رواية جديدة بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) لعفاف شريف - الفصل 24 - 3 - الثلاثاء 18/2/2025
قراءة رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض)
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة عفاف شريف
الفصل الرابع والعشرون
3
تم النشر الثلاثاء
18/2/2025
كان قد بدأ ينام فعليًا، قبل أن يسمع طرقات خفيفة على باب غرفته.
لُوهلةٍ ظن أنه يتوهم، لكن الصوت استمر...
دقّة وتصمت... دقّة وتصمت... كأن صاحبها متردد.
رفع يده عن وجهه، لكن وقبل أن ينطق بحرف واحد، كان الباب يُفتح لشِقٍّ كبير نسبيًا، ورأس صغير يَطِلُّ ببطء شديد من خلفه، قبل أن تلتقي أعينهما، لتبتسم له بحرج بليغ قائلة بغيظ: لما انت صاحي مبتردش ليه؟
ارتفع حاجبه يطالع وقاحة كلماتها، قبل أن يهز رأسه بيأس، قائلًا بإرهاق: عايزة إيه يا آلاء؟
زمت شفتَيْها قائلة بنبرة هادئة: أحمد صاحبك تحت.
عقد تميم حاجبيه، لتُكمِل هي بنبرة ذات مغزى: واضح إنه مش كويس أبدًا.
وخلال ثانية واحدة، كان خارج فراشه منتفضًا، لا يأبه بألمه... فصديقه بحاجة إليه، وهذا كافٍ بالنسبة له.
❈-❈-❈
ساعدته آلاء فقط ليهبط السلم، قبل أن يقف، يُحيط وجنتها، ويُقبِّلها بحنان وحُب.
ابتسمت له هي، ليقول بحنان وشكر: يلا يا لولو... دورك انتهى لحد هنا، اطلعي للولاد، أنا هكمِّل من هنا.
ورغم خوفها، إلا أنها تحرَّكت بهدوء، تاركة لهم بعض الخصوصية، ليتحرك تميم بعدها بحرص نحو الحديقة.
وما إن لفح وجهه الهواء البارد، حتى ضمَّ سترته جيدًا ليحمي جسده المُتعَب، ووقف بعدها يُراقب أحمد الجالس على الأرجوحة، تتحرك به ببطء رتيب، وهو لا يشعر بأي شيء.
وكان تخمينه أنه من المؤكد أن الأمر في غاية الأهمية... والأهمية عند أحمد تتلخص في اسم واحد: داليا.
❈-❈-❈
كان يُغمض عينيه، لا يشعر بشيء، يكاد يغفو في تلك الأجواء الهادئة بعد الكثير...
قبل أن يشعر بجلوس أحدهم بجانبه.
فتح عينَيْه ليُقابله وجه تميم المُرهَق، قابله هو بنظرة اعتذار حقيقية على وجوده في هذا الوقت ومع تلك الظروف، وكان تميم أول المتحدثين، قائلًا بقلق: حصل إيه؟
وأكمل بتقرير:داليا... صح؟
ظل أحمد يُناظره بصمت، قبل أن يُعيد رأسه للخلف، ضاحكًا ضحكة ساخرة مريرة تقطر ألمًا.
فكانت إجابته لسؤال لم يُسأل حتى.
فتساءل تميم بقلق: حصل إيه؟
هزَّ أحمد رأسه قائلًا: خلاص... إحنا خلاص... الموضوع انتهى.
عقد تميم حاجبيه قائلًا بحيرة: إيه؟ ليه؟ حصل إيه يا أحمد؟ يا ابني ده الفرح كان خلاص!
قابله صمتُ الآخر، ليُكمِل ببديهية: عشان الفلوس تاني؟ مش قلتلك يا ابني خد اللي تحبه؟ يا أحمد، معقول في بينا كده؟ فلوسي وفلوسك واحدة!
مش معقول تبوَّظ جوازتك عشان حاجة متوفرة والحمد لله!
وهرجع أقولك... لو زعلان ومش حابب تكون هدية مني ليك، مع إن ده حقي عليك، يبقى اعتبرهم سَلَف يا سيدي، ووقت ما يحلها ربنا... انت عارف، إحنا واحد!
كان أحمد يُطالعُه بصمت... أهذا ما أرادته داليا؟ أن يُطالبه بالأموال؟!
أي أموال قد تُساوي علاقته بتميم؟ لا مال العالم وما فيه يجعله يخسر هذا الماثل أمامه... فكم تبقى في عمره ليصنع تميم آخر؟
واحدٌ فقط أهدته له الحياة، وسيُحافظ عليه مهما تطلَّب الأمر... فالصداقة طوق النجاة وسط بحور الحياة.
طال صمته، ولا يعلم تميم ماذا يفعل...
وقبل أن ينطق بشيء، همس أحمد بصوت حزين متألم: أنا كنت خايف من اللحظة دي... كنت بشوف نظراتك اللي بتقول سيب وامشي ، من غير ما تقول، كنت عارف إنك عارف إن دي النهاية، بس كنت ساكت عشاني، وأنا كنت بعاند... بقول لا، أنا أقدر أغيرها، حبي قادر يغيرها، حبي هيكفِّينا، حبي وحبي... بس كنت غبي... لأنه وببساطة طلع حب من طرفي بس، حب غبي ومؤلم، بيوجع صاحبه بس!
عارف لما تعافر، ويطلع عينك في حاجة، وفي الآخر تطلع مش نصيبك؟
كان يُتابع حديثه، ولم يدرِ أن تميم لوهلةٍ كان يهمس بصدق، متألمًا... متألمًا بشدة: عارف...
مين قدي هيعرف؟
إلا أنه نفض من أفكاره صورتها، قبل أن يُعيد تركيزه لأحمد، قائلًا بهدوء: انت متأكد من قرارك؟ يعني متأكد إنك مستحيل تندم؟
لأنّي لازم أقولك إن وجعك وندمك على قرار زي ده هيكون أضعاف وجعك في اللحظة دي، فلازم تكون واثق ومتأكد إنه خلاص... ده قلبك!
أومأ أحمد مؤكدًا، قائلًا بتأكيد: متأكد... أنا عمري ما كنت متأكد من حاجة قد ما أنا متأكد من القرار ده، صدقني... لما الإنسان بياخد قلم يفوَّقه، ويخلّيه يشوف الحقيقة، بيعرف إنه كان أعمى القلب والبصيرة... لكن يشاء الله إني أفوق.
كان تميم يُطالعُه بشفقة، وقلبٍ متألم بشدة، قبل أن يُربِّت على يده، قائلًا برفق: طيب... احكيلي اللي حصل.
قابله الصمت أيضًا، لذا لم يُحب أن يزيد من الضغط، وتابع بهدوء: أنا ماعرفش إيه اللي حصل، ومش حابب أضغط عليك، وقت ما تحب تحكي وتتكلم... أنا هنا في أي وقت.
أوعي للحظة تتردد تيجي أو تكلمني، مهما كان الوضع، مهما كنت تعبان أو مشغول، كل ده يتركن على جنب وقت ما تحتاجني... أنا هنا.
دائمًا... أنا دائمًا موجود، وده مش كلام يا أحمد.
قالها بصدق، وهو يشدُّه نحوه، يُحضنه بقوة...
يريد أن يحمل ألمه... وليته يستطيع.
❈-❈-❈
كانت تقف تضم معطفها الأنيق وهي تكتف يديها، تنظر من النافذة بضيق.
إلى متى سيظل الحال على ما هو عليه؟
شهرٌ تلو الآخر يمر، وهي تشاهد ما يحدث بصمت...
تأخُّرُه كل ليلة، بسببٍ أو بدون، يتأخر ولا يرد عليها، والإجابة دائمًا: مشغول، لديه الكثير من الأعمال.
حسنًا، وما الجديد؟ لطالما انشغل، لكنه لم يكن يومًا هكذا.
يكاد لا يتواجد في المنزل، يأتي متأخرًا ويرحل باكرًا، لا هي تراه ولا هي تعرف ماذا يحدث، حتى هو... حتى هو تغيّر.
هناك شيءٌ لا تفهمه.
أصبح أشد جمودًا وقسوة، يلومها دون أي وجه حق.
والليلة تتبع أخواتها ككل ليلة...
رفعت عينيها نحو الساعة، فوجدتها قد اقتربت من الثانية بعد منتصف الليل.
أيُّ عملٍ يظل حتى هذا الوقت؟ أَيظنّها غبية؟
تشعر بالمياه تسير من تحت قدميها دون أن تفهم ماذا حدث.
أين أنت يا شوكت؟
قالتها لنفسها بحيرة، وقبل أن تمسك هاتفها لتحادثه، كان باب غرفتها يُفتح ويدخل منه.
لم ينظر إليها حتى، خلع رابطة عنقه ملقيًا إياها على أحد المقاعد بإهمالٍ لم يكن من عادته أبدًا، تبعتها سترته، قبل أن يأخذ منامته المُعدَّة سابقًا والموضوعة بعناية على الفراش، متوجهًا نحو الحمام.
إلا أن صوتها الحازم أوقفه وهي تتساءل بجمود: كنت فين يا شوكت؟
نظر لها بهدوء قبل أن يجيبها ببرود: كان عندي اجتماع مهم واتأخر شوية.
ارتفع حاجبها مرددةً بسخرية: اجتماع؟ اجتماع إيه اللي يفضل للساعة اتنين بليل؟! من إمتى؟ بقالك سنين طويلة شغال، جديد الموضوع ده... غريبة يعني!
تأفف بضيق قائلًا بلا طاقة:صفية، أنا جاي تعبان، ومش وقت جدال أبدًا. كنت في شغل، الكلام انتهى.
وبالفعل، انتهى.
ودلف إلى الحمام سريعًا، خمس دقائق فقط وكان في الفراش، ليغط بعدها في نومٍ عميق، تاركًا إياها بكل برودٍ وعدم اهتمام...
تقف محلها، دون حراك، وهي تشعر بسائلٍ باردٍ يحاوط قلبها، كلسعةِ سوطٍ ضربها بقوة.
وبينما عيناها تراقبه...
"كان الجرس الأول قد دق داخلها، مُعلنًا بداية مرحلةٍ طويلةٍ من القلق... قلقُ أنثى."
❈-❈-❈
صباح يوم جديد...
هو بدايةٌ للبعض، وربما نهايةٌ لآخرين غفلوا عن أن الدنيا يومٌ لنا ويومٌ علينا.
يومٌ نزهو فيه فرحًا بمجدنا، وآخر نتجرّع فيه خيبات أفعالنا.
فصباح الخير يا أصحاب الخير، وأهلًا بيومٍ سينال فيه كلٌّ منّا ما يستحق... أو ربما ما صنعته أنفسنا.
كان يقف أمام البناية التي يقع فيها المكتب، مفكرًا...
اليوم هو اليوم الأخير في مهلة التفكير الخاصة به.
تركته يومًا واثنين وثلاثة... أيّامٌ طويلة وإن كانت قصيرة.
طويلةٌ بلياليها، بذهنٍ شارد، مفكرٍ، مرتعب، وقصيرةٌ فكل صباحٍ يطلّ عليه يخبره بحزمٍ أنها تقترب.
وها هو يقف في اليوم الآخر، اليوم المحسوم.
أخفض رأسه يستغفر ربه كثيرًا، وصوت فريدة يحاوطه وهي تدعو له صباحًا:
"ربنا يحفظك يا حبيبي..."
أخذ نفسًا عميقًا ومنهكًا، متوجهًا للداخل.
❈-❈-❈
لكن وما إن وضع قدمه بالمكتب، حتى تأكد أن هناك شيئًا خاطئًا...
المكتب فارغ، لا أحد!
وفي نهاية الممر، عند مكتبها، كانت تقف هي مستندةً عليه، تناظره بعيونٍ متفحصة، كأنها تعلم متى سيصل، فانتظرته.
لم يكن يدرك ماذا يفعل، لكن لم يكن هناك حلٌّ سوى الدخول.
لذا، أخذ نفسًا عميقًا للغاية، وهو يخطو ببطء، خطوةً تلو الأخرى، حتى وقف في منتصف غرفتها، قبل أن يتساءل بخفوتٍ متعجب:
فين الباقي؟
اتسعت ابتسامتها أكثر وأكثر، تناظره بنظرةٍ لم تغفلها عيناه أبدًا، قائلةً بتأكيد: مفيش حد هيجي النهاردة... الكل في مصالح، ومحدش هييجي. النهاردة أنا وإنت بس!
كان يقف بوجهٍ شاحب، وملامح متجمدة، قبل أن تتابع هي قائلةً بتساؤلٍ واثق: ودلوقتي... قولي قرارك يا عمر! رغم إني عارفاه.
وتابعت بضحكةٍ شامتة، مستمتعة: بس حابة أسمعه منك انت!
قالتها وهي تقترب منه بشدة، تهمس بها...
كان يراقب تحركها حوله بعينٍ جامدة، وما إن طال صمته، حتى وقفت أمامه قائلةً باستنكار:
بتفكر في إيه؟! أنا بعرض عليك اللي يتمناه غيرك... وإنت ببساطة بتفكر؟!
اسمحلي أقولك إن ده غباء منك! غيرك كان قَبِل من أول لحظة!
وتابعت بحدةٍ ونبرةٍ أعلى من المعتاد، نبرةٍ مهدِّدةٍ بشدة: دلوقتي حالًا، قولي ردّك!
كانت تناظره بعينٍ واثقة، واثقةٍ تمامًا...
لكن، وخلال ثانيةٍ واحدة فقط، تبدّل كل شيء فجأة...
وقفت هي تتساءل بداخلها: ماذا يحصل؟!
كان عمر قد بدأ يناظرها بتحدٍّ غريب، تحديدًا بعدما رفع رأسه ينظر لها نظرة...
نظرة ثقة لا تعلم من أين أتت، وابتسامة بطيئة، بطيئة للغاية بدأت بالظهور على وجهه.
كانت لحظاتٌ بطيئة تطبق على أنفاسها، لا تفهم سببها...
وظلّت حرب النظرات الصامتة قائمةً بينهما لعدة دقائق، قبل أن يحرك رأسه لليمين قليلًا، محركًا يده ليُدخلها في جيب سترته، مخرجًا شيئًا صغيرًا... صغيرًا للغاية!
لكنها لم تكن جاهلة، واستطاعت ببساطةٍ التعرّف عليه...
لم يكن سوى مسجلٍ صوتيٍّ صغير!
وفي تلك اللحظة، رفعت عينيها المتسعة تناظره بصدمة...
وكانت عيناه تناظرها بصمت...
صمتٌ كاد أن يقتلها حيّة!
❈-❈-❈
ابتلعت ريقها، تجزّ على أسنانها بقوة...
لن يجرؤ... ستدمّره... لن يجرؤ على أن يفعلها أبدًا!
كانت ترددها لنفسها بكل ثانيةٍ مرّت عليها في تلك الدقائق المرعبة، قبل أن تواجه عينيه قائلةً بهدوءٍ رغم رعبها: أفهم إيه من البتاع اللي إنت ماسكه ده؟! فاكر إنك تقدر تهددني؟! مش عايزة أصدمك، بس ممكن مخلّيكش تخرج من هنا على رجلك! إيه رأيك؟!
إلا أنه، ولم تهتز منه شعرةٌ واحدة...
وتابع النظر إليها بصمت، قبل أن يضع إصبعه على زرٍّ صغيرٍ بجانب المسجل، ضاغطًا عليه...
ليصدح بعدها صوتها... صوتها من لقاءٍ مرّ عليه بضع أيام...
بآخر حديثٍ بينهما، وهي تخبره ببساطةٍ أنها تريده... وستحصل عليه!
الكثير من الكلام... والكثير من الأدلة...
كانت تستمع، والرعب يكسو ملامحها...
فلم تجد نفسها في لحظة تهوّر منها سوى وهي تهجم عليه، تحاول انتزاع المسجل منه!
ولوهلة، انتفض هو، غير متوقعٍ ردّ الفعل في تلك اللحظة، محاولًا التمسك به.
هي تجذبه وتصرخ...
وهو يحاول التمسك به...
ليرتمي المسجل بعيدًا إثر جذبه من الطرفين...
وكانت هي أول المندفعين بشراسةٍ ومرعبة، حتى تعثّرت وسقطت أرضًا، تمد يدها بسرعة لتمسك به... لكنها لم تلحق!
ففي نفس اللحظة، كان هناك حذاءٌ أسودٌ لامعٌ للغاية قد دعس على المسجل...
رفعت رأسها بسرعةٍ وجنون، تناظر الواقف، وقد ظنّته لوهلةٍ عمر...
لكنه لم يكن!
بل كان...
آخر من أرادت أن تراه في تلك اللحظة!
كان سيف الدين رشدان... زوجها العزيز!
يتبع...