-->

رواية جديدة غصات الحب والقدر لعلا السعدني - الفصل 10 - الأربعاء 28/5/2025

 

  قراءة روايةغصات الحب والقدر كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية غصات الحب والقدر 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة علا السعدني


الفصل العاشر 

تم النشر الأربعاء 

28/5/2025


سقطت الجملة الأخيرة كحجرٍ ثقيل قلبه، ظل يحدق في رئيسه للحظات غير مصدق لما يسمعه لم يكن يخشى العواقب ولكن حقوق هولاء المرضى الذى ماتوا ومن فى طريقهم للموت هل هذا الأمر لا يعنى أحد الا يوجد فى قلبهم ذرة شفقة أن يكون المريض أحد أقاربهم فيحدث له ما حدث لغيره لكنه صمت علم أنه فى حرب والجميع أعدائه الآن ..

وبالرغم من أن عيناه كانت تحملان مزيجًا من الغضب والذهول، لكنه سيطر على انفعالاته تلك ثم تنفس بعمق وقال بصوتٍ هادئ لكنه يحمل كل الخيبة

- مفهوم يا فندم 

❈-❈-❈

في صباح اليوم التالي ..

كانت (جود) ترتب الصحون على الطاولة بينما كانت (رؤى) جالسة على أحد المقاعد وهي تشعر بالإنهاك بعد مرور أسبوعٍ كامل على عملها، تضع يديها على بطنها، عيناها مشوشة قليلاً بسبب الارهاق الذى تحمله بداخلها ..

تحدثت (جود) بصوتٍ مرح وهي تضع اطباق الفطور أمام (رؤى)

- عاوزة حاجة تانية؟

نظرت (رؤى) في طبقها، ثم رفعت رأسها ببطء وهي تقول

- لا كفاية كده بس .. كنت عاوزة أقولك على حاجة

جلست (جود) على المقعد المقابل للطاولة وهي تنصت باهتمام وتحثها على الحديث قائلة

- خير .. في إيه؟

أخذت (رؤى) نفسًا عميقًا ثم وجهت حديثها لشقيقتها

- موضوع العزومة بتاعة مامت الدكتور ده .. مش عارفة بصراحة هما عملوا معانا كتير وبيساعدونا في حاجات كتير بس .. مش شايفة ليها لازمة يعني هتبقى عزومة عائلية وأنا .. مش متأكدة إن لازم أروح

ظهرت على شفتَيْ (جود) بسمة هادئة وهي تجيبها

- أنا شايفة إنها مفيهاش حاجة غيري جو وروحي

تقلصت شفتا (رؤى) وهي تفكر قليلاً، ثم قالت

- بس هي هتبقى عزومة عائلية وأنا وأنتى مش جزء من العيلة دي أكيد هيبقى الموضوع محرج شوية

ربّتت (جود) على يد شقيقتها بحنان وهي تقول

- أنا كده كده مش هكون معاكي عندي درس وانتي هتبقي قاعدة لوحدك هتزهقي فإنتي تروحي أحسن بدل ما تقعدي لوحدك

صمتت (رؤى) للحظة ثم هزت رأسها في استسلام، وابتسمت ابتسامة بسيطة تفتقر للاقتناع، وهي تقول

- تمام .. ماشى هروح وزي ما يحصل يحصل بقى 

❈-❈-❈

في غرفة النوم الخاصة بـ(رغد)، كانت واقفة أمام المرآة ترتدي ملابسها وهى تحاول أن تجد الملابس المناسبة بوزنها الذى ازداد قليلا من شهور الحمل الأولى ، كانت تتأمل مظهرها وهي ترتدي حجابها فوق فستانها ..

بينما كانت تتحرك لتعديل طيات فستانها، دخل (حسن) إلى الغرفة ووقف خلفها مباشرة يتأملها لبضع لحظات على الرغم من الألم الذي كان يعصف به من قرار وقفه عن العمل، إلا أنه حاول أن يخبئ مشاعره ويظل قويًا أمام زوجته، ولا يخلط بين عمله وبيته كي لا تحدث مشاكل مجددًا بينهم 

- زي القمر .. ممكن بقى نروح ولا هنقضي اليوم كله قدام المرايا ومش هناكل؟

قالها بصوتٍ هادئ حاول أن يبدو مرحًا في حديثه كي لا يشعرها بهمومه الداخلية فضحكت (رغد) برقة، ثم أجابت

- إيه يا (حسن) مش المفروض يشوفوني بمنظر كويس؟

هز (حسن) رأسه بأسى وأجاب

- إحنا مش مسافرين ده الشقة اللي تحتينا ارحميني يا (رغد)

لم تستطع (رغد) أن تمسك ضحكتها هذه المرة، فانفجرت ضاحكة

- طيب حاضر يا سيدي

بينما كانت تعدل حجابها أمام المرآة، شعر (حسن) بتردد داخلي ولكنه عليه أن يتحدث كى لا يحدث بين اى منهم سوء فهم فهو يريد أن تكون العلاقة بين زوجته وعائلته مثالية لذا صمت لثوانٍ، ثم قرر أن يتحدث عما يزعجه

- بصي يا (رغد)

اقترب منها قليلاً ثم تابع حديثه

- حاولي كلامك يبقى لطيف مع ماما وأختي أنا عارف إنك مش بتقصدي تزعلي حد بس ساعات بتبقي صريحة زيادة عن اللزوم .. فاهمة قصدي؟

شعرت (رغد) بالضيق، ثم ردت عليه وهي تسأله

- تقصد إني قليلة الذوق؟

أغمض (حسن) عينيه قليلاً وكأنه لا يصدق أنها فهمت هذا من حديثه، ولكنه أضاف محاولًا تهدئتها

- لا طبعًا يا حبيبتي بس أنا بقولك خدي بالك من كلامك إحنا رايحين نصلح العلاقات مش نبوزها

أخذت (رغد) نفسًا عميقًا وتضايقت قليلاً من ملاحظته تلك لكن بعد لحظة صمت قالت بهدوء

- حاضر يا (حسن) متخافش أنا أصلًا اللي طلبت أروح أكيد مش هعكّ الدنيا

ابتسم (حسن) أخيرًا قائلاً

- طب يلا بينا بقى

فبادلته (رغد) بابتسامة هادئة ثم أجابته بلهجةٍ مرحة

- يلا

 ❈-❈-❈

في ذلك الوقت كانت (رؤى) تقف بجوار والدة (حازم) في المطبخ تشاهدها وهي ترتب بعض الأطباق شعرت برغبة في مساعدتها فتقدمت بخطوات هادئة قائلة بلطف

- تحبي أساعد حضرتك؟

لكن السيدة هزّت رأسها بابتسامة ودودة فقد كانت تخشى أن تحمّلها فوق طاقتها، وقالت بلطف

- لا مفيش داعي أنا خلصت كل حاجة أنا و(تقى) تقريبًا بس هي دخلت الحمام تاخد شاور

لم تلحّ (رؤى) في الأمر، واكتفت بمراقبتها بصمت قاطع تفكيرها صوت طرقات على الباب، التفتت كلتاهما نحو مصدر الصوت لتقول والدة (حازم)

- ياريت تفتحي الباب يا حبيبتي وبالمرة اطلعي فوق السطح اندهي لـ(حازم) دايمًا بينسى نفسه هناك

أومأت (رؤى) برأسها واتجهت نحو الباب فتحته بهدوء لتتفاجأ أمامها بامرأة لا تعرفها تقف بجوار رجل بدا مألوفًا لها خمّنت على الفور أن ذلك شقيق (حازم) للشبه الذى بينهم وتلك زوجته، بينما عينا (رغد) حملتا نظرة فضولية نحو تلك الفتاة ..

فشعرت (رؤى) بالإحراج كثيرًا أمام نظراتها الغريبة، فقالت في خجل

- عن إذنكم هروح أنادي الدكتور

ثم تحركت مبتعدة عن الباب بخطوات سريعة، فهي لا تعرف لماذا وافقت على تلك الدعوة من الأساس فهم عائلة، وهي شخص غريب بالنسبة لهم في تلك اللحظة، التفتت (رغد) إلى (حسن) وهى تنظر نحو (حسن) بنظرة فضولية حول هوية تلك الفتاة ..

أخذ (حسن) نفسًا هادئًا، وبدأ يروي بهدوء قصة (رؤى)، كيف أصبحت هنا، وكيف أن (حازم) كان السبب في مساعدتها بعد كل ما مرت به تلك الفتاة ..

لم تعلق (رغد) فهى لا تهتم بتلك الفتاة ولا يعنيها أمرها، ولكن ما أدهشها كيف لشقيق زوجها وحماتها أن يثقوا بتلك الغريبة ويجعلوها معهم في المنزل هكذا، وهم لا يعلمون عنها الكثير كما أن يبدو أن تلك الفتاة حياتها غير مستقرة وبها مشاكل كثيرة ..

عندما صعدت (رؤى) الدرج، كانت تتوقع سطحًا عاديًا مليئًا بالمواسير القديمة وصناديق مهملة مثل أي سطح آخر، لكنها وجدت نفسها في عالم مختلف تمامًا الزهور كانت تزين الجدران، وأحواض من النباتات بألوانها الزاهية كانت متناثرة في كل زاوية، تفوح منها رائحة طبيعية هادئة المساحة بأكملها كانت وكأنها حديقة سرية معلقة فوق العقار، لم يكن مجرد سطح منزل، بل قطعة من الجنة بتفاصيله المدهشة ..

في وسط تأملها بتفاصيل ذلك السطح، فوجئت بنباح حاد شق الأجواء الهادئة، جعل قلبها يسقط في قدميها التفتت بسرعة لتجد كلبًا ضخمًا، فروه بني غامق لامع، وعيناه مثبتتان عليها وجسده كان متحفز كأنه يحذرها من الاقتراب أكثر يشبه وحش بري ..

صرخت (رؤى) بقوة وتراجعت خطوتين، لكنها لم تستطع التراجع أكثر، وكأن قدميها تجمدتا من الرعب، بينما نباحه ازداد حدة، وذيله كان يتحرك بسرعة كان (حازم) فى ذلك الوقت غير منتخبها لم يحدث خلفه وعندما استمع لصوت صرختها التفت مسرعا واسرع إليها ثم أمسك الكلب من طوقه بإحكام وربت على رأسه بحنو وهو يقول

- بس يا (رعد) اهدى دي (رؤى) اللي حكتلك عنها

بدا وكأن الكلب فهم الكلمات أو ربما التقط ثقة صاحبه في الفتاة، لأن نباحه هدأ تدريجيًا، واسترخت عضلاته المشدودة ..

تسمّرت (رؤى) مكانها، تضع يدها على صدرها تحاول استعادة أنفاسها المقطوعة، وعينيها لا تزالان معلقتين بالوحش الذي أمامها بصوت مهزوز خرجت كلماتها

- إيه ده؟! إنت بجد مربي وحش زي ده؟!

ابتسم (حازم) وقال وهو يربت على رأس الكلب بحنان واضح

- مستحملكيش ده صديقي وأفضل صديق ليا

عقدت حاجبيها بصدمة وأخذت نفسًا عميقًا قبل أن تهمس

- بجد صعب أوي .. شكله يخوف

ابتسم (حازم) وقال بسخرية خفيفة

- أصحاب بقى

هزت رأسها وكأنها غير مقتنعة أبدًا بهذه الصداقة الغريبة بين إنسان ووحش بهذا الحجم، ثم تذكرت سبب مجيئها فقالت بسرعة

- أخوك ومراته جم تحت ومامتك عاوزاك تنزل عشان هيحطوا الغدا

ثم ترددت قليلًا قبل أن تضيف بصوت خافت

- بس اسمحلي يا دكتور أنا هرجع بيتي مش حابة أكون وسط ناس معرفهمش أنا طول عمري في حالي ومش بحب الاختلاط حتى لما كنت متجوزة كنت بفضل بالشهور في البيت محبوسة لحد ما جوزي ييجي كان مانعني من النزول والتعامل مع الناس لدرجة إني نسيت حتى بتعامل مع الناس إزاي .. فأرجوك مش قادرة أقعد ..

نظر إليها (حازم) لثوانٍ كأنه يحاول قراءة كل ما خلف كلماتها لم يُعلّق مباشرة صمت بعد الوقت قبل أن يقول بهدوء وثقة

- أنا مقدرش أجبرك على حاجة بس صدقيني انتي مكبّرة الموضوع

ثم أردف مازحًا

- إحنا مش بنعض يعني وبعدين أنا لسه عاوز آخد منك رقم صاحب البيت عشان أديه لـ(تميم) يتواصل معاه

أومأت برأسها موافقة، ثم نظرت حولها مرة أخرى، وكأنها تريد أن تحفظ هذا المكان في ذاكرتها قبل أن تغادر، ثم قالت بصوت ناعم

- السطح جميل جدًا .. ليك حق تنسى نفسك وانت قاعد هنا

ابتسم (حازم) بفخر وهو ينظر حوله، ثم قال

- أنا بحب المكان ده جدًا عشان أنا اللي عامل كل ركن فيه

رفعت حاجبيها بإعجاب وهي تتابع تفاصيل المكان من جديد، قبل أن تنتقل نظراتها إلى الكلب، وهي تقول بامتعاض

- ما عدا ده

ضحك (حازم)، لكنه لم يُعلّق، فقط هزّ رأسه بآسى ثم ربط الكلب في منزله المخصص، وبدأت خطواتهما في النزول نحو الطابق السفلي ..

بالأسفل بدأوا في تناول الغداء وبدأو يتحدثون احاديث بسيطة ومرحة حتى انتهوا من تناول الطعام، فطلب (حازم) من (رؤى)

- ابعتيلي رقم صاحب البيت عشان أبعته لـ(تميم)

أخرجت هاتفها لتكتب الرقم وترسله له عبر تطبيق الواتس آب، لكن صوت (رغد) قطع الصمت فجأة، وهي تقول موجهة حديثها نحو (رؤى)

- إنتي إزاي ما اهتميتيش إنك توثقي جوازك؟ دي حركة غبية منك أوي!

ارتبكت (رؤى)، وشعرت بالخجل يزحف إلى ملامحها، نظرت حولها محاولة تجنب أعين الجميع، بينما (رغد) أكملت حديثها بحدة واضحة

- يعني حتى عيلتك كلها مفيش حد فاهم ولا متعلم إن ده ممكن يضيع حقك؟!

ساد صمت ثقيل للحظات، قبل أن تتغير ملامح والدة (حازم) إلى الضيق، ونظر (حازم) إلى (رغد) بحدة واضحة، وشعرت (تقى) بالضجر منها، أما (حسن) فكان يراقب زوجته بوجه متجهم حتى قاطعها بصوت هادئ لكنه حازم

- (رغد) قومي اعمليلنا شاي أحسن

رفعت (رغد) كتفيها بلا مبالاة، ثم نهضت وتوجهت نحو المطبخ مع والدة (حسن)، وكأنها لم تقل شيئًا يثير كل هذا التوتر ..

استغلت (رؤى) الفرصة سريعًا، والتفتت إلى (حازم) قائلة بصوت منخفض

- أنا بعتلك الرقم يا دكتور معلش محتاجة أنام همشى دلوقتى

لم تنتظر ردًا، فقط نهضت سريعًا وابتعدت بخطوات متوترة فهى لا تريد خو١ اى حديث بخصوص ماضيها مع أحد

كانت (تقى) تراقب الموقف كله بصمت، نظرت إلى (حسن) وهزّت رأسها قائلة باستنكار

- مراتك دي مبتفهمش في الذوق خالص

لم يُعلّق (حسن)، فقط زفر بعمق وهو يمرر يده في شعره بتعب واضح بينما قرر (حازم) إنهاء الموضوع تمامًا، وقال ببرود

- خلاص يا (تقى) الموضوع انتهى

ثم نهض متجهًا إلى غرفته، حيث كان عليه أن يتصل بـ(تميم) بخصوص (رؤى) ..

❈-❈-❈

فى مساء اليوم التالى ..

كانت آخر مريضة بالداخل مع (حازم) فى غرفة الفحص، بينما كانت (رؤى) بالخارج تجلس على مكتبها، فأخذت الكتاب الخاص بها وبدأت تقرأ به حتى يأتى موعد انصرافها

غاصت بين سطور الكتاب، متوغلة في عوالمه كأنها جزء منه، حتى إنها لم تشعر بالوقت، ولا بأن المريضة الأخيرة قد انصرفت اندهش (حازم) لأن (رؤى) لم تدخل له الغرفة بعد أن انتهى من فحص المريضة الأخيرة، لكنه ظن أنها ربما شعرت ببعض الإرهاق وقد غادرت العيادة بالكامل، لذا بدأ يلملم أغراضه كي يذهب هو الآخر إلى المنزل ..

خرج من الغرفة فلاحظ وجودها على مكتبها، وأنها تقرأ كتابًا ما، ويبدو أنها لا تشعر بما حولها من الأساس ابتسم وهو يطالعها ثم اقترب منها وسألها بهدوء:

- كل ده ما روّحتيش؟! افتكرتك مشيتي؟!

انتبهت حواس (رؤى) بأن أحدهم يقوم بالحديث معها، فخفضت الكتاب عن وجهها ثم قالت

- يا خبر .. هو الكشف الأخير خلص؟ ما خدتش بالي خالص

ابتسم لها وأجابها بهدوء

- أيوة وافتكرتك روّحتي بس لاقيتك قاعدة بتقري .. واضح إن أحداث الرواية شداكي قوي

بادلته البسمة بهدوء، ثم أغلقت الكتاب وهي تهز رأسها إيجابًا وتقول

- دي الحاجة الوحيدة اللي كانت بتسلّيني في وحدتي

تقوّص حاجباه وهو لا يفهم ما تقوله، فتابعت هي الحديث

- لما كنت متجوزة يعنى ماكنش في حاجة بتسلّيني غير الكتب

ثم خفضت رأسها بألم، وكأنها قد استرجعت ذكريات لا تريد تذكّرها، وأردفت

- حتى إني أدخل الجامعة وأكمّل تعليمي حرمني منه

شعر بالشفقة عليها وعلى حالها، لكنه سألها

- إنتِ لما اتجوزتي كان عندك ١٦؟ دخلتي ثانوي ولا وقفتي تعليم من هنا؟

أخذت نفسًا عميقًا وتذكرت ما لم ترد تذكره يومًا، ثم قالت بهدوء

- كنت بروح المدرسة بعد ما اتجوزت لحد ما خدت الثانوية العامة كنت شاطرة جدًا جدًا بس لما جيت أدخل الجامعة وأقدّم فيها

نزلت دمعة حارقة على وجنتيها، ولاحت في مخيلتها النقاش الحاد الذي دار بينها وبين زوجها، لكنه انتهى بضربها في النهاية، وعدم موافقته على إكمال تعليمها

في تلك اللحظة، أخرج (حازم) محرمة من جيب بنطاله وقدمها لها كي تمسح دموعها، فأخذتها منه ومسحت دموعها وأكملت حديثها

- كان رافض أدخل الجامعة عشان ما أتعرفش على شباب من سني. كان شكاك و ..

تفهم (حازم) ما ترمي إليه تلك الفتاة، وذلك الجحيم الذي كانت تعيش فيه، وتعاطف مع ما مرت به، لذا قال لها وكأنه يريد إنهاء تلك الذكريات اللعينة التي تلوح بمخيلتها، وهو يقاطع حديثها قائلًا

- فاهم قصدك

ثم صمت لبعض الوقت، وأصابه الفضول ليسألها سؤالًا ما زال لا يعلم سر فضوله ذاك تردد كثيرًا قبل أن يسأل، ولكن بالنهاية سألها

- حبّيتيه يا (رؤى)؟!

عندما سمعت سؤال (حازم)، شعرت وكأن كلماتها تجمدت في حلقها، فسؤاله سؤالًا كهذا لم يكن متوقعًا أبدًا، لكنه في الوقت ذاته لامس جزءًا غائرًا من روحها

قبضت على المحرمة في يدها بقوة، وكأنها تحاول أن تمسك بتلك الذكريات المؤلمة حتى لا تفلت منها وتفضح مشاعرها

لم تستطع الإجابة فورًا، بل غاصت وسط ذكرياتها من جديد

تذكرت لحظات الوحدة والخذلان، كيف كانت تتمنى أن تجد منه كلمة طيبة أو نظرة تحمل بعض الحنان فلا يوجد فى حياتها اسوء من والدها وذلك الشخص، فهى لم تجد منه سوى الشك والتحكم والصوت العالي، الذي كان يختتم أي نقاش بينهما ..

ورجلًا استحالت العشرة بينهما بكل الطرق، حتى إنها حاولت أن تجد فيه حنان الأب الغائب عنها، ولكن لم تستطع تخيل ذلك مع ذلك الذئب الذي نهش براءتها، لم تستطع أن ترى فيه سوى أنه ذئب، كانت هي ضحيته المفضلة ..

نظرت إلى (حازم) بعينين تحملان ألف معنى، مزيج من الحزن والحنق والخذلان، ثم تنهدت ببطء وكأنها تحاول جمع شتات نفسها قبل أن تنطق بصوت خافت لكنه صادق

- عمري ما كرهت، ولا هكره حد قد ما كرهت البني آدم ده

كانت كلماتها بسيطة، لكنها حملت ثقل سنوات من الألم، فهى لم تكن يومًا زوجة بل ضحية أو فريسة هكذا ترى نفسها، ولم يكن قلبها يومًا ملكًا لذلك الرجل المتصابي ..

شعر بالشفقة عليها، وعلى الأيام التي سُلبت منها دون أن تجد يدًا تدواى عنها جراحها فظل صامتًا لبعض الوقت، لكنه حاول أن يغيّر مجرى الحديث حين شعر بحزنها وضعفها وتذكّرها لتلك السنوات العجاف التي مرت بها، لذا قال مبتسمًا

- طيب يا ستي انتي مش كبيرة أصلًا ده انتي يدوب عندك ٢٠ سنة .. يعني تقدري السنة الجاية تقدمي في الجامعة وتكمّلي تعليمك،وكمان وقتها تكوني ولدتي هتقدري تربي ابنك وتدرسي في نفس الوقت

صمتت للحظة وهي لا تتخيل ما يقوله (حازم) يحدث على أرض الواقع بالفعل لم تفكر يومًا بأن ربما تأتيها فرصة وتحقق ما لم تحققه السنوات الماضية، لذا ظهرت على شفتيها شبح ابتسامة، وهي تنظر في عينيه قائلة

- تفتكر ده ممكن يحصل في يوم؟!

هز كتفيه وهو يقول

- طبعًا في أي وقت تقدري تحققي حلمك .. بس يا ترى نفسك تدخلي كلية إيه؟!

صمتت برهة وهي تفكر، فلم تحلم حتى في خيالها أن تفكر في الأمر، لذا قالت بهدوء

- نفسي أكون محامية .. عشان أجيب حق كل بنت مرت بنفس ظروفي

ابتسم بلطف لها، ثم قال بجدية

- وأنا معاكي .. في كل خطوة

❈-❈-❈

فى صباح اليوم التالى ..

كان (ممتاز) جالسًا في مكتبه الفخم، يحاول التركيز على الأوراق المبعثرة أمامه، لكن عقله كان في مكان آخر تمامًا ..

كلما حاول أن يغرق في العمل، وجد صورة (تقى) تتسلل إلى مخيلته دون استئذان ..

لم يكن يفهم لماذا تشغل تفكيره بهذا الشكل، ولماذا، رغم محاولاته المستميتة في الأيام الماضية لتجنبها، يعود عقله ليحوم حولها؟ شيء ما فيها كان يربكه، يزعجه، وربما .. يجذبه؟

لكنه لم يكن من الرجال الذين يسمحون لمثل هذه الأفكار بالسيطرة عليهم زم شفتيه بضيق، وأمسك القلم في يده بقوة، كأنه يحاول انتزاعها من رأسه بالقوة، لكن الباب طُرق فجأة ليقطع شروده رفع رأسه فوجد أمامه المحامي الخاص به (عاصم) يقف بملامح جادة، يحمل بين يديه ملفًا وهو يقول

- في مشكلة دلوقتي يا (ممتاز)

ضاقت عينا (ممتاز) وهو يتراجع في مقعده، ينظر إلى المحامي ببرود مصطنع، رغم أن نبرته حملت نفاد صبر واضحًا

- مشكلة إيه؟

تنفس (عاصم) ببطء، ثم وضع الملف أمامه، وصوته خرج ثابتًا

- (رؤى) رفعت قضية إثبات زواج

عقد (ممتاز) حاجبيه في استنكار، ثم ضحك بسخرية خفيفة، ظنًا منه أنه لم يسمع جيدًا، وكرر وكأنه لا يفهم ما سمعه

- إثبات زواج؟!

بادله (عاصم) بنظرة جادة أكدت له أن الأمر ليس مزحة

- القضية مش بس إثبات زواج واضح إنها كمان عاوزة تثبت نسب الطفل

هذه المرة شعر وكأن أحدهم وجه إليه صفعة قوية على وجنته، فقد كانت الصدمة واضحة على وجهه وقف بحدة عن المقعد الخاص به، وقبضتا يداه ممسكة بقوة على سطح المكتب

- إنت بتقول إيه؟!

لم يتحرك (عاصم) من مكانه، لكنه قال بحزم

- اللي سمعته يا (ممتاز)

تحولت الصدمة التي بداخله إلى غضب عارم مشتعل فضرب (ممتاز) سطح المكتب بقبضته بعنف، وعيناه اشتعلتا شررًا

- هي بتحط راسها براسي؟!

ظل (عاصم) صامتًا، يعلم جيدًا أن أي كلمة خاطئة قد تشعل غضب (ممتاز) أكثر ..

أخذ (ممتاز) نفسًا عميقًا، ثم زفره بقوة، قبل أن يمرر يده على وجهه، يحاول استيعاب الأمر ..

يتبع...


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة علا السعدني، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة