-->

رواية جديدة نجمة أركان الجزء الرابع من سلسلة فرعون مكتملة لريناد يوسف - الفصل 3 - الخميس 24/4/2025

  

قراءة رواية نجمة أركان الجزء الرابع من رواية فرعون كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى





قراءة رواية نجمة أركان

الجزء الرابع من رواية فرعون

 رواية جديدة قيد النشر

من روايات وقصص 

الكاتبة ريناد يوسف

الفصل الثالث

تم النشر يوم الخميس

24/4/2025




سامح كان فرحان  إنها بدأت تكون اهدا والأفكار السوداويه بعدت عنها، إنما إنتحارها دا رجعه ورجعها لنقطة الصفر من تاني وكأنه معملش اي حاجه فحالتها.

راحلها المستشفى وهناك شاف أبوها منهار وحالته اصعب من حالتها، وبمجرد ماشافه  جري عليه ومسكه من هدومه وهزه بعنف وهو بيقوله:


-انت جاي هنا ليه، انا مش عايز اشوف وش حد فيكم ياكلاب، انا هوديكم فستين داهيه تاخدكم، ياخاينين الأمانه ياحيوانات.

سامح مكانش فاهم حاجه، راضي ليه بيعمل كده وازاي هيوديه فداهيه وليه؟

افتكر إنه بيقول كده عشان الاهمال اللي حصل من المستشفى ووصل اميره انها تنتحر، انما السبب طلع حاجه تانيه خالص، حاجه اكبر من تخيله ولا يمكن كان يخطر على باله إنها تحصل، اميره اتعرضت لمحاولة إغتصاب وحشي بالليل من اتنين رجاله مخلصتش منهم غير وهي كاسره قزاز الشباك وواخده منه حتتة لوح قزاز وقاطعه شريانها! 

وكل دا ومحدش حس بيها، لا صراخها ولا استنجادها! الكاميرات جابت اتنين ملثمين مش باينه ملامحهم ولا حد عرف هما مين؟

المستشفي اتقلبت بسبب الحادثه دي لكن للأسف الاتنين نفدوا، والمسكينه كان ردها الوحيد الانتحار. ودي تاني مره ربنا يسترها ومتموتش ويقدروا ينقذوا حياتها في الوقت المناسب. 

جسمها والكدمات اللي فيه وهدومها المتبهدله كل دي حاجات خلت اي حد يبصلها يعرف إيه اللي حصلها من غير مايسأل. 


فضل سامح يهدي فراضي ويقوله إنه فاهم مشاعره وعاذره وانه بنفسه هيحقق في الواقعه دي ويعرف مين اللي عملها، وفعلا رجع المستشفى وقلبها عاليها واطيها وبرضوا موصلش لحاجه، لكن الطاقم اللي كان في النباطشيه كله اتحول للتحقيق واتعرضوا عالكشف الجنائي.

بس على الأرجح الاتنين اللي عملوها من بره المستشفى وحد من العاملين اللي في المستشفى هو اللي سهل دخولهم.

سامح اتجنن حرفيًا ومبقاش عارف يعمل إيه، فكرة إن فيه حد ممكن يستغل حاله مرضيه فإشباع رغباته أو شهواته وينفد منها كده بكل سهوله من غير عقاب مش مقبوله ابدًا بالنسباله.

رجعلها عالمستشفى اللي هي فيها، ساب شغله والحالات اللي وراه وقعد معاها، بقى يحاول إنه يسحبها من الحاله اللي سيطرت عليها وهذيانها ورجفة جسمها للواقع ويطمنها إن خلاص مفيش حد بيأذيها ولا هيأذيها وانها فأمان دلوقتي. 

لكن اللي كانت فيه كان اكبر من كل محاولاته، هديت بعد مالدكاتره جم وادوها حقنة مهدئ، واخر حاجه عملتها قبل ماتغمض عنيها وتروح في النوم إنها مسكت ايد سامح وبصت فعنيه وقالتله بهمس:

-غريب متسيبنيش، متتخلاش عني انا بحبك.

نظرتها كانت تقصده هو بس كلامها كان موجه لغيره.

سابها وخرج لراضي اللي كان قاعد قدام باب أوضتها وحاسس بعجز الدنيا كله.

قعد جنبه وحب يتكلم لكن قاطعه راضي لما قاله:

-خلاص يادكتور خلصت كده، انا هاخد بنتي لبيتي واخلي بالي منها، تعيش زي ماتعيش، مش مهم تتعالج ولا تخف، المهم انها عايشه، حيه قدامي وبتتنفس.

رد عليه سامح بهدوء:

-شوف ياعمي هي المستشفى دي انا لايمكن هسمح لأميره انها ترجعلها تاني، وكمان اللي حصلها فيها بقى قضيتي ومش هسكت غير لما اوديهم فداهيه واكشف كل البلاوي اللي بتحصل فيها، إنما مسألة إنك تاخدها بيتك معتقدش إنها خطوه حكيمه في الوقت الحالي.

بيتك يعني كل ماضيها، يعني ذكريات والدتها، يعني ذكريات حبها لغريب، بيتك يعني هتوقف في النص ممكن ترجع بعقلها وإدراكها للفتره اللي قبل كل حاجه وتنسى خالص كل اللي مرت بيه أو تتجاهله، حالتها هتتحسن شويه بس مش هتدوم، بمجرد اي ذكرى أو حاجه تفكرها عقلها هيتشل، بسبب مجهود عمله وذكرى محته، وكمان غياب أمها عن البيت وعن الصوره مش ضامن هيعمل فيها ايه، حضرتك لما حكيتلي الحكايه فهمت إن أميره بشكل إو بآخر ليها يد فموت مامتها لأن كل دا حصل بسبب الكارثه اللي عملتها فجوزها الأولاني غريب، فبالتالي هيكون حمل جديد على عقلها.

رد عليه راضي بعصبيه:

-ايوه ماانت برجلتلي عقلي انا دلوقتي، هعمل ايه يعني، المستشفى ومش هترجعلها، والبيت ومش هترجعله، وأي مستشفى نفسيه تاني مستحيل هحط بنتي فيها، هوديها فين بقى؟

رد عليه سامح بنفس هدوءه:

هتاخدلها سكن تاني، اجرلها شقه تقعدوا فيها طول فترة العلاج، اميره محتاجه مكان جديد تبدأ منه كل حاجه، وتتخلص من الماضي وحده وحده وبمساعدة محترفه وانا هكون معاك خطوه بخطوه ومش هسيبها.


سكت راضي يفكر شويه، طيب ازاي هيسيب شقته وذكرياته فيها ويشحطط إبنه فى ايام دراسته وهو داخل على إمتحانات، وغير كده ازاي هيسيب مريم مراته اللي بيتخيلها كل ليله بتيجي تبات معاه وتنام جنبه على السرير فنفس مكانها ويفضل يتكلم معاها ويحكيلها كل تفاصيل يومه، 

ازاي هيعرف يعيش بعيد عن محيط مبيعرفش يتنفس غير فيه؟

شاف سامح حيرته وكمل كلامه ليه بهدوء:

-معلش انا عارف إن حاجه زي دي مش هتكون سهله عليك، بس عشان مصلحة بنتك انت مضطر تضحي براحتك.

هز راضي دماغه لسامح بتفهم وراح شاف الدكتور عشان يعرف أميره ممكن تخرج من المستشفى إمتا، وبعدها سابها أمانه مع سامح اللي ميعرفش ليه مرتاحله كده، وخرج يدور على شقه قريبه على بيته يأجرها ويرجع بأميره عليها. 

أما سامح ففضل قاعد جنب أميره يتأملها وهي نايمه، يتأمل هدوئها وجمالها ومن جواه بيقولها قد ايه انتي قوية، اللي تستحمل كل ده قوتها ملهاش حدود، إذا كان فيه ناس بتتعالج نفسيًا بالشهور والسنين من موقف واحد أو كلمه بتأثر علي نفسيتها.. إيشحال اللي شافت الموت بعينها كذا مره وشافت الكره والنبذ وسمعت لوم يهد جبال!

عدت ساعه واتصلت عليه امه فرد عليها:

-ايوه ياديحا، لا انا مش في الشغل، انا فمستشفى عام مع اميره هطمن عليها واجي، اتغدي انتي ووفاء اختي متستنونيش انا هتغدى برا، أو هتغدي لما ارجع براحتي المهم اني هتأخر فكلو انتوا.

ردت عليه امه بخوف:

ليه اميره في المستشفي جرالها ايه؟ 

سامح ابتدا يحكيلها اللي حصل وهي تدعي عاللي عمل فيها كده وفي الاخر قالتله بشفقه:

 طيب ياسامح ياحبيبي خليك جنبها بس متستناش على نفسك بالجوع لما ترجع، كل حاجه حتى لو خفيفه صبر نفسك بيها علي ماتيجي، انا عاملالك طاجن الباميه باللحمه الضاني اللي بتحبه ولو مأكلتوش في الغدا مش بتاكله في العشا وتاني يوم بتقولي طبيخ بايت ومبترضاش تاكله. 

رد عليها بفرحه:

-لا طالما فيها طواجن باميه وباللحمه الضاني انا مش هصبر نفسي ولا حاجه وهستنى بالجوع لحد اما اجيلك عشان اكل الطاجن واكل صوابعك الحلوين دول وراه. 


قفل السكه وبص على اميره لقاها صاحيه وباصه عالحيط بتوهان، حط التليفون فجيبه وقرب منها وبهمس نادي عليها:

-اميره، أميره، مردتش فمد ايده يلمس دراعها عشان ينبهها لوجوده وجه رد فعلها زي ماتوقعه بالظبط، ارتجفت واتقوقعت على نفسها وبقت تبكي بخوف، ابتدا يهديها، بس مهما كان يقولها خوفها مش بيروح، اه بطلت بكا لكن خوفها ورعبها لسه موجودين. 

فكر وملقاش قدامه غير حل واحد، إنه يخلي امه تتكلم معاها، صوت حنون دافي بنبرة ام. 

طبعا هو حاكي لامه واخته عنها قبل كده، زي ماحكيلها عنهم بالظبط، اتصل بيها وطلب منها تكلمها وتحاول تطمنها وتهديها وهو هيحطها عالاسبيكر فوافقت بدون تردد. 

فتح الاسبيكر وابتدت امه تتكلم:

- اميره، يابنتي ياحبيبتي قلبي عندك، معلش انا عارفه إن مفيش كلام هيخفف عنك دلوقتي بس انا عارفه انك قويه، سامح بيكلمني عنك كتير وبيوصفلي قد ايه انتي قويه وجميله، شوفي يابنتي كام مره قومتي من قلب الوجع وعديتي منه وعديه المرادي كمان، متخليش الدنيا ولا الناس الوحشه اللي فيها يكسروكي ويخلوكي تخسري اخرتك، الدنيا فيها حاجات كتيره حلوه تتعاش وانتي لسه صغيره، فيه عوض متشالك متسيبيش الدنيا قبل ماتاخديه. 

كانت بتتكلم وأميره مغمضه عنيها ودموعها نازله بصمت، وكأن كل كلمه قالتها مديحه لمست قلبها ولمست موضع وجع فيها، افتكرت امها وانها لو كانت قاعده دلوقتي كانت هتقولها نفس الكلام وتاخدها فحضنها وتطمنها، اتمنت في الوقت دا حضن من صاحبة الصوت الدافي ده لكن للأسف دفي صوتها هو الحاجه الوحيده اللي قدرت تاخده منها. قفل سامح التليفون وقعد جنبها بشويش وهمسلها:

- علي فكره دي مديحه اللي كنت بكلمك دايمًا عنها، شفتي طيبه وحنينه ازاي، وغير كده عامله طاجن باميه باللحمه الضاني يستاهل بوقك، إيه رأيك تاكلي معايا؟ 

 بصتله أميره بإستغراب ودموعها لسه فعيونها، اصل دا مش وقت حد يفكر فيه في اكل ولا شرب! 

لكنه اصر إنه يأكلها معاه ويدوقها من اكل امه، فكلم واحد صاحبه وقاله يروح عنده البيت يجيب طلب منه امه ويجيبهوله المستشفى، واداه العنوان، وكلم امه وقالها تبعتله الاكل وتعمل حساب أميره معاه. 

وفعلا بعد شويه جه صاحبه بالأكل اداهوله ومشي. 

قعد سامح جنب اميره وابتدا يفتح في الأكل، صحيح كانت حالتها صعبه بس ريحة الاكل كانت حلوه جدًا مقدرتش تقاومه، 

وأول ماسامح اداها طبقها ابتدت تاكل منه فورًا بجوع ولهفه كأنها أول مره تشوف اكل من سنين! 

وهو فضل يراقبها ومبسوط وابتدا ياكل هو كمان، ودا كان الذ طاجن باميه ياكله فحياته. 

ميعرفش إذا كان السر فطريقة اكل اميره اللي فتحت نفسه اووي، إو حبه للباميه وفعًلا المرادي أمه عاملاها بطريقة مختلفه! 

 أما راضي فرجع للمستشفى بعد مافشل إنه يلاقي شقه قريبه عليهم للإيجار، ودخل بهدوء لإوضة أميره ولما شافها قاعده وبتاكل بنفس مفتوحه وسامح هو كمان بياكل معاها أنسحب بشويش وخرج، خاف احسن تحس بوجوده فتبطل اكل وهو ماصدق يشوفها بالمنظر ده، ماصدق إنها تتمسك بالحياه حتى من خلال الأكل. 

شويه وجه ابنه من الجامعه، سأل على اخته وقعد جنب باباه لما طلب منه يستنى شويه، حكاله كلام الدكتور وإنه من بدري يدور على شقه مش لاقي، وابنه قاله:

-خلاص يبابا ارتاح انت وانا هطمن على اميره وانزل اسأل و ادور على شقه وبإذن الله هنلاقي. 

قعدوا شويه لغاية مااتأكدوا ان اميره خلصت اكل وبعد كده دخلولها، فضل اخوها يتكلم معاها شويه وهي متردش عليه، كان مكسور من اللي حصلها اكتر من كسرة ابوها، بس الاتنين مفيش في ايدهم حاجه عليها وعلى حالها. 

سامح بص فساعته وشاف إن اليوم كله خلص وهو جنبها ومحسش بيه، فقام عشان يستأذن ويمشي، لكن اميره وقفته بصوتها الباكي وهي بتقوله بترجي:

لا ياغريب متسيبنيش خليك جنبي، انت لما بتمشي الناس بتأذيني والكوابيس والخيالات مش بيسيبوني، انا بطمن وانت معايا متمشيش. 

كلامها دا كان بالنسباله زي سلاح ذو حدين، من ناحيه فرحو لانها بقت بتحس الامان معاه، ومن ناحيه زعله لأنها موجهاه لشخص تاني، شايفاه غريب اللي حبته بس بصفات شخص تاني، حبيبها القديم بالإحتواء اللي طول عمرها بتدور عليه، زي ماتكون وقفت عند الفتره بتاعة إعجابها وحبها لغريب وخلاص مش عايزه تتقدم ولا تتحرك من مكانها. 

بصلها وقالها:

-متخافيش هرجعلك تاني بكره، بابا واخوكي هيفضلوا معاكي مخلىين بالهم منك لحد ماارجعلك، هجيبلك معايا حاجه حلوه استنيني. 

كان بيكلمها كأنه بيكلم بنت صغيره بيحمسها عشان تستناه وتفضل تفكر ياتري هيجيبلها ايه وهو جاي ويصرف عقلها عن الافكار الوحشه اللي بتسيطر عليه. 

ومشي من المستشفي، مش وهو حاسس بخوف عليها يعادل نفس الخوف اللي هي بتحسه وهو بعيد عنها. 

وصل بيته ومن اول مادخل إستقبلوه أمه واخته وفعيونهم مليون سؤال عن اميره وعن اللي حصل، فقعد وابتدا يحكيلهم بالتفصيل. 


في الوقت الحالي وفمكان تاني.. 


مؤمن:

-تعالي يانواره رايحه وين بس عاودي، جوزك حالف لو هوبتي يم السرايا يطخك، عاودي يانواره يابنيتي. 

ردت عليه بغضب وهي مكمله مشي:

-يمواتني يكتلني يقطع من جسمي نسايل برضو هروح يامؤمن وهجيب ولدي، وانت بالذات متعترضش طريقي احسن مش هيحصلك خير. 

رد عليها بحزن:

- وه يانواره، مؤمن حاف إكده من غير ابوي، خلاص معدتش ابوكي ولا استاهل الكلمه حتى! وعتهدديني يانواره؟ 

وقفت ولفتله وردت عليه بغضب اكبر:

-له يامؤمن متستاهلش كلمة ابوي؛ عشان الكلمه داي كبيره ومتتقالش غير للأب العارف يعني ايه أُبوه، لكن اللي زيك، اللي عيرمي لحمه ويتاجر بيه عشان مره وبيت ميوبقاش أبو ولا يحقله اي حق على عياله، ياخي الحمد لله انك مخلفتش عيال غيري وعملت فيهم اللي عيملتو فيا. 

صوح حاسه اني مقطوعه وعقاسي في الدنيا لحالي بعد أم رمت واب باع، بس اهو احسن ميكونلي اخت ولا اخ نتقاسمو المرار الطافح ونقعدوا نندبو حظنا سوا. 

خلصت كلامها وسابته وكملت ناحية سراية طليقها. 

ومع كل خطوة كانت بتخطيها كانت عتفتكر حاجه من الحاجات اللي جرتلها طول السنه ونص اللي فاتوا، وإول ماشافت السرايه من بعيد رجليها مقدروش يخطوا خطوه تانيه من الخوف اللي سيطر عليها فجأه، وهي عتفتكر اللي حصلها ورا بيبانها المقفوله. 

غمضت عنيها واتسندت بضعف على الشجره اللي جارها وجرفتها الذكريات للماضي، لبداية كل حاجه، لشرارة الوجع اللي حرقت روحها:

كانت في المركب مع ابوها طالعين علي رزقهم في الصبح البدري، هو يجدف وهي ترمي الشبكه وتلمها باللي يقسمه ربنا من خير، وفضلوا ماشيين لحد ماشافوا سرايا قريبه على النيل، سرايه عمرهم ماشافوا اختها، بصتلها نواره بإعجاب وقالت لابوها:

- بص يابوي البيت الحلو ديه، شوف كيف فيه ناس عتبرطع في الوسع وفيه ناس مش لاقيين ٤ حيطان تتاويهم؟ 

رد عليها مؤمن بحسره:

-ايوالله يابتي، سبحانه يعطي من يشاء بغير حساب، يلا الحمد لله على نعمة الصحه، وبعدين احنا كل ارض الله بيتنا، ادينا عناموا فأي موطرح وكأننا مُالكين الدنيا كلها. 

ردت عليه نواره بحسره:

-ديه حديت خايب يابوي متزعلش مني، حديت اللي عيصبر روحه باي كلام والسلام، كيف يعني مالكين الدنيا كلها واحنا عناموا فقاربنا صيف شتا، القارب اللي خشبه القاسي علم فجتتنا، ولا برد الشتا اللي مفيش حاجه عتحمينا منه غير واحنا عنتلطعوا فريح البيوت تحت تانده ولا بلكونه  كيف البراص السقعانه! 

سكت مؤمن ومردش عليها لأن حديتها كله صوح، وكمل تجديف وقالها:

-طيب مليهش عازه الحديت ديه دلوك خلينا فوكل عيشنا وارمي الشبكه وطلعيها بقوتنا، احسن نقضوا اليوم عالهوا لا وكل ولا شرب ولا دخان. 

ردت عليه وهي هترمي الشبكه في الميه:

-اهو اهم حاجه الدخان، علبة السجاير اللي عتضيع فيها نص تعب اليوم وتنفخه في الهوا، والواحد كل عشيه مش عيعرف ينام من وجع دراعاته اللي عيفرط ويلم بيهم الشبك طول النهار. 

اتنهد مؤمن ومردش برضوا، اصله عارف لو رد عليها مش هيخلص من لسانها، ولا هيقدر يعترض، اصلها واخده من امها طولة اللسان والعصبية، بس الفرق إن نواره طولة لسانها في الحق وعالأصول، انما أمها لا كانت تعرف حق ولا أصول. 

خلصوا صيد ولمت نواره الشبكه وبصت للقُفه والسمك اللي فيها وقالت:

- مشالله يابوي، رزق النهارده كتير والسمك كبير ومحمل، وميليقش غير بخشوم واخده على وكل الغالي. 

رد عليها وهو عبجدف يم الشط:

-مفاهمشي قصدك يانواره عايزه تقولي إيه؟ 

ردت عليه وعيونها عيلمعوا بالفضول:

-عايزه ناخدوا السمك ونبيعوه لصحاب السرايا، ناس كيف دول اكيد هيدفعوا فيه فلوس زينه ومش هيطلعوا روحنا فصال ومقاوحه، وبعدين اني كمان هموت واشوف السرايات من جوه واشوف ناسها عايشين كيف، لابسين كيف وعيتحدتوا كيف، ناس كيفنا إكده ولا مختلفين؟ 

رد عليها ابوها:

-ايوه ناس زينا امال يعني نازلين من السما، وعلى العموم عشان تنزلي من فوق نافوخي حاضر، شيلي القفه ويلا قدامي. 

فرحت نواره وشالت القفه وجريت ناحية السرايا، وكانها رايحه تشوف صندوق الدنيا اللي عتشوفه في المولد، وتطل من شُباكه على دنيا جديده أول مره تشوفها. 

خبطوا عالسرايا وطلعلهم واحد شايل بندقيه وشكله يخوف وسألهم بحسه التخين:

-ايه، عتهبدوا عالباب عاوزين ايه وانتوا مين وإيه اللي جابكم إهنه؟ 

ردت عليه نواره:

-إحنا ياخال على باب الله وجايين.. وقبل ماتكمل قطع الراجل كلامها وقال:

ربنا يسهلكم روحوا من إهنه. 

ردت عليه قوام:-لاه، انت عاملنا جايين نشحتوا ولا ايه، يابوي احنا جايين نبيعوا سمك، سمك طازه لسه طالع من الميه يفرفط وقولنا الزين للناس الزينه. 

وجينا بيهم للسرايا لجل ندوقوا اصحابها سمكنا، ولو عجبهم كل ماربنا يرزق بحاجه حلوه نجيبوهالهم، متوبقاش قطاع ارزاق عاد ياخال كلنا علي باب الله عاد.. زيح بابك ديه وافتحلنا باب رزق ربنا يفتحها فوشك. 


بصلها وبص لمؤمن وبص للقفه اللي فوق دماغها وقال:

- طب نزلي القفه وفرجيني. 

نزلت نواره القفه وشالت فروع الصفصاف من فوق السمك وكان لساه صاحي عيلعب، فقال:

-ماشاء الله سمكات زينين والله، طيب خشي بيهم جوه للست مصريه وريهملها وشوفيها محتاجه سمك ولا له، اصلها عتجيب عازة بيتها مره وحده من السوق كل شهر. 

فتحلها الباب فبصتله وسألته:

وابوي مش هيخش معاي؟ 

رد عليها وقالها:

-له ديه هيستناكي إهنه معاي، الست لحالها جوه ومينفعش رجاله غريبه تدخل البيت  فغياب البيه. 

رفعت نواره القفه فوق دماغها ودخلت قوام وهي مش مصدقه، واول مابقت جوا السرايا بقت تتلفت حواليها وهي مبهوره، كل حاجه كانت حلوه ومنظمه، حتي الشجر مقصوص كله سوا واحد مفيش وحده زايده عن وحده ناقصه، لا في الطول ولا العرض، كيف مايكونو مرسومين بالقلم! 

اتقدمت علي جوه وعدت الجنينه  لغاية ماوصلت لباب السرايا الجواني فوقفت علي العتبه ونادت بعلو حسها:

-يااهل الدار، ياجماعة الخير، ياللي إهنه. 

شويه وردت عليها مره:

-إيوه مين؟ طلعت من جوه وهي عتنشف اديها فمريلة موطبخ لابساها وأول ماشافتها  سألتها:

- انتي مين يابت انتي وايه دخلك إهنه؟ 

ردت عليها نواره وهي عتنزل القفه من فوق دماغها:

-اني سماكه بت سماك وجايه النهارده وجايبالك شوية سمك يستاهلوا خشمك الزين ديه ياست الستات، شوفي واشتري مني وهتدعيلي، ومش هتسلي سمكي ولا تعرفي تاكلي سمك من حد غيري. 

كانت مصريه عتبصلها بتفحص ونزلت عيونها عالسمك اللي كشفته نواره قدامها وشافته عيتحرك ومنظره اغراها، وخصوصي إن جوزها عيعشق حاجه اسمها سمك وعيحبه فجميع حالاته، فوطت تقلب في القفه من خوف انها تكون حاطه الكبار الصاحيين عالوش واللي تحت صغير أو فيه حاجه. 

أما نواره اول مامصريه وطت واتلاهت في السمك مدت دماغها عالسرايا من جوه تتفرج، وفتحت عيونها بصدمه على العز الباين من أول الارضيه العتلمع للحيطان المرسومه والكراسي والفرش وكل حاجه تخطف العين خطف. 

ورجعت بصت لمصريه اللي سألتها وهي لسه عتقلب في السمك:

-ودول بكام على إكده ياصبيه، وخلي بالك الشروه غير بالكيلو، الشروه اقل في السعر. يعني لو الكيلو فرداني ب١٠٠ في الشروه يقع ب٨٠. 

لوت نواره بوقها علي جنب بعد ماسمعت كلامها وبصت للدهب اللي مالي اديها والسرايا اللي عايشه فيها والخير ديه كله، وكيف انها عتفاصل عشان تقطعلها قرشين مهيفرقوش معاها! 

فردت عليها  بأسلوب بياعه:

-إيوه ياست الستات بس ديه لو السمك المخلط صغير وكبير، طازه وبايت، إنما كل حاجه وليها سعر وانتي باين عليكي بت سوق وعارفه، ولا هو العياجي لحد الباب عيتاخد رخيص؟ 

علي العموم مش هزعلك والنوبادي هخليكي تحسبيه زي ماتحسبيه، بس النوبه الجايه تدي الحاجه حقها ومتتجبريش عليا، وزي ماهخصك بالحاجه الزينه متستخسريش فيا حقها، وهتدوقي وتحكمي بنفسك وتعرفي إنه يستاهل. 

خدت منها الفلوس وطلعت وهي حاسه ان نقبها جه على شونه، وبدال ماكانت جايه ومتأمله إنها هتاخد اكتر من حق السمك خدت أقل، بس حسبت الفرق تمن شوفتها للسرايا من جوه ودخولها مكان مكانتش تحلم تدخله وهمست لروحها:

-يلا ماهي صوح معتهونش إلا عالغلبان. 

طلعت خدت ابوها ومشيوا، وطول الطريق يبكت فيها عشان المره  ضحكت عليها وخدت منها السمك رخيص، وهي محدش عيعرف يضحك عليها ولا يغلبها واصل. 


وحودوا علي بقالة البلد خد مؤمن دخانه وخدو منها جبنه وطرشي وحاجات معلبه ياكلوها فأي وكت وعيش فينو من الفرن، وخدت نواره اللب والتسالي بتوعها، ودول هما الحاجه الوحيده اللي عتهون عليها تعب اليوم كله، وبعدها حودوا عالجامع اتسبحوا وطلعوا على الشط جار قاربهم ، اكلوا ومؤمن قعد يدخن وهي فضلت قاعده جوا المركب متكيه وباصه للسما والغيوم  المتقطعه الماشيه مع الريح وسرحانه وعتتخيل روحها صاحبة السرايا ولابسه جلابيه حلوه كيف اللي كانت لابساها المره ودراعاتها متروسه دهب، وعايشه فسرايا وكل حاجه تجيلها لحد باب بيتها، لكنها نفضت الأفكار الغريبه دي عن دماغها وغمضت عنيها تناملها هبابه على دفو الشمس قبل مايجي الليل ببرودته وسقعته اللي عترجف البدن. 


...يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ريناد يوسف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة