-->

رواية جديدة على سبيل الألم لرانيا ممدوح - الفصل 25 - الأربعاء 12/2/2025

  

 قراءة رواية على سبيل الألم كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية على سبيل الألم 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا ممدوح 

الفصل الخامس والعشرون


تم النشر الأربعاء

12/2/2025



بدأت نتائج ليث المتفوقة تظهر بسرعة كبيرة، وكأنه كان يخزن كل قوته وألمه ليحوله إلى دافع قوي للنجاح. كان يتدرب بجنون، يقضي ساعات طويلة في النادي، يركض، يقفز، يسدد الكرات بدقة، ويقوي جسده ليصل إلى أفضل مستوى بدني في حياته. كلما شعر بالتعب، تذكر سبيل، فزاد من جهده. كان يراها في كل زاوية، يسمع ضحكتها في أرجاء المكان، ويتخيلها جالسة في المدرجات تشجعه كما كانت تفعل قبل أن تختفي.


أصبح الجميع يتحدثون عن مستواه المبهر، حتى المدربين كانوا مندهشين من سرعته في استعادة لياقته والوصول إلى مستويات أعلى مما كانوا يتوقعونه. بدأ يحقق انتصارات متتالية في المباريات، وأصبح اسمه يلمع في عالم التنس. لكن رغم ذلك، كان داخله فارغًا، وكأنه مجرد آلة مصممة للفوز، بينما قلبه لا يزال يبحث عنها.


لم يكن ينام ليالٍ كثيرة، فكلما أغلق عينيه، رأى وجه سبيل، سمع صوتها، شعر بلمستها. كان يستيقظ فزعًا، يلتقط الورقة والقلم، ويكتب لها رسالة جديدة كما كان يفعل طوال السنوات الثلاث الماضية، يخبرها كم اشتاق إليها، وكم يحتاجها، وكيف أصبح بطلًا لأجلها فقط. كان يؤمن أنها في مكان ما، تقرأ كلماته، وتشعر به كما يشعر بها.

❈-❈-❈

في أحد الأيام، وبعد تحقيقه فوزًا ساحقًا في بطولة محلية، اقترب منه رجل غامض، ناوله ظرفًا مغلقًا ثم همس:

"إذا كنت تريد الحقيقة، لا تتوقف عن البحث."


وقف ليث في مكانه مذهولًا، وقلبه ينبض بجنون. فتح الظرف بسرعة، ليجد بداخله صورة قديمة لسبيل، لكنها كانت مختلفة قليلًا… كان في عينيها شيء لم يره من قبل، وكأنها تخبره برسالة خفية. على ظهر الصورة، كُتب عنوان مكان مجهول.


نظر حوله بحثًا عن الرجل، لكنه اختفى وسط الحشد. شعر بقشعريرة تسري في جسده، وأدرك أن رحلته للعثور على سبيل لم تنتهِ بعد… بل ربما كانت قد بدأت للتو.


حدقت ليان في الصورة للحظات، ثم رفعت عينيها إلى ليث وهي تشعر بانقباض غريب في قلبها. نظرت إليه نظرة ملؤها القلق والتردد، ثم قالت بحزم:


"متروحش يا ليث… حاسة إن ده فخ!"


لكن ليث لم يكن مستعدًا للاستماع. كان قلبه يخفق بقوة، وروحه ترتجف ما بين الأمل والخوف. كيف يمكنه أن يتجاهل أول دليل حقيقي قد يقوده إلى سبيل بعد ثلاث سنوات من الضياع؟ نظر إلى ليان بعينين مشتعلة بالإصرار وقال:


"وحتى لو كان فخ، لازم أروّح. مش قادر أعيش أكتر من كده من غير ما أعرف هي فين. يمكن تكون مستنياني، يمكن محتاجة مساعدتي دلوقتي"


أمسكت ليان بذراعه بقوة، كأنها تحاول منعه من المضي قدمًا، وهتفت:


"بس أنت مش عارف مين الشخص ده! ليه دلوقتي؟ ليه بعد ثلاث سنين؟ لازم نفكر بعقل، مش لازم نجري ورا أي خيط و خلاص و هو ممكن يكون وهم"


صمت ليث للحظة، ثم سحب ذراعه برفق وقال بصوت هادئ لكنه حاسم:


"أنا فكرت كفاية يا ليان… ولو كان في أمل 1% إنها عايشة، فأنا هروح أدور عليها حتى لو كان آخر شيء أعمله في حياتي."


نظرت ليان إلى وجهه، إلى ذلك الألم العميق الذي لم يفارقه منذ اختفاء سبيل، وعرفت أنه لن يتراجع.


زفرت بضيق، ثم قالت:


"طيب، لو مصمم تروح، مش هسيبك تروح لوحدك. هنروح سوا، وهنبقى مستعدين لأي حاجة ممكن تحصل."


ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتي ليث، لم تكن ابتسامة فرح، بل امتنان. ثم نظر إلى العنوان المكتوب خلف الصورة، وشعر أن رحلته الحقيقية قد بدأت أخيرًا.


هزّ ليث رأسه بحزم ونظر إلى ليان بجدية قائلاً:


"لا، خليكي يا ليان… أنا هاخد كام عامل من عمال عمي معايا. لازم أمشي ورا إحساسي."


رمقته ليان بنظرة غير مقتنعة، ثم قالت بتردد:


"مش مطمنة،يا ليث… لو كان فخ؟ لو بيحاولوا يستدرجوك عشان يخلصوا عليك؟"


ابتسم ابتسامة باهتة وهو يضع يده على كتفها مطمئنًا:


"أنا واخد رجالة معايا، ولو في خطر، هقدر أواجهه. بس مش هقدر أعيش أكتر من كده من غير ما أدور عليها."


زفرت ليان بضيق، لكنها أدركت أنها لن تستطيع منعه. فلطالما كان عنيدًا، وخاصة عندما يتعلق الأمر بسبيل.


نظر ليث إلى العنوان مجددًا، ثم استدار ليغادر، لكن قبل أن يبتعد، سمع صوت ليان تناديه:


"ليث… خلي بالك من نفسك، ولو حسيت بأي خطر، متتهورش و انسحب فورًا."


أومأ برأسه، ثم انطلق بخطوات واثقة، لكنه في داخله كان يحمل توترًا لا يوصف. كان يشعر أن هذه الليلة قد تكون مفصلية في حياته، إما أن تقوده إلى سبيل… أو إلى مصير مجهول لا يعلمه إلا الله.

❈-❈-❈

وصل إلى المكان أخيرًا ،ترجّل ليث من السيارة بخطوات حذرة، بينما وقف العمال الذين رافقوه مترقبين إشارته.


"استنوني هنا… أول ما أديكم إشارة، تدخلوا على طول." قالها بصوت خافت لكنه حازم، وعيناه لم تفارق المنزل الصغير المهجور الذي بدا وكأنه وسط العدم.


نظر حوله بحذر، فالمنطقة كانت موحشة، لا أثر للحياة فيها سوى أصوات الرياح التي تعصف بالمكان، وكأنها تحذّره من الاقتراب.


تقدم ببطء، قلبه ينبض بقوة، وعقله يعج بالأسئلة… هل هذا فخ؟ هل سيجد سبيل هنا؟ أم أنه مجرد وهم جديد؟


اقترب أكثر حتى أصبح أمام الباب الخشبي القديم، الذي بدا وكأنه لم يُفتح منذ سنوات. مدّ يده وتردد للحظة، ثم طرق الباب مرتين.


لا إجابة.


انتظر قليلًا، ثم دفع الباب ببطء، فأصدر صريرًا مرعبًا.


دخل بحذر، وكان المكان مظلمًا، لا شيء سوى رائحة الغبار والعفن.


"سبيل؟" همس باسمها، لكن لا رد.


تقدم أكثر داخل المنزل، عيناه تتفحصان كل زاوية، حتى وقعتا على شيء جعل الدم يتجمد في عروقه.


على الأرض، كان هناك سوار فضي صغير… نفس السوار الذي رأى سبيل ترتديه يوم زفافهما.


انحنى والتقطه بيدين مرتجفتين، وعيناه تلمعان بمزيج من الأمل والرعب.


لكن قبل أن يستوعب ما يحدث، شعر بحركة خلفه، وصوت خطوات ثقيلة تقترب بسرعة.


التفت فجأة، لكن قبل أن يتمكن من رؤية شيء، شعر بضربة قوية على رأسه، ثم سقط كل شيء في الظلام.


لاحظ الرجال تأخر ليث عن إعطائهم الإشارة، فتبادلوا النظرات القلقة قبل أن يهتف أحدهم:


"في حاجة غلط… لازم ندخل"


اندفعوا نحو المنزل بسرعة، وركل أحدهم الباب ليقتحمه، فاندفعوا إلى الداخل وهم يمسكون بمصابيحهم اليدوية.


"ليث؟!" صرخ أحدهم، لكن لا إجابة.


تقدموا بحذر داخل المكان المظلم، كانت الأرضية مليئة بالغبار والأثاث القديم المتهالك. فجأة، لاحظ أحدهم ظلًا يمتد على الأرض…


"هنا! لقيته!"


اندفع الجميع نحو ليث، الذي كان ملقى على الأرض فاقدًا للوعي، ويده ما زالت تقبض على السوار الفضي. كان هناك جرح صغير واضح على رأسه، وآثار مقاومة على الأرض حوله.


"لازم نخرجه من هنا بسرعة" قال أحد الرجال بينما انحنى ليحمله.


لكن قبل أن يتمكنوا من التحرك، انبعث صوت مفاجئ من داخل المنزل…


"تأخرتم كثيرًا."


التفت الجميع نحو مصدر الصوت، ليجدوا شخصًا يقف في الظلام، ملامحه غير واضحة، لكن صوته كان باردًا ومخيفًا.


"ما كان يجب أن تأتي يا ليث…" تابع الرجل بصوت هادئ لكنه يحمل تهديدًا واضحًا.


بدأ العمال في التراجع بحذر، أحدهم أمسك بليث بينما الآخرون استعدوا لأي هجوم.


"إنت مين؟ وعاوز إيه؟" سأل أحدهم، لكنه لم يحصل على إجابة، بل فقط ضحكة خافتة قبل أن ينقطع التيار الكهربائي فجأة، ليغرق المكان في ظلام دامس.

❈-❈-❈

في اللحظة التي انقطع فيها التيار الكهربائي، ساد الظلام الدامس المكان، ولم يكن يُسمع سوى أنفاس الرجال المضطربة. لكن فجأة، دوى صوت سيارات الشرطة في الخارج، وصفارات الإنذار شقت سكون الليل.


"الشرطة! افتحوا الباب!"


كان الرجل الغامض قد لاحظ اقترابهم قبل الجميع، وبحركة خاطفة، اختفى بسرعة البرق، كأنه لم يكن موجودًا من الأساس. لم يُترك أي أثر يدل عليه سوى الفراغ الذي خلفه وراءه.


في الخارج، كانت ليان تقف بجانب سيارة الشرطة، يملؤها التوتر والقلق. لم تستطع الصمود بمفردها وهي تشاهد ليث يدخل وحده، فقررت التصرف سريعًا وأبلغت الشرطة بالموقع دون تردد.


اندفع الضباط إلى الداخل بأسلحتهم، فوجدوا الرجال وهم يحملون ليث الذي بدأ يستعيد وعيه تدريجيًا. أمسك به أحد رجال الشرطة وساعده على الوقوف.


"أنت بخير؟ ايه اللي حصل هنا؟" سأل الضابط بجدية.


نظر ليث حوله، ثم إلى السوار الفضي الذي كان ما زال ممسكًا به بقوة. عيناه كانت مليئة بالصدمة والغضب.


"كان هنا… الشخص اللي ورا كل حاجة، لكنه اختفى قبل ما نقدر نمسكه."


تقدمت ليان نحوه بسرعة، وضغطت على يده بقلق:


"أنا آسفة… معرفتش أستنى، خفت يحصل لك حاجة."


ابتسم ليث رغم ألمه وربت على يدها:


"عملتي الصح… لو ما جبتيش الشرطة كان ممكن يحصل أسوأ من كده."


لكن السؤال الأهم ظل معلقًا في الهواء: من هو هذا الرجل؟ ولماذا اختفى بهذه السرعة؟ والأهم… أين سبيل؟


نظر ليث إلى السوار الفضي في يده، ثم تمتم بصوت بالكاد يُسمع:


"أنا هلاقيها… حتى لو كانت في آخر الدنيا."


نظر ليث إلى الرجال الذين كانوا معه وسألهم بجدية:


"حد شاف ملامحه بوضوح؟ أي تفاصيل عنه؟"


تبادل الرجال النظرات فيما بينهم، ثم تحدث أحدهم قائلاً:


"كان طويل القامة، جسمه رياضي، لكن مش ضخم... كان لابس قناع أسود يغطي نص وشه، وعينه كانت بترعب، فيها لمعة غريبة كأنها مش طبيعية."


أكمل رجل آخر:


"وهو بيهرب، لاحظت عنده ندبة واضحة جنب رقبته، مش كبيرة بس ملفتة، كأنها جرح قديم."


أخذ ليث نفسًا عميقًا وهو يحاول تجميع التفاصيل في رأسه. ثم سأل:


"صوته؟ حد فيكم سمعه بيتكلم؟"


هز أحد الرجال رأسه وقال:


"سمعته وهو بيهمس بشيء قبل ما يختفي، بس صوته كان مبحوح، وكأنه بيتعمد يخفي نبرته الحقيقية."


شعر ليث أن هذه التفاصيل قد تقوده لشيء، لكن السؤال الأكبر ظل يحترق داخله:


"ليه خدوا سبيل؟ وليه مفيش أي أثر ليها بعد كل ده؟"


نظر إلى ليان، التي بدت وكأنها تفكر في شيء، ثم قالت:


"في حاجة غريبة… الشخص ده تصرفاته مش تصرفات مجرم عادي، كأنه كان عارف إننا هنا، وكأنه كان بيستدرجك من البداية!"


تصلبت ملامح ليث عند هذه الكلمات، وشعر بشيء ثقيل يجثم على صدره. هل كان مجرد دمية في لعبة أكبر مما توقع؟


نظرت ليان إلى ليث بغضب وقلق في آن واحد، وعيناها تلمعان بالدموع التي تحاول حبسها:


"قلتلك يا ليث بلاش تيجي! كان ممكن تموت ومحدش كان هينقذك! أنت مش شايف إن اللي حصل كان فخ؟"


جلس ليث على أقرب كرسي، يلتقط أنفاسه بصعوبة بعد المطاردة، ثم مرر يده على وجهه بتعب:


"كان لازم أجي يا ليان، كان لازم أحاول... مش قادر أستنى أكتر من كده، ثلاث سنين وأنا عايش في جحيم، كل يوم بكتب جواب لسبيل وأرميه، كل يوم بحاول ألاقي خيط يوصلني لها، ولما لقيت فرصة حتى لو كانت 1%، مقدرتش أتجاهلها!"


اقتربت ليان منه وانحنت قليلًا لتصبح في مستوى عينيه، ثم أمسكت بكتفيه وهزته قليلًا:


"وأنت فاكر إن سبيل هتبقى مبسوطة لو لقتك ميت؟! ده لو لسه عايشة..."


تجمد ليث عند آخر كلمة، ثم رفع نظره إليها بحدة:


"لو؟!"


أدركت ليان أنها تسرعت في كلامها، لكنها لم تتراجع:


"أنا بقول اللي لازم تفكر فيه! كل حاجة حواليك بتقول إن سبيل اتخطفت واختفت، وحتى لما حاولت توصل لأي أثر ليها، لقيت كل حاجة اتمسحت! المصور، المأذون، حتى بيت عمها بقى مهجور، مين الشخص اللي ممكن يكون متحكم باللعبة كلها بالشكل ده؟"


صمت ليث، لكن في داخله، كان هناك اسم يتردد... شخص واحد كان يمكنه أن يفعل كل هذا. عض على شفته السفلى بقوة حتى شعر بطعم الدماء، ثم تمتم بصوت بالكاد يسمع:


"شاهر... هو بعينه الزرقا"


نظرت ليان إليه بصدمة:


"شاهر؟!! تقصد شاهر اللي كان بيتابع سبيل زمان؟! مش معقول، ده اختفى من فترة طويلة!"


وقف ليث فجأة وكأنه توصل إلى قرار، ثم قال بحزم:


"اختفى؟! ولا كان بيراقب من بعيد؟! لازم أبدأ من هنا، شاهر مش ممكن يكون بعيد عن كل اللي حصل..."


وضعت ليان يدها على جبينها بإحباط:


"يا ربي... واضح إنك مش هترتاح غير لما تموت فعلاً!"


لكن ليث لم يكن يستمع إليها بعد الآن، كان ذهنه مشغولًا بالكامل، وقلبه ينبض بشيء واحد فقط... سبيل!


قال أحد الرجال: "لكن المجرم مكانتش عينه زرقا."


تجمد ليث في مكانه للحظة، ثم استدار بسرعة نحو الرجل الذي تحدث، وعيناه تضيقان بتفكير حاد:


"إنت متأكد؟!"


هز الرجل رأسه بثقة:


"أيوه، الراجل اللي شوفناه كان شعره أسود وعينه سودا، لا كان عنده عين زرقا ولا أي حاجة غير طبيعية في شكله."


نظر ليث إلى ليان، التي بدت مصدومة مثله، ثم تمتم:


"يعني اللي كنت متأكد إنه شاهر... مش هو؟"


قاطعته ليان بقلق:


"طب ده معناه إيه؟! مين الراجل اللي ورا كل ده؟!"


شعر ليث وكأنه عاد إلى نقطة الصفر، لكنه لم يكن مستعدًا للاستسلام. أخذ نفسًا عميقًا وهو يحاول ترتيب أفكاره، ثم قال بحزم:


"ده معناه إن في حد تاني في القصة... حد أقوى، حد كان متخفي طول الوقت وإحنا ماخدناش بالنا منه."


تدخل أحد الرجال قائلاً:


"بس في حاجة غريبة... الراجل ده لما شافنا، ما بانش عليه خوف، بالعكس، كأنه كان متوقع إننا نيجي!"


نظر ليث إليه بحدة:


"يعني كان مستعد؟!"


هز الرجل رأسه:


"بالظبط، كأنه عارف إنك مش هتقدر تقعد ساكت، وإنك هتدور على سبيل بأي طريقة."


شعر ليث بقشعريرة باردة تسري في جسده... كان هذا يعني شيئًا واحدًا:


"إحنا بنواجه حد أذكى مما تخيلت، حد بيخطط لكل خطوة قبل ما نتحرك."


التفت إلى ليان، التي كانت تراقبه بقلق، ثم قال بصوت منخفض لكن مليء بالعزيمة:


"أنا مش هقف هنا، حتى لو اللي ورا الموضوع ده شبح، هطلعه للنور."

❈-❈-❈

تم التحقيق فيما حدث من قبل، وتم التحفظ على صور سبيل لاستكمال البحث عنها وكشف ملابسات اختفائها.


قال ليث بحزم:


انشروا صورها في كل الصحف، وحطوا مكافأة مالية كبيرة لأي حد يلاقيها أو يدلنا على أي معلومة عنها!


بعد عشرة أيام، لم يكن هناك أي تطور في إيجاد أي أثر لسبيل، وكأنها اختفت تمامًا من على وجه الأرض. رغم انتشار صورها في الصحف والإعلان عن المكافأة المالية، لم يتقدم أحد بأي معلومات مؤكدة.


كان ليث يزداد توترًا مع مرور الأيام، يشعر بالعجز والغضب، غير قادر على تقبل فكرة أنها قد لا تعود. في كل ليلة، كان يطيل النظر إلى هاتفه، يأمل في مكالمة أو رسالة تحمل له أي خبر عنها، لكن الانتظار كان قاتلًا.


في أحد الأيام، وبينما كان جالسًا في مكتبه يفكر في خطواته القادمة، تلقى اتصالًا غامضًا من رقم مجهول. رفع الهاتف بسرعة، وقلبه يخفق بعنف:


"ألو؟ مين؟"

جاءه صوت مبحوح عبر السماعة:


"عاوز المكافأة؟ عندي معلومة عن البنت اللي بتدور عليها..."


تصلب جسد ليث، وشعر بقشعريرة تسري في أوصاله، قبض على الهاتف بيد مرتجفة وسأل بسرعة:


"إنت مين؟ وعندك إيه عن سبيل؟"


تردد الصوت للحظات، وكأن المتصل يختبر ردة فعله، ثم قال بصوت منخفض:


"مش مهم أنا مين، الأهم إن عندي معلومات مش هتلاقيها عند حد، بس المكافأة لازم تبقى جاهزة، وكاش."


وقف ليث بسرعة من على كرسيه، وخرج من مكتبه وهو يضغط على أسنانه ليكتم انفعاله:


"طيب، بس لازم الأول أعرف المعلومة اللي عندك قبل ما أديك حاجة."


ضحك الرجل بسخرية وقال:


"لا يا ليث بيه، مش هينفع، مش ببلاش! قابلني بكرة الساعة عشرة بالليل في المكان اللي هبعتهولك، ولو جبت معاك حد أو حاولت تلعب عليا، هتخسر الفرصة الوحيدة اللي عندك."


قبل أن يتمكن ليث من قول شيء آخر، أُغلق الخط فجأة. نظر إلى الهاتف بغضب، ثم ضغط يده عليه بقوة حتى كاد يكسره. شعر بموجة من الأمل تتصارع مع الخوف. هل هذه فرصة حقيقية؟ أم مجرد فخ آخر؟


قرر ليث ألا يغامر وحده هذه المرة، فاتصل على الفور بليان وأخبرها بكل شيء. جاءت ليان إلى منزله بعد دقائق قليلة، ووجدته يسير في الغرفة بعصبية.


"ليث، الموضوع واضح إنه مش سهل، إنت متأكد إنك هتروح؟"


"طبعًا هروح، مش هسيب أي فرصة ممكن توصلني لسبيل، حتى لو كان فيها مخاطرة."


"طيب، بس المرة دي لازم يكون معاك حد، مش هسمحلك تروح لوحدك."


تنهد ليث بعمق، كان يعلم أن ليان محقة، لكنه أيضًا لا يريد أن يخيف المتصل أو يجعله يهرب. بعد تفكير، قرر أن يأخذ اثنين من رجال عمه معه، ويبقي ليان على اطلاع بكل شيء.

❈-❈-❈

في اليوم التالي، وقبل الموعد المحدد، وقف ليث في سيارته ينتظر وصول الرسالة بالموقع المحدد. بعد دقائق، وصله العنوان، وكان مكانًا مهجورًا في أطراف المدينة. انطلق مع رجاله كانوا يركبون سيارة أخرى تتبعه من بعيد حتى لا يثيرون الشك ، وعندما وصلوا، وجدوا المكان مظلمًا وصامتًا بشكل مريب.


نزل ليث من السيارة وسار بحذر، كان كل شيء هادئًا أكثر من اللازم، مما زاد من توتره. فجأة، ظهر رجل من بين الظلال، وجهه نصف مغطى بقبعة، وعيناه تتفحصان ليث بترقب.


"معاك الفلوس؟"


أخرج ليث حقيبة صغيرة وأشار إليها:


"المعلومة أولًا."


ابتسم الرجل ابتسامة باردة، ثم قال بصوت منخفض:


"سبيل... لسه عايشة."


شعر ليث وكأن الأرض تدور من تحته، أخذ خطوة إلى الأمام وسأل بلهفة:


"إنت متأكد؟ فين؟!"


أشار الرجل نحو طريق جانبي مظلم وقال:


"لو عايز تعرف أكتر، لازم تمشي في الطريق ده... بس لوحدك."


حدق ليث في الظلام الذي أمامه، يعلم أنه قد يكون فخًا، لكنه لم يعد يهتم، ما دام هناك احتمال أن يجد سبيل في النهاية.


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا ممدوح، لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة