رواية جديدة فراشة في سكٌ العقرب لناهد خالد الفصل 17 - الإثنين 3/3/2025
قراءة رواية فراشة في سكٌ العقرب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية فراشة في سكٌ العقرب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة ناهد خالد
الفصل السابع عشر
تم النشر يوم الإثنين
3/3/2025
تمسكت بالاكياس التي تحملها والتي تحوي بداخلها بعض مستلزمات البيت، ورفعت رأسها بعزم على ما هي مُقبلة عليه، وداخلها صوت يحثها أن تفعل، وقفت بخطاها أمامه وهو منحني على أحد السيارات يصلح ما بها من عُطل، رفع رأسه حين شعر بوقوف أحد أمامه، ليزفر بضيق جلي ما إن أبصرها، والقى بالمفتاح الذي بين يده أرضًا بعصبية مكبوتة، جعلتها تبتسم ساخرة وهي ترى انقلاب حاله لمجرد رؤيتها، ضجرت ملامحه وهو ينظر لها يسألها باختناق:
_ خير؟ ايه يوقفك الوقفة دي قدام ورشتي؟ هو انتِ مُصرة الناس تتكلم علينا بالردي!
نفت برأسها وابتلعت غصتها تجيبه:
_ لا، بس جيت اقولك كلمتين مش أكتر.
قلب عينيهِ بملل، لتكمل دون أن تنتظر سماحه لها بالقول:
_ فُلة اللي انتَ جيت عليها وقولت شافت واحد غيرك، أنا عارفه مكانها.. وهي ماشافتش غيرك ولا حاجة.. عارف ليه؟ لأنها عمرها ما شافتك اصلاً.
_ تعرفي مكانها؟ هي فين وبتعمل ايه!؟
قال وقد تغيرت ملامحه على الفور، من الفتور للاهتمام، ومن الملل للإنصات، ضحكت باستهزاء تعقب:
_ ياااه، ده الحب بهدلة صحيح.
تحولت ملامحه مرة أخرى وهو يزجرها:
_اخلصي انطقي لو تعرفي حاجة.
هزت رأسها تبدأ في الحديث:
_ اعرف.. بس مش هقول، أنا بس جيت اقولك للمرة الأخيرة، شوف حالك بعيد عن فُلة، صدقني والله عمرها ما هتبصلك، ولا هتمر على عقلها، يعني سألتني عن أمها وقالتلي اطمن عليها، لكن ماجابتش سيرتك لا من بعيد ولا من قريب.. ولما انا جبت سيرتك قالتلي بالحرف " مجد ايه وبتاع ايه خلينا في المهم"..
وقد كان حديثها صادقًا فقد دار حديث بينها وبين فيروز قبل انتهاء الحفلة بقليل..
_ أنا بس عاوز أعرف حاجه واحده، هو انتِ متخيله ان كل اللي عماله تعمليه، وكلامك اللي عماله توصليه ليا، إني حتى لو بطلت ابص لفيروز هبصلك انتِ؟
هزت رأسها بيأس من أن يفهمها وقالت بصدق:
_ قولتلي الكلام ده قبل كده، وقلتلك إني حقيقي ما يهمنيش إنك تشوفني، يا سيدي اعتبر إني بنقذك من وهم معيش نفسك فيه.
ذم شفتيهِ بعدد اقتناع وقال:
_ ماشي، هنفرض إنك عاوزه تنقذيني زي ما بتقولي، يهمك في ايه اذا كنت افضل عايش على الوهم ولا تنقذيني منه؟
صمتت لثواني تحاول إيجاد إجابه غير التي تلح على عقلها وطرقته فور سماع السؤال، تحاول أن تخرج حافظه لماء وجهها وتخترع سبب آخر يقنعه غير السبب الحقيقي الذي ربما يمس كرامتها، ولكنها لم تجد.. فالحقيقه لا تتجمل وليس لها بدائل! لذا قالت وعيناها مُعبئه بسحب الحزن والحسره:
_ عشان ببساطه اللي يهمه حد ما يحبش يشوفه بيقع او بيغلط، لو انتَ شايف أختك او أخوك بيحب شخص والشخص ده مستحيل يعرف يوصله هتفضل دايمًا تنصحه أنه يبعد عنه وما يكملش في حبه له، عشان خايف عليه من الأذى، خصوصًا بقى لو انتَ مجرب وجع الحب.
نظره لها صامتًا وكأنه لأول مره يحاول فهمها، لأول مره ينظر لها نظره تفحصيه ليست ساخره أو مُستهزئه، أو حتى كارهه، لأول مره بنية أن يكتشف الشخص الذي أمامه، وهذا ما جعله يسألها للمره الأولى:
_ هو انتِ امتى حبيتيني؟ والأهم امتى حبيتيني الحب ده كله؟ احنا عمرنا ما جمعنا موقف، ولا عمرنا اتكلمنا حتى.. غير في الفتره الأخيره، مش هكدب عليكِ أنا كنت بلاحظ نظراتك ليا، وكنت بقول إنك مهتمه بيا شويه.. يمكن اعجاب زي اي بنت ممكن تعجب بحد وتفضل مركزه معاه، لكن عمري ما تخيلت تكوني بتحبيني.. ما تخيلتش ده غير لما لقيتك بتتكلمي كتير وبتنصحيني أبعد عن فله مش بتنصحيني ابعد عادي.. دايمًا كنت بشوف في عينيكي نظره عارفها كويس..
ابتسامة متألمة زينت ثغرها وهي تنظر له بقلة حيلة:
_ السؤال مش صح عشان اجاوبك.. محدش بيعرف هو امتى حب.. هو بس بيعرف انه وقع.. لكن امتى وازاي ميقدرش يجاوب..
زفر انفاسه الحارقة وهو يخبرها بهدوء جديد عليهِ معها:
_ نصيحة مني اعملي المستحيل عشان تنسيني.. هعتبرك اختي وهقولك الحب ده ابعدي عنه مش هيجبلك غير الوجع.
صدرت ضحكة منها تحمل الكثير والكثير من المشاعر السيئة، تحمل همومًا لا تستطيع التخلص منها، تحمل حبًا يقتلها، وكسرة نفس تحرقها، أوجاع جمة تحملها تحني ظهرها، وتصل بها للهاوية.. وهي عاجزة..
_ يارتني اقدر اعمل بنصيحتك، غريبة اوي الدنيا دي.. دايمًا اللي تحبه ما يحبكش، واللي تعوزه ميجيلكش.. دايمًا نتنمى ولا نطولش، يعني انتَ مش قادر تشيل حبك لفيروز ورغبتك فيها.. تتوقع إني هقدر؟
نظر بعيدًا ولم يعد لديهِ قدرة على المواجهة، وقال ينهي الحديث:
_ وأنا هدعيلك ربنا يشلني من قلبك..
وصمت لثواني ليراها تهز رأسها بيأس وهي تلتف للذهاب، وما كادت تخطو خطوتين حتى سمعت صوته من خلفها يكمل:
_ زي ما بدعيلي...
ودون أن تلتف ابتسم ثغرها، ولمعت عيناها بالأمل، تمني نفسها أن يقدر هو على فعل ما لم تقدر على فعله، مجرد دعائه بأن يزيل الله حب فيروز من قلبه يعني أنه بدأ يتحرر..!
❈-❈-❈
_ خطيبتك ازاي؟ انتَ مقولتليش إنك خطبت!
لم يجيبها فورًا ونظر أولاً ل "صفاء" نظرة علمت معناها جيدًا، لقد أخطأت بالافصاح عن شيء قبل أن يفصح هو عنه، اخفضت رأسها بخجل من خطئها الذي ترتكبه لأول مرة، فهي حافظة أسراره ودومًا لا تنطق قبل أن يفعل هو..
عاد ببصره ل "نورهان" يجيب عليها بهدوء:
_ لسه الخطوبة قريب، ملحقتش ابلغك، بعدين لسه ملبسناش دبل حتى.
لوت فمها بضجر:
_ ده اللي كان ناقص.
_ اطلعي ارتاحي يا نورهان عشان متتعبيش.
نظرت له متفاجئة:
_ اطلع ارتاح! انتَ مش هتعرفني عليها.
زفر بنفاذ صبر:
_ بكره يا نور الدنيا مطارتش.
طالعته بغيظ ثم نظرت ل "صفاء" التي هزت لها رأسها بمعنى ألا تطيل في الحديث معه، فكادت تنصرف لتسمعه يقول ل"صفاء"
_ جهزي عشا لنورهان عشان دواها.
رفعت "نورهان" رأسها بأنفه وقالت وهي تسير نحو الدرج:
_ انا عاوزه من الأكل اللي بيطبخ ده.
وقد شعرت حقًا بالجوع مع رائحة الطعام التي تغزو أجواء الفيلا بطريقة غير طبيعية، ابتسامة لا تُرى خرجت منه وهو يسمع جملتها التي قالتها بكبرياء أحمق، ووجه نظره تجاه المطبخ وهو يقول مجعدًا أنفه بضيق:
_ هي الريحة مالها مالية الجو ليه!
وقد كان أمرًا عجيبًا، بالعادة حين يتم طهي الطعام لا يخرج له رائحة ابدًا لداخل الفيلا، بل تُطرد للخارج بواسطة شفاط السحب..
_ هروح اشوفها.
_ لا خليكي.. انا كده كده عاوزها.
أنهى حديثه واتجه للمطبخ الذي يدلفه لأول مرة بحياته، ليقف على بابه ينظر لها وهي تتابع طهي شيء ما على الموقد، وتدندن بكلمات لم تصل لمسامعه، فاقترب بخطوات حثيثة حتى جلس على الكرسي الموضوع حول الطاولة الكبيرة بالمنتصف، ومن هنا استطاع سماعها جيدًا..
_ بحياتك يا ولدي امرأةٌ عيناها سبحان المعبود..
فمها مرسومًا كالعنقود..
ضحكتها انغامًا وورود...
والشعر الغجري المجنون يسافر في كل الدنيا..
قد تغدو امرأةٌ يا ولدي يهواها القلب هي الدنيا...
لكن سمائك ممطرةٌ وطريقك مسدودٌ مسدود..
فحبيبة قلبك يا ولدي نائمة في قصر مرصود..
من يدخل حجرتها من يطلب يدها من يدنو من سور حديقتها من حاول فك ضفائرها.. من حاول فك ضفائرها ياولدي مفقود مفقود مفق..
علت بصوتها وقد تحمست مع كلمات الغنوة ورفعت ذراعها الحر للأعلى وكأنها تقف على المسرح أمام الجمهور والآخر تلوح بالملعقة الخشبيه بهِ، واستدارت لتأخذ طبقًا من فوق الطاولة لتضع بهِ طعامها الذي انتهى، لتقف كالتمثال حين أبصرته أمامها، حتى أنها لم تنزل ذراعيها المرفوعين، وكأنها تجمدت بحق!
تحكم بالكاد في ابتسامته التي هددت بالظهور على مظهرها المضحك، ونهض يقترب منها حتى أصبح أمامها فانزلهما بكفيهِ وهو يقول بجدية مصطنعة:
_ انتِ واقفة في مطبخ ولا على المسرح؟ ايه الدوشة دي!
فاقت من صدمتها وتجمدها، واخفضت بصرها عنه بحرج بالغ، وابتعدت خطوة اقتربها هو مرة أخرى بنفس اللحظة دون شعور منه، مسدت على وشاح رأسها بتوتر وهي تقول:
_ معلش.. اصل صفاء قالت محدش في الفيلا.
وللتو انتبه لوشاح الرأس الغريب الذي ترتديه، وأول سؤال بدر لذهنه من أين حصلت عليه؟ فهو مختلف عن أي وشاح سبق أن رآه، لكنه جميل، يجعلها تشبه شخصيات الأساطير، التي لطالما حكت عنها والدته له حين كان صغيرًا..
_شكلك حلو.
بالله لا يعرف كيف نطقها، وكأنه كان محتجزًا في ذكريات ماضية الجميلة، وكأنه يسمع صوت والدته الآن تحكي له عن قصة الأميرة الهاربة التي قابلت رجلاً حقيقي فكان لها بطلاً، يسمع صوتها تزامنًا مع رؤيته للأميرة! فوالدته لطالما لم تتجاهل رسم صورة للبطلة والبطل في خيال الصغير، حتى أنها احيانًا كانت تخيل له ما يرتدون... والخيالات تنطبق تمامًا عليها الآن..
فغر فاهها وهي تسمع مدحه المباشر، لأول مرة يكون مباشر في شيء! شيء صدمها، ولم تجد جواب يناسب قوله، فصمتت لكن شيء ما بداخلها تحرك، شيء ما بها سعد.. ولأول مرة أحد يُثني على جمالها، هي لا تعرف علاما أثنى تحديدًا، لكن عمومًا تسمعها للمرة الأولى.. للمرة الأولى وهي "فيروز" ليست مُهندمه، وليست متأنقة كما علمها مازن مؤخرًا، فقط ثياب رياضية ووشاح رأسها الذي تنتمي إليه، حتى أنها غسلت وجهها من مستحضرات الزينة قبل أن تنزل، وكحل عيناها الذي لا يفارقها لم تضعه الآن.. لأول مرة تسمع ثناءًا لا يندرج للتودد والوقاحة التي يقصدها الغير، فكثيرًا ما سمعت هذا وأكثر بعملها بالشارع، لكنه لم يكن سوى تحرش لفظي.. يخفي خلفه خفايا سوداء ونوايا حقيرة.
تحرك فورًا حين أدرك ما تفوه بهِ، وتجنب الحديث في الأمر وهو يجاورها ليضغط على زر ما يعلو الموقد الذي يوضع بداخل المطبخ الخشبي وقال بجمود:
_ ده زرار الشفاط، لازم تشغليه عشان ريحة الأكل متدخلش الفيلا... شكلك مش متعوده تدخلي المطبخ اصلاً.
استدارت لتصبح موازية له بعد أن كانت تعطيه ظهرها مع حركته، وقالت بيأس:
_ لا بدخل.. بس ريحة الأكل دي اللي بتحسسنا بالبيوت العمرانة بناسها، ريحة الطبيخ اللي بتتخلصوا منها دي زكريات لأبن بيفتكر والدته الميتة مع كل مرة بيدخل فيها الشقة وبيشم ريحة الأكل.. وبيفتكر الزوج مراته اللي غايبة عن البيت وملوش حس من غيرها.. انتوا بتفقدوا أي لذة للحياة من غير ما تحسوا.
التفت نصف التفاته فأصبح يقابلها:
_ احنا مين؟
هي تخطئ ولا تعلم لمتى ستلازمها الذلات، فغالبًا ما يذل لسانها والذلة قد تكشف حقيقتها، تنهدت بتوتر اخفته وقالت بتوضيح:
_ اللي مش عاوزين ريحة الأكل تدخل البيت..
واتجهت للطاولة تلتقط طبقًا لتضع فيهِ طعامها، فقال وقد ابتعد عن الموقد خطوتين للخلف:
_ اعملي حساب نورهان معاكي.
نظرت له بتفاجئ تسأله:
_ هي نورهان رجعت؟ هي مش كانت روحت!
مد كفه يتناول ملعقة موضوعة جانبًا وأخذ بضعًا من الطبيخ بها ليذم شفتيهِ باعجاب بعد تناوله، إعجاب لم تفهمه.. تحت صدمتها مما يفعله، فهو على طاولة الطعام الطويلة لا يمد يده في طعامه إلا بعد أن يضع منديل الطعام ويعدل جلسته بعناية، وقصص كثيرة جعلتها تصدم من تناوله من القدر وهو مازال على النار!
لكنها لا تعلم أن وقفته هذه ذكرته بوقفته مع والدته في مطبخ بيتهم القديم، وطوال وقفته كان يلتقط الطعام من هنا وهناك ووالدته تصرخ عليه بأن يتحلى بالصبر فهي انتهت من الطهي وستضع الطعام الآن.. لكنه كان يجد متعة فيما يفعله..
_ عملت حادثة وجت تقعد معايا.
تركت الطبق جانبًا وسألته بخضة:
_ يعني هتشوفني! هتقولها عني ايه؟ دي تعرفني إني خطيبة مازن! أو انه كان هيخطبني يعني.
نظر لها يقول:
_ انا هتصرف معاها، المهم انتِ ماتتكلميش معاها في أي حاجه..
اومأت موافقة، وتناولت الطبق مرة أخرى بينما تسأله:
_ هي بخير؟
_ كويسة.
وجدت يده تمتد مرة أخرى ليأخذ قطعة لحم صغيرة يضعها بفمه وقد استند على طاولة المطبخ الخشبي كمراهق ينتظر انتهاء الطعام، سألته بضيق خفي فهي لا تحبذ هذه الأفعال ابدًا:
_ احطلك أكل؟
هز برأسه نافيًا وهو يطالعها بصمت، لترفع حاجبيها مستنكرة فعلته، لكنها أشاحت ببصرها عنه تتناول طبق أخر، لتجده يعاود الفعل..
_ أنتَ متأكد إنك مش جعان؟ بدل التنتيش اللي عمال تنتشه ده!
_تنتيش؟؟
رددها ممتعضًا:
_ انتِ متأكده إنك كنتِ في لندن!
لوت فمها تجيبه:
_ انا مش معايا الجنسية الأجنبية عشان تنتظر مني اعوج لساني، في فترة طويلة قضتها في مصر.
صمت وصمتت هي تتابع غرف الطعام، حتى صرخت فجأة بغضب:
_ الله! وبعدين بقى.
رفع حاجبه مستهجنًا:
_ انتِ بتصرخي في وشي؟
زفرت أنفساها لتهدأ وبررت:
_ مابحبش العند.. عاوز تاكل قول احطلك معايا، لكن ايه اللي بتعمله ده! وبعدين خايلني وانا بغرف كل شوية الاقي ايدك في الحلة!
ظهرت الابتسامة هذه المرة على وجهه وقد فشل في اخفائها كمثيلاتها، وقال:
_ طيب، حطيلي معاكي.
هو مستمتع.. يشعر بلمحات من أيام صباه تعود له الآن، فتخلق فوضى بداخله، فوضى تجعله يخرج عن أطواره...
_ حطي مخلل مع الأكل...
قالها بعدما جلس على الطاولة المستديرة لتسأله بصدمة:
_ متقولش إنك هتاكل هنا؟؟!
لم يجيبها، فأدركت الجواب، لتتابع تجهيز الطعام وعقلها متجمد من الصدمات التي تأخذها اليوم..
جلست أمامه بعدما أخذت "صفاء" الطعام الخاص ب "نورهان" واخبرها "شاهين" بأن تظل معها حتى تأخذ الدواء، نظرت له من حين لآخر تتابع أكله دون أن يعبر عن اعجابه بالطعام أو العكس حتى، فوجدت نفسها تقول بهدوء:
_ مقولتش يعني الأكل عجبك ولا لأ.
ولم يعطيها الإجابة المنتظرة فقط قال:
_ لو مش حلو مش هاكل.
ضربت كف بآخر تقول:
_ مستخسر تقول حلو! دايمًا اجاباتك ثعبانيه.
ابتلع طعامه ونظر لها يقول:
_ مش دايمًا لازم تسمعي الإجابة اللي مستنياها.
هزت رأسها يائسة واستكملت تناول طعامها فالصمت معه أفضل..
❈-❈-❈
صباحًا...
اخبرها بأن تنتظر يومين فقط وسيجعل ابنتها تحدثها، ومرا اليومان دون جديد، وطفح كيلها، فقلبها يحترق بأفكار أذية ابنتها الوحيدة، لتمسك الهاتف عازمة على محادثته ووضح حد لكل ما يحدث، بعد ثواني اتاها الرد لتقول دون مقدمات:
_ انا استنيت اليومين وعدوا وبنتي ماكلمتنيش.. انا مش هقدر استنى أكتر من كده.
اتاها صوته يهدأها:
_ أنا قولتلك أنها كويسة.. وحكاية اتصالها بيكِ فظروفها مش سامحة دلوقتي.
_ وانا ايه اللي يخليني اصدقك، بأمارة ايه اصدق إن بنتي كويسة، ما هي لو جرالها حاجة مش هتقولي وبردو هتفضل تنيم فيا عشان متعملش شوشرة لنفسك، يا بيه انتَ من يوم ما كلمتني وقولتلي انها راحت للراجل ده ومش هتعرف تكلمني عشان خطر عليها، وانا هموت من القلق.. انا لازم اسمع صوتها، لازم اطمن.
_ وانا هطمنك يا ست مديحة، بس اديني وقت، الموضوع مش سهل كده، لازم تاخد احتياطتها وهي بتكلمك، ولا انتِ عاوزه تأذيها؟
نفت سريعًا بقلق:
_ لا، انا بس عاوزه اطمن.
_ اديني يومين تانيين، وصدقيني قبل ما يخلصوا هتكون بتكلمك.
_ ماشي يا بيه، اديني مستنية.
_ محتاجه حاجه ابعتهالك؟
سألها بعد أن اخبرها في المرة السابقة إن احتاجت لأي شيء تخبره فورًا دون تردد، لتقول بنبرة حزينة:
_ مش عاوزه غير اني اسمع صوت بنتي.
_ طيب، عمومًا هبعتلك مبلغ مع حد، و...
قاطعته قبل أن يُكمل:
_ قولتلك المرة اللي فاتت فيروز الله يسترها سابتلي كل الفلوس اللي خدتها منك، يعني اكيد مش هخلصهم في يومين.. ولا في شهرين حتى.. وان شاء الله قبل ما يخلصوا تكون بنتي رجعت، مش انتَ قولتلي معاها اسبوع.
_ يمكن تطول شوية.. يعني ممكن يوصلوا اسبوعين، لسه مش عارفين حسب الظروف، هخليها تكلمك قريب، سلام عليكم.
_ عليكم السلام ورحمة الله.
اغلقت الخط بيأس بعد أن شعرت بحديثه أن الأمر مازال له بقية، وكما قال ربما سيطول أكثر من المدة المحددة، يبدو ان ابنتها دلفت في دوامة تتمنى أن تخرج منها بسلام وألا تأخذها للمجهول.
❈-❈-❈
_ فيروز؟؟
رددتها "نورهان" بصدمة وقد وقفت في منتصف الدرج الداخلي حين قابلت "فيروز" تصعده، وقفت "فيروز" تبتلع ريقها بارتباك، فقد كانت تجلس في الحديقة منذ الصباح الباكر، وقررت أن تصعد لغرفتها الآن لاداء صلاة الظهر، لكنها وقفت حين قابلت الواقفة أمامها ولم تتوقع رؤيتها الآن..
وتلقائيًا دارت برأسها في المكان تبحث عنه، فأي سؤال ستطرحه "نورهان" الآن ليس لديها إجابة له، ولكنها لم تجده، فعادت تنظر لها بابتسامة مرتبكة وقالت ناظرة لذراعها:
_ الف سلامة عليكي.
لم ترد جملتها، وسألتها بنفس الصدمة:
_ بتعملي ايه هنا؟
وها قد بدأت الأسئلة، وقبل أن تجيب هي، سمعت صوت "شدوى" يقول من خلف نورهان:
_ خطيبة شاهين ، ازاي متعرفيش!
جحظت عيني "نورهان" وهي تقول:
_ خطيبة شاهين ازاي؟ طب ومازن؟
جاورتها "شدوى" الآن، فسألتها بحاجبين معقودين:
_ ماله مازن؟ دي خطيبة شاهين.
نفت "نورهان" برأسها بصدمة:
_ لا.. دي خطيبة مازن.
وهنا أتى دور "شدوى" في الصدمة، واتسعت عيناها هي الأخرى وهي تردد:
_ مازن؟ ازاي؟
وفجأة نزلت الدرجتين الفاصلتين بينها وبين "فيروز" وامسكتها من ذراعها لتهدر بها في عنف:
_ انتِ مين يا بت انتِ؟ ردي، انتِ خطيبة شاهين ولا مازن، ولا بتلعبي على الاتنين؟؟
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ناهد خالد، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية..