-->

رواية جديدة بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) لعفاف شريف - الفصل 23 - 3 - الثلاثاء 11/2/2025

 

قراءة رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض)

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة عفاف شريف


الفصل الثالث والعشرون

3

تم النشر الثلاثاء

11/2/2025


كان العمل في المنزل على قدم وساق.

فقبل خروج مدحت، قرر أن يخبرهم أنه سيتم الذبح اليوم فجأة ، بدون مقدمات، رغم عدم وجود أي تحضيرات مسبقة.

إلا أن القرار كان في محله من وجهة نظره، سعيدًا بخروج تميم من المشفى.


تولَّى أنس وحسام الذبح والتوزيع، بينما كانت الفتيات في المنزل، تحديدًا بالمطبخ، ومعهن ست مساعدات لإعداد كل ما لذ وطاب لتوزيع اللحم، وأيضًا وجبات الإطعام. فكان الكل يتعاون دون تفرقه.


أما في الخارج، فكان أمير مُجبرًا على مراقبة تزيين وتحضير المنزل بعد أن رفض بقوة أن يذهب للذبح والتوزيع ، فتركوه ومعه عدة مساعدين. وفي داخل غرفة تميم، كان هناك من يتولى تنظيفها، بينما كانت اثنتان من المساعدات مع الصغار في الغرفة الكبيرة.


كان المنزل في حالة زحام شديدة؛ هذا ينظف، وهذا يعطر، وهذا يأتي باللحم من الأضحية. وكان الجميع يركض حرفيًا للانتهاء قبل وصول تميم، فاليوم كان يوم عيد بالنسبة لهم.


❈-❈-❈

في المطبخ


أجلست حور ملكَ بحزم على المقعد بجانب يارا، التي تعدّ السلطة منذ ساعة وربع.


ناظرتها آلاء تكتم ضحكاتها، لترفع يارا رأسها قائلة بحزم: شايفاكم على فكرة! عيب والله اللي بيحصل ده. السلطة دي فنّ وتناغم ألوان، لازم دقة، ودي طالعة لله يعني، لازم تكون أحسن حاجة!


هزّت ملك رأسها ضاحكة وهي تمسك الخضروات منها لتقطّعها، قائلة بسخرية: هاتي، هاتي... بلا فنّ بلا بطيخ! فن إيه؟ شوية وهتلاقي الرجالة داخلة، لو ملقتوش الأكل هيأكلوا دراعك! عايزين ننجز، خلاص مفيش وقت!


أومأت لها حور مؤيدة، لتتحرك يارا بملل.


وقبل أن تفعل شيئًا، أتى صوت حسام يعلن عن دخوله، وانتظر عدة لحظات قبل أن يدلف، ينظر حوله، يكاد يصرخ جوعًا، إلا أنه تساءل بغيظ وهو يمسك آلاء، التي كانت الأقرب له، يهزّها برفق قائلًا:  انتو لسه مخلصتوش؟! نهاركم أبيض! كل ده بتعملوا إيه؟


نظرت له آلاء بامتعاض قائلة بقرف:  بنلعب! تحب تلعب معانا؟ خيبة عليك!


وأكملت هامسة:  إيدك! عيب، مراتك واقفة، هننشر غسيلنا هنا ولا إيه؟


قلب شفتيه وتركها حتى كادت أن تسقط أرضًا، فناظرته متوعّدة، إلا أنه أكمل متهكمًا: يلا يا حلوة، منك ليها! أبوكي قال قدامه بالكثير ساعتين ونص، تلاتة بالكثير، عايزين نلحق نوزّع الأكل للناس ونرجع.


تحرّكت حور تفتح الإناء الضخم الخاص باللحم المسلوق، وهي تقلّبه، تخرج قطعة، تضعها في لقمة خبز، تنثر عليها رشة ملح قبل أن تعطيها له.


أهداها ابتسامة رقيقة وهو يقضم 

قائلًا بجوع: الله!


وتابع بفم ممتلئ: تمام، مستوية! يلا... العلب وصلتلكم؟


أومأت آلاء وهي تشير إلى العلب البلاستيكية، قبل أن تقول: إحنا هنحط الرز وفوقه اللحمة، وأكياس الفاكهة والعصير الحمد لله البنات عبّوهم، يعني بالكثير قدامنا نص ساعة، والأكل يكون في العربية.


تنحنح أنس من الخارج يعلن عن دخوله، لتقترب منه ملك تربّت على صدره بحنان، متسائلة بهدوء:أحطّلك إنت كمان لحمة في عيش؟

هزّ رأسه نافيًا

لتابع متسائلة: خلصتو توزيع

اؤمي لها موكدا وتابع متسائلًا: كده كله جاهز؟


أومأ له الجميع، ليتابع: كده الوجبة عبارة عن إيه؟


تحدّثت ملك بهدوء قائلة: علبة الفتة، والفاكهة، والعصير، وظرف الفلوس. كل علبة هتكون مغلّفة عشان ميبقاش فيه مشاكل وقت التوزيع. هو إحنا هنيجي معاكم؟


رد حسام برفض شديد: لا، مرة تانية إن شاء الله. دلوقتي هيكون فيه تزاحم.


وأكمل بهدوء هامسًا لآلاء: الناس هنا متمشيش غير لما تاكل فوق العلب بتاعتها والفلوس، لازم يمشوا راضيين تمام. أوعي تنسوهم!


ابتسمت له تربّت على صدره مؤيدة، ليهديها ابتسامة حنونة قائلًا بهدوء:  يلا، خلّينا نبدأ! لو كله استوى، خلّينا نعبّي بره عشان الكل يساعد.


وبعد عشر دقائق، كان قد تم إخراج كل الأواني والأطباق وكل شيء، ليقف حسام ناظرًا إلى الجميع، قائلًا بلطف:الكل يغسل إيديه يا بنات، ويلبس الجلَفز! الطبق لازم يكون مليان ونضيف، الحاجات دي طالعة لأحسن ناس، فيلا بسم الله نبدأ!


وبالفعل، كانوا يعملون كفرق


فرقة تضع الارز،


وأخرى تضع اللحم،


وأخرى تغلق،


وأخرى تغلف،


وأخيرًا فريق المال وتغليف الحقائب.



كان الكل متعاونًا سعيدًا رغم التعب، وبداخل كلٍّ منهم أمل في الغد، فالخير يلتفّ ويعود مهما طال.


حين تُطعم، تُضيءُ روحك.


ليس الخبز وحده ما يُشبع الجائع، بل الرحمة التي تمتدّ به إلى يديه، والدفء الذي يسكبه في صدره، والكرامة التي تحفظ له إنسانيته.


إنك حين تضع لقمةً في فم محتاج، فإنك لا تمنحه طعامًا فقط، بل تهبه أملًا في الحياة، ورسالة غير منطوقة بأن الخير لم يمت بعد، وأن العطاء لغة لا تحتاج إلى ترجمة.


ليست الموائد الفاخرة هي الأكرم، بل اليد التي تُقدِّم ولو كسرة خبز بحبٍّ خالص. فربّ لقمة صغيرة أطفأت جوعًا، وربّ عطاء بسيط أحيا قلبًا، وربّ رحمة زرعت النور في درب أحدهم، فكان لها في الدنيا أثر، وفي الآخرة وزنٌ عظيم.

❈-❈-❈

لم يعلم كم ظل واقفًا أمام البناية، لكن يكاد يجزم بأنه أطال.

أطال للغاية.


هل يريد أن يصعد؟

لا.

تلك المواجهة... واه من صعوبتها.


هل ستخيب ظنه؟

لكن  بأعماقه يعلم نهايتها؟

لكنّه مؤمن أنّه:

"قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا."


نصيبه سيحصل عليه، مهما حدث.

ما سيحدث الآن هو قدره، وسيتقبّله بنفس راضية.


لذا، أخذ نفسًا عميقًا، عميقًا للغاية، من أعمق مكان في صدره، قبل أن يتحرك صاعدًا للأعلى.


دقّ الجرس، ولم يمرّ الكثير حتى فُتح الباب، لتقابله أمها بملامح متوترة قبل أن تسمح له بالدخول، دون ترحيب.

فقط سمحت له بالدخول .


كان يجلس بصمت، تصله أصوات غير واضحة، كهمهمات غاضبة، تبعها خروج داليا، تناظره بعيون مغتاظة، غاضبة للغاية، قبل أن تجلس أمامه متسائلة باستفزاز: اتفضل!

 قلت جي، وأديك جيت! ممكن تقولي إيه اللي مخليك متأخر أوي كده في دفع الفلوس؟ كل حاجة وقفت فجأة! بتاع العفش لما كلمته قالي الدفعة موصلتش، وباقي الحاجة الناقصة كلها، بعد ما اخترتها وأكدت عليك الأنواع اللي عايزاها! أنا مش فاهمة ليه كل التأخير ده! انت مش هتبطل البخل ده أبدًا؟ ما الفلوس موجودة، روح ادف..."


إلا أنه قاطعها بجمود، قائلًا بخفوت وتأكيد:

بس الفلوس مش موجودة.


ارتدت للخلف تحاول التأكد مما استمعت له، لترد بصدمة: إيه؟ يعني إيه؟ الفلوس كانت معاك، وأنا بنفسي كنت معاك في البنك وانت بتحطها! إزاي يعني؟ راحت فين؟


زفر بقوة، يحاول الاستعداد للقادم، قبل أن يخرجها دفعة واحدة، قائلًا بصوت أجش خافت: الفلوس دفعتها لتميم في المستشفى.


ظلت تناظره لعده ثواني بعيون متسعة قبل أن تنتفض صارخة بجنون :انت أكيد اتجننت! يعني إيه دفعتها؟ دفعتها ليه أصلًا؟ ليه؟ هو تميم ده فقير؟ ولا محتاج؟ ده أهله على قلبهم قبل كده ويشترونا بفلوسهم!


ثم تابعت بغضب: بص يا أحمد، انت هتروح تطلب منه الفلوس، لأما قَسَمًا بالله... والله العظيم...


لكنه أوقفها قائلًا بحزم: مش هطلبها منه. تميم ليه عندي أضعاف المبلغ ده، وانتي عارفة كويس. مش هطلب الفلوس منه، ولو إيه هيحصل.


بهتت ملامحها، وهي تسأله بجمود: يعني إيه؟


وتابعت بصوت أعلى، بجنون: ومين قالك إني هقبل؟ انت أكيد اتجننت لو فاكر إني هقبل! مش كفاية إني قبلت أتخطبلك، وانت ماسك في القرش ومتبت فيه، وكل كلامك مش معايا، ومش عايز، ومش هعمل! 

أنا قبلت بيك، في حين مفيش حد هيقبل باللي أنا قبلت بيه! عايزني كمان أقبل أقل من كل اللي ده؟ مستحيل! اللي بتفكر فيه ده مستحيل! تبقى بتحلم لو فاكر إني هوافق! ونجوم السماء أقربلك مني يا أحمد!


ابتسم لها ابتسامة ساخرة مريرة وهو يقف أمامها، يناظرها بعين جامدة صامتة، لكنها تحمل الكثير...

الكثير من الألم.

الكثير من الخذلان.

الكثير من الالم واليأس.

الكثير حقًا...


قبل أن يرفع يده، يخرج خاتم الخطبة تحت نظراتها المذهولة ، قيل أن يقول بجمود وابتسامة باهتة متالمة : خلاص يا داليا... احنا خلاص.


قالها وهو يضع الخاتم بين يديها، ويغادر المنزل.

يغادره للأبد.


يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة عفاف شريف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة