رواية جديدة على سبيل الألم لرانيا ممدوح - الفصل 27 - السبت 15/2/2025
قراءة رواية على سبيل الألم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية على سبيل الألم
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رانيا ممدوح
الفصل السابع والعشرون
تم النشر السبت
15/2/2025
تحرك ليث وسعيد ومنصور ورجب ومعهم ليان باتجاه القصر في صمت تام، مستغلين ظلام الليل ليكونوا بعيدين عن الأنظار. كان الطريق إليه وعراً، والأجواء المحيطة توحي بالكآبة، كأن القصر المتهالك وسط العزلة يحكي قصة مأساوية منسية. كل خطوة يخطونها كانت تتردد في السكون المخيف، كأن الأرض نفسها تهمس لهم بالتراجع، لكن لا مجال للعودة الآن.
❈-❈-❈
وقفوا جميعًا أمام البوابة الضخمة للقصر، التي كانت تبدو وكأنها لم تُفتح منذ سنوات. كانت أبوابه الحديدية مهترئة لكنها ما زالت متماسكة، والنوافذ مظلمة تمامًا، كأن القصر قد أغلق عينيه على سرٍ لا يريد الإفصاح عنه.
نظر ليث إلى رفاقه وقال بصوت خافت لكنه حازم: "خليكم في حالة استعداد… أي حاجة غريبة بلغوني بيها فورًا. مفهوم؟"
أومأ الجميع برؤوسهم، ثم تقدم سعيد بحذر نحو الباب، ولمس الخشب البارد المترب بيده قبل أن يدفعه ببطء. أطلق الباب صريرًا طويلاً مزعجًا، كأنه يعترض على دخولهم، لكنهم تجاهلوا ذلك، ودخلوا القصر واحدًا تلو الآخر.
❈-❈-❈
الهواء كان خانقًا، تفوح منه رائحة العفن والرطوبة، وأثاث المكان كان مغطى بالأتربة كأن الزمن قد توقف هنا منذ عقود. الجدران كانت مليئة بالشروخ، وهناك بقايا شموع ذائبة على الطاولات، مما يدل على أن أحدًا ما كان هنا في وقتٍ ما، لكن منذ متى؟ ومن كان؟ لا أحد يعلم.
أخذ ليث نفسًا عميقًا وقال بصوت منخفض: "اتفرقوا… فتشوا كل مكان، ولا تسيبوا حاجة من غير ما تدوروا فيها."
❈-❈-❈
سعيد صعد إلى الطابق العلوي، عيناه تراقبان كل تفصيلة، يحاول أن يجد أي أثر يدل على وجود شخص ما هنا مؤخرًا.
منصور توجه إلى الجناح الأيمن، يمرر يده على الجدران، يضغط على أي طوبة قد تكون مخبأ لشيء ما.
رجب توجه نحو المطبخ والمخزن، باحثًا عن أي دليل، ربما ورقة، ربما مفتاح، ربما أي شيء صغير يحمل إجابة.
أما ليث، فوقف في منتصف البهو ينظر حوله، قبل أن يتوجه نحو القبو، المكان الذي شعر أنه يخفي شيئًا.
ليان لم تبقَ وحدها، بل تحركت مع ليث، فقد كان المكان يوحي بالخطر، ولم ترد أن يواجهه بمفرده.
نزل ليث درجات السلم المؤدي إلى القبو، خطوة بعد أخرى، وكلما اقترب، زادت الرطوبة، وازدادت الرائحة سوءًا. أشعل مصباحه اليدوي، وبدأ يمسح المكان بنظراته، لكنه لم يجد شيئًا في البداية.
لكن فجأة… لمح شيئًا غريبًا في زاوية القبو!
كان هناك صندوق خشبي قديم مغطى بالغبار. اقترب منه بحذر، ثم ركع بجانبه وبدأ في تفقده. كان مغلقًا بقفل صدئ، لكنه لم يكن قوياً. استجمع ليث قواه وضرب القفل بحجر كان ملقى على الأرض، ففتح بسهولة.
وجد حقيبة صغيرة، فتحها ليجد بداخلها مجموعة من الأوراق القديمة، وصور ممزقة، ورسائل قديمة. أخذ إحدى الصور ونفض عنها الغبار، وعندما دقق النظر، شهق بصدمة…
كانت صورة فتاة تشبه سبيل تمامًا، لكنها تبدو أصغر بكثير مع والدتها .
كان قلبه يخفق بشدة وهو يتفحص الصورة، ثم التفت إلى الأوراق والرسائل، وبدأ يقرأ إحداها، لكن قبل أن يستوعب محتواها، سمع صوتًا من الأعلى.
"ليث بيه! تعالى بسرعة… لقيت حاجة!"
كان صوت رجب، وكان واضحًا من نبرته أنه وجد شيئًا مهماً. أسرع ليث وهو يحمل الحقيبة الصغيرة معه، صاعدًا إلى الطابق الأرضي، حيث وقف رجب أمام جدار شبه متهالك، يشير إلى شيء عليه.
عندما اقترب ليث، رأى نقشًا قديمًا مكتوبًا عليه اسم "سبيل" بحروف شبه ممسوحة.
التفت الجميع إلى بعضهم البعض، وبدأت عقولهم تدور بالأسئلة… ما الذي يحدث هنا؟
لماذا اسم سبيل محفور هنا؟
هل كانت في هذا المكان؟
وما علاقة هذا القصر بكل ما حدث؟
كان هناك لغز غامض… والآن، كان ليث على وشك أن يكتشف الحقيقة، مهما كانت مرعبة.
وقف الجميع في القصر يتأملون النقش القديم الذي يحمل اسم "سبيل"، بينما كان عقل ليث يشتعل بأسئلة لا حصر لها. كان يعلم أن شيئًا مهمًا قد حدث هنا، لكن لا دليل واضح على ماهيته.
في تلك اللحظة، دوى صوت نباح كلب في الخارج، فالتفتوا جميعًا نحو الباب. دخل شاب ثلاثيني طويل القامة، يحمل بيده مقود كلب بوليسي قوي البنية، تتحرك عيناه بحدة كأنه يبحث عن شيء ما.
قال منصور وهو يشير إليه: "ده صاحبي كريم، مدرب كلاب بوليسية، جبتلك الكلب اللي طلبته يا ليث."
نظر ليث إلى الكلب الذي بدا مدربًا جيدًا، ثم قال لكريم: "هو الكلب مدرب على تعقب الروائح؟"
أومأ كريم بثقة: "اه طبعا متدرب على كل حاجة ، مخدرات أو ملابس أو أي أثر ."
مد ليث يده وسحب من جيبه وشاحًا صغيرًا كان قد وجده بين متعلقات سبيل سابقًا، ثم قدمه للكلب ليشمّه. أخذ الكلب يستنشق الرائحة بعمق، ثم رفع رأسه ونظر حوله كأنه يلتقط شيئًا في الجو.
وفجأة… انطلق الكلب نحو أحد الممرات المظلمة في القصر
"روحوا وراه" صرخ كريم وهو يركض خلفه، بينما تبعه الجميع بسرعة، قلوبهم تخفق بترقب.
كان الممر ضيقًا ومغبرًا، والجدران به قديمة ومتشققة. استمر الكلب في الجري حتى وصل إلى باب صغير في نهاية الممر. وقف هناك ينبح بشدة وهو يخدش الأرض بمخالبه، كأنه يحاول إخبارهم بشيء ما.
قال رجب وهو يحاول دفع الباب: "مقفول"
لكن ليث لم ينتظر، نظر حوله والتقط قطعة حديدية ملقاة على الأرض، ثم بدأ بضرب القفل بكل قوته. ضربة… اثنتان… ثم انكسر القفل.
فتح الباب ببطء… وكانت الصدمة.
كانت هناك غرفة سرية صغيرة، بداخلها سرير قديم ومقعد خشبي مهترئ، ورفوف بها بعض الأشياء المبعثرة… لكن ما لفت انتباههم جميعًا كان قطعة من الملابس ملقاة على السرير.
أمسك ليث السلسلة بيدين مرتجفتين، كان أحد الملابس الرياضية التي كانت ترتديها سبيل سابقًا .
نظر إلى ليان بعيون متسعة: "دي بتاعتها ،كانت هنا… سبيل كانت هنا!"
لكن السؤال الأهم… أين هي الآن؟ وما الذي حدث لها بعد ذلك؟
❈-❈-❈
ركض الكلب إلى الحديقة بسرعة، يتشمم الأرض بحركات سريعة وعيناه تركزان على نقطة محددة. تبعه ليث وليان وسعيد ومنصور ورجب، بينما كان كريم يحاول تهدئة الكلب ليحدد اتجاه الرائحة بدقة.
"واضح إن الكلب شَمّ حاجة هنا…" قال كريم وهو يراقب الكلب الذي بدأ يخدش الأرض بقوة وكأنه يحاول الحفر.
انحنى ليث ولمس التربة بيده، كانت هناك منطقة يبدو لونها مختلفًا قليلًا عن باقي الحديقة، كأنها حُفرت وأعيد دفنها مؤخرًا. تبادل النظرات مع ليان، ثم قال بصوت حاسم: "لازم نحفر هنا حالًا"
التقط رجب فأسًا كان ملقى بجانب أحد الأشجار، وبدأ بالحفر بقوة، بينما وقف الآخرون يراقبون بترقب. كان كل ضربة بالفأس تزيح التراب، وكأنهم يقتربون من كشف سر دفين.
وفجأة… ظهر شيء معدني مدفون أسفل التربة.
"ده صندوق " صرخ منصور وهو ينحني ليساعد في إزالته من الحفرة.
أخرجوا الصندوق بصعوبة، فقد كان مغطى بالطين والرطوبة. مسح ليث التراب عن سطحه، فظهرت عليه نقوش قديمة، لكنه لم يهتم لذلك الآن، بل أسرع بفتح القفل الصغير…
ما إن رفع الغطاء حتى شهقت ليان بصوت مسموع.
داخل الصندوق كانت هناك أوراق قديمة، ورسائل، و… شيء ملفوف بقطعة قماش حريرية. فتح ليث القماش ببطء، فإذا به يجد صورة لإمراة وهي تبتسم، لكنها لم تكن صورة حديثة… بل كانت صورة قديمة جدًا و متعلقات كثيرة بوالدتها .
لف ليث ليرى المكتوب خلف الصورة ليرى تاريخ 1990
نظر إليها بذهول: "إيه ده؟ الصورة دي عمرها أكتر من 35 سنة"
مكتوب بجانبها " ذكرى جميلة يا سميرة "
أخذ يقلب الأوراق بسرعة، فوجد بينها شهادة ميلاد قديمة باسم "سبيل عبد الله الوكيل"، لكن تاريخ الميلاد لم يكن مطابقًا لعمر سبيل التي يعرفها
نظر ليث إلى ليان وقال بصدمة: "إزاي؟… دي شهادة ميلاد واحدة تانية بنفس الاسم"
لكن قبل أن يستطيعوا استيعاب ما يجري، أطلق الكلب نباحًا عاليًا واتجه نحو سور الحديقة، كأنه اكتشف شيئًا آخر!
توقف الجميع عن الحركة للحظات، وكأن الزمن تجمد حولهم. كان صوت أنفاسهم وحده مسموعًا، بينما الكلب يستمر في النباح عند الحفرة الجديدة. نظر ليث إلى سعيد ومنصور ثم قال بصوت متحشرج:
"احفروا هنا… لازم نعرف إيه اللي تحت"
التقط سعيد الفأس وبدأ بضرب الأرض، بينما منصور استخدم يديه لمساعدته في إزالة التراب بسرعة. لم تمر سوى دقائق حتى ظهر شيء مدفون… قطعة قماش بيضاء مغلفة بالطين… بدت وكأنها فستان زفاف!
شهقت ليان وهي تغطي فمها بيديها، بينما ركع ليث على ركبتيه وسحب القماش ببطء… ثم تجمد في مكانه!
فستان زفاف سبيل… مغطى بالدماء.
"لاااا!" صرخ ليث بصوت هز المكان، بينما عيناه تحدقان في بقع الدم الكثيفة التي غطت القماش الأبيض. كان الدم جافًا لكنه لا يزال واضحًا، وكأنه يحكي قصة مرعبة لم يروها لأحد.
وضعت ليان يدها على كتف ليث وقالت بصوت مرتعش: "لازم ناخد الفستان للشرطة… لازم نعرف دم مين ده"
لكن ليث لم يكن يسمعها، كان عقلُه يدور في دوامة من الذكريات، صور سبيل وهي تبتسم له، صوتها، لمساتها، وعدها له بأنها ستكون بجانبه دائمًا… "هل هذا يعني أنها ماتت؟ هل فقدها للأبد؟"
لكن قبل أن يغرق في المزيد من الأفكار السوداوية، صرخ رجب فجأة: "استنوا… فيه حاجة تانية مدفونة تحت الفستان!"
بدأوا يحفرون مجددًا، قلوبهم تدق بعنف، حتى ظهرت حقيبة صغيرة ملفوفة بالبلاستيك. فتحها منصور بسرعة، فوجدوا بداخلها دفتر مذكرات قديم، وبقايا حُلي نسائية، ورسالة مكتوبة بخط يد يبدو مألوفًا!
ليث قرأ السطر الأول بصوت مرتجف:
"كنت أعلم أن السعادة التي عيشتها لسنوات لن تدم طويلاً ، لكن هذا من اختياري . أبي يبدو أنني سألقاك قريبا لقد اشتقت إليك حقا ، لم أعد استطيع تحمل هذا العذاب و الألم."
نظر إلى ليان والصدمة تملأ وجهه… كان هذا خط سبيل نفسها!.
نظرت ليان إلى الفستان الملطخ بالدماء بصدمة، ثم همست بصوت مرتجف:
"يعني كده سبيل ماتت...؟"
لكن ليث لم يرد، فقط حدّق في الفستان بعينين تملؤهما العذاب، رفض قلبه أن يصدق ما تراه عيناه. هتف منصور محاولًا تهدئته:
"يا ليث بيه، مش لازم نستعجل ونحكم كده، الدم مش دليل على إنها ماتت، ممكن تكون كانت مصابة بس"
هزّ ليث رأسه ببطء، ثم قبض على الفستان بين يديه وكأنه يتمسك بآخر خيط يوصله لسبيل. نظر إلى ليان بحزم وقال:
"أنا مش هصدق إنها ماتت غير لما أشوف جثتها بعيني... غير كده، سبيل لسه عايشة، ولازم ألاقيها. البوليس مش لازم يعرف علشان لو هي لسه عايشة ممكن يكون ده خطر على حياتها."
نظر الجميع إلى بعضهم البعض في صمت، بينما اشتدت الرياح من حولهم كأنها تشاركهم التوتر والخوف. كان أمامهم طريق واحد فقط... البحث عن سبيل، حتى النهاية.
❈-❈-❈
عاد ليث إلى المنزل وهو يشعر بثقل كبير يجثم على صدره، كأنه يحمل جبلًا من الحيرة والعذاب. لم يصل إلى أي جديد، فقط المزيد من الأسئلة والمزيد من الغموض. جلس على الأريكة في الظلام، يحدق في اللاشيء، بينما تدور الأفكار في رأسه كالإعصار.
دخلت ليان وهي تحمل كوبًا من القهوة، ثم جلست بجواره بهدوء وقالت بصوت ناعم:
"لازم ترتاح شوية يا ليث، بقالك أيام مش بتنام ولا بتاكل كويس... كده مش هتقدر تكمل البحث عنها."
أمسك ليث برأسه بين يديه وقال بصوت متحشرج:
"أنا مش قادر، مش قادر أفهم... كل حاجة بتقول إنها مش موجودة، كأنها اتبخرت! حتى القصر اللي كان فيه آخر أثر ليها مفيهوش أي دليل حقيقي، مجرد حاجات تزود الحيرة أكتر."
تنهدت ليان وقالت بتفكير:
"طب إيه رأيك نرجع ندور في ملف القضية القديمة؟ يمكن يكون فيها حاجة تفيدنا، أو حتى نعرف ليه كل اللي حواليها اختفوا بالشكل الغريب ده."
رفع ليث رأسه ببطء، ثم نظر إليها بعينين يائستين لكنه وجد في كلماتها بصيص أمل. قال بحزم:
"عندك حق، لازم نبدأ من الأول... يمكن نلاقي حاجة كانت غايبة عننا!"
❈-❈-❈
وهكذا، قرر ليث أن يعود إلى نقطة البداية، إلى حيث بدأت قصة سبيل، لعل الماضي يحمل مفتاح العثور عليها قبل فوات الأوان...
عاد ليث إلى البحث في ملف القضية القديمة، قلب كل الأوراق، قرأ كل التفاصيل، سأل كل من له صلة، لكن دون فائدة.
كل الخيوط مقطوعة، كل الأدلة مبهمة، وكأن سبيل لم تكن موجودة من الأساس. حتى الأشخاص الذين من المفترض أن يكون لديهم معلومات عنها، إما اختفوا أو أنكروها تمامًا.
جلس ليث في مكتبه، يضرب الطاولة بقبضته بعصبية وهو يتمتم بغضب:
"إزاي؟! إزاي مفيش أي دليل عليها؟ حتى الصورة الوحيدة ليها مافيش اي معلومات جت، ولا أثر لها في أي مكان!"
نظرت إليه ليان بحزن وقالت:
"أنا حاسة إننا بندور في دايرة مقفولة... كل ما نقرب من الحقيقة، نلاقيها بتبعد عننا أكتر!"
رفع ليث رأسه ببطء، كانت عيناه ممتلئتين بالغضب واليأس، ثم قال بصوت منخفض لكنه حاد:
"لأ، لازم يكون في حاجة، أكيد في حاجة!"
لكن الحقيقة كانت أمامه... رغم كل محاولاته، لم يصل إلى أي شيء جديد. كان الأمر وكأن سبيل لم تكن موجودة من الأساس، وكأنها شبح مر في حياته ثم تبخر في الهواء...
❈-❈-❈
كان ليث يستعد للتدريب كعادته، يحاول التركيز في لعبته رغم أن ذهنه لا يزال مشوشًا باختفاء سبيل. وبينما كان يربط رباط حذائه الرياضي، سمع صوت خطوات واثقة تقترب منه.
رفع رأسه فوجد أمامه سيدة أنيقة، ترتدي بدلة رسمية أنيقة، عيناها الكحلاويتان تعكسان ثقة واضحة، تقدمت نحوه ومدت يدها بابتسامة عملية وقالت:
"مساء الخير، أنا يارا الكحلاوي، مديرة شركة Elite Sportswear للملابس الرياضية."
نظر إليها ليث باستغراب وهو يرحب بها، فردت بسرعة قبل أن يسأل:
"عارفة إن العرض ممكن يفاجئك، بس إحنا في الشركة بندور على رياضيين يكونوا واجهة لعلامتنا التجارية، وأنت واحد من أنجح لاعبي التنس الشباب حاليًا... فكرت ليه ما تستغلش شهرتك في مجال تاني؟"
قطب ليث حاجبيه، لم يكن يتوقع عرضًا كهذا، فهو لم يفكر يومًا في أن يكون عارض أزياء. نظر إلى ليان التي كانت تتابع الحديث باهتمام، ثم عاد بنظره إلى يارا قائلاً بنبرة غير مهتمة:
"أنا لاعب تنس، مش عارض أزياء."
ابتسمت يارا بثقة وقالت:
"وده اللي هيخلي الحملة تنجح أكتر! إحنا مش عايزين مجرد عارضين، عايزين رياضيين حقيقيين يمثلوا القوة والتميز. العرض مربح جدًا، وهيفتح لك أبواب جديدة، ومش هيأثر على مسيرتك الرياضية... فكر في الموضوع"
صمت ليث للحظات، لم يكن في مزاج يسمح له بالتفكير في أي شيء سوى سبيل، لكن العرض كان مفاجئًا ومثيرًا للفضول. هل يمكن أن تكون هذه فرصة لتشتيت انتباهه عن الألم الذي يعيشه؟ أم أنه مجرد إلهاء لن يغير شيئًا؟
❈-❈-❈
جلس ليث صامتًا للحظات بعد أن غادرت يارا، يفكر في العرض الذي قدمته له. لم يكن مهتمًا يومًا بعالم الإعلانات أو عروض الأزياء، لكن فجأة لمعت فكرة في ذهنه جعلت قلبه ينبض بقوة.
"ماذا لو كانت سبيل على قيد الحياة؟ ماذا لو كانت محاصرة في مكان ما دون وسيلة للاتصال؟"
رفع نظره إلى ليان، وكأنه وجد أملاً جديدًا يتمسك به. قال بصوت خافت لكنه مليء بالإصرار:
"لو اشتغلت في مجال الإعلانات، صورتي هتكون في كل مكان… في التلفزيون، في الشوارع، على الإنترنت. لو سبيل عايشة، أكيد هتشوفني، وأكيد هتحاول توصل لي!"
ليان اتسعت عيناها بدهشة، ثم ابتسمت بحماس وقالت:
"فكرة عبقرية يا ليث! بدل ما تدور عليها، خليها هي اللي تلاقيك!"
نهض ليث بسرعة، وكأنه وجد هدفًا جديدًا يحركه بعد شهور من الضياع. اتصل فورًا برقم يارا الكحلاوي، وبصوت حازم قال لها:
"أنا موافق على العرض.. خلينا نبدأ في أسرع وقت!"
لم تكن هذه مجرد حملة إعلانية بالنسبة له، بل كانت رسالة... رسالة إلى سبيل، يخبرها فيها أنه لم يتوقف عن البحث، وأنه لا يزال في انتظارها.
في مكتب يارا الكحلاوي
دخل ليث إلى المكتب الفخم التابع لشركة الملابس الرياضية، حيث استقبلته يارا بابتسامة واثقة وهي تشير له بالجلوس أمام مكتبها الأنيق.
"مبسوطة إنك وافقت يا كابتن ليث، كنت واثقة إن العرض هيعجبك."
نظر إليها ليث بثبات وقال بصوت هادئ لكنه حازم:
"أنا موافق، لكن عندي شروط."
رفعت يارا حاجبها باهتمام، ثم استندت إلى مكتبها وقالت:
"شروط؟ اتفضل، سمعني."
أخذ ليث نفسًا عميقًا قبل أن يتحدث:
"أول حاجة، كل إعلان أعمله لازم يكون في أماكن عامة كتير، على اللوحات الإعلانية في الشوارع، في محطات القطر والمترو، في المطارات، في كل مكان ممكن يخلي أي حد يشوفه."
هزت يارا رأسها موافقة:
"دي حاجة طبيعية، إحنا عايزين انتشار واسع للحملة.كل ما انتشرت كل ما كان الربح أكتر"
تابع ليث بنبرة أكثر جدية:
"ثاني حاجة، عايز ظهوري في البرامج يكون مباشر، مش تسجيل. وثالث حاجة، عايز حقي في اختيار بعض الأماكن اللي نصور فيها الإعلانات."
تظاهرت يارا بالتفكير، ثم قالت بابتسامة ماكرة:
"واضح إنك مش بس عايز تكون وجه إعلاني، في سبب تاني ورا موافقتك."
نظر إليها ليث بجدية دون أن ينطق بكلمة، فأردفت قائلة:
"مش هسأل، كل واحد عنده أسبابه، وأنا يهمني إنك تبقى واجهة قوية لشركتنا."
اومأت رأسها نحوه قائلة:
"اتفقنا؟"
نظر إليها ليث للحظة، ثم اومأ رأسه بحزم قائلاً:
"اتفقنا."
لم تكن هذه مجرد صفقة تجارية بالنسبة له، بل كانت خيط الأمل الأخير الذي يمكن أن يقوده إلى سبيل... إذا كانت على قيد الحياة.
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا ممدوح، لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية