-->

رواية جديدة أرهقته حر با لتوتا محمود - اقتباس الفصل 23 - السبت 15/2/2025

 

رواية أرهقته حربًا الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية أرهقته حر با الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة توتا محمود

اقتباس

الفصل الثالث والعشرون


تم النشر بتاريخ السبت

15/2/2025



كانت القاعة مضاءة بأضواء براقة، الأجواء مليئة بالفخامة والرقي، لكن وسط كل هذا الصخب، كانت هناك مشاعر متداخلة، نظرات تحمل معاني أعمق مما قد تبدو عليه.


كاميليا جلست بجوار وعد، تحاول أن تبدو هادئة، لكن عينيها كانت تتابع كل التفاصيل حولها.


 بجانب وعد، كانت راندة تجلس في صمت، عيناها تراقبان الأجواء بشيء من عدم الاهتمام. 


وبجانب راندة، جلست نور، لكن أكثر ما كان يلفت الانتباه هو نوح، الذي كان يمسك بيدها طوال الوقت، وكأنه لن يسمح لها بالابتعاد عنه ولو للحظة.


كان خلفهم يجلس "يمن" وزوجها "أيان"، ثنائي يثير من حوله مشاعر متضاربة، وجودهما لم يكن عاديًا، كان ثقيلًا، مليئًا بما لا يُقال.


وفي مقدمتهم، جلس كمال وعدلي، الرجلان اللذان كانت نظراتهما تحمل الكثير من التاريخ، كأنهما يحاولان فك شيفرات ما يحدث دون أن ينطقا بكلمة.


وأمامهم تمامًا، جلس "أسر" و"عادل"، كأنهما جزء من مشهد منفصل عن البقية، وجهاهما كانا محايدان في البداية، لكن بمجرد أن التقت أعينهم بعيني نوح، ظهرت ابتسامة خفيفة، احترام قديم لم يختفِ رغم كل شيء.


نوح نهض وتوجه إليهما، صافحهما دون تردد، وكأن شيئًا لم يتغير، وكأن الزمن لم يترك أثره على علاقتهما. 


أما نور، فقد كادت أن تتبعه، كادت أن تخطو نحوهما، أن تفعل ما اعتادت عليه دائمًا، أن تكون جزءًا من هذا اللقاء، لكنها توقفت فجأة...


أشاحوا بنظرهم عنها.


كان الأمر سريعًا، لكنه كان كافيًا.


لم ينظروا إليها، لم يبتسموا كما فعلوا مع نوح، وكأنها أصبحت غير مرئية بالنسبة لهم.


لحظة واحدة كانت كافية ليشعر قلبها بالألم، ذلك النوع من الألم الذي لا يأتي من كلمات قاسية، بل من الصمت، من التجاهل، من الإدراك بأنك لم تعد مرحبًا بك. 


تراجعت عن خطوتها، عادت إلى مكانها بجوار نوح، وكأنها تحتمي به، لكنه لاحظ.


نظر إليها، شعر بها، لكنه لم يقل شيئًا.


بعد لحظات، وقفَت فتاة على المسرح، صوتها كان واضحًا وقويًا، تحمل نبرة رسمية مدربة، وبدأت تلقي مقدمة طويلة عن حفل توزيع الجوائز، عن رجال وسيدات الأعمال الذين أثبتوا نجاحهم، عن المنافسة القوية، عن الإنجازات التي جعلت هذا الحفل ممكنًا.


لكن وسط كل هذا الحديث، كان هناك صمت آخر، صمتٌ بين بعض الأشخاص الذين لم يكونوا بحاجة للكلمات حتى يفهموا ما يدور بينهم.


القاعة كانت صامتة، لكن الصمت لم يكن هدوءًا، بل كان انتظارًا متوتّرًا، مترقبًا للحظة القادمة.


 الأضواء الساطعة عكست على وجوه الحضور، حيث كانت العيون مشدودة نحو المسرح، نحو تلك الفتاة التي تقف هناك، تحمل بيديها الميكروفون، وابتسامتها المشوقة تملأ الأجواء بالحماس.


وبعد حديثها الطويل، هتفت بحماس أكثر، صوتها يملأ القاعة بطاقة تجعل الجميع ينجذب إلى كلماتها، تتوتر أنفاس سيدات الأعمال الجالسات في أماكنهن، تتسارع نبضات قلوبهن، وكأن النتيجة ستحدد مصيرًا بأكمله.


ـ اليوم، بيننا امرأة كافحت لخمس سنوات حتى تصل إلى مكانة عالية 


قالت بصوت واثق، ثم توقفت للحظات، مستمتعة بالترقب الذي يملأ المكان  : 


ـ حاربت، تعلمت، خسرت، وكسبت، لكنها لم تستسلم أبدًا. ظلت تقاتل حتى وصلت إلى قمة لم يسبقها إليها أحد، فمن تكون برأيكم؟


توقفت للحظات أخرى، ثم ابتسمت وأكملت بصوت مشحون بالحماس:


ـ يوجد أربع متسابقات لهذه الجائزة... تعالوا معنا لنرى  . 


وفجأة، أُغلقت الأنوار، وتحولت القاعة إلى ظلام دامس للحظات، قبل أن تضيء شاشة ضخمة بطول المسرح، ممتدة خلف مقدمة الحفل مباشرة.

كل العيون كانت مركزة على الشاشة، كل الأنفاس محتبسة في انتظار الإعلان عن الأسماء.


ثم ارتفع صوت رجولي قوي، يحمل نبرة حماسية متمكنة، يردد الكلمات بصدى واضح:


ـ يوجد أربع متسابقات لهذه الجائزة


ظهر الاسم الأول على الشاشة بخط عريض، صوت الرجل يردده بحزم :


"المتسابقة الأولى : حياة سعيد  


وبعد ذلك ظهرت صورتها


ظهر الاسم الثاني، وصوته يتردد مجددًا:


"المتسابقة الثانية: مي لورد 


 وبعد ذلك ظهرت صورتها 


ثم ظهر الاسم الثالث  


"المتسابقة الثالثة: وعد النويري  . 



في اللحظة التي سُمع فيها اسمها ورأت صورتها ، لم تستطع منع نفسها من الابتسام، كان هناك شعور غامر بالأمل، بالحلم الذي يتحقق بعد سنوات من الكفاح.


عائلتها لم تنتظر سماع الاسم الأخير، وكأنهم كانوا يعرفون النتيجة مسبقًا.


بدأ التصفيق في القاعة، لكنه كان أكثر حرارة وحماسًا عند طاولتهم، حيث صفق لها نوح بحرارة، ونظرت إليه بابتسامة ممتنة.


  رفع حاجبه «كمال» بفخر، بينما نور وضعت يدها على قلبها وكأنها تشعر بالفرحة تتغلغل داخلها.


كانوا يحتفلون وكأن الجائزة أصبحت بين يديها بالفعل، لم يعودوا مهتمين باسم المتسابقة الرابعة، لم يسمعوه حتى، فقد أصبحت كل الأنظار متجهة نحو وعد، تلك التي قطعت رحلة شاقة للوصول إلى هذه اللحظة.


وبعد لحظات من التشويق، ابتسمت مقدمة الحفل، حملت بيدها ورقة مغلفة، ثم فتحتها ببطء، وكأنها تطيل أمد الحماسة التي تملأ المكان.


رفعت رأسها بابتسامة أوسع، قبل أن تهتف بصوت مشوق، يُعلن اللحظة التي ستظل محفورة في ذاكرة وعد إلى الأبد:


الفائزة معنا بأقوى سيدة أعمال هي... وعد النويري  . 


في تلك اللحظة، انفجر التصفيق عاليًا، تردد صوته في أنحاء القاعة، وكأن الجميع كان يعرف أنها تستحق الفوز.


وعد لم تستطع الحركة للحظة، كانت تسمع التصفيق، ترى الابتسامات الموجهة إليها، تشعر بالفرح الذي يغمرها، لكنها لم تصدق بعد، لقد فعلتها، لقد فازت  . 


كانت لحظة مهيبة، لحظة انتظرتها لسنوات، لحظة شعرت أنها تستحقها بعد كل ما مرت به.


توقفت للحظة، تنفست بعمق، ثم اتجهت بخطوات واثقة نحو منصة المسرح، عيناها تتابعان الجائزة التي كافحت كثيرًا للوصول إليها.


 كانت تشعر بكل خطوة تخطوها، كأنها تسير على طريق طويل حملها من البدايات الصعبة إلى هذه اللحظة التي ستظل محفورة في ذاكرتها للأبد.


أصوات التصفيق كانت تملأ القاعة، ومزيج من الفخر والسعادة كان يحيط بها.


وصلت إلى المنصة، صافحت مقدمة الحفل بابتسامة مشرقة، ثم استلمت الجائزة بين يديها، شعرت بوزنها الحقيقي، ليس فقط الوزن المادي، بل وزن الرحلة الطويلة التي قطعتها حتى تمسكها الآن.


اقتربت من الميكروفون، قلبها كان ينبض بسرعة، لكنه لم يكن قلقًا، بل كان يمتلئ بالسعادة.


نظرت للحضور، ثم تنفست بعمق، قبل أن تهتف بحماس ينعكس في صوتها:


ـ أنا مكنتش متخيلة إني ممكن أوصل للمكانة اللي أنا فيها دي،" كانت ابتسامتها صادقة، تمتلئ بالفرحة الحقيقية. "بس أحب أشكر مؤسس الحفلة دي، أستاذ هاني، وأحب أشكره جدًا على الحفلة اللطيفة دي، وأحب أشكر كل حد حتى لو عمل مجهود صغير في الحفلة، حقيقي اتبسطت، ومش أنا بس، الناس كلها.


كانت التصفيقات تزداد كلما تحدثت، لكن أكثر ما كان يشجعها هو تلك العيون التي تراقبها بفخر، بالأخص عيناه... نوح.


التقت نظراتها به للحظة، كان يبتسم لها، دعم غير مشروط، سعادة حقيقية تنعكس في عينيه.


تنهدت قليلًا، ثم أكملت بصوت دافئ، مليء بالامتنان:


ـ وأحب أشكر شخص عزيز عليا، الشخص اللي خلاني أوصل للمكانة دي، لأني من غيره مكنتش هوصل، هو اللي علمني كل حاجة تخص الشغل، مش الشغل بس، في كل حاجة، هو مش بس ابن عمي، هو أخ وسند وأب من بعد بابا، أنا عمري ما شوفت بابا ولا عمري حسيت بحنيته عليا، لكن شفت أحنّ واحد ممكن يقف معاك للآخر ويحبك بجد.


ابتسمت بحب وهي توجه كلماتها إليه مباشرة، بصوت يهتز بمشاعر صادقة:


ـ أحب أشكر أخويا نوح، لأنه ليه الفضل بعد ربنا إني أوصل للمكان ده... شكرًا يا نوح.


عندها، ارتفعت الأصوات بالتصفيق من جديد، لكنها لم تكن تسمع أي شيء سوى صوت دقات قلبها.


نظرت بعيدًا، بحثت بعينيها عن شخص آخر، وعندما وجدته، توقف الزمن للحظة «كمال»  . 



كان ينظر إليها بفخر حقيقي، كانت ترى ذلك في عينيه، في الطريقة التي يمسك بها هاتفه، يوثق هذه اللحظة، لم يتركها تفوته.


راقبت شفتيه، قرأت الكلمات التي نطق بها بصوت خافت، لكنه وصل إليها بوضوح تام...


"فخور بيكي."


دق قلبها للحظة، كما لو كان يشاركها فرحتها، كما لو كان يخبرها أن كل ما فعلته، كل ما مرت به، كان يستحق العناء.


استلمت جائزتها، ثم اقتربت من نوح، الذي وقف يصفق لها بحرارة، بعينين مليئتين بالفخر والاعتزاز.


دون تفكير، ودون تردد، اقتربت منه وعانقته بمحبة، كما تعانق الأخت أخاها الذي كان دومًا درعها، سندها، ظلها الذي لم يتخلى عنها يومًا.


لكن وسط هذا العناق، وسط هذه الفرحة التي كانت تملأ المكان، كانت هناك نظرات تحترق بنار الحقد والغيرة.


شهاب الشورى...


كان يقف بعيدًا، عينيه تشتعلان بنارٍ مظلمة، يراقب المشهد كوحشٍ ينتظر اللحظة المناسبة لينقض.


قبضته كانت تزداد إحكامًا على كأسه الزجاجي، يضغط عليه مرة بعد مرة، حتى تحول التوتر إلى غضب، والغضب إلى جنون.


وفي لحظة، دوى صوت الكأس وهو يتحطم بين يديه، شظاياه تسقط على الطاولة، وقطرات الدم تسيل من راحة يده، لكنه لم يشعر بأي ألم... الألم الحقيقي كان يحترق داخله.


بصوت منخفض، كاد يكون همسًا شيطانيًا، قال وهو يراقب نوح بعينين مليئتين بالكراهية:


"هقتلك يا نوح... هقتلك."


وفي وسط كل هذا، تحولت عينا وعد للحزن للحظة، حين وقعت نظراتها على يمن...


لكن يمن لم تفعل شيئًا، لم تنظر إليها حتى، فقط أشاحت بوجهها باشمئزاز، كأنها لم تكن موجودة من الأساس.


شعرت وعد وكأن شيئًا ثقيلاً سقط فوق قلبها، شيء جعل ابتسامتها تخفت قليلًا، شيء جعل الفرحة تنكسر للحظة.


لكن نور كانت هناك، ورأت كل شيء.


وقفت، اقتربت منها بهدوء، ثم احتضنتها، همست في أذنها بكلمات كانت أكثر دفئًا من أي شيء آخر :


متخليش حاجة في الكون تقدر تهزك... العالم كله فخور بيكي ومبسوط عشانك، متكسريش فرحتك بإيدك. 


كانت كلماتها كبلسم على قلب وعد، ذكّرتها أن هذه اللحظة تخصها، أنها تستحق الفرح، وأنه لا شيء، لا شخص، يمكنه أن يسلبها هذه الفرحة. 


المشهد المحسّن والمطوّل


وسط التصفيق والاحتفال، وسط الأضواء التي تعكس بريق الفخر والنجاح، كانت وعد لا تزال تعيش لحظتها الخاصة.


ابتسمت بحرارة، واقتربت من راندة التي لم تنتظر لحظة قبل أن تضمها إلى أحضانها، عناق مليء بالسعادة الحقيقية، بالفخر الذي لا يحتاج إلى كلمات. شعرت بحب راندة يحيط بها، بحنانها الذي لم يتغير أبدًا، وكأنها أرادت أن تنقل إليها شعور الأمان من خلال هذا العناق.


لم تلبث كاميليا أن لحقت بهما، اندفعت نحو وعد بحماس شديد، صرخت باسمها بحماس جعل كل من حولهن يلتفت إليهن بدهشة، نظرات الحاضرين كانت مليئة بالحيرة، وكأنهم لا يفهمون سبب هذا الانفعال المفاجئ.


لكن وعد لم تهتم، فقط ضحكت بحرارة وجعلت كاميليا تجلس بجانبها، وكأنها تخبرها أن هذا الفوز ليس مجرد لحظة فردية، بل لحظة تُشارك مع من نحب.


مرور الوقت…


مرت ساعة كاملة بعد انتهاء توزيع جوائز سيدات الأعمال، الأجواء أصبحت أكثر راحة، الحفل تحول إلى احتفال رسمي حيث اختلطت أصوات الضحك مع الأحاديث الهادئة.


وبعد ساعتين من الاحتفال، أعلنت المذيعة بصوت مشحون بالحماس:


ـ بعد ساعتين، سيبدأ حفل توزيع جوائز رجال الأعمال  . 


بدأ الجميع بالتحرك، الحاضرين يغادرون القاعة الأولى متجهين إلى القاعة الثانية حيث سيُقام الحفل الآخر.


عينان تراقبان في الظل  . 


في وسط هذه الفوضى المنظمة، كان أيان يبحث عن شخص واحد فقط… شهاب.


كان يعلم أنه لم يكن في مزاج جيد، كانت نظراته مليئة بالغضب في اللحظات الأخيرة، وكان هناك شيء في تصرفاته جعله يشعر بعدم الارتياح، وحين وجد شهاب أخيرًا، تجمد مكانه للحظات.


عينيه…


نظراته لم تكن نظرات عادية، كانت تحمل في طياتها شرًا خالصًا، نوايا مظلمة لم يكن يشك فيها أيان ولو للحظة.


كان شهاب يحدق في نوح، كما لو كان ذئبًا يراقب فريسته قبل الانقضاض عليها.


في تلك اللحظة، شعر أيان بشيء غريب، إحساس قوي، كأن قلبه صرخ ليحذره، دقاته تسارعت بشكل غير مفهوم، لماذا القلق؟ لماذا شعر فجأة بأن هناك خطرًا وشيكًا يقترب من نوح؟


حاول أن يتحرك نحوه، أن يقترب من شهاب، لكن فجأة، قُطعت خطواته بصوت يمن التي نادته بنبرة ممتلئة بالضجر :


ـ أيان، أنا مخنوقة وزهقانة، بفكر أتمشى شوية… تعال معايا. 


كان صوته في عقله يصرخ


  "ليس الآن، ليس في هذه اللحظة " 


لكن يمن كانت واقفة أمامه، تنتظر رده، عيناها تنظران إليه بترقب، تطلب منه البقاء بجانبها.


ابتلع توتره للحظة، ثم هز رأسه وهتف بصوت هادئ وهو يحاوط يدها برقة :


ـ طيب يا حبيبتي، أوعدك لما نخلص الحفلة نخرج ونتفسح ونتمشى ونعمل اللي انتِ عايزاه، بس أنا دلوقتي مشغول ورايح أشوف أصحابي، ماشي؟ 


تنهدت بضجر، لكنها هزت رأسها وقالت باستسلام:


ماشي… بس… 


لم يتركها تُكمل، لم يستطع البقاء أكثر، كان يجب أن يجد شهاب فورًا.


استدار بسرعة، بحث عنه بعينيه في المكان الذي رآه فيه قبل لحظات، لكنه اختفى.


تباً، لعن حظه، الشعور بالقلق تضاعف في صدره، تحولت الدقات المتسارعة في قلبه إلى طنين مزعج في أذنيه.


بدأ يبحث عنه بين الحضور، يتحرك بخطوات متوترة، عقله يمتلئ بالأسوأ، ماذا لو كان شهاب يخطط لشيء؟ ماذا لو كان قد قرر فعل شيء طائش؟


ماذا لو… آذى نوح؟


في تلك اللحظة، تسارعت أنفاسه، الخوف الحقيقي بدأ يتسلل إلى ملامحه، لا، لا يمكن أن يحدث ذلك!


بسرعة، اندفع نحو الطاولة التي كان يجلس فيها نوح، لكن حين وصل… لم يجده.


شعر بأن قلبه يسقط داخل صدره. أين ذهب؟!


بلا تفكير، توجه نحو نور، كان عليها أن تعرف، هتف لها بصوت يحمل ارتباكًا لم يستطع إخفاءه :


ـ نور، هو فين نوح؟؟ مشفتيهوش؟  . 


عقدت حاجبيها بحيرة من سؤاله المفاجئ، نظرت إليه باستغراب قبل أن تجيبه بصوت هادئ :


ـ راح عند عربيته في الجراج عشان يجيب تليفونه  . 


بمجرد أن انتهت من كلامها، لم ينتظر لحظة واحدة، لم يفكر حتى في شكرها، فقط استدار وركض باتجاه الجراج بسرعة، قلبه يدق بعنف، أنفاسه تتسارع، وأفكاره تتلاطم في عقله بلا توقف.


ركض وهو يتمتم في نفسه، وكأن قلبه كان يصرخ إلى السماء طلبًا للرحمة :


ـ يا رب لا… يا رب احمي نوح… يا رب ده وصية بابا، متخلهوش يحصله حاجة  . 


وصل إلى الجراج، عيناه تتحركان في كل اتجاه، يبحث بجنون، حتى رآه…


كان نوح يقف بجانب سيارته، منحنٍ قليلًا، يركز على هاتفه، غير مدرك لما يحدث خلفه… غير مدرك للخطر الذي يقترب.


وشهاب…


كان خلفه مباشرة، يتحرك بخطوات هادئة، خفية، عيناه مليئتان بالحقد الأسود، وفي يده… لمعت شفرة السكين تحت الأضواء الخافتة.


كل شيء حدث في ثانية، لكن بالنسبة لأيان، شعر وكأن الزمن قد تباطأ، كأن القدر أعطاه لحظة أخيرة ليمنع الكارثة التي كانت على وشك الحدوث.


لم يدرك أيان نفسه إلا وهو يصرخ بكل قوته، بصوت خرج من أعماقه، يهتز بالقلق :


ـ نــــــــــــوح


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة توتا محمود من رواية أرهقته حر با، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة