رواية جديدة غصات الحب والقدر لعلا السعدني - الفصل 2 - الجمعة 2/5/2025
قراءة روايةغصات الحب والقدر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية غصات الحب والقدر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة علا السعدني
الفصل الثاني
تم النشر الجمعة
2/5/2025
وقفت (رؤى) للحظة أمام شقيقتها (جود) تلتقط أنفاسها بصعوبة وكأنها تحاول هضم الكلمات التي قذفتها شقيقتها للتو عيناها المتسعتان كانتا أشبه بجمرتين من النار وشعورها بالصدمة يمتزج مع غضب عارم جعل الدم يغلي في عروقها ..
دون أن تنطق بكلمة واحدة استدارت فجأة وانطلقت كالسهم نحو غرفة والدها كانت خطواتها تُحدث صوتًا قويًا على الأرضية الخشبية وكأنها تُعلن عن العاصفة القادمة دفعت الباب بعنف شديد فارتطم بالحائط بقوة ..
كان والدها جالس على طرف السرير ظهره منحني بجانبه طاولة صغيرة تعج بالفوضى إبرة ملوثة قارورة شبه فارغة من المورفين منديل ملطخ ببقع صغيرة من الدم وزجاجة مياه مهملة كانت يده ترتعش وهو يرفع الإبرة ليغرسها ببطء في ذراعه ..
بشرته شاحبة بشكل غير طبيعي بينما عروقه بارزة على ذراعيه وكأنهما حُفرتا بفعل سنوات من الإدمان ..
كان الصمت يخيم على المكان لكن أنفاسه اللاهثة كانت تقطع السكون كالخناجر كان يضغط على الإبرة ببطء وجهه يشوهه مزيج من الألم والارتياح المزيف الناتج عن ذلك الأدمان ..
وقفت (رؤى) عند الباب يداها مضمومتان بقوة وكأنها تحاول السيطرة على الغضب الذي كان يشتعل بداخلها عيناها امتلأتا بالدموع لكن ليس دموع ضعف، بل دموع غضب وقهر ..
انطلقت كالصاعقة نحوه وأمسكت بذراعه فجأة بقوة لتنتزع الإبرة من يده وهي تصرخ بصوت مرتفع
- مكفكاش مستقبلى وحياتى اللى ضاعوا كمان عاوز تعمل فى (جود) زى ما عملت فيا وكل ده عشان ايه عشان الفلوس .. ما طبعا الميغة اللى كنت عايش فيها على حسى انتهت فبتدور على بديل جديد
تراجع الأب قليلًا نظرة ذهول وارتباك ارتسمت على وجهه كان من الواضح أنه لم يتوقع رؤيتها أو ربما كان غارقًا جدًا في عالمه المشوه لدرجة أنه لم يسمع صوتها وهي تقترب لتردف قائلة
- إنت .. إنت دمرت حياتنا! ضيعتني ... وعايز تبيع أختي كمان؟!
صوته كان متلعثمًا وضعيفًا وكأنه يحاول تبرير فعلته
- الظروف صعبة .. وكان لازم الاقى حل يساعدنا كلنا
لم تمنحه فرصة للكلام أكثر ألقت بالإبرة على الأرض وسحبت الطاولة الصغيرة لتقلبها بقوة متناثرة محتوياتها على الأرض وجهها كان غارقًا في الغضب وهي تصرخ
- احنا فعلا محتاجين حد يساعدنا من وجودك في حياتنا
نظر وكأن مفعول الأبرة التى اخذها قد بدء فقال لها بهدوء
- اخرجى بارة ومتضيعيش الدماغ .. نبقى نتكلم فى وقت تانى
زفرت بضيق وهى لا تعلم ماذا عليها ان تفعل فوالدها لن يأتى بالحديث ولا بالنصح والإرشاد ابدا توجهت عائدة نحو غرفتها مع شقيقتها وجذبتها فى احضانها وظلت تهون عليها وهى تقول
- متخافيش يا حبيبتى .. الجوازة دى مش هتحصل على جثتى .. انا هتصرف
❈-❈-❈
فى عصر اليوم التالى ..
كانت جالسة على فراشها وهى ممسكة بهاتفها تتصفح الهاتف الخاص بها حتى وجدت رسالة اتتها على الأيميل الخاص بها فلم تصدق انها من الشركة التى قدمت بها على وظيفة شعرت ببعض التوتر فى بادئ الأمر وهى تفتح عينيها اغمضت احدى عينيها وفتحت الآخرى متمنية من قلبها ان يكون قد تم قبولها فى تلك الشركة لم تصدق عينيها وقد قرأت انه تم قبولها قفزت من اعلى الفراش بفرحة عارمة وهى لا تصدق اخيرا قد حصلت على وظيفة جيدة بناء على مؤهلتها ليست من خلال واسطة لتتعين بتلك الشركة المرموقة ولكنها فكرت قليلا فعليها ان تفاتح شقيقها الأكبر فى تلك الوظيفة ولكنها تعلم جيدا انه بالتأكيد لن يمانع ولكن بالنهاية عليها استأذنه فهو بمثابة والداها ..
خرجت من غرفتها وجدته يتناول الطعام على مائدة الطعام فاقتربت منه وجلست بجواره على مقعد بجواره أمام المائدة ثم قالت بنبرة هادئة
- عاوزة اكلمك فى موضوع يا (حازم) ؟!
ترك طعامه وانتبه لها ولحديثها ثم قال
- خير يا حبيبتى فى ايه يا (تقى) ؟!
فركت يديها بعضهم ببعض فى حماس وقالت
- انا كنت قدمت فى شركة مقاولات كان مطلوب سكرتيرة فى الشركة وانا قدمت وقبلونى بس طبعا مقدرش انزل الشغل من غير ما توافق
ارتفع احدى حاجبى (حازم) وهو يتفحصها ثم قال بضيق مفتعل
- يعنى انتى تقدمى على الشغل وبعدين جاية تقوليلى من باب العلم بالشئ مثلا
كانت تعلم جيدا نبرة حديثه نبرة عتاب ليست نبرة غاضبة فتأبطت ذراعه وهى تقول
- معلش بقى يا حزوم متعملهاش حكاية .. اصلا دى شركة كبيرة ومكنتش متخيلة انهم هيوافقوا على واحدة حديثة التخرج زيى لكن لاقيت انهم وافقوا عموما انا مش هعمل اى حاجة بدون اذنك
ابتسم ابتسامة هادئة ثم ربت على يدها المتأبطة ذراعه بحنان وقال
- ماشى يا حبيبتى وانا معنديش مشكلة .. بس خلى بالك من نفسك بس
شعرت بسعادة بالغة ثم احتضنته وقبلته فى وجنته وهى تقول
- حبيبى يا حزوم بقى ربنا يخليك ليا يا احلى اخ فى الدنيا واشوفك متجوز واحدة تدلعك كده بدل النكدية (رانيا) دى الحمد لله انها مشيت من حياتك
عبس وجهه واظلمت ملامحه فوضعت يدها على فمها وفهمت انها تحدثت فى امر ما كان عليها ان تتحدث فيه فنظر (حازم) أمامه ثم عاد النظر فى الطبق الذى أمامه وعاد ليكمل طعامه دون ان ينطق ببنت شفاه واحدة فلوت (تقى) ثغرها وشعرت بالحزن من اجله وعلمت انه لا يريد الحديث فى ذلك الأمر مجددا ..
❈-❈-❈
في أجواء الفيلا الهادئة تقدم (سامر) نحو مكتب شقيقه الأكبر (ممتاز) كانت الغرفة واسعة يغلفها الخشب الداكن بتصميمه الكلاسيكي تتوسطها مكتبة ممتلئة بالكتب والملفات بينما احتل المكتب الكبير مكانه أمام نافذة تطل على الحديقة الخلفية كان (ممتاز) جالسًا خلف المكتب يراجع أوراقًا مهمة بين يديه ..
دفع (سامر) باب المكتب ودخل بخطوات ثابتة قائلاً بنبرة هادئة
- عملت إيه بخصوص موضوع البنت إياه؟ إيه في دماغك ناحيتها؟
رفع (ممتاز) عينيه ببطء عن الأوراق ثم زفر بضيق وهو يلقي بها على سطح المكتب بعصبية
- بنت إيه يا (سامر)؟ دى واحدة مومس جاية ترمي بلاها علينا! ابن إيه اللي جاية تلزقه فينا ده؟!
وقف (سامر) قبالته واضعًا يديه في جيوبه متفكرًا للحظة قبل أن يرد ببرود
- ما يمكن تعمل تحليل DNA .. لو طلع كلامها صح هنعمل إيه وقتها؟ لازم نحط كل الأحتمالات
تجمدت ملامح (ممتاز) للحظة وظهر القلق جليًا على وجهه بدأ يُطرق بأصابعه على سطح المكتب بتوتر ثم وقف فجأة وبدأ يمشي ببطء داخل المكتب فكلمات (سامر) اقتحمت عقله بقوة ثم قال بصوت مليء بالحذر
- ساعتها الموضوع هيبقى كبير وهتبقى فضيحة .. خليني أسأل المحامي الأول وأشوف الكلام ده هيودينا على فين واشوف اعمل ايه معاها شكلى اتورطت فى موضوع كبير
نظر (سامر) إليه بتمعن ثم قال بابتسامة خفيفة مليئة بالخبث
- كويس .. بس خلي بالك لو الموضوع طلع بجد هتبقى كارثة كبيرة فوق دماغنا انا قلت احذرك عشان انا مش مستريح للبنت دى
غادر (سامر) المكتب تاركًا شقيقه غارقًا في أفكاره وقلقه يتأمل الورطة التي بدأت تتسع شيئًا فشيئًا ..
❈-❈-❈
بعد مرور اسبوع ..
كانت (رؤى) تشعر بإن عليها أن تفعل شئ لإنقاذ شقيقتها (جود) من براثن ذلك الوغد الذى يريد ان يتزوجها وكان عليها ان تفكر سريعا بعد ان علمت ان زواج شقيقتها سيتم خلال اسبوعين لذا قررت ان تبيع الشقة الخاصة بها وان تستأجر شقة جديدة فى مكان بعيد لا يعلمه والداها حتى تهرب بشقيقتها عن والداها الذى يضحى بهم واحدة تلو الآخرى وكأنهن ليسوا ببناته بل لو كانوا فتيات يتيمات كان سيكون فى قلبه رحمة لهم عن ما يفعله بهم اخذت كل النقود التى كانت تحتكم عليها والذهب الذى كان بحوزتها وقررت بيع كل شئ وان تستأجر شقة جديدة واتفقت مع شخص سمسار باع لها شقتها القديمة واستأجر لها واحدة جديدة حتى انها باعتها بثمن بخس لأن لا وقت لديها لتجد مشترى افضل لتهرب هى وشقيقتها ويعيشا بتلك النقود التى معها ريثما تجد وظيفة تعمل بها لكى تعيش منها هى وشقيقتها ..
حيث كان السكون يغلف المنزل إلا فقد كان والداها نائم في غرفته وقفت (رؤى) بحذر تام قرب باب غرفتها هى و شقيقتها (جود) كان قلبها يخفق بسرعة تكاد تسمعها لكنها عزمت على المضي قدمًا بخطوات حذرة دخلت الغرفة ورأت شقيقتها مستلقية على السرير وقد غرقت في النوم اقتربت منها بهدوء وربتت على كتفها بلطف لتوقظها
ففتحت (جود) عينيها ببطء وهي تشعر بالدهشة والخوف لكنها لم تطرح أسئلة كثيرة فقد فهمت أن هذه اللحظة هي فرصتهما الوحيدة للهرب ارتدت ملابسها على عجل وأمسكت بحقيبة صغيرة وضعتها (رؤى) مسبقًا بجانب الباب ..
مرتا أمام غرفة والداهم بخطوات محسوبة كأنهما تسيران على خيوط رفيعة قد تقطع في أي لحظة نظرت (رؤى) من فتحة الباب لتتأكد من أنه ما زال غارقًا في نومه كان مستلقيًا على السرير رأسه مائل إلى الجانب وصوت شخيره يملأ المكان شعرت بالرهبة من أن يتحرك فجأة أو يستيقظ لكن لحسن الحظ ظل كما هو ..
فتحت (رؤى) الباب الرئيسي للمنزل بحذر ثم التفتت برعب نحو الغرفة لتتأكد أن صوت الباب لم يوقظ والدها وما زال نائمًا أومأت لـ(جود) لتتبعها وخرجتا معًا إلى الخارج ..
في الشارع، كانت الرياح الباردة تلفح وجهيهما فهم على وشك بدء حياة جديدة استقلتا سيارة أجرة وأعطت السائق العنوان الذي ستذهبان إليه خلال الرحلة جلست (جود) بجوارها وهي تحاول كتم دموعها بينما ظلت (رؤى) تتطلع إلى الطريق وعقلها ينسج سيناريوهات للمستقبل الغامض الذى ينتظرهم ..
عندما وصلتا إلى الشقة الجديدة كان الظلام يغمر المكان أضاءت (رؤى) المصباح وظهر الأثاث البسيط الذي استطاعت تجهيزه مسبقًا نظرت إلى شقيقتها وقالت بابتسامة مطمئنة
- دي هتكون بيتنا الجديد بعيد عن كل حاجة وحشة هنبدأ حياة جديدة هنا بعيد عن قرف ابوكى
احتضنتها (جود) بقوة وهي تهمس
- شكراً يا (رؤى) مش عارفة كنت هعمل إيه من غيرك
جلسا على الأرض وسط الشقة رغم البساطة شعرتا بشيء من الأمان لأول مرة منذ زمن بعيد ..
❈-❈-❈
طوال اسبوع كامل كانت (رؤى) فيه تبحث عن وظيفة شريفة من اجل ان تعيش بها هى وشقيقتها لكنها لم تجد خصوصا وانها لم تكمل تعليمها كانت تريد من (جود) ان تكمل تعليمها ولا تصبح مثلها فهى لم تجد من يساعدها لتكون فى حياة افضل فقررت هى ان تساعد شقيقتها وان ترى فيها ما تمنت ان تراه فى نفسها ولم تستطع الحصول عليها فهى صحيح انها تمت عامها العشرون الا وانها قد هرمت فى الأربع سنوات الماضية دهرا كاملا كانت لا تعرف كيف تتصرف فى ذلك الجنين الذى فى احشائها ويكبر يوما بعد يوم ماذا سيكون مصيرهم وماذا عليها ان تفعل تمنت لو تستطيع قتله والتخلص منه ولكن ربما تموت هى الأخرى هى ليست خائفة على نفسها من الموت بل تتمناه يوميا ولكن ما يجعلها لا تقدم عليه هو شقيقتها الصغرى لمن ستتركها خائفة عليها من ان تلاقى نفس مصيرها الذى لا تتمناه حتى لألد اعدائها ..
فى حين كان والداها قد صدم من فعلتهم وكان يبحث عنهم فى كل مكان فكانت تلك الصغيرة سيزوجها وينعم بنقود زوجها كما فعل مع شقيقتها الكبرى سابقا ولكنهم هربا وتركوه يتعفن وحده بحث عنهم فى كل الأماكن المتوقع ان يكونا بها ولكن لا اثر لهم ..
بينما سأل (ممتاز) المحامى الخاص به فيما يفعل مع تلك الفتاة التى تدعى الحمل فأخبره المحامى أن عادت مرة آخرى إليه او حدثته عليه ان يقوم بفعل تحليل ال (DNA) وحينها سيقرر ما يفعله معها ولكن اخبره ان يطمئن فمادامت لا تملك اى وثيقة او عقد للزواج فمن الصعب اثبات النسب لأنه سيكون فى نظر القانون ولد سفاح فعليه ان يطمئن من تلك النقطة وان يتأكد من ان العقد ليس معها ..
فى حين فى بداية ذلك الأسبوع ستذهب (تقى) إلى عملها الجديد كانت تشعر بالحماس وبأنه سيكون بداية جديدة لها بعيدا عن ملل المنزل وما كانت تشعر به تلك الأشهر الماضية منذ ان تخرجت ..
❈-❈-❈
في الساعة الرابعة عصرا كانت الشمس تميل نحو الغروب ترسل أشعتها الذهبية لتنعكس على واجهات المباني والزجاج وتضفي على المكان هدوءًا وهمسًا من الأمان جلس (حسن) على طاولة في زاوية إحدى الكافيهات الهادئة ينظر إلى ساعته بين الحين والآخر بترقب كان المكان شبه فارغ فقط بضعة زبائن متفرقين وأصوات خافتة للموسيقى تعزف في الخلفية ..
لم يمر وقت طويل حتى دخل رجل في منتصف الأربعينيات يرتدي نظارة طبية وبدا على ملامحه التعب وكأنه يحمل هموم العالم على كتفيه تقدم نحو (حسن) ومد يده ليصافحه قائلاً بصوت خافت
- مساء الخير أنا الدكتور (عادل) أعتذر لو كنت عطلتك .. انا اللى (مدحت) كلمك عنى عشان عاوز سيادتك فى موضوع
ابتسم (حسن) بحفاوة وهو يشير له بالجلوس
- ولا يهمك يا دكتور من التأخير قول لي إيه الموضوع الخطير اللي كنت عاوز تكلمني عنه؟
جلس (عادل) وهو يتنفس بعمق وأخذ لحظة ليجمع أفكاره قبل أن يبدأ الحديث
- بصراحة الموضوع كبير وخطير جدًا أنا شغال في مستشفى بتعالج أمراض السرطان ومن فترة وأنا ملاحظ حاجة مش طبيعية في حالات المرضى بقت تتدهور بشكل غريب بل وفيه ناس بتموت بشكل مفاجئ رغم إن حالاتهم كانت مستقرة
قطب (حسن) حاجبيه وهو ينصت باهتمام بينما تابع (عادل) بصوت مضطرب
- في البداية فكرت إنه ممكن يكون سوء في التشخيص أو خطأ في العلاج لكن لما دققت أكتر اكتشفت إن المشكلة في الأدوية نفسها فيه أدوية بتدخل المستشفى من شركات معينة ولما بحثت أكتر اتضح إنها أدوية فاسدة
رفع (حسن) احدى حاجبيه بحدة قائلاً
- أدوية فاسدة؟! بتدخل المستشفى إزاي؟
أومأ (عادل) بحزن وهو يخرج حقيبة صغيرة من جيبه ويفتحها ليُخرج منها عينات أدوية صغيرة وضعها على الطاولة قائلاً
- بص يا باشا دي عينات من الأدوية اللي شكيت فيها أنا متأكد إن التحليل الكيميائي لها في أي معمل هيثبت كلامي الأدوية دي سبب رئيسي في تدهور الحالات وللأسف فيه تواطؤ داخل المستشفى نفسها
شعر (حسن) بتوتر شديد وهو يتفحص العلب الصغيرة بعناية ثم قال بصوت منخفض ولكنه مليء بالجدية
- طيب ليه مفيش حد من زملائك اتكلم؟ ليه ساكتين على الكارثة دي؟
ابتسم (عادل) ابتسامة مرة وهو يميل برأسه قليلاً
- فيه ناس مش واخدة بالها وناس تانية خايفة تتكلم لما الشركة اللي بتورد الأدوية دي مدعومة من جهات قوية بيبقى السكوت هو الحل الأسهل لمعظمهم لكن أنا ضميري مش مرتاح شايف أرواح ناس بتروح بسبب جشع لا إنساني وكان لازم أبلغ حد أثق فيه
نظر (حسن) إلى (عادل) بنظرة مليئة بالتقدير وقال بهدوء
- وأنا بشكرك يا دكتور الموضوع كبير فعلًا وأنا هبدأ أتحرك فيه فورًا لكن اللي بتقوله ده محتاج أدلة وتحليل رسمي للأدوية
هز (عادل) رأسه مؤكداً
- عينات الأدوية معاك وحضرتك تقدر تحللها بنفسك أنا كمان ممكن أقدم أي شهادة أو أدعمك بأي معلومات تحتاجها بس خليك حذر برده لأن المواجهة والأثبات مش سهل
أخذ (حسن) العينات ووضعها بعناية في حقيبته ثم وقف وقال بثقة
- ماتقلقش أرواح الناس دي مش لعبة وانا هعمل اللى عليا
ابتسم (عادل) بخفة وهو ينهض بدوره وكأن جزءًا من الحمل الذي يحمله قد زال بمجرد الحديث مع (حسن) ومع مغادرتهما الكافيه كانت الشمس قد غابت تمامًا تاركة السماء بلونها الداكن فهل ستكون الحقيقة سهلة وواضحة كشروق الشمس ام غامضة وداكنة كغروبه ..
❈-❈-❈
فى صباح اليوم التالى ..
كانت (رؤى) تبحث عن عمل كما تفعل يوميا حتى انها لا تتناول طعامها بشكل جيد حتى توفر المال لأنها لا تعلم متى ستتوظف ولا تعلم متى سينتهى المال الذى بحوذتها كانت تهتم بطعام شقيقتها الصغرى وبمتطلباتها ولا تهتم بنفسها ابدا فكانت تشعر بإن المسئولية التى تحملتها فوق طاقتها ولكن لا مجال للتراجع عليها ان تحارب من اجل شقيقتها ومن اجل ذلك الجنين الذى تحمله وفى وسط الطريق واشعة الشمس منعكسة على وجهها شعرت بدوار شديد وسقطت مغشية عليها حتى اجتمع عليها الناس وتطوع احدهم بإن يوصلها إلى المستشفى التى بالقرب من ذلك المكان ..
وصلت إلى المشفى وكان كل شيء يسير بسرعة حول (رؤى) الأصوات تبدو وكأنها تأتي من بعيد وأضواء المستشفى البيضاء تومض في عينيها وهي محمولة على نقالة عجزت عن تحريك جسدها كأن كل شيء أثقل من قدرتها على الاحتمال شعرت بوخزة إبرة في ذراعها عندما علق الأطباء المحلول ..
بعد مرور ساعة ..
شيئًا فشيئًا، بدأت (رؤى) تشعر بعودة الحياة إلى جسدها أحست ببرودة يدها بسبب المحلول ثم بحركة خفيفة بجانبها حاولت فتح عينيها بصعوبة لتجد أمامها رجلا يجلس على الكرسي بجانبها ظهره مستقيم ويداه مشبوكتان أمامه عيناه الواسعتان بلونهما الزيتوني تتأملانها كان وجهه هادئًا لكنه يحمل مزيجًا من القلق وانتظارها حين تستفيق
شعره الأسود مرتب بدقة يعكس اهتمامه البالغ من نفسه يرتدي معطفه الطبى الأبيض حاولت ان تتحرك وهى تمسك رأسها وتقول
- ايه اللى حصل ؟! ايه اللى جبنى هنا ؟!
وضع لها (حازم) الوسادة الخلفية كى تستريح وتحكث بنبرة هادئة
- انا مش عارف ازاى انتى مهملة فى نفسك كده الأنيميا عندك ٤ وعندك نسبة السكر فى دمك منخفضة وضغطك واطى انا مش عارف اللى فى بطنك ده هيعيش ازاى اصلا وانتى بالحالة دى ؟!
لم تكن تعى حديثه تماما فمازالت تشعر بصداع شديد فى رأسها فقالت وقد لمعت فى عينيها فكرة
- يعنى ممكن اللى فى بطنى ده يموت بجد ؟!
قالتها وهى تنزع الأبرة التى توصل جسدها بالمحلول فاندهش (حازم) من فعلتها تلك ثم اعادها لتجلس واعاد وضع الأبرة الكانولا الخاصة بها وهو يقول
- انتى ازاى غير مسؤلة كده ؟!
شعرت بدوار شديد فجلست معه دون اى مقاومة ونظرت فى عينيه بوهن وهى تقول
- انا نفسى اتخلص منه انا مش عاوزه .. ارجوك اعمل اى حاجة ده عبء عليا انا مش اده
نظر لها (حازم) نظرة متفحصة وهو يحك ذقنه ثم سألها بغضب
- هو انتى مش متجوزة ولا ايه ؟!
يتبع...
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة علا السعدني، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية