رواية جديدة غصات الحب والقدر لعلا السعدني - الفصل 3 - الإثنين 5/5/2025
قراءة روايةغصات الحب والقدر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية غصات الحب والقدر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة علا السعدني
الفصل الثالث
تم النشر الإثنين
5/5/2025
انفجرت (رؤى) في البكاء، وكأن كلمات (حازم) كانت السهم الأخير الذي أصاب قلبها المنهك رفعت يديها المرتعشتين إلى وجهها لتخفي دموعها، لكنها لم تستطع حبس شهقاتها ثم قالت بصوت مخنوق ومكسور
- لو في إيدك تساعدني باللي قلت عليه يبقى كتر خيرك لو مش في إيدك ملوش لازمة الأسئلة دي
حينها تأكد (حازم) أنها ليست متزوجة، وأنها فعلت ذلك في الحرام شعر بالاشمئزاز قليلاً، ولكن حالة البكاء والانهيار الصحي التي وصلت إليها لا تسمح له بأن يقسو عليها أو يعاملها بجفاء فكر قليلاً قبل أن يتحدث
- طيب بعيدًا عن إن الحمل ده جه إزاي .. اللي بتفكري فيه ده غلط وحرام كمان إنتي حامل في الشهر التالت الموضوع مش سهل ومش هنكر برده إنه مش صعب بس ليه عاوزة تتخلصي من طفل لسه ماجاش الدنيا بسبب غلطة إنتي عملتيها؟ هو ملوش ذنب فيها
حاولت أن تكمل حديثها، لكنها عجزت عن التعبير مع انهمار دموعها، فهي ليست في موقف يسمح لها بالدفاع عن نفسها، ليفكر فيها كيفما يشاء فمن سيصدقها من الأساس؟ حاولت مسح دموعها، فنظر إليها (حازم)، ثم وقف من مكانه واقترب منها شعر وكأن كلماته كانت قاسية على شخص بالكاد يستطيع الوقوف أمامه، رغم أنه حاول تهذيب حديثه قدر الإمكان ففاجأته بقولها
- أقدر أمشي إمتى طيب؟ أنا لازم أروح عشان أختي الصغيرة هتقلق عليا
نظر لها (حازم) وهو لا يصدق سؤالها، فهي في حالة لا تسمح لها بالرحيل من المشفى الآن، لذا أجابها
- تمشي إيه بس؟ إنتي شايفة حالتك؟ الأنيميا عندك خطيرة وسكرك كان واصل لمرحلة خطر ده غير ضغطك الواطي .. جسمك محتاج وقت يستعيد توازنه ولازم تلتزمي بالعلاج والتغذية كويس جدًا مش مجرد يومين وخلاص لحد ما أطمن إنك قادرة تمشي من غير ما تغمي عليكي في نص الطريق
ازدردت ريقها بصعوبة، ثم قالت بضيق ولكن ببعض من الإرهاق أيضًا
- أنا مينفعش أسيب أختي لوحدها أبدًا وبعدين مش هقدر على مصاريف المستشفى أرجوك اكتبلي على أي دوا وأنا هلتزم بالعلاج
شعر (حازم) بالشفقة على حالها، لكن بالفعل حالتها ستتدهور إذا انصرفت هكذا، لذا أجاب بهدوء
- أنا ممكن أكلم أختك تيجي تقعد معاكي وبالنسبة للمصاريف متشليش هم بس فعلاً وضعك خطر ولو مش خايفة على نفسك ولا اللي في بطنك فأعتقد إن أختك اللي بتتكلمي عليها دي تهمك
أغمضت عينيها بيأس، ثم قالت بضيق ملحوظ
- أنا مش هقبل فلوس منك ممكن أقعد للصبح بس وأرجوك بعد كده أنا مسؤولة عن حالتي وعن صحتي
هز (حازم) رأسه بالإيجاب، ثم طلبت منه الهاتف الخاص بها كي تحدث شقيقتها وتطمئن عليها فانصرف وأمر ممرضة بإحضار الهاتف، وبالفعل تحدثت إليها وأخبرتها أنها بالمشفى فأصرت (جود) على أن تأتي لها حاولت (رؤى) منعها بشتى الطرق، ولكن لا فائدة من إصرار شقيقتها، التي ارتدت ملابسها ووصلت إلى المشفى وأقامت معها بالغرفة، ترعاها طوال الليل ..
ظلت (رؤى) طوال الليل تفكر في حديث الطبيب هي لا تعرف السيطرة على ذلك الصراع الداخلي بداخلها، فهي أحيانًا تشعر بغريزة الأمومة وتريد إبقاء ذلك الطفل، فهي لم تفعل شيئًا تندم عليه، وأحيانًا أخرى تفكر في نظرة المجتمع له؛ أنه سيكون بدون عائلة، بدون أب لم تستطع أن تصل إلى حل أبدًا، فالأمر يزداد سوءًا، وكلما فكرت شعرت بإنهاك عقلي، وليس لديها قدرة على ذلك الإنهاك الذي تسببه لنفسها ..
نظرت إلى شقيقتها النائمة بالغرفة، وملست على شعرها بحنان، ثم نهضت عن الفراش ووقفت تراقب الليل ونجوم السماء كانت تشعر بأنها معتمة داخليًا مثل الليل تمامًا كل ما مرت به خلال الأربع سنوات الماضية من معاناة، وما زالت تلك المعاناة ترافقها .. هل الحل أن تتخلص من روحها وتنهي كل ذلك الألم؟ ولكن .. ولكن شقيقتها، لمن تتركها؟ فوالدتهن توفيت منذ أن كانت (جود) في العاشرة من عمرها، وأصبحت (رؤى) هي الأم لها، رغم صغر سنها، فهي من ربتها أتتركها لوالدهما كي تلاقي نفس مصيرها؟ هزت رأسها نافية، منفضة تلك الأفكار السخيفة من رأسها، كما أنها لن تستطيع تحمل عذاب الآخرة، فتكون قد خسرت دنياها وآخرتها معًا ..
أخذت نفسًا عميقًا وفكرت ماذا عليها أن تفعل من أجل ذلك الجنين الذي تحمله؟ فالأمر غاية في الصعوبة فكرت أنه سيشعر بالعار طوال عمره لأنه بدون أهل، ولكن ما ذنبه؟ هي لم تفعل شيئًا خاطئًا عليها التحدث مرة أخرى مع ذلك الطبيب، ربما يجد لها حلاً ..
❈-❈-❈
في صباح اليوم التالى ..
استيقظت (جود) من نومها، وجدت (رؤى) مستلقية على فراشها، ويبدو أنها تشعر ببعض التعب؛ فقد شعرت بها ليلًا، لم تنم طوال الليل شعرت بالأسى على حالها وقررت الذهاب للطبيب الذي يعالجها من أجل أن تسأل الطبيب عن صحتها وعن صحة الجنين ..
اقتربت منها وهي نائمة على الفراش، ملست على شعرها بنعومة وحنان، ثم قبلت وجنتها، وقررت أن تذهب إلى الممرضة التي بالخارج لتسألها عن الطبيب وبالفعل علمت بوجود مكتب الطبيب (حازم الريس)، فاتجهت نحوه وطرقت باب المكتب، فسمح لها بالدخول ..
رفع رأسه ليرى أمامه فتاة صغيرة في السادسة عشرة أو السابعة عشرة من عمرها، بشعر أسود طويل ينسدل على كتفيها، وعينين بنيتين لامعتين كانت ملامح وجهها ناعمة ولكن يبدو عليها الجدية التي تظهر في نظرتها رغم صغر سنها اقتربت منه وقالت بهدوء
- آسفة يا دكتور .. إني جيت لحضرتك فجأة كده بس كنت عاوزة أسأل على أختي وهما قالولي إن حضرتك اللي بتتابع حالتها
قطب حاجبيه، إذ لا يعرف عن أي مريضة تتحدث، فتابعت هي قائلة
- اسمها (رؤى شريف البلتاجي) هي جت امبارح وكانت حالتها ما تسمحش إنها تخرج حضرتك أمرت بحجزها
فكر (حازم) قليلًا حتى تذكر تلك المريضة بالفعل، وما ساعده في التفكير الشبه الذي بينها وبين شقيقتها، فهز رأسه إيجابًا وقال
- آه .. آه افتكرت
ثم نظر إلى الساعة التي بيده وقال
- أنا فعلًا كنت هقوم عشان أفحصها .. هي مهملة جدًا في صحتها وفي صحة الجنين وحالتها صعبة فعلًا بس متقلقيش أنا هكتب لها على شوية أدوية وهي لو واظبت عليهم إن شاء الله هتتحسن
شعرت (جود) حينها بالحزن على شقيقتها، فشعر (حازم) بالفضول نحوها، فهو لا يعلم هل تعلم بأمر الحمل الذي تحمله شقيقتها، أم أن لا أحد يعلم به، فسألها بفضول
- هو فين بابا أو ماما؟ أي حد؟ مين اللي مسئول عنكوا؟
شعرت (جود) بالحزن، فأغمضت عينيها بأسى، ولكنها ابتلعت ريقها وهزت رأسها نافية، وقالت بنبرة مغلفة بالحزن
- ماما الله يرحمها .. وبابا اعتبره مش موجود أنا و(رؤى) ما لناش غير بعض
حك (حازم) ذقنه بفضول، وهو متحير من أمر تلك الفتاتين، ولا يعلم، ثم خُيّل له عقله أن تلك الفتاة لا بد وأنها تعمل عملًا غير شريف لكي تصرف على نفسها وعلى شقيقتها الصغرى، ولكنه سرعان ما نفض تلك الأفكار، التي تحدث في الأفلام القديمة، من رأسه وأخرجه من دوامة الأفكار تلك صوت (جود) وهي تسأله
- واللي في بطنها يا دكتور كويس؟ ولا حصله حاجة؟
عقد (حازم) حاجبيه بدون فهم، فقد اختلط عليه الأمر، هل شقيقتها على علم بحملها؟ فابتلع ريقه، ثم قال
- الطفل كويس متقلقيش بس المفروض هي تهتم بصحتها
عمّ الصمت أرجاء المكان، ليقرر (حازم) أن يسألها لكي ينقطع فضوله
- هو والد الطفل فين؟
صمتت (جود) لبعض الوقت، ولم تعرف بماذا عليه أن تجيب، ليتابع هو قائلًا
- هى أختك مش متجوزة صح؟
اتسعت عينا (جود) من وقع سؤاله، لتنظر في عينيه بحدة، وقالت دفاعًا عن شقيقتها
- لا أنا أختي محترمة وأحسن واحدة في الدنيا وهي كانت متجوزة وعلى سنة الله ورسوله كمان!
شعر بالارتباك وهو يحاول فهم كلامها هذا، فهو لا يعلم، إذا كانت متزوجة، لماذا تريد إجهاض الجنين؟ لذا نهض من مكانه وقال
- أنا آسف ماقصدتش حاجة .. عموماً أنا قايم معاكي عشان أفحصها
هزت (جود) رأسها بتفهّم، وذهب معها ليتجه نحو الغرفة التي بها (رؤى) ليقوم بفحصها ..
دخل (حازم) الغرفة وهو يحمل ملفها الطبي، اقترب من السرير حيث تستلقي (رؤى) شاحبة الوجه، وتبدو علامات الإرهاق واضحة عليها نظر إليها وإلى حالتها ثم جلس (حازم) على مقعد بجوار السرير، فتح الملف الطبي وألقى نظرة على نتائج التحاليل السابقة، ثم رفع رأسه لينظر إلى (رؤى) قائلًا
- حاسة بإيه دلوقتي؟ الدوخة أقل شوية ولا لسه؟
أجابته (رؤى) بصوت خافت ومجهد
- لسه شوية تعبانة .. بس هبقى كويسة
بدأ (حازم) بفحصها، وضع السماعة الطبية على صدرها ليستمع إلى دقات القلب والتنفس، ولاحظ انخفاض صوت دقات القلب، مما يؤكد ضعف حالتها
استخدم جهاز قياس الضغط، وبعد لحظات نظر إلى الشاشة وقال بنبرة مقلقة
- الضغط لسه واطي جدًا
أمسك جهاز قياس السكر المحمول وطلب منها مد إصبعها ليأخذ عينة دم صغيرة، وبعد دقائق قال
- السكر برضه أقل من الطبيعي وده خطر جدًا على صحتك وصحة الجنين
حاولت (رؤى) الجلوس، لكنها شعرت بدوار خفيف، فأسندت رأسها إلى الوسادة، ثم سألته
- يعني ينفع أمشي النهارده؟
ليجيب (حازم) بحزم
- بصراحة، لا حالتك محتاجة متابعة الأنيميا شديدة والسكر والضغط مش مظبوطين لو خرجتي دلوقتي ممكن تتدهور حالتك أكتر
تحدثت (رؤى) بصوت ضعيف ومليء بالضيق
- بس أنا مينفعش أقعد أكتر من كده بجد أرجوك اكتب لي الدوا وأوعدك إني هاخده
رد (حازم) بلهجة حازمة ولطيفة
- مينفعش حقيقي صحتك أهم والموضوع لازم له متابعة هنفضل نتابعك هنا كام يوم ومع العلاج والتغذية هنقدر نرجع جسمك لمستواه الطبيعي
كتب (حازم) بعض الملاحظات في الملف، ثم نظر إلى (جود) وقال
- محتاجين نتأكد إنها بتاخد الفيتامينات والمحلول اللي أنا كاتبه وكمان لو قدرتوا تجيبوا أكل فيه حديد هيبقى أفضل
أومأت (جود) إيجابًا، وبدت ملامحها قلقة على أختها ..
نظرت (رؤى) إلى (جود) وطلبت منها
- معلش يا (جود) سبيني مع الدكتور لوحدنا محتاجة أتكلم معاه
هزت (جود) رأسها إيجابًا، وخرجت نحو الخارج وأغلقت الباب، لتنظر (رؤى) إلى الطبيب وهي تقول
- أنا سألتك امبارح لو ينفع أنزل اللي في بطني ده وحسيت إنك مش بتعمل الحاجات دي لو تقدر توصلني لدكتور بيعمل كده أو أي حتة أرجوك توصلنى ليه .. الولد ده مينفعش ييجي صدقني
صُدم (حازم) من حديثها هذا، فلا يعلم لماذا تريد إجهاض ذلك الطفل، ما دامت لم تفعل شيئًا خاطئًا، وهي متزوجة، لذا قال بهدوء دون أي انفعال
- أولًا أنا معرفش حد بيعمل العمليات اللي أنتي بتطلبيها دي .. ثانيًا لو فرضنا إني أعرف أنتي حالتك الصحية أصلًا مش حمل إجهاض في خطر على حياتك بجد أنا مش بقول كده عشان أمنعك من الإجهاض بس حقيقي حالتك الصحية مش هتستحمل أي إجهاض وبعدين مادام أنتي متجوزة عاوزة تنزليه ليه؟ أنتي ما عملتيش حاجة غلط يا (رؤى)
ترقرقت الدموع في عينيها، فشعر هو بالحزن على حالها، فاقترب منها وجلس على المقعد الذي بجوار فراشها، وقال
- أنا مش عارف إيه ظروفك وإيه اللي مخليكي تفكري في الإجهاض بس فكري إن ربنا اداكي نعمة حرم ناس كتير منها ومادام ما عملتيش حاجة غلط يبقى متخافيش ولا تقلقي
ثم نظر إلى الساعة التي بيده، ونهض عن المقعد وهو يقول
- عندي حالات تانية مستنياني .. بس لو احتجتي أي حاجة أنا موجود في أي وقت فكري في اللي قولته ليكي كويس وشِيلي موضوع الإجهاض ده من دماغك خالص
نظرت في عينيه بامتنان، ثم مسحت دموعها، وهزت رأسها إيجابًا، فابتسم لها ابتسامة هادئة، ثم انصرف من أمامها، تاركًا إياها غارقة في الأفكار مرة أخرى ..
❈-❈-❈
فى وقت العصر ..
كانت أشعة الشمس تتسلل من بين الستائر الثقيلة في غرفة المعيشة، ملوّنة الجدران بأطياف برتقالية دافئة صوت الأذان للعصر كان يتردد من بعيد، بينما جلست والدة (حازم) على الأريكة، غارقة في أفكارها، تحاول تهدئة نبضات قلبها القلقة نظراتها شاردة غارقة فى أفكارها ..
في تلك اللحظة، دلف (حسن) إلى المنزل وهو يفك أزرار جاكيت البدلة التي يرتديها بعد يوم طويل من العمل ألقى السلام بصوت هادئ، ثم لاحظ على الفور ملامح والدته الحزينة اقترب منها بخطوات متأنية، فانتبها والدته إليه، فقال بقلق
- مالك يا ماما؟ شكلك زعلانة .. حصل حاجة؟
تنهدت والدته بعمق وهي تضع يدها على صدرها، وكأنها تحاول أن تطرد همًا ثقيلًا يضغط على قلبها، وقالت
- مش عارفة يا (حسن) .. (حازم) مخليني مش عارفة أفرح ولا أرتاح
جلس بجانبها، متكئًا بيديه على ركبتيه، ونظر إليها باهتمام وسألها
- خير يا ماما؟ (حازم) عمل حاجة؟
هزت رأسها نافية، وقالت بنبرة يغلب عليها الأسى
- كل ما أكلمه عن الجواز يرد عليا نفس الكلام بإنه مش عاوز أتجوز
بدت نبرة صوتها محملة بخيبة الأمل، فأشاحت بيدها وهي تضيف
- أنا نفسي أفرح بيه أشوفه في بيته لكن هو مصمم إنه مش عاوز وكل ما أفتح الموضوع معاه يصدني بالكلام عايش مع ذكرياته القديمة مع (رانيا) وخلاص
شعر (حسن) بالضيق على حال والدته، لكنه قرر أن الوقت قد حان ليخبرها بالأخبار التي يحملها أخذ نفسًا عميقًا محاولًا أن ينتقي كلماته بعناية
- بصي يا ماما .. أنا كنت مستني الوقت المناسب عشان أقولك
رفعت والدته عينيها نحوه بتساؤل وسألته بعدم فهم
- في إيه يا (حسن)؟
أخذ لحظة لتهدئة نفسه، ثم ابتسم بخجل وقال
- (رغد) حامل
فغرت والدته فمها من المفاجأة، ثم سرعان ما غمرتها السعادة، وهي تقول
- بسم الله ما شاء الله! يا خبر يا ابني! دي أحلى حاجة سمعتها النهارده!
ضحك (حسن) بخفوت وهو يحاول كتمان توتره، وقال
- كنت عاوز أقولك أول لما عرفت،بس انتي عارفة والظروف و ..
قامت والدته من مكانها وجلست بجانبه، وضعت يدها على كتفه بحنان، وقالت بفرحة غامرة مقاطعة حديثه
- عارفة اللي تقصده، عموماً .. ربنا يطمنك عليها ويقومها بالسلامة ..عارف يا (حسن) رغم حزني على (حازم) بسالخبر ده فرحني من قلبي
ظل (حسن) صامتًا للحظة، ثم قال برفق وهو يحاول ألا يظهر خوفه مما هو آتٍ
- (حازم) أخويا وربنا هيرزقه بكل خير ما تخافيش يا ماما كل حاجة بتيجي في وقتها
أومأت والدته برأسها، وهي تحاول أن تخفي قلقها المتبقي، لكنها شعرت أن كلمات (حسن) كانت كافية لتخفيف بعض العبء عن قلبها ..
❈-❈-❈
عاد (حسن) إلى المنزل متأخرًا بعد أن تحدث مع والدته، وكانت ملامح الإرهاق واضحة على وجهه دخل إلى المنزل ليجد (رغد) منشغلة في المطبخ بإعداد العشاء تبادل معها نظرات ودودة، ثم خلع معطفه، بعدها ذهب إلى الغرفة لكي يبدل ملابسه
جلسا معًا على طاولة الطعام ليتناولا الطعام الذي أعدته (رغد) حاول (حسن) أن يبعد ذهنه عن توتر العمل والأفكار التي تلاحقه في عمله أينما ذهب ..
بعد العشاء، توجه (حسن) إلى الشرفة كعادته ليأخذ لحظة من الهدوء ويتناول كوبًا من الشاي رن هاتفه فجأة، فأجاب بصوت منخفض
- أيوة خير يا دكتور؟
لم يكن صوت (حسن) عاليًا، لكنه كان كافياً ليجذب انتباه (رغد)، التي مرت بالصدفة بجوار الشرفة وسمعته يتحدث بصوت منخفض قليلاً اقتربت ببطء لترى ما يجري، لكن كلمات (حسن) كانت غامضة ومختصرة ولم تسمع منها شيئًا
- العينة طلعت فاسدة؟ .. تمام .. شكرًا ليك .. هشوف هتصرف إزاي
وما إن أغلق (حسن) الهاتف حتى وجد (رغد) خلفه واقفة، وعيناها مليئتان بالتساؤلات بادرته قائلة
- إنت بتتكلم مع مين يا حضرة الظابط؟!
تفاجأ (حسن) بوجودها، وحاول أن يبدو هادئًا رغم الانزعاج الذي بداخله، فهي تغار عليه بشدة، ومن أي شيء، وبدون أي أسباب، فأجاب بهدوء رغم البراكين الثائرة داخله
- ده شغل يا (رغد) .. إيه اللي مزعلك دلوقتي؟!
مدت (رغد) يدها بسرعة، محاولة أن تأخذ الهاتف
- وريني مين اللي كنت بتتكلم معها وسايبني بره زي الهبلة كده مش عارفة بتعمل إيه من ورايا!
حاول (حسن) شد الهاتف بقوة، وهو يزفر بضيق ملحوظ
- يا بنتي ده شغل! إيه الأسئلة اللي ملهاش لازمة دي؟
ردت (رغد) بحدة بعد أن أمسكت الهاتف عنوة ورأت آخر رقم كان يتحدث معه
- لما هو شغل ليه مش مسجل الرقم؟ أكيد طبعًا دي واحدة بتخوني معاها!
نظر لها (حسن) بملامح جمعت بين الإرهاق والغضب
- ما فضيتش أسجل الرقم وبعدين ده دكتور كنت باعت له عينة من شغل وبيبلغني بنتيجتها .. (رغد) مش معقول كده! كل حاجة تغيري منها ولأتفه الأسباب وبعدين لو هي واحدة مثلًا هسجلها باسم واحدة برده عشان حضرتك تشكي أكتر؟!
صمتت (رغد)، لكنها لم تستطع إخفاء إحراجها حين أضاف (حسن) وهو ينظر إلى شعرها المكشوف
- وانتي كمان داخلة البلكونة وشعرك كده؟ هو إنتي مش محجبة ولا البلكونة دي محرم وانا مش واخد بالي منها؟
خفضت (رغد) رأسها بخجل وتراجعت للخروج من الشرفة دون أن ترد، لكن (حسن) لم يتحمل أن ينهي الموقف بهذه الطريقة، فلحق بها وهو يحاول تهدئتها لأنه يحبها بصدق
- بصي الحركات دي مش بحبها يا (رغد) بس اللي فعلاً مش قادر أفهمه .. إيه اللي صدر مني خلاكي ما عندكيش ثقة فيا كده؟
نظرت إليه (رغد) بعينين مليئتين بالأسف، لكنه أكمل بصوت هادئ وحازم
- أنا بحترم غيرتك بس الثقة أهم حاجة بينا لو فضلتي كده الحياة هتبقى أصعب علينا إحنا الاتنين
تركها (حسن) لبعض الوقت لتفكر في كلماته، فشعرت هي بالندم من غبائها، فبالفعل (حسن) شخصية جادة، وهي تشعر بحبه لها، ولكنها تغار عليه من الهواء حتى، ولا تفهم سببًا واضحًا للشكوك التي تملأ قلبها ورأسها رغم أنها تعلم أخلاقه التى يشهد بها الجميع ..
❈-❈-❈
فى صباح اليوم التالي ..
كان صوت الهواتف لا يتوقف في الشركة جلست (تقى) خلف مكتبها المنظم بدقة، ترتب الملفات الخاصة بمديرها السيد (محسن)، تحرص أن يكون كل شيء في مكانه، استعدادًا ليوم جديد من العمل ..
على حين غرة، اندفع رجل طويل القامة، وسيم لكنه مهيب، بثقة وغرور واضحين، متجهًا نحو باب مكتب المدير دون أن ينظر إليها أو يلتفت إليها حتى أثار دخوله السريع دهشتها، فقامت فورًا وتقدمت بخطوات سريعة لتقف أمام الباب ويدها ممدودة تمنعه من الدخول، لتقول بحزم وثقة
- عَلى فين كده؟ هي وكالة من غير بواب؟
توقف الرجل أخيرًا ووجه نظره نحوها للمرة الأولى عيناه الداكنتان تفحصتا ملامحها بدقة كانت قصيرة القامة نسبيًا، لكن جمالها كان مميزًا بحجابها الذي يبرز لون عينيها الزيتوني الهادئ، وملامحها الجذابة رغم قصر قامتها، إلا أن وقفتها الواثقة أثارت اهتمامه ابتسم بسخرية، ثم قال بصوتٍ متهكم
- امشي من قدامي إنتِ مش عارفة أنا مين ولا إيه يا شاطرة؟
شعرت (تقى) بالضيق من نبرة صوته المتعالية ونظراته المتكبرة الساخرة، لكنها تماسكت ورفعت رأسها بتحدٍ، محاولة الحفاظ على احترامها لعملها
- حضرتك علشان تدخل لازم أعرف الأول مين حضرتك وأشوف إذا كان عندك ميعاد مسبق مع مستر (محسن) ولا لأ
رفع حاجبه بدهشة مصحوبة بغضب مكتوم، اقترب منها بخطوات بطيئة وعيناه لم تفارقا وجهها، صوته هذه المرة كان أكثر حدة
- امشي من قدامي بدل ما أرتكب جناية
لكن (تقى) لم تتراجع، وبعنادٍ أضافت
- لازم أعرف إنت مين مهما كان حضرتك!
توقف للحظة، ثم قال بحدة ووضوح
- (ممتاز أشرف الصاوي) مبيتحققش معاه
يتبع...