-->

رواية جديدة على سبيل الألم لرانيا ممدوح - الفصل 37 - الأحد 16/3/2025


 قراءة رواية على سبيل الألم كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية على سبيل الألم 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا ممدوح 

الفصل السابع والثلاثون


تم النشر الاحد

16/3/2025

تقدمت ليان نحو المنزل المقابل بحذر، تتلفت حولها، غير متأكدة مما ستجده هناك. صحيح أنها لا تثق تمامًا بكلام ليث، لكنها رأت الانهيار في عينيه، ولم تستطع تجاهل الأمر.


دقت الباب بخفة، لكنه كان مفتوحًا بالفعل، فدفعت الباب ودخلت ببطء. كان المكان هادئًا بشكل مريب، حتى وقع نظرها على رجل يجلس على الأريكة بكل أريحية، ساقٌ فوق الأخرى، يعبث بكوب قهوته بهدوء. رفع رأسه نحوها، ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة واسعة:


"عرفتي بيتي إزاي؟"


تجمدت ليان في مكانها، تذكرت فجأة حينما كان ليث يعاني من إحدى نوبات صدمته، كان يردد بجنون: "عينه زرقاء... عينه زرقاء!". الآن، وهي تنظر لهذا الرجل، لم تستطع أن تتجاهل لون عينيه الأزرق الحاد.


لم تتراجع، بل رفعت ذقنها وسألته مباشرة:


"أنت إيه علاقتك بسبيل وليث؟ هل فعلاً سبيل ماتت؟ وماتت إزاي؟"


أمال شاهر رأسه قليلًا، كأنما يستمتع بالموقف، ثم قال بنبرة متسائلة:


"بتسألي ليه؟ وعرفتي ليث منين؟"


تقدمت ليان خطوة للأمام، نظراتها تشتعل بالغضب، وصوتها خرج حادًا مليئًا بالتهديد:


"ليث ابن عمي، وسبيل تبقى مراته، وأنا عايزة أعرف إيه اللي حصل لسبيل هوديك في ستين داهية يا شاهر"


لم يتزحزح شاهر من مكانه، بل تنهد بملل قبل أن يرد بنبرة باردة:


"عصبيتك دي مش هترجع سبيل، ويا ريت اللي بينا ما يتأثرش بحاجة تافهة زي دي."


اشتعل الغضب في عينيها أكثر، وصاحت بانفعال:


"حاجة تافهة؟! انت إنسان معندكش قلب، معندكش ضمير! دمرت حياة اتنين كانوا من أسعد الأزواج .انت متعرفش ليث كان عايش إزاي طول التلت سنين اللي فاتوا، إزاي كان بيموت بالبطيء كل يوم! انت إنسان حقير!"


ثم أشارت إليه بإصبعها، وكأنها تلقي عليه لعنة:


"أنا هاخد ليث ونرجع مطرح ما كنا، وانت ربنا هينتقم منك، واللي عملته، متقلقش، هيتردلك قريب جدًا!"


لمعت عينا شاهر للحظة وكأنه استشعر التحدي في كلامها، لكنه لم يرد، فقط اكتفى بنظرة غامضة وهو يراها تستدير لتخرج من منزله، عزمها واضح في خطواتها المتسارعة.


غادرت ليان المكان وهي تبكي بمرارة، تشعر وكأن قلبها يُسحق تحت وطأة الحقيقة القاسية. لم يكن الألم فقط بسبب فقدان سبيل، بل بسبب خيبة الأمل التي بلغ صداها عنان السماء. لقد كانت تأمل، ولو قليلًا، أن تجد بصيص أمل، أي شيء يُمكن أن يُعيد ليث للحياة، لكن بدلًا من ذلك، وجدت الحقيقة التي دمرته تمامًا.


عادت إلى المنزل برفقة ليث ووالدها، وكل خطوة كانت تثقل على صدرها أكثر. لم يكن الأمر مجرد صدمة، بل كان انهيارًا كاملًا لكل ما بناه ليث خلال السنوات الماضية. تواصلت ليان مع الطبيب المعالج، الذي بدا قلقًا للغاية. هذه الصدمة كانت أقوى من أي شيء مر به ليث من قبل، والآن، لم يعد هناك سبب يدفعه للاستمرار.


الشيء الوحيد الذي جعله يُقاتل طوال هذه السنوات كان أمله في أن تعود سبيل يومًا ما. كان حلمه، طوق نجاته، والوعد الذي تعلّق به حتى لا يغرق في ظلامه. لكن الآن؟ سبيل لم تعد موجودة. رحلت إلى الأبد. إذن، لماذا يعيش هو أيضًا؟


أصبح ليث يتلقى جرعات مضاعفة من المهدئات حتى يتمكن من النوم، لأنه في كل مرة يستيقظ، يبدأ في الصراخ، ينادي سبيل، يطلب منها ألا تتركه، وكأنها لا تزال قريبة، وكأنه يرفض تصديق أنها لم تعد هنا. حالته كانت مأساوية، كأنه عاد إلى نقطة الصفر، وكأن رحلة العلاج لم تبدأ أبدًا.


جلست ليان بجواره، تمسح على شعره وهو يغط في نوم مضطرب، عيناها مليئتان بالدموع. لم تكن تعرف كيف تُعيده للحياة، لكن ما كانت متأكدة منه هو أن شاهر لن يفلت بفعلته.


(في منزل ليث، تجلس ليان بجواره وهو مستلقٍ على السرير، وجهه شاحب وعيناه منتفختان من كثرة البكاء، الطبيب يقف على الجانب، يراقب حالته بقلق.)


ليان (بحزن وقلق): "دكتور، ليث مش بيتحسن، بالعكس حالته بقت أسوأ، كل شوية يصحى يصرخ باسم سبيل، أنا مش عارفة أعمل إيه."


الطبيب (متنهداً): "اللي حصل كان صدمة قوية جداً، أي مريض طبيعي كان ممكن ينهار، فما بالك بليث اللي كان عايش على أمل واحد طول السنين اللي فاتت؟"


ليان (بصوت متهدج): "طب نعمل إيه؟ نفضل نديله مهدئات لحد ما ينسى؟"


الطبيب (بجدية): "المهدئات مش علاج، دي مجرد تهدئة لحظية، لكن الألم موجود، المشكلة مش في الصدمة بس، المشكلة إن ليث فقد معنى الحياة."


ليان (بحزم، تمسح دموعها): "أنا مش هسيبه يضيع كده، لازم يلاقي سبب تاني يعيش عشانه."


الطبيب: "وده دورك يا ليان، لازم تساعديه، تخرجيه من العزلة، تفكريه إنه مش لوحده."


(يسمعان صوت أنين خافت، يفتح ليث عينيه ببطء، ينظر إليهما بارتباك ثم يهمس بصوت مبحوح.)


ليث: "ليان... هي راحت فعلاً؟"


(تنظر إليه ليان بألم، تمسك يده بحنان شديد.)


ليان: "سبيل في مكان أحسن دلوقتي، بس إنت لسه هنا، وإحنا محتاجينك، أنا محتجاك يا ليث."


(يشرد ليث في السقف، ثم يبتسم ابتسامة حزينة، وكأنه ما زال عالقًا بين الواقع والخيال.)


ليث (بهمس): "أنا كنت عايش علشانها، دلوقتي مش عارف أعيش إزاي من غيرها..."


(تشد ليان على يده بقوة، عيناها تلمعان بالتصميم.)


ليان: "هنعيش علشان نعرف الحقيقة، علشان نعرف مين كان السبب، وعلشان نحاسب اللي دمر حياتها وحياتك."


(ينظر إليها ليث بصمت، وكأن شرارة صغيرة من الأمل بدأت تضيء وسط ظلامه الدامس.)


(يمر لحظات من الصمت، لا يُسمع فيها سوى صوت أنفاسهم المتقطعة، ينظر ليث إلى ليان، يرى الإصرار في عينيها، لكن قلبه ما زال مثقلاً بالحزن.)


ليث (بصوت ضعيف): "وحتى لو عرفت الحقيقة... ده هيرجعها؟"


ليان (بحزم): "لأ، بس هيريّح قلبك، وهيدي روحها حقها... سبيل ما تستحقش نهايتها تكون مجرد ذكرى مؤلمة، لازم نعرف إيه اللي حصل، وإنت أكتر واحد تقدر توصل للحقيقة."


(يشيح ليث بوجهه، وكأنه يحاول الهروب من كلماتها، لكنه يعلم أنها محقة. يمرر يده في شعره بتوتر، ثم يضغط على عينيه بأصابعه وكأنه يحاول كبح دموعه.)


ليث: "بس أنا تعبان، تعبان قوي، مش قادر حتى أفكر... كل حاجة جوايا مكسورة."


(تقترب منه ليان أكثر، تمسك بكتفيه وتجبره على النظر إليها.)


ليان: "أنا مش هسيبك، ومش هسيب اللي دمر حياتك وحياة سبيل يفلت من العقاب، وإنت مش هتسيبهم برضه، مش هتسمح لحياتك تضيع كده، صح؟"


(ينظر إليها ليث بعيون غارقة بالدموع، ثم يشهق بقوة، وكأن شيئًا ما داخله بدأ يتحرك. يمرر يده على وجهه، وكأنه يحاول مسح آثار الألم، ثم يزفر ببطء.)


ليث: "لازم أعرف الحقيقة، حتى لو كانت هتحرقني أكتر..."


(تبتسم ليان رغم دموعها، أخيرًا، ليث لم يعد مجرد رجل محطم، بل أصبح رجلًا يبحث عن إجابات، يبحث عن العدالة... وربما عن الانتقام.)

..

في محل عمل ليان، جاءها المساعد ليخبرها أن هناك شخصًا يريد رؤيتها. لم تتردد في السماح له بالدخول، ظنًا منها أنه مجرد عميل جديد. لكن عندما وقعت عيناها عليه، أدركت خطأها على الفور. كان شاهر.


تجمدت ملامحها، عبست بوضوح، وشعرت ببركان الغضب يتصاعد داخلها. لم تكن تتوقع أن تراه مجددًا، بل كانت تظن أنه لن يجرؤ على الظهور أمامها مرة أخرى. لكن يبدو أن شاهر لا يعرف معنى حفظ ماء الوجه.


وقفت، متصلبة الملامح، وعيناها تقدحان شررًا، قبل أن تتحدث بصوت مشحون بالغضب:

"وكمان جاي هنا مكان شغلي؟ ليك عين؟! أما أنت إنسان بجح بجد يعني!"


لم يبدُ على شاهر أي تأثر بكلماتها، فقط نظر إليها بهدوء وقال بثبات:

"أنا عايز أقابل ليث ضروري."


ضحكت ليان بسخرية، وهي تهز رأسها، وكأنها لا تصدق وقاحته:

"طبعًا، أصل إحنا تحت أمرك في أي وقت! الباشا يؤمر وإحنا ننفذ على طول من غير مناقشة! مش معقول في ناس بجحة كده! اتفضل اطلع برا، وياريت لو تملك ذرة رجولة، منشوفش وشك تاني! وتحمد ربنا أننا سبناك من غير قضايا."


ظل شاهر واقفًا، لم يبدُ عليه الانزعاج، لكنه أيضًا لم يكن بنفس البرود المعتاد. للحظة، خُيل إليها أنه تأثر بكلماتها، لكن سرعان ما استعاد هدوءه وقال بصوت منخفض:

"على العموم، أنا كنت عايز أساعد ليث... طيب، أنا ماشي."


قبل أن يخطو مبتعدًا، ترددت ليان لوهلة، ثم قالت، بصوت أقل حدة مما قبل:

"استنى... عايزه في إيه؟"


لم يلتفت إليها تمامًا، لكنه أجاب بنفس الهدوء الغامض:

"مش هقول غير ليه. ياريت توصليني بيه في أسرع وقت."


زفرت ليان بضيق، شعرت بالحيرة، لكنها لم تكن مستعدة للمخاطرة بحالة ليث المتدهورة. لذا، ردت بتحذير واضح:

"لازم أمهدله الأول، علشان هو تعبان، ولو شاف... وشك العكر ده، هيتعب أكتر."


نظر إليها للحظة، وكأن هناك شيئًا يريد قوله، لكنه اختار الصمت، ثم استدار ورحل، تاركًا ليان في دوامة من التساؤلات التي لم تجد لها إجابة بعد.


نظر إليها شاهر بابتسامة ساخرة، وعيناه تلمعان بمكر، قبل أن يقول بنبرة تحمل شيئًا من الاستفزاز:


"متشكر جدًا يا أستاذة ليان على كلماتك الجميلة دي."


اشتعلت عيناها بالغضب، لكنها تماسكت، لا تريد أن تمنحه متعة رؤية انفعالها. زفرت بضيق قبل أن ترد ببرود:


"ياريت تسيب شُكرك عندك وتمشي، لأن وجودك هنا بيضايقني."


ضحك شاهر بخفة، ثم رفع يديه باستسلام مزيف وهو يقول:


"حاضر، حاضر، بس فكري كويس... اللي عندي مهم، وممكن يكون الحل الوحيد لليث."


تراقصت الشكوك في رأسها، لكن كبرياءها منعها من إبداء أي اهتمام. نظرت إليه بحدة وقالت بجفاء:


"أنا اللي هقرر ده، مش انت. ولما أشوف الوقت المناسب، هوصلك بيه... لحد ما يحصل ده، أوعى تفكر تكرر زيارتك هنا."


لم يرد شاهر، فقط ابتسم ابتسامة غامضة، وكأنه واثق من أنها ستعود إليه، ثم أدار ظهره وغادر، تاركًا ليان غارقة في أفكارها، تحاول فك شفرات هذا الرجل الذي لا يكف عن مفاجأتها.


في المستشفى حيث يمكث ليث، دخلت ليان إلى غرفته بخطوات مترددة، تتطلع إليه بعينين مشفقَتين على حاله، لكنها كانت تعلم أن ما سيحدث الآن قد يغير كل شيء.


اقتربت منه وجلست بجواره، ثم همست بحذر: "حاول تتماسك يا ليث، واسمع لشاهر... لازم تعرف الحقيقة."


كان وجه ليث شاحبًا، عيناه غارقتان في التعب، لكن بمجرد أن دخل شاهر إلى الغرفة، قبض ليث على يده بقوة، وكأن مشاعره كلها تفجرت دفعة واحدة.


نظر شاهر مباشرة في عينيه، ثم قال بصراحة: "أنت عايز تعرف فين سبيل؟"


نظرت ليان إليه بتعجب، عقدت حاجبيها بذهول قبل أن تقول بحدة: "إنت مش قلت إنها ماتت؟!"


تنهد شاهر بعمق، ثم قال بصوت متعب: "أنا هقول كل حاجة علشان ارتاح من الحمل اللي على قلبي من سنين."


أصاب ليان الضيق، فنظرت إليه بنفاذ صبر وقالت بحدة: "اخلص يا شاهر، كفاية لف ودوران!"


توقف شاهر للحظة، وكأنه يجمع شتات أفكاره، ثم بدأ يتحدث:


"جدي خلف ولد وبنت... الولد هو والدي، الدكتور عبدالعزيز، دكتور جراحة كبير، طول عمره محترم وسمعته زي الجنيه الذهب. في يوم، لما كنت لسه صغير، قال لي إنه كان عنده أخت اسمها سميرة."


تجمد ليث في مكانه، وكأن تيارًا باردًا اخترق جسده، شهق بصوت مسموع، ثم تمتم بدهشة: "والدة سبيل كان اسمها سميرة..."


"أه، مظبوط. أخت والدي تبقى والدة سبيل، يعني سبيل تبقى بنت عمتي."


تنهد شاهر بعمق، ثم تابع بصوت مليء بالذكريات المؤلمة:


"عمتي كانت سيدة بسيطة، بتحب البساطة. لما جابت مجموع عالي، رفضت تدخل كلية الطب زينا، وقررت تدخل الهندسة، وعلشان جدي يعاقبها، سابها تتعلم في كلية عادية ومنعها من السفر للخارج. لكن حصل اللي جدي ماكنش عامل حسابه... إن بنته هتقابل شخص فقير، تحبه وتتجوزه من وراه.


اتحدته، وقفت قدامه وقالت له بوضوح إنها هتتزوجه، لكنه حذرها: لو اتجوزتيه، هقتلك يا سميرة! وفجأة... لاقوها اختفت، مابقاش ليها أي أثر.


لكن على مين؟ جدي لاقاها، وكان دمه حامي، مابيقبلش حد يعارضه أو يعمل حاجة غصب عنه، رغم إن والد سبيل وصل لمكانة كويسة وتليق بيه، لكن الحقد والكره كان مالي قلبه. حلف إنه هيقتلهم كلهم. وفعلاً، راح هو ورجالته يقتلوهم... قتلوا والد سبيل بوحشية، وأخدوا عمتي. كان ناوي يقتل سبيل كمان، لولا إنهم سمعوا صوت غريب، خافوا يكون شرطة، فهربوا وأخذوا عمتي معاهم.


فضل يعذب فيها لحد ما ماتت قدامه، ودفنها... ورغم كل اللي عمله، فضل يعيط عليها بحرقة.


بعدها، تابع الأخبار، وعرف إن سبيل اتحبست على ذمة القضية. كان فاكر إنها هتاخد إعدام أو خمس عشرة سنة على الأقل، لكن الحكم كان سبع سنين بس. بعد ما خلصتهم، فجأني والدي بالموضوع ده. هو اللي كان بيساعدها بفلوس داخل السجن.


ولما عرفت إن عمها مش مؤهل حتى إنه ياخد باله من فرخة، قررت أساعدها. دفعت الدين وأخدتها من هناك، وكنت ناوي أسفرها برّا مصر.


لكن اضطريت أسافر فجأة، علشان والدي كان تعبان جدًا، ومحتاج دم فصيلته نادرة. لما شفت التقارير الطبية الخاصة بسبيل، لقيتها عندها نفس فصيلة الدم.


أقنعت جدي إنه يسامحها، وإنها مالهاش ذنب. قلت له: خلاص، انتقمت وعملت اللي كنت عايزه، البنت مالهاش ذنب! وبعد صعوبة، أخيرًا اقتنع إنها تنضم للعائلة.


ولما رجعت، بلغني السواق إنه فضل مستني سبيل، لكنها مجتش. دورت عليها في كل مكان، لكن بدون أي نتيجة..."


لقيت جدي بيتصل عليّ، قال لي أروح أجيبها من مكان معين، وبعت لي العنوان. كان نفس المكان اللي فيه الفرح. اتفاجأت برجالته هناك، والأغرب من كده، إنك إنت وسبيل كنتوا اتجوزتم!


طبعًا، مقدرتش أعمل حاجة، واضطريت أجاري الوضع، علشان ما أتحطش في مصيبة زيها، ويمكن كمان أقدر أساعدها.


أول ما وصلنا البيت، استقبلها جدي بصفعة قوية على وجهها. وقعت على الأرض من قوة الضربة، وهو واقف فوقها، ناظرًا إليها بقسوة، وصوته كان مليان غضب وكراهية وهو بيقول:


"لابسة أبيض؟ حتى في ده طلعتِ رخيصة زي أمك! يوم ما تتجوزي، تتجوزي في حتة زي دي؟!


سكت لحظة، وكأن الكلمات تختمر في صدره، قبل ما يضيف بصوت أشد قسوة:


"أنا لازم أخلص منك، زي ما خلصت على أمك!"


سحبها لغرفة التعذيب، المكان اللي كان مليان بكل أدوات العذاب اللي ممكن تتخيلها.


مسك كرباج فيه أشواك، وبدأ يجلدها بقسوة، كأنه كان بيحاول يكسر إرادتها، يجبرها على الاستسلام، على إنها تستسمحه وتقول إنها رافضة الجواز ده. لكنها، رغم الألم، كانت بتردد بنفس القوة:


"بحبه، اخترته بمزاجي، وعمري ما هكرهه أبدًا."


الكلمات دي زادته جنونًا، فمسك أداة مدببة، الأداة اللي بتتحط في الأصابع، وكنت عارف إنه ناوي على شيء أسوأ.


أنا مقدرتش أستحمل. خرجت برا، بعيد عن المشهد اللي ماكنتش قادر أواجهه. عارف لو تدخلت، مصيري هيكون زيها بالضبط... الموت. جدي مايعرفش الرحمة، راجل قاسي، بارد المشاعر، لا يردعه شيء.


في الآخر، أمر رجاله يرموا سبيل في مكان بعيد، مكان ماعرفش فين. لكن، من حسن الحظ، كنت حاطط في جسمها شريحة تتبع، الشريحة دي كانت متوصلة على اللابتوب اللي في بيت جدي. قدرت أوصل لمكانها، لكن لما لاقيتها... كانت مشوهة تمامًا.


ماكانش عندي وقت، كان لازم أتصرف بسرعة، فحطيت مكانها جثة تانية علشان يفتكروا إنها ماتت، وإن جدي قدر يخلص منها للأبد. بعد كده، دخلتها مستشفى لصديق لي، وفضلت تتعالج هناك بسرية تامة لمدة سنتين.


ملامحها كانت ضايعة تمامًا، لكن لحسن الحظ، الطبيب قدر يعمل لها عمليات تجميل. المشكلة إن العمليات دي غيرت ملامحها بالكامل. فضلت ست شهور فاقدة للنطق، وسنة كاملة للاستشفاء من الألم اللي عانته.


وفي النهاية، الطبيب قالي إنها فقدت الذاكرة، لأن جزء من دماغها تضرر، لكن تماثلت للشفاء، والذاكرة ممكن ترجع لها في أي وقت...


جلس ليث على حافة السرير، عيناه تلمعان بدموع لم يعد قادرًا على كتمانها. بصوت مرتجف، سأل:


- طب هي فين؟ مختفية علشان شكلها بقى وحش؟ أنا بحبها، أيا كان شكلها.


تنهد شاهر، وكأن حملاً ثقيلاً لا يزال جاثمًا على صدره، ثم قال:


- ودّيتها مكان محدش يتخيل إنها فيه. بعد ما الطبيب أكد لي إنها فقدت الذاكرة، طلب مني أحاول أنعش ذاكرتها. جبت صندوق فيه كل حاجة تخصها، وكتاب عن رياضة التنس، وعملت لها ملعب تنس صغير... لكن مفيش فايدة.


اتسعت عينا ليث وهو يهمس بصوت مبحوح:


- سديم؟


أومأ شاهر ببطء:


- آه، هي غيرت اسمها، واشتريت لها البيت ده وكتبته باسمها. كل وقت أروح أطمن عليها. حاولت أتواصل معك بشكل سري، لكنك كنت مشغولًا في إنجازاتك.


ثم مد يده في جيب معطفه وأخرج كارتًا صغيرًا يحمل اسم الطبيب المعالج.


- ده رقم وعنوان الدكتور، هو يقدر يفهمك أكتر مني. أنا لحد كده، ودوري انتهى.


بلا كلمة أخرى، استدار شاهر واتجه نحو الباب، فتحه، ثم خرج مغلقًا إياه خلفه دون أن ينظر إليهما.


ظل الصمت مخيمًا على الغرفة، ليث وليان ما زالا مصدومين مما سمعاه. لم يتخيلا أبدًا أن كل هذا قد حدث في تلك السنوات.


أفاق ليث من ذهوله والتقط هاتفه بسرعة، اتصل بالطبيب، وحدد معه موعدًا دون تردد.

يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا ممدوح، لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة