رواية جديدة ساحر الليل لبسمة بدران - الفصل 2 - الثلاثاء 29/4/2025
قراءة روايةساحر الليل كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ساحر الليل
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة بسمة بدران
الفصل الثاني
تم النشر يوم الثلاثاء
29/4/2025
شرط غريب
شعر فارس بالدهشة واتسعت حدقتاه.
من أين لذلك الصوت أن يعرف ما يكنّه لصديقته لمار وهو قد أغلق قلبه على ذلك الحب منذ زمن طويل؟
أغلق النافذة على الفور ثم جلس على فـ راشه وظل مستيقظًا حتى الصباح يفكر في ما رآه وعيناه لا تفارقان النافذة.
كان يتساءل في نفسه: ما الذي يحدث لي؟ وما السبب وراء تغيّر الجو؟ المفترض أننا في شهر يوليو والجو حار.
إذاً ماذا عن تلك العاصفة والأصوات المرعبة؟
ظل عقله يدور في جميع الاتجاهات حتى أقنع نفسه أخيرًا بأن ما رآه لا يعدو كونه ظواهر طبيعية.
وثب سريعًا وبدّل ملابسه عازمًا على الذهاب إلى العمل رغم أن الوقت كان مبكرًا جدًا.
وصل إلى الشركة ولم يجد أحدًا بها فاتجه إلى مكتبه وصنع كوبًا من القهوة.
اقترب من النافذة المطلة على الممر الرئيسي وفتحها فأبصرها تتهادى في هيئة رسمية بنطال أسود وقميص أبيض وسترة سوداء فوقه.
خصلاتها الشقراء تنسدل فوق ظ هرها وكتـ فيها فظل يختلس النظرات إليها حتى اختفت عن مرمى بصره.
غمغم في نفسه بعد أن تنهد طويلًا: "عارف إن الطريق ليكي مستحيل يا لماري."
أغلق النافذة بقوة وعاد إلى مكتبه يجر أذيال الخيبة.
❈-❈-❈
استيقظت جوري ثم ذهبت لتوقظ والدها فهي غير مستعدة لتكرار ما حدث بالأمس من ذلك المعيد البغيض.
طبعت قبـ لة صغيرة على جبين والدها الذي احتـ ضنها بحنو شديد كعادته منذ أن كانت صغيرة.
وبعد دقائق جلسا على مائدة الإفطار يتناولان فطورهما في صمت قطعه والدها بسؤاله المباغت: "قوليلي يا حبيبتي عملتي إيه امبارح؟"
أطرقت رأسها بحزن عندما تذكرت طريقة المعيد الفظة معها ودمعت عيناها رغمًا عنها.
فأُصيب والدها بالهلع وراح يمسح على يدها بحنان: "حصللي حاجة وحشة جدًا يا بابا."
رمقها بقلق وقال: "ما تقلقيش يا جوري كل حاجة هتبقى تمام بس احكيلي حصل إيه؟"
تنهدت ثم قصّت عليه ما حدث من ذلك المعيد المغرور.
رفعت أحد حاجبيها بدهشة عندما لم تجد رد فعل من والدها فسألته: "هو إنت ساكت ليه؟ أنا فكرت كتير إني ما أروحش الجامعة تاني بس اتراجعت في آخر لحظة."
خرج عن صمته وقال بنبرة جادة: "بُصي يا بنتي اللي عمله أستاذك ده طبيعي جدًا لازم يكون صارم علشان المحاضرة تمشي وإنتي كمان لازم تروحي في مواعيدك اتفقنا؟"
مطّت شفـ تيها كالأطفال ثم أومأت برأسها وهي تدعو الله ألا يتكرر ما حدث مرة أخرى.
❈-❈-❈
كسا الغضب ملامحه الوسيمة وهو يتصفح انستجرام
رأى صورًا لها بثوبٍ عارٍ والأدهى من ذلك تعليقات المتابعين الوقـ حة.
ألقى الهاتف بعـ نف فوق الفـ راش ودلف كالإعصار إلى غرفتها.
طرق الباب مراتٍ عديدة وعندما لم يجد ردًا فتحه ودخل.
أبصرها نائمة بفوضوية خصلاتها متناثرة حولها
تأمل جمالها الخاطف للأنفاس ثم هزّ رأسه بعـ نف ليطرد الأفكار.
اقترب منها وهزّها بقوة فاستفاقت فـ زعًة تحاول فتح عينيها: "إنت بتعمل إيه هنا؟! أنا مش قلتلك مليون مرة ما تدخلش أوضتي؟! إنت مش بتفهم؟!"
زمجر وهو يمسك بكتفيها: "لسانك الطويل ده هقصه يوم يا أروى فاهمة"
نظرت له باستخفاف مما أشعل غضبه أكثر: "إزاي اتجرأتي تنزلي صورك دي؟!"
"مالكش دعوة! إنت مش ولي أمري قلتلك قبل كده ما تتدخلش في حياتي!"
فلم يتمالك أعصابه وصـ فعها بقوة ثم خرج كالإعصار دون أن يشعر بالندم تاركًا إياها تنظر إليه بنظرات حاقدة.
❈-❈-❈
في منتصف النهار اقتحم حسن فوزي مكتب فارس وهو يحمل باقة ورود حمراء.
سأله فارس بدهشة: "لمين الورود دي؟ ما تقوليش لحبيبتك؟"
هز رأسه: "أيوه لحبيبتي... لمار عيد ميلادها النهارده والسيد عادل قرر يحتفل بيه مع الموظفين جبتلها الورد ده ايه تفتكر هيعجبها؟"
رغم الحزن الذي ارتسم على ملامحه حاول فارس أن يبتسم: "أكيد هيعجبها هي بتحب الورد الجوري."
ابتسم حسن بمكر: "وانت جبتل هدية؟"
هز فارس رأسه نفيًا.
فابتسم حسن بانتصار وغادر فقد كان يدرك مشاعر فارس تجاه لمار وأراد أن يبعده عنها.
حسن فوزي مهندس كهرباء شخصية خبيثة محب للحياة. جـ سده معتدل شعره مموج بشرته حنطية.
ذهب لغرفة الاجتماعات فوجد الجميع يحتفلون بلمار فقرر انتظارها في مكتبها.
وبعد دقائق عادت لمار حاملة الهدايا فابتسمت حين رأته ينتظرها.
نهض وقدم لها باقة الورد فابتسمت بسعادة: "ميرسي يا حسن الورد جميل اوي."
ثم وضعته جانبًا لكن حسن تجرأ وأمسك يدها ثم حاول تقـ بيلها فجأة.
دفعته بقوة ثم صـ فعته: "إنت فاكر نفسك مين؟! إزاي تعمل كده؟!"
"أنا قلتلك قبل كده أنا بحبك يا لمار."
صـ رخت: "وأنا ما بحبكش ولو هحب مش هتبقى إنت أبدًا!"
ثم أخذت باقة الورود وألقتها في وجهه وخرجت وهي تغلي من الغضب تاركة إياه يشـ تعل داخليًا.
❈-❈-❈
دخلت الأم غرفة أروى لتوقظها فوجدتها تجلس على الفـ راش بشرود.
شهقت حين رأت أثر الأصابع على وجهها: "إيه ده؟ مين اللي عمل فيكي كده؟!"
"ابن جوزك يا ماما آدم هو اللي ضـ ربني."
"إزاي يمد إيده عليكي؟! أنا لازم أكلم إيهاب فورًا!"
ثم توقفت وسألتها بريبة: "قوليلي يا أروى عملتي حاجة من شقاوتك المعتادة؟"
"لا والله يا ماما."
قامت الأم غاضبة لتُحضر لها كمادات الثلج ثم تذهب لزوجها لتضع حدًا لابنه.
❈-❈-❈
"إيه؟ حسن حاول يبـ وسك؟!"
قالتها يارا بدهشة بينما لمار تتنهد بغيظ: "ياريتني كنت شوفت المنظر كان نفسي أكون هناك."
"إنتي تافهة بجد يا يارا!"
"طب خلاص آسفة مش ههزر تاني."
جلست بجوارها وتحدثت بجدية: "بصي حسن واضح إنه بيحبك بجد وأنا شايفة إنه مناسب ليه ما تديلهوش فرصة؟"
"أنا مش طايقاه غامض ووقـ ح ونظراته بتقلقني."
انتهى الدوام وعاد الجميع لمنازلهم إلا فارس.
بقي في مكتبه حتى أذان المغرب ثم قرر العودة إلى المنزل بعدما أنهكه التعب.
❈-❈-❈
جلست في ردهة منزلها تقلب في قنوات التلفاز حين رن هاتفها.
رفعت حاجبيها بدهشة فقد كان رقم والدتها رغم أنها كلمتها منذ قليل.
ردت فاتسعت عيناها هلعًا عندما علمت أن والدتها في المستشفى بعد تعرضها لاعتداء شديد.
أغلقت الهاتف وصعدت بسرعة لتبديل ملابسها والذهاب إليها.
❈-❈-❈
في إحدى المقاهي الشعبية جلس حسن ينفث دخان أرجيلته يحاول التنفيس عن غضبه
استمع إلى رجلين يتحدثان: "تصدق يا فاروق أنا طلّقت مراتي النهارده."
"إيه؟ ليه؟"
"راحت لساحر علشان يعمللي عمل يخليني ما أشوفش غيرها."
شد انتباه حسن الحديث.
"إزاي عرفت؟"
"سمعتهم بيتكلموا فراقبتهم لحد ما عرفت مكان الساحر."
تدخل حسن فجأة: "هو فين الساحر ده؟"
أعطاه الرجل العنوان لكن سرعان ما التفت إليه بحدة: "إنت مين أصلاً؟ مالك ومالنا؟"
ارتبك حسن واعتذر ثم خرج مسرعًا.
❈-❈-❈
كان الليل قد أسدل ستاره والسكون يلفّ المدينة ككفنٍ ثقيلٍ يخبّئ تحته أسرارًا لا تُروى.
جلس فارس إلى مكتبه يخطّ في مفكرته كلماتٍ مبعثرة وقلبه يضطرب دون سببٍ ظاهر.
دوّى صوت الرعد فجأة تلاه برقٌ خاطف أضاء الغرفة لوهلة ثم عمّ الظلام من جديد.
وفي أعقاب البرق بدأ دخان كثيف يتسلّل من أسفل الباب يتصاعد ببطء كأفعى خبيثة تزحف في صمت تبحث عن فريستها.
تجمّدت نظرات فارس نحو الزاوية اليمنى من الغرفة حيث بدأ الدخان يتشكّل تدريجيًا حتى اتّخذ هيئة رجل طويل القامة ملامحه غائمة غير واضحة.
أغلق فارس عينيه للحظة ؛ ظنّ أنه يتوهّم.
لكن حين فتحهما اتسعت حدقتاه في ذهول فقد رأى أمامه رجلًا يشبهه إلى حدٍ لا يُصدق.
لوهلة خُيّل إليه أنه ينظر في مرآة...
لكن لا! تلك الزاوية تحديدًا لا يوجد بها أي مرآة.
رغماً عنه راح يتفحصه بفضول مزيجٍ من الذهول والرعب...
خصلاتٌ فحمية كثيفة وعينان شديدتا السواد فيهما عمقٌ غريب كأنهما بحيرة لا قاع لها...
أنف مستقيم وشـ فاه غليظة...
يا إلهي! كيف يمكن لإنسانٍ أن يشبهه إلى هذه الدرجة؟!
نظر إلى نفسه فوجده يرتدي ثوبًا بيتيًا مريحًا في حين أن الآخر كان يرتدي حُلّة سوداء أنيقة وكأنه مقبل على مناسبة رسمية.
لكن ما جذب انتباهه أكثر... كانت عينا الرجل تتوهجان كجمرةٍ في ظلام دامس.
تكلم الغريب بصوتٍ هادئ يحمل في نبرته رهبة لا توصف: "سلامٌ عليك يا فارس."
شهق فارس وقفز من كرسيه وهو يتراجع للخلف: "إيه ده؟! إنت مين؟ و... وطلعتلي منين؟!"
اقترب الرجل بخطى بطيئة لا تُحدث صوتًا كأن الأرض نفسها تخشى أن تئنّ تحت قدميه: "لا تقلق... أنا جئتُ لأنك دعوتني... دون أن تدري."
ارتبك فارس وقال بصوتٍ مرتجف: "أنا؟! أنا ما طلبتش حد! إنت طلعتلي من الضباب! ده أنا كنت لسه كاتب كلمتين بس!"
"كلماتك كانت بوابة... وقلبك كان النداء... أما أنا فأنا الإجابة."
بدأ العرق البارد يتصبب من جبين فارس وهو يتلعثم: "بقولك إيه... لو ده حلم أو مقلب أنا زهقت امشي بقى!"
ابتسم الغريب لكن ابتسامته كانت باهتة لا روح فيها كأنها قناعٌ فوق وجهٍ ميت: "إن كنتَ ترغب بقلبها... فأنا أملك المفاتيح. أستطيع أن أغيّر قدرك وأجعلها لا ترى سواك."
اتسعت عينا فارس في صدمة: "إنت بتتكلم عن... لمار؟!"
"أجل... لمار. تلك التي تسكن قلبك منذ سنين... أليس كذلك؟"
"إنت... إنت عرفت ده منين؟!"
"أنا أعرف ما تُخفيه الأرواح وما لا يُقال حتى لأقرب الناس."
تراجع فارس خطوة وصوته بات أقرب للهمس: "طب... وهتعمل ده إزاي؟"
اقترب الرجل حتى كاد يلتصق به وهمس بصوتٍ عميقٍ كأنما يخرج من بئرٍ مهجورة: "كلّ شيءٍ له ثمن يا فارس... وإن أردتَ أن تتبدّل حياتك فعليك أن تقبل بشرطي."
"شرط؟! قول بسرعة... إيه هو؟"
"ما يحدث بيننا الآن... وما سيحدث لاحقًا... يجب أن يبقى سرًا دفينًا لا يُروى في ضوء النهار. إن أفشيتَه... ستنهار كلّ الخيوط ويغدو قلبها أبعد من السراب."
ابتلع فارس ريقه بصعوبة: "يعني... لو حكيت لحد كل اللي هيتبني هينهار؟"
"بل أكثر من ذلك... سيتحوّل الحلم إلى كابوس... ولن تستطيع النجاة منه."
ساد صمتٌ ثقيل لم يُسمع فيه سوى صوت أنفاس فارس المتسارعة.
ثم مدّ الغريب يده وقال بنبرةٍ لا تقبل التراجع: "هل تقبل؟"
تردّد فارس وعيناه بين الخوف والفضول...
ثم ببطء مدّ يده المرتعشة ولمس يد الغريب...
وفي لحظة انطفأت الأنوار وغرقت الغرفة في ظلامٍ دامس لم يبقَ فيه سوى صوت الساحر يهمس في أذنه: "بدأت اللعبة..."
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بسمة بدران، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية