-->

رواية جديدة غصات الحب والقدر لعلا السعدني - الفصل 5 - الإثنين 12/5/2025

 

  قراءة روايةغصات الحب والقدر كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية غصات الحب والقدر 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة علا السعدني


الفصل الخامس

تم النشر الإثنين 

12/5/2025



في مكتبه المتواضع جلس خلف مكتبه، عينيه تحدقان في الأوراق المبعثرة أمامه ممسك للهاتف في يده، وصوته منخفض بعض الشئ لكنه يحمل نبرة جادة، وهو يتحدث مع جهة من السجل التجاري ليعلم أكثر عن تفاصيل تلك الشركة الغامضة التي أصبحت تشغل ذهنه كدوامة لا تنتهي، وكل معلومة جديدة يدونها فى الحاسوب الخاص به كى يعلم كيف عليه مواجهة تلك الجهات بدء يكتب بيده ملاحظات سريعة فى الحاسوب الخاص به، وكان يتنفس ببطء وكأنه يحاول التحكم في أعصابه المتوترة ..

بينما كان مستغرقًا في حديثه وإجراءاته، سمع صوت طرقة خفيفة كسرت الهدوء داخل الغرفة، وتم فتح الباب أمامه ليجد أعز صديق له أمام عينيه، فظهرت على وجهه ابتسامة خافتة، وكأنه نسي ذلك العبء الذي كان يفكر فيه، فبادله صديقه الابتسامة وهو يقول

- إيه يا أستاذ (حسن) مختفي كده ومش بتسأل ولا كأنك ليك صاحب؟

نهض (حسن) من مكتبه، ثم اقترب منه واحتضنه وهو يقول

- معلش يا (حمدي) كان عندي شوية مشاغل الفترة اللي فاتت بس صدقني كنت محتاجك جدًا ومحتاج لوجودك معايا

ابتعد (حمدي) عنه وشعر بأنه يتحدث بجدية، فجلس على المقعد المقابل لمكتبه، فجلس (حسن) بدوره في المقعد الخاص به، فسأله (حمدي) بفضول

- حصل إيه يا بني؟ مالك؟ في إيه؟! هو أنا عشان اتنقلت في مديرية تانية مش عارف تشوف شغلك كويس من غيري ولا إيه؟!

ضحك (حسن) كثيرًا ثم بدأ يقص عليه عن تلك الشركة التي يبحث عن خلفيتها التجارية بعد أن اكتشف أن الأدوية فاسدة حقا، فحك (حمدي) ذقنه بيده وهو يفكر مليًا قبل أن يجيب (حسن) ثم قال

- اللي بتعمله ده يا (حسن) مش قانوني إنك تدور ورا شركة بدون تصاريح وبدون إذن من النيابة وده هيعرضك لمسألة .. أنا شايف تصرف نظر عن الموضوع ده هيدخلك في دايرة انت مش قدها

عبس قليلاً، وهو يحدق في (حمدي)، فهو لم يفكر إلا فى الحالات التى تسببت تلك الشركة فى موتها، لكنه لم يُظهر أي ضعف له، استعاد نفسه بسرعة وقال وهو يحاول إخفاء التوتر في صوته

- عارف يا (حمدي) بس الموضوع مسألة ضمير مينفعش بعد اللي عرفته وإن في ناس بتموت أقف وكأني مشوفتش حاجة وأدي ضهري للموضوع وكأن شيء لم يكن

ثم أخذ نفسًا عميقًا وأكمل بنبرة أكثر حسمًا

- أنا لازم أكمل مهما كان الثمن

حينها تفحص (حمدي) (حسن) قليلًا، ولم يكن يعلم ماذا عليه أن يقول، لكنه صمت لبعض الوقت بعدها قال

- انت عارف رأيي كويس في المواضيع اللي زي دي .. القانون أولًا يا (حسن) واللي بتعمله ده كأنك بتخاطر بمستقبلك

- أنا المهم عندي ضميري، مش أي حاجة تانية.

قالها بشجاعة، وكأنه لا يعبأ بأي شيء غير أن يريح ضميره الذى يشعر بعدم الراحة، فهز (حمدي) رأسه بأسى وهو يعلم أن صديقه سيقود حربًا خاسرة، وستكون معقدة للغاية، لكنه يعلم أنه لن يثنيه شيء عن قراره ذلك ..

❈-❈-❈

  فى صباح اليوم التالى ..

انتظر (ممتاز) (رؤى) فى السيارة الخاصة به ليأخذها ويذهب معها إلى مركز للتحاليل من أجل إجراء فحص الـDNA، وفى خلال دقائق وجدها أمامه تشعر بتوتر وارتباك كبير، لكنها تعلم أنه ليس عليها إلا فعل ما يطلبه منها، فهى من بحاجة له وليس هو من بحاجة لها ..

فتحت باب السيارة الخاصة به، ويداها كانت ترتجفان، ثم استقلت معه السيارة ..

لم يتحدث بكلمة واحدة، قاد السيارة متوجها إلى المعمل، وهى لم تحاول الحديث معه ..

فى خلال نصف ساعة، كان قد وصل إلى المختبر، فترجل من السيارة وترجلت هى معه، واتجها معًا نحو الداخل ..

جلسا فى غرفة الانتظار لدقائق طويلة، كان الوقت يمر ببطء، وكل ثانية كانت تطول أكثر من سابقتهاأخيرًا، جاء الطبيب ليخبرهم أن النتيجة ستظهر خلال خمسة أيام ..

كانت (رؤى) تراقب تعبيرات وجه الدكتور بعينين قلقتين، فرغم أنها متأكدة من نتيجة التحاليل، إلا أن الانتظار شيء مر ومرهق ..

اقترب (ممتاز) من (رؤى) ليأمرها بأن تذهب معه إلى السيارة ليقوم بإيصالها سارت خلفه، واتجها نحو الخارج، ثم وصلا إلى السيارة واستقلتها معه ..

كان طوال الطريق صامتًا، وهى لم تتحدث بالطبع، ولكنه خرج عن صمته قائلًا

- انتى ساكنة فى الحارة دى ليه؟! مش غريبة!!

ازدردت ريقها بصعوبة ثم قالت

- أنا كنت قاعدة مع بابا .. بس هو كان ناوى يجوز أختى الصغيرة زى ما عمل معايا فخدتها وهربت وغيّرت عنوانى عشان بابا ميوصلناش

ابتسم بسخرية، ثم تفحصها بطريقة مهينة وهو يقول

- أبوكى واخدها سبوبة بقى .. بيبيع واحدة ورا التانية

شعرت بإهانة كبيرة من حديثه، ولكن ماذا عليها أن تفعل؟ فوالدها بالفعل يفعل ذلك لا يفكر سوى فى المال، فصمتت ولم تستطع الرد توقف أمام منزلها، فهمّت أن تترجل من السيارة، لولا أنه قال

- أنا مش عاوز شوشرة منك لأى حاجة لحد ما أفكر كويس فى اللى هعمله من هنا لحد ما تطلع نتيجة التحليل

هزت رأسها إيجابًا وهى تقول

- زى ما تحب

ثم ترجلت من السيارة، واتجهت نحو المنزل الخاص بها، بينما ظل هو ينظر إليها وتنهد بآسى، يشعر بالشفقة تجاهها، ولكن فى حياته لا مجال للشفقة أو الحنان فهى من اقتحمت حياته وجعلتها فوضوية، ليس هو كما أنه يستطيع السيطرة جيداً على قلبه الأخرق ذاك هو لا يفكر إلا بعقله فقط ..

يعلم كيف يتحكم فى تلك المشاعر الأنسانية البالية التى لا قيمة لها فهى عليها تحمل نتيجة اختياراتها، وليس هو

ثم قاد السيارة مرة أخرى عائدًا إلى الشركة الخاصة به ..

❈-❈-❈

بعد مرور خمسة أيام ..

كانت نتيجة التحاليل الخاصة بالفحص قد انتهت، واتصل الطبيب بـ(ممتاز) وأخبره أن نتيجة التحليل إيجابية، مما جعله مصدومًا ولا يستطيع أن يفكر.

لم يكن يتخيل أبدًا أن النتائج ستكون إيجابية ..

حاول جمع أفكاره، أخذ نفسًا عميقًا وبدأ يفكر فى الخطوة التالية، لم يكن أمامه سوى البحث عن معلومات أكثر حول الوضع الحالى ..

جمع بياناته من مصادره الخاصة، وأرسل لامرأة كانت جارة قديمة لـ(رؤى)، وكانت على اتصال بها على مدار السنوات الأخيرة طلب منها مقابلته، وفي غضون ساعات قليلة، كانت السيدة أمامه ..

وقفت أمامه تلك السيدة التى فى سن الأربعين، تتمتع تلك المرأة بجاذبية خاصة تعكس نضجها ملامح وجهها قد اكتسبت بعض التجاعيد الخفيفة التي تضيف إلى جمالها، مع عيون تعكس خبرتها فى الحياة شعرها بنى داكن تزينه خصلات من الشيب، التي تضفى عليه لمسة من الوقار جلست على المكتب أمامه وهى تسأله

- خير يا سعادة البيه؟!

كان يعلم (ممتاز) جيدًا أن ما سيطلبه منها ربما لن توافق عليه، ولكنه سأل عليها جيدًا، وعلم أنها من الممكن أن تفعل أى شىء مقابل المال، لذا لم يفكر مرتين فى إحضارها وطلب منها ذاك الطلب تطلع إلى ملامحها ثم قال بهدوء

- أنا عارف إنك انتى و(رؤى) جارتك كنتوا قريبين من بعض .. مش كده؟!

هزت المرأة رأسها إيجابًا، ليردف هو قائلًا

- كويس جدًا .. هى دلوقتى ساكنة فى بيت تانى كل اللى عاوزك تعمليه إنى هديكى عنوانها وتروحى تزوريها

ضاقت عينا المرأة بعدم فهم، فتابع هو قائلًا وهو يخرج من درج مكتبه حبوبًا من الدواء، ثم قدمها لها فوق سطح المكتب، وهو يكمل حديثه

- تحطى الدوا ده ليها بطريقتك فى أى عصير أو أى حاجة

شعرت المرأة بالخوف قليلًا، لذا سألته

- وإيه ده يا باشا؟! ده سم ولا حاجة؟!

ابتسم (ممتاز) بتهكم، ثم أجابها بهدوء

- لأ .. متقلقيش ومش عاوز أسئلة كتير .. انتى هتحطى الدوا ده ليها وليكى المقابل اللى انتى عاوزاه فاهمة؟!

ترددت المرأة قليلًا وازدردت ريقها بصعوبة، ولكنها مدت يدها لتأخذ الدواء من سطح المكتب بيد مرتعشة، وهزت رأسها إيجابًا وهى تقول

- وهو كذلك مادام مش هيموتها فتمام .. بس حضرتك عاوزنى أروحلها إمتى؟!

عاد بظهره على المقعد الخاص به وقال بهدوء

- فى أقرب وقت ممكن

❈-❈-❈

 في صباح اليوم التالي ..

ذهب (حازم) إلى المشفى، داخل المكتب الخاص به كان يشتاق إلى (رانيا) كثيرًا، وقرر أن يتحدث معها، وعلى الرغم من أنه يعلم استحالة العودة بينهما، لكنه لا يريد خسارتها تحت أي ظرف من الظروف، فهي كانت الصديقة والحبيبة والشقيقة لديه، حتى وجودها في حياته كصديقة، هذا أقصى ما يتمناه قرر أن يمر على المرضى الخاصين به، بعدها سيتجه نحو مكتب (رانيا) ليحظى حتى لو بحديث خفيف معها ..

وضع كلتا يديه في الجيب الخاص بالبالطو الطبي الخاص به، ثم قام بفتح باب المكتب، ليجد أمامه شخصًا لا يطيق رؤيته، فهو (هاني) يعمل معه، لكنه لا يشعر بالود تجاهه، ولا يتفق معه، ولا ينسجمان معًا، فهذا الرجل كان دائمًا مصدر إزعاج، وها هو الآن ينظر إليه بابتسامة ساخرة ازدرد ريقه بصعوبة، فنظر له (هاني) بتشفٍ وهو يقول

- إيه؟ ما سمعتش آخر الأخبار؟!

نظر له (حازم) وهو لا يفهم مغزى حديثه، فتابع (هاني) قائلًا

- دكتورة (رانيا) من الصبح عمالة توزع في شوكولاتة علينا كلنا .. أصلها هتتجوز آخر الأسبوع وهتاخد أجازة بقى فبتودعنا!

نزل الخبر كالصاعقة على (حازم)، وهو لا يصدق ما سمعه تواً من ذلك الأبله، ورغم ذلك لم يرمش له جفن، ظل ساكنًا وكأنه في عالم آخر نظر له (هاني) بترقب، منتظرًا أن يرى حزنه داخل عينيه، ولكنه يعلم جيدًا أنه أصاب هدفه، وأن (حازم) ليس على ما يرام، رغم أنه يظهر عليه التماسك، لكنه يظهر تماسك خادع فأردف (هاني) قائلًا بمكر

- إيه مش هتباركلها؟!

لم يُجب (حازم) عليه، وتركه وغادر الغرفة مسرعًا، واتجه نحو مكتب (رانيا) كان يسير في الممرات غائم الوجه حتى وصل إلى مكتبها وجد العديد حولها من الأطباء والممرضات، يبدو أنهم يباركون لها، وهي مبتسمة تتلقى التهاني بسعادة، ولكنها شعرت بأعين تحدق بها، فتلاقت عيناهما بعضها ببعض ..

ونظرت له نفس النظرة التي نظرتها منذ عدة أيام، لم تكن سوى نظرة شفقة، وفهمها هو على أنها حنين له ولذكرياته معها عضّ شفتاه في محاولة فاشلة منه للتماسك أمامها، لمعت عينيه بالدموع، ولكنه أبى أن تسقط دمعة واحدة ..

تمالك نفسه وهو يخفي ضعفه وراء جدار من الثبات المصطنع ..

وجدها تتقدم نحوه، أراد أن يختفي من أمامها حتى لا تشعر بضعفه وعجزه، اقتربت منه بخطوات ثابتة حتى وقفت أمامه، وتطلعت إلى وجهه وهي تقول بصوتها الرقيق الذي اشتاق له

- عامل إيه يا (حازم)؟!

ورغم ضعفه وانهياره داخليًا، إلا أنه قال بثبات وقوة

- م.. مبروووك يا (رانيا).

احمر وجهها خجلًا، ونظرت إلى أسفل، وهي تضع خصلات شعرها البني خلف أذنها وقالت

- أ .. أنا .. أنا كنت هقولك بس ..

طالعها هائمًا، كم يعشق خجلها هذا الذي ذاب فيه عشقًا طوال السنوات الماضية، وما زال هائمًا على وجهه بجمالها ذاك، فقال بهدوء لكي يذيب الثلج الذي بينهما وهو يقول

- إيه،ط مش هتديني شوكولاتة أنا كمان؟!

رفعت (رانيا) رأسها، وتلاقت عيناها العسلية بعينيه الزيتونية، ثم قالت متلعثمة

- آه .. آه هجبلك على طول أهو

ثم ذهبت تجاه المكتب الخاص بها، وأحضرت العديد من قطع الشوكولاتة وأحضرتها له، بينما كان الجميع يتابعهم، فالجميع يعلم مدى عشق (حازم) الكبير لها، ولا يعلمون سبب انفصالهما حتى الآن ..

اتجهت (رانيا) نحو (حازم)، وهي تعطيه الشوكولاتة، فرسم ابتسامة باهتة على ثغره، وأخذ منها واحدة، فتلامست أيديهما دون قصد منه، فتجمد للحظة بينما اجتاحته موجة من الحنين ثم قال

- مبروووك مرة تانية .. عن إذنك عندي شغل

- آه.. آه طبعًا اتفضل يا دكتور

أغمض عينيه بأسى، ثم التفت وهو يحاول تمالك نفسه

تركها واقفة مذهولة، تتأمل ظهره وهو يبتعد، فأصبحت تحدثه برسمية الآن، وكأن لم يجمعهما معًا منزل واحد من قبل

لم يستطع إكمال اليوم في العمل، لذا قام بالاستئذان من المشفى ثم انصرف ..

توجه نحو الخارج، واستقل سيارته، وأطلق لدموعه العنان، فقد تحمّل كثيرًا كي يحافظ على ثباته أمام الجميع في المشفى ..

وانطلق نحو المنزل عائدًا، فلا يعرف هل عليه ترك المشفى؟ فلن يستطيع أن يتحمّل رؤيتها مجددًا، فهي أصبحت تخص رجلًا آخر بعد أن كان يمتلكها، أصبح يمتلكها غيره الآن

وصل إلى المنزل، وعندما وجدته والدته عائدًا في ذلك الوقت المبكر، اتجهت نحوه بقلق وهي تسأله

- إيه اللي حصل؟! راجع بدري كده ليه؟!

نظر في عيون والدته، ولم يستطع تمالك نفسه، فأرتمى في أحضانها دون أن يتحدث أو ينبس ببنت شفة شعرت والدته بالخوف عليه، فربّتت على ظهره بحنان، وهي تقول

- حصل إيه؟! متقلقنيش عليك يا (حازم)!

حاول التماسك أمام والدته قدر المستطاع، وابتعد عنها قليلًا، ثم قال بنبرة منكسرة

- (رانيا) هتتجوز آخر الأسبوع

شعرت والدته بمدى ألم قلبه الذي يعتريه، ولكنها حاولت أن تظهر بمظهر قوي أمامه، لذا قالت

- وفيها إيه؟! ما إنت بكرة هتتجوز إنت كمان ما إنتوا مش هتفضلوا بالحال ده أكيد كل واحد هيشوف طريقه مش هيقف محلك سر

لم يستطع أن يجيب والدته، ولكنه قال

- أنا داخل أنام شوية .. تعبان مش عاوز حد يصحيني خالص

فهمت والدته المشاعر المضطربة التي يشعر بها، لم تكن تريد أن تتركه بمفرده، ولكنها تعلم جيدًا أن شخصية (حازم) في الوقت الحالي تفضل العزلة، ولكنها ستحدثه فيما بعد، ثم قالت

- ماشي ريّح نفسك بس هبقى أطمن عليك برده

هز رأسه بتفهّم، ثم توجه نحو غرفته، وأغلق الباب عليه، ووقف خلف الباب وهو يفكر هل حقًا (رانيا) ستصبح مع رجل آخر؟

ذلك الشيء لم يكن يريد تخيّله حتى في أسوأ كوابيسه

ضرب قبضة يده في الباب بقوة، وكأن الألم الجسدي قد يساعده في نسيان الألم الذي يعتصر قلبه ..

ثم اتجه نحو داخل الغرفة، جلس على فراشه متأملًا سقف الغرفة، ودموعه تنهمر، وهو لا يعرف كيف سيتعامل مع ذلك الأمر، أو سيتعامل معها بعد الآن فلم يعد بينهم أي طريقة للاتصال الآن، فلقد باتت كل طرق الود والعودة محالة ..

❈-❈-❈

في عصر اليوم ..

جلست (رؤى) في غرفة المعيشة الصغيرة تحتسي كوبًا من الشاي الساخن، بينما تغرق في أفكارها المتشابكة كانت تحاول أن تهدئ من قلقها المتزايد، فبالأمس كان اليوم الخامس، ومع ذلك لم يُحدثها (ممتاز)، ولم يُخبرها بنتيجة التحاليل ولكن، هل عليها أن تنتظر أن يُحدثها، أم يجب عليها هي أن تُحدثه؟ شعرت بالضعف، لأنه لا أحد معها يقف بجانبها أمام ذلك الـ(ممتاز)، ولكن ماذا عليها أن تفعل؟ فهي الطرف الأضعف في تلك المعادلة ..

فجأة، دق جرس الباب رفعت رأسها ببطء، وعيناها تحملان بعضا من الدهشة، فمن النادر أن يأتي أحد لزيارتها هنا، فلا أحد يعلم مكانهم وضعت كوب الشاي جانبًا، ونهضت بتردد، وسارت بخطوات بطيئة نحو الباب وقلبها ينبض بخوف غير مبرر مدت يدها لفتح الباب، وما إن فعلت حتى تفاجأت بوجه مألوف يقف أمامها ..

كانت تلك المرأة الأربعينية التي كانت جارتها في منزلها القديم، وتعلم عنها الكثير، لأنها امرأة تحب الثرثرة دومًا وقفت (رؤى) مشدوهة تحدق فيها بعينين متسعتين، غير قادرة على تصديق ما تراه ابتسمت المرأة ابتسامة دافئة ومليئة بالشوق المزيّف، وقبل أن تنبس (رؤى) بكلمة، اندفعت المرأة نحوها واحتضنتها بشدة، قائلة بصوت مفعم بالعاطفة الكاذبة

- وحشتيني يا (رؤى)! افتكرت إنك نسيتيني خالص

ظلت (رؤى) جامدة في مكانها للحظات، لا تدري كيف ترد كانت المفاجأة أكبر مما تحتمل، وبينما شعرت بذراعي المرأة تلفّان حولها، بدأت تستعيد وعيها تدريجيًا حاولت أن ترسم ابتسامة صغيرة، لكن قلبها كان ينبض بالأسئلة ما الذى آتى بها إلى هنا؟ وكيف عرفت مكانها؟

أفسحت لها الطريق كي تدخل إلى الداخل، فتقدمت تلك المرأة إلى الداخل، وهي تتفحص أجواء الشقة البسيطة كان المنزل صغيرًا، لكنه مرتب بعناية؛ الجدران مطلية بلون أبيض باهت ..

كان الأثاث محدودًا عبارة عن أريكة صغيرة مغلفة بقماش قديم لكنه نظيف، وطاولة خشبية تحمل آثار الزمن، حيث كانت بعض زواياها مشققة قليلاً في إحدى الزوايا، يوجد رف صغير عليه بضعة كتب مصمصت المرأة شفتاها، ثم اقتربت نحو أقرب أريكة وجلست وهي تقول

- بقى حد يسيب العز اللي كان فيه وييجي يقعد هنا؟! انتي مجنونة يا (رؤى)؟!

شعرت (رؤى) بالضيق من حديثها قليلًا، لكنها اقتربت منها وجلست بجوارها على الأريكة وهي تقول

- ظروف يا طنط (اعتماد) .. مكنش ينفع أقعد في بيتي وبعدين البيت هناك كان بالنسبة لي زي السجن قضيت فيه أسوأ أربع سنين من عمري مش عاوزة أي ذكرى تجمعني بالبيت ده تاني

على الرغم من أن (اعتماد) شعرت بالشفقة عليها فعليًا، لكنها صمتت لبعض الوقت، لا تعلم ماذا عليها أن تقول، فنظرت لها (رؤى) بدهشة قائلة

- بس انتي عرفتي البيت منين؟! أنا مش قايلة لحد على عنواني

ازدردت (اعتماد) ريقها بصعوبة، وشعرت ببعض التوتر، لكنها قالت متلعثمة

- م .. مانا سألت البواب بعد ما انتي اختفيتي كده وهو قال لي على مكانك بعد ما عرف من السمسار واللي يسأل ما يتوهش

شعرت (رؤى) بغرابة من حديثها، فهي قد أكدت على ذلك السمسار مرارًا وتكرارًا ألا يُخبر أحدًا بعنوانها الحالي، ولا تعلم لماذا أخبر حارس العقار بعنوانها ولكنها ابتسمت ابتسامة باهتة، كأنها تفهّمت الأمر، ثم استأذنت منها أن تذهب لتُعدّ لها كوبًا من العصير، فهزت (اعتماد) رأسها بتفهم، واتجهت (رؤى) نحو المطبخ.

وجدت شقيقتها بالداخل، فطلبت منها أن تدخل غرفتها وألا تخرج حتى تغادر تلك المرأة التي معها، لأنها ثرثارة وكثيرة الكلام، وهي لا تريد إخبارها بشيء تفهّمت (جود) حديث شقيقتها، ودلفت إلى داخل غرفتها، بينما أعدت (رؤى) كوبين من العصير وأخرجتهما إلى الخارج، ثم وضعتهما على الطاولة أمام الأريكة التي تجلس عليها (اعتماد) ..

كانت تلك الفرصة التي أمام (اعتماد) كي تضع ذلك الدواء في العصير، فطلبت من (رؤى) كوبًا من الماء، فاتجهت (رؤى) نحو المطبخ مرة أخرى، وما إن تأكدت (اعتماد) من اختفاء (رؤى)، حتى أخرجت من حقيبة يدها الدواء، وأفرغت مكوناته العُليا في الكوب الخاص بـ(رؤى)، وكانت كل تارة تنظر إلى الأعلى وتلتفت يمينًا ويسارًا، خيفة من أن تراها (رؤى) ..


يتبع...


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة علا السعدني، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة