رواية جديدة بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) لعفاف شريف - الفصل 26 - 3 - الأحد 2/3/2025
قراءة رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض)
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة عفاف شريف
الفصل السادس والعشرون
3
تم النشر الأحد
2/3/2025
وقف مدحت على باب غرفة تميم يهز رأسه بيأس وإرهاق حقيقي من هذا الولد العنيد،
حيث يجلس على الفراش تتناثر حوله الكثير من الملفات الخاصة بالعمل، يتابعها، يدرسها، يوقعها بعد أن أتى أحد العمال له بها،
وبجانب تميم الصغير يبعثر الأوراق التي يرتبها تميم ويطالعها بفضول حقيقي واهتمام هو الآخر،
وللصدمة كان تميم الكبير يحادث تميم الصغير بهدوء وعملية تامة،
يستشيره في الصفقات كأنه سيفهمه فعلًا،
والآخر متفاعل يناظره بهدوء يهز رأسه.
انفلتت منه ضحكة عابثة وهو يرى الصغير يمسك القلم يود التوقيع كخاله،
إلا أن تميم أمسكه سريعًا يمنعه،
ليعترض الآخر برفض.
وحينها تدخل مدحت ليفصل بينهم،
قائلًا بهدوء وحنان للصغير، مادًا يده ليحمله: تعالَ يا تيمو لجدو.
إلا أن الصغير رفض،
وهو يلقي بنفسه فوق خاله يطالب بالبقاء هنا.
ضمه تميم بحنان شديد،
فرغم حبه وعشقه للصغار أبناء إخوته جميعًا،
يظل تميم الأقرب لقلبه.
ابتسم مدحت وهو يراقبهم،
قبل أن يقول بعتاب واستياء: الدكتور قايل ترتاح وبلاش إجهاد،
تقوم انت تبعت تجيب الشغل هنا وتقعد تشتغل!
يا ابني حرام عليك.
إلا أن تميم ربت على يده قائلًا بهدوء: أنا بخير يا حج،
وانت رافض أروح الشركة،
وأنا عايز أشتغل،
الشغل بجد هو اللي هيخليني أخف.
ثم يعني أنا بعمل إيه؟
أنا قاعد في السرير بوقع وأتابع الشغل من هنا،
يعني مش بتعب الحمد لله،
متقلقش ،
أنا بخير وبصحة لله الحمد.
ابتسم له مدحت بحنان يحمد الله أنه بخير،
وكان تميم يراقب شروده.
غادر أمير،
سيتبعه الجميع في أي لحظة،
وسيعود المنزل فارغًا من سواهم من جديد،
إلا أن هناك شيئًا آخر.
لذا تساءل بهدوء وترقب: بابا؟
طالعه مدحت،
ليتابع تميم: في إيه؟ مالك؟
كان مدحت في حيرة من أمره،
لم يعتد أن يخفي عن تميم شيء،
هو أكثر من يفهمه،
لذا ورغم تردده إلا أنه قال بحزن والهم يملأ قلبه: حال آلاء مش عاجبني يا تميم.
ناظره تميم بصمت قبل أن يردد بقلق هو الآخر: كنت ناوي أكلمك عنها،
آلاء مش على طبيعتها أبدًا،
فيها حاجة،
بس كل ما بحاول أكلمها بتهرب،
حتى رامي مختفي،
أنا مستغرب إنه مكلمنيش ولا كلم حد فيكم،
غيابه غريب،
أنا رنيت عليه أطمن بس هو مردش،
قلت يبقى أكيد في حاجة حصلت وهي رافضة تتكلم.
أومأ له مدحت بكآبة،
فصغيرته تمر بما لا يعلم عنه شيء،
إجابة بتأكيد: أنا قلقان عليها،
حاسس بحاجة غلط بتحصل،
بس مش قادر أعرف هي إيه.
وطال الصمت بينهم،
قبل أن يقول بهدوء وغصة: أنا عايز أوصيك عليهم يا تميم،
بوصيك على إخواتك،
لو حصلي أي حاجة،
خلي بالك منهم،
حاوطهم،
أنت كبيرهم من بعدي.
انتفض تميم برعب يحاوط يده قائلًا باستنكار: انت بتقول إيه يا بابا؟
ربنا يبارك لنا فيك ويطول في عمرك،
حسك في الدنيا،
أنت كبيرهم.
إلا أن مدحت شدد على يده قائلًا بتأكيد: الدوام لله وحده،
هو أنا هعيش لكم العمر كله؟
أنا ليا يوم وهمشي من الحياة دي،
وأنا عارف إني ممكن أكون ظالم وأنا برمي عليك الحمل ده،
بس أنا واثق ومتأكد إنك قدها،
لأن قلبك شبه قلب المرحومة،
بيدي كل حب، كل حاجة حلوة،
عشان كده وصيتي ليك إخواتك،
وبالذات إخواتك البنات أمانة في رقبتك.
أنا خايف يحصلي حاجة،
وأنا مش مطمئن عليهم،
أنا من يوم ما آلاء جت وقلبي وجعني على منظرها،
كأنها بتتدبل رغم إنها بتحاول تبين العكس،
ساعات بحس بالندم إني وافقت على رامي،
يعني هو أنا كنت رافض في البداية من خوفي،
بس هو أثبت لينا العكس،
إنه شاريها، بيحبها، عايزها،
وأنا مش الأب اللي يرفض راجل عشان أقل من مستوانا المادي،
لأن كمان أنس كده،
بس لما بحطهم في مقارنة غصب عني،
بكتشف فرق كبير أوي بينهم،
على الأقل ملك جوزها راجل كويس،
بيتقي الله فيها، ويخاف عليها من الهوا الطاير،
آه مش معيشها في نفس مستوانا،
بس أنا مش فارق معايا،
هنعمل إيه براجل غني وتكون تعيسة؟
بس رامي طول الوقت بقيت حاسس إنها تعيسة معاه،
هي بتنكر،
وأنا مش لاقي دليل،
أنا دلوقتي ندمت إني وافقت على الجوازة دي،
وبفضل أفكر كتير أوي فيها وفي أولادها الأربعة.
أنا آه مأمّن مستقبل كل واحد فيكم،
بس شخصية آلاء أختك غير،
وخوفي عليها غير.
قالها بقلق شديد،
ولم يرها وهي تقف خارجًا تستند على الحائط،
تكتم بكاء لم تعد تتحمله.
❈-❈-❈
أسرعت نحو غرفتها، تحمد الله أن صغارها في غرفة الألعاب.
وقفت في منتصف الغرفة لا تعرف ماذا تفعل.
كل مخططاتها تلاشت أمام عيناها.
ماذا تفعل الآن؟
أتخبرهم بقرارها بالطلاق، ليسقط والدها حزنًا عليها؟
والدها ليس ذلك الرجل الضعيف الخائف، لكن يظل أب.
في النهاية هو أب، وخوفه عليها الأكثر من بين إخواتها.
هي امرأة في النهاية بأربع أطفال.
لم يكن خائف يومًا عليهم من الجهة المادية، بل كان الخوف الأكبر أن ينشغل الجميع وتحاوطها هي الوحدة والألم.
ماذا تفعل؟
أي طريق تسلك؟
كلاهما بهم الكثير من الألم، وكلاهما...
قاطع جنون أفكارها، طرقات الباب، تبعه دلوف والدها ينظر لها بابتسامة وحزم، يخبرها بالقادم.
وبالفعل جلس وأجلسها، يضمها إلى صدره، يمسح على خصلاتها بحنان بالغ، متسائلًا بهدوء: آلاء، فين جوزك؟
شعر بانتفاضة خفيفة تحت يديه، ليدرك أن الموضوع يحمل أكثر مما يعلمه، لذا أمسك بذراعيها يجلسها لتقابله قبل أن يتابع بقلق:
في إيه يا آلاء؟
إيه اللي بينك وبين جوزك؟
مختفي، متصلش يسأل على أخوكي؟
وإنتي متغيرة، ساكتة طول الوقت؟
في إيه بينك وبينه؟
وإيه اللي حصل عشان الوضع يوصل لهنا؟
كانت تطالعه بصمت، قبل أن تتخذ قرارها، فلا سبيل سوى هذا.
لذا قالت بهمْس خافت متألم: مفيش يا بابا، ده خلاف صغير بينا وهو مشغول للأسف،
معرفش ينزل معايا.
وأنا كنت حابة أفصل شوية، وكمان الولاد تعبنّي أوي فعشان كده تلاقيني طول الوقت مرهقة.
ناظرها مدحت بعينين قلقتين مترددتين، قائلًا باستنكار: مش لاقي وقت يتصل اتصال واحد حتى؟
أومأت له مؤكدة: للأسف في ضغط شغل جامد، أنا ساعات كتير كنت بقعد بالأيام مش بشوفه.
وكانت صادقة وساخرة.
إلا أنه تابع بإصرار: آلاء، احكيلي.. حصل إيه؟
أنا أبوكي.. معقول بتخبي عليا حزنك ووجعك؟
في حاجة.. أنا متأكد.
إلا أنها شددت على يده بابتسامة أجادت رسمها، وهي تقول بابتسامة: كله زي الفل، صدقني كله تمام.
ده حتى أنا قدمت سفري وهقول لحسام يحجز لي طيران معاهم أنا كمان.
وهرجع البيت عشان رامي لوحده.
وتابعت بصوت خافت متحشرج:
إنت متعرفش رامي بيحبني قد إيه يا بابا.. بيحبني أوي.
قالتها وقلبها يصرخ بأعلى صوت: كاذبة.. كاذبة وغبية.
أما مدحت، فكان يطالعها بتردد.
آلاء لم تعتد الكذب أبدًا.. فهل هي صادقة الآن؟
بداخله يعلم ويثق أنها حقًا متعبة، وقد أخبره تميم أنهم تلك المرة رغم أنفها وأنف زوجها سيرسلوا مساعدة خاصة لتساعدها في المنزل وأمور الصغار.
لكن آلاء لا تكذب.. هي لا تكذب أبدًا.
لذا ضمها إلى صدره بقوة، ولم يرَ تلك الدمعة الحبيسة بعينيها، وضحكة صامتة تقطر ألمًا..
ألم هي من قبلت به.
❈-❈-❈
وقفت خلف الباب تراقبه من الشِقّ الصغير،
في مكالمة تخطّت العشر دقائق، بهمس خافت ووجه هادئ.
كانت تراقبه بعين مشتعلة غاضبة،
بداخلها الكثير من المشاعر،
غاضبة، حانقة.
مع من يتحدث؟
سؤال كرّرته عشرات المرات في تلك العشر دقائق،
وهي تقف تراقبه بتلك الطريقة التي لم تظن يومًا أنها قد تفعلها.
لكن فضولها ومشاعرها الغاضبة
دفعوها إلى حيث لم ترد أبدًا.
لذا لم تجد نفسها سوى وهي تدفع الباب بهدوء، تدلف حتى وقفت أمامه.
وببساطة اختفت ابتسامته السعيدة،
وحلّ محلها جمود
وإغلاق للمكالمة،
وانشغال واهٍ.
حتى تساءلت وعيناها تتابع كل تحركاته: كنت بتكلّم مين؟
ولم يبخل عليها بالإجابة،
بل ببساطة أجابها وهو يتحرّك نحو الحمام، قائلًا بهدوء قبل أن يدلف: مكالمة شغل.
ولم يكذب.
لكن هي لم تصدّق.
ففي النهاية،
قد تملّك الشكِّ من قلبها.
كان صادقًا
وخائنًا حقيرًا.
❈-❈-❈
سارت نحو غرفة آسيا بملامح باهتة،
والكثير من الأفكار تراود عقلها،
أكثر مما تحتمل هي في تلك المرحلة.
لكن يبدو أن مشاكلها قرّرت أن تزيد واحدة،
وهي تدلف لغرفة آسيا،
وقد كانت الأخرى مسطحة على الفراش وظهرها لها،
وتتطلع في صورة ما.
صورة كبيرة مطبوعة،
وكانت لآخر شخص قد تظنه صفية.
كانت لتميم،
تميم مدحت العسلي.
❈-❈-❈
صباح الخير
رسالة صباحية بسيطة مليئة بالخير
ومع إشراقة شمس يوم جديد
تُعلن بداية صفحات جديدة
ربما مُزقت القديمة، وربما أُحرقت
لكن... هل طالتنا نيرانها؟
أم لم يحن دورنا بعد؟
ومع كل شروق شمس
يظل السؤال المُؤرق:
هل أُغلقت الصفحات القديمة؟
أم حان موعد إغلاقها... وإحراقها؟
لكننا في بعض الأحيان نغفل،
أنها ربما تحرقنا في طريقها.
ورغم كل ذلك،
تبقى الشمس تشرق،
والأيام تمضي،
والقلوب تجد ألف سبب
لتبدأ من جديد...
حتى وسط الرماد.
صباح الخير أبنائنا الكرام،
صباح الخير يا أهل الخير،
وقف تميم يضم الصغير تميم بجانب أبيه
يطالعوا مغادرة الجميع
حسام وأنس يتعاونوا لنقل الحقائب للسيارات
حور تحمل صغيرتها تقف بصمت على غير عادتها
الاء وصغارها
وأخيرا ملك التي أسرعت تضم والدها لا تريد البكاء
الجميع في صمت كئيب
رغم لحظات الفراق المؤلمة
إلا أن وفي تلك اللحظة
لم يكن صمتهم بسبب لحظة الفراق
بل كان لكل منهم سببه الخاص
حور تراقب حسام الصامت منذ أمس
وقد ظنت صمته وابتعاده بسبب مغادرتهم منزل العائلة
لكنه لم يفعلها قبلا وهذا ما قلقها أكثر
أنس شارد
والاء المبتسمة ابتسامة كاذبة
وعينا تميم لا تتركاها أبدا
هناك شئ خاطئ
حاول الحديث معها لكنها لم تقل أزيد مما أخبرت به أباها
تنهد بحزن
وقد حانت اللحظة أخيرا
لحظة الفراق
تبادلوا العناق
حسام الذي رغم همه كان حقا متأثر بتلك اللحظة
فلم يعلم كم ظل بأحضان أبيه ثم تميم
وملك التي انفجرت باكية ما أن ضمها أبيه ليودعها
وظلوا هكذا
واحد تلو الآخر
أنس حور الصغيرة شمس
وأطفال الاء
حتى حان دورها هي
وقد ظلت تؤخر نفسها حتى النهاية
كأنها تخشى من تلك الخطوة رغم كل شئ
وبالفعل ظلت في أحضان أبيها حتى شعرت أنها ستبكي
فلم تعد تتحمل كل هذا القدر من الألم
وانتقلت بعدها إلى صدر تميم
فأصبحت هي وابنها بين أحضانه
ضمها بقوة شديدة
مقبلا رأسها بحنان طاغي
كأنه يريد أن تظل هكذا لآخر العمر
فقط لتكون بخير
فقط ليراها مبتسمة مرة أخرى
وتمتعت هي بتلك اللحظات الدافئة بكل قوتها
تميم أخيها وأبيها الثاني
سندها ووتدها في تلك الحياة
كانت تكتم دموعها من شدة دفء مشاعر أخيها
وقبل أن تتحرك ليغادروا
رغم رفضها
مال تميم على أذنها يهمس بخفوت : أنا هنا أوعي تنسي أبدا
أنا جمبك
جمبك لآخر نفس في عمري
أوعي تترددي تتصلي بيا في أي وقت... أي وقت يا الاء
وإن شاء الله أول ما أقدر أسافر
هتلاقيني عندك
ولينا قعدة طويلة
قالها وهو يناظر عيناها بقوة
أومأت له بضعف وهي تحاول إيقاف دموعها التي أبت أن تظل محتبسة أكثر من هذا
وأخيرا أخرجت نفسها من بين أحضانه
وهي تسرع بحمل الصغير المتشبث به بقوة
يأبى أن يبتعد عنه
وما إن أثرت وجذبته بقوة رغم ممانعة وتشبثه بخاله
حتى انفجر باكيا وصوت صراخه يؤلم قلب الجميع أولهم تميم
الذي حاول أن يحمله مرة أخرى
إلا أنها هزت رأسها بنفي
وهي تخبئ وجهها بين أحضان الصغير الباكي
تُداري عيونها المتعبة
تحمل روحها لتغادر
نحو وطن لم يكن لها وطن
قبل أن تسارع لتصعد للسيارة
منطلقا بهم سريعا
وخلفهم تميم ومدحت يشاهدوا رحيلهم
بلقب غادر معهم
❈-❈-❈
وصلوا المطار،
وبكت مرة أخرى بين أحضان ملك وحسام حتى نضبت دموعها.
لكن قبل أن تصعد للطائرة، وقبل أن تتحرك خطوة واحدة،
كانت تمسك هاتفها وقد أرسلت رسالة تخبر بها رامي أنها عائدة مرة أخرى خلال بضع ساعات،
ليأتي دون أي تأخير، فبينهم حديث لا بد أن يدور.
وشددت على حضوره، وإلا سيحدث ما لن يحب أبدًا.
حسنًا... يستحق.
رامي لن يعيرها أي اهتمام سوى بنبرة تهديد،
وفي الحقيقة، هو بحاجة إليها.
فللبدء ببداية جديدة، يجب وضع قواعد جديدة.
صعدت الطائرة،
أجلست الصغار وقد غفوا واحدًا تلو الآخر من شدة التعب.
كانت تناظرهم بعين متفحصة،
صغارها... الأهم والأغلى.
هي ستفعل ذلك لأجلهم،
هي ستعود لذلك الرجل المسمى زوجها فقط للحفاظ على حياة مستقرة لهم.
نعم، لم يكن متواجدًا يومًا،
لكن فلتحاول...
فقط لتحاول للمرة الأخيرة،
لأجل أن يحيوا بسلام.
تنهدت بصمت وهي تستند على النافذة،
تضم الصغير تميم، والذي غفى بعد نوبة بكاء طويلة على فراق أخيها.
بكى حتى اكتفى فغفى،
وكم مزق قلبها بكاؤه.
لكن حتى هي ممزقة...
حتى هي دهست على قلبها وكرامتها وكبريائها،
دهست وبقوة دون أن تنظر لعواقب ما ستخوضه.
كانت حمقاء ساذجة لا تعلم،
هي لا تعلم أبدًا.
أخفت كل أفعال رامي لأنها تعلم أن أبيها وإخوتها لن يسمحوا لها بدقيقة أخرى مع رجل كهذا.
لا... ليس رجل،
بل مجرد ذكر.
لكن هي... لأجل صغارها،
لأجلهم...
دهست وستدهس على روحها.
هي ستحيا معه جسدًا بلا روح،
فاقدةً للحب...
للحنان...
للاهتمام...
فاقدةً لكونها امرأة تستحق،
لكونها تستحق الكثير، وهو لن يقدم سوى الخذلان.
ضمته بقوة قبل أن تغمض عينيها بإرهاق شديد لتغفو مثله،
راغبة وبشدة في الخلاص من ذلك التشوش بداخلها...
تشوش يشوه روحها ويقتلها ببطء...
❈-❈-❈
بعد عدة ساعات،
وأخيرًا هبطت الطائرة معلنة وصولهم.
كانت تسير ببطء، تضم تميم، والصغار الثلاثة في العربة نائمين ولله الحمد.
أما هي، وما إن استقرت أخيرًا بعد الإجراءات الروتينية المعتادة،
وقفت تخرج هاتفها، حيث كانت أصوات الإشعارات تصدر منه دون توقف أبدًا.
فتحته سريعًا،
لتستقر عيناها على وصول الكثير من الرسائل من رقم مجهول.
كادت أن تتجاهلها وتحظره على الفور كالعادة،
لكن لا تعلم ما الذي دفعها لرؤية ماذا أرسل لها، فامتد إصبعها سريعًا لفتح المحادثة.
قبل أن يتجمد إصبعها،
وتتجمد هي ايضا ،
قلبها يخفق بشدة، صوت أنفاسها الذي بدأ يزداد علوًا كانها تنازع للتقاطه.
حيث أمام عينيها وبين يديها،
كان قد أرسل وما زال يرسل،
صورًا.
الكثير من الصور لزوجها رامي، لكن لم يكن وحده.
بل تصحبه نساء،
الكثير.
واحدة، اثنان، ثلاثة، أربعة.
محادثات قذرة مخجلة.
شعرت بالغثيان الشديد،
وارتدت برأسها للخلف تلقائيًا غير قادرة على القراءة.
كان جسدها يرتعش قرفًا،
قبل أن تعود بعينها مجبرة إياها على التطلع،
وهي تتابع ما أرسل لها بعين مشمئزة ووجه متجهم.
واحدة تلو الأخرى،
مقاطع مصورة،
وأحدهم له يرقص مع إحدى الراقصات.
صور في أوضاع قذرة مثله.
مشاهد جمدتها،
أرسلت البرودة إلى أطرافها المرتعشة،
وهي تشعر بكل شيء يتجمد حولها.
كانها لم تعد تعي ما يدور.
وكان الزمن قد توقف،
وتميم الذي انفجر باكيًا فجأة دون أي مقدمات كانه شعر بها.
أما هي، فقد شعرت بحجر ثقيل قد وقع بقوة فوق قلبها،
فدعسه وسحقه دون أي رحمة.
ووسط كل تلك المشاعر المهينة،
لم تبكِ.
فقد جفت دموعها.
جفت وانتهت.
يتبع...
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة عفاف شريف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية