-->

رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 30 - 3 - الثلاثاء 18/2/2025

 

 

قراءة رواية بحر ثائر كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية بحر ثائر

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة آية العربي


الفصل الثلاثون

3

تم النشر الثلاثاء

18/2/2025




ترجلا من سيارة الأجرة أمام الشركة الصينية  . 


وقفت دينا تنظر إليه وقالت بانزعاج  : 


- ماكنش ليه لزوم تيجي معايا يا داغر  ،  أنا هطلع اقدمها وارجع علطول  . 


حثها على التحرك وقال بثبات  : 


- لاء لازم  ،  إنتِ لسة تعبانة وأنا مش واثق في اللي اسمه لوتشو ده  . 


هي أيضًا مثله لذا أومأت وتحركت حتى دلفا الشركة وصعدا سويًا إلى الطابق المنشود  . 


وصلا وأردف داغر بتريث  : 


- ادخلي يالا وانا مستنيكي هنا  . 


أومأت له وتحركت نحو مكتب لوتشو بعدما التفتت الأنظار نحو داغر ولكنه ثابت لا يواليهم اهتمامَا  ،  خاصةً المدعوة فرح وزميلها شريف الذي ود لو باستطاعته التحدث مع داغر ولكنه لم يستطع  . 


سمح لها بالدخول فدلفت تطالعه بهدوء  ،  كان يجلس يباشر عمله لتتعجب حينما لم يعرها أي اهتمام بل تحدث بنبرة متعالية تسمعها منه لأول مرة  : 


- ماذا تريدين  ؟ 


حتى أنه لم ينظر إليها لذا تنفست بضيق واقتربت منه تمد يدها بالورقة لتشهق حينما غفلها وقبض على كفها ثم رفع نظره يطالعها ويبتسم قائلًا  : 


- هل تعتقدين أنه سيحميكي مني  ؟  دعيني أخبركِ دينا أنني يمكنني محو أي شيء يقف في طريقي  ،  شقيقك هذا أنتِ تعرضينه للخطر وستكونين مسؤولة بالكامل إن تأذى  ،  لذا لا تشاركيه أي شيءٍ عنا  ،  هل فهمتِ  ؟ 


شحبت تمامًا لتصبح صفحة وجهها بيضاء وحاولت نزع يدها من قبضته ولا تصدق أنه هددها  ،  لقد تحول لشيطان أمامها  . 


تبدلت ملامحه على الفور وعاد لوداعته الزائفة ونطق بقهقهة عالية  : 


- لا تقلقي كنت أمزح معكِ  ،  لمَ شحبتِ هكذا  ؟  هيا دعيني أوقع على استقالتك  . 


ترك يدها وتمسك بالورقة يدون عليها توقيعه ثم ناولها إياها مسترسلًا  : 


- هيا دينا اذهبي إلى الخزينة  ،  سيتم صرف مكافأة لكِ  . 


وقفت متجمدة تحدق به بخوفٍ ورهبة فعاد يناديها ويمد لها الورقة  ،  تحركت يدها تلتقطها منه وأرادت أن تركض وتبتعد ولكن خانتها قدميها ولم تتحرك سوى بخطوات بطيئة والتفتت لتغادر وقبل أن تفتح الباب ناداها فتوقفت لتشعر أنها أضعف مما ظنت  ، ظنت أنها قوية ومتمردة ومستقلة بذاتها ولكنها ليست كذلك  ، استطرد بنبرة خبيثة مبطنة بالتهديد  : 


- سأنتظر عودتك  ،  فكري جيدًا ستجدين أن شركتنا هي المناسبة لكِ  ،  لا يوجد غيرها دينا  . 


ازدردت ريقها وتحركت لتخرج من مكتبه أخيرًا وتوجهت نحو شقيقها الذي ينتظرها لذا ما إن لمحها ولمح شحوبها حتى توغله غضبٌ حاد فتساءل  : 


- ضايقك بالكلام  ؟  اروح له  ؟ 


تمسكت به بقوة وخوفٍ وإصرار تجيبه بمراوغة : 


- لاء يا داغر  ،  الحمد لله قبلها  ،  أنا بس اللي راسي وجعاني  ،  يالا نروح  . 


أسندها وتحركا يغادران الشركة تحت أنظار الجميع وأولهما أنظار لوتشو من مكتبه عبر شاشة العرض التي تظهر له حركتهما وهو يتوعد لها ولهذا الداغر وداخله يقين أنها لن تكون لغيره  . 



❈-❈-❈


وقفت أمام الباب الفاصل بينها وبينه ، منذ ساعات لم يكن بينهما فاصلٌ حتى ذرات الهواء لم يسمح لها بالعبور ، والآن تقف على أعتاب الألم تخشى الدخول لتسحبها أيادٍ خفية عنوةً من روحها وهي تستمع إلى نبرة أنثوية تتحدث معه . 


ثانية فقط مرت قبل أن يتم القبض على أنفاسها وهي تسمعها تخبره بمَ لم تحسبه أبدًا لذا اندفعت تفتح الباب ليتفاجآ بها . 


تجاهلتها تمامًا كأنها شفافة ووقفت أمامه بصمتٍ وعينيها تقف في محطة عينيه تنتظر لحظة الوصول لتهتدي ولكن نظرته كانت لرجلٍ آخر ، ليس نفسه الحبيب الذي أتى بسفينته وانتشلها من بحر الوحدة والاحتياج ، ليس هو نفسه الذي وعدها وعودًا لو تجسدت لأسكنتها في بروجٍ مشيدة بالسعادة من كل اتجاه . 


سألته سؤالًا مكونًا من كلمتين فقط وتعلم أنها ستجد الإجابة في عينيه وليس على لسانه لذا نطقت بثبات اعتادت عليه وسط الدمار : 


- اللي سمعته حقيقة ؟ 


دارت بينهما معركة لم يرفع فيها سلاحًا ولم تسقط فيها بقعة دمٍ واحدة ولكن سقطت كل الأثقال فوق روحها ، نظرة عينيه كانت سلاحًا فتاكًا أودى بها في جوف الأرض وأكمل عليها بقوله بلغةٍ فرنسية وهو يومئ بثباتٍ تعلمه جيدًا وتعلم أنه ما إن ينطق بشيءٍ لا يتراجع عنه أبدًا :


- حقيقة ، سنعقد قراننا غدًا أنا ومارتينا . 


وقفت متجمدة كأنها تنتظر لحظة تصفيق الجمهور على هذا العرض التمثيلي لتسترد أنفاسها ولكن لا هذا مسرحًا ولا هنا جمهورًا ، فقط هي وهو وتلك ال... دخيلة . 


لمح ابتلاعها للعابها ليتعمق بعدها في عينيها ولكنها وقفت شامخة شموخ مبنى قد تم هدم أعمدته الداخلية جميعها ولم يعد يمتلك سوى الهيكل ولكنه يأبى السقوط ، بنظرة بها لمعان أخفت خذلانها ببراعة وأظهرت ابتسامتها المعهودة بأسنانها ناصعة البياض والتي لم تكن سوى سهامًا حادة اخترقت قلبه وهي تردف : 


- مبروك ، طلقني .


حينما حدق بها لم تستطع مواصلة النظرات أكثر لذا التفتت تغادر وتبتعد بخيبة لا مثيل لها 


توقف متجمدًا لم تهتز به شعرة لتتجه مارتينا نحوه وتتساءل بمكر  : 


- ماذا قالت  ؟ 


لف وجهه يتمعن فيها وبدون أي تعابير يظهرها أردف  : 


- طلبت الانفصال  . 


رفعت حاجبها وهزت كتفيها تردف بغرور  : 


- فلتعطيها ما طلبت  . 


أومأ يجيبها بثبات وهو يضع كفيه في جيبي معطفه وينوي التحرك  : 


- سأفعل  . 


تحرك وتركها تقف تطالعه بشكٍ  ،  هل سيفعلها  ؟  ولكنه مجبر على ذلك فإن لم يفعلها ستكون حياة تلك المصرية على المحك  .


❈-❈-❈


يجلس في الشرفة شاردًا لتأتي من خلفه علياء تحمل الحليب وقطعَا من الكيك ووضعتهم أمامه متسائلة حينما لاحظت شروده  : 


- معاذ  ؟  ما بك يا حبيبي  ؟ 


ابتسم الصبي وأجابها بصدق  : 


- اشتقت لأبي يا جدتي  ،  اشتقت له كثيرًا  . 


ابتسمت له ومدت يديها تحتوي كفيه وتردف بحنان  : 


- وأنا كذلك اشتقت له كثيرًا  ،  ولكنني أشعر أنه سيأتي عما قريب  . 


نظر لها وتساءل بقلق  : 


- ألن أذهب إلى فرنسا مرةً أخرى  ؟ 


تنهدت بعمق فهي لا تعلم إجابة هذا السؤال  ، هي مثله بداخلها تساؤلات كثيرة ولم يجبها أحد  ، ولكنها تتمنى ألا يذهب مجددًا  ،  تلك البلد لم تجلب لها سوى التعب والتفكير المرهق لذا زفرت تجيبه بسؤال  : 


- هل تود العودة إلى هناك  ؟ 


شرد قليلًا يفكر  ،  طفولته هناك  ،  ذكرياته  ،  وسائل رفاهيته  ،  ولكنه يشبه والده في نظرته للأمور بطريقة عقلانية برغم صغر سنه لذا أجابها  : 


- ربما هناك مميزات كثيرة لا توجد هنا ولكنني شعرت هنا بالأمان  ،  كنت أمكث في منزل جدي لسنوات ودومًا كان ينتابني القلق  ،  الأمان الوحيد لي هناك كان عن طريق أبي لذا فأنا أريد رؤيته  . 


فتحت ذراعيها له فاتجه يعانقها فبادلته بقوة وفخر  ،  هذا هو حفيدها المميز  ،  هذا هو ابن ثائر بحق لذا أردفت وهي تحتويه  : 


- سيكون كل شيء على ما يرام يا صغيري  ،  لا تقلق  . 



❈-❈-❈


لا تعلم كيف وصلت إلى المنزل  ،  عادت تخطو بين الطرقات بعقلٍ فوضوي ومقلتين لا تريا سواه وهو يقف مجاورًا لتلك الأفعى  ، أذنان لا تسمعان صوت المارة والسيارات بل تسمعان كلماته ، ربما كان قرب المجلة من المنزل لطفًا بحالتها لذا وصلت ودلفت تتجه على الفور نحوه غرفتها دون حتى أن تغلق الباب  .


 كانت حركتها مفرطة بشكلٍ كبير لدرجة أنها ركضت تنتشل حقيبتها لتجمع أغراضها وترحل من هنا  ،  ترحل لأبعد مكان  ،  لمكان لا تعلمه ولكن لترحل  . 


كانت تنزع ملابسها وعقلها عاجز عن استيعاب تصريحه  ،  سيعقد قرانه غدا مع مارتينا  ؟  هل قالها حقًا وهو ينظر في عينيها  ؟  هل سيتزوج عليها  ؟  


آهٍ نازفة خرجت من جوفها مع بكاءٍ حاد ونشيج صدرها يتعالى وهي مستمرة في نزع ملابسها وإلقاءها في الحقيبة ولم تستطع سماعه وقد جاء هذه المرة من بابها واتجه إليها وحينما وجدها تجمع أغراضها زفر بقوة وأردف بنبرة متحفزة  : 


- بتعملي إيه يا ديما  ؟ 


توقفت عما تفعله والتفتت تطالعه بعيون ذابلة باكية وعقلٍ كاد أن يفقد تعقله ، نظرتها كانت عبارة عن أسئلة ترجمها عقله وفهمها جيدًا لذا ابتلع لعابه وأخفض نظراته يشعر بكمٍ هائل من الصراعات والضغوطات التي تكالبت عليه  ، ليت الأمر لم يصل إلى القلب  ، أخطأ حينما أتى بها هنا  ،  حسب حساب كل شيء إلا هذه النظرة  .


التفتت تكمل ما تفعله متجاهلة إياه  ، تجمع خيباتها واحدة تلو الأخرى والنيران في صدرها تزداد اشتعالًا والحمم تتلظى فتنثر بقاياها على قلبها  ، لا تستوعب ولا تصدق أنه سيكون مع غيرها كما هو معها  ، تريد أن تمحي تلك الفكرة من عقلها بأي شكلٍ كان  .


تنهد بقوة وقسوة واسترسل بنبرة تحمل الترجي  : 


- ديما لو سمحتِ اهدي  ،  أنا مضطر أعمل كدة  ،  صدقيني غصب عني بس فيه حاجات أجبرتني على كدة  . 


ألقت ما في يدها من أغراض بعنف ورفعت كفيها تصم أذنيها عن سماعه وتعتصر عينيها عن رؤيته ولم تتفوه بحرف  ،  لن تتساءل عما يعلمه جيدًا  ،  إنه يعلم كل شيء حتى هذه النيران السعرة داخلها يمكنه رؤيتها بوضوح لذا لن تتساءل  . 


وأدرك أنها لا تريد سماع هذا  ،  لا تريد سوى سببًا يجعلها تصدق أن حبيبها لم يكن خائنًا كغيره  ،  تصدق أن ثائرها لن يخذلها وأن كلماته ووعوده ليست هباءً  . 


حاولت سحب أكبر قدر من الأوكسجين وعادت تلملم حسرتها وتغلق حقيبة القهر والذهول ثم سحبتها بيدٍ متصلبة ترتعش الدماء داخلها وتحركت من أمامه تنوي المغادرة  . 


اتجهت نحو الخارج وسارت كي توقف أي سيارة أجرى تستقلها لتذهب إلى المطار  ،  يجب أن تعود لديارها قبل أن تفارق الحياة حسرةً في بلد بارد  . 


تحرك خلفها يحدق بها ويتمعنها جيدًا بعينه ثم اتجه يقف قبالتها ليمنعها من إكمال سيرها مستطردًا  وهو يتمسك بمعصميها : 


- طيب اركبي وأنا هوصلك  . 


نزعت نفسها منه لا تريد لمسته الآن ووقفت أمامه تحدق به للمرة الثانية  ،  تتمعن في مقلتيه لثوانٍ أطول  ،  عينيه وملامحه وتفاصيله كاملة وكلماته وأفكاره ورائحته ورزانته وهدوءه وعقله ستشاركها فيهم أخرى  ؟ 


أسرعت تعتصر عينيها بقوة لتشعر بشيء هاجمها قبل ذلك ورحل قبل أن ينال منها ولكنه عاد الآن ليفترس كل إنشٍ بها  ،  ارتعشت تقاسيم وجهها لتسرع في قول ما تريده قبل أن تفقد النطق  : 


- رجعني بلدي حالًا  . 


التهمت النيران صدره وتقلب قلبه وهو يرى ما يحدث معها لذا أجبر نفسه على سحبها نحو السيارة وأجلسها بها فباتت تتحرك معه طواعية نسبةً للتنميل الذي أصاب أطرافها  . 


وضع الحقيبة في الخلف واتجه للجهة الأخرى يستقلها على الفور وقاد بأسرع ما يمكنه  . 


جلست تنظر أمامها تحاول نزع صمودها من براثن الحالة الموحشة هذه  ،  لن تجعل هذا التنميل يأخذها إلى مكان تكرهه لذا أغمضت عينيها وحاولت نزعه من عقلها واستبدلته بصغيريها  ،  ينتظرانها  ،  يحتاجانها  ،  يحبانها بإخلاص ، لن يخذلاها قط . 


استرسلت بصوت هامس تقنع نفسها بذلك  : 


- كداب  . 


قالتها ليحتل عقلها بصورته عنوةً  ،  كلماته  ،  لمساته  ،  وعوده لذا هزت رأسها بشكلٍ هستيري تود لو تنفضه هامسة بشكلٍ متتالٍ  : 


- كداب  ،  كداب  . 


يراها تنهار أمامه  ،  يراها تفقد تعقلها ويعلم جيدًا ما مرت به  ،  يعلم ما أصابها سابقًا وكيف فقدت النطق  ،  يعلم أنها لا تفصح عما بها لذا نظر حوله ليجد أنه يقود في طريقٍ معزول لذا توقف بسيارته وترجل يلتفت ويفتح بابها ثم حاول سحبها فباغتته بنظرة حادة ليردف مترجيًا  : 


- انزلي يا ديما  . 


نظرة الرجاء في عينيه تجبرها على طاعته ولكن عقلها يأبى ذلك لذا هزت رأسها رفضًا فزفر بقوة وقرر سحبها بقوة غير مؤذية  ، ليته يسحبها مما يحتل عقلها الآن لذا تحركت مجبرة خلفه فابتعد عن سيارته ووقف بعيدًا ينظر حوله لثوانٍ ويترقب المكان جيدًا وهي تطالعه بتعجب مما يفعله وعم الصمت المكان  . 


لا صوت سيارة ولا أي بشري هنا  ،  الأضواء خافتة والمكان خالٍ إلا منهما فقط لذا سحبها فجأة يرطمها بصدره ويعانقها ويقيدها بوثاقه القوي  ،  تجمدت ولم تمنعه ليقترب من أذنيها ويهمس بعينين مغمضتين وأثقال لا يتحملها بشرًا عاديًا قال  : 


- أنا عميل مخابرات  . 


زفر بقوة ووضع رأسه على كتفها مستمرًا في عناقه ولا يصدق أنه أفصح عن سره لها ولكن عذره الوحيد هو حالتها  ،  إلا هي لا يمكنه تحمل فقدانها ، لا يمكن أن يتسبب في إصابتها بأذى  . 


اخترقت جملته مسامعها لتظل كما هي تقلبها في عقلها  ،  ماذا قال  ؟  أي عميل  ؟  هل هذه أيضًا كذبة  ؟  


تساؤلات وتساؤلات جعلتها تزيحه وتخرج نفسها منه فابتعد يحدق بها فتعلقت في مقلتيه تسأله بخفوت  : 


- يعني إيه  ؟ 


بأسفٍ بالغ  هز رأسه وتابع  : 


- مش هينفع أقول أي حاجة دلوقتي يا ديما  ،  كل اللي لازم تعرفيه هو أن رجوعي لمارتينا جزء من مهمة لبلدي  ....  مصر  . 


ما زال عقلها عاجزًا عن الاستيعاب وعينيها بها ملايين الأسئلة والذهول يتلاعب بهما ليعاود احتضانها بحرارة عالية وازدرد ريقه يتابع  : 


- هانت خلاص وهرجع مصر واحكيلك على كل حاجة بس اصبري عليا وثقي فيا ، دلوقتي لازم تفهمي إن ديما هي الوحيدة اللي في قلب ثائر وبس  . 


قالها بتأكيد على أحرفه وعاد يبتعد فوجدها مازالت تحدق به بذهول لذا أومأ يسحبها ويعود للسيارة قائلًا  : 


- إنتِ فعلًا هترجعي مصر النهاردة بس لازم قبلها أودعك . 


تحركت معه وركبا السيارة وقاد ولكنها وجدته يلتفت عائدًا فطالعته بتعجب وتساءلت بنبرة ملغمة بعدم الاستيعاب  : 


- أنا مش فاهمة أي حاجة  ؟ 


أجابها بنبرة غامضة لا تعبر عما كان عليه منذ لحظات  : 


- هعملك اللي إنتِ عايزاه 


قاد بعدها لدقائق كرر كلاهما الصمت فيها حتى توقفت السيارة أمام بيته فترجل واتجه يحضرها فنزلت معه ولم تعد تشعر بثقل أو تنميل بل ذهول مما يحدث  . 


أما هو فيريد في هذه اللحظة السلام  ،  يريد أن تؤكد له حبها ووجودها معه مهما كان لذا  ... 


دلفا منزلهما وتحرك بها إلى غرفتهما وأوقفها يعاود عناقها ويهمس بنبرة متيمة  : 


- إزاي تصدقي حاجة زي دي يا ديما  ؟ حتى لو على لساني  ؟ 


أغمضت عينيها على أثر همسه تتمنى أن ما تعشيه الآن حقيقة وألا يكون نسيجًا من خيالها كردٍ على خبر زواجه  .


سحبها نحو الفراش وأجلسها فتركته يفعل ما يرغب به لذا امتدت يداه تجردها من حجابها وثيابها ومددها لتنام وحاوطها بنفسه ثم تعمق في ملامحها بعينين ثاقبتين وهمس بالفرنسية ورغبة ملحة تتراقص في عينيه   :


-  سأعاقبك لأنك كذّبتي قلبك وصدقتي لساني  ، كيف لكِ أن تصدقي أنه يمكنني أن أعاشر غيرك  ؟  وحده قلبك يثق بي لذا سأقبله  . 


انحنى يقبل موضع قلبها برقة متناهية كأنه يكافئه على تصديقه  ،  نعم بالفعل هو يصدقه لذا انسحبت أنفاسها وأغمضت عينيها تهمس باسمه وهذا ما أراده  ، حبها سيكون هو القوة التي سيتسلح بها في مهمته  ، عاد يحدق بها ويتابع بنبرة معذبة  : 


- عيناكِ صدقتني  ؟  سأسامحها  . 


وانحنى يقبل عينيها قبلًا ناعمة متفرقة وموزعة بالتساوي وابتعد قليلًا يهمس بخبث  : 


- وأذناكِ صدقتني  ؟  سأعاقبها 


وانحنى يقضم أذنيها بخفة متعمدة فباتت في عالمٍ غير العالم وفي موطن عشقه الآمن وعادت تهمس باسمه فيزداد شغفه أكثر وقلبه ينتفض بسعادة وراحة  ، لقد أحبها للدرجة التي جعلته يبوح بسرٍ ثقيل لا يجوز له إفصاحه لذا ابتعد ينظر إلى شفتيها بعمق وتنفس نفسًا كان معلقًا بين صدره ومشاعره واستطرد وهو يتوعد لشفتيها :


- وهاتان طلبتا الطلاق مني  ؟ سيكون عقابهما جسيمًا  . 


وكان كذلك في قبلة مسلحة بالعشق هجم بها عليها وهي لا تمتلك درعًا لذا كانت سطوة عشقه عليها عظيمة  .


وهذا هو عشقه  ،  ثائرًا كاسمه  ،  قويًا كشخصيته  ،  غامضًا كصفاته  ، تظن أنه يأتي على حين غرة ولكن في الحقيقة قد تم التخطيط له بعناية  ،  اختارها من بين النساء اللاتي قابلهن على مدار سنوات  ،  حقيقة عمله جعلته يفطن أنها المناسبة لحمل اسمه وحقيقته  ،  كلمة  ( خائن  )  لم تكن عابرة على الإطلاق بل أكدت له أنها أكثرهن إخلاصًا لوطنها  ...  مثله .

يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة آية العربي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة