رواية جديدة فراشة في سكٌ العقرب لناهد خالد الفصل 15 - الثلاثاء 18/2/2025
قراءة رواية فراشة في سكٌ العقرب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية فراشة في سكٌ العقرب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة ناهد خالد
الفصل الخامس عشر
تم النشر يوم الثلاثاء
18/2/2025
"هُنا حيثُ الحياة التي دلفتها مؤخرًا تكمن الكثير من الخبايا والأسرار، التي لم تصل لأقل القليل منها، والتي تستمر في إدهاشها، وعلامات استفهام كثيرة لم تحصل على إجابتها بعد، فقط كل ما ترجوه أن تُكشف لها تلك الأسرار لتكن عونًا في طريقها المحفوف بالمخاطر، فمن يدري لعلّ أحدهم ينجيها يومًا ما"
وقبل أن يصل لها" شاهين" غير مساره حين نادت" نورهان" عليهِ دون أن تنتبه ل" فيروز" ولا لحضورها، فاتجه لها مبتسمًا ابتسامة طفيفة وما إن وصلها قال:
_ ايه يا حبيبتي، متقوليش إنك لحقتي تزهقي؟ ده أنا حتى سايبك مع صاحبتك اللي مشوفتيهاش بقالك فترة.
اجابته مبتسمة:
_ مش حكاية زهق، بس انا اتفقت معاك إني هاجي اشوفكم وادي لتيم هديته وامشي، وانا بقالي نص ساعة هنا اهو كفاية كده.
اختفت ابتسامته وهتف بامتعاض:
_ طبعًا خايفة البيه يوصل البيت وانتِ لسه مروحتيش..
زفرت بتروي وقالت بهدوء:
_ شاهين، حبيبي انا مش عاوزه مشاكل مش أكتر، ومادام أقدر اتجنب المشاكل دي يبقى ليه ما عملش كده! انتوا الاتنين اغلى اتنين عندي في حياتي، ومعنديش استعداد اخسر حد منكوا.
لم يخفي امتعاضه وهو يقول:
_ تمام يا نور، لو عاوزه تمشي امشي.
اقتربت منه تمسك ذراعه، تقول بإلحاح وهي تهز ذراعه كطفله صغيرة:
_ متزعلش بقى، انا مش عاوزه امشي وانتَ زعلان مني، بليز يا شاهين قدر موقفي.
زفرة بقوة معبرًا عن ضجره وقال باقتضاب:
_ تمام يا نور.. مش زعلان، استني هاجبلك حد يوصلك..
ولم تتردد وهي تشب على أطرافها قليلاً لتقبل وجنته بحب واضح وتمتمت بعدها:
_ روح قلبي انتَ.
ابتسم لها رابطًا على ظهرها برفق وقد زال ضيقه منها بحق..
اتسعت عيناها على آخرهما وهي ترى ما يحدث، لقد قبلته! فغر فاهها وهي تتابع افعالهما وفي وجود الجميع دون خجل، هزت رأسها مستنكرة وحادت ببصرها عنهما لتبحث بعينيها عن "شدوى" لتجدها تقف مع أحد السيدات تتحدث في هدوءٍ ويبدو أنها لم ترى المشهد!
_ ايه العك ده! هو انا جيت قبيلة قريش!
هذا ما حدثت بهِ نفسها قبل أن تقرر التحرك من مكانها والذهاب لموضع تقديم المشروبات، لعلّها تُلهي نفسها عن الهرج الذي يحدث حولها، فإن بقت واقفة تراقب أفعالهم حتمًا ستُصاب بالجنون.
أخبر "شاهين" رِجاله بأن يحضروا سياره لتوصيلها لبيتها، وما كادت أن تودعه بعد أن حضرت السياره بقرب مكان الحفل حتى قاطعهما مجيء آخر شخص تمنت التصادم معه، فربما هو أهم أحد أسبابها للهرب سريعًا من الحفل، فقد كانت تُمني نفسها بأن تذهب قبل مجيئه، ولكن يبدو أنه قد جاء منذ فترة لكنها لم تراه، وبالفعل لقد كان موجوداً ولكنه انشغل مع بعض رِجال الأعمال الذين دُعوا إلى الحفلة لِمَ يربطهما مع شاهين من أعمال وكنوع من تحسين العلاقات، دق قلبها متسارعًا وهي تراه يقترب منهما، وشعرت بسخونة حارقة تضرب وجهها و رأسها وتوتر بالغ أصابها وهي تنتظر اقترابه المحتوم باعصاب هاوية.
- مساء الخير ازيك يا نورهان؟ أخبارك ايه؟
ابتلعت ريقها الجاف بصعوبة ودون أن تنظر له اجابت بهدوء:
_ تمام، ازيك يا معاذ؟
وهو لم يكن حاله افضل من حالها فمنذ رؤيته لها من بعيد وهي تقف مع شاهين ورؤيته لتأنقها المعتاد وقد بدت مُبهره في ثوبها الذي اكتسب لونًا بنفسجيًا بدرجة فاتحة، واحتوى منحنيات جسدها بطريقه رائعه، واحتشامه ازاد طلتها بهاءًا، لم يستطع السيطره على دقاته التي خفقت في صدره بقوة ولا على قدمه التي ساقته لمحلها كي يحظى ببعض الحديث معها ويمتع ذاته بسماع صوتها الذي افتقده منذ كثير.
_ بخير الحمد لله مبسوط اني شفتك بقى لي كتير ما شفتكيش
وهنا تدخل "شاهين" مردداً بسخرية واضحة:
_ أصل نورهان بتقلق لاحسن الحيلة يزعل لو عرف إنها بتقابلني.
حدقته "نورهان" بنظرة غاضبة على ذِكر شقيقها بهذه الطريقة الساخرة وقالت بنبره ظهر بها ضيقها الشديد:
_ مش عيب على فكرة لما اخاف على زعل اخويا، وبعدين وقتها مش هيزعل بس أكيد الموضوع بينكوا هيتطور اكتر من كده.
تدخل "معاذ" حين لاحظ غضبها من طريقة حديث شاهين ليقول محاولاً تهدئة الوضع:
_ نورهان معاها حق يا شاهين ما فيهاش حاجه يعني لما تخاف على زعل اخوها وخصوصًا وهي عارفه إنه مقفل دماغه من ناحية الموضوع ده.
نظر له شاهين بجانب عينيه وقال بحدة:
_ فبدل ما نقف قدامه ونوقفه عن الهبل اللي هو بيعمله نسمع كلامي ونمشي وراه.
عارضته مبررة:
_ بس انا مش بمشي وراه.. لو بمشي وراه ما كنتش زماني هنا دلوقتي.
عقب على حديثها مستهزئًا:
_ لو مش بتمشي وراه كنتِ زمانك قلتيله إنك جايه هنا ومش عماله تقوليلي عاوزه امشي عشان خايفه ليعرف إنك مش في البيت، لو مش بتمشي وراه يبقى تقفي قدامه وتقوليله اللي بيعمله ده ما يصحش، ما لهاش معنى على فكرة إنك تعملي عكس اللي هو بيقوله من وراه، وخدي بالك طول ما الوضع ده ماشي هو هيسوق فيها اكتر.
ربما حديثه صحيح وربما يكون على حق، ولكن هي قليلة الحيلة فمازن صلد الرأس لا يمكن اقناعه بعكس ما هو مقتنع بهِ والحديث معه في أي شيء يخص شاهين كفيل أن يُشعل بهِ بركان لن يهدأ، وهي للحق تتجنبه.. زفرت أنفاسها بضيقٍ واختناقٍ وقالت وهي تنسحب من بينهما:
_ أنا همشي..
تابعا ذهابها وركوبها للسيارة التي تحركت على الفور لينطر له "معاذ" قائلاً:
_ ما كانش ينفع تتكلم معاها بالأسلوب ده يا شاهين، انتَ عارف مازن كويس ما حدش بيقدر يرجعه عن اللي في دماغه ونورهان مش في ايدها حاجه ولا وقوفها قدامه هيجيب نتيجة.
نظر له "شاهين" بنظرة تحمل الكثير والتي عرفها رفيق ضربه:
_ بس اسمها تكون عملت حاجه عشاني، لكن هي بتعمل كل حاجه عشان مازن، وأي حاجه تخص شاهين بتتعمل في الدرى وسرقة، وأنا ما بقتش متحمل الوضع ده، لو أنا فعلاً ليا معزة عندها زي ما هي دايمًا بتقول كانت هتقف في وشه عشاني زي ما ياما وقفت في وشي عشانه.
انهى حديثه وترك "معاذ" متحركًا حيث موضع "فيروز" والتي لم يجدها فبحث بنظره عنها حتى رأها تجلس هناك مستنده على الطاوله الطويلة المخصصة للمشروبات، تمسك بين كفيها كوب عصير ترتشف منه على مهل، فاتجه لها بعد ما استطاع أن يسيطر على مشاعره الغاضبة ويعود لِمَ هو عليهِ دومًا، جامد الملامح يُخفي مشاعره ببراعة..
وصل لها فقال بينما يرمقها باعجاب لم يظهر في عينيهِ:
_ واضح ان الفستان طلع على مقاسك مظبوط، الحقيقة ما كنتش متأكد.
نظرت له حين اخترق صوته سمعها وابتسمت ابتسامة صغيرة تلقائية وهي تنظر لفستانها باعجاب شديد وقالت:
_ الحقيقة الفستان عجبني جداً، وأنا نفسي اتفاجئت انه على مقاسي، ازاي قدرت تتخمن صح كده؟
مط شفتيهِ بلا معنى وقال وهو يلتقط كأس ماء موضوع على الطاوله:
_ تخمين مش صعب.. مقاسك سهل انه يُتوقع، جسمك متوسط لا رفيع ولا تخين فعلى الأغلب مقاس الميديم بيكون هو المقاس المناسب.
هزت رأسها بتفهم وقالت معبره عن رأيها في الحفل:
_ الحفلة لطيفة، هادية ولذيذة.
هز رأسه دون أن يعقب لتقول هي:
_ قلتلي إنني هكلم مازن النهارده، بس يعتبر اليوم قرب يخلص.
اجابها بتوضيح:
_ طول اليوم كنت مشغول كان عندي شغل كتير بره ويدوب جيت على ميعاد الحفلة، بعد الحفلة هتكلميه.
_ وهقول له ايه؟
سألته بفضول ليجيبها بنبرته الغامضة المعتادة:
_ هتعرفي وقتها.
اارتشفت رشفه أخيرة من كأس العصير الذي أمامها ثم وضعته فوق الطاوله ونظرت له بقوة تسأله:
_ نورهان اخت مازن كانت بتعمل ايه هنا؟ شوفت ان العلاقه ما بينكم غريبه قوي ومثيره للشك.
انحناء طفيف ظهر في فمه يعبر عن استنكاره أو سخريته وقال مغمغمًا بعدما وضع كأس الماء جانبًا:
_ بتفاجئ إن مازن مش معرفك حاجه، يعني حتى اتفه الأسرار ماصارحكيش بيها، عارفه ده بيخليني احس إيه؟ انه بيعاملك كأنك.... ولا بلاش عشان ما تزعليش.
تغاضت عن سخريته منها واهانته التي لم ينطقها وقالت:
_ طب لو مازن معتبرني زي ما انتَ شايف بلاش انتَ كمان تعتبرني زيه، وفهمني، اللي أنا مش فهماه.
_ عاوزه تفهمي ايه؟
سألها لتجيبه بوضوح:
_ عاوزه اعرف نورهان تقربلك ايه؟ ازاي جت الحفلة وكانت واقفه جنبك بالطريقه دي ومقربه منك بالشكل ده قدام كل الناس حتى في وجود مراتك؟ وايه اصلاً اللي يربط المجرم بعلاقه مع اخت الظابط؟ العلاقه الوحيده اللي اقدر افسرها في الحالة دي إنك استغلتها عشان تلعب معاه بيها، بس برده بالنسبالي مش مفهوم انها تيجي في وسط الحفلة والناس كلها تكون شايفاها!! يبقى تخميني مش صح!
وضحكة خافتة خرجت منه وهو يستمع لتحليلها للوضع وقال مجعداً جبينه:
_ شكلك بتتفرجي على أفلام كتير، حوار أن المجرم يلف على اخت الظابط أو حد من قرايبه عشان يلعب معاه بيه ده حوار فكسان قوي، والحقيقه أنه اصلاً مش بالعاده يحصل في الواقع.. علاقتي بنورهان ملهاش أي علاقه بعلاقتي بمازن كضابط ومجرم زي ما انتِ بتقولي.
تملك منها الفضول أكثر ونزلت عن مقعدها تقترب منه حتى باتت هناك قليل جداً من السنتيمترات يفصلهما وسألته رافعه رأسها له لتستطيع رؤيه ما في عينيهِ:
_ اومال ايه العلاقه اللي ما بينكم؟ حقيقي أنا لو فضلت كده هتجنن، مش فاهمه أي حاجه لا فاهمه ايه علاقتك بمراتك وعامله ازاي وانا شايفه إن في حاجه متوتره مش قادره المسها، ولا فاهمه علاقتك بمازن ايه، ولا علاقتك باخته، ولا حتى عارفه هو انت فعلاً مجرم ولا لأ انا محتاجه أفهم.
ابتسامة متسلية زينت ثغره وهو يلاعبها قائلاً:
_ طيب هسمحلك بسؤال واحد اجاوبك عليه من كل الأسئله اللي في دماغك دي، فيا ريت تفكري صح وتختاري السؤال اللي هيفيدك مش اللي فضولك بيسوقك له.
حسنًا لم يكن تخييراً عادلاً ابداً، فكل الأسئله التي برأسها تموت فضولاً بمعرفة إجابتها، ولكن الآن عليها أن تختار سؤال واحد فقط من بينهم، وإن اختارت فبالطبع لن تختار من يفيدها بل ما يقودها اليه فضولها! وبالطبع سيكون السؤال الذي توقعه شاهين:
_ قولي ايه علاقتك بنورهان؟
ضحك مستمتعًا بعدما اختارت السؤال الذي توقعه تمامًا وقال:
_ طب والله توقعت إنك هتسألي السؤال ده، على فكره انتِ مشكلتك خطيرة مهما حاولتي ما بتقدريش تتغلبي على فضولك، وهو دايمًا اللي بينتصر.
زفرت أنفاسها بقوة لا تستطيع صبرًا أن تعرف إجابه سؤالها وسألته مرة أخرى باصرار:
_ ايه علاقتك بنورهان؟
واجابته كانت صاعقة ضربت جسدها لترتد للخلف خطوتين وعيناها جاحظه كمن تلقى خبر وفاه عزيز له!
وقبل أن تنطق، جاء صوت "شدوى" التي حضرت للتو تقول لشاهين بغيظ:
_ شاهين أنتَ واقف هنا وسايب ضيوفك اللي بييجوا ارحب بيهم لوحدي!
وانسحب "شاهين" معها بعدما قال وهو ينظر ل "فيروز" الشاحبة:
_ جاي معاكِ.
❈-❈-❈
ترجلت من السيارة بعدما وصلت لمنزلها، وعقلها منذُ خرجت من هناك وهو لا ينفك عن تذكر حديث شاهين وضيقها لا يفارقها بسبب طريقته معها، وبنفس الوقت شعرت بحزنه منها ومن افعالها التي تهتم دومًا لحديث مازن وشعوره، دون مراعاة لشعور شاهين هو الآخر، بدأت تلتمس أنها مخطئة لا يجب أن تقف في صف أحدهما دون الآخر، عليها أن تكون على الحياد دومًا، فمعزتهما واحدة، وعليهِ لا ينبغي عليها أن تفرق في المعاملة والاهتمام بهذه الطريقة، خصوصًا وهي تعلم يقينًا أن "مازن" يبالغ، ويجب أن يقف عند حده، فيكفي اربع سنوات من العداوة الغير مبررة من وجهة نظرها، وهذا ما قررته، لن تخفي عنه أنها ذهبت لشاهين، ستخبره وستقف في وجهه إن حاول أن يفرض سيطرته على علاقتها بشاهين.
وبينما هي في زوبعة أفكارها عبرت الطريق دون انتباه للسيارات المارة، لتلتفت فجأة على بوق عالي جدًا لأحد السيارات، فاتسعت عيناها جاحظة وتيبست قدميها أرضًا، وفورًا شعرت باصطدام السيارة بها...
❈-❈-❈
وقفت بعيدًا بعد انتهاء الحفل تراقب توديع "شاهين" و"شدوى" للمدعوين، مشهد مثالي، الزوج والزوجة والابن يجاورهما ممسكًا بيد والدته التي تلتصق ب "شاهين" بشكل ملحوظ، زفرت أنفاسها بضيق وهي تتابعهما متمتمة لنفسها:
_ هو عاوز ايه تاني! يعني عيشته مرتاحة، ومراته عسل وتحل من على حبل المشنقة، وعنده وعيل زي السكر.. ناقصه ايه عشان يبقى مجرم ويدخل نفسه في حوارات ملهاش لازمة مش هينوبه منها غير انه هيخسر كل ده!!
تذكرت ما عرفته منهِ منذُ قليل لتحدث نفسها بشكٍ تغلغل لقلبها:
_ انا بدأت أشك في مازن، حاسه ان كل اللي بيعمله ده وراه غرض تاني غير اللي قالهولي، في حاجه مش مفهومة ابدًا، هو انا هفضل اتصدم في الناس دي لامتى! هفضل لامتى زي الأطرش في الزفة وفي ألف حاجة مش عرفاها ولا فهماها، كلهم بيلعبوا بيا، كلهم بيحركوني زي ما هم عاوزين... ياترى الحكاية دي كلها هتخلص على ايه!؟
انسحبت من الحديقة متجهة لداخل الفيلا لكنها توقفت حين صدح صوت "شاهين" يناديها:
_ فيروز.
وصل إليها بعدما التفت له وقال:
_ تعالي ورايا على المكتب.
وسبقها للداخل لتلقي هي نظرة أخيرة على "شدوى" الواقفة بمحلها تنظر لهما بأعين مشتعلة، وما ينتابها الآن من مشاعر تعرفها فيروز جيدًا، فإن أُتيحت لها الفرصة ستقبض على عنقها ولن تتركها إلا حين تُزهق روحها وتختفي من حياة زوجها للأبد، هزت رأسها بيأس من كل شيء حولها...
_ والله معجنة.
جملة رددتها وهي تلحق ب "شاهين" لمكتبه، فلا احد يعرف من زوج من، ومن أخ من، ومن يحب من، ومن يكره من؟ لاشيء هُنا "في حياتهم" طبيعي، كل شيء في فوضى عارمة..
_ نعم؟
قالتها ما إن دلفت مكتبه ليشير لها بالجلوس جواره وكان قد احتلى الأريكة التي تقبع في مكتبه، فعلت والحرج يغزوها، فقربه على هذا الوضع مبالغ بهِ ويوترها! مد كفه لها بهاتف فالتقطته بينما قال ما إن فعلت:
_ ده نفس الرقم اللي كلمتي منه مازن المرة اللي فاتت، هتكلميه وهتقوليله إنك قدرتِ تجندي الخدامة صاحبة الرقم ده، لو سألك عن حاجة مش هتنطقي بحرف غير لما اقولك تقولي ايه.
_ وهتقولي ازاي وهو معايا على التليفون؟
اجابها بمكر:
_ هتكلميه على برنامج مكالمات عن طريق النت، هتفهميه ان البنت ممعهاش رصيد بس معاها واي فاي الفيلا هنا عشان كده كلمتيه عليه، وهتقوليله إنك هتقفلي ويرن هو، بس هو مش هيرن، هيقولك تكملي المكالمه لأن كده أمان أكتر، المعروف عن مكالمات النت إنها أوقات بتأخر وصول الصوت، فالجملة اللي هو بيقولها توصلك بعد شوية، في الشوية دول هكون قولتلك الرد.. فهمتي؟
رفعت حاجبيها باعجاب وهي تقول:
_ فهمت... مفيش حاجة بتفوتك.
تجاهل حديثها وطلب لها رقمه عبر ذلك البرنامج ليأتيها رده بعد قليل، وتبدأ في الحديث معه...
_ انتِ ليه بتكلميني من البرنامج ده؟
وسؤاله أتى كما توقعه "شاهين" فنظرت له وهي تقول ما أملاه عليها قبل المكالمة، لتتسع عيناها حين أتى صوته يقول:
_ لا خلاص ماتقفليش، خلينا نكمل المكالمة هنا أمان اكتر.
حمحمت متخلية عن صدمتها في صواب توقع الآخر، وقالت:
_ انا قدرت أجند البنت صاحبة التليفون.. قولي هعمل ايه؟
_ كده جه دورك انتِ، لازم توصلي لخزنة شاهين.
مال عليها "شاهين" ليحدثها في أذنها فرجعت للخلف بتلقائية من خضتها، ليمسك ذراعها معيدها لوضعها بعدما نظر لها نظرة صارمة، جلست متخشبة وهي تشعر بقربه الخطير، وانفاسه تضرب أذنها فضربتها سخونة شديدة في وجهها وجسدها من الخجل لقربه ومن مشاعر أخرى غير مفهومة، فهي بطبيعة الحال فتاة يقترب منها رجل لهذا الحد لأول مرة.
_ قوليله إنك هتحاولي، واطلبي منه الباسورد اللي قالك عليها تكون معاكي احتياطي عشان لو عرفتي توصلي للخزنة في أي وقت.
_ روحتي فين يا فيروز؟
كتم فمها بكفه ما إن كادت تتحدث ليعيد يهمس لها:
_ مترديش على سؤاله كأنه لسه موصلكيش، وقولي اللي قولته.
رفع كفه لتنطلق في الحديث فورًا بما قاله لها، ليجيبها "مازن" :
_ ماشي هقولك عليهم و....
همس لها في أذنها أن تسرع بإجابة سؤاله السابق فقالت:
_ بجد انا بتأخر في الرد؟ مش عارفة لما ...
اشار لها ان تتوقف عن الحديث ففعلت، ليقول مازن متفهمًا:
_ هتلاقي النت، ساعات بيوصل الكلام متأخر.. المهم اسمعيني هقولك ٣ باسورد دلوقتي هاتي ورقة وقلم واكتبي ورايا بالترتيب..
همس لها شاهين:
_ استني شوية وردي، كأنك صوته وصل متأخر.
اومأت متفهمة، ثم قالت:
_ معاك، لحظة هجيب ورقة وقلم..
وصمتت قليلاً ولم تتحرك من مكانها حتى قالت ثانيًة:
_ يلا قول انا معاك.
وأخذ يُملي عليها ثلاث أرقام سرية، ابتسم "شاهين" بألم.. لقد أجاد توقع الأرقام، فالثلاثة ذات صِلة مهمة بهِ... أحدهم يوم وفاة والده، والآخر يوم وفاة والدته، والثالث يوم......
انتبه على حديثهما مرة أخرى وبعد ثواني أغلقت المكالمة لينهض "شاهين" فورًا هاربًا من ذكرياته وهو يقول:
_ اخرجي.
قطبت ما بين حاجبيها بصدمة، لتدرك بعد قليل أنه ليس على ما يرام، فانسحبت بهدوء تاركة إياه في زوبعة مشاعره وذكريات ماضيه المؤلمة..
❈-❈-❈
بمنزل مازن عمران...
القى الهاتف بعد أن جلسَ على الفراش وزفر بقوة، هو يعلم أنه كان يجاورها أثناء الحديث، ويعلم أن صمتها كان لتسمع تعليماته.. لمتى ستستمر هذه اللعبة السخيفة؟ والسؤال الأهم ما هي غايته من كل هذا؟ هل يسعى أن يلقى شاهين عقابه ويُسجن؟ أو يسعى فقط لكشف شاهين أمام الجميع بأنه فاسد؟ هل سيقدر على الزج بهِ في السجن أم ستحاول أشياء عِدة دون هذا؟
ومع ذِكر الأشياء التي ستحول تذكر "مازن" مشهد مرَ عليهِ عشر سنوات...تحديدًا حين كان في المرحلة الثانوية...
"عودة بالأحداث"
- مين اللي ضربك كده؟
جلس متأوهًا على الكرسي وهو يشعر بنيران تسري في جسده أثر الضربات التي تلقاها، ونظر للواقف أمامه يبدو أنه بركان ينتظر اللحظة المناسبة للانفجار، حاول أن يكون حذرًا فيما سيقوله كي يتجنب انفجار الأول وقال:
_ مشكلة بسيطة واتحلت..
رفع حاجبه مستهجنًا وضغط على أسنانه يوضح غضبه الدفين وخرجت نبرته ساخرة في أولها وحادة في أخرها:
_ حاجه بسيطة ووشك بقى زي البليتشو! اخلص يا مازن ايه اللي حصل؟
_ اتخانقت مع سالم..
جملة وحيدة أردف بها "مازن" جعلت الواقف أمامه تجحظ عيناه غضبًا مرددًا:
_ من امتى بتمدوا ايدكوا على بعض؟ مهما وصل خناقكوا عمركوا ما ضربتوا بعض كده! مين فيكوا الغلطان؟
احنى رأسه بحرج وقال بصدق:
_ أنا.. أنا اللي بدأت بالضرب.
نهض رغم ألمه وتحرك خلفه حين وجده يخرج من المنزل:
_ رايح فين يا شاهين؟ بقولك أنا الغلطان هتروح تعمله ايه؟
"عودة للأن"
نهض من فوق الفراش باختناق شديد مقررًا النزول للركض قليلاً علّه يخرج طاقة غضبه المشحونة، لكنه توقف على صوت الهاتف وبعد ثواني كان يهتف بخوفٍ شديدٍ:
_ مستشفى؟ مستشفى ايه؟
❈-❈-❈
وما إن وصل للمستشفى المنشودة وعرف رقم الغرفة التي بها، حتى ركض لها وفتح الباب مقتحمًا الغرفة، ليتجمد بأرضه وهو يجد "شاهين" بوجهه، ووجوده الآن مع كم المشاعر السلبية التي شعر بها في الفترة الزمنية المنصرمة جعلته لا يطيق رؤيته، فهتف بغضب ساحق دون أن يهتم بالاطمئنان على "نورهان" حتى:
_ أنتَ بتعمل ايه هنا؟
واجابه شاهين بهدوء:
_ جاي اشوف نورهان واطمن عليها.
ولم يتخلى عن عنفوانه وهو يقول:
_ مين قالك إننا عايزينك هنا! اطلع بره وجودك مش مُرحب بيه..
لم يتحرك خطوة، ولم ينطق، فخرج صوت "نورهان" بضعف بالغ أثر مرضها:
_ مازن.. اسكت.
ولم يهتم لها، حتى لم ينظر لها، وأصر على موقفه، ليقول بوقاحة:
_ اطلع بره، ولو عندك دم متخليناش نشوفك تاني..
وتحرك "شاهين" بعد جملته... تحرك حتى أصبح واقفًا في وجهه، ثانية... اثنان.. والثالثة صدح صوتان عاليان... صوت صفعة دوت على وجنة أحدهم.. وصوت شهقة خافتة خرجت من "نورهان"....
و "شاهين" جامدًا فقط خرج صوته بنبرته الحادة كالسيف يقول:
_ لما تكون بتكلم أخوك الكبير تكلمه بأدب.. واضح إن سكوتي عليك خلاك تسوق فيها...فوق يالا.. انا ليا احترامي عندك غصب عن عينك أهلك.. وهي اختى يعني وقت ما حب اشوفها او حتى اخدها بيتي مش هتقدر تفتح بوقك.. مش شاهين المنشاوي اللي يطرد لأ ومن اخوه الصغير ويقل أدبه عليه...!!!!!!!
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ناهد خالد، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية..