رواية جديدة فراشة في سكٌ العقرب لناهد خالد الفصل 11 - السبت 1/2/2025
قراءة رواية فراشة في سكٌ العقرب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية فراشة في سكٌ العقرب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة ناهد خالد
الفصل الحادي عشر
تم النشر يوم السبت
1/2/2025
" ثقتك بنفسك حتى وإن كانت معدومة لا تظهر هذا لأحد أيًا من كان, وإن كنت في باطن الأمر لا تثق في نفسك قيراطًا ففي ظاهره ثق فيها أربعة وعشرين! فخصمك إن شعر بتذبذبك ستكن فرصته ليضرب ضربته الأخيرة ويكسب الجولة"
كلماتها الواضحة كوضوح الشمس أصابتها في أماكن انعدام ثقتها في نفسها, هي تعلم ما ترمي إليهِ بكلماتها, تعلم يقينًا أنها ليست جميلة, لا تمتلك أيًا من الملامح التي تجذبك أو تُصنف على أساسها أنها جميلة! ملامحها عادية وسمارها يعززها لتكون أقل من العادية!
ولكن تعلمت عبر سنوات اختلاطها بكل البشر باختلاف أشكالهم وطبيعتهم أن تواجه مثل هذه المواقف, ألا تسمح لأحد أن ينتصر عليها حتى لو بنظرة, ان تكن قوية في مواجهة من يقلل من شأنها وندًا لنِد معه, وهذا ما ستفعله الآن كما فعلت مرات عِدة سابقة..
ابتسامة طفيفة ساخرة زينت ثغرها وهي تلتقط قطعة لحم وتقطع بأسنانها قطعة منه بينما تنظر لمن أمامها بتحدي سافر واستمتاع بما تتذوقه أثار ضيق الأخرى, انتهت من مضغها ببطء, ومن ثم استندت بكوعيها على الطاولة وهي تضع كفيها أسفل ذقنها وتسألها بإهانة مقصودة:
- اعتقد ده مش لون عينك, باين على فكرة, اسأليني أنا افهم في الحاجات دي اوي, يعني اقدر اقولك بكل ثقة إن شعرك مصبوغ, وشفايفك منفوخة, وكمان بعض منحنيات جسمك مش طبيعية..
قالت جملتها الأخيرة وهي تمرر نظرها على منطقة صدرها بتفحص زائف, واكملت تحت اشتعال التي أمامها بنيران الغضب:
- فيعني على الأقل انا على طبيعتي مش كل حاجه فيا مُصنعة!
- أنتِ قليلة الأدب.
أردفت بها "شدوى" وهي تنتفض واقفة تبرق بعينيها ل"فيروز" التي القت بالمحرمة الورقية التي تقبع فوق فخذيها بحدة ووقفت تقابلها وقالت بتحذير:
- بلاش غلط, متضطرنيش اغلط, وانا غلطي هيزعلك.
- أنتِ في بيتي لو نسيتِ! يعني تتكلمي باحترامك ياما تطلعي بره البيت ده فورًا.
كظمت غضبها المشتعل بداخلها وتحكمت في أعصابها لتقول ببرود قاصدة اشعال غضب التي أمامها أكثر:
- مش انتِ اللي تقوليلي اطلع ولا لأ, صاحب البيت بس هو اللي يقولي اطلع ولا لأ.
- وصاحب البيت مش هيطلعك منه.
انتفضا الاثنتان على جملة "شاهين" التي صدحت فجأة فصدمتهما بوجوده, ليشحب لون "شدوى" بعدما استمعت لجملته وهي تخشى القادم, فبالطبع لن يمرر لها تطاولها دون حساب لوجوده, أما "فيروز" فنظرت له بصمت وهي تنتظر باقي حديثه فإن شعرت بتطاوله هو الآخر عليها, فلديها ما يكفي لتخرسه.
وقف أمام رأس الطاولة ومرر نظره بين الاثنتين قبل أن يقول موجهًا حديثه ل "شدوى":
- من امتى بنطرد ضيوفنا؟
أسرعت بالتبرير:
- هي قلت أدبها عليَّ وقالت..
قاطعها بحدة رافعًا كفه في وجهها يوقفها عن الحديث:
- سمعت, سمعت اللي قالتله واللي قولتيه..
ضغط على حروف كلمته الأخيرة ليشعرها بفداحة قولها, فتوترت وهي تشيح بنظرها عنه وتقول:
- لو سمحت يا شاهين لو هي ضيفتك أو أيًا كان سبب وجودها هنا فياريت تشوفلها مكان تاني, انا مش هعرف اتعامل معاها بشخصيتها دي, دي شوية وحستها هتشتمني!
- اه والنبي يا شاهين شوفلي مكان تاني لاحسن انا لو فضلت هشتمها صحيح.
رددتها "فيروز" بجدية مُضحكة وهي تنظر ل "شدوى" بسخرية واضحة تخبرها بأنها لا تتمسك بالبقاء في الجنة!
وصمت "شاهين" كان مخيف لمن تعلمه, فشدوى تعرف جيدًا أنه ما إن يصمت يقطع صمته بكارثة, وصمته بعد حديث "فيروز" مُقلق, على عكس "فيروز" التي شعرت بأنه يفكر في حديثها وسينقلها لمكان آخر بالفعل فاطمأنت لكنها نست أن العقرب لا يؤتمن!
وكما توقعت "شدوى" قطع صمته وهو يقول بما سقط على مسامعها كسقوط قطع ثلجية على شخص وقف في العراء في شهر ديسمبر البارد:
- شدوى لازم تتقبلي فيروز, لأني مش هنقلها من هنا, لسببين أولاً ده بيتي وانا حر استضيف فيه اللي احبه, ثانيًا هيكون بيتها بعد كام شهر... فيروز خطيبتي.
توقف نفس "فيروز" في نفس اللحظة, وشعرت بسخونة حارقة تضرب وجهها, ربما هذا من ارتفاع ضغط دمها فور سماعها للجملة! ماذا يقول هذا الأحمق؟ عن أي خطيبة يتحدث؟ بالطبع ليست هي.. بالتأكيد لا, لقد أخفقت السمع...
- بتقول ايه؟
ونظرته التحذيرية أن تتفوه بحرف آخر جعلتها تبتلع باقي كلماتها مُرغمة, فنظرته مُرعبة خصوصًا وعيناه السوداء تشبه عيون الصقر الجارح, فصمتت الآن فقط.. وحتمًا لها حديث آخر معه..
- أنتَ بتقول ايه؟
والسؤال هذه المرة خرج من "شدوى" التي مازالت تحت وطأة الصدمة, تصنع التعريف وهو يقول محركًا كفه بينهما:
- شدوى دي فيروز خطيبتي, فيروز دي شدوى مراتي, خلاص كده!
سأل بالأخيرة ساخرًا, لتهز "شدوى" رأسها نافية التصديق:
- يعني ايه؟ خطيبتك ازاي؟ دي كانت تحت! بتعذب خطيبتك؟
- غلطت, وانتِ عارفة محدش بيستثنى من عقاب شاهين المنشاوي, ولو رميتِ ودنك زي ما بتعملي في العادة هتعرفي إني مخلتش حد يلمسها من الرجالة.
وجملته فيها إشارة واضحة لعلمه بأنها تتجسس على كل ما يحدث في المنزل, لكن في حالتها هذه أستنتبه لما قاله من الأساس؟ عادت تحرك رأسها مرات عِدة ومن ثم قالت:
- لا, انتَ بتقول كده عشان تضايقني استحالة تكون دي خطيبتك! يعني يوم ما هتخطب حتى هتستنضف, لكن...
- شدوى!
صرخ بها صرخة أفزعتها لتنتفض في وقفتها وتنكمش على ذاتها بخوف حقيقي, ضرب بقبضته على الطاولة لتهتز أطباق الطعام من فوقها, يكره ما تلمح له, حتى ولو لا يهمه أمر الأخيرة "فيروز" لكنه لا يسمح بأن تهينها بكلماتها الجارحة مرة أخرى وفي وجوده:
- الزمي حدودك, وياريت تعرفي انتِ بتقولي ايه, ثم إنه شيء ميخصكيش اختار مين ومخترش مين, وشكرًا على مباركتك!
وجملته الأخيرة ساخرة, يلمح لها بما انتظره منها, لكن أأنتظر مباركتها حقًا؟ كيف وهو يعلم يقينًا أنها تحبه وتُمني نفسها باليوم الذي ستقترب منه بالشكل الذي تريده؟!
التمعت دموعها في عينيها لكنها منعتها من النزول أمام غريمتها, ولكنها لم تمنع نفسها من أن تقول بقهر:
- فيها ايه احسن مني؟ فيها ميزة واحدة عني؟ ليه يا شاهين...؟
ولم تكمل استفسارها الأخير فقط اكتفت بقوله وهي تدرك أنه يعلم التكملة, نظر لعينيها يتعمق فيهما وهو يقول جملته ضاغطًا على كل حرف بها ليوصل رسالته لها:
- احنا انتهينا من زمان يا شدوى..
وفضول "فيروز" كاد يخنقها وهي تريد أن تعرف عن طبيعة العلاقة بينهما, فيبدو أنها مذبذبة لأبعد حد, لكنها لا تفهم تحديدًا تفاصيلها.
ونظرة "شدوى" الأخيرة له كانت تحمل وجعًا وانكسارًا وحزنًا التقطته "فيروز" فشعرت بالشفقة عليها, فإن كانت محلها لن تتحمل أبدًا أن يقف زوجها أمامها ويعرفها بفتاة أخرى بأنها خطيبته مهما كانت الخلافات بينهما, وفرغت القاعة إلا منهما, يقفان وجهًا لوجه الآن, وقد عاد غضب "فيروز" وضيقها للظهور وهي تنظر له بغيظ تتمنى لو تستطيع الوصول لرقبته فتخنقها بين كفيها.
- ممكن افهم ايه الجنان اللي حصل ده؟ انتَ بتغرقني اكتر!
تحرك خارجًا من الغرفة دون أن يجيبها بكلمة واحدة, فجحظت عيناها من وقاحته وبروده مقررة انها لن تتركه حتى تحصل على إجابات لجميع أسئلتها, فاتبعته ودلفت خلفه غرفة مكتبه وهي تقول بعصبية وصوت عالي:
- انا بكلمك رُد عليا..!
توقف فجأة ملتفًا لها بحدة فكادت تصطدم بهِ لكنها لحقت نفسها في اللحظة الأخيرة وهي ترتد للخلف مسافة مناسبة وقد ابتلعت باقي حديثها أثر نظرته القاتلة لها, أشار بأصبعه آمرًا:
- وطي صوتك بدل ما اقطعلك لسانك, واقفلي الباب ده وتعالي.
التف رأسها تلقائي تنظر لباب مكتبه المفتوح, لتبتلع ريقها متوجسة من فكرة غلق الباب عليهما, والبقاء في مواجهته دون حماية, وكأن الباب المفتوح يمثل حمايتها!
- اخلصي.
هدر بها لتتحرك فورًا تغلق الباب وتعاود النظر له وهي ملتصقة بالباب المغلق كأنها تخبره انها فعلت, التمعت عيناه بتسلي وهو يدرك الآن أنها ستكون لعبة مسلية لأيامه المقبلة!
- كنتِ بتقولي ايه بقى؟
عادت عيناها تشتعل تحت نظراته المتفحصة لها وقالت:
- ايه اللي قولته بره ده؟ خطبيتك ازاي يعني وازاي تورطني معاك كده؟
جلس فوق كرسي مقابل لمكتبه وأشار لها لتجلس مقابله, فتحركت على مضض تفعل, وما إن جلست حتى قال:
- اعتبريها مصلحة ليا.. اصل لما فكرت ملقتش ان كونك تنضمي لحلفي وتبلغيني خطوات مازن كفاية عشان اسامحك إنك كنتِ ناوية تلعبي معايا, ومش ديل كافي عشان اخرجك من لعبتي انا وهو بسلام.
رفعت طرف شفتها العليا ساخرة:
- وايه مصلحتك في إنك تقول عليا خطيبتك؟ مش شايفة إني بنت وزير ولا سفير عشان ده يمشيلك مصالحك!
- مش مهم تعرفي السبب.
- ازاي بقى؟ هو انا مش طرف في اللعبة دي؟
نظر لها بجمود ونطق بكلماته التي وترتها وزعزعت ثباتها أمامه:
- مانا معرفش السبب اللي يخليكِ تقبلي بعرض مازن ورغم ده مألحتش عليكِ عشان اعرف.
ابتلعت ريقها بتوتر بالغ ظهر له فلمعت السخرية بعينيهِ:
- انا قولتلك, عشان شقة مامتي ومشاكلي مع اهلي.
- هو أنا عيل قدامك؟
- يعني ايه؟
تنهد قائلاً:
- كلامك ميصدقوش إلا عيل صغير, معرفتيش تلاقي سبب مقنع شوية! شقة ايه اللي هتخليكِ تدخلي وكر العقرب برجلك وتضحي بنفسك؟ انا متأكد إن مازن حكالك عني وعرفك بخطورتي, فكونك توافقي أكيد سببك قوي, مش التافه اللي قولتيهولي, لكن الحقيقة ميهمنيش اسبابك.. عشان كده مضغطش عليكِ عشان اعرف.. رغم إني لو حبيت اعرف, هعرف..
يجب عليها التغاضي كي لا تُقلب الطاولة فوق رأسها, هكذا رددت لنفسها قبل أن تقول بتغاضي عن السبب الذي تسأله عنه:
- وانا المفروض اعمل ايه لما أنتَ قولتلها إني خطيبتك؟
مريحة في التعامل وتفهم الأمور بأقل جهد وهذا ما يفضله دومًا في الإنسان الذي يتعامل معه, ما بالك بالانثى ذات العقل الناقص, هكذا يراها دومًا ومؤمنًا بالمقولة التي تؤيد رؤيته, لكنها تبدو مختلفة!
- تتعاملي على إنك خطبيتي, يعني انا شايف إنك متوصتيش لما غلطت فيكِ.
عقبت بأنفه:
- انا مقبلش إن حد يغلط فيا, واللي يقولي كلمة بقوله عشرة.
نهض يلتقط إحدى لفافته البُنية الفاخرة, وأشعلها وهو يستند على طرف مكتبه:
- برافو.. بيعجبني الناس اللي شخصيتها قوية, وانا مش طالب مِنك أكتر من كده.
نظرت له بحيرة كبيرة وقالت:
- انا مش فهماك.
نفخ الدخان من أنفه وقال:
- مش مهم.. اتصرفي على طبيعتك.
لمعت عيناها مكرًا, وقد أتتها الفرصة على طبق من ذهب... حسنًا ستقبل لعبته, ولكن طريقة اللعب ستكون على طريقتها الخاصة..!
❈-❈-❈
في الأعلى...
كلماته كانت كالجمر المشتعل الذي أضرم نيرانًا لا تهدأ بداخلها, منذُ صعدت وهي لا تستطيع التوقف عن الحركة في أرجاء غرفتها, ودموعها تصاحبها, يجب عليها أن تتصرف, يجب عليها ألا تترك ذمام اللعبة تتسرب من بين كفيها, لن تقبل أن تخرج خاسرة وبالأخص أن خسارتها هو...
أتى على عقلها أن تحدث من سيشاركها في التخلص من تلك التي تشكل خطرًا عليها...
مسكت هاتفها واتت برقمه وانتظرت الرد:
- ازيك يا جدي؟ واحشني.
أتاها رده على الجهة الأخرى:
- يااه اخيرًا افتكرتِ إن جدك موجود, بقالك ييجي شهر مكلمتنيش, ولا لما بتشوفي شاهين بتنسي الدنيا.
- ابدًا يا جدي ده انا حتى لسه واصلة من يومين بس, انا بس كنت مشغولة في ترتيبات رجوعي مش اكتر, طمني عنك؟
- انا بخير, وانتِ ازيك؟ وحبيب قلب جدو عامل ايه؟
- كويس بيسلم عليك, جدي كنت عاوزه اسألك عن حاجة.
- قولي.
سألته بحذر:
- هو شاهين قالك انه خطب؟
وأتى رد الجد "المنشاوي" مستغربًا:
- لا, مين قالك ده؟
وتسرب الشك لقلبها فشاهين ليس بعادته ان يخفي خبرًا عن جده:
- شاهين.. لسه قايلي النهاردة, وهي جت هنا البيت بقالها يومين.
- وهي بتعمل ايه في بيته؟
مسحت دموعها وابتسمت بمكر وهي تجيبه:
- شوف انتَ بقى؟ ايه يخليها تيجي بيته, حتى لو خطيبته ملهاش حق تتواجد في البيت.
- هو كان بيكلمني من خمس أيام كده, مجابليش سيرة عنها, طب اقفلي انتِ وانا هكلمه افهم منه ايه اللي بيحصل.
- ماشي, بس ممكن تبقى تفهمني, لان انتَ عارف انا وشاهين مش على وفاق, وانا مش فاهمة حاجة.
- تمام, اقفلي.
أغلقت معه المكالمة وعاد الغضب يرتسم فوق ملامحها وهي تتذكر كيف صرخ بها حين قالت كلماتها الجارحة للأخرى, وتتذكر كيف وقف مدافعًا عنها في سبقة لم يفعلها حتى معها من قبل.. ولكن عليها الانتظار, لن تستطيع أن تأخذ أي خطوة قبل أن تفهم تفاصيل الموضوع من جدها, وعليهِ يكون التصرف..
❈-❈-❈
دقات فوق باب غرفتها جعلتها تنهض زافرة بضيق, فللتو انهت صلاتها وكانت تريد أن تجلس بالشرفة تقرأ القرآن وتستجدي السكينة التي يبعثها بها.. ولكن يبدو أن هنا لا أحد يفعل ما يأمله!
- خير يا صفاء, هو حد مصلتك عليا؟
ابتسمت لها "صفاء" بدبلوماسية وقالت:
- يا هانم, شاهين بيه طالب حضرتك.
سألتها:
- هو رجع؟ مش كان بره؟
- ايوه ولسه راجع.
أرادت أن توصل لها الخبر الزائف ظنًا منها أنها هكذا ستسترد كرامتها التي أُهدرت أمامها حين سحبتها كالماشية للقبو المُظلم.. والمُظلم هنا ليس المقصود بهِ المظلم بالإضاءة بل المُظلم بأفعاله المشينة التي تحدث بهِ, برودته القارصة و وحشته والرعب الذي يعبق أجواءه, أرادت أن تخبرها أنها قريبًا ستصبح سيدة المنزل! حتى وإن كان هذا لن يحدث..
- هو كان فين؟ في الشغل؟ اصل مكلمتوش كنت نايمة شوية...
لا مانع من بعض الكذب لحبكة القصة, ورغم أن "صفاء" لم تكن تهتم من الأساس بكونها تواصلت مع رب عملها أم لا, لكنها وبفطنتها التي اكتسبتها من عملها لسنوات مع العقرب أدركت ما تحاول الواقفة أمامها فعله.. فابتسمت بهدوء وهي تجيبها:
- مش مسموحلي أقول أي معلومة عن الباشا حتى لو كانت صغيرة, فاعذريني يا هانم تقدري تسـأليه بنفسك..
المرأة هذه ليست هينة ابدًا كرب عملها, نظرت لها بغيظ وقالت بضيق:
- على فكره انا خطيبته يعني...
قاطعتها "صفاء" بابتسامتها التي تراها "فيروز" لزجة!
- يا هانم البيه بلغني انك خطيبته, بس ده شيء وأسرار البيه شيء تاني.
رفعت طرف شفتها العليا ساخرةً وقالت:
- أسرار! ده مجرد سؤال مش سر حربي!
قالت "صفاء" بحكمة:
- يا هانم السر الصغير أحيانًا أخطر من السر الكبير.
ضجرت من الحديث معها فالواضح أنها لوح ثلج متحرك:
- ايه الفلسفة دي! خلاص يا صفاء مكانش سؤال, عمومًا نازله.
انهت حديثها وسبقتها نازلة للأسفل لترى ما المصيبة الجديدة التي سيقحمها بها!
❈-❈-❈
وصلت لمنطقتها السكنية بعدما انهت عملها في فيلا العقرب, وفي طريقها للمنزل عبر الشارع الضيق تقابلت مع "مجد" الذي كان يحمل ماتورًا صغيرًا يبدو أنه أنهى تصليح شيء ما به في مكان آخر غير ورشته وفي طريقه للعودة للورشة التي تقبع في المعاكس, كبحت رغبتها المعتادة في الحديث معه وقررت انها هذه المرة ستتجاهله, يكفي ذلاً, ويكفي هدرًا لكرامتها..
اللعنة ألم يبادر هو..!
وبعد أن تخطاها بخطوات قليلة أسرعت تعود له وهي تقول:
- ازيك يا مجد؟
و"مجد" راهن ذاته انها ستحدثه بعد أن تخطته بخطوات معدودة, وقد حدث, فيبدو انها فكرت إن لم تبادر هي سيفعل هو, لكنها حتمًا واهمة..
- بخير, وأنتِ؟
حركت رأسها في توتر طفيف:
- كويسة..
حركت رأسه بلا معنى وصمت, كالعادة, فبادرت هي القول:
- شغلك ماشي تمام؟
وهو سئم, سئم من ركضها وراءه ومحاولتها للتقرب منه رغم انها تعرف أن قلبه يميل لأخرى, سئم ولم يعد له طاقة لتحملها خاصًة مع غياب "فيروز" الذي يشتت عقله, فوجد ذاته يقول لها بضيق:
- مستكة اللي بيحصل ده مينفعش ومش كويس عشانك, مش معقول كل كام يوم أهل المنطقة يشوفونا واقفين واقفة زي دي! ياريت تبطلي اللي بتحاولي تعمليه وتعامليني زي أي حد في الحتة يوم ما هتبقي في مشكلة هتلاقيني أخ وسند, غير كده فعشان سمعتك وشكلك قدام الناس ملهاش داعي الوقفة دي, ولا سؤالك عني كل شوية.
لقد القى كلماته الجارحة في وجهها بلا تردد أو شفقة, قال ما أراد ولتحترق هي في جحيم كلماته التي تهدر كرامتها أكثر, لكنه غير مُلام, هي المُلامة, وهي السبب في النتيجة التي وصلت لها الآن, ولكن قلبها الأحمق دومًا يقودها..
وبكبرياء زائف وأحمق كانت تقول له:
- عموما انا كنت بسأل عليك لأنك ابن حتتي مش أكتر, لكن واضح انك فهمت الموضوع غلط.. واعتبره موقف مش هيتكرر تاني, عن اذنك.
أنهت حديثها ورحلت من أمامه سريعًا, وكأن أشباحًا تطاردها..
وهو وقف ينظر لأثرها بضيق من نفسه, لم يحب أبدًا أن يقول لها ما قاله, ولكنه يخشى أن تصبح مثله, معلقة في حبال هوى خادع, لا هي قادرة على ترك الحبل ولا قادرة على الصعود للقمة, هو أكثر من يدرك معنى أن تصيبك سِهام الهوى بسُميتها, وهو خير من يعلم مرارة الحب من طرف واحد..
وهي أخذت الطريق بأكمله تقسم بنيران صدرها مرارًا وتكرارًا بأنها ستأخذ موقف هذه المرة, لن تهين نفسها أكثر, لن تهدر كرامتها بعد الآن, ولكن ليس كل القسم يُوفى بهِ.
❈-❈-❈
جلست على الكرسي المقابل لمكتبه منتظرة أوامره التي سيبدأ في إملائها عليها بغطرسته المعتادة, ولم تنتظر طويلًا حين مد كفه لها بهاتف حديث فالتقطه بنظرات مستغربة تحولت لأخرى ذاهلة حين أمرها:
- اتصلي على تليفونك..
- اتصل عليه ليه؟
- أكيد هيكون مع مازن.. لازم تبدأي تتواصلي معاه, وهقولك تقوليله ايه بالحرف الواحد.
رفرفت بأهدابها بارتباك وقالت:
- بس انا فعلاً مش حافظة الرقم..
حدقها بقوة مختنقًا من الحمقاء التي أمامه وهدر بها:
- في حد مش حافظ رقمه؟
- اصل لسه مغيراه قريب..
نهض فجأة يقترب منها وانحنى عليها لتحاول الابتعاد برد فعل تلقائي ولحماقتها التي تأكدت له رجعت بالكرسي للخلف فاختل توازنها وبدلاً من أن تسقط على ظهرها أصبحت مُعلقة بين الكرسي وجسده!
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ناهد خالد، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية..