-->

رواية جديدة حارة الدخاخني مكتملة لأسماء المصري - الفصل 30 - الأربعاء 9/4/2025

 قراءة رواية حارة الدخاخني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى

 




رواية حارة الدخاخني

للكاتبة أسماء المصري


قراءة رواية حارة الدخاخني

 رواية جديدة قيد النشر

من روايات وقصص 

الكاتبة أسماء المصري



الفصل الثلاثون

تم النشر يوم الأربعاء

9/4/2025

لم تكن تلك الحياة التي تمنيتها ولكني أجبرت على العيش والمداومة بها حتى يأتي الخلاص.

ولم يكن الخلاص متمثل بشخص ينتشلني من قاع الجحيم الذي عشت به، لكن خلاصي كان نفسي ولنفسي فأنا خلاصي الوحيد.

ولم تكن لنفسي أهمية من قبل، ولكني أدركت خطأي عندما ضحيت بها للاشيئ فبت لا أعرف مقدارها حتى طعنت بصدري.

وها أنا أقف أخيراً بقوتي وشخصيتي ضد الريح لن تهزمني عاصفة هوجاء ولا قلب مجروح.


خواطري أسماء المصري.


نظرت ليدها بترقب تنتظر بلهفة حقيقة أن تظهر نتيجة التحليل فهي حقا مشتاقة لتحمل بداخلها نطفته هو وحده من عشقته طوال حياتها ولكن القدر أخذ منها ذلك الحلم وأكثر من مرة، مرة عندما أجهضت بشهورها الأولى، ومرة أخرى بعد كل مرة يفشل الاختبار بتحقيق حلمها ولكن تلك المرة عندها يقين بأن الله لن يخذلها وستحمل بداخلها نطفته لتسعد بها.


ترقبها لتلك الثوان بدت كساعات حتى ظهر الشريط الثاني الدال على إيجابيته؛ فاتسعت بسمتها بسعادة لم تذقها منذ فترة وخرجت بوجه بشوش تبشره بالخبر السعيد:

-حسن.


التفت لها محركا رأسه يسألها ما بها فأجابته فورا:

-أنا حامل.


وقف من مكانه يبتسم ويحتضنها بقوة:

-الف مبروك يا روحي، الحمد لله.


أبعدها ونظر لوجهها يحدثها ببسمة واسعة:

-شوفتي بقى إن ربنا شايلنا الخير، كنتي كل شهر عياط وزعل واهو كله بأوانه يا سهر.


أومأت وتعلقت بعنقه تقبله من وجنته:

-ربنا يخليك ليا يا حبيبي.


أنزل ذراعيها المتعلقة به وبحث عن هاتفه:

-أما أفرح أمي أحسن راخره كانت واكله دماغي بموضوع الخلفة ده.


حاولت أن توقفه بهدوء حتى لا تثير حفيظته:

-طيب استنى بس لما نتأكدو الأول.


رمقها بنظرة متعجبة:

-نتأكدو من ايه؟ هو أنتي مش واثقه في التحليل ده؟


نفت كذبا:

-ﻷ، ساعات بيطلع بايظ.


هز رأسه واحتضنها مقبلا أعلى رأسها:

-خلاص يا حبيبتي خليني بكره احجزلك عند الدكتوره عشان نتاكدو.


جلس على الأريكة فجلست بجواره تستند برأسها على كتفه وعقلها يدور بدوامته التي كلما ظنت أنها انتهت تجدها تتجدد من جديد كلما جاءت سيرتها أو مر طيفها ببالها، فتجهم وجهها وهو لم يلحظه وهو يمسح براحته على ظهرها:

-هتعمليلي عشا ايه انهارده لما ترجعي من السبوع؟


لم تجب فتعجب من صمتها ورفع وجهها بسبابته فانتبه أخيرا لتجهم وجهها فهز رأسه بمعنى ماذا هنالك، فابتسمت بتصنع وظن هو أنها متخوفة من نتيجة التحليل فهدأها:

-متقلقيش، إن شاء الله خير.


سألته فورا:

-لو مطلعتش حامل هتتضايق؟


نفى وقبلها قبلة عميقة وابتعد يهمس بأذنها:

-لو ربنا كاتب لنا تأخير فأكيد له حكمة من ده وأنا راضي بأمر ربنا.


ظل تجهمها الغير مبرر فأيقن أنها تنسج بعقلها السيناريو الأسوأ أو ربما تذكرت من اعتبرتها غريمتها فهو لم يخف عنه حزنها وغضبها كلما جاءت سيرتها فسأل باستنباط:

-عايزة تقوليلي فيكي ايه؟


ترددت ولكنه أشار لها لتكب ما بداخلها:

-قولي مالك!


ابتلعت ريقها وقضمت شفتها السفلى فرفع حاجبه متحفزا لما هو آت ونطقت:

-ملك.


ابتسم ولا زال حاجبه مرفوع:

-اشمعنا؟


احتدت بعصبية:

-أنت هتخشلي قافية؟


رد بعد أن ابتعد عنها ووقف أمامها:

-منا مش فاهم ايه علاقة ملك بخبر حملك وحالتنا دلوقت؟


وقفت بدورها أمامه وتكلمت بغصة شعر بها:

-من يوم فرح ابن عمتي على ورد وبالي مشغول ازاي هتقابل معاها وش لوش كده يوم السبوع؟!


عقب عليها ساخرا:

-وقابلتيها ازاي يوم الفرح؟


ردت تهز كتفيها:

-مهوبتش ناحيتها لأنها كانت قاعدة ناحية أهل العروسة وأنا الناحية التانية بس السبوع هنبقو مع بعض في بيت واحد وصالة واحدة و....


قاطعها مستنكرا:

-انتي عملتيها عدوة ليكي وهي ملهاش ذنب ولا دخل باللي حصل بيني وبينك قبل جوازنا، اتعاملي عادي يا سهر ﻷن ملك بنت كويسه ومتستحقش منك المعاملة دي.


صححت له بحنق:

-قصدك ست كويسه، أنت عرفت إن المعلم دخل عليها؟


جعد جبينه متعجبا وانتبه لحديثها وهي تؤكد:

-تقريبا المعلم حب يعرف الكل انه دخل عليها عشان كان في حد نشر في الحارة انه ملحقش يدخل لما اتقبض عليه ليلة دخلتهم.


لم يعقب عليها وحاول إخفاء ما شعر به من ألم بداخله وتابعت هي:

-وطبعا أنت عارف إن علاقتها بورد بقت وحشه جدا من ساعة ما اتخطبت لحمزة.


هنا لم يستطع استكمال حديثه معها بعد أن شعر بناره المتقدة توشك على الخروج:

-أيوه يعني أنا مالي بكل الهري ده؟ عايزة تقوليلي ايه مش فاهم؟


صمتت فتنهد وربت على كتفها:

-روحي السبوع وافرحي لابن عمتك ومتفكريش في حاجه تعكنن عليكي عشان اللي في بطنك.


ابتسم وقبلها وهي تسأله:

-أنت خلاص متأكد؟


أومأ هازا رأسه ومبتسم بسمة واسعة أختار رسمها حتى لا تشعر به:

-أيوه، إن شاء الله حامل.


تركها وغادر فورا فأمسكت هاتفها تتصل بأختها التي أجابتها فورا:

-كل ده يا سهر بتشوفي النتيجة؟


ردت بفرحة:

-حامل يا سالي، الحمد لله يارب.


تنهدت الأخرى وباركتها:

-الف مبروك يا حبيبتي.


عقبت عليها:

-عقبالك، إن شاء الله ربنا يفرحك.


لم ترد أن تدخل معها بذلك النقاش الذي ينتهي ببكائها فسألتها فورا:

-هتيجي السبوع؟


أومأت تؤكد:

-ايوه طبعاـ مش معقول نسيبو حمزة لوحدة بعد كل اللي عمله مع ابوكي، ده بابا سد كل ديونه الحمد لله وبلغني أقولك أنه فك رهنية الشبكة بتاعتك وعايزك تروحي تاخديها من أمك.


فرحت سهر بذلك الخبر وسألتها:

-لسه مش عايز يصالحني؟


أجابتها:

-سبيه شويه يا سهر، كل حاجه بتتداوى بالزمن وهو لما يعرف إنك حامل هيفرح، على الأقل أنتي اللي هتجبيله الحفيد.


رفضت طريقتها المتشائمة:

-ليه بتقولي كده؟ إن شاء الله تحملي أنتي كمان، أدعي ربنا يا سالي زي ما دعيت وربنا استجابلي.


هربت من ذلك الحديث بسؤالها:

-حسن قال ﻷمه؟


نفت سهر:

ﻷ، أنا فهمته إني لسه مش متأكده وقولتله لما نتأكدو الاول، ما هو مش معقول أمه تعرف قبل أمي وأبويا يعني وأنا عايزة افرح أمي انهارده لما نتقابلو في السبوع.


رفعت سالي حاجبها متعجبة وهي تفهم مغذى فعلة شقيقتها:

-بقى عايزة تفرحي أمي في السبوع ولا عايزه تعرفي ملك بحملك، أنتي مش هتشيلي الموضوع ده من بالك أبداً وهتفضلي تنكدي على نفسك بيه لحد حسن ما يزهق منك وساعتها انتي اللي هتبقى خسرانه.


صمتت فتابعت الأولى:

-بطلي تفكري فيها وتفكريه بيها كل شويه، أنتي غبيه ومش فاهمه أنك كل ما تفتحي سيرتها قدامه بيفتكرها و....


قاطعتها:

-انتي فاكرة انه بينساها؟ ده جوزي وأنا اللي عايشه معاه وعارفه إنها في باله على طول بس هو بيحاول مبينش.


زفرت سالي بضيق:

-ايوه يعني وبعدين؟ وأخرتها؟


لم تجد ما تجيبها به فصمتت وهتفت شقيقتها قبل أن تغلق معها:

-المهم متتأخريش عشان نلحقو نقعدو مع بعض عند ماما، وبابا قال انه هيطلع من الشغل ع شقة حمزة يعني عندنا وقت كبير نقعدو براحتنا هناك مع امك.


❈-❈-❈

وقفت أمام المرآة تجفف شعرها وتلتفت لذلك النائم وتبتسم بسعادة وكأنها أخيراً نالت مبتغاها من الحياة. اقتربت منه ومسحت براحتها على وجنته فاستيقظ ناظرا لها بخمول وسألها بصوت مبحبوح:

-صاحية بدري ليه كده؟


اعتدلت بجسدها تبتلع ريقها ففهم هو من شكلها أنها تريد إخباره شيئا، فجلس وانتظرها أن تبدأ حديثها:

-أنا عارفه إنك قلقان عشان نوع الجنين مش راضي يبان لحد انهارده.


زفر زفرة طويلة محملة بالكثير من المشاعر ولكنها لم تنتظره أن يعقب عليها فتابعت:

-عايزة أقولك على حاجه بس تحلف أنك مش هتتعصب.


انعقد جبينه بشدة فظلت تنظر له حتى أومأ يرسم الهدوء على ملامحه:

-لما لقيت السونار مش مبين عملت تحليل كده يبين نوع الجنين.


ظل على حالته فهتفت:

-أنا حامل في ولد يا رشوان.


لمعت عينيه ووقف من مكانه وهي تبتسم وتخبره:

-لسه المعمل باعتلي النتيجه على الواتس، الحمد لله يا حبيبي أخيرا ربنا أدالك الولد اللي نفسك فيه.


اقتربت منه وهو لا زال صامتا ينظر لها بشرود:

-عيزاك متقولش لحد خالص، أنت عارف إن ناهد حملت في ولد قبل كده ومات في بطنها وصفيه كمان مات لها ابن.


جلس على طرف الفراش وهي تتعجب لحالته الصامته فقد ظنت أنه سيصرخ ويحملها ويدور بها فرحا ولكنه ظل ساكنا لا يعقب عليها:

-أنا مش بصدق في الحسد والعين والكلام ده، بس برده متقولش لحد على الأقل لما أخلص الشهر الخامس يمكن حد يحاول يأذيني عشان مخلفش الولد و...


هنا قاطعها بشدة:

-تقصدي مين؟


تفاجئت من حدته:

-مين اللي ممكن يفكر يأذيكي أو يأذي ابني؟ 


ابتلعت ريقها وبكت تسأله:

-أنت مفرحتش بالخبر! ده انا قولت الفرحة هتخليك تطير في السما وهو ده رد فعلك معقول؟ انت كنت مستني إن ملك اللي تجبهولك مش كده؟


التفت يدير لها ظهره وتكلم بصوت خشن ومحذر:

-كام مره أحذرك إنك متجبيش سيرتها؟ أنا مش فهمتك الوضع بينا عامل ازاي ولا انتي بعد كل اللي عرفتيه ده ولسه غيرانه وخايفه منها؟ أنا مضايق عشان بقيتي بتتصرفي من ورايا وانتي متخيلة ان موضوع التحليل ده موضوع تافه.


صر على أسنانه يرمقها بنظرة حارقة وتابع:

-تفتكري انا معرفش حكاية التحليل ده؟ اكيد عارف وعارف اضراره كويس اوي فانتي جازفتي بخطر اجهاض عشان تعرفي النوع! انتي ازاي غبية كده.


صمت يصر على أسنانه وتابع:

-أنا فعلا مش بيعيشلي ولاد، مرة يموت بعد ما يتولد ومره يموت وهو لسه في بطنها فانتي بقى رايحه تعملي تحليل بيأثر على الحمل وبيخليه مش مستقر ومطلوب مني افرح للخبر ومتعصبش.


حاولت الرد والدفاع عن نفسها:

-الدمتورة قالت إن التحليل لو اتعمل قي مكان كويس مش هيبقى في خطورة وأنا روحت اكبر معمل تحاليل في اسكندرية كلها و.....


قتطعها صارخا:

-الحكاية دي مفيهاش اكبر معمل واصغر معمل، تحليل بيدخلو ابره جوه بطنك ويسحبو عينه من الحمل يعني خطورة انه ينزل كبيره جدا وانتي بكل بساطه جاية تقوليلي متتعصبش.


ردت تبتلع ريقها:

-انا كنت بحسب أنه عادي ومعرفش كل الكلام ده.


زفر باختناق:

-ربنا يستر، عشان كده مش عايز لا أفرح ولا أهيص إلا لما اطمن إن كل حاجه سليمة عشان متأملش ع الفاضي.


دلف المرحاض وخرج بعد أن اغتسل وجلس يرتدي ملابسه فوجدها تحضر بدلته فرفع حاجبه عاليا ولا زال يشعر باحتراقه بسبب فعلتها الهوجاء وتكلم بعصبية:

-انا رايح الحارة يا ماهي، هروحلهم بالبدله؟ 


صرخ بنهاية حديثه:

-هاتيلي الجلباية والعباية أخلصي.


ارتدى ملابسه وهم بالخروج ولكنه التفت قبيل مغادرته مشيرا لها:

-متنسيش سبوع ورد انهاردة، معاكي العربية والسواق متتأخريش.


سألته بتردد:

-هو أنت مش هتيجي تاخدني نروح سوا؟


نفى يخبرها:

-انهارده يوم ملك يعني هبقى عندها وهجيبها وآجي، وانتي وناهد وصفيه اسبقونا على هناك.


غادر ذاهبا لعمله فتلقى اتصاله وهو يقود فتنفس بحدة وأجاب:

-انا في السكة.


ضحك صفوت عاليا:

-مبروك يا معلم، ولى العهد أخيرا جاي في الطريق.


رد متجهما:

-هي لحقت تكب لك.


تعجب صفوت من حداه:

-مالك يا رشوان ده انا قولت انك...


قاطعه بحدة:

-هبقى فرحان وطاير في السما مش كده؟ بنتك ضيعت فرحتي بغبائها وهفضل قلقان لحد ما اطمن أنها معملتش حاجه تأذي الحمل.


تمتم صفوت متفهما ولكنه عاد لجديته:

-خير إن شاء الله، المهم خلينا في شغلنا.


هز رأسه ناظرا للطريق امامه:

-انا خلاص وصلت.


صف سيارته ووقف أمام رجاله يسألهم:

-ها يارجاله، كله تمام؟


أومأ له أحد رجاله:

-كله في السليم يا معلم.


دلف للمخزن ونظر للصناديق المتراصة أمامه وبها الكثير من الأختام والتي تدل على نزولها بأكثر من ميناء قبل استقرارها بمخزنه؛ ففتح غطاء أحدها ليجد معدات طبية فابتسم وهو يتذكر طلب حمزة المتواضع بتسهيل دخول تلك الشحنة قبل أن ان يكتشف حقيقته.


وقبل أن يفتش بداخل الأجهزة والمعدات الطبية استمع لصوته من الخلف:

-الله ينور يا حمايا العزيز.


التفت ليجده دالفا بزهو وخلفه والده مبتسما:

-برافو عليك يا رشوان، المهم دلوقت تخلي رجالتك تساعدالرجاله بتوع حمزة عشان يفرغو البضاعة من غير ما يبوظو الأجهزة، خلي الدكاترة تستنفع بيها.


ضحك بسماجة فالتفت رشوان يعطي أوامره:

-يلا يا رجاله شهلو شوية.


ظل واقفا يتابع سير العمل حتى اقترب منه حمزة يسأله:

-جاي بالليل تحضر السبوع مش كده؟


أومأ وهو يحاول إخفاء ضيقه فتابع حمزة اسألته:

-هتجيب ملك معاك؟


التفت يرمقه بنظرة حادة وأومأ وهو يشعر بالضيق لسيطرتهم عليه وعلى ابنته وتجارته بهذا الشكل:

-وأنت مهتم ليه بملك؟


رد عزام بتلك اللحظة:

-اخته الوحيدة، اصلي مخلفتش بنت غيرها وأنت عارف اني عندي 3 رجاله ماشاء الله وهي بقى الدلوعه بتاعتهم.


ابتلع ريقه وعزام يكمل حديثه بعد أن ركز بصره به:

-قلبك جامد أنت يا رشوان عشان تتحداني حتى وأنا بحط ايدي على ممتلكاتك بالشكل ده.


ضحك رشوان ضحكة ساخرة:

-اتحداك؟ ليه بقى؟ عشان مش عايز أطلق مراتي.


زم عزام شفتيه للأمام ممتعضا وهتف بحدة وبصيغة آمرة:

-هتطلقها ورجلك فوق رقبتك، أنت عارف إني مانع الكبار بره عنك وعن مطالبتك بتمن البضاعة اللي اتمسكت في المخزن، وأكيد عارف لو سبتهم عليك هيبقى آخرك ايه، وفي كلتا الحالتين بنتي مش هتفضل معاك فيا تطلق ملك يا تترمل.


بلل شفتيه بلسانه ورمقه بنظرة حادة:

-بص يا عزام بيه، ملك بقت مراتي زي ما بنتي بقت مرات ابنك فكده احنا خالصين ولو ع البضاعة فأنا هتفاهم مع الكبار بمعرفتي بس أخرج أنت منها.


ضحكات عزام العالية والمتواصلة جعلت العمال يتركوا ما بأيديهم لينظروا له حتى هدر حمزة بهم:

-كله يركز في شغله.


والتفت ﻷبيه متحدثا برجاء:

-يا بابا عشان خاطري بلاش.


لمعت عين عزام بالتحذير فصمت حمزة مضطرا وأطرق رأسه والأول يتابع تهديده لرشوان:

-بنتك متجوزة واحد كل البنات بتحسدها عليه، إنما بنتي واخده واحد أد أبوها فبلاش فتحة الصدر دي عليا يا رشوان أنت مش قدي ولا حتى تعرف تتواصل مع الكبار من غيري، وبلاش تتسند على صفوت عشان هتلاقي نفسك مسنود على حيطه مايله، صفوت الراجل بتاعي مهما كانت صلة القرابه بينكم فبلاش تفتكر انه ممكن يبعني عشان خاطر انه حماك.


نظرات رشوان النارية له جعلته يستشف بعض الأمور فسأله:

-أنت قولت لملك اني عايش مش كده؟


نفى كذبا برأسه فلم يصدقه وضحك ساخرا:

-مراتك مفهماهم انك عمهم.


جلس على المقعد الخشبي المتواجد بالمخزن وهو يهز رأسه:

-آخ منها، ياما حاولت أفهمها وضعي وهي اللي في دماغها مش عايزة تغيره، وبقت بتطردني كل ما أروح أطمن عليها أو على الولاد.


سأله حمزة متعجبا:

-هي مامة ملك مش فاهمه انك فتحي أخوك؟


أومأ موضحاً:

-وفاكره اني عم الولاد وحاولت كتير اقنعها نتجوز، على الأقل اربي ولادي بس رفضت لحد ما اضطريت اقولها الحقيقة وساعتها بقى نفثت نيران التنين وكانت عايزه تبلغ عني وتاخد العيال وتهرب لولا اني هددتها فخافت وسكتت على كده.


عقب عليه رشوان بضيق:

-بس هي لسه مراتك وعلى ذمتك حتي لو باسمك المزور مع انها كانت تقدر ترفع قضية طلاق للهجر وكانت هتكسبها.


عقب عليه عزام:

-خافت مني يا رشوان، والأفضل انك تخاف انت كمان ومتنساش انا مين وأقدر أعمل فيك ايه؟


سأله حمزة وهو يكبت مشاعر الضيق بداخله:

-أنت ناوي أمتى تعرفهم الحقيقة يا بابا؟


أجابه بعد أن وقف ينظر للعمال:

-كله بأوانه يا ابني.

❈-❈-❈


وقفت تعد الأطعمة المختلفة بمساعدة والدتها وأختيها استعدادا لاستقبال الضيوف فانتهزت والدتها فرصة انشغال اختيها بالتجهيزات وسحبت ورد للجانب قليلا لتهمس متسائلة:

-بت يا ورد، قوليلي، مبسوطه معاه؟


ابتسمت فورا وأطرقت رأسها خجلا فضحكت صفية:

-مكسوفه يا مضروبه؟ أنا كنت زعلانه منك أوي لما سبتي يوسف بس الحق يتقال إن حمزة شكله ابن حلال مع اني مش فاهمه حكاية ابوه اللي طلع عم ملك ويوسف ده، وازاي الموضوع نايم كده ومحدش بيتكلم فيه؟


ردت تخبرها:

-اللي فهمته من حمزة إن أم يوسف كانت رافضه إن حمايا يهوب من ناحيتها هي وعيالها بس كده، إنما بقى الحكاية العجيبة هي حكاية حمزة نفسه مع ابوه وامه يا ماما، لما نقعدو لوحدنا هبقى احكيلك اللي عرفته منه.


ربتت على كتفها فلاحظت ورد شرودها فسألتها:

-مالك يا ماما حالك مش عاجبني؟


حركت رأسها ممتعضة:

-ملك.


انتبهت لها فتابعت صفية:

-ملك خلاص قبلت بأبوكي وبقت عامله زي ماهيتاب وبتتخانق معاها ومع ناهد ع الجدول، وقال ايه انها من حقها يبقى ليها أيام زياده عشان مشبعتش منه زينا.


انعقد جبين ورد تسألها:

-معقول يا ماما؟ انت بتصدقي برده؟


أكدت بحركة رأسها:

-يوم فرحك باتت معاه في اوضتك ووو...


صمتت توضح ما ظنته أنه حدث بينهما ففهمت الأخرى:

-أنتي بتتكلمي بجد يا ماما؟


أومأت تؤكد لها فرفعت شفتها تضحك:

-سبحان مغير الأحوال، كانت بتنام وتحلم بحسن ومش طايقه ابويا زي ما أنا كنت بنام وأحلم بيوسف وحمزة مكانش في بالي ولا حتى اعرفه، بس عارفه يا ماما أنا كنت متأكده إن بابا هيعرف يخليها خاتم في صباعه زي ما بيعمل في كل جوازه.


أومأت صفية بضيق:

-كانت صعبانه عليا وكنت عايزه اساعدها بأي شكل بس خلاص بقى هي اللي اختارت طريقها ربنا معاها.


صمتت عندما دلف حمزة فابتسم لها مرحبا بها:

-حماتي، منورة البيت والله.


صافحته ببسمة واسعة:

-منور بأصحابه يا بني.


غمز لورد فارتبكت وأطرقت رأسها خجلا فضحكت صفية:

-انا في المطبخ مع أخواتك، روحي شوفي جوزك لو عايز يرتاح شويه قبل الناس ما تهل.


تركتهما فاحتضنها بلهفة وهمس بأذنها:

-أمك بتفهم والله وموقفتش عزول.


دفعته بدلال:

-بطل بقى.


غمز لها وقبلها قبلة شغوفة:

-حبيبتي انتي، مبروك يا عروسه.


مر الوقت وبدأ الحضور بالتوافد بداية بناهد وبنتيها وأزواجهن جميعا وماهيتاب التي جلست بانتظاره تشعر بالغضب وبنيران الغيظ تتقد بداخلها حتى لاحظت صفية وجلست بجوارها تسألها بمرح:

-لسه نوع الجنين مبانش ولا خايفه تقولي لنحسدوكي.


وقبل أن تبارد بالرد تابعت الأولى:

-شكل بطنك بتقول انه ولد، يارب ولد يارب ولد.


ضحكت عاليا تربت على فخذها وتتابع مزاحها:

-عشان المعلم يتهد ويبطل جواز بحجة الولد.


ردت عليها أخيرا بعد أن شاركتهما ناهد بالحوار:

-ما خلاص كل الخانات اتملت و...


قاطعتها ناهد:

-وانتي فكرك إن البت دي لو مخلفتلوش عيل هتفضل على ذمته؟ كان ساب التلاته اللي قبلك يا ماهيتاب، رشوان اللي بتقعد معاه سنه والتانية متكونش حملت بيطلقها ياختي وملك اديها داخله في 5 شهور من ساعة ما خرج من السجن.


تدخلت ورد بالحوار:

-اللي أعرفه انها كانت متفقه معاه تأجل الخلفة لحد ما تخلص علام وانتي عارفه انه دخلها جامعه خاصه عشان مجموعها اللي زي الزفت فخدي عندك بقى 4 سنين جامعه ده لو معادتش ولا سنه.


ضحكت ناهد ساخرة:

-وهو رشوان برده هيصبر عليها كل ده؟ دي لو مخلفتش في خلال سنه بالكتير هيطلقها، هو لو كان الوضع كده مكانش اتجوز ماهيتاب وفضل متجوز اي واحده من التلاته اللي طلقهم قبلها.


بالطبع تعرف تلك الصامته أسبابا لا تستطيع البوح بها لتأكد لهم إن ملك باقية مهما حدث وبأي ثمن؛ فصرخت بنهاية حديث ناهد بضيق:

-ما خلاص بقى وقفلو على سيرتها اللي تفور الدم دي، زمانها جايه وانا أصلا مش طايقه أشوفها.


مزحت صفية معها:

-خدي بالك أحسن تفكيرك فيها وغلك منها ممكن يطلع العيل شبهها.


ضحكت عاليا وشاركها البقية بالضحك فنادى حمزة على زوجته التي استأذنت ودلفت لغرفتهما فابتسم يخبرها:

-وردة حياتي، أنتي طبعا عارفه إن أهلي مش جايين السبوع ومفيش غير خالي ومراته وعيلته.


أومأت تؤكد فتابع:

-عايزك تهتمي بيهم وتحسسيهم انهم مرحب بيهم كده يعني متفضليش قاعده مع اخواتك وأهلك وتنسيهم.


أومأت تبتسم له وهو يضيف:

-وإن شاء الله يومين كده ونسافر الصعيد نعمل سبوع تاني هناك في البلد وسط أهلي.


خرجت على رنة جرس الباب لترحب بأنور وعائلته وسحبت سهر تحتضنها وتفعل المثل مع سالي وتسألهما باهتمام:

-اومال حسن وعماد مش جايين؟


ردت سهر:

-اصل حسن قال دي قاعدة ستات و...


قاطعها حمزة الذي رحب بهم:

-قاعدة ستات ازاي وأنا وخالي وحمايا وجواز أخوت ورد موجودين!


حركت كتفيها فعلقت ورد بسماجة:

-هو مش عايز يتجمع بملك أنا فاهمه.


تجهم وجه سهر ودلفت مطرقة رأسها تصر على أسنانها وأختها تواسيها:

-أهدي وبلاش تشمتي حد فيكي.


ظلوا جميعا بانتظار رشوان الذي تأخر بالحضور فهو كان مشغولا بالنظر لها وهي تتزين أمامه وتصفف شعرها وهو أكثر من سعيد بمشاهدتها، ولكنه انتبه للوقت فحثها بالاسراع:

-شهلي شويه يا ملاكي عشان هنتأخرو كده.


وقفت تلف حول نفسها تريه اختياره:

-حلو عليا؟


أومأ ووقف قبالتها يمرر راحته على طول ذراعها:

-تحفه عليكي.


عقبت عليه:

-أنت ذوقك حلو طول عمرك.


غمز لها واحتضنها:

-طبعا ذوقي حلو عشان اختارتك.


هم بتقبيلها ولكنها ابتعدت مرتبكة فقضم شفته وابتعد جالساً على طرف الفراش وتكلم بهدوء مصطنع:

-مش اتفقنا نكسر الحواجز بينا؟


أومأت بارتباك:

-معلش يا رشوان استحملني شويه، انهارده بالي مش رايق ومش عارفه هعمل ايه لو بابا جه، اقصد بابا حمزة يعني.


ابتسم ومسح على رأسها:

-قولي بابا يا ملك زي ما أنتي عايزه، معايا متعمليش حواجز ولا تفكري في كلامك قبل ما تخرجيه، انا هنا سفنجه عشان امص أي حاجه خارجه منك.


ابتسمت وتعلقت بعنقه تهمس له:

-بقيت بحبك أوي اوي بجد، ربنا يخليك ليا.


انحنى ليقبلها ولكنها عادت لتمنعها فزفر وانحنى يلتقط عبائته ووضعها على كتفه وتحرك لجارور مرآة الزينة يخرج منها علبة مخملية وفتحها ليريها ما بداخلها من اسوارة تخطف الانظار وسألها:

-ايه رأيك؟


ابتسمت وقد ظنت أنها لها:

-تحفه، تهبل.


علق فورا بعد إظهارها إعجابها بها:

-نقوط ورد، تفتكري تعجبها؟


أومأت بعد أن تغيرت معالم وجهها فابتسم وأخرج من جيب جلبابه عقد خاطف ومرصع بالألماس وسألها:

-طيب ده؟


نظرت بانبهار فغمز لها والتف خلفها ووضعه على عنقها فرفعت شعرها لتسهل لها إغلاق محبسه فانحنى يقبل عنقها الذي ظهر أمامه بسخاء وهمس بجوار أذنها:

-قولتلك إن كل شغلانه هتخلص هجيبلك من فلوسها هدية وزي ما اتعودت برده مفيش حاجه بجيبها لورد ومجبلكيش منها طول عمري.


فانحنى يخرج من الجارور اسواره مماثلة للأخرى وهتف:

-نفسها بالظبط يا روحي بس متلبسهاش بقى عشان تبقى هدية مميزة لورد.


أومأت فرحة وغادرا لمنزل حمزة وهناك وبعد التسامر وكل من ملك وورد لم يتحدثا لبعضهما البعض ولو بكلمة ترحاب او شكر هتفت سهر تحدث والدتها بصوت مرتفع قليلا وكانها تريد أن يستمع لها الجميع وذلك عندما حثتها والدتها:

-مبتاكليش الجاتوه ليه يا سهر؟


ردت بصوتها المرتفع:

-مليش نفس، هاتي باتون ساليه من ده يا ماما احسن عايزه حاجه حادقه.


هنا انتبهت والدتها وصرخت بفرحة:

-بت يا سهر، انتي حامل ولا ايه؟


أومات مبتسمة بعد تأكدت أن ملك انتبهت لهما وانتبه أيضا أنور:

-ايوه يا ماما الحمد لله، لسه عارفه قبل ما آجي وكنت عايزه اعملها مفاجئة ليكم ولحسن.


أدارت ملك وجهها عن نظراتها والجميع يهنئها بحملها وصفية تدعي وتتضرع:

-عقبالك يا ورد لما افرح بيكي واشيل عيالك يارب.


لحظات وتفاجئ الجميع بحضور صفوت ومعه عزام الذي رحب به نجله ترحابا كبيرا فجلس أمام ملك التي لم تستطع أن تزيل عينيها عليه ففهم هو من نظراتها أن ظنه كان بمحله وأنها تعلم جيدا بأنه والدها، فحتى إن حاولت هي التمثيل فلن تستطع أن تقنع هذا الماكر.


انتهت السهرة وبدأ الجميع بالمغادرة فيما عدا رشوان وملك وعزام بعد أن طلب من رشوان البقاء للتحدث بالأعمال.


نظر عزام لنجله ففهم الآخر نظرات والده وسحب ورد للداخل وهمس لها:

-معلش يا حبيبي، خليكي هنا لحد ما يخلصو كلام.


تعجبت من طلبه فابتسم موضحا:

-كده كده هتسمعي الحوار وهتفهمي، بس خليكي هنا احسن.


وافقته وقفت خلف الباب تستنط للحوار وصوت عزام أكثر ما يسمع وهو يهدر برشوان:

-أنت فاكر إنك تقدر تلعب معايا اللعب ده يا رشوان! فاكر عشان حمايتي ليك طول السنين دي انك تقدر تتخطاني وتعرف بنتي بحاجات أنا لسه مأذنتلكش أنها تعرفها؟


صاح رشوان بحدة:

-على فكرة بقى، ملك ويوسف شاكين انك ابوهم ومش داخل عليهم حكاية عمهم التوأم دي، انا مجرد أكدت لها الشك اللي في دماغها.


صاح به الآخر:

-طريقتك هتخسرك حياتك يا رشوان، احذر غضبي وطلق ملك بالحسنى بدل ما تلاقيني واقف قصادك وساعتها مش هتلاقي اللي ينجدك من تحت ايدي.


تنفس رشوان بحده والآخر لا يعطه فرصة للتحدث:

-مش بنتي اللي تلعب بيها ومش بجوازك منها هتاخد الأمان زي ما فاكر، أنت اتجوزت بنت كل مشرف اتحط عليك وده أنا فاهمه، بس أنا غير كل دول يا رشوان وجوازك من ملك مش الأمان ليك ولعيلتك بالعكس ده فرمان موتك.


صرخ به المعني:

-ولما أنت رافض جوازي منها مبعتليش ليه رفضك؟ استنيت كل ده ليه، ما زي ما كنت بتبعت كل خططك عن يوسف كنت تقدر تبعت رفضك جوازي أو حتى لما اتقبض عليا تقولي خلاص كده، بح، فنيتو، مفيش ملك ولا جواز، بس أنت اكتر واحد عارف انت استنيت كل ده ليه.


صمت قليلا عندما وجد لمعة عين عزام وهو الآن متخوفا أن يكون شد فتيل غضبه ولكنه سيراهن الآن بكل شيئ ويخرج ما بجعبته:

-انت استنيت عشان أكون دخلت عليها ولما أطلقها متبقاش بنت بنوت فتبقى تحت طوعك وتجوزها للي أنت عايزه مش كده؟ رجل الأعمال محمود الأستاذ مش كده.


تعجب عزام بعلمه لتلك الحقائق فصمت يحاول استرجاع افكاره وهو يجدها تبكي بغزارة وبلا توقف:

-أنا عرفت بخططتك بس للأسف بعد فوات الأوان ولو كنت أعرف كده يمكن مكنتش دخلت عليها، ويمكن برده ساعتها كنت هتساومني على طلاقها مني بس اعرف يا عزام بيه إن لو دي آخر حاجه هعملها في حياتي، فأنا مش هسيبلك ملك أبدا.


وقفت غير مدركة لما يحدث أمامها بعد أن كُشفت الوجوه وأزيلت الأقنعة عن الجميع وأخيراً أيقنت شيئا واحدً أنها هي الضحية الوحيدة والتي دفعت ثمنا باهظا لم تكن بحاجة لدفعه من الأساس، بل هي الوحيدة التي دفعت هذا الثمن.


ظلت شاردة وكل ما جال بخاطرها هو مدى سذاجتها وكيف تم التلاعب بها بهذا الشكل وكم من أطراف نسجت خيوط قيودها حولها لتقع بالشباك الواقعة بها هي الآن، فقررت بداخلها أنها لن تدفع الثمن وحدها.


لا وألف لا لن تكن هي الضحية الوحيدة لتلك القصة وكل من اشترك ليتلاعب بها ويحول حياتها لهذا الجحيم سيدفع الثمن، ولكن صبرا جميل فأخذ الحق حرفة لابد أن تحترفها ومهنة عليها امتهانها حتى تتمرس بفعلتها وهي تعلم أن لديها الذكاء والدهاء اللازمين لفعل ذلك، وليقف كلٍ بدوره وليصطفوا أمامها هكذا حتى تتشفى بكل واحد منهم كان له يد بإيذائها.


لم تكن شاردة بالقدر الذي يمنعها عن الإستماع للحديث الدائر حولها، ولكن عقلها كان مشغولاً عن الرد وهو يفكر بأي منهم ستبدأ انتقامها وبأي قناع ترتديه لتبدأ ثأرها، وكان هذا الجالس أمامها هو الخيار الأول لها فمن غيره كان السبب بضياع حياتها ومستقبلها، نعم هو من ستبدأ به وحتى لا تثير الشبهات فعليها الآن اتخاذ رد فعل عنيف لما سمعته من برهة حتى لا يشكون بأمرها.


وقفت بمنتصف حديثهم وجدالهم فانتبهوا لها ولوقوفها المفاجئ وكأنهم أدركوا لتوهم أنها كانت حاضرة لمهاتراتهما وشجارهما وكل منهما يمسك ورقة رابحة على الآخر.


وقف زوجها مقتربا منها بخطوات بطيئة يدرس ملامح وجهها الغاضب وردات فعلها الذي ظن أنه بات يعرفها، وعض على شفته السفلى ونطق أحرف أسمها متلعثما:

-ملك.


نظراتها يمكن أن تشبهها بلبؤة تنظر لفريستها من بين الأحراش وتمثلت تلك الأحراش بأهدابها المغيمة بعبراتها المنسالة على وجهها فمسكها من ذراعها وهمس:

-ملاكي، أنتي ملكيش دخل باللي بيني وبين عزام.


نهض الآخر يصرخ به:

-متنساش نفسك يا رشوان، أنا اسمي عزام بيه و...


قاطعته ترمقه بنظرة جامدة:

-هو ميقصدش، أكيد عامل حسابك عشان كده اتجوزني بالغصب...


حاول التودد لها فخرجت نبرته متوسلة:

-ملاكي، أنتي أكتر واحده عارفه إن الكلام ده مش صحيح، متصدقهوش ده جاي وعايز يوقع بيني وبينك فبلاش تخليه يكسب.


ردت بنبرتها المنكسرة:

-مش مهم مين اللي يكسب، المهم مين اللي طلع خسران في لعبتكم دي، والوحيدة اللي خسرت هي أنا ، أنا وبس.


بكت وبداخلها حريق هي مضطرة لإظهاره بالرغم من امتعاضها بسبب إظهارها لضعفها بهذا الشكل، ولكن خطتها الانتقامية وتلاعبها بمن حولها يحتاج لهذا، لذا لن نتوقف حتى تنجح بمسعاها وتخرج هي الفائزة تلك المرة:

-أنتي لسه بعد كل ده وحاسة نفسك مغصوبة عليا! معقول بعد كل اللي عشناه سوا وحصل بينا حسة نفسك مغصوبه عليا ومبتحبنيش؟


رسمت تلك النظرة التي تعلم كم تذيبه وتجيدها هي ببراعة واستخدمتها معه طوال تلك الفترة لتكسبه به وهمست بصوت متحشرج ومتصنع:

-للأسف أنك خلتني حبيتك يا رشوان، بس أنا كنت بحسب أنك بتعمل كده عشان بتحبني مش عشان تحمي نفسك وتقايضني قصاد أمان عيلتك وشغلك.


نفى بحركات رأسه المتتالية والمتوترة:

-أبدا، وحياتك عندي أبدا ومبقاش عندي أغلى منك، وأنا واقف هنا أهو عندي استعداد اقولها بكل صراحه إنه لو عايز يقايضني على أي حاجه، أي حاجه مهما كانت هوافق إلا انتي.


استمعت لصوت عزام من خلفة يضحك ساخرا:

-لااا حبّيب بصحيح، طيب يا رشوان وزي ما قولتلك يوم ما خرجت من السجن، دينك بتاع بضاعة المخزن اللي اتمسك مقابل طلاقك من ملك، بس عايز اديك المفاجأة دي كمان أنه مش بس دينك ده وكمان شغلك معانا كله هيتوقف على سرعة تنفيذك ﻷوامري يعني بالعربي كده كل يوم بتتأخر فيه عن تنفيذ الطلاق هسحب من تحت رجيلك حاجه من ممتلكاتك اللي عملتها بشغلك معانا لحد ما تبقى ع الحديدة.


رمقة بنظرة حادة وغاضبة وتابع:

-أمانك مش بجوازك من ملك يا رشوان، أمانك برضايا عنك ولحد ما دخلت ولادي في لعبتك الوس** دي كان ليك كل أمان واحترام مني عشان أنا لما سبتهوملك كنت واثق انك هتحافظ عليهم وتخليتك هتتجوز أمهم مش تتجوز بنتي.


صرخت هي رافضة لحديثه:

-بس متقولش بنتي، بنتك منين أنا معرفكش، عمري ما شوفتك ولا سمعت بيك وطول السنين اللي فاتت كنت بكرهك عشان كنت فكراك هربت وسبتنا بس لما قالولي مات أنبت نفسي وحبيتك، حبيتك أوي ودعيتلك بالرحمة بس دلوقتي أنا حولت كل حبي وكرهي ليك لغضب وحقد عليك عمره ما هينتهي ابدا.


ابتسم بسمة ضعيفة واقترب منها يحدثها بصوت هادئ:

-انا عارف إن الكلام ده كله من ورا قلبك وبكره تعرفي إن أبوكي اللي واقف قدامك ده معملش حاجه في حياته غير عشانكم أنتم وبس، حتى لما تخليت عنكم، حتى لما خليت حمزة يتجوز ورد بدل يوسف.


لم تصدق أذنها لما تسمعه وما قالته له لم يكن من ضمن خطتها فقد فقدت التحكم بنفسها وبحكمها على الأمور أمامه، ولكنها عادت لرباطة الجأش الذي اعتادت عليه والتفتت تنظر لذلك المتوسل بعينيه ونهجت بشكل مفرط ومتصنع وسألته:

-وليه عملت مع يوسف كده؟ ليه مصمم تدخله شغلكم طالما خطر أوي كده و...


قاطعها صارا على أسنانه:

-انتو ولادي، انتو الاتنين ويوسف ومحمد الصغير ولادي واللي هتورثوا مكانتي وشغلي، أنا مميزتش اي واحد منكم عن التاني بس حطيت كل واحد في المكان اللي على اده، حمزة أخوكم الكبير ولازم تحترموه وتسمعو كلامه لاني مش هسمح تقللو منه ولا تتخطوه، وهو كمان هيحميكم وهيكون عينكم ولسانكم للناس اللي برا، فاهمه يا ملك دخول بوسف لشغلي امر ممنوش مفر ولازم يفهم إن اللي بيدخل عش الدبابير مبيعرفش يخرج منه إلا ميت ويوسف خلاص دخل فلازم يستفاد بمكانة أبوه ويسمع الكلام وانتي اللي هيكون عليكي مسؤلية انك تعقليه وتخليه يسمع الكلام طالما بيسمع لك انتي اكتر واحده.

كل هذا والآخر جالسا واضعا قدما فوق الأخرى لا ينخرط بالحديث ولكن يركز بصره على ملك تلك الصغيرة التي يود أخذها بحضنه ومواساتها فهي من تأذت أكثر من غيرها، ولكن الوقت غير مناسب الآن، فلتهدأ قليلا وبعدها كل شيئ سيصبح على ما يرام.


التفت عزام لرشوان الواقف بجوار ملك يهمس لها بكل عبارات الحب والتوسل أن لا تتركه فهدر به:

-انت سمعتني يا رشوان وعارف كويس أني مش برجع في كلمتي، عايز مكانتك تفضل زي ما هي وعيلتك تفضل في أمان فلازم تطلق ملك انهاردة قبل بكره، ويكون في علمك أني هبدأ بسحب أملاكك منك من انهاردة مش من بكره.


لمعت عينيه وهو يستمع له يستطرد:

-هبدأ بالشركة اللي مأجرها لحمزة ودي من الساعة واللحظة بقت من املاكي وأكيد مش هحتاج ورق يثبت ده أنت عارف الشبكة بتاعتنا مأمنانا ازاي ومدياني صلاحيات أعمل كده بسهولة، وبكره الصبح المكتب هيتوثق بورق رسمي في الشهر العقاري.


غمز له بنهاية حديثه وأكد:

-تحب أقولك بكره هسحب منك ايه؟


صمت قليلا وضحك بصوت مرتفع:

-يمكن تكون ڤيلتك وممكن الحارة بتاعتك ويمكن آخد منك الأكبر من كده وأحط ايدي على الوكالة بتاعتك.


وقبل أن يتابع حدثه التفتت ملك له وهتفت:

-عزام بيه.


اقترب منها ونطق بحزن بدى واضح على صوته:

-مستكبرة تقوليلي بابا!


لم تعير حديثه اهتمام وهتفت:

-انا مش عايزه اتطلق من رشوان، لو فعلا عايزني اعمل نفسي ناسيه أنك رمتني وأنا عندي 5 سنين يبقى كفاية تدخل في حياتي وأخد قرارات بدالي.


هدر بها:

-انا بدور على مصلحتك ومستقبلك، والاكيد إن ملكيش مستقبل مع واحد أد ابوكي.


صرخت به رافضة:

-انا بحبه.


نفخ بضيق:

-يا بنتي ده بيضحك عليكي بطريقته وواكل بعقلك حلاوة زي ما عمل في بنت صفوت وفي كل واحدة اتجوزتها، بلاش تضيعي نفسك...


قاطعته:

-جيت متأخر أوي يا بابا وأنت كنت تقدر تمنع الجوازة دي طالما أنت بالقوة والنفوذ ده، بس أنت سبتني له ودلوقت انا عيزاه عشان يربي ابنه او بنته.


هتفت بتلك الكلمات وهي تضع راحتها على بطنها ونظرات الجميع المندهشة ترمقها بحزن وأخرى بفرع وذهول وهي تهمس:

-انا حامل.


يتبع..

إلى حين نشر فصل جديد من رواية حارة الدخاخني للكاتبة أسماء المصري، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة