-->

رواية جديدة الخطيئة لرانيا ممدوح - الفصل 3 - الإثنين 3/3/2025


 قراءة رواية الخطيئة كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية الخطيئة 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا ممدوح 

الفصل الثالث


تم النشر الإثنين

3/3/2025

كانت عائلة رباب تنظر إلى عابد بعين التقدير والإعجاب. ليس فقط لأنه شاب ناجح ومتفانٍ في عمله، بل لأنه أثبت في كل موقف أنه أهل للثقة والاحترام. كانوا يرونه دائمًا جزءًا من العائلة، ليس مجرد اخ الصديقة المقربة لرباب ريحانة، بل الأخ الأكبر الذي كان حاضرًا في كل المناسبات، داعمًا في الأوقات الصعبة، ومرحبًا بالفرح حين يأتي.


أم رباب، السيدة نبيلة، كانت تتحدث عن عابد بفخر، وتقول: "عابد دا ابن أصول، مفيش زيه النهارده، ده هيكون سند لبنتي طول العمر". وكان والدها، الحاج محمود، يرى في عابد الزوج المثالي لابنته، فهو رجل يعرف قيمة الأسرة ويقدر المسؤولية.


رباب كانت تدرك تطلعات أهلها، لكنها كانت تردد دائمًا: "أنا وعابد لسه قدامنا طريق طويل، أهم حاجة إنه يفضل جمبي زي ما هو، خطوة الزواج هتيجي لما تكون في وقتها الصح". وكانت كلماتها هذه تُشعر أهلها بالاطمئنان، فهم يعلمون أنها تتمسك بالمبادئ والقيم التي تربت عليها، وفي نفس الوقت تحترم علاقتها بعابد وتقدر حبه لها.

❈-❈-❈

مع مرور الوقت، كانت العائلة تُلمح أحيانًا عن رغبتها في رؤية الخطوة الرسمية تُتخذ. تقول أم رباب في إحدى الجلسات: "يا عابد، إحنا منتظرين اليوم اللي نشوفك فيه عريسنا رسمي. البيت مش هيكون كامل غير لما تبقى فرد مننا". فيبتسم عابد، ويرد: "والله يا طنط نبيلة، أنا واثق إن اليوم ده هيجي قريب، بس ربنا يقدرنا ونخلص كل اللي ورانا الأول".


هذا الجو المليء بالحب والدعم جعل العلاقة بين عابد ورباب أقوى، فالاهتمام الذي أظهرته عائلة رباب لم يكن مجرد كلام، بل كان دافعًا لعابد كي يُثبت نفسه أكثر ويُظهر حبه لرباب في كل خطوة يتخذها.


بعد زيارة طويلة إلى منزل رباب، حيث استمتع بحديث عفوي مع عائلتها وتناول معهم العشاء في أجواء دافئة، قرر عابد المغادرة متأخرًا عن المعتاد. عندما قام من مجلسه ليودعهم، ألحت أم رباب، قائلة:


"يا عابد، مالك مستعجل؟ أقعد شوية، إحنا ما شبعناش من وجودك."

ابتسم عابد بلطف وأجاب: "ربنا يخليكي يا طنط نبيلة، بس لازم أمشي دلوقتي. بكرة عندي شغل من الصبح، وعايز أكون مركز."


رباب وقفت بجواره وهي تحمل بعض الأكياس الصغيرة التي أعدتها له أمها، مليئة بالطعام والحلوى. قالت مازحة:

"هو أنت فاكر إنك هتمشي من غير الأمانة دي؟"

ضحك عابد وقال: "أنا مش عارف أقول إيه، كل مرة بخرج من هنا شايل كأنكم بتجهزوني لسفر طويل."


بجو من المحبة ودعه الجميع حتى الباب، ليجد نفسه بعدها عائدًا في طريقه إلى منزل العائلة. الطريق كان هادئًا تحت سماء مرصعة بالنجوم، وعابد يشعر بمزيج من الراحة والامتنان. كل لحظة قضاها في منزل رباب زادته يقينًا بأن هذا الحب ليس مجرد شعور عابر، بل ارتباط عميق بينه وبين عائلة رباب، التي باتت أقرب إلى قلبه يومًا بعد يوم.


عندما دخل عابد منزل العائلة، كان المنزل هادئًا إلا من صوت التلفاز في غرفة والده. مر على غرفة المعيشة حيث كانت أخته جود مستغرقة في تصميم أحد مشاريعها، تحيط بها الأوراق وأقلام الرسم. رفع حاجبه قائلاً:

"إيه ده يا جود؟ الشغل ده مش ناوي يخلص ولا إيه؟"

نظرت إليه بابتسامة مرحة: "ما أنت لو ساعدتني شوية، ممكن نخلص أسرع."

رد عابد ضاحكًا: "أنا كفاياني شغل النهارده. هسيبك لوجع الدماغ ده ."

❈-❈-❈

توجه إلى غرفته، خلع معطفه ووضع الأكياس التي أحضرتها له رباب على المكتب. بينما كان ينظر إليها، تذكر نظراتها عندما ودعها. تلك النظرات المليئة بالمحبة والدعم جعلته يبتسم لنفسه ويهمس: "رباب... أنا محظوظ بيكي وبعيلتك."


في تلك اللحظة، شعر عابد أنه ليس وحده في رحلته، فهناك من يشاركه الأحلام، يشاركه الحب، ويمنحه القوة ليكمل طريقه بكل ثقة.


بينما كان عابد يستريح في غرفته بعد يوم طويل، دخل الجد وهدان فجأة، ودون استئذان، يعلو على وجهه ملامح الغضب والجدية. وقف عابد مندهشًا وقال:

"خير يا جدي؟ إيه اللي حصل؟"


الجد وهدان، بصوته العميق الذي يفرض هيبته، أجاب:

"تعال معايا المكتب يا عابد. عايز أكلمك في موضوع مهم."


شعر عابد بالتوتر. نبرة الجد لم تكن عادية، فكان يعلم أن شيئًا ما أزعجه بشدة. تبعه بخطوات بطيئة نحو مكتب الجد في الطابق السفلي، حيث كانت الغرفة دائمًا رمزًا للنقاشات الحاسمة في العائلة.


جلس الجد على كرسيه الجلدي الكبير وأشار إلى عابد بالجلوس أمامه. بعد لحظة صمت، قال:

"إيه الحكاية اللي سامعها عنك وعن البنت دي... رباب؟"


نظر عابد إلى جده بتوتر وقال:

"إيه اللي سمعته، يا جدي؟ مفيش حاجة غلط."


أكمل الجد، وهو يضع يده على المكتب بقوة:

"سمعت إنك شغال تصرف عليها وعلى عيلتها! هدايا ومجوهرات ولبس... ده تصرف مش مقبول. أنت بتعمل كده ليه؟ ودي مكانها الرسمي في حياتك ايه؟ ا ولا لسه بتلعب دور الحبيب اللي مش واضح إنه هيخلص ؟"


شعر عابد بالارتباك للحظة، لكنه حاول أن يبقى هادئًا. أجاب بثقة:

"يا جدي، أنا مش بصرف عليها عشان أثبت حاجة. أنا بحبها فعلاً، وده طريقتي إني أكون داعم ليها ولعيلتها. رباب مش مجرد أي حد، دي إنسانة محترمة ومن حقها تعيش حياة كريمة. و... نعم، عندي نية رسمية، بس هستنى لحد ما هي وريحانة يتخرجوا."


الجد نظر إليه نظرة طويلة قبل أن يرد:

"يا عابد، الحب حاجة جميلة، بس لازم تكون حكيم. الحب مش معناه إنك تهمل مسؤولياتك أو تبالغ في التعبير. كل حاجة ليها وقتها. وأنا مش ضد إنك تتجوزها، لكن كل حاجة لازم تكون بحدود. فاهمني؟"


هز عابد رأسه وقال بهدوء:

"فاهمك يا جدي. وأنا عمري ما أعمل حاجة تخجل العيلة أو تسيء لسمعتنا."


تنفس الجد بعمق، وكأن غضبه بدأ يهدأ قليلاً، وقال:

"طيب يا عابد. أنا مش هقف ضدك، لكن خليك حكيم. وأي خطوة جديدة تخص البنت دي، لازم تكون واضحة وتشاركنا فيها."


ابتسم عابد وقال:

"طبعًا يا جدي. وعد."


نهض الجد وهدان من مقعده وقال:

"طيب كويس. خليني أشوفك عارف تمشي الأمور بحكمة."


خرج الجد من الغرفة تاركًا عابد يفكر في كلامه. صحيح أن الحب مشاعر جميلة، لكن كلام الجد جعله يدرك أهمية التوازن والحكمة في اتخاذ القرارات.


في حديقة المنزل، جلس الجد وهدان على المقعد الخشبي تحت شجرة الجميز الكبيرة، واضعًا يديه على عصاه بتأمل. بجانبه جلس ابنه طارق، الذي بدا عليه القلق بمجرد أن التقط نظرات الجد الجادة.


بدأ الجد الحديث بصوت هادئ لكن مليء بالثقل:

"يا طارق، عابد مشي في طريق أنا مش مرتاح له."


نظر طارق إلى والده بتساؤل وقال:

"طريق إيه يا أبوي؟ قصدك حكاية رباب؟"


أومأ الجد برأسه وأكمل:

"أيوه، حكاية رباب. الولد معجب بيها لدرجة إنه مش شايف الدنيا حواليه. وأنت عارف أنا شايف الأمور إزاي... العلاقة دي مش مناسبة لعابد ولا للعيلة."


تنهد طارق وأجاب:

"بس يا أبوي، عابد راجل كبير وعاقل. مش صغير عشان نملي عليه قراراته."


رفع الجد وهدان يده ليوقفه وقال بحزم:

"عقلانية عابد بتظهر في الشغل، لكن لما يجي الموضوع للعواطف، الولد بيتسرع. أنت شايف هو بيعمل إيه؟ بيصرف عليهم كأنهم عيلته! مجوهرات، ملابس، وأخيرًا لابتوب للبنت... إحنا ما اتربيناش كده، يا طارق."


صمت طارق للحظات قبل أن يرد:

"بس يا أبوي، البنت كويسة وسمعتها طيبة. وإحنا سمعنا كلام إيجابي عن عيلتها."


قاطعه الجد قائلاً:

"ما بنقولش حاجة عن سمعتها، لكن المسألة أكبر من كده. الولد لازم يتعلم إن الحب لوحده مش كفاية. فيه كرامة، فيه احترام لمستقبلنا ومستقبلهم. ما ينفعش يفضل متعلق بيها بالشكل ده من غير ما ياخد خطوة واضحة، أو يتركها ويركز في شغله."


شعر طارق بثقل الموقف. كان يعلم أن الجد دائمًا ما ينظر للأمور من زاوية أوسع، لكن كونه والد عابد جعله يميل للتفاهم مع ابنه بدلاً من الضغط عليه. فقال:

"طب إيه المطلوب مني يا أبوي؟ عابد عنيد، وأنت عارف إنه مش هيستسلم بسهولة."


ابتسم الجد بمرارة وقال:

"مش عايزه يستسلم، يا طارق. عايزه يفهم. اقعد معاه، فاهمه إن العلاقة دي لو ما كانتش مبنية على أسس قوية، هتنهار مع أول مشكلة. وإنه مش لازم يفضل يرضي كل طلباتها بالشكل ده. عابد لازم يعرف الفرق بين الحب والتضحية غير المدروسة."


هز طارق رأسه ببطء وقال:

"هكلمه يا أبوي، بس أرجوك، اديني فرصة أتعامل معاه بطريقتي. أنا عارف عابد، لو حس إن حد بيضغط عليه، هيتمسك أكتر."


وافق الجد على مضض قائلاً:

"ماشي يا طارق. بس خلي بالك، أنا مش بتكلم عشان أعقد الولد. أنا بتكلم عشان مصلحته. الحب اللي مش محطوط في مكانه الصح بيأذي أكتر ما بيسعد."


وقف طارق بعد انتهاء الحديث، متجهًا إلى المنزل وهو يشعر بثقل المهمة التي كلفه بها والده. كان يعلم أن الأمر لن يكون سهلاً، لكن عليه أن يجد الطريقة الصحيحة للتحدث مع عابد دون أن يفقد ثقته أو يجرح مشاعره.


في اليوم التالي:


بعد حديثه مع طارق، جلس الجد وهدان في مكتبه، حيث كان الهدوء يسيطر على المكان، إلا من صوت عقارب الساعة التي تملأ الأجواء بصدى ثقيل. كانت نظرته تعكس مزيجًا من الحزم والحذر، وكأنه يرسم في ذهنه خطة مدروسة للتأكد من كل ما يدور حول عابد ورباب.


ضغط الجد على زر الجرس الموضوع بجانبه، وبعد لحظات قليلة دخل أحد عماله المخلصين، الذي يُعرف بولائه وقدرته على تنفيذ أي مهمة دون تساؤل. وقف الرجل أمام الجد بانحناءة احترام وسأل:

"تحت أمرك يا حاج وهدان."


رفع الجد عينيه إليه وأشار له بالجلوس قائلاً:

"عايزك في موضوع حساس يا عماد. الموضوع متعلق بعابد."


أومأ عماد برأسه وأجاب بحذر:

"خير يا حاج؟ تحت أمرك في أي حاجة."


أخذ الجد نفسًا عميقًا ثم قال بنبرة هادئة لكن حاسمة:

"الولد متعلق بواحدة اسمها رباب. أنا مش ضد العلاقة، لكن قبل ما أسيب الأمور تمشي في طريقها، لازم أكون عارف كل شيء عن البنت وعيلتها. عاوزك تجيبلي تقرير مفصل... حياتهم، شغلهم، علاقاتهم، ومستواهم."


تردد عماد للحظة قبل أن يجيب:

"حاضر يا حاج، بس عايز أعرف... عايز الموضوع يتعمل بهدوء وبعيد عن أي حد؟"


أومأ الجد وهدان برأسه وقال:

"بالضبط. الموضوع لازم يفضل بيني وبينك. مش عايز حد من البيت يعرف، خصوصًا عابد."


ابتسم عماد بتأكيد وقال:

"اطمّن يا حاج، الموضوع هيبقى سري جدًا. هبدأ أشتغل عليه من دلوقتي، وهوافيك بكل التفاصيل قريب."


أنهى الجد الحديث بإشارة بسيطة من يده، فعاد عماد إلى الخارج بحذر، وبدأ في وضع خطة لجمع المعلومات المطلوبة دون إثارة أي شكوك.


❈-❈-❈

كانت حوراء تجلس على السرير، تفتح كتبها بشغف بينما ريم كانت تتنقل بين أوراقها وأدواتها. كانت الغرفة هادئة، إلا من صوت الصفحات التي تنقلب بينهما وبين ضحكاتهما الخفيفة بين الحين والآخر. ريم نظرت إلى حوراء وسألتها:


"إيه رأيك لو نخلص المذاكرة النهاردة ونخرج شويه بعدين؟ أكيد حنبقى محتاجين شوية فرفشة بعد يوم طويل."


حوراء ابتسمت برفق وقالت: "ممكن، بس خليكي معايا شوية كمان. عندي شوية نقاط مش فاهمتها، لو خلصت، نخرج مع بعض على طول."


ردت ريم، وهي تضغط على قلمها بتوتر: "موافقه! بس متأكدة إنك مش هتأجليني تاني؟"


ضحكت حوراء وقالت: "لأ، خلصت الحاجات دي خلاص. يلا نخلص المذاكرة ونروح نريح دماغنا."


كانتا تذاكران في جو من المرح والدعابة، لكن مع كل نقطة يدرسانها معًا، كانتا تشعران بنجاح صغير يحفزهما للاستمرار. حوراء كانت دائمًا تعتمد على ريم في بعض الأشياء التي كانت تحتاج فيها إلى دعم، بينما ريم كانت تجد في حوراء الصديقة التي تعينها على التركيز والمثابرة.


بعد فترة، رفعت ريم عينيها وقالت: "يلا، كفاية مذاكرة اليوم. جربنا كل حاجة مع بعض، دلوقتي وقت الفسحة."


حوراء ابتسمت وقالت: "ماشي، بس زي ما وعدنا، هنروح المكان اللي بنحبه."


ثم تركتا الكتب جانبًا، وبدأتا في التجهز للخروج، تتبادلان الحديث عن الحياة، وعن حلمهما في المستقبل، وعن كل شيء يبعث في قلبيهما الأمل والسعادة.


بينما كانت ريم وحوراء تجلسان معًا في الغرفة، تتبادلان الحديث والضحكات أثناء المذاكرة، فجأة رن هاتف ريم. نظرت إلى الشاشة بسرعة، كانت رسالة جديدة قد وصلت، لكن لم يظهر عليها اسم المرسل، بل كان رقم مجهول. نظرت ريم للحظة، قلبها بدأ ينبض بسرعة، لكن حاولت أن تبقى هادئة.


حوراء، التي كانت تراقب ريم عن كثب، لاحظت تغير تعبير وجهها وقالت بفضول: "إيه ده؟ مين اللي بعتلك؟ ليه شكلك متوتر كده؟"


ريم حاولت التهرب وقالت بسرعة: "مفيش حاجة، بس رسالة من رقم غريب."


لكن حوراء لم تتركها وشأنها: "رقم غريب؟ يا ترى مين؟" وقالت بصوت مرح: "مش ممكن يكون واحد غامض في حياتك؟!"


ريم ابتسمت بخجل وأجابتها: "ممكن، مش عارفة. مش متأكدة إذا كنت عايزة أرد عليه ولا لأ."


حوراء اقتربت منها وقالت برقة: "مش لازم تردي مش حاسة بالراحة ، اعملي بلوك و خلاص "


ريم فكرت للحظة وقالت: "مش عارفة، الموضوع محيرني شوية... حاضر هعمل بلوك أكيد"


حوراء ابتسمت وقالت: "ما فيش حاجة مستعجلة، خدي وقتك. بس خليكِ صادقة مع نفسك، لو كنتِ عايزة تعرفي مين دي فعلاً، ما تخليش الغموض يأثر عليكِ."


ريم نظرت إلى هاتفها مرة أخرى، ثم ردت بتردد: "يمكن بكره هعرف. أكيد واحدة زميلتي في الجامعة "

لقد فعلت ريم الوضع الصامت ، لقد وصلت رسائل عديدة و يبدو أنها تعلم من يرسل لها جيدًا .

"أنتِ مش عارفة قد إيه أنتِ مأثرة فيّ، حتى في لحظات الصمت بينا. كل حاجة حواليّا بتختفي لما بشوف عينيك، وكل ما فكرت فيك، الدنيا بتدور في دماغي وكأني مش قادر أفسر الحاجات اللي بتمر في قلبي. مش عارف إزاي ممكن أشرح الشعور ده، بس اللي متأكد منه إنكِ مش مجرد حد عادي في حياتي، أنتِ جزء من حاجة أكبر، حاجة أنا محتاج أكتشفها. حابب بس أقولك إنك دايمًا في بالي وفي قلبي، وده أكتر من الكلمات اللي ممكن أقولها."


"محتاج أقولك كمان إن كل لحظة بتمر، بتخليني أتأكد إنك أكتر من مجرد شخص دخل حياتي. أنتِ الحلم اللي مش عايز أصحى منه، وأنتِ الأمل اللي بيخليني أتمسك بالحياة أكتر. كل كلمة بتقوليها وكل ضحكة منك بتخلي الدنيا كلها أجمل. مش عارف إزاي أشرحلك إنك مأثرة في كل تفصيلة في يومي، حتى في لحظات الشك، بكون مطمئن لما أفكر فيكِ. مهما كان الوقت اللي هيمر، هتفضلي في قلبي بشكل مختلف، وبعيد عن كل التوقعات، أنا لو حابب حاجة دلوقتي، فدي حاجة مش هتكون غيرك."


"سمعيني صوتك علشان أعرف أنام "


" بحبك يا ريم."

❈-❈-❈


مرت أيام قليلة، وكان الجد جالسًا في مكتبه عندما طرق عماد الباب مرة أخرى. دخل الرجل بخطوات واثقة حاملاً ملفًا أنيقًا، وضعه أمام الجد وقال:

"كل حاجة موجودة هنا يا حاج. التقرير فيه معلومات شاملة عن رباب وعيلتها، زي ما طلبت."


فتح الجد الملف وبدأ يقلب في صفحاته بعناية. كانت هناك تفاصيل دقيقة عن والد رباب، أعماله ومشاريعه، وعن والدتها ونشاطاتها الاجتماعية. بالإضافة إلى معلومات عن إخوتها، دراستهم، وسيرتهم بين الناس. لاحظ الجد أيضًا تقييمًا عامًا لوضعهم الاجتماعي والمالي، وهو ما جعله يرفع حاجبه قليلًا في بعض الأجزاء.


بعد قراءة متأنية، أغلق الجد الملف ووضعه جانبًا، ثم نظر إلى عماد قائلاً:

"شغل ممتاز يا عماد. عارف دايمًا إني لما بحتاجك في حاجة بتكون قدها .. روح إنت"


جلس الجد وهدان في مكتبه محاطًا بهدوء قاتم، عاقدًا حاجبيه بينما يفتح الملف الذي سلمه له عماد. بدأ يقرأ الصفحات بتأنٍ، لكن كلما تقدم في قراءة التقرير، تغيرت ملامحه تدريجيًا، حتى ظهرت علامات الدهشة والصدمة على وجهه.


كان التقرير يكشف أن والد رباب يعاني من ضائقة مالية خانقة، وأن معظم مشاريعه متعثرة بسبب تراكم الديون. الأمر الذي زاد الطين بلة هو أن تلك المشاريع لم تكن جميعها مشروعة؛ فقد كان يعتمد على وسائل غير قانونية لتحقيق الأرباح، مثل التهرب الضريبي والصفقات المشبوهة.


لم يصدق الجد وهدان عينيه وهو يقرأ تفاصيل عن تعاملات والد رباب المشبوهة مع شخصيات سيئة السمعة في السوق. وبينما كان التقرير يتحدث عن محاولات والدها لإنقاذ وضعه المالي عبر الاستدانة من أكثر من جهة، أدرك الجد أن هذه العائلة قد تكون في وضع كارثي قريبًا، مما يعني أن عابد قد يتورط في مشاكل لا حصر لها إن استمر في علاقته مع رباب.


أغلق الجد الملف بحدة وألقى به على المكتب. وقف من كرسيه وأخذ يمشي في أرجاء الغرفة، مشتبكًا يديه خلف ظهره، وعيناه تحدقان في الأرض وكأنهما تبحثان عن حل.


"مش ممكن! إزاي الولد ده يكون عايش في عالم تاني وما يعرفش حاجة عن اللي بيحصل في حياتها؟" تمتم الجد بصوت مسموع.


بعد لحظات من التفكير، رفع سماعة الهاتف وطلب حضور طارق إلى المكتب فورًا.


لم يمر وقت طويل حتى دخل طارق، الذي بدا مستغربًا من استدعاء والده المفاجئ. جلس أمام الجد، الذي لم يضيع وقتًا وقال مباشرة:

"طارق، إحنا لازم نتكلم في موضوع عابد ورباب."


طارق نظر إلى والده بعينين مليئتين بالقلق، وسأله:

"خير يا حاج؟ حصل حاجة؟"


مد الجد يده إلى الملف ودفعه نحو طارق قائلاً:

"اقرأ بنفسك. دي العيلة اللي عابد عايز يرتبط بيها."


أخذ طارق الملف وبدأ في تصفحه. ومع كل صفحة يقرأها، كانت ملامحه تتغير مثل والده تمامًا، حتى انتهى وقال بذهول:

"ده كلام خطير جدًا، يا حاج! الولد ده داخل على مشكلة كبيرة لو استمر مع البنت."


أومأ الجد وهدان برأسه وقال بحزم:

"عشان كده أنا مش هقف ساكت. لازم نقنع عابد يبعد عنها. البنت ملهاش ذنب، بس الوضع ده لا يليق بيه، ومش عايز ابني يتورط في حاجة زي دي."


طارق تنهد وأجاب:

"طب وإيه الخطوة الجاية؟ نتكلم معاه مباشرة؟"


هز الجد رأسه وقال:

"لازم نتعامل بحكمة. الأول نفهم هو ليه متمسك بيها، وبعدها نفتح الموضوع بالتدريج. مش عايز يتصرف برعونة أو يعمل حاجة من ورا ضهرنا."


كانت نبرة الجد تعكس إصراره على حماية عابد من هذا الموقف، بينما كان طارق يدرك أن المواجهة لن تكون سهلة، خاصة وأن ابنه بدا متعلقًا بشدة برباب.


في تلك الليلة، جلس الجد وهدان وحده في مكتبه، مستغرقًا في التفكير. كان يعلم أن هذه المسألة ليست مجرد حب بين شاب وفتاة، بل قضية أكبر تتعلق بمستقبل عابد وسمعة العائلة بأكملها.


عاد عابد إلى المنزل في المساء منهكًا من يوم طويل وشاق في العمل. ألقى التحية على عائلته بسرعة، ثم صعد إلى غرفته ليغير ملابسه. بالكاد جلس ليلتقط أنفاسه حتى أتى صوت الخادمة على الباب تقول:


"الجد وهدان عايز يشوفك في مكتبه يا أستاذ عابد."


رفع عابد حاجبيه مستغربًا؛ فطلب الجد للقاءه بعد يوم عمل طويل ليس بالأمر العادي. لكنه كان يعرف أن جده لا يطلبه إلا لأمر مهم. ارتدى قميصًا بسيطًا واتجه إلى مكتب الجد، عقله مليء بالتساؤلات.


دخل المكتب ببطء ليجد الجد وهدان جالسًا خلف مكتبه الكبير، ملامحه جادة وعيناه مثبتتان على مجموعة أوراق أمامه. ألقى عابد التحية باحترام وجلس قبالته.


بدأ الجد الحديث بصوت هادئ لكنه مشوب بالصرامة:

"إزيك يا عابد؟ يومك كان عامل إيه؟"


أجاب عابد بابتسامة خفيفة:

"الحمد لله يا جدي، يوم طويل كالعادة. خير، حضرتك عايزني في حاجة؟"


تنهد الجد وأمسك بالنظارة ليضعها جانبًا، ثم قال بصوت عميق:

"أنا طلبتك علشان نتكلم عن موضوع مهم... موضوعك مع رباب."


شعر عابد بانقباض في صدره. كان يعلم أن الجد لم يكن مرتاحًا لهذه العلاقة، لكنه لم يتوقع أن يفتح الموضوع بهذه الجدية الآن.


"خير يا جدي؟ إيه اللي حصل؟"


أشار الجد إلى الأوراق التي أمامه وقال:

"النهاردة وصلني تقرير عن عيلة رباب. كنت حابب أكون متأكد من كل حاجة قبل ما أكلمك."


نظر عابد إلى الأوراق بحذر، ثم عاد بنظره إلى جده:

"وتقرير إيه ده يا جدي؟ ليه تهتم بالموضوع بالشكل ده؟"


رد الجد بصراحة:

"لأنك حفيدي الوحيد يا عابد، وأنا شايف إنك لازم تختار شريكة حياتك بعناية. التقرير ده كشف حاجات مكنتش تعرفها."


مد الجد يده بالأوراق لعابد، الذي أخذها وبدأ يقرأ بتركيز. مع كل صفحة، تغيرت ملامح وجهه تدريجيًا. والد رباب يمر بضائقة مالية كبيرة، وأعماله التجارية مشبوهة وغير مشروعة، بل وهناك شبهات تدور حول سمعته في السوق.


رفع عابد عينيه عن الأوراق، وقال بصوت متحشرج:

"أنا... أنا مكنتش أعرف الحاجات دي، يا جدي. لكن... ده مالوش علاقة برباب. هي إنسانة محترمة ومش ممكن تكون زي والدها."


قاطعه الجد بحزم:

"أنا مش بقول إن رباب وحشة يا عابد. لكن الزواج مش مجرد ارتباط بين اتنين. ده ارتباط بين عيلتين. وإنت مش هتقدر تبني بيتك على أرضية مهزوزة زي دي."


صمت عابد للحظات، ثم قال بصوت هادئ لكنه مليء بالألم:

"يعني عايزني أسيبها؟ بعد كل اللي كان بينا؟"


هز الجد رأسه ببطء:

"عايزك تفكر بعقلك يا عابد. الحب لوحده مش كفاية. إنت راجل مسؤول، وضابط في الجيش. أي خطوة غلط هتأثر على حياتك كلها."


لم يكن الحوار سهلًا على عابد. بداخله كان هناك صراع عنيف بين قلبه الذي يحب رباب وعقله الذي لا يستطيع تجاهل كلام جده.


في النهاية، قال بصوت منخفض:

"هفكر في اللي قلته يا جدي. بس القرار ده مش سهل عليّ."


ابتسم الجد ابتسامة صغيرة مليئة بالحزن، وقال:

"عارف يا بني. وخد وقتك، بس خليك فاكر دايمًا إن اللي بنعمله النهارده بيحدد شكل بكرة."


نهض عابد من مكانه وهو يشعر وكأن الجدران تضيق عليه. كان يعلم أن هذا الحديث لن يكون الأخير، لكن الجزء الأصعب قد بدأ للتو.


كان عابد مثالًا للانضباط والشجاعة كضابط في الجيش. منذ تخرجه من الكلية الحربية، أظهر تفانيًا وإخلاصًا لا مثيل لهما في أداء واجبه الوطني. اعتاد الجميع في المنزل أن يروا عابد بالزي العسكري، واقفًا بكل فخر واستقامة، وكأنه يجسد صورة المسؤولية والشرف التي يحملها كل يوم.


عابد لم يكن مجرد ضابط عادي؛ بل كان محبوبًا من زملائه وقادته على حد سواء، بفضل ذكائه القيادي وأسلوبه المميز في التعامل مع التحديات. كان يحكي بين الحين والآخر عن مواقف صعبة مر بها في ساحات التدريب أو في مهام أمنية، لكنها لم تفقده أبدًا تفاؤله وإصراره.


رغم التزاماته العسكرية الثقيلة، لم يكن عابد يغيب عن دعم عائلته أو المشاركة في حياتهم اليومية. كان دائمًا حاضرًا في أوقاتهم المهمة، يشاركهم أفراحهم وأحزانهم، وكأنه يوازن بين حياته المهنية والشخصية بحنكة. لكن الأهم من ذلك، كان يحمل احترامًا كبيرًا لجده وهدان، الذي كان له الفضل في تنشئته على مبادئ القوة والعدل.

❈-❈-❈

عندما أحب رباب، لم يخفِ حبه عن أحد، لكنه حرص دائمًا على أن يبقى هذا الحب تحت مظلة الاحترام والمسؤولية. كان يدرك تمامًا حجم المسؤولية التي تقع على عاتقه كضابط، ولذلك لم يكن يتسرع في اتخاذ قراراته. ربما كان هذا السبب الذي جعله يتقبل فكرة الانتظار حتى تخرج رباب وريحانة قبل أن يتخذ خطوة رسمية.


لكن بعد أن ظهرت تقارير الجد وهدان حول عائلة رباب، أصبح الوضع أكثر تعقيدًا بالنسبة لعابد. كانت رؤيته كرجل عسكري تجبره على أن يكون حازمًا ومنطقيًا، لكنه في نفس الوقت كان إنسانًا يحب من أعماقه. التناقض بين العقل والقلب بدأ يطغى عليه، مما وضعه في موقف لم يكن يتوقعه أبدًا.


دخل عابد غرفته وأغلق الباب خلفه بهدوء. ألقى بجسده على السرير، ووجهه يغرق في كفيه. كان الحديث مع الجد وهدان يدور في عقله بلا توقف، كل كلمة قالها الجد كانت كالسهم الذي يصيب قلبه.


رفع رأسه ونظر إلى السقف كأنه يبحث عن إجابة أو مخرج. فكرة أن يترك رباب لم تكن سهلة أبدًا، فهي ليست مجرد فتاة أحبها، بل شريكة أحلامه وطموحاته. تذكر ضحكاتها، نظراتها، والطريقة التي كانت تشجعه بها في كل موقف.


ولكن تلك الأوراق التي قرأها في مكتب الجد لم تفارق مخيلته. تلك الحقائق عن والدها، والظلال التي تحوم حول عائلتها... هل يمكن أن يتجاهل كل ذلك؟


نهض من سريره وبدأ يتمشى في الغرفة ذهابًا وإيابًا. عقله كان في حالة صراع شرس بين قلبه الذي يصرخ مطالبًا بالتمسك بحبه، وبين عقله الذي يردد كلمات الجد:

"الزواج مش مجرد ارتباط بين اتنين... ده ارتباط بين عيلتين."


جلس على الكرسي بجوار مكتبه، وأخذ هاتفه بين يديه. فتح محادثته مع رباب، كانت آخر رسالة منها مليئة بالدفء والحنان. كتب لها عدة كلمات ثم محاها، كتب مرة أخرى ثم محا. لم يكن يعرف كيف يعبر عن كل هذا الصراع الذي يدور داخله.


فتح صورة لهما معًا كان قد التقطها في إحدى نزهاتهما. نظر إليها بتمعن، واسترجع لحظة التقاطها. كيف كانت تلك اللحظة مليئة بالسعادة البسيطة؟ ولكن الآن، كل شيء أصبح معقدًا.


قال لنفسه بصوت مسموع:

"يا ترى لو سبتها... هتبقى عارفة إني عملت كده علشان مصلحتنا؟ ولا هتفكر إني خذلتها؟"


رفع يده ليمسح على وجهه بعصبية، ثم تمتم:

"بس أنا مينفعش أعمل خطوة زي دي من غير ما أتكلم معاها... هي لازم تبقى عارفة كل حاجة."


أمسك هاتفه مرة أخرى، وقرر أخيرًا أن يرسل لها رسالة:

"رباب، محتاجين نتكلم في موضوع"

يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا ممدوح، لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة