:


"معقول؟! ممكن حد يعمل كل ده؟ ده واضح إن سبيل وراها لغز كبير أوي يا ليث. لأ، أنت مش مجنون، إحنا كنا في فرحك امبارح وإلا نكون كلنا مجانين بقى! قوم نروح نبلغ في القسم."

❈-❈-❈

وبالفعل توجهت ليان وليث إلى القسم لعمل محضر رسمي. طلب الضابط المختص صورة خاصة بسبيل ليتم نشرها على نطاق واسع للبحث عنها في كل مكان قبل فوات الأوان.


نظرت ليان إلى ليث بقلق:


"أكيد معاك صورة لمراتك؟"


هز ليث رأسه بأسف:


"لأ مش معايا، بس إحنا اتصورنا قبل الفرح على طول، وأكيد الصور عند المصوراتي."


تحدثت ليان إلى الضابط بلطف:


"عن إذنك يا فندم، هنروح نجيب الصور ونرجع لسيادتك."


رد الضابط بحزم:


"تمام، مفيش مشكلة، بس بسرعة علشان الوقت مهم في الحالات دي."


نهضت ليان مع ليث، وملامح القلق ترتسم على وجههما وهما يستعدان للذهاب إلى المصور في سباق مع الزمن.


توجه ليث وليان إلى مكان التصوير، لكن كانت الصدمة كبيرة؛ فقد تم إزالة كل شيء في المحل، وبدأت التجهيزات لإقامة محل جديد في نفس المكان.


سألت ليان الحاضرين بقلق، لكن لم يعرف أحد إلى أين ذهب صاحب المحل القديم. بدأت الصدمة تزداد وضوحًا على وجه ليث، لكنه سرعان ما انتبه لصوت ليان التي هتفت بتفاؤل:


"أكيد المأذون معاه صور بطاقاتكم! يلا نروح له، أكيد معاه كل التفاصيل."


انطلقا إلى مكان المأذون، لكن خاب أمل ليث تمامًا عندما اكتشفا اختفاء المأذون أيضًا. لم يكن هناك أي دليل يثبت وجود فتاة تدعى سبيل عبدالله الوكيل. كان الأمر وكأنها لم تكن موجودة من الأساس.


قالت ليان محاولة تهدئته:


"أكيد هنلاقيها يا ليث."


لكن ليث انهار تمامًا، وقال بصوت مختنق بالحزن:


"معقول؟ اختفت زي ما أمها اختفت زمان؟ مش هنلاقيها مهما حاولنا "


تم تحرير محضر تغيب يحمل كافة مواصفات سبيل، داعيًا أي شخص يعثر عليها حيّة أو ميتة إلى الإبلاغ. لكن رغم استمرار البحث لبضعة أيام، لم تظهر أي معلومات تقود إليّها.

❈-❈-❈

انقضى شهر كامل دون إحراز أي تقدم يُذكر بشأن القضية. كانت حال ليث تزداد سوءًا يومًا بعد يوم؛ انعزل في غرفة مظلمة لا يغادرها، غارقًا في أحزانه، لا يأكل، ولا يشرب، ولا ينام.


تآكلت ملامحه بفعل الحزن والاكتئاب، وفقد الكثير من وزنه. لم يكن ذهنه يتوقف عن استرجاع تلك اللحظات القاسية التي قلبت حياته رأسًا على عقب، يتساءل بلا إجابة: "كيف حدث كل هذا؟ وأين هي سبيل الآن؟"


دخلت ليان غرفته و فتحت الستائر بعزم، لتسمح للضوء بالتسلل إلى الغرفة التي ظلت غارقة في الظلام لشهر كامل. كان الهواء ثقيلًا يعبق برائحة الوحدة والحزن.


اقتربت ليان منه بنظرة مليئة بالشفقة:


"ليث، لازم ترجع لتدريباتك وتحاول تتأقلم على الوضع. الحياة مش بتقف مهما كانت الظروف."


ثار ليث بنبرة مختنقة، تتخللها ألم ودموع لم يستطع كبحها:


"أنسى؟! دي سبيل يا ليان... أول حب، وأول نبضة فرح في حياتي. ده أنا كنت بعدّ الأيام علشان تخرج من السجن. كنت بعشقها من غير حتى ما أتكلم معاها. دلوقتي بتطلبي مني المستحيل؟! أنا جوّايا نار محدش حاسس بيها! مش عارف عنها حاجة... عايشة ولا ميتة؟ عملوا فيها إيه؟ ذنبها إيه تتحمل دين عمها؟! ليه كل ده يحصل لنا؟!"


انهارت دموعه بغزارة، وكأن صموده الذي دام طوال هذا الشهر قد تحطم أخيرًا. أكمل بصوت مكسور:


"حتى صورة ليها يا ليان، محروم منها. هتفضل موجودة في خيالي وبس... خيال مكسور زي قلبي."


نظرت ليان إليه وهي تكتم غصتها، مدركة أن الكلمات لن تكون كافية لتضميد جراحه.


كانت ليان تبكي بصمت، غير قادرة على تحمل رؤية ليث في تلك الحالة المزرية. اقتربت منه وربتت على كتفه بحنان:


"ليث، لازم تفوق... عندي حل. ترجع لتدريباتك وتحقق نجاح كبير علشان لما سبيل ترجعلك في يوم تلاقيك زي ما كانت بتحبك: ناجح، قوي، ومميز زي ما أنت طول عمرك. مش تلاقيك غرقان في الحزن وسايب كل حاجة."


رفعت وجهها إليه بنظرة مليئة بالإصرار:


"أنا طلبت إجازة ليك وخلصت كل الإجراءات. لازم ترجع بكرة، تبدأ من جديد وتحقق اللي تستحقه. يلا قوم ظبط نفسك وارجع ليث الوسيم اللي نعرفه كلنا. وصدقني... سبيل هترجع، متقلقش."


مسحت ليان دموعها بسرعة محاولة بث القوة فيه، بينما ظل ليث يفكر بصمت، وكأن كلماتها بدأت تشق طريقًا إلى قلبه المكسور.


تردد ليث قليلاً وهو يمسح دموعه بعنف وكأنه يحاول التخلص من كل الألم الذي يثقل قلبه:


"بس لو سبيل مرجعتش؟ لو كل ده كان وهم وملوش نهاية سعيدة؟"


اقتربت ليان منه بثقة، عيناها تتوهجان بالأمل:


"لو سبيل محبتش ترجع؟ تبقى انت حققت نجاح علشان نفسك مش علشان حد، وتبقى أثبت إنك أقوى من أي وجع وأي ظروف. الحياة مش بتقف على حاجة يا ليث، ولازم تكمل فيها مهما كان الألم."


نهضت من مكانها وأمسكت بيده لتجعله يقف:


"هترجع بكرة للتدريبات، وهتشوف... طريقك لسه فيه حاجات كتير حلوة مستنياك."


نظر ليث إلى ليان، وكأن شرارة من الإصرار بدأت تعود إلى عينيه:


"تمام... هرجع. بس وعد يا ليان، لو ظهرت أي حاجة عن سبيل، تكوني أول حد يبلغني."


ابتسمت ليان وهي تمسك بيده بقوة:


"وعد يا ليث، وهنلاقيها مع بعض."


تغيرت ملامح ليث قليلاً، وكأن بصيص الأمل بدأ يضيء قلبه مجددًا.

❈-❈-❈

عاد ليث إلى التدريب لكنه كان مازال يعاني من الصدمة و الالم و فقدان الشغف ،بعد ذلك تحسن تدريجيا في أداءه حتى عاد اقوى مما كان ،لكنه لم ينسى سبيل  التي يسكن روحه و قلبه أينما يذهب 

المكان الذي يمكث فيه يملؤه عقله بصورها ،فقد تركت في كل مكان ذكرى و يتذكر ابتسامتها الرقيقة التي تشع أملًا رغم حزنها التي تخفيه بداخلها . 

كل يوم يمر عليه يكتب لها جوابًا  يطلب منها و يتوسل إليها أن تعود إليه و يبلله بدموعه.. لم ييأس من فعل ذلك حتى مر ثلاث سنوات على هذا الحادث الأليم .


في النادي كان ليث يقف على أرض الملعب ممسكًا بمضرب التنس، لكنه لم يكن هناك حقًّا. عيناه تائهتان وأفكاره غارقة في ذكرياته مع سبيل. كل كرة تأتي نحوه كانت تضيع دون أن يبذل جهدًا لإعادتها. المدرب بدأ يفقد صبره، اقترب منه وقال بصرامة:


"ليث، إيه اللي حصل لك؟ إنت واحد من أفضل اللاعبين هنا! مستواك بقى في النازل."


رفع ليث عينيه نحو المدرب وقال بصوت منخفض:


"آسف.. مكنتش مركز."


"مش آسف! إما تركز وتكمل التمرين بجدية، أو تريح لحد ما تظبط نفسك."


أومأ ليث برأسه وشعر بالإحباط. كان يعلم أن المدرب على حق، لكنه لم يستطع التخلص من الشعور الذي يخنقه.


على جانب الملعب، كانت ليان تراقبه بعينين مليئتين بالقلق. اقتربت منه بعد انتهاء التمرين وقالت بحزم:


"ليث، إيه اللي حصل؟ إنت كنت أسد في التمرينات، دلوقتي بتضيع الكرات زي مبتدئ!"


تنهد ليث وقال بصوت مليء بالحزن:


"مش قادر يا ليان.. كل مرة أمسك فيها المضرب بشوف صورتها قدامي. كل مرة أسمع صوت الكرة بحس وكأن حياتي كلها باظت ، زي ما حياتي اضربت يوم ما اختفت سبيل."


أمسكت ليان بيده وقالت بحزم:


"طيب خلاص، تعال نخرج من النادي شوية. محتاج تهوي دماغك."


خرجا من النادي واتجها إلى مقهى قريب. جلسا في زاوية هادئة بعيدًا عن الضجيج.


"بص يا ليث، أنا فاهمة إن اللي مريت بيه مش سهل، بس لو فضلت كده هتخسر نفسك قبل ما تخسر أي حاجة تانية. سبيل كانت قوية، وأكيد لو كانت هنا كانت هتقولك تكمل وتبقى أقوى."


نظر إليها بتردد وقال:


"أنا مش عارف أعمل ده من غيرها يا ليان."


ابتسمت بحنان وقالت:


"إنت مش لوحدك يا ليث. أنا هنا، وهفضل جنبك لحد ما تقوم على رجلك تاني."


تنهد ليث وقال:


"هحاول.. بس محتاج وقت."


"وقت؟ معندناش مشكلة، بس لازم تبدأ النهارده مش بكرة."


عاد ليث إلى النادي في اليوم التالي بعزيمة جديدة. صحيح أن الألم لم يختفِ تمامًا، لكن وجود ليان بجانبه منحه دفعة للاستمرار. بدأ يضرب الكرات بقوة وتركيز، وكأن كل ضربة كانت رسالة إلى الماضي: "أنا مكمل، مهما كان الثمن."


❈-❈-❈

ذهبت ليان إلى طبيب نفسي لتقم بإستشارته حول ليث. 


جلست ليان في عيادة الطبيب النفسي تنتظر بقلق. كانت تحاول جمع أفكارها لتشرح للطبيب الحالة التي يمر بها ليث بعد ثلاث سنوات من فقدان سبيل. لم يتجاوز ألمه رغم كل النجاح الذي حققه في التدريبات وعودته كرياضي محترف.


دخلت إلى غرفة الطبيب الذي استقبلها بابتسامة مطمئنة:


"اتفضلي يا أستاذة ليان، تفضلي قوليلي إيه المشكلة؟"


تنهدت ليان بتوتر:


"ابن عمي  ليث... هو ناجح جدًا دلوقتي في شغله، لكن حياته الشخصية متوقفة تمامًا من يوم ما مراته اختفت. كل يوم بيكتب لها جوابات زي ما لو هي هترجع فجأة. مش قادر ينسى أو يتأقلم."


هز الطبيب رأسه بتفهم:


"واضح إنه بيعاني من صدمة نفسية شديدة. الفقدان المفاجئ ممكن يسيب أثر عميق زي ده. هو لسه مرتبط بالأمل إنها ترجع، وده اللي مخليه مش قادر يمشي حياته لقدام."


سألت ليان بحيرة:


"طب ممكن نعمل إيه علشان يساعد نفسه؟"


"أهم حاجة ما نحاولش نجبره على النسيان. بدل كده، نحاول نخليه يتعامل مع ذكرياته بدون ما تحكم عليه أو تعطل حياته. ممكن نبدأ بجلسات علاج نفسي تدريجي لتحريره من العبء العاطفي اللي شايله."


نظرت ليان بحزم:


"أنا عاوزة أساعده بأي طريقة... هعرفه على حضرتك وأحاول أجيبه الجلسة الأولى."


ابتسم الطبيب مشجعًا:


"ده هيكون أول خطوة على طريق الشفاء."

❈-❈-❈

عادت ليان إلى منزل ليث وهي تفكر في كيفية إقناعه بالذهاب إلى الطبيب. طرقت الباب لتجد ليث جالسًا في حديقة المنزل، شاردًا كعادته، يحمل ورقة وقلم بين يديه. تقدمت نحوه وجلست بجانبه بصمت لثوانٍ، ثم قالت بحنان:


"ليث، أنا عارفة إنك لسه بتفكر في سبيل، وده حقك. بس حياتك لازم تمشي لقدام، وسبيل نفسها لو موجودة كانت هتطلب منك تعيش وتنجح أكتر."


تنهد ليث بصوت مبحوح:


"أنا مش عارف أعيش من غيرها يا ليان. كل يوم بحس إنها هنا معايا، بس مش قادر أوصلها."


وضعت ليان يدها على كتفه:


"عشان كده أنا جيت أكلمك. في طبيب نفسي شاطر جدًا ممكن يساعدك ترتب أفكارك وتتجاوز الصدمة دي."


هز ليث رأسه بحزم:


"أنا مش مجنون علشان أروح لدكتور نفسي!"


"محدش قال إنك مجنون يا ليث. الطب النفسي زي أي حاجة تانية بنحتاجها لما جسمنا يتعب. إحنا بنروح للدكتور لما نحس بألم في قلبنا، صح؟ طيب ليه ما نروحش لما يكون الألم جوه روحنا؟"


ظل ليث صامتًا لدقائق ثم قال بنبرة مستسلمة:


"ماشي يا ليان، هاجي معاك... بس لو محستش إن في فايدة مش هكمل."


ابتسمت ليان بحماس:


"ده كل اللي بطلبه منك."


وفي اليوم التالي، توجه ليث برفقة ليان إلى الطبيب النفسي. جلس ليث في المكتب بحذر، بينما بدأ الطبيب حديثه بلطف:


"أهلا يا ليث، ليان حكت لي عن اللي مريت بيه. إحنا هنا عشان نحاول نخلي الحياة أسهل ليك. ممكن تحكيلي عن أول مرة قابلت فيها سبيل؟"


نظر ليث إلى الطبيب للحظات، ثم بدأ الحديث عن سبيل، وكأن الذكريات تنساب من قلبه دون مقاومة.


انطلق ليث في سرد قصته وكأن سيلًا من الذكريات قد انفجر فجأة من أعماقه. تحدّث بصوت مبحوح مليء بالشجن:


"كنت بشوفها كل يوم وهي خارجة من تمرين التنس.. سبيل كانت مختلفة، قوية، وعيونها دايمًا فيها لمعة تحدّي. عمري ما فكرت إن ممكن إنسانة تجمع بين القوة والحنان بالطريقة دي. لكن رغم كل ده كنت شايف في ضحكتها وجع كبير مش مفهوم."


صمت للحظات وكأن الذكريات تعيده إلى تلك اللحظات الحيّة داخله، ثم أكمل بصوت متهدّج:


"في يوم، شفتها وهي بتواجه واحد كان بيحاول يضايقها. كانت قوية رغم إنها وحيدة.. كنت فخور بيها من بعيد، لكن في نفس الوقت قلبي اتوجع إني مش جنبها أحميها."


ابتسم الطبيب بهدوء وقال:


"واضح إن حبك ليها بدأ من وقت طويل، مش كده؟"


أومأ ليث برأسه وأضاف:


"ده صحيح.. لكن مشاعري بقيت واضحة لي أكتر لما اكتشفت اللي حصل معاها. لما دخلت السجن ظلمًا علشان حاجة  هي مالهاش ذنب فيها. كنت بعد الأيام علشان تخرج وأقدر أكون معاها. لكن كل ده انهار لما اتخطفت في ليلة فرحنا. الليلة اللي كان المفروض نبدأ فيها حياتنا مع بعض."


سقطت دمعة من عينيه، لكنه مسحها بسرعة وكأنه يحاول إخفاء ضعفه. تابع بصوت مملوء بالحسرة:


"عارف يا دكتور؟ أكتر حاجة وجعتني إنهم أخدوها من قدامي وأنا مش قادر أعمل حاجة. زي ما أخدوا أمها قبل كده واختفت. حسيت بالعجز.. وده شعور مميت."


نظر إليه الطبيب بتفهم وقال:


"مشاعر العجز دي طبيعية بعد تجربة زي اللي مريت بيها. بس السؤال الأهم.. ليه لسه بتكتب لسبيل جوابات بعد كل السنين دي؟"


ابتسم ليث بحزن وأجاب:


"يمكن عشان دي الطريقة الوحيدة اللي بتخليني أحس إنها لسه هنا.. كل يوم بكتب لها عن اللي بيحصل في حياتي، عن كل حاجة صغيرة وكبيرة.. وبحس إنها بتسمعني."


هز الطبيب رأسه بإيجاب وقال:


"الكتابة وسيلة كويسة للتعبير، لكنها مش بديل للحياة. سبيل كانت جزء مهم من حياتك، لكن حياتك لسه ما خلصتش. أنت لسه قدامك طريق طويل تقدر تمشيه."


تنهد ليث وقال:


"بس إزاي؟ كل مكان بروحه بيذكرني بيها. كل لحظة عايشها بحس إنها ناقصة من غيرها."


"ده طبيعي. بس اللي محتاج تعمله دلوقتي هو إنك تعيش ذكرياتك معاها كقوة تدفعك للأمام مش قيد يقيدك."


تدخلت ليان بعد صمت طويل وقالت بحماس:


"صح يا ليث، سبيل أكيد لو كانت موجودة كانت هتبقى فخورة إنك مكمل وناجح. مش هتكون مبسوطة لو شافتك محطم ومكسور."


نظر ليث إلى ليان ثم إلى الطبيب وقال:


"هحاول.. مش بوعدكم إني هنسى، لكن هحاول أعيش."


ابتسم الطبيب وقال:


"ده كل اللي محتاجينه منك دلوقتي.. خطوة واحدة للأمام."


خرج ليث من العيادة برفقة ليان وقد شعر ببداية خفيفة لراحة كان يفتقدها منذ سنوات. نظر إلى السماء وكأنه يبحث عن إجابة ما، ثم همس بصوت خافت:


"هعيش يا سبيل.. بس مش هنسى أبدًا."


ابتسمت ليان وربتت على كتفه:


"ده الكلام اللي كنت عايزة أسمعه منك."


عاد ليث إلى تدريباته بحماس جديد. بدأ يضع كل طاقته في التمرين، وفي كل مرة يشعر بالإرهاق كان يتذكر وجه سبيل وابتسامتها التي كانت تمنحه الأمل. بعد أشهر من التدريب المكثف، تمكن من الفوز بمباراة مهمة كانت تعني له الكثير.


وقف على منصة التتويج وهو يحمل الكأس بين يديه، عيناه تغرق في دموع مختلطة بالفخر والحزن. همس لنفسه:


"ده علشانك يا سبيل.. علشان لما ترجعي تلاقيني أقوى من الأول."


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا ممدوح، لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة