رواية جديدة غصات الحب والقدر لعلا السعدني - الفصل 6 - الجمعة 16/5/2025
قراءة روايةغصات الحب والقدر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية غصات الحب والقدر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة علا السعدني
الفصل السادس
تم النشر الجمعة
16/5/2025
عادت (رؤى) من المطبخ تحمل كوب الماء، ووضعته أمام (اعتماد) التي كانت تنظر إليها بابتسامة خبيثة بالكاد يمكن ملاحظتها جلست (رؤى) على الأريكة مجددًا، وأمسكت بكوب العصير دون أن تعرف ما سيكون حالها بعد قليل، ثم بدأت ترتشف منه بهدوء وهي تحاول أن تُبقي على مظهرها الهادئ بالرغم من توترها الداخلي ..
بينما كانت (اعتماد) تغرق في حديث طويل وغير ضروري عن ذكرياتها الماضية وبعض الأخبار التي لا تخص (رؤى) من قريب أو بعيد، بدأت (رؤى) تشعر بملل قاتل بسبب تلك الأحاديث الجانبية السخيفة التى لن تستفيد بها أى شئ، وكانت تنظر نحو الساعة كل بضع دقائق، متمنية أن تغادر (اعتماد) قريبًا فهى ثرثارة و نمّامة وأكثر ما تكرهه (رؤى) تلك النميمة التى لا فائدة منها وتبقى سيئات جارية لها ..
بعد مرور عشر دقائق مليئة بالثرثرة، نهضت (اعتماد) وأخذت حقيبتها وهي تقول
- طيب أنا مش هطوّل عليكي أكتر عندي مشوار مهم .. بس وعد تفتكريني وتكلميني قريب
ابتسمت (رؤى) ابتسامة مجاملة
- أكيد يا طنط مع السلامة
أغلقت (رؤى) الباب وراءها وهى تشعر بارتياح كبير، وأخذت نفسًا عميقًا، وقفت للحظة في غرفة المعيشة تُحاول استعادة هدوئها، لكن فجأة شعرت بتقلص خفيف في معدتها، لم تُعر الأمر اهتمامًا في البداية، ظنته توترًا عابرًا من وجود (اعتماد) ..
بعد نصف ساعة تقريبًا، بدأت الآلام تتصاعد تدريجيًا، شعرت بدوار خفيف وألم حاد في أسفل بطنها، وضعت يدها على بطنها وهي تسير بخطوات مترنحة نحو الأريكة وهي لا تفهم ماذا يحدث لها ..
استلقت للحظات، ولكن الألم لم يهدأ بل زاد سوءًا، شعرت بالغثيان وبدأ العرق يتصبب من جبينها، عندها أدركت أن ما يحدث ليس عاديًا ..
توجهت (رؤى) نحو غرفة (جود) بخطوات متعثرة، يدها ممسكة بجانب الباب لتحافظ على توازنها، طرقت الباب بخفة ثم فتحته ببطء وهي تهمس بصوت واهن
- (جود) .. الحقيني!
رفعت (جود) رأسها بسرعة عن فراشها لتجد (رؤى) تسقط على الأرض أمامها، فانطلقت نحوها بفزع، وركعت بجانبها وهي تمسك بكتفيها برفق، ثم تحدثت بصوت مرتعش
- إيه اللي حصل؟ مالك يا (رؤى)؟
أجابتها (رؤى) بضعف
- روحي أوضتي .. خدي الكارت بتاع الدكتور .. من الشنطة .. كلميه واسأليه إذا كان في المستشفى
هزت (جود) رأسها بسرعة ونهضت وهي تقول
- ثانية واحدة متتحركيش!
واندفعت نحو غرفة (رؤى)، وبدأت تفتش في حقيبتها بعصبية وتوتر بالغ، بعثرت الأوراق هنا وهناك حتى وجدت الكارت أخيرًا ..
اتجهت نحو غرفتها عائدة، ثم أمسكت الهاتف بسرعة واتصلت بالرقم الموجود على الكارت، حتى أتاها صوت (حازم)، فأخبرته أن المريضة التي أعطاها ذلك الكارت تشعر بتعبٍ بالغ، ويبدو أنها ليست على ما يرام تذكرها (حازم) على الفور ثم طلب منها أن تذهب بها إلى المشفى، وهو سيكون في المشفى في القريب .. أغلقت معه الهاتف وأمسكت شقيقتها، وحاولت أن تقوم بإسنادها حتى الخارج، ثم قامت بطلب سيارة أجرة وذهبت بها نحو المشفى ..
وصلت (جود) مع (رؤى) إلى المستشفى، كانت (رؤى) شاحبة تمامًا بالكاد تفتح عينيها، هرع الممرضون فور وصولهم ونقلوها إلى غرفة الفحص ..
بعد دقائق من تقييم حالتها، خرج الطبيب المسؤول ليقول
- حالتها حرجة جدًا ومحتاجين ننقلها لغرفة العمليات فورًا لتجنب أي مضاعفات
شعرت (جود) بقلق بالغ على شقيقتها، ثم سألت الطبيب في لهفة
- هي كويسة مش كده؟!
- هنعمل كل اللي نقدر عليه متقلقيش
كانت (رؤى) ملقاة على سرير المستشفى فاقدة للوعي، بعد أعراض الإجهاض الذي كانت على وشك إتمامه حولها الأطباء في غرفة العمليات يحاولون السيطرة على حالتها، والأجهزة الطبية تُصدر أصواتًا متسارعة دخل (حازم) الغرفة بسرعة، وعيناه تبحثان عن أي مؤشر يُظهر حالتها الصحية ..
أحد الأطباء قدّم له التحاليل التي تم أخذها من (رؤى)، نظر (حازم) إلى نتيجة الفحص وعيناه تتسعان حين اكتشف ما كان في دمها، كان واضحًا أنه قد تجرعت مادة تسبب الإجهاض، وقد بدأت تظهر أعراضه بسرعة لكن ما لاحظه (حازم) في الوقت نفسه، كان أن الجنين ما زال داخل رحمها، على الرغم من أن العمليات الطبيعية التي كانت تحدث تشير إلى حدوث إجهاض، لكنه سيفعل ما بوسعه من أجل ذلك الجنين ..
ورغم أنهم في مرحلة حرجة، كان يجب أن يتصرف على وجه السرعة، فهناك بصيص أمل، فقد كانت نبضات قلب الجنين لا تزال موجودة، وإن كانت ضعيفة جدًا ..
أسرع (حازم) بتوجيه من الطبيب المعالج، وبدأ بإعطاء (رؤى) أدوية مضادة تعمل على تحفيز رحمها للحفاظ على الحمل وعلى الرغم من الشكوك التي كانت تراوده أن والدته هي من حاولت قتل جنينها، لكنه سيفعل ما يمليه عليه ضميره ..
في اللحظات التالية، عمل الأطباء على مراقبة حالتها وحالة الجنين، مع إعطاء (رؤى) المزيد من العلاج الذي يهدف إلى إيقاف عملية الإجهاض بدأت النبضات تعود تدريجيًا إلى وضعها الطبيعي، والعلامات الحيوية أظهرت تحسنًا ملحوظًا ..
وبينما كانت (رؤى) ما زالت غائبة عن الوعي، أخذ (حازم) نفسًا عميقًا ثم نظر إلى الطبيب وقال بلهجة قاطعة
- في أمل لسه إننا ننقذ الجنين
بعد انتهاء تلك الأسعافات التى قاموا بها، بدأت حالة (رؤى) في الاستقرار، كان الأطباء قد تمكنوا من الحفاظ على الجنين، وبدأوا في الاطمئنان إلى أنه سيبقى على قيد الحياة، لكن (حازم) لم يكن مرتاحًا تمامًا لتصرف (رؤى) ذلك بالأضرار بنفسها وبالجنين ..
❈-❈-❈
في صباح اليوم التالي ..
دخل (حازم) الغرفة التي ترقد فيها (رؤى)، بجانب سريرها كانت (جود) جالسة، يبدو عليها القلق وانها لم تنم منذ الأمس كى تهتم بشقيقتها طوال الليل، أما (رؤى) فكانت قد استفاقت لكنها كانت شبه غائبة عن الوعي، رأسها ثقيل وتدور حولها دوامة من الأفكار ..
اقترب (حازم) منها بهدوء، وعيناه تحملان مزيجًا من الشفقة والضيق، ثم ألقى نظرة على (جود) وقال
- ياريت تسيبيها لوحدها شوية
أومأت (جود) برأسها بصمت، ثم خرجت من الغرفة بسرعة، تاركة (حازم) مع (رؤى) ..
نظر إليها (حازم) نظرة مشوبة بالشك، وعيناه مملوءتان بالضيق فهو لم يكن يريد أن يتم ذاك الحديث أمام شقيقتها الصغرى
- برده عملتي اللي في دماغك؟ كنتِ عاوزة تسقطي الولد مش كده؟
كانت (رؤى) في حالة من اللاوعى، عيونها تائهة في الفراغ، كانت لا تفهم ما يقوله، لذا أجابته بوهن
- إيه اللي حصل؟ أنا ماعملتش حاجة .. إنت بتقول إيه؟
أجاب (حازم) بنبرة لا تُخفي استيائه من تصرفاتها الحمقاء، وهو يحاول أن يكون صارمًا رغم أنه يعلم أنها ليست بصحة جيدة الآن لذلك الحديث
- إنتي كنتِ واخدة أدوية للإجهاض
تسارعت نبضات قلبها، وجاءها الصداع في رأسها من جديد، فلم تكن فى حالة تسنح لها بفهم ما قاله للتو لكنها تفجئت من حديثه ذاك، وأجابته بهدوء
- لا .. محصلش أنا مخدتش حاجة .. آخر حاجة عملتها روحت لـ(ممتاز) وعملنا تحليل دي إن إيه اتفقت معاه إنه لو النتيجة طلعت إيجابية هيعترف بالولد
توقف (حازم) عن الكلام، ووجهه كان مشوشًا وهو لا يفهم ما تقوله تلك الفتاة وسألها
- إنتِ عملتي تحليل دي إن إيه عشان تثبتي له إن الطفل ابنه؟ وهو ليه كان شاكك فيكي؟ ليه أصلًا؟!
كانت (رؤى) متعبة جدًا، رأسها يدور والألم لا يفارقها، أمسكت برأسها بيديها تحاول التخفيف من الألم
- مش قادرة أتكلم مش قادرة أفكر دلوقتي .. راسي ..
نظر إليها (حازم) برفق وشفقة، وقد لاحظ تغيرًا طفيفًا في حالتها، فأجابها بهدوء
- ريحي دلوقتي ونامي شوية شكلك لسه تعبانة .. نتكلم بعدين
وبينما كانت (رؤى) تُغمض عينيها محاولة منها في النوم، بدأ (حازم) في فحص حالتها بعناية، ليلاحظ تحسنًا بسيطًا في حالتها الصحية شعر بشفقة عميقة تجاهها، لكنه لم يصدق بعد أنها لم تقم بفعل أي شيء ضد الجنين ..
خرج (حازم) من الغرفة وهو ينوي العودة لاحقًا بعد أن تأخذ قسطًا من الراحة ..
❈-❈-❈
جلس (حسن) ممسكًا بهاتفه الخاص، وعيناه تتنقلان بين الأوراق التي ألقاها على المكتب أمامه كان ضوء الشمس الخافت يتسلل من النافذة، وكان يشغل عقله التفكير في خطواته التالية في هذه القضية المعقدة، عازمًا على اكتشاف الحقيقة خلف شركة الأدوية تلك ..
فجأة على شاشة الحاسوب الخاص به، ظهر إشعار جديد في صندوق بريده الإلكتروني كان البريد من الشخص الذي كلفه أن يبحث عن شركة الأدوية فتح الإيميل ليجد بداخله اسم صاحب تلك الشركة ..
أمسك (حسن) رأسه بين يديه لثوانٍ، يحاول ان يفكر فى الخطوة التالية الذى عليه أن يقوم بها كانت الأفكار تتداخل في ذهنه، وكأن كل التفاصيل التي جمعها حتى الآن بدأت تتساقط أمامه وتتشكل في صورة أكبر وأكثر تعقيدًا لأن ماهو آت سيكون صعب للغاية ..
كان يجب عليه أن يتصرف بحذر، تنهد بحزن وهو يحاول ترتيب أفكاره ويدير فكره في الاتجاه الصحيح خطوة واحدة خاطئة قد تدمر كل شيء، وكان يعلم أن المواجهة مع صاحب تلك الشركة قد يدفعه في طريقٍ خطر ..
أخذ نفسًا عميقًا، وقرر أن الخطوة التالية تكون اختبار الأدوية في المختبرات الرسمية، لكن الأهم من ذلك، كان عليه أن يتأكد من أبعاد المخاطر القانونية التي ستترتب على أفعاله، ويفكر جيدًا في كيفية التعامل مع هذا الملف دون أن يعرض نفسه للخطر ..
هز رأسه وهو يخرج من تفكيره العميق ذاك، ثم بدأ في كتابة ملاحظات سريعة على دفتره كي يعرف ما هي الخطوة التالية التي يجب أن يقوم بها ..
قرر (حسن) العودة إلى المنزل فلملم أغراضه واتجه نحو الخارج ليستقل سيارته عائدًا بها إلى المنزل ..
دخل (حسن) الشقة وهو يشعر بإنهاك شديد في قلبه وعقله كان اليوم طويلًا، فقد زادت الأسئلة التي تلاحقه حرّك مفتاح الباب ببطء، ثم دفعه ليجد (رغد) واقفة في الصالة، يبدو أنها كانت فى انتظاره ويظهر عليها الضيق منه ..
دخل وهو يحاول إخفاء القلق الذي بدا واضحًا على وجهه، وابتسم ابتسامة متعبة في محاولة منه لتلطيف الأجواء بينهما، لكنه كان يعلم جيدًا ما تفكر فيه زوجته الآن شعر بالذنب بسبب انشغاله المستمر عن زوجته فى الفترة الماضية، خاصة بعد حملها كان يؤلمه ذلك أكثر من أي شيء آخر ..
لم تُخفِ (رغد) تعبير وجهها الحزينة، نظرت إليه ثم قالت بحزن دون أن تحاول إخفاء مشاعرها
- إنت مش مهتم بيا زي الأول .. ما بقاش عندك وقت ليا خلاص
قالتها بنبرة تتخللها خيبة الأمل، كانت تنتظر ردًا منه، ردًا يظهر أنه ما زال يشعر بها، ما زال يراها، ما زال يحبها لكن (حسن) رغم انه يشعر بأنه قد كان مقصر فى حقها الفترة الماضية إلا أنه ليس فى مزاج ليدللها ويلاطفعل كما يفعل دوماً معها، لم يستطع التحكم في الكلمات التي خرجت منه، تلك الكلمات التي كانت تحمل تهكمًا واضح
- هرمونات الحمل ظاهرة عليكي بدري أوي .. إحنا لسه في الأول .. ليه النكد ده؟
نظرت إليه (رغد) بعينين تلمعان بحزن، ثم قالت بصوت خافت لكن يحمل الكثير من القوة
- أنا مش مجنونة يا (حسن)،ط إنت اتغيرت بجد!
ثم وبلا أي كلمة أخرى دخلت إلى غرفتها وأغلقت الباب خلفها بقوة، تاركة إياه في غرفة المعيشة، يشعر بأنه قد أخطأ فيما قاله فقد كان عليه أن يعتذر لها، ولكنه لا يعلم لماذا قال تلك الكلمات اللاذعة يبدو أن القضية التي تشغل ذهنه أثرت على تفكيره بشكل مبالغ فيه ..
وقف لحظات وهو يحدق في الباب المغلق، ثم اقترب من الباب وبدأ يطرق عليه بخفة، فى محاولة منه أن يهدئ من الوضع
- افتحي يا (رغد)
لكن جاءه الرد ببرود وبنبرة قطعت كل أمل له
- لا
- طيب .. هنام فين يعني يا (رغد)؟!
قالها بحيرة وهو يحاول أن يعبر عن استيائه من الموقف، بينما يحاول استمالة عاطفتها فردت عليه ببساطة قائلة
- نام على الكنبة عندك
نظر إلى الأريكة، وهو لا يصدق أن زوجته قامت بطرده للتو من غرفة نومه، ثم قال مغيرًا نبرته محاولًا استعادة بعض من هدوئه
- الجو برد .. هبرد يا (رغد)
لم ينتظر كثيرًا، بينما فتحت هي الباب، ثم ألقت في وجهه غطاء ليحمله بين يديه، ثم قالت بعنف
- مسمعش صوتك تاني!
ثم أغلقت باب الغرفة مرة ثانية فابتسم (حسن) ابتسامة ساخرة على نفسه وهو ممسك بالغطاء، ثم التف ليجلس على الأريكة، نظر إلى الباب المغلق وقال في نفسه بتهكم
- قال ظابط قال .. دي بتاخد حق المجرمين مني
جلس على الأريكة، ثم التف في الغطاء، وأدرك أنها تحتاج إلى أن يكون بجانبها أكثر الفترة القادمة، فهي محقة فهو قد ابتعد عنها في الأيام القليلة الماضية بسبب عمله، وعليه أن يوازن أموره بين عمله وبيته ..
❈-❈-❈
كان (حازم) قد انتهى من ساعات العمل الخاصة به في المشفى، فقرر أن يتجه نحو غرفة (رؤى) كي يتحدث معها قبل أن يرحل ويفهم منها ما حدث اتجه نحو الغرفة كان يشعر بالفضول نحو تلك الفتاة ولا يعرف لماذا، فهو بطبعه ليس متطفلًا أو فضوليًا وقف على باب الغرفة للحظة، ثم طرق باب الغرفة فأذنت له بالدخول، ففتح الباب ليتأمل (رؤى) وهي جالسة على الفراش ملامحها شاحبة ومرهقة، كأنها تحمل هموم العالم على كتفيها لاحظ أنها تجلس بمفردها، فسأل بصوت منخفض
- أختك فين؟
رفعت رأسها إليه ببطء وابتلعت ريقها قبل أن تجيب بصوت مبحوح
- راحت تجيب حاجات من البيت
اقترب (حازم) خطوة نحوها فى محاولة منه لفهم ما جعلها تقوم بذلك الفعل المشين جلس على المقعد المقابل للفراش، نظر في عينيها مباشرة وسألها بصوت جاد
- ممكن تفهميني بقى إيه اللي حصل؟ أنتي فعلًا حاولتي تقتلي ابنك؟
هزت (رؤى) رأسها بسرعة نافية ما قاله، وبدأت دموعها تتساقط بغزارة دون أن تنطق بكلمة لم يحتمل (حازم) رؤية دموعها، شعر بذلك الألم الذي تحمله، حاول تهدئتها بصوت هادئ
- ممكن تهدي شوية؟ أنا هنا عشان أسمعك وأفهمك مش قصدى اضغط عليكى
مسحت (رؤى) دموعها بيدين مرتجفتين، أخذت نفسًا عميقًا محاولة جمع شتات أفكارها، بعد لحظات من الصمت بدأت تقص له بصوت متقطع عن كل ما حدث؛ عن زواجها السري والعرفي منذ أن كانت في سن السادسة عشرة، وأن زواجها لم يتم توثيقه حتى الآن، فلم تكن تعلم بضرورة الأمر، خصوصًا وأن والدها هو من زوّجها بتلك الطريقة وهي قاصر قصّت له عن الضغط النفسي الذي عانته طوال تلك السنوات والحياة المريرة التي عاشتها، ومنذ أن اكتشفت حملها في ذلك التوقيت الخاطئ ورفض (ممتاز) الاعتراف بذلك الطفل حتى وصل بها الحال إلى الإجهاض ..
كان (حازم) يستمع في صمت، لكن ملامحه لم تكن قادرة على إخفاء الصدمة التي شعر بها عندما انتهت من حديثها، كان ينظر إليها بعينين تحملان مزيجًا من التعاطف والغضب؛ التعاطف لتلك البريئة التي انتُهكت حقوقها بتلك البساطة، ومن من؟ من والدها! والغضب من والدها الذي زجّ بها لتتزوج تلك الزيجة فقط من أجل المال، فبدلًا من أن يكون الشخص الحامي لابنته، هو من قام بتدميرها ابتلع ريقه بصعوبة ثم قام بسؤالها
- طيب .. والتسقيط ده حصل إزاي؟ أنتي أكلتي حاجة أو شربتي حاجة مشكوك فيها؟
نظرت إليه بعينين ممتلئتين بالحيرة والخوف ثم قالت
- لا .. آخر حاجة شربتها كانت عصير مع جارتي اللي جت لي فجأة وكانت زيارة غريبة منها و ..
وفجأة توقفت عن الحديث وقد انتابها بعضٌ من الشكوك، ولكن سرعان ما بدأت تحكي له تفاصيل زيارة (اعتماد) لها، وكيف كانت تبدو لطيفة في البداية، لكن شيئًا في داخلها كان يشعرها بعدم الراحة مع كل كلمة كانت تقولها، بدأ (حازم) يربط الخيوط معًا ليصل إلى ذلك الاستنتاج، وكأنها كانت بحاجة لمن يؤكد ظنونها، ثم قال بصوت منخفض لكنه حاسم
- أكيد (ممتاز) اللي عمل كده فيكي .. وهو اللي زق جارتك عليكي
صمتت (رؤى) للحظة وقد باتت شكوكها مؤكدة الآن، ثم انفجرت دموعها مرة أخرى، لم تستطع الرد لكنها كانت تعلم في قرارة نفسها أنه كان على حق بعد لحظات من البكاء، نظرت إليه وقالت بصوت مليء بالألم
- بس أنا مش عاوزة حاجة لنفسي .. أنا مستعدة أتنازل عن كل حقوقي بس في مقابل إنه يعترف بالطفل
نظر إليها (حازم) بدهشة ثم قال بنبرة حازمة
- وأنتم هتعملي إيه أنتي وأختك؟ قعادك هناك لوحدك مع أختك خطر جدًا .. (ممتاز) وصل ليكي قبل كده وواضح إنه ممكن يوصل تاني
ارتبكت (رؤى) وبدت عاجزة عن إيجاد إجابة، كانت تعلم أنه على حق، لكن فكرة مواجهة (ممتاز) مرة أخرى كانت مرعبة نظرت إلى الأرض بصمت تحاول التفكير في الحلول اقترب (حازم) منها قليلًا وقال بصوت جاد
- عمومًا خليكي هنا في المستشفى دلوقتي أنتي وأختك بس لازم تتحركي بشكل قانوني لازم ترفعي قضية تثبتي فيها جوازك ونسب الطفل .. (ممتاز) مش هيعترف بسهولة وواضح إنه ناوي على شر ليكي وللطفل فلازم تتحركي صح من دلوقتي
رفعت (رؤى) رأسها ببطء، نظرت إليه بعينين قلقتين ومليئتين بالتوتر، كانت تحاول استيعاب كلماته لكنها شعرت بثقل القرار الذي عليها اتخاذه لم تنطق بكلمة لكن (حازم) لاحظ الارتباك الذي سيطر عليها، فحاول أن يخفف عنها قائلًا
- أنا هكون جنبك في كل خطوة متقلقيش .. بس لازم تكوني قوية ده حقك وحق الطفل اللي جاي
هزت رأسها ببطء وكأنها تحاول إقناع نفسها بما قاله، بينما ما زال الخوف يسيطر عليها ولا تعرف أتُقدم على ذلك أم أن الأمر سيكون معقدًا للغاية ..
يتبع...