-->

رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 15 -5 - الثلاثاء 4/2/2025

  

قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية طُياب الحبايب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رضوى جاويش


الفصل الخامس عشر

5

تم النشر الثلاثاء

4/2/2025

سألت منيرة في اضطراب لم تعرف له أنس سببا: إنتي نازلة له دلوجت! 

أكدت أنس بإيماءة من رأسها، وقد شبت من فوق سور السطح قليلا، لتراه وقد خرج من السراي لتوه، فعلى ما يبدو كان يطمئن على صحة سراج بالداخل ثم خرج ليجلس جلسته المعتادة تحت التعريشة.. 

أشارت لمنيرة مودعة، واندفع تهبط الدرج نحو موضع حبيب، تاركة منيرة في حيرة من أمرها، وقد هبطت الدرج في هوادة نحو حجرتها، فتحت ذاك الدرج الذي احتفظت فيه بشال سراج، وتعجبت أنها كانت على يقين داخلي، أن يوم ما ستعيده لصاحبه، كيف!.. ومتى! هي لم تكن تعلم، ولا شغل بالها الأمر.. فقط كان ذاك الشعور اليقيني مستقر بفكرها ودواخلها.. حملت الشال في عجالة وخرجت من الغرفة مجددا.. هبطت الدرج في حذر، وما أن أصبحت على مدخل الرواق القصير المؤدي للحجرة التي يستقر بها سراج، حتى همت بالعودة.. لكن ذاك الصوت الداخلي الذي كان يدفعها للتقدم نحو الغرفة، هو ما جعلها تستمر في المسير بخطوات مضطربة نحو الغرفة.. توقفت على بابها المشرع خوفا من أن يكون أي شخص تركه الدكتور سرور بديلا عنه حين سمعتهم هي وأنس من سطح السراي.. يستدعوه لحالة طارئة، قد يكون قابعا بالداخل.. لكنها بنظرة خاطفة أدركت أنه وحيد تماما.. 

خطت للداخل، حاملة أمانته، وما أن دنت قليلا نحو الفراش حيث يتمدد غائبا عن الوعي، حتى مالت مادة كفها لتترك الشال جوار جسده المسجي، همت بالابتعاد، لكن سراج فتح عينيه في وهن، ليسقط ناظره المشوش على محياها، تسمرت هي موضعها ولم تنطق حرفا، قسماتها ترتسم عليها الصدمة لنظراته الشاردة فيها، لكنها سكنت قليلا حين أغلق عينيه مجددا، وعلى وجهه ارتسمت ابتسامة هادئة، ما جعلها تهرول في حذر نحو الخارج، تلقي بنظرات متتابعة يمنة ويسرى نحو بداية الرواق ونهايته، حتى إذا ما تأكد لها أن لا أحد بالقرب، خرجت مندفعة نحو الدرج ومنه لحجرتها من جديد، والتي ما أن أغلقت عليها بابها، حتى استندت عليه تلتقط أنفاسها في تتابع، لكن على وجهها ارتسمت ابتسامة، ابتسامة ليس لها توصيفا، ولا تعرف لها سببا.. لا تدرك أن سرور كان هناك، وقد أنهى حالته الطارئة التي لم تكن طارئة، وجاء على عجل حتى لا يترك حضرة الضابط وحيدا، ليراها تضع ذاك الشال جواره، ما الذي يحدث بالضبط! وما علاقة منيرة بهذا الضابط حتى تضع له ذاك الشال جانبه!.. كاد ان يفقد عقله وهو يفكر في طريقة يربط بها الأحداث، وما الذي يمكن أن يكون رابطا بين ضابط النقطة الجديد، ومنيرة رسلان!.. 

دخل سرور الحمام الملحق بالغرفة، وتطلع صوب المرآة مركزا بتفاصيل وجهه النحيف، ثم ابتسم في شجن مدركا أنه لن يكون رغبة لامرأة قط، وهو لا يملك لا المال ولا الوسامة الكافية ليكون اختيار إحداهن، حتى منيرة التي مال لها قلبه، ابتعد عنها حين أدرك أن عزت يحتل قلبها، وحين حدث بينهما ما كان، قال في نفسه لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، وربما يكون له نصيب فيها بعد أن أبتعد عزت عن الصورة، لكن من أين خرج ذاك الضابط الذي ما ظهر بالنجع إلا منذ عدة أيام!.  

غسل يده جيدا، وما أن أصبح بالحجرة حتى تنبه لاستفاقة سراج، الذي كان يتطلع نحوه في تيه، ويجول بناظريه فيما حوله بلا وعي، ما دفع سرور ليهتف في بشر فطري، وابتسامة تلقائية: حمدا لله بالسلامة يا حضرة الظابط، ارتاح، كله هيبجى تمام.. 

همس سراج في وهن: أنا فين!.. 

أكد سرور وهو يميل على جسده فاحصا، كي يطمئن أن الأمور على ما يرام: أنت في سراية  الرسلانية.. والحمد لله كله تمام، هروح أبلغ حبيب إنك فوجت.. 

توجه سرور نحو الخارج، وما أن هم بمغادرة الغرفة، حتى سقط ناظره على سراج وهو يتطلع نحو الشال الصوفي الموضوع جواره في تعجب، ليحمله فاردا إياه بكف واحد يتأكد من أمر ما.. وما أن وعى للحرف الأول من اسم والده الذي كان منقوش على طرف الشال في دقة، قد لا ينتبه له أحد، حتى ابتسم موقنا أن ذاك هو شال والده، وأن طيفها الذي زار منامه لم يكن طيفا، بل كانت هي بشحمها ولحمها، أعادت له أمانته ورحلت.. وضع سراج الشال على كتفيه، تاركا سرور الذي عاد من على أعتاب الحجرة للداخل من جديد، وقد تشاغل متعمدا بجلب بعض الحاجيات من أحد الأركان، يراقب بطرف عين رد فعل سراج على وجود الشال، وقد تأكد لسرور أن في الأمر سرا.. وأن ذاك الضابط يعرف منيرة من قبل، وأن ذاك الشال الحائر بينهما له بالتأكيد حكاية.. تنهد سرور في قلة. حيلة متسائلا في نفسه، وأنت يا سرور، متى تكون تبدأ حكايتك!..

ادعى سرور أنه وجد ما لم يكن يبحث عنه، مغادرا الغرفة في هوادة وقد ألقى نظرة سريعة على سراج، الذي تدثر بالشال، مغمضا عينيه عن الدنيا، فرفع سرور عقيرته بالغناء، مترنما: 

وصفولي الصبر.. لقيته خيال.. وكلام فالحب.. كلام فالحب يا دوب.. يا دوب يتقال.. 

ليهمس سرور لنفسه.. آه والله يا ست.. محلتناش إلا الصبر.. ويا ريتنا حتى طيلينه.. 

❈-❈-❈

منذ أن رحل، وها هي لم تخرج من دارها، ولا حتى وطأت أقدامها عتبة الباب، تغلق أبواب الدار على حالها، تفكر في ما حدث، فكرها شارد الوقت بطوله، تكاد أن تفقد عقلها من كثرة التفكير، حتى نومها غاب، وما عاد لها قدرة على الرقاد، وكيف يرتاح البال وكل هذه الأفكار المتصارعة ترتع بين جنباته!.. وكيف يغمض لها جفن، وكل تلك التساؤلات اللا متنهاية بلا إجابة شافية تريحها! 

دموعها على خديها إذا ما صارت وحيدة، تريح بها ذاك الوجع المستعر بجوانجها، وما أن يظهر سالم بالأفق، حتى يستقيم حالها وتدعي الصلابة، تحاول العودة لطبيعتها أمامه فقط لكن ما أن يغيب عن الدار حتى تنهار مقاومتها وتبكي بحرقة على أفعال زوجها الذي ما رأى منها إلا كل طيب، وما قدمت له إلا كل خير.. وحفظته في عرضه وهو الذي غاب عنها لسنوات، فظلت على العهد.. حتى حين جاءها البعض باحتمالية وفاته، واستحالة عودته بعد كل هذه السنوات، فلو كان حيا، لكان على الأقل اطمأن على حالها وولده بمجرد اتصال بسيط، لن يكلفه الكثير.. لكن هذه الغيبة لا تعني إلا أمرا واحدا، أنه رحل عن دنيانا، وما بقي إلا أن يكون الأمر رسميا.. لمَ فعل بها هذا!.. لمَ بعد أن بدأت توطد نفسها على تقبل فكرة الغياب، وأنه قد لا يعود، يظهر فجأة ولساعات قلائل ويختفي وكأنه ما كان!.. لم أيقظ ذاك الأمل في عودته وأن يلتئم شملهما وولدهما معا!.. لكم تمنت أن تحظى بتلك الحياة الطبيعية التي تحظى بها النساء فيمن حولها، جميعهن في دورهن، مع رجالهن واطفالهن.. تلك الحياة التي تظللها السكينة وتشملها الرحمة ويملأ جنباتها الونس.. أين هي من كل هذا!.. آه يا نجية على حظك!.. من بين كل نساء النجع، لم يقع اختيار ضاحي ذاك الشاب الذي جاء محملا بالعطايا والهبات من بلاد النفط، إلا عليكِ يا حزينة، لتكوني الفتاة المحظوظة التي ستنعم بالعز والجاه في كنفه، وقد يفتح لها الحظ ذراعيه وينعم عليها زوجها بزيارة أو إقامة دائمة معه في بلاد عمله البعيدة، بعيدا عن الفقر وقلة الحيلة.. ألم تكن هذه هي المغريات التي ساقها ضاحي لأهل النجع حتى يسعى كل بيت لفتح أبوابه و القبول به خاطبا لابنتهم!.. كل الفتيات كن يتبارين للحصول على هذه الفرصة التي لن تعوض، لكن هي الوحيدة التي ما كان لها رغبة إلا في شخص واحد.. مدثر.. آه يا وجع قلبك يا نجية! .. تعاملوا مع قلبك كحقيبة سفر تنتقل من كف لكف بكل ما فيها.. وخرستي أنتِ.. وهل للفتاة حق في أن تختار في مثل ظروفنا.. وفي ذاك النجع الذي جُبل ناسه على الطاعة، ودجنت فتياته على الازعان لأوامر أهلهن دون أي اعتراض!.. آه يا نجية! رضيتي بالهم، وحتى الهم ما رضي بك، عافك لسنوات.. تركك تقتاتين الشوق المر، ولفظك في مهانة بعد أن أغراكِ بمجرد رشفة من كأس الوصل.. 

بكت.. وبكت.. ولم تعي في ظل شرودها لهتاف ولدها سالم، الذي دخل عليها في اندفاع يستدعيها: أماااا.. تعالي شوفي ايه في! 

انتفضت تمسح دموعها، فما كان عندها لا القدرة ولا الشجاعة على مواجهة سالم بحقيقة ظهور أبيه لليلة وحيدة ثم اختفائه مجددا، كيف سيكون حاله عندما يدرك أن والده كان هنا ولم يكلف خاطره أن يلق التحية ويراه بعد أن صار رجلا يكاد يصل لطوله!.. كيف سيكون وقع ذلك على نفس ولدها!.. لقد كان شوق سالم لوالده كبيرا، كان يسأل دوما أين هو، ولم لا يزورهما! ذاك حينما كان صغيرا، أما حين بدأ أن يعِ قليلا وأدرك أن سؤاله يثير مكامن الأوجاع بنفسها، قرر أن لا يسأل إلا فيما ندر، لكنها تعلم أن السؤال يكاد أن يخنقه بلا إجابة شافية لا تملكها هي في الأساس.. 

اندفعت خلفه، تحاول أن تداري دموعها وتمسح ما علق منها على خديها، وهي تهرول خلفه لتنظر حيث أشار، وما أن وقع ناظرها على موضع ذاك الحفر في عمق الغرفة التي تحفظ فيها بعض الغلال والكراكيب القديمة، حتى ضربت صدرها بباطن كفها في صدمة، فذاك كان موضع ذهبها الذي جاء رفعت أخيها يوم ما لسرقته، فقررت خلعه والحفر بالأرض في ذاك المكان لستره، حتى لا يكون مطمع لأصحاب النفوس المريضة وهي بلا رجل بالدار يحميها وولدها، لكن .. النقب جاء من الداخل، وذاك النقب حديثا ولم يكن موجودا قبل ليلتين!.. هي على ثقة من ذلك.. إذن فقد ظهر ضاحى، ليسرق ذهبها ويرحل، كما سرق أيام صباها وولى!.. جلست نجية أرضا تتطلع لموضع النقب حيث كانت كل ثروتها وما تملكه بالدنيا في هذه الحفرة.. وقد أضحت خالية الوفاض.. لا تملك من حطام الدنيا إلا نفسها وولدها، وجدران هذه الدار المتهالكة.. فبكت وهذه المرة لم تستر دموعها عن ولدها، الذي أدرك بفطنته أن أمه في حالة لا تسمح لها بإلقاء الاسئلة وانتظار الإجابات.. فاقترب منها جالسا جوارها، رابتا على كتفها، تاركا إياها تبكي في قهر دون أن يقاطعها.. 


يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رضوى جاويش، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة