-->

رواية جديدة على سبيل الألم لرانيا ممدوح - الفصل 36 - الأحد 16/3/2025


 قراءة رواية على سبيل الألم كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية على سبيل الألم 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا ممدوح 

الفصل السادس والثلاثون


تم النشر الأحد

16/3/2025

وضع ليث الأغراض أمام ليان، لكن وجهه كان مشدودًا، عينيه تحملان حيرة ثقيلة وتفكيرًا عميقًا. لاحظت ليان ذلك على الفور.


"مالك يا ليث؟ حاسة إنك غريب النهارده، في حاجة حصلت ولا إيه؟"


نظر إليها للحظات، وكأنه متردد في الحديث، ثم قال بصوت منخفض لكنه حازم:


"أنا تقريبًا شفت حد."


عقدت حاجبيها وهي تسأله:


"مين؟"


"الراجل اللي خطف سبيل… أنا متأكد إني شوفته."


ارتفع حاجبها بدهشة، لكنها سرعان ما زفرت بملل:


"إنت لسه بتفكر في الموضوع ده؟ خلاص بقى يا ليث، كمل حياتك وشيل سبيل دي من دماغك. أنت عايز تتعب تاني وتتعذب؟ الدكتور قالك تبعد عن أي سيرة تخصها."


حدّق بها ليث بحدة، عينيه اشتعلتا بالغضب والألم:


"بتقولي إيه يا ليان؟!"


"علشان دي المرة الألف اللي بتقول فيها إنك شفته! هو هيجي هنا إزاي؟ واحد غني بالشكل ده، إيه اللي هيجيبه مناطق زي دي؟ ده يروح أماكن أحسن من هنا مية مرة! فوق يا ليث، لازم تفوق! إحنا مش حمل إنك ترجع تاني وتضيع مننا… ما صدقنا بقيت بخير!"


كان صدره يعلو ويهبط بسرعة، كأنه يحاول كبح مشاعره، لكنه لم يستطع. قال بصوت مخنوق:


"بحبها… وعندي أمل إنها تكون لسه عايشة. صوتها لسه بيرن في ودني، صورتها مبتفارقش خيالي. مش قادر أستمتع بحياتي من غيرها. محدش فاهم اللي أنا فيه! أنا في نار ومتكتف ومش عارف أعمل أي حاجة!"


نظرت إليه ليان، ورغم محاولتها السابقة لإبعاده عن هذا الطريق، لم تستطع إلا أن تشعر بالشفقة عليه. همست بأسف:


"أنا آسفة، يا ليث…"


لكنه لم يكن بحاجة إلى اعتذارها، بل إلى دعمها. نهض فجأة وقال بحزم:


"المهم إننا نتحرك ونحاول. يمكن يكون هنا بجد، ومش مجرد تخيلات. أنا لسه متجننتش يا ليان!"


أومأت برأسها بسرعة، وابتسامة خفيفة من الإصرار ارتسمت على وجهها.


"ما عاش ولا كان اللي يقول عليك مجنون! إنت سيد العاقلين، حاضر… أنا هروح أشوف إذا كان في كاميرات مراقبة في المحل، يمكن أقدر أوصله!"


لمعت عينا ليث بالأمل لأول مرة منذ زمن طويل، وأحس أن هذه الليلة قد تكون بداية لكشف الحقيقة التي ظل يطاردها لسنوات.


في اليوم التالي، ارتدت ليان معطفها بسرعة وخرجت من المنزل متجهة إلى المتجر، عيناها تحملان إصرارًا خفيًا. كانت تعلم أن ليث لن يهدأ حتى يجد إجابة، وإن كان هناك احتمال بسيط للوصول إلى شيء، فهي مستعدة للمحاولة.


وصلت إلى المتجر، ودخلت بخطوات ثابتة، تتفحص المكان بعينيها بحثًا عن أي علامة تدل على وجود كاميرات مراقبة. اقتربت من البائع وسألته بنبرة عفوية لكنها مدروسة:


"صباح الخير، عندي سؤال لو سمحت… هو المحل فيه كاميرات مراقبة؟"


رفع البائع حاجبيه مستغربًا، ثم أجاب:


"كاميرات؟ آه، عندنا كاميرتين، واحدة عند المدخل والثانية عند الكاشير، ليه بتسألي؟ حصلت حاجة؟"


حاولت ليان أن تحافظ على هدوئها، وأجابت بابتسامة بسيطة:


"لا، بس كنت هنا امبارح وافتكرت حاجة ضاعت مني، فقلت يمكن ألاقيها في تسجيلات الكاميرا."


هز الرجل رأسه بتفهم، ثم قال وهو يشير إلى مكتب صغير داخل المتجر:


"طيب، لو عايزة تشوفي التسجيلات، لازم تستأذني صاحب المحل، هو الوحيد اللي عنده صلاحية يفتحها."


تألقت عينا ليان بحماس خفي، فهذه خطوة أولى جيدة. سألته بفضول:


"وصاحب المحل موجود دلوقتي؟"


نظر الرجل إلى ساعته ثم أجاب:


"لأ، بس بييجي بعد العصر. لو مستعجلة ممكن تيجي وقتها."


أومأت ليان برأسها شاكرة، ثم غادرت المتجر وهي تفكر بسرعة… هل تخبر ليث الآن أم تنتظر حتى تتأكد من وجود أي شيء مفيد في التسجيلات؟


و ذهب ليث مرة أخرى إلى سديم والتي استقبلته بابتسامة لطيفة كعادتها:


"مرحبا بعودتك."


"أهلا سديم."


"هروي الزرع ونبدأ تمرين على طول."


بينما كانت سديم تروي الزرع بالماء، تبلل الجوانتي الذي ترتديه، فخلعته بسرعة، غير مدركة أن فعلتها تلك كشفت عن جروح عميقة قديمة على يديها. لم يفت ليث ملاحظة تلك الندوب التي بدت وكأنها تحمل قصة منسية، فتجمدت نظراته عليها قبل أن يسأل باندهاش وقلق:


"إيه ده؟ هو الراجل اللي بتشتغلي عنده بيعذبك؟"


رفعت سديم عينيها إليه، ثم انفجرت ضاحكة كأن كلامه ضرب على وتر السخرية في داخلها. ردّت عليه بنبرة خفيفة:


"لأ، إيه جو الأفلام العربي ده؟"


لكن ليث لم يكن في مزاج يسمح له بتجاهل الأمر، فأعاد سؤاله بإلحاح:


"أومال إيه ده؟"


تلاشى مرح سديم قليلًا، ثم نظرت إلى يديها للحظات، وكأنها تحاول استرجاع ذكريات ضائعة، قبل أن تجيب بصوت هادئ:


"معرفش، أنا مش فاكرة أي حاجة، بس البيه قال لي إنها كانت حادثة ونجيت منها، وأنا دلوقتي كويسة الحمد لله."


لم يقتنع ليث تمامًا، فتقدم خطوة نحوها قائلاً بإصرار:


"بجد؟ على فكرة، ممكن تيجي معايا، ومتقلقيش، هلاقيلك شغلانة كويسة بعيد عن هنا."


لكن سديم هزّت رأسها نافية، قبل أن تبتسم بثقة وقالت:


"لأ، أنا هنا ملكة زماني، البيت ده يعتبر ملكي، بقعد فيه لوحدي، والبيه بيجي كل فين وفين، يعني بعمل كل حاجة بمزاج. وعلى فكرة، هو كريم جدًا، وعمره ما بخل علي بحاجة، ولا سألني صرفت كام ولا باقي كام."


حاول ليث أن يعترض، لكنه أدرك أن العناد يكسو نبرة صوتها، فقرر أن يغيّر الموضوع حتى لا يتسبب في إحراجها. ابتسم وقال بمكر:


"هو إحنا هنرغي وننسى التمرين؟"


عادت الحماسة إلى ملامح سديم وهي تومئ بحماس:


"تعرف، أنا نفسي أحس إني في مباراة حقيقية! عندي لبس للعب جوه، ممكن أجيبه وألبسه."


ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي ليث قبل أن يرد:


"كويس، وأنا معايا لبس في العربية، هروح أجيبه."


ثم تحرك كلاهما لإنهاء استعداداتهما، في حين بقيت فكرة الجروح عالقة في ذهن ليث، رغم محاولاته تناسيها.


عادت سديم بعد دقائق وهي تحمل في يديها قطعتين من ملابس التدريب، رفعت كل واحدة منهما أمام ليث بابتسامة مرحة وسألته:


"ها، أنهي واحد ألبسه؟"


كان أحدهما باللون الأبيض، بينما الآخر كان بلون أزرق مائل للأخضر. لاحظ ليث اللون الثاني، فتجمدت نظرته عليه للحظات، قبل أن يقطب حاجبيه بشيء من الاستغراب.


"جبتي اللون ده منين؟"


بدا سؤاله عفويًا، لكنه حمل في داخله اضطرابًا غريبًا لم تستطع سديم ملاحظته. لم ينتظر إجابة منها، بل مدّ يده وأدار الزي ليرى ظهره.


ما إن وقعت عيناه على الكتابة المطبوعة على ظهر القميص، حتى شعر وكأن الهواء قد سُحب من رئتيه دفعة واحدة.


"سبيل رقم سبعة."


ظل يحدق في الاسم والرقم، وكأنهما طعنة غير متوقعة في صدره. تجمدت أطرافه، وتسارعت أنفاسه، بينما عاد عقله فجأة سنوات إلى الوراء، إلى الذكرى التي حاول دفنها طويلًا، لكنها عادت الآن بقوة لم يستطع احتمالها.


اتسعت عينا ليث في صدمة، ظل يحدق في القميص للحظات، وكأن دماغه يحاول استيعاب ما يراه. شعر بقلبه ينبض بقوة، ثم رفع رأسه فجأة وصاح بصوت مختنق:


"جبتي ده منين؟!"


نظرت إليه سديم بقلق، لم تفهم سبب رد فعله العنيف، لكنها أجابته بتردد:


"كان موجود في صندوق جوا… لقيته بالصدفة."


لم يمنحها ليث فرصة لتوضيح أكثر، تحرك نحوها بخطوات سريعة، وكأن الأرض تحترق أسفل قدميه، ثم قال بصوت حاد:


"وريني الصندوق ده بسرعة، يلا دلوقتي!"


رغم أنها لم تفهم سبب اضطرابه، إلا أن ملامحه القاسية ونبرته الحادة جعلتها تومئ برأسها وتمضي أمامه بخطوات متوترة، بينما يتبعها هو كأنه يسير نحو مفتاح لغز ظل يطارده لسنوات.


دخلت سديم وخلفها ليث حتى وصلا إلى الصندوق الذي يوجد في أحد أركان الغرفة. اقترب منه ليث وقام بفتحه، ليجد أمامه كل الأشياء الموجودة بداخله تنتمي إلى سبيل. وقعت عيناه على السلسال الذي كانت ترتديه طوال الوقت، فخارت قواه ولم تستطع قدماه أن تحملاه بعد الآن. جلس أرضًا، ينظر إلى الأشياء بحزن وفرح في ذات الوقت.


إذا كانت تلك الأشياء تنتمي لسبيل، فأين هي إذن؟ أين حبيبة القلب؟ وكيف وصلت تلك الأشياء إلى هنا؟ هذا يعني أن الرجل الذي اختطف سبيل يوجد هنا… هذا يعني أن هذا المنزل منزله!


وقف بسرعة، وعيناه تبحث عن إجابات وسط دوامة من الذكريات والشكوك، ثم استدار نحو سديم، ينظر إليها بشراسة لم ترها منه من قبل. كانت عيناه حمراء، مثل الدماء التي تنزف من جريح متألم، مثل رجل فقد كل ما يحبه. لقد كان الآن في أسوأ حالاته… يريد الانتقام، يريد العثور على محبوبته الضائعة، يريد أن يعرف لماذا حدث كل هذا معها، وما الذي فعلته تلك المسكينة لتعاني كل هذا الألم طويلًا.


أمسكها من ذراعها بقسوة بالغة، وضغط عليها حتى شعرت بالألم، ثم قال بصوت أجش مخيف:


"فين البيه صاحب البيت ده؟ قولي قبل ما أكسّرك دلوقتي!"


نظرت إليه بدهشة وخوف، تحاول فهم سبب غضبه المفاجئ، ثم قالت بتوتر:


"في إيه يا ليث؟"


لكنه شدّ قبضته أكثر، وعيناه تشتعلان غضبًا:


"انطقي! هو فين؟"


بلعت ريقها بصعوبة وقالت بسرعة:


"ماعرفش! هو مش بيجي طول الوقت، وأديك شوفت بقالك كام يوم وهو مظهرش!"


لكن فجأة، سمع الاثنان صوت باب المنزل يُفتح، ثم تلاه صوت مألوف نادى بصوت هادئ:


"سديم، أنتِ فين؟"


اتسعت عينا ليث بجنون، وركض إلى الخارج كالمسعور، يبحث عن مصدر الصوت. وما إن وصل حتى تجمد مكانه، ثم اشتعلت عيناه بالغضب، إذ رأى الرجل الذي أخذ حبيبته منذ سنوات يقف أمامه بكل هدوء، وكأن شيئًا لم يكن.


لم يمنحه ليث فرصة للهروب، بل اندفع نحوه كالإعصار، وأمسك بياقته بقسوة، وكأن قبضته وحدها قادرة على سحقه وسلبه أنفاسه. لكن قبل أن يتمكن من فعل شيء، أحاط به فجأة فوج من الرجال، جميعهم يرتدون ملابس رسمية سوداء، ويرفعون أسلحتهم في وجهه.


كانت فوهات البنادق موجهة إلى رأسه، لكن ليث لم يهتز، ولم يتراجع. ظل ممسكًا بالرجل بشراسة مميتة، وكأنه إن أفلت قبضته الآن، سيضيع منه كل شيء مرة أخرى. لم تعنِ له الأسلحة شيئًا، لم يشعر بالخوف أو التهديد، فماذا تعني رصاصة مقارنةً بالسنوات التي قضاها في الألم والمعاناة؟ سنوات كان فيها ميتًا، يتنفس بلا حياة، والآن فقط، استيقظ ليطالب بما فُقد منه.


نظر شاهر إلى ليث ببرود قاتل، وقال بصوت ثابت لا يخلو من التهديد:


"نزل إيدك، علشان متندمش."


لكن ليث لم يتراجع، بل شدد قبضته أكثر وصاح بغضب:


"أنا مش خايف منك! النهارده هقتلك، أنت شيطان لعين تستحق الموت! فين سبيل؟ ودّيتها فين؟"


كان صوته مختنقًا بالألم، بالحسرة التي حملها طوال تلك السنوات. ثم تابع بصوت مرتجف لكنه يحمل إصرارًا لا يلين:


"زمان طلبت مني اتنين مليون، وكنت فقير مقدرتش أدفع مبلغ زي ده... لكن دلوقتي؟ دلوقتي أقدر أدفعلك عشرين، تلاتين، كل اللي أملكه بس ترجّعها لي!"


ابتسم شاهر بسخرية، ثم قال بإستهزاء قاسٍ:


"بالبساطة دي يا كابتن ليث؟! ياريت الدنيا بنفس البساطة دي... مكنتش سبيل حبيبتك ماتت من تلت سنين."


في اللحظة التي سمع فيها ليث تلك الكلمات، وكأن الأرض سُحبت من تحت قدميه. أفلت شاهر من بين يديه، وابتعد عنه بضع خطوات، عيناه متسعتان بذهول، وقلبه ينبض بعنف يكاد يمزق صدره. أخذ يردد كالمجنون:


"إيه؟ سبيل ماتت؟! أنت كداب! أنت مجرم! مستحيل! لا! سبيل عايشة! سبيل لا يمكن تكون ماتت!"


لكن جسده لم يحتمل الصدمة. شعر بدوار شديد، ثم لم يعد يرى شيئًا، وانهار فاقدًا للوعي.


نظر شاهر إلى سديم التي كانت تقف على مقربة، تتابع المشهد بقلق، ثم سألها بحدة:


"كان بيعمل إيه هنا؟"


تلعثمت سديم، وأجابت بتوتر:


"هو جارنا في البيت اللي قصادنا هناك، وكان جاي يدرب معايا و..."


رفع شاهر يده مقاطعًا:


"خلاص، مش مهم."


ثم التفت إلى رجاله وأمرهم ببرود:


"شيلوه، ارموه في بيته."


وبعدما حمل الرجال جسد ليث ورحلوا به، جلس شاهر على الأرجوحة، يتأرجح ببطء، وعيناه شاردة في الفراغ، غارقة في أفكار غامضة لا يعلمها أحد سواه.


شاهر (بصوت حاد وبارد): "إنتِ بتهزري يا سديم؟ إزاي تدخلي حد غريب بيتي من غير ما ترجعي لي؟"


سديم (بتوتر واضح): "هو مش غريب، ده جارنا، وكان بيدرب معايا، مكنش في حاجة تستدعي..."


شاهر (مقاطعًا بغضب، يقترب منها مهددًا): "مين اللي يحدد إذا كان في حاجة تستدعي ولا لأ؟ إنتِ؟!"


سديم (تحاول التبرير وهي تتراجع خطوة للخلف): "أنا بس فكرت إنه مفيش ضرر، وإنت مش موجود طول الوقت، والبيت فاضي..."


شاهر (يضرب بيده على الطاولة بقوة، يجعلها تقفز من الفزع): "البيت فاضي؟! إنتِ بتشتغلي عندي بقالك كام سنة ولسه مفهمتيش إن هنا مفيش حاجة اسمها فاضي؟ كل شيء تحت السيطرة، وأي حد يدخل المكان ده لازم يكون بموافقتي!"


سديم (بصوت منخفض، تحاول التماسك): "ماكانش قصدي أضرك..."


شاهر (باحتقار): "ولا فارقة معايا قصدك! بس واضح إنك بقيتي مستهترة، وده شيء مش مقبول عندي. تفتكري لو الراجل ده طلع مش مجرد جار؟ تفتكري ممكن يكون إيه؟"


سديم (تخفض رأسها، تدرك خطورة ما فعلت): "أنا آسفة، مش هتتكرر."


شاهر (بصوت أكثر هدوءًا لكن لا يقل قسوة): "مش هتتكرر؟ آه فعلًا مش هتتكرر... لأنك لو غلطتي تاني، مش هتفضلي هنا عشان تعتذري."


سديم (تبلع ريقها بخوف، تدرك أن التهديد ليس مجرد كلام، وإنما قرار محسوم): "مفهوم."


شاهر (ينظر لها نظرة طويلة، ثم يبتعد وهو يتمتم ببرود): "مفهوم... كويس."


سديم (بتردد وهي تراقب ملامحه الغاضبة): "هو... هو كان بيدور على واحدة اسمها سبيل."


شاهر (تتجمد ملامحه، ينظر إليها نظرة خطرة): "وإنتِ مالك ومال الموضوع ده؟"


سديم (تحاول التظاهر باللامبالاة لكنها تشعر بقلبها ينبض بسرعة): "كان بيقول إنها حبيبته، وإنك خطفتها من سنين... وإنك طلبت فدية."


شاهر (يضيق عينيه، يتقدم نحوها ببطء، نبرته خطيرة): "وإنتِ صدقتِ؟"


سديم (تحاول أن تبدو ثابتة لكنها تتراجع خطوة للخلف): "أنا... أنا بس بسأل، يعني لو فعلًا كانت معاك... حصل لها إيه؟"


شاهر (يبتسم ابتسامة باردة تثير القشعريرة): "ليه مهتمة كده؟ خايفة تكوني ساعدتي واحد بيدور على وهم؟"


سديم (بهمس وهي تشعر بقلق يتسلل إلى قلبها): "يعني إيه وهم؟ هو قال إنها كانت هنا، وقال إنه شاف حاجات تخصها..."


شاهر (يقاطعها بقسوة، نبرته حادة كالسيف): "اللي كان هنا اختفى، واللي راح مابيرجعش، فهمتي؟"


سديم (بصوت مهزوز، تحاول استجماع شجاعتها): "يعني سبيل ماتت؟"


شاهر (ينحني قليلًا حتى تصبح عيونه بمستوى عيونها، يهمس ببرود قاتل): "لو ماتت... فهي محظوظة."


سديم (تشعر برعشة باردة تسري في جسدها، تراقبه وهو يبتعد عنها بخطوات هادئة لكنها مشحونة بالخطر، تدرك أنها اقتربت من شيء لا يجب عليها لمسه...)


سديم (تحاول التماسك لكن صوتها يخرج ضعيفًا): "محظوظة؟ يعني إيه؟ هي... هي لسه عايشة؟"


شاهر (يتوقف عن المشي، ثم يلتفت إليها بنظرة غامضة): "اللي يختفي من حياتي إما بيموت... أو بيتمنى إنه كان مات."


سديم (تشعر بقلبها يهبط إلى قدميها، تبلع ريقها وتحاول ألا تُظهر ارتجاف يديها): "إنت... إنت عملت فيها إيه؟"


شاهر (يقترب منها بخطوات بطيئة، نبرته هادئة لكنها كالسكاكين): "إنتِ بتسألي أسئلة مش من حقك، وبتتصرفي تصرفات هتندمي عليها... مين سمح لك تدخّلي حد غريب بيتي؟"


سديم (تحاول التراجع لكنها محاصرة ببرودة صوته ونظراته): "ما كنتش أعرف إنه عدوك... كان بيدرب معايا وبس، والله ما كنت عارفة!"


شاهر (يشبك يديه خلف ظهره، يراقبها كالصياد يطارد فريسته): "ما كنتيش عارفة؟ يبقى غباء، ولو كنتِ عارفة، يبقى خيانة... فاهمة أنا شايفك إزاي دلوقتي؟"


سديم (بصوت مرتعش): "أنا مش خائنة..."


شاهر (يقترب حتى تصبح المسافة بينهما شبه معدومة، يهمس بجفاء): "لما حد غبي يغلط، بيدفع تمن غبائه... بس لما حد يخوني، بيدفع تمن أكبر."


سديم (تحاول جمع شجاعتها، تحاول تفادي عينيه لكنها تفشل): "أنا مش خايفة منك!"


شاهر (يبتسم ابتسامة زائفة، يرفع حاجبه ساخرًا): "لازم تكوني... وإلا هعلمك الخوف بنفسي."


سديم (تلتقط أنفاسها بصعوبة، تدرك أنها دخلت إلى عالم لم يكن من المفترض أن تقترب منه... لكن الآن، لم يعد هناك مفر.)


سديم (تحاول السيطرة على رجفتها، لكنها تتجرأ وتسأل): "حبيبة ليث... سبيل... عملت فيها إيه؟"


شاهر (يضيق عينيه قليلًا، كأنه يقيم إن كانت تجرؤ حقًا على سؤاله، ثم يبتسم بسخرية): "إنتِ بتكرري الأسئلة اللي ممكن تموّتك، سديم."


سديم (تصر على موقفها، رغم خوفها): "أنا بشتغل عندك من زمان، عمري ما سألتك عن حاجة... بس المرة دي، عايزة أعرف."


شاهر (يضيق المسافة بينهما، صوته ينخفض لكن نبرته تحمل تهديدًا خفيًا): "ليه فجأة مهتمة؟ إيه علاقتك بيها؟"


سديم (تحاول التماسك): "مش علاقتي بيها... علاقتك إنت بيها، ليه خطفتها؟ ليه دفعت حياتها تمن حاجة أنت عايزها؟"


شاهر (يضحك ببرود، كأنها ألقت أمامه نكتة سخيفة): "يا سديم، الحياة مكانش المفروض تكون سهلة عليها... ولا عليه."


سديم (تتراجع خطوة، تحاول فهم كلماته): "يعني إيه؟ أنت عذّبتها؟ قتلتها؟ هي عايشة ولا...؟"


شاهر (يقطع كلماتها بجفاء): "اللي مات... مات، واللي فضل حي، فضل حي عشان يتعذب أكتر."


سديم (تتراجع أكثر، تشعر ببرودة تسري في جسدها): "أنت وحش..."


شاهر (يبتسم ببطء، وكأنه يتلذذ بالخوف في عينيها): "وأنتِ متأخرة جدًا عشان تكتشفي ده."


سديم (تحاول أن تستجمع أنفاسها، تدرك أنها فتحت بابًا لم يكن يجب عليها لمسه، لكنها لا تستطيع التراجع الآن.): "طيب... ليث مش هيوقف، مش هيصدق إن سبيل ماتت، هيحاول يوصّل للحقيقة."


شاهر (يقترب أكثر، يميل برأسه قليلًا، يهمس كمن يخبرها بسر خطير): "وعلشان كده... مش هيفضل حيّ كفاية عشان يكتشفها."


سديم (عيناها تتسعان بالرعب): "لا..."


شاهر (يبتعد عنها أخيرًا، يلقي نظرة جانبية عليها، وكأنها لم تعد ذات أهمية): "خلاص، خلينا نرجع للشغل... ومتزعليش، لما ييجي دوره، هبعت لك دعوة للجنازة."


سديم (تضع يدها على فمها، تحاول ألا تصرخ، لكنها تعرف أن ليث في خطر... خطر حقيقي.)


عادت ليان من المتجر، لتجد ليث ملقى على الأرض في غرفة المعيشة، فوضويًا تمامًا، كما لو أن عاصفة هوجاء مرت به. هرعت إليه، انحنت بجانبه، وهزته برفق وهي تردد اسمه بقلق:


"ليث! ليث، فوق! أنت سامعني؟!"


تحرك جسده قليلًا، ثم فتح عينيه ببطء، وكأنه عائد من عالم آخر. جلس ببطء، لكنه ما لبث أن انفجر في بكاء هستيري، صوته يرتجف بين شهقاته:


"ليان... سبيل ماتت، سبيل ماتت! الأمل اللي كنت عايش علشانه راح!"


تجمدت ليان للحظة، قبل أن تسأله بصدمة:


"إنت عرفت منين؟!"


مرر يده المرتعشة على وجهه، ثم نظر إليها بعينين محمرتين:


"الراجل اللي خطفها... البيت اللي قصادنا هناك... شوفته! طلع مش وهم، طلع حقيقي، موجود هنا! أنا مش مجنون، ليان، متبصيش لي كده... روحي اتأكدي بنفسك!"


حاولت ليان تهدئته، لكنها رأت في عينيه انهيارًا لا رجعة فيه، فمدت يدها إلى الدواء الذي وصفه له الطبيب لحالات الانهيار العصبي الشديد، وأعطته له قائلة برفق:


"خد ده الأول، واهدأ... وبعدها هنشوف هنعمل إيه."


توجهت ليان بحذر إلى المنزل الذي أمامهم ، فهي لا تثق في قول ليث تماما .

يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا ممدوح، لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة