رواية جديدة غصات الحب والقدر لعلا السعدني - الفصل 9 - الأحد 25/5/2025
قراءة روايةغصات الحب والقدر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية غصات الحب والقدر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة علا السعدني
الفصل التاسع
تم النشر الأحد
25/5/2025
جلس رئيس (حسن) خلف مكتبه، وكان يقرأ الأوراق التي وضعها (حسن) أمامه كانت تلك الأوراق مليئة بكثير من التفاصيل مع نتائج التحاليل ورسائل الواتساب التي تؤكد بأن تلك الأدوية فاسدة كان واضحًا أن (حسن) قام بكل ما بوسعه للبحث والتحقيق، لكن من الواضح أيضًا أنه قد تجاوز الخطوط الحمراء في طريقه للوصول إلى هذه الأدلة والمستندات بطرق غير قانونية ..
أخذ رئيسه نفسًا عميقًا ورفع رأسه ليقابل عيني (حسن) الذى بدا عليه التوتر ظل (حسن) صامتًا، يشعر بالقلق تتسارع دقات قلبه، ينتظر ردة فعل رئيسه على تلك المستندات الذى قال
- فيه حاجة اسمها إجراءات قانونية يا (حسن) وإنت لو كنت استخدمت الطرق القانونية كنت هتقدر توصل للحقيقة برده لكن دلوقتي إنت هتتسئل قانونيًا عن الإجراءات اللي أخدتها من نفسك دى
قالها رئيسه وهو ينظر إلى الأوراق مرة أخرى ثم اردف
- لكن هقولك حاجة أنا مش هخليك لوحدك في الموضوع ده هحاول أساعدك بس لازم نعمل ده في إطار القانون ولسه هبعت كل ده للجهات العليا
ثم أضاف بلهجة أكثر قسوة
- لكن ده مش معناه إنك هتخرج من الموضوع ده كده ببساطة
شعر (حسن) بضيق من تلك الكلمات، وإلى ما يرميه رئيسه كان يدرك تمامًا أن الخطوة التالية ستكون صعبة للغاية، لكن في داخله كان يشعر أنه على الأقل قد وضع قدمه في الطريق الصحيح
- أنا هرفع التقارير دى للجهات العليا وهبلغك بالجديد في القريب
أخذ (حسن) شهيقًا عميقًا وأومأ برأسه وهو يحاول استيعاب كل كلمة قالها رئيسه يعلم أنه مخطأ فى بعض القرارات التى اتخذها من نفسه ولكن لا يهم سوى الحقيقة لذا قال
- أنا جاهز لأي حاجة بس مكنتش قادر أشوف وأعرف اللي بيحصل ده وأسكت
قالها (حسن) بثبات، وهو يعلم أن القادم قد يكون أكثر صعوبة مما مضى بكثير ..
❈-❈-❈
كانت (تقى) تدخل قاعة الاجتماعات حيث كانت تشعر بألم فى رأسها بسبب أنها نامت بالأمس بشكل متقطع بسبب عودتها من شرم الشيخ كانت تحمل ملفًا مليئًا بالمستندات الخاصة للاجتماع الهام الذى ستحضره مع مديرها ..
في لحظة دخولها، فوجئت بوجود (ممتاز) في الغرفة، يجلس على الطاولة مع مديرها (محسن) فقد أصبحت تراه مؤخرًا كثيرًا للغاية، بالإضافة إلى سيدة أنيقة، لم تلبث أن لاحظت الاهتمام الذي تظهره تلك السيدة تجاه (ممتاز) كانت تجلس بجانبه تقريبًا، ويبدو عليها أنها مهتمة بذلك المغرور، الذي لم يكن يعيرها أي اهتمام، مما جعلها تشعر بالرضا ولو قليلا ولا تعرف لما ..
توقفت (تقى) للحظة عند الباب قبل أن تدخل، وابتسمت ابتسامة دبلوماسية حاولت أن تبقى هادئة، لكن مشاعر غير مفهومة بدأت تتسرب إلى قلبها، وذلك بسبب قرب تلك السيدة من (ممتاز)، بينما كان (ممتاز) يظل غارقًا في العمل، لا يلتفت لاثنتيهما ..
فلم تستطع منع نفسها من مراقبة تلك السيدة كانت تبتسم له بين الحين والآخر في حين كان (ممتاز) يجيب عليها بلطف، لكن فى إطار العمل فقط ..
لم تتمكن (تقى) من التركيز فى عملها بشكل جيد، وكلما تحدثت السيدة مع (ممتاز)، كانت تزداد ضيقًا، ولا تعلم ما سبب تلك المشاعر التي تشعر بها ..
عندما انتهى الاجتماع وخرج الجميع من القاعة، اقتربت السيدة من (تقى) وقالت بابتسامة ساخرة ونبرة يشوبها التعالي
- ممكن تجيبي لي كوباية ماء يا اسمك إيه؟
كان طلبها فظًا بعض الشيء، وكان هذا شعور (تقى) لكنها لم تعترض، وقررت تنفيذ طلبها بعد أن أشار (محسن) لها بعينه لتنفيذ الأمر ولكن في تلك اللحظة تدخل (ممتاز) بصوته الجاف قائلًا
- (تقى) استني هنا
ثم وجه حديثه لتلك السيدة قائلًا بجفاء
- أعتقد تطلبيها من البوفيه أحسن
توقفت (تقى) للحظة مندهشة، ثم ابتسمت له ابتسامة لطيفة، فأومأ لها بعينيه بهدوء كى تخرج فخرجت (تقى) إلى الخارج لتجلس بمكتبها، في حين شعرت تلك السيدة بالغيظ من تدخل (ممتاز)، ولكن في النهاية لم تأبه، وقررت الخروج للخارج وبعد أن انتهى (ممتاز) من حديثه مع (محسن)، توجه نحو الخارج ليجد (تقى) غارقة في عملها، فتقدم نحوها ببطء وتحدث بنبرة تبدو ودودة للغاية
- متخليش حد يجبرك إنك تعملي حاجة مش من اختصاصك
عندما استمعت (تقى) إلى صوته، رفعت رأسها قليلًا لتتقابل أعينهم ببعضها البعض، فشعرت بشيء غريب داخل قلبها، ربما كان إحساسًا بالراحة التي لم تتوقع انها ستشعر بها فى يوماً ما معه، ليتابع بهدوء
- خليكي دايمًا زي ما قابلتك أول مرة مش عاوز أحس بضعفك أو قلة حيلتك
قال جملته الأخيرة، ثم انصرف من أمامها دون حتى أن يودعها فنهضت (تقى) من مكانها للحظة، وعينيها تتابع خطواته ثم بدأ قلب (تقى) ينبض بشكل مختلف، بدأت ترى في (ممتاز) جانبًا آخر من شخصيته لم تكن تعلم بوجوده حتى ..
❈-❈-❈
دخل (حسن) إلى المنزل بعد يوم طويل، لكنه كان مختلفًا اليوم، لم يكن يحمل في صدره تلك الكآبة المعتادة بعد ضغوط العمل، بل شعر براحة غريبة فقد انزاح هما ثقيلا عن قلبه بعد أن أبلغ رئيسه في العمل عن فساد شركة الأدوية تلك، ولم يكن نادمًا لحظة واحدة، حتى إن العواقب لم تعد تشغل باله، بأنه اتخذ إجراءات غير قانونية، بقدر ما كان يشغله أن الحقيقة ظهرت أخيرًا ..
لم يسمع صوت زوجته كعادتها عند عودته، فالتفت بنظره نحو الغرفة ليجدها مستلقية على السرير، غارقة في النوم، كانت ملامحها هادئة رغم شحوب وجهها الواضح، فشعر بوخزة خفيفة في قلبه لم تلاحظ (رغد) حتى دخوله المنزل، ربما بسبب تعب الحمل الذي بدأ يؤثر عليها بشدة الفترة الأخيرة اقترب منها قليلًا، حدّق في ملامحها المنهكة، قبل أن يقرر عدم إزعاجها، فقام بتبديل ملابسه، ثم انسحب بهدوء نحو المطبخ ..
وقف للحظات يتأمل المكان ثم تنفس بعمق، فهذه المرة لن يكون الطهي عشوائيًا كما يفعل دائمًا، بل قرر أن يكون كل شيء مرتبًا ومنظمًا بدأ بتحضير المكونات، ثم قطع الخضروات بحرص، وأشعل الموقد وحتى إنه نظف سطح الطاولة بين الحين والآخر، لكي ينظف ما قام ببعثرته هنا وهناك ..
لكن بينما كان يقلب الطعام على النار، شعر بحركة خلفه، التفت ببطء ليجد (رغد) تقف عند الباب، تفرك عينيها الناعستين، وعلامات الإرهاق لا تزال على ملامحها ظلت صامتة لثوانٍ تنظر إليه بدهشة، ليس فقط لأنه كان يطبخ، بل لأنه فعل ذلك بنظام فقد كانت اعتادت فوضويته في المطبخ، أما الآن فكل شيء يبدو نظيفًا ..
ارتسمت ابتسامة خفيفة على وجهها، نظراتها كانت ممتلئة بالإعجاب، رفع حاجبه بخفة، وقال بنبرة مرحة
- صحي النوم يا هانم
ضحكت بهدوء، وقالت بصوت ناعس
- غصب عني بجد أنا أصلاً مش بحب النوم، بس الحمل بيخليني أنام غصب عني
هز رأسه بتفهم، وقال وهو يعود إلى تقليب الطعام
- عموماً عشر دقايق والأكل يكون جاهز يا مولاتي
شعرت بسعادة تغمر قلبها، لذا جلست على طاولة صغيرة بالمطبخ وظلت تتابعه بعينيها بإعجاب كانت تعرف أن (حسن) ليس بالرجل الذي يبالغ في الكلام أو المشاعر، لكنه له طريقته الخاصة الذى يعبر بها عن حبه لها، ويعبر لها عن حبه فقالت بصوت دافئ فى محاولة منها أن تكون ودودة مثله
- عارف يا (حسن) بعيدًا عن الخناقات اللي بتحصل بينا وكل حاجة بس فعلاً كل يوم بحس إني بحبك أكتر من اللي قبله بحس إني محظوظة إنك زوجي وإنك حتى مش بتجبرني على أي حاجة حتى علاقتي بعيلتك مش بتدخل فيها وعشان كده أنا نفسي أصلح علاقتي معاهم .. مش حب فيهم حب فيك إنت
رفع نظره إليها ببطء يتأمل وجهها بعمق، فقد كانت كلماتها عفوية وضربت وترًا خاصًا في قلبه اقترب منها بهدوء، ثم طبع قبلة دافئة على جبهتها، ثم همس بهدوء
- أنا عارف يا حبيبتي
ثم أضاف بابتسامة جانبية
- عموماً إنتي معزومة يوم الجمعة الجاية عند ماما
تراجعت للخلف قليلًا وهي تضحك، وقالت بمكر
- إنت بتعزمني من نفسك؟ مش تسأل أصحاب البيت الأول؟
رفع حاجبه وهو يبتسم بخفة، وقال بثقة
- أنا صاحب البيت أصلاً .. مين هيقولك لكلمتى لا
تعالت ضحكاتهما معًا ثم بدأا معًا في تجهيز السفرة وتناولت الطعام معا وهم يتشاركان الأحاديث ..
❈-❈-❈
انقضت عدة أيام ..
كانت تحاول أن تتأقلم مع العمل في العيادة، رغم الإرهاق الذي بدأ يشعر به جسدها أكثر فأكثر بسبب الحمل، لكنها لم تكن تشكو ولم تشتكِ، بل كانت تقاوم شعورها الدائم بالتعب، وتحاول أن تبدو قوية أمام الجميع، حتى أمام نفسها تعلم أن الحمل يستهلك طاقتها ببطء، لكنه لم يكن أصعب من ما مرت به ..
بعد أن غادر المرضى جميعًا، وأصبحت العيادة هادئة، رفع (حازم) عينيه نحوها، وسألها بصوت هادئ قبل أن تستعد هي لرحيلها
- (رؤى) .. (تميم) سألني إذا كنتِ دورتِ على أي حاجة تخص زواجك وعايز يعرف وصلتي لإيه؟
رفعت نظرها إليه، وكأنها تحاول استجماع أفكارها، ثم قالت بصوت يحمل الحزن
- آه كلمت كذا حد من الجيران اللي كنت عايشة معاهم ومستعدين يشهدوا إننا كنا متجوزين وكمان صاحب البيت اللي كنت ساكنة فيه قال لي إنه شاف عقد الجواز بعينه لما جوزي جاله علشان يشتري الشقة، مستعد يساعدني ويشهد بالكلام ده
ارتسمت ابتسامة خفيفة على وجه (حازم) وقال
- ده شيء عظيم جدًا
لكن (رؤى) لم تشاركه حماسه ذاك، بل أشاحت بوجهها بعيدًا، وهي تقول بصوت خافت
- مش عارفة مش متفائلة خالص كل الناس دي ممكن تبيعني عشان فلوس (ممتاز) .. من اللي أعرفه عن (ممتاز) هو مش هيستسلم بسهولة
نظر إليها (حازم) مطولًا، شعر بالشفقة عليها، لكنه كان يعلم أنها لا تحتاج شفقة بل دعمًا حقيقيًا تنهد، وقال بصوت ثابت ومطمئن
- اتفائلي يا (رؤى) إنتِ ما عملتيش حاجة غلط وأكيد هييجي يوم ويترد فيه حقك أهم حاجة ما تضعفيش ولا تتراجعي
ظلت تنظر إليه للحظة، قبل أن تهز رأسها بإيماءة صغيرة وتقول
- عن إذنك هروح بقى
عقد (حازم) ذراعيه، ونظر إليها ثم قال بنبرة لم تخلُ من الأندهاش
- لسه برضه مش عايزانى أوصلك؟ مش فاهم ليه رافضة تركبي معايا مادام إحنا رايحين لنفس البيت؟
ابتسمت ابتسامة خفيفة، لكنها حملت في طياتها الكثير من المعاني، ثم ردت بهدوء
- عشان ما ينفعش وكمان .. إنت عملت معايا حاجات كتير أوي وواقف جنبي في كل حاجة مش معقول هستغلك أكتر من كده .. أنا حقيقي كده مرتاحة.
لم يجد ما يقوله، كان يعلم أنها عنيدة، وأن محاولته إقناعها بلا جدوى، لذا اكتفى بالصمت للحظة قبل أن يقول
- تمام زي ما تحبي
ثم فجأة تذكر شيئا ما فأردف قائلاً
- بس صحيح ماما هتعمل عزومة يوم الجمعة لأخويا ومراته وقالتلي أقولك إنك إنتِ وأختك تيجوا تتغدوا معانا
نظرت إليه باستغراب واضح، كأنها لم تستوعب الأمر
- ليه؟ دي هتبقى عزومة عائلية ماليش دخل فيها
هز كتفيه بلا اكتراث، ورد بابتسامة جانبية
- أنا ماليش دخل أنا بس بوصل الرسالة ماما شكلها حبتك إنتِ وأختك جدًا وقالتلي أقولك وإلا هتلاقيها يوم الجمعة طالعة تجيبك من البيت بنفسها
ضحكت بخفة ثم قالت
- ربنا يعلم أنا حبيت طنط قد إيه وحسيت بحنانها اللي كنت محرومة منه من ساعة ما أمي اتوفت .. بس حقيقي مش هيبقى ليه لزوم إننا نيجي كفاية اللي بتعملوه عشاني وعشان أختي
نظر إليها للحظات، ثم اكتفى بالقول
- أنا قلت الرسالة وخلاص والباقي إنتِ حرة فيه بس ماما وقتها هتتصرف
أومأت برأسها بإشارة تفهُّم ثم قالت
- عن إذنك
راقبها وهي تغادر، وبعد دقائق بدأ يجمع أغراضه، وأطفأ أنوار العيادة قبل أن يغلق الباب خلفه. خرج إلى الشارع، استقل سيارته، لكنه لم يتحرك على الفور، عيناه كانت تراقبها من بعيد، حيث رآها تسير وحدها نحو محطة الحافلة انتظر حتى رأى الحافلة تتوقف، ورآها تصعد إليها بأمان، حينها فقط أدار محرك سيارته، وانطلق عائدًا إلى منزله، وهو لا يدري لماذا يشعر بالمسؤولية تجاهها.. ربما لأنها فتاة وحيدة كما أن قصتها لامست قلبه بشدة، فكل ما تعرضت له تلك الفتاة من أربع سنوات حتى الآن، لن يتحمله أي شخص أبدًا، ومع ذلك حاربت حتى والدها كي تنقذ شقيقتها، خوفًا من أن تنال نفس مصيرها ..
❈-❈-❈
وصل (حازم) إلى المنزل تناول العشاء الخاص به، ثم توجه نحو غرفته لينعم ببعض الراحة بعد يوم شاق من العمل جلس على الفراش الخاص به واتكأ عليه بظهره، وهو يمسك الهاتف الخاص به ليتفحص الأخبار فمنذ زواج (رانيا) وهو لم يدخل على الصفحة الشخصية لديه في موقع (الفيس بوك) فهو لم ينسَ قط، بل حاول النسيان فقط ربما سبب من الأسباب التي جعلته يهتم بـ(رؤى) الفترة الأخيرة هو أنه لا يريد تذكر أنها تزوجت منذ أسبوع كان يريد فقط إشغال قلبه وعقله عن ذلك الحدث الذي لو ركز في تفاصيله، لانْهار حصن قلبه تمامًا ..
قرر إبعاد تلك الأفكار السيئة عن رأسه ويشاهد بعض الفيديوهات الكوميدية عبر صفحته أو بعض الأخبار، كي لا يسير خلف أفكاره المُهلكة تلك ولكنه لم يكن يعلم أنه سيرى صورتها الخاصة هي وزوجها الجديد قبالته على الصفحة وأحد الأصدقاء المشتركين بينهم قد علّق على صورتها لتظهر على الصفحة الرئيسية لديه ..
تدفتح الصورة وتأملها لبعض الوقت، وتأمل زوجها الذي انتشلها منه شعر بوغزة في قلبه، ونزلت من عينيه دمعة حارقة وهو يراها تبني حياة جديدة مع رجل آخر لعن نفسه لأنها موصومة كالوشم في قلبه، بينما هي أزالته من قلبها ككلمات مكتوبة بقلم رصاص تُزال بممحاة رخيصة ..
حتى إنه لم يستمع لصوت الباب الذي طُرق عدة مرات، ففُتح الباب فجأة لتجد (تقى) شقيقها ممسكًا بهاتفه، متكئًا على فراشه، وتلك الدمعة على وجنته اقتربت منه وأمسكت كتفه وهي تسأله بحنان بالغ
- مالك يا (حازم)؟
رفع رأسه كأنما استفاق من غيبوبة ليدرك ما حوله فنظرت (تقى) للهاتف الذي في يده، فوجدت صورة (رانيا) مع شخص آخر خمّنت أن ذلك زوجها، فقد أخبرتها والدتها أنها ستتزوج، فشعرت بالشفقة على حال شقيقها، ثم قالت بهدوء وهي تجلس جواره على الفراش
- أنا عارفة إنه صعب عليك إنك تشوفها مع حد غيرك خصوصًا إنها لسه ليها في قلبك مكان بس ده حقها بعد ما انفصلتوا كده ولا إيه؟
ابتلع (حازم) ريقه وأجابها بهدوء
- طبعًا حقها وأنا مش بلومها خالص .. يمكن لو كنت مكانها كنت عملت كده وأكثر كمان .. بس صعبان عليا نفسي يا (تقى) إنها عرفت تعيش بعدي بسهولة وأنا مش قادر لا قادر أنساها وأتخطى ولا قادر أشوفها مع غيري وأبقى عادي حاسس كأن نار في قلبي ولعت وأنا شايفها معاه
أخذت (تقى) نفسًا عميقًا وهي تقارن شعور شقيقها ذاك بشعورها حينما رأت تلك السيدة تتقرب من (ممتاز) صحيح أنها لم تشعر مثله، ولكن تلك الغيرة والشعور بالغضب، والضيق، والتأفف لمجرد رؤيته مع غيرها قد زارها من قبل رغم أنها لم تربطها أي علاقة بذلك الرجل فما بالك بشقيقها، الذي كانت (رانيا) هي حبه الأول والأوحد وزوجته، وعاشا معًا لسنتين في سعادة كان يحسدهم الجميع على حبهم لبعضهم البعض فأمسكت يد شقيقها، ثم قالت بحنان بالغ
- عارفة .. عارفة إن الموضوع مش سهل خالص عليك بس حاول يا (حازم) على قد ما تقدر تبعد عن اللي بيوجع قلبك أنت ممكن تعملها بلوك عشان ما تظهرلكش أي حاجة تخصها على صفحتك وترتاح لحد ما قلبك يرجع يدق تاني لحد يستاهل قلبك الطيب ده
ابتسم بسخرية ممزوجة بمرارة ثم قال
- أنا راضي إني أعيش لوحدي .. مش عاوز حاجة بس لو عملتلها بلوك هبّان ضعيف قدام نفسي أوووي مش هقدر أعمل حاجة زي كده يا (تقى)
سحبت يدها من يده ثم قالت
- خلاص يبقى أي خبر أو صورة تخصها عليك إنك تتخطاها تمامًا.. تمامًا يا (حازم) ما تضعفش نفسك بنفسك وتبص على القديم .. وبعدين أنا واثقة إنك هتلاقي البنت اللي قلبك يحبها بجد وتعرف إن (رانيا) كانت محطة في حياتك وانتهت خلاص
ابتسم (حازم) لها، ثم قال بهدوء
- كبرتي يا (تقى) وبقيتي تهوني عليا كمان .. مش قادر أشوفك غير العيلة الصغيرة اللي كنت باخدها في إيدي أوديها المدرسة وأجيبها
فأمسكت (تقى) ياقة القميص الخاص بها ورفعته بزهو مصطنع وهي تقول
- لا ده أنا أعجبك خالص بس أنت بس مش واخد بالك ..
ضحك الاثنان، بينما ظلت صورة (رانيا) أمامه، لكنه قرر أخيرًا أن يضغط على زر العودة، تاركًا الماضي وراءه .. ولو قليلًا ..
❈-❈-❈
في صباح اليوم التالي ..
كان (حسن) يجلس في مكتبه يتصفح بعض الأوراق، لكن قاطع عمله رنين هاتف المكتب الخاص به المفاجئ، قطع أفكاره ..
التقط الهاتف، وعندما علم أن رئيسه هو من يحدثه، زفر ببطء قبل أن يجيب باحترام
- مساء الخير يا فندم
جاءه صوت رئيسه هادئًا لكن يحمل نبرة جادة
- تعالى مكتبي حالًا
لم يسأله عن السبب، لكنه شعر بانقباض خفيف في صدره، وضع الأوراق جانبًا، وقف مستقيمًا، ورتّب ملابسه بسرعة، قبل أن يغادر مكتبه ويتجه نحو مكتب رئيسه ..
عندما دخل المكتب، كان رئيسه جالسًا خلف مكتبه الفخم أشار له بالجلوس، فامتثل (حسن) له بهدوء، وكان ينتظر حديثه ليعرف لما طلب مقابلته ..
أخذ رئيسه نفسًا عميقًا، قبل أن يتحدث بصوت منخفض لكن قوى
- اسمع يا (حسن) القضية اللي بتشتغل عليها .. انساها
انعقد حاجبا (حسن) في لحظة، وكأن الكلمات لم تصل إلى عقله بعد، رد سريعًا دون تفكير
- أفندم؟
نظر إليه رئيسه ببرود، وكأنه يتوقع رد الفعل هذا
- قلتلك انسَ الموضوع ده تمامًا مفيش تحقيق مفيش أدلة ومفيش قضية من الأساس اللي حصل كان مجرد سوء فهم منك ومفيش داعي نكبّر الأمور أكتر من اللازم
شعر (حسن) بشيء يشبه الصفعة على وجهه، لكنه ظل ثابتًا رفع عينيه نحو رئيسه، يبحث في ملامحه عن أي إشارة توضح ما وراء هذا القرار، لكنه لم يجد شيئاً حاول أن يتمسك بهدوئه، فسأل بهدوء
- سيادتك عارف إني جمعت أدلة حقيقية وعارف إن الموضوع مش مجرد سوء فهم فيه فساد والناس دي لازم تتحاسب الأرواح مش لعبة
هز (صلاح) رأسه، نبرته أصبحت أكثر حزمًا، لكنها لم تكن قاسية
- الموضوع أكبر منك وأكبر مني يا (حسن) فيه أمور أنت مش مضطر تعرف تفاصيلها ولو كنت مكاني كنت هتاخد نفس القرار أحيانًا مش كل اللي عاوزينه بنعرف نعمله
بدأ (حسن) يشعر بأن الهواء من حوله أصبح باردا، وكأن كل ما عمل عليه طوال الفترة الماضية ينهار أمامه دون أن يستطيع فعل شيء حاول أن يتكلم أن يدافع عن موقفه، لكن قبل أن يجد الكلمات أكمل (صلاح) حديثه بنبرة أكثر هدوءًا
- وبالمناسبة تم اتخاذ قرار بفصلك مؤقتًا لحين استكمال التحقيق في الإجراءات اللي قمت بيها من نفسك دى ..
يتبع...