-->

رواية جديدة فراشة في سكٌ العقرب لناهد خالد الفصل 13 - الأحد 9/2/2025

 

قراءة رواية فراشة في سكٌ العقرب كاملة 

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية فراشة في سكٌ العقرب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة ناهد خالد

الفصل الثالث عشر

تم النشر يوم الأحد

9/2/2025


" لا تستهن بذكاء عدوك.. 

ولا تأمن لمكر حواء... 

فالحرب خدعة.. 

والخدعة تأتي دومًا على غفلة، فكن متيقظًا" 


ورده كان صادمًا لها حين تجاوز كل ما قالته وهو يقول لها بإهانة:


_ كمثل الحمار يحمل أسفار... أنتِ فاهمة معنى الآية دي؟ اعتبري نفسك مكان الحمار ده بالضبط.. هو عمومًا مبيبقاش عارف هو شايل ايه على ضهره.. ولو عارف فهو مش هيفهم شايله ليه ولا جهته ايه! خليكِ زيه بالضبط، نفذي المطلوب منك من غير أسئلة كتير. 


وإهانته لن تبتلعها ابدًا، فهي التي لم تقبل يومًا أن يتطاول عليها أحدٍ لن تقبل الآن أيًا من كان هذا الشخص وتحت أي ظرف كان، نصبت ظهرها ووقفت شامخة وهي تجيبه بتحدي سافرٍ:


_ لو انتَ بتستشهد بالقرآن عشان توصلي معلومة عقيمة زي اللي قولتها دلوقتي، فخليني انا كمان ارد عليك بآية من القرآن، "وَلَقد كَرمنَا بَني آدَمَ وَحملناهُم في البَر والبحر ورزقنَاهُم من الطيبَاتِ وفَضلنَاهُم علَى كثِيرٍ مِمن خَلقنَا تَفضِيلاً" يعني ربنا كرمنا كبشر على كل مخلوقاته، مين انتَ عشان تيجي تشبهني بالحمار؟ 


رجعت بظهرها للوراء وجلست على الكرسي الذي خلفها بكِبر وهي تكمل:


_ وبناءً عليه، فأنا مش هتحرك خطوة تانية في الخطة دي غير لما افهم اللي محتاجه افهمه. 


التواء بسيط ظهر في رفع جانب شفته العليا، التواء في ظاهره بدى لها سخرية واستخفاف، لكنه في باطنه إعجاب جديد بقوتها وكأن لديهِ مشكلة حقيقية مع ضعف المرأة! 


_ تمام، هقولك اللي حابه تعرفيه، وفي المقابل.. 


سكت قليلاً وكأنه متعمد أن يثير فضولها ويكسب اهتمامها تجاه القادم، جلس هو الآخر ووضع ساق فوق الأخرى وهو يكمل:


_ قوليلي ايه السبب الحقيقي ورا قبولك بعرض مازن، وقوليلي كمان عرفتيه ازاي وايه اللي جمعك بيه؟


ابتلعت ريقها الجاف واجابته بثقة زائفة:


_ قولتلك، هو انا هعيد كل ده تاني!؟ 


ابتسم ساخرًا بحق هذه المره وهو يعقب على حديثها:


_ ياريت زي ما بحترم ذكائك تحترمي ذكائي، انا قولتلك قبل كده ان كل اللي قولتيه انا متأكد انه مش الحقيقة بس اتغاضيت.. لو انتِ بقى مش هتتغاضي إنك تعرفي علاقتي بشدوى يبقى انا كمان مش هتغاضى. 


غمغمت قائلة:


_ واحدة بواحدة. 


مال بفمه للأسفل في حركة تعني أنه هذا هو الأمر وقال:


_ أي deal بيكون دايمًا واحدة بواحدة، تنازل قدام تنازل، وشرط قدام شرط.. وتغاضي قدام تغاضي. 


وجملته الأخيرة كانت تقصد اتفاقهما تحديدًا، فزمت شفتيها بسخطٍ، حسنًا لن تستطيع أن تبوح بما يريده وفي صالحها أن يتغاضى... وللأسف كي يفعل هو لابد لها أن تفعل.. 


_ تمام، خلينا نتغاضى. 


ملامحه الجامدة أوشت لها بأنه توقع اختيارها بل وكان متأكدًا منه، فهز رأسه بحركة بلا معنى.. قبل أن يسمع دقات فوق الباب ليسمح بالدخول، ففُتح الباب بواسطة الحارس لتدلف "صفاء" وهي تقول باحترام:


_ الفطار جاهز يا شاهين بيه. 


سألها:


_ شدوى صحيت؟ 


نقلت "صفاء" نظراتها على الفور ل "فيروز" التي تململت في جلستها قلِقة من أن تخبره بما أمرتها بهِ، وجاء قلقها في محله حين قالت "صفاء" :


_ لا، وكنت هصحيها، بس فيروز هانم رفضت. 


وفي الحال تدخلت "فيروز" تحت نظرات "شاهين" المستغربة والتي انتقلت لها حين قالت مبررة:


_ أصل صفاء قالتلي انها عارفة المواعيد، ويعني لو هي منزلتش يبقى مش حابه، او مرهقة ومش هتقدر تصحى دلوقتي. 


نظر لها لثواني دون رد، فرفرت باهدابها تبعد نظراتها عنه، لتسمع صوته بعدها يقول بما ادهشها:


_ معاكِ حق، صفاء أنتِ عارفه إني بحب كل شخص يلتزم بالمواعيد.. ومن نفسه، يعني مفيش داعي تستدعي حد على ميعاد هو عارفه. 


اومأت برأسها طاعةٍ قبل أن تنصرف، فحول بصره لها يخبرها بنبرة ماكرة بعدما وقف مستعدًا للخروج:


_ واضح إنك بدأتِ تلعبي، وانا مش همنعك، بس في نفس الوقت مش هتدخل في اللعبة.. يعني لو قولتِ أيّ هعمل نفسي مسمعتش.. 


وتركها ذاهلة من حديثه، كيف يقبل أن تلعب مع زوجته بل ويصرح لها بهذا!! هي الآن باتت متأكده أن الأمر بينهما جلل، وليس مجرد مشكلة عابرة. 


❈-❈-❈


وعلى طاولة الإفطار، كان الحاضرين "شاهين" و "فيروز" و "تيم"، نظرت "فيروز" للطعام بسخطٍ، هل يعاملونهم معاملة العصافير! فبعض مكعبات الجُبن التي قد لا تتعدى العشر من ذوات الحجم الصغير، ولأول مرة ترى جُبن مُقطع لمكعبات! والغريب ان المكعبات جميعها متساوية الحجم كأنها قُطعت بآلة ما! أين الجُبن المهروس الذي يخرج من العلبة للطبق فورًا ليُدعس تحت أسنان الشوكة فلا تظهر له ملامح!؟ وفي طبق آخر فيما قدرته بمعلقتين من المربى، وفي آخر خمس شرائح رفيعة من الجُبن الرومي، والطبق الذي آثار اشمئزازها بهِ ثلاث بيضات لكنها ترى البيضة كاملة! لم تُخضع للهرس هي الأخرى يالله ما مشكلتهم هؤلاء ألا يُهرس شيء عِندهم! هي تعرفه قد رأته ذات مرة في التلفاز ويطلق عليه بيض عيون لكنه مثير لل... حسنًا وطبق خضروات تُعد على الأصبع مُقطعة بأشكال لطيفة، والخبز.. ويا ويل الخبز! هو قطعة بحجم نصف كف اليد، نظرت ل"شاهين" الذي التقط شريحة خبز وفرد عليها مكعب من الجبن ودعمها بقطعتين من الخُبز ليقدمها للصغير يحثه على تناوُلها، وتناوَلها قاضمًا قطعة منها كما هي، انه غير قابل للتقطيع.. هذا ما رددته في عقلها وهي تنظر للطعام بسخطٍ، ولأول مرة لا تجد لها شهية في الإفطار، فكيف لها أن تفعل بدون الخبز البلدي المُحبب لها، وطبق الفول بالزيت الحار الذي إن تناولته عمرًا لن تزهده، عليها التعايش... هكذا رددت لنفسها قبل أن تلتقط شريحة خُبز وشريحة من الجبن الرومي.. وهل لها أن تأخذ أكثر! حقًا صدق من قال (لاتهون إلا على الفقير) فها هي تلتمس بخلاً غريبًا من أصحاب القصور العالية..! 


القت نظرة جانبية على "شاهين" لتجده يرتشف من فنجان قهوته ولم يمد يده للطعام، لتقول بتلقائية:


_ انتَ بتشرب قهوة على الريق! ولا فطرت بدري؟ 


لم ينظر لها واكتفى بالإجابة وهو يطالع الصغير بحرصٍ:


_ مبفطرش. 


ورغم حدة كلمته، ورغم سخطها على طريقته، وجدت نفسها تقول ناصحة:


_ بس كده غلط، يعني أول حاجة تدخل المعدة قهوة اللي فيها نسبة كافيين عالية هتتعبك، وكمان ممكن تعملك هبوط. 


استحوذت على اهتمامه فنظر لها بجانب عينيه:


_ ياترى كلامك ده مبني على حقائق علمية ولا فتي من عندك؟


رفعت حاجبها مستهجنة وقالت بغيظ واضح:


_ فتي من عندي!... طب اسمع بقى مخاطر القهوة على الريق، ممكن ترفع ضغط دمك وتخليك ماشي مش شايف قدامك من الضغط ويمكن تطب ساكت ومحدش يلحقك، ده طبعا مع انها بتزود ضربات القلب يعني كده كده مش هتتلحق. 


وضع كف يده فوق فمه يخفي بسمته التي خرجت صادقة هذه المرة دون سخرية أو استنكار، وحمحم 

مداريًا بسمته ومستعيدًا جديته بعدما أزال كفه:


_ ده تمني؟ .. أنتِ بتتمني يحصلي كل ده مش بتعرفيني أخطار القهوة على الريق! 


رفعت كتفيها وهي تقول بفتور:


_ وانا هتمنالك ده ليه! أنا بس بنصحك وأنتَ حُر. 


همهم يقول:


_ اممم.. لا شكرًا على النصيحة. 


وبعدها أصبح يراقبها كما يراقب صغيره، ليلاحظ أنها لم تمس البيض، ضيق عينيهِ في شكٍ هل من الممكن أن تكون مثل صغيره لا تحبذ البيض ابدًا؟! 

شاكسها وهو يدفع الطبق لها يقول:


_ شكلك مش شيفاه، ملاحظ إنك مبتاكليش منه. 


جعدت أنفها بضيق وهي تدفعه من جهتها وقالت:


_ لا شيفاه متقلقش. 


رفع حاجبه بتلاعب يخبرها:


_ طب ما تاكلي! 


نظرت له بضيق:


_ أنتَ مركز معايا ليه؟ 


تجمدت ملامحه يجيبها:


_ هركز معاكي أنتِ؟ أنا بس ملاحظ إنك زي تيم شكلك مبتاكليش البيض.. 


وخرج الصغير عن صمته يعبر عن عدم حبه له يقول:


_ أنا noway أكله، أصلا it's not delicious. 


قلبت شفتها بضجر توافقه:


_ معاك حق يا بني، هيكون delicious ازاي بشكله ده! 


نظرت ل "شاهين" تكمل:


_ يعني ده طفل عاوزينه ياكله بالشكل ده ازاي؟ أنا نفسي المنظر أثار إشمئزازي. 


جعد ما بين حاجبيهِ مستغربًا:


_ ايه العبط ده! ماله شكله؟ ده بيض عيون وطبيعي يكون شكله كده. 


سألته مستنكرة:


_ ايوه وليه لازم يكون بيض عيون! يعني ما ممكن يبقى بيض مقلي عادي، او حتى بيض مسلوق.. ولا هو ده كمان عشان المظهر العام؟ 


_ ايه علاقة ده بالمظهر العام؟ 


_ أصل في ناس عندها جنون بالطبقة الارستقراطية، او طبقة الاغنياء، فحتى الأكل لازم يكون له شكل معين ومعمول بطريقة معينة، مثلاً... الجبنة تكون متقطعة مكعبات، البيض يكون عيون، الخضار يكون متقطع بشكل شيك واشكال مختلفة وردة ولا قلب، على أساس إنه لو متقطع عادي البطن هترفضه! العيش العادي مبيدخلش بيتهم اصلاً.. دي كلها شكليات فارغة، البطن في النهاية مبتميزش، بس العين هي اللي بتميز، وكل ده عشان شكل السفرة يليق بناس غنية ويبان ان معاهم فلوس يعني.. 


تجعدت ملامحه باستغراب جلي وهو يحدقها بتعجب:


_ أنتِ ليه بتتكلمي كأنك مش منهم؟ 


أشاحت بنظرها عنه مرتبكة وقد شعرت باندفاعها في الحديث الذي لربما يثير شكه، فهدأت وجمعت افكارها وهي تبرر:


_ مش معنى إني منهم إني بحب تفكيرهم والمظاهر الكدابة اللي بيهتموا بيها، انا معنديش مانع ابدًا انزل أكل على عربية فول، أو اقف في مطبخ اعمل أكلة بحبها، مش معنى إني غنية ومعايا فلوس يبقى اتقيد وامشي على نمط الاغنياء، ليه نبقى كلنا نسخة واحدة مكررة وشبه بعض! 


رجع بظهره مسترخيًا على كرسيه وهو يناقشها ولأول مرة يجد نفسه راغبًا في المناقشة، هو الذي يأمر دومًا ويُطاع دون جِدال، لكن حديثها ممتع ويدفعه عنوة لمناقشتها:


_ بس الناس مقامات، يعني الفقير بيقف على عربية الفول لأنه معندوش اختيارات تانية ودي حياته، لما الغني يعمل زيه يبقى فين الاختلاف.. مين هيدخل المطعم، لما كلنا نقف في المطابخ ونطبخ بنفسنا الشيفات اللي ده شغلهم ومصدر رزقهم هيعملوا ايه وقتها!؟ 


تركت طعامها واعتدلت لتكن في مواجهته وهي تقول:


_الرسول عليه افضل الصلاة والسلام كان افضل أكل له القديد اللي هو اللحم المجفف، والخبز.. وكان لبسه عباية عادية زي باقي الناس مش من حرير ولا مطرزه بالدهب، كان بينام في الجامع واحيانًا تحت الشجرة اللي بيستظل بيها، مش في قصر... الحقيقة ان الغنىَ عمره ما كان سبب للعيشة المرفهة بزيادة، الناس بس اللي بوظت المعايير.. فبقى الشخص بيتقاس غناه من عيشته، ومقولتش منجبش طباخين ومقولتش مندخلش مطاعم، بس احنا بنقيد نفسنا ان مينفعش نعمل ده، رغم انه عادي لو يوم صحيت وحبيت انزل افطر على عربية فول، ولا اقف اعمل طبخة.. لكن طبعًا تِبعًا للأتيكيت دي جريمة. 


ورده كان ظاهرًا لتعجبه من تفكيرها وهي يقول:


_ انا متفاجئ.. ودي حاجة مبتحصلش. 


انعقاد حاجبيها وضحوا انتظارها لتوضيح لمعنى جملته، فاكمل:


_ انا في العادة ببقى قاري اللي قدامي فأي رد فعل بيصدر منه بكون متوقعه، لكن أنتِ غير... باعترف إن ردود افعالك بتفاجئني، وبعترف بردو إن دي حاجه زعجاني. 


_ انا مش غامضة اوي كده!  ايه اللي متوقعتوش مني وعملته؟ 


_ كله..من أول اعترافك إنك ملكيش علاقة عاطفية بمازن، لحد الآن.. متوقعتش إنك عندك خلفية دينية مش بطالة، يعني.. 


قطع حديثه ممرًا نظره عليها بمغزى وأكمل:


_ طبعًا ده زائد وجودك في لندن لفترة طويلة. 


اومأت برأسها متفهمة:


_ تقصد استايل لبسي ووجودي في لندن اوحولك إني شخصية مليش في الدين أصلاً وده آخر حاجه ممكن اهتم بيها، لكن خليني اقولك ان رغبة الشخص وإرادته هي دايمًا الغالبة، يعني لو الواحد بيطلع حسب البيئة اللي حوليه مكانش طلع من قبيلة قريش اقوى فئة مؤمنة اتمسكوا بدينهم رغم كم العذاب اللي شافوه، مكانش ابن سيدنا نوح طلع كافر، و مكانتش زوجة سيدنا لوط بقت مع قومها ضده، أمثلة كتير اوي بتأكدلنا إن خِصال الشخص باختياره مش مفروضه عليه. 


اومأ برأسه مؤيدًا حديثها ولكنه بالطبع لن ينطقها قولاً. 


_ بابي انا شبعت. 


مسد بكفه على الشعر الصغير بلطف ورفع صوته مناديًا "صفاء" التي أتت على الفور:


_ خدي تيم يغسل ايده. 


أردف الصغير متحمسًا:


_وبعدها هلعب بالpuzzle شوية، ok؟ 


_ ok يا حبيبي 


وبعد انصراف الصغير وقف هو الآخر مستعدًا للرحيل ولكنه قال لها قبلاً:


_ اعملي حسابك هتكلمي مازن بكره. 


لوت فمها بامتعاض بعد انسحابه ونظرت لارجاء المكان بملل قائلة:


_ ايه الزهق ده بقى! 


❈-❈-❈


_ كويس إنها عرفت تتواصل معاك، مكناش عارفين نوصلها. 


قال "مازن" براحة:


_ وكانت هتضطرني اتواصل مع حد قطعت علاقتي بيه من سنين. 


_ مين ده بقى؟ 


نظر له ساخطًا:


_ ريح نفسك مش هقول. 


سأله بضجر:


_ هو سر! 


رد ببرود:


_ اعتبره كده. 


تغاضى عن هذا السؤال وسأله آخر:


_ طب قولي أنتِ تاعب قلبك مع شاهين ليه؟ يا بني الراجل ملهوش ملف اصلاً! يعني في نظر القانون معلهوش غبار، وأنتَ مُصمم إن شغله شمال ومجرم! وسايب قضياك ومركز معاه، أنتَ عارف لو اللواء شم خبر إنك بتجري ورا واحد وسايب القضايا اللي مُكلف بيها هيكدرك ازاي... مش بعيد يديك جِزا شهر، أنتَ بتخاطر بوظيفتك يا مازن.


تحولت ملامحه للغضب، وجز على أسنانه بقوة كادت تكسرها وهو يقول:


_ لو مقابل إني احبسه هخسر شغلي فانا معنديش مشكلة. 


سخرَ "مدحت" منه وهو يقول:


_ طب فُض الشراكة اللي بينكوا الأول، قبل ما تحبسه ويحجزوا على أملاكه، وطبعًا الشركة هتضيع. 


نهض واقفًا ينظر من نافذة المكتب وقال بغضب مكبوت:


_ ياريتني أقدر، لكن الشراكة بينا مش بس في الشركة، في الشركة وفي أرض الساحل وفي فيلا التجمع.. وللاسف الموضوع مش في ايدي لوحدي عشان افض الشراكة. 


نهض "مدحت" يجاوره وقال ناصحًا:


_ ما ربنا يهديك يا مازن وتتكلم معاه بهدوء، مش يمكن كل اللي في بالك ده أوهام؟ مش يمكن ملوش في الشغل ده أصلاً؟ يا بني احنا مامسكناش عليه هفوة! نفسي اعرف ليه متأكد انه شغال في السلاح. 


التف له وقد ضاق ذرعه من ضغطه عليه:


_ خلاص بقى يا مدحت، كفاية كلام عنه ده بيعفرتني. 


طالعه "مدحت" بشك وهو يقول:


_ مازن اوعى يكون كل ده انتقام منه للي حصل زمان؟ 


ونظرته له كانت مبهمة، ولم يعقب، ليزداد شك "مدحت" حول الأمر، ويزفر انفاسه باختناق وحول الحديث لطرف آخر يقول:


_ طب قولي أنتَ متأكد ان البنت كويسة؟ 


اجابه باقتضاب:


_ لا مش متأكد. 


هز رأسه بضيق:


_ من الأول انا مكنتش موافق على الفكرة دي، وبعدين أنتَ خدعتها وفهمتها إن الموضوع رسمي.. 


قاطعه معقبًا:


_ مانا قولت للواء وكان على عِلم... 


قاطعه "مدحت" هو الاخر يقول:


_ اولاً اللواء وافق في الأول إنك تتبع شاهين لأنك اكدتله إن وراه بلاوي، لكن اللواء بعدها على طول بلغك توقف كل حاجة لما اداك القضية الجديدة وقالك تركز فيها وتشيل موضوع شاهين من دماغك، ثانيًا كل دي مجرد شكوك مفيش حاجه رسمي، ثالثًا أنتَ خدعتها مرتين.. مرة لما فهمتها انه مجرم ومطلوب من العدالة بس مفيش دليل، والتانية لما سرقت الفلوس عشان ترغمها توافق على القضية وتقبلها... 


رفع كفه يضعه على كتف "مدحت" وابتسم ابتسامة لم تصل لعينيه:


_ يا مدحت الحرب خدعة، عشان تكسب لازم تتنازل شوية عن الفضيلة وتلعب بكل الوسايل المتاحة، مش مهم ابدًا تكون نزيه في اللعبة قد ما مهم تكسب في النهاية. 


حدقه "مدحت" لبعض الوقت قبل أن يقول آسفًا:


_ مبادئك غلط يا مازن، وصدقني عمرك ما هتكسب المكسب الحقيقي بمبادئك دي. 


وأزاح كفه منصرفًا من أمامه، ليهز رأسه بلامبالاة وهو يتجه لمكتبه ليكمل متابعة عمله دون الاهتمام بحديث صديقه. 


❈-❈-❈


_ حضرتك طلبتيني يا هانم؟ 


قالتها" مستكة" وهي تقف خلف "فيروز" التي التفت بعد أن أخذت نفسًا عميقًا لتُصدم "مستكة" حين رأتها مرددة بصدمة:


_ فُلة!! 


اقتربت منها "فيروز" بعدما اتجهت للباب واغلقته لتقول بهدوء:


_ مستكة احنا لازم نتكلم. 


جرت نظرات "مستكة" فوقها بذهول واضح، وفور إفاقتها منه قالت:


_ إش إش ايه الشياكة دي كلها؟ بتعملي ايه هنا يا فُلة؟ وايه النضافة دي؟ 


حدقتها "فيروز" بتردد كبير، فهي ليست واثقة من شعورها تجاه "مستكة" ونظرتها بها، هل ستصون الود والعِشرة أم ستنقلب عليها وتكون كارت إضافي ضدها؟ 


_ انا اتورطت في مصيبة، ولما عرفت إنك شغالة هنا قولت مفيش حد غيرك هيساعدني. 


وتحت نظرات "مستكة" الذاهلة لِمَ تسمعه أوضحت لها" فيروز" طبيعة الأمر، ولا مانع بالقليل من الكذب! 


_ هو هددني، وده ضابط يعني مقدرش اقف في وشه، لما شافني في الإشارة قالي على اللي عاوزه رفضت طبعًا بس هددني لو ماوافقتش هيلبسني قضية، معرفتش اتصرف وخوفت، فاضطريت اوافق. 


وبالطبع لم تخبرها بعرضه للأموال وقبولها بها! 


_ وبعدين؟ 



_ جيت هنا ورموني تحت ليلة كاملة شوفت فيها سواد، وبعدها شاهين ده طلعني واضطريت اقوله إن مازن زاققني عليه بس غيرت في الموضوع شوية، فهمته إني غنية وعندي فلوس وبيني وبين مازن مصلحة عشان كده قبلت. 


سألتها مستغربة:


_ وليه ماقولتيش الحقيقة؟ 


اجابتها بثبات:


_ خوفت، خوفت يعرف إني فقيرة وبت غلبانة فيدوس عليا زي التاني، قولت ابينله إني بنت ذوات زيهم عشان ميستقلش بيا. 


وحديثها مُقنع! مرت دقائق من الصمت قطعته "مستكة" تقول:


_ أنتِ لازم تطلعي من بينهم، دول مش هيسموا عليكِ يا خايبة. 


نظرت لها "فيروز" باستفسار وسألتها:


_ يعني أنتِ معايا؟؟ 


حدقتها بسخطٍ، ولوت فمها متشدقة:


_ بلا خيبة هو انا عندي حل تاني! انا اه مابحبكيش، واه مبرتاحلكيش، وبينا مصانع الحداد، بس ده كله كوم وكونك بنت حتتي وجمعتنا دِكة واحدة في الفصل وأمك اللي ياما ساعدت أمي الله يرحمها كوم تاني، يعني أكيد مش هسيبك لقمة طرية للبهوات، وخصوصًا بقى وانا عارفه وشايفه هم يقدروا يعملوا ايه. 


نظرت لها "فيروز" ممتنة قبل أن تطلب منها:


_ معاكي تليفون؟ محتاجه اعمل مكالمة؟ 


اخرجته على الفور، لتأخذه "فيروز" وتطلب رقمًا تحفظه جيدًا، ووضعته على أذنها منتظره الجواب الذي آتاها سريعًا، فقالت:


_ انا فيروز. 


وعلى الجهة الأخرى انتفض واقفًا يهتف بحذر:


_ ايه يا فيروز عرفتي تجندي حد من الخدم؟ 


ولم تجيب سؤاله، بل قالت:


_ الدار آمان يا مازن يا بيه، أنا لوحدي. 


يتبع 


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ناهد خالد، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية..

رواياتنا الحصرية كاملة