-->

رواية جديدة على سبيل الألم لرانيا ممدوح - الفصل 35 - الأحد 16/3/2025


 قراءة رواية على سبيل الألم كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية على سبيل الألم 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا ممدوح 

الفصل الخامس والثلاثون


تم النشر الأحد 

16/3/2025


ذهبت ليان مرة أخرى إلى الكافتيريا، لكن هذه المرة وجدت المكان فارغًا تمامًا. جلست على إحدى الطاولات وأخرجت كتابًا لتقرأه حتى ينتهي والدها من عمله. كانت قد نسيت شاهر، رغم إعجابها الشديد به بالأمس. فكرت أنه مجرد صدفة لا أكثر ولا أقل، فهي دائمًا تحكم الأمور بعقلها.


لكنها تفاجأت حينما سمعت صوتًا مألوفًا يقول:


"ممكن أقعد معاكِ؟"


نظرت لأعلى لترى من يتحدث إليها، فوجدته شاهر. فكرت لثوانٍ، ثم أشارت له بالجلوس دون أن تنطق بكلمة، تمامًا كما فعل معها من قبل.


ضحك شاهر، فقد وجد ما كان يبحث عنه. فهو ينجذب دائمًا إلى الفتاة القوية التي تتمتع بثقة عالية وجرأة في التعبير عن رأيها دون خجل أو تردد.


"طيب، هكون صريح وأعترف إني امبارح فكرت فيكِ شوية، واعتقد إنك كمان فكرتِ فيا، صح ولا إيه؟"


تجاهلته ليان، وادعت الانشغال بالقراءة، لكنها في الحقيقة كانت تستمع له جيدًا.


"ممكن نتعرف على بعض هنا، كل يوم نتكلم شوية عن نفسنا، ولو عجبنا بعض نكمل، ومن غير ما نجرح بعض."


لم تُظهر ليان أي اهتمام، واستمرت في تقليب صفحات الكتاب.


"احممم.. يعني كل واحد يتكلم عن إيجابياته وسلبياته وكده، خلاص، طالما مش عاجبكِ الموضوع، اعتبري إني مقولتوش."


نظرت له ليان فجأة وقالت:


"تمام، بس بلاش تفاصيل شخصية زي الأهل وكده.. نتكلم عن نفسنا وبس، تمام؟"


ابتسم شاهر ابتسامة واسعة وقال:


"تمام، زي ما تحبي. يا ترى إيه أول حاجة حابة تعرفيها عني؟"


نظرت له ليان قليلًا، ثم سألت مباشرة:


"حبيت قبل كده؟"


تغيرت ملامح شاهر للحظة قبل أن يجيب بصوت هادئ:


"لأ، عمري ما حبيت، بس كان في واحدة كنت معجب بيها أوي، بس ماتت للأسف."


شعرت ليان ببعض الحيرة، لكنها أخفتها وقالت بهدوء:


"وأنتِ؟"


"لأ برضو، لا حبيت ولا أعجبت بحد."


ضحك شاهر قليلًا وقال بمكر:


"شكلك كده محدش بيعجبك بسهولة، صعبة يعني."


عبست ليان قليلًا، لكنها لم ترد، فهتف شاهر سريعًا وكأنه يبرر كلامه:


"وأنا بحب كده!"


ثم مال قليلًا للأمام وسألها بفضول:


"دوري بقى أسأل.. مواصفات شريك حياتك إيه؟"


أجابت ليان دون تفكير:


"يكون شخص حنون ويفضل يرغي معايا طول الوقت، يعني ما يعديش دقيقة من غير ما يعرف أخباري. يكون متعلم ومثقف وواعي وأنيق وكده يعني."


هز شاهر رأسه وهو يستمع، ثم قال بخفة:


"وأنا؟"


ابتسمت ليان وقالت بمكر:


"دورك بقى تجاوب."


ضحك شاهر وقال بثقة:


"تكون غامضة وقوية، وتفهم طبيعة شغلي إني ممكن أبات بره البيت بالأسبوع، وبرضو تكون حلوة زيك. أنا حاسس إنك فيكِ كل المواصفات اللي بحبها."


توقف للحظة، ثم تابع بابتسامة جانبية:


"أعتقد إني كده لقيت اللي بدوّر عليه."


نظرت ليان إليه للحظة، تحاول تحليل كلماته، لكنها لم تستطع منع نفسها من الابتسام بخفة.


"وأنتَ ازاي متأكد كده؟ إحنا لسه بنتكلم لأول مرة بجد."


ابتسم شاهر بثقة، مستندًا إلى الطاولة:


"أنا مش متأكد، بس في حاجة بتشدني ليكِ، إحساس كده مش مفهوم، وده نادر بالنسبة لي."


رفعت ليان حاجبها بتحدٍّ:


"يعني بتحب الغموض؟"


"جدا، والغموض اللي عندك مش متصنّع، ده حقيقي، وده اللي عاجبني أكتر."


أخذت ليان نفسًا عميقًا، وكأنها تحاول استيعاب كلماته. لم تكن معتادة على هذا النوع من المحادثات، لكنها لم تنكر أنها تشعر براحة غريبة معه. نظرت إليه مجددًا وسألته:


"طب احكيلي عن نفسك أكتر، إيه أكتر حاجة بتخاف منها؟"


تغيرت نبرة شاهر قليلًا، أصبح أكثر جدية وهو يقول:


"إني أفقد حد بحبه.. حصلت لي قبل كده، وكرهت الإحساس ده جدا."


شعرت ليان بصدق كلماته، لكنها لم ترغب في إثارة شجونه، فقررت تغيير الموضوع بسؤال آخر:


"طيب.. إيه أكتر حاجة بتسعدك؟"


"لما أحس إن حد فاهمني بجد، مش بس بيحاول يجاريني أو يجاملني.. وده نادر."


توقفت ليان للحظة قبل أن ترد بصوت هادئ:


"أنا بحب الصدق.. ولو حسيت إن حد بيجاملني، حتى لو كان قصده طيب، ببدأ أبعد."


ابتسم شاهر وهو يراقبها بإعجاب:


"عشان كده أنا مرتاح في الكلام معاكِ.. مش بتحاولي تكوني نسخة من أي حد، ولا بتتجمّلي.. بتتكلمي ببساطة ووضوح."


شعرت ليان بشيء غريب في قلبها، شيء لم تجربه من قبل. راقبت شاهر للحظة، ثم قالت بخفة:


"أنت شخص غير متوقع، وأنا مش بحب الحاجات المتوقعة."


ضحك شاهر، ثم مال للأمام قليلًا وسألها بفضول:


"طب قوليلي، إيه أكتر حاجة بتتمنيها في حياتك؟"


فكرت ليان للحظة، ثم قالت بصوت هادئ لكن مليء بالشغف:


"إني ألاقي حد يفهمني، من غير ما أحتاج أشرح كل حاجة.. حد يحس بيا حتى لو ما قلتش أي حاجة."


نظر شاهر إليها بتمعن، ثم قال بهدوء:


"يمكن تكون الصدفة دي بداية لحاجة حقيقية."


ابتسمت ليان، لكنها لم ترد.. فقط نظرت إليه، متسائلة في داخلها إن كان هذا اللقاء العابر سيصبح شيئًا أكبر مما تخيلت.


ساد الصمت بينهما للحظات، لكنه لم يكن صمتًا ثقيلًا، بل كان صمتًا مريحًا، كأنهما يستوعبان تلك المحادثة العفوية التي جمعت بينهما. شاهر كان يراقب تعابير ليان باهتمام، بينما هي كانت تحاول تحليل مشاعرها تجاهه. لم تكن تتوقع أن تجد شخصًا يستطيع أن يجذبها بهذا الشكل، لكنها لم تكن مستعدة بعد للبوح بأي شيء.


قطع شاهر الصمت بابتسامة ماكرة:


"طيب، بما إننا بنتكلم بصراحة، قوليلي.. إيه أكتر حاجة بتزعلك؟"


رفعت ليان نظرها إليه، ثم تنهدت بخفة قبل أن ترد:


"لما حد يخذلني.. لما أوثق في حد وأكتشف إنه مش قد الثقة دي."


أومأ شاهر برأسه ببطء، كأنه يفهم تمامًا ما تعنيه، ثم قال بصوت هادئ:


"أنا كمان.. بس اتعلمت إن مش كل الناس بتستحق الثقة من البداية."


ابتسمت ليان، لكنها كانت ابتسامة خافتة، تحمل في طياتها ذكريات قديمة. لم تكن تريد التعمق أكثر في هذا الموضوع، لذا غيرت اتجاه الحديث بسؤال مفاجئ:


"إيه أكتر حاجة بتخليك تضحك من قلبك؟"


ضحك شاهر للحظة قبل أن يرد:


"لما حد يكون على طبيعته تمامًا من غير تصنع.. بحب الناس اللي مش بتحاول تبقى نسخة من حد تاني."


نظرت إليه ليان بتمعن، ثم قالت بابتسامة جانبية:


"أنا كده، على طبيعتي طول الوقت.. أحيانًا بيتقال عليا إني حادة، بس مش بحب أتصنع علشان أعجب حد."


ضحك شاهر وأشار إليها بإعجاب:


"عشان كده أنا قاعد هنا دلوقتي.. لأنك مش زي أي حد قابلته قبل كده."


توردت وجنتا ليان قليلًا لكنها أخفت ذلك بانشغالها بالكتاب الذي كان أمامها. شعرت وكأنها في معركة خفية معه، من سيظهر اهتمامه أولًا؟ من سيعترف بأنه منجذب للآخر؟


أخذ شاهر رشفة من قهوته، ثم نظر إليها وسألها بهدوء:


"بتحبي السفر؟"


"أوي، بحب اكتشف أماكن جديدة، بحس إني بتولد من جديد كل مرة بسافر فيها.. وانت؟"


"السفر هو الحاجة الوحيدة اللي بتخليني أفصل عن كل حاجة.. بحس إني بقدر أفكر بوضوح لما أكون بعيد."


هزت ليان رأسها بتفهم، ثم ابتسمت وقالت بمكر:


"طيب لو هنسافر مع بعض، تختار نروح فين؟"


نظر شاهر إليها بابتسامة جانبية، ثم قال بصوت هادئ مليء بالغموض:


"لمكان محدش يعرفنا فيه.. مكان نقدر نكون فيه على طبيعتنا، من غير أي توقعات، من غير أي قيود."


شعرت ليان بقشعريرة خفيفة تسري في جسدها، لم تكن تعرف إن كان حديثه مجرد دعابة أم أنه يعنيه حقًا، لكنها وجدت نفسها منجذبة لكل كلمة يقولها.


ابتسمت بخفة وقالت وهي تنظر إلى ساعتها:


"واضح إنك عندك طريقة معينة في الكلام بتخلي أي حد يفضل قاعد يسمعك."


ضحك شاهر وقال بمزاح:


"وأنا عندي إحساس إنك أكتر واحدة ممكن تخليني أتكلم من غير ما أحس بالوقت."


نظرت إليه ليان بصمت للحظات، ثم قالت بهدوء:


"غريب إننا لسه متقابلين من يوم واحد بس، بس كأننا نعرف بعض من زمان."


نظر إليها شاهر نظرة عميقة، ثم قال بصوت منخفض:


"يمكن دي إشارة إننا كنا لازم نقابل بعض في وقت معين، مش قبل كده ولا بعد كده."


شعرت ليان بأن قلبها ينبض بسرعة، لكنها لم ترد، فقط ابتسمت بخفة، وهي تدرك أن هذه المحادثة، مهما بدت بسيطة، كانت تحمل شيئًا مختلفًا، شيئًا لم تختبره من قبل.


وقفت ليان فجأة لتغادر:


- "كفاية كده النهاردة، نكمل وقت تاني."


- "لسه متكلمناش كفاية ولا صرفتي نظر عن موضوعنا؟"


- "أنا بس مش فاضية ولازم أروح دلوقتي."


- "تمام، مع السلامة زي ما تحبي."


استدارت ليان لتغادر، لكن قبل أن تخطو بعيدًا، سمعت صوته من خلفها بنبرة هادئة لكنها واثقة:


- "هتشربي قهوة بكرة؟"


توقفت للحظة، لكنها لم تلتفت، فكرت سريعًا، ثم أجابت دون أن تنظر إليه:


- "يمكن."


ضحك شاهر بصوت خافت، أدرك أنها لم ترفض، وهذا كان كافيًا بالنسبة له. أما ليان، فكانت تحاول كبح ابتسامة صغيرة حاولت التسلل إلى وجهها، لكنها سرعان ما استقامت في مشيتها وغادرت المكان.


جلس شاهر مسترخيًا، يدندن لحنًا خفيفًا وهو يحرك كوب قهوته، يفكر أن هذه بداية لعبة مثيرة بينهما، لعبة لا يعلم أيهما سيفوز بها في النهاية.


غادرت ليان بسرعة، وكأنها تهرب من شيء ما، لكن الحقيقة أنها كانت تهرب من إحساس غريب بدأ يتسلل إليها، إحساس لم تعتد عليه من قبل. شاهر لم يحاول إيقافها، فقط راقبها وهي تبتعد، مبتسمًا بثقة وكأنه يعلم أنها لن تستطيع تجاهله لفترة طويلة.


عندما خرجت ليان من الكافيتيريا، أخذت نفسًا عميقًا، محاولة تهدئة نفسها. لماذا تشعر وكأنها انجذبت إليه بالفعل؟ لماذا لم تكن حازمة كعادتها؟ شعرت أنها تركت جزءًا منها هناك معه، لكنها قررت أن تتجاهل الأمر مؤقتًا.


أما شاهر، فبقي في مكانه، يتأمل المقعد الفارغ أمامه. رفع كوب القهوة إلى شفتيه، لكنه لم يشرب، فقط اكتفى بالتفكير. ابتسم لنفسه قبل أن يغمغم:


"مش فاضية دلوقتي؟ طيب نشوف بعدين هتكوني فاضية ولا لأ، ليان."


لم يكن هذا آخر لقاء بينهما، بل كان مجرد بداية لمحادثات طويلة، لمواقف غير متوقعة، ولمشاعر ستتشابك أكثر مما يتخيل كلاهما.


❈-❈-❈

جلسا ليث و سديم على الأرجوحة، يلهثان من الإرهاق بعد قضاء وقت طويل في ممارسة الرياضة. كانت سديم تحاول استعادة أنفاسها، بينما ليث ينظر إليها بإعجاب خفي.


قال مبتسمًا: "مكنتش أعرف إنك شاطرة وبتتعلمي بسرعة كده."


نظرت إليه وهي تمسح العرق عن جبينها، ثم هزّت رأسها قائلة: "لأ، أنا لسه ضعيفة جدًا."


ضحك قليلًا وردّ بثقة: "بجد، اتعلمتي بسرعة وعندك لياقة، وكأنك حد بيلعب تنس طول عمره."


رفعت حاجبيها في دهشة، ثم قالت بنبرة ساخرة: "المدح زايد شويتين، ولا أنا بتخيل؟"


نظر إليها بجدية وقال: "فعلاً، أنا بتكلم بجد، مابجاملش."


لم ترد، فقط ابتسمت بخفة قبل أن ينهض فجأة، ينفض الغبار عن ملابسه. قال بصوت هادئ: "أنا همشي بقى، نكمل بكرا."


راقبته وهو يبتعد، ثم زفرت أنفاسها ببطء، لا تدري إن كان كلامه مجرد مجاملة عابرة أم أنه يرى فيها حقًا ما لم تره هي في نفسها بعد.


عاد ليث إلى المنزل متعبًا لكنه كان في حالة مزاجية جيدة بعد الوقت الذي قضاه في التدريب. وجد ليان جالسة في غرفة المعيشة، تتصفح هاتفها، فجلس بجوارها دون أن ينطق بكلمة.


نظرت إليه ليان بطرف عينها، ثم قالت بفضول: "كنت فين طول اليوم؟ شكلِك مرهق."


ابتسم ليث وهو يريح رأسه على ظهر الأريكة: "كنت بتمرن."


رفعت حاجبيها بدهشة: "بتتمرن؟! من إمتى وانت مهتم بالرياضة؟"


ضحك بخفة وقال: "من النهاردة."


أغلقت ليان هاتفها والتفتت إليه باهتمام: "أها... غريبة! دايمًا كنت ترفض تلعب رياضة اخر فترة ، فجأة قررت؟"


هز كتفيه بلا مبالاة: "حبيت أجرب حاجة جديدة."


نظرت إليه بتمعن، ثم قالت بمكر: "أنت متأكد إنك كنت بتتمرن؟ ولا كنت مع حد؟"


ضحك ليث وهو يرد: "أيوة كنت مع حد...بكلم  المدرب."


ضحكت ليان بدورها وقالت: "حلوة دي... خلاص مش هضغط عليك، كل واحد عنده أسراره."


ارتسمت على وجهه ابتسامة غامضة، ثم قال: "وأنتِ؟ شكلك سعيدة النهاردة، حصل حاجة؟"


أخذت رشفة من كوب العصير أمامها، ثم قالت بهدوء: "لا شيء مهم، كنت في الكافتيريا وقضيت وقت لطيف."


نظر إليها ليث بشك، لكنه لم يسأل المزيد، فهي أيضًا لم تسأله عن تفاصيل يومه، وكأنهما اتفقا ضمنيًا على إبقاء بعض الأمور لأنفسهما.


عاد ليث ليتحدث بصوت أكثر جدية: "على فكرة، شكلك محتاجة تاخدي بالك من نفسك أكتر، الفترة دي ملاحظ إنك مشغولة أو متشتتة."


تنهدت ليان وقالت: "عارف لما يكون عندك حاجة بتفكر فيها بس مش عارف توصل لإجابة؟ ده بالضبط اللي حاساه."


نظر إليها ليث مطولًا قبل أن يقول: "أوقات التفكير الزايد بيوصلنا لحيرة أكتر. جربي تستمتعي بكل لحظة وخلاص."


ابتسمت ليان وقالت: "يمكن عندك حق... بس أنت مش ليث اللي أعرفه، كلامك فيه حكمة غريبة النهاردة!"


ضحك وقال بمزاح: "أكيد لأن النهاردة أول يوم في حياتي ألعب رياضة!"


ضحكا معًا، ثم استكملا حديثهما في مواضيع أخرى، لكن كل منهما كان يخفي جزءًا من يومه عن الآخر، محتفظًا بتلك التفاصيل لنفسه.


في اليوم التالي بعد الانتهاء من التدريبات فجأة أحضرت سديم شيئا أربك ليث . كانت تحمل كيكة الشوفان بالشيكولاتة و الموز و وضعتها أمامه مباشرة ثم قالت بسعادة : 

-"ايه رأيك ؟ عملتها قبل ما تيجي ، أكيد هتعجبك "


لكن هذه كانت أسوأ فكرة قد خطرت على بال سديم فهذه أسوأ شئ قد يقدمه أحد لليث ، نظر بصدمة كبيرة دون التحدث و شعر بأن العالم قد توقف أمامه و أصبح الهواء قليل رغم أنه يجلس في حديقة المنزل في الهواء الطلق . 


كان كل شيء يسير على ما يرام حتى وضعت سديم الكيكة أمامه بابتسامة متحمسة، قائلة بسعادة:


"إيه رأيك؟ عملتها قبل ما تيجي، أكيد هتعجبك"


لكن بدلًا من أن يبتسم أو يبدي أي رد فعل إيجابي، تلاشت ملامحه تمامًا. حدق في الكيكة كأنها شيء غير موجود، أو كأنها ذكرى مؤلمة عادت للحياة فجأة. توقف الزمن لوهلة، وشعر بأن الهواء أصبح أثقل، وكأن المكان ضاق رغم أنهما يجلسان في حديقة المنزل تحت السماء المفتوحة.


لم تفهم سديم صمته، لكنها لاحظت تغير ملامحه الغريب، فتساءلت بحيرة:


"في حاجة يا ليث؟ مبتحبش الشوفان؟"


لم يجب. فقط وقف فجأة وكأن شيئًا بداخله انهار. لم ينظر إليها، ولم يحاول حتى أن يبتسم مجاملةً. قال بصوت خافت لكنه حاسم:


"أنا همشي دلوقتي."


ارتبكت سديم وهي تتابع تعابيره المتجمدة:


"شكلك مضايق… هو أنا ضايقتك في حاجة؟"


لكنه لم يرد، ولم يعطها حتى نظرة أخيرة. فقط استدار وانسحب بهدوء، وكأنه كان يعيش في عالم مختلف، عالم نسي فيه الهم لبعض الوقت، لكنه الآن اصطدم بالحقيقة دفعة واحدة.


بقيت سديم واقفة في مكانها، تحدق في الكيكة التي صنعتها بحب، لكنها الآن بدت وكأنها خطأ فادح، وكأنها لم تكن تعلم أن شيئًا صغيرًا كهذا قد يثير كل هذا الصمت الثقيل.


عاد ليث إلى المنزل ليجد ليان في المطبخ تعد الطعام، وبمجرد أن رأته، ارتسمت ابتسامة واسعة على وجهها.


"كويس إنك جيت يا ليث، أنا عايزة شوية طلبات، أرجوك روح هاتهم من المحل الكبير عند مفارق الطرق، هتلاقي فيه كل حاجة."


لم يعترض ليث، التقط الورقة التي أعطتها له وخرج على الفور.


عندما وصل إلى المتجر، وجده مزدحمًا بشدة، فهو الوحيد في تلك المنطقة، فوقف في نهاية الصف الطويل، ينتظر دوره. بينما كان ينظر أمامه بشرود، وقعت عيناه على شخص مألوف يقف عند الصندوق يدفع ثمن مشترياته. كان شاهر.


تسارعت دقات قلب ليث، شعر باندفاع غريب داخله، وكأنه بحاجة للوصول إليه فورًا. شق طريقه بسرعة وسط الزحام، متجاهلًا نظرات الانزعاج من الآخرين، لكنه عندما وصل أخيرًا إلى حيث كان شاهر… لم يجده.


وقف في مكانه مذهولًا، يجول ببصره في جميع الاتجاهات، وكأنه يبحث عن شبح. كيف اختفى بهذه السرعة؟! لقد كان هنا قبل ثوانٍ فقط.

يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا ممدوح، لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة