-->

رواية جديدة غصات الحب والقدر لعلا السعدني - الفصل 7 - الإثنين 19/5/2025

 

  قراءة روايةغصات الحب والقدر كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية غصات الحب والقدر 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة علا السعدني


الفصل السابع 

تم النشر الإثنين 

19/5/2025



داخل شرم الشيخ ..

 وصلت (تقى) في وقتٍ مبكر من اليوم من أجل اجتماع في عملها، ورغم الأرهاق الذى تشعر به وجدت نفسها غارقة في اجتماعات العمل التي لم تترك لها وقتاً حتى لتتنفس ..

لكن عندما أُعلن أن الاجتماع سيكون في قاعة الفندق تلك الليلة، قررت (تقى) أن تتأنق لبعض الشئ فتلك فرصة لها لن تعوض فهى ليست كثيرة التنزه وبالرغم أنها أتت هنا للعمل لكن لا مانع من أن ترفه نفسها لذا ارتدت فستاناً طويلاً بلونٍ بيچ فاتح وفوقه حجاب حريري متناسق، أضافت لمسات من المكياج الناعم الذي أبرز ملامحها الهادئة، وقد كانت جميلة للغاية ..

دخلت القاعة بهدوء ثم جلست على طاولة العمل حاولت أن تركز على العمل والنقاش، وبعد انتهاء الاجتماع الطويل شعرت بحاجة ماسة إلى تناول العشاء، قررت أن تتجه إلى المطعم المفتوح في الفندق، حيث الأضواء الخافتة والطاولات الموزّعة على شرفات تطل على البحر ..

بينما كانت تتنقل بين الطاولات باحثة عن مكان هادئ، وجدت شخصاً ما قد لاحظ دخولها، (ممتاز) الذي كان جالساً مع (محسن) على طاولة قريبة، وجد نفسه يتابع وحركتها دون إرادته كانت تلك الفتاة التي رآها من قبل بملابس رسمية داخل الشركة الخاصة بصديقه، تظهر الآن بشكل مختلف تماماً، في تلك اللحظة بدا له أنه يراها كأنثى جميلة على غير عادته ..

هزّ رأسه سريعاً وكأنه يحاول طرد تلك الأفكار من عقله، لكنه شعر بشيء من الغيظ يشتعل في داخله كلما تذكر عنجهية تلك الفتاة وتكبرها، وكأنها تملك العالم ومن فيه لم يكن يعرف لماذا انتبه لها، أو لماذا استمر بمتابعتها بعينيه وهي تتحرك ..

كانت (تقى) منشغلة وهي تلقي نظرة سريعة على القائمة، شعرت بشيء غريب كأن أحدهم يراقبها، فثد.كانت عينيه تحدقها من بعيد رفعت رأسها بتلقائية، وإذا بعينيها تتلاقى بعينيه مباشرة ..

كانت الصدمة واضحة عليها للحظة، بأنها ترى ذلك المتكبر مرة ثانية، حتى في محافظةٍ أخرى غير المحافظة التي قابلته فيها للمرة الأولى فزفرت بغضب لوجوده غير المرغوب فيه هزت رأسها بحركة صغيرة وكأنها تتساءل في داخلها ما تلك الصدفة العجيبة التي جمعتها به للمرة الثانية؟

أما (ممتاز) فرأى تلك الموجهة نحوه، عينيها المتضايقتين كانتا كافيتين لإشعال غضبه الداخلي، عضّ على شفتيه في غيظٍ مكبوت، وقد ارتسمت على وجهه نظرة لا تخلو من الكبرياء الممزوج بالغضب، بأن تلك الفتاة هي التي تضايقت من وجوده وليس العكس ..

لكن رغم غضبه لم يستطع أن يمنع نفسه من مراقبتها أكثر، ربما لأنها لا تحترمه كأغلب الجميع الذى يتعاملون معه بالتأكيد ذلك الشئ هو الذى يتثير فضوله نحوها، بينما تجلس هي على طاولتها، تحاول بوضوح أن تتجاهل وجوده تماماً، وكأنه ليس موجوداً ..

❈-❈-❈

داخل غرفته جلس على طرف الفراش يحدّق في اللاشيء أمامه، وكان عقله يفكر باستمرار أفكاره تدور حول (رؤى) والمأساة التي وجدها غارقة فيها، وأن شخصًا مثل (ممتاز) لن يتركها، وبالتأكيد سيحاول أذيتها مرة ثانية كانت الكلمات تتردد صداها في رأسه، ربما عقله الذى جعله يفكر بها بتلك الطريقة لأنها وحيدة ليست لديها أحد فهو يشعر بالمسئولية تجاهها ..

كانت والدته قد انتهت لتوها من ترتيب المنزل، لكنها شعرت بغياب ابنها الذي عادةً ما يشاركها الحديث بعد العشاء، فاتجهت نحو غرفته وهى تشعر بالقلق، طرقت الباب بخفة لكنها لم تسمع ردًا منه بحذر فتحت الباب لتجده جالسًا في الظلام، غارقًا في أفكاره، فظنت لوهلة أنه ما زال يشعر بالحزن لأن (رانيا) ستتزوج، فسألته بقلقٍ واضح

- للدرجة دي مش حاسس بوجودي يا (حازم)؟!

قالتها بنبرة دافئة لكنها تحمل قلقًا واضحًا حينها استفاق (حازم) من شروده، ثم نظر إليها معتذرًا

- معلش يا ماما سرحت شوية بس

اقتربت منه وجلست بجانبه على الفراش، وضعت يدها على كتفه بحنان وقالت

- لسه زعلان بسبب جوازة (رانيا) مش كده؟

شعر (حازم) وكأن سهمًا اخترق قلبه عند ذكر الاسم، لكنه هز رأسه نافيًا وقال كاذبًا

- لا الموضوع ده خلاص انتهى يا ماما .. فيه حاجة تانية شاغلاني

رفعت حاجبيها باهتمام

- فيه إيه يا حبيبي؟

زفر (حازم) تنهيدة طويلة ثم أخبرها

- الموضوع متعلق ببنت .. اسمها (رؤى)

بدأ في سرد القصة كاملة كيف تعرف عليها، وكيف كانت تحاول التخلص من ابنها، وكيف تدخل (ممتاز) لمحاولة إيذائها وانتهى بها الأمر الآن في المستشفى كانت والدته تستمع إليه بتركيز شديد، تغيرت ملامحها بين الصدمة والشفقة، وعندما أنهى حديثه قالت بتأثر

- دي مسكينة يا (حازم) واضح إنها عانت كتير وابن جوزها ده أكيد مش هيسيبها في حالها

هز (حازم) رأسه بتوتر

- بالظبط المشكلة دلوقتي إني مش عارف أعمل إيه عشان أخليها في أمان .. (ممتاز) مش هيرتاح غير لما يخلص عليها هي وابنها

فكرت والدته لوهلة قبل أن تبتسم بحنو

- طيب ليه ما تخليها تقعد في الشقة الفاضية عندنا؟ كده نبعدها عنها ابن جوزها وتكون في أمان ونقدر نساعدها

نظر إليها (حازم) بدهشة، وكأن الفكرة لم تخطر على باله من قبل

- فكرة حلوة يا ماما .. بس إنتِ مش هتضايقي من وجودها؟

أجابته بثقة وهدوء:ط

- ليه أضايق؟ دي بنت غلبانة ومحتاجة مساعدة .. إحنا نعمل اللي علينا والباقي على ربنا .. وربنا هينصفها وتثبت نسب ابنها

ابتسم (حازم) بخفة لأول مرة منذ بداية الحديث وقال

- ربنا يخليكي ليا يا ماما بجد فكرتك هتريحني

ربّتت والدته على كتفه بحنان

- أنا دايمًا معاك يا حبيبي مادام بتعمل خير .. ودايمًا فكّر إن الخير اللي بتعمله بيرجعلك أضعاف

شعر حينها (حازم) بالراحة، وأنه سيستطيع مساعدة تلك الفتاة المسكينة التي زجها القدر في طريقه ..

❈-❈-❈

  عاد (حسن) إلى المنزل متأخرًا بعد يوم عمل طويل، فقد كان يشعر بتعبٍ كثيرٍ في الفترة الماضية بسبب ضغوطات العمل كانت الشقة هادئة بشكل متوقع بسبب الأيام الأخيرة التي عاشها في توتر مع (رغد) بعد شجارهما سويًا ..

 توجه مباشرة إلى غرفة النوم، فتح الباب بهدوء ليجدها مستلقية على الفراش متظاهرة بالنوم، رغم أنه يعلم تمامًا أنها مستيقظة خلع سترته وربطة عنقه واستبدل ملابسه في صمت، لكنه لم يستطع تجاهل الانزعاج الذي يسكن قلبه منذ أيام جلس على طرف الفراش بجانبها ثم نظر إليها بهدوء بعدها قال بنبرة حانية

- وبعدين معاكي بقى يا (رغد)؟! هو كده بقالك كذا يوم زعلانة مني؟ أنا بجد مقدرش على زعلك

ظلّت (رغد) في مكانها تستمع إليه دون أن تحرك ساكنًا، شعر (حسن) بالإحباط، لكنه أكمل بنبرة مليئة بالعتاب الرقيق

- يعني مش مستحملاني عشان شغلي؟ طيب قوليلي أعمل إيه يرضيكي؟

عندها اعتدلت (رغد) في جلستها، تنظر إليه بملامح تحمل خليطًا من العتاب والحزن وقالت

- أنا مش زعلانة منك عشان شغلك يا (حسن) .. أنا زعلانة عشان حتى لما عاتبتك ضايقتني بكلامك .. حسستني إني بعمل كده عشان هرمونات الحمل وإنك مظلوم وأنا اللي ظالمة ومجنونة

نظر إليها (حسن) وشعر بغصة في قلبه كأنه يرى ألمها للمرة الأولى، وضع يده على يدها وقال برقة

- خلاص حقك عليا .. أنا فعلاً يومها لغبطت في الكلام كنت متضايق ومش واخد بالي

أطرقت (رغد) رأسها قليلًا، ثم قالت بنبرة هادئة 

- ماشي يا سيدي .. هقوم أحضرلك العشا بس عارف؟ لو عملتها مرة تانية مش هسامحك أبدًا

ابتسم (حسن) بخفة وقال مداعبًا

- خلاص عرفت غلطتي يا ستي وبكرة هوديكي المكان اللي تطلبيه عندك طلبات تانية؟

هزت رأسها بلا، وهي تحاول كتم ابتسامة بدأت تتسلل إلى وجهها، ثم نهضت قبل أن تتحرك أوقفها (حسن)

- خليكي إنتي زي ما إنتي، أنا اللي هحضر العشا لينا النهارده

شعرت حينها (رغد) بسعادة بالغة، ولاحظت تغير (حسن) معها في المعاملة، في حين دخل (حسن) إلى المطبخ وبدأ في تجهيز الطعام بطريقة عشوائية غير منظمة لم تمضِ دقائق حتى عاد حاملاً الطعام إلى السفرة، كانت (رغد) جالسة تنظر إليه بإعجاب وقالت بمزاح

- شكلك أجدع من أجدع شيف

ابتسم (حسن) وجلس بجانبها وبدآ في تناول العشاء وعندما انتهيا قالت له وهي تقف

- أنا هروح أعمل الشاي

- وأنا هساعدك في نقل الأطباق

دخلت (رغد) المطبخ وهي تحمل بعض الأطباق وهو خلفها يحمل البقية، لكنها توقفت فجأة مصدومة من المنظر كان المطبخ فى فوضى عارمة، الأواني متناثرة في كل مكان، وكل شيء مقلوب رأسًا على عقب التفتت إليه بغيظ وقالت

- (حسن) .. إيه اللي عملته ده؟!

ضحك (حسن) بصوت عالٍ، وأجابها ببراءة لا تليق به 

- كنت بساعدك!

- متساعدنيش تاني! حرام عليك المطبخ بقى مقلوب فوق بعضه

استمرت في توبيخه وهي تلكزه في كتفه، بينما هو يضحك على جنانها، فهو يعلم جيدًا انه لن يمر يوماً .. بل ساعة واحدة عليهم دون شجار ..

❈-❈-❈

في صباح اليوم التالي ..

اتجه (حازم) نحو غرفة (رؤى) بعد أن قام بفحص المرضى الخاصة به طرق باب الغرفة، ثم دلف نحو الداخل ليجد كلًا من (رؤى) و(جود) على أتم استعداد للخروج من المستشفى شعر بتوتر كبير، وهو يريد أن يفتح معها ذلك الموضوع بأن تسكن في شقة في المنزل الخاص به هو وعائلته، ولا يعرف بماذا عليه أن يبدأ الحديث شعرت (رؤى) بتوتر (حازم) وأنه يريد أن يتحدث في شيء، ولكن يبدو عليه التوتر فسألته

- في حاجة يا دكتور؟!

ازدرد ريقه ببطء، ثم قال متلعثمًا

- أ.. إنتي هتروحي فين؟!

هزت كتفيها بلا مبالاة، وكأن الإجابة بديهية

- هرجع البيت هعمل إيه؟!

لم يرتح لتلك الإجابة، لذا أخبرها

- مينفعش ترجعي البيت ده تاني .. زي ما حاول يأذيكي قبل كده هيحاول يأذيكي تاني

- مقدميش حل تاني .. هعمل إيه؟!

صمت لبرهة، ثم قال

- بصي العمارة بتاعتنا تعتبر بيت عيلة وأنا خدت رأي أمي وقالتلي في شقة فاضية ممكن تيجي تقعدي فيها في العمارة عندنا وبكده إحنا ممكن نساعدك لو أي حد جه جنبك

شعرت (رؤى) وكأن الكلمات توقفت في حلقها للحظة، لم تتوقع عرضًا منه بهذا الشكل، ورغم أنها كانت تدرك أنه يعرض عليها ذلك بدافع المساعدة، إلا أن الحرج تملّكها تمامًا رفعت عينيها إليه بخجل واضح قبل أن تخفضهما سريعًا، وهي تقول بتلعثم

- لا يا دكتور .. مش هينفع أكون تقيلة عليكوا كده .. أنا .. أنا هتصرف

ابتسم (حازم) محاولًا طمأنتها

- مفيش حاجة صدقيني إحنا عيلة وكلنا قاعدين مع بعض .. وبعدين الشقة فاضية أصلًا ومش هتأثر على حد

شعرت (رؤى) أن الكلام زاد ارتباكها، وحاولت التهرب من النظر إليه وهي تتمتم

- أنا مقدرش .. والله وجودي في مكان قريب منكم ممكن يسببلكم مشاكل .. ومش عايزة أكون عبء على حد

لاحظ (حازم) التوتر في صوتها، وحاول تهدئتها بلطف

- (رؤى) أنا مش بعرض عليكي ده عشان أي حاجة غير إننا عاوزين نساعدك وأنا متأكد إن ماما هتبقى سعيدة إنها تشوفك في أمان

ابتسمت ابتسامة صغيرة، لكنها كانت مشوبة بالقلق وقالت بصوت منخفض

- طيب .. ممكن أفكر شوية؟ مش عايزة آخد قرار وأنا مش مركزة

هز (حازم) رأسه باطمئنان ثم قال

- خدي وقتك .. أنا بس حبيت أقولك إن الشقة موجودة ومتاحة لو احتاجتيها

أومأت (رؤى) برأسها، وهي تهمس بخجل

- شكرًا يا دكتور .. على كل حاجة

- عمومًا هبقى أكلمك إن شاء الله وإنتي ممكن تروحي تلمي حاجتك إنتي وأختك

أنهى جملته ثم اتجه نحو الباب خارجًا من الغرفة، جعلها تشعر بارتباك شديد إثر عرضه ذاك بينما كانت (جود)، التي كانت ملتزمة الصمت قالت لشقيقتها 

- أنا شايفة إن العرض بتاعه كويس وهتكوني في أمان أكتر من إننا نكون لوحدنا .. لأن بسهولة (ممتاز) يقدر يتعرض لنا

نظرت لها (رؤى) في حيرة، ثم هزت رأسها بتفهم ثم قالت

- هو معاكي حق .. بس الدكتور ذنبه إيه يشيل مسئوليتنا؟ الموضوع محرج جدًا يا (جود)

- معاكي طبعًا حق .. بس ممكن ندفعله فلوس تمن تأجير الشقة أكيد مش هنقعد بدون مقابل وشقته زيها زى اى شقة بارة

فكرت (رؤى) قليلًا في حديث شقيقتها، وكانت تشعر ببعض من الحيرة والتوتر، فالأمر ليس بتلك السهولة وعليها التفكير مليًا ..

❈-❈-❈

قاد (حسن) سيارته نحو المختبر محمّلًا بحقيبة ثقيلة تفيض بالعينات العشوائية التي حصل عليها من شركة الأدوية كان عليه يقوم بتحليل أكثر من عينة بتلك الأدوية حتى لا تكون بسبب إهمال بعض المسافة او بسبب سوء تخزين حتى عندما يقدم أدلته لرؤسائه يكن واثقاً مما يملكه من أدلة ضد تلك الشركة ..

كان المختبر هادئًا في تلك الساعة المبكرة من الصباح دفع الباب الزجاجي بيد ثابتة ثم اتجه نحو الاستقبال بخطوات واثقة، لكن داخله كان يعج بالتساؤلات ماذا لو كانت شكوكه صحيحة؟ ماذا لو كانت تلك الأدوية تحمل الموت بدلًا من الشفاء؟

اقترب من موظف المختبر الذي ألقى عليه نظرة فضولية وضع الحقيبة بعناية على المنضدة، وكأن كل ما يهمه نتيجة تلك العينات ليفصل فيها ..

بينما كان ينتظر استلام الموظف للحقيبة، سمح لنفسه بلحظة ليتأمل المكان؛ الأجهزة اللامعة، الأنابيب الزجاجية المرتبة بدقة، روائح المواد الكيميائية التي تعبق في الهواء حتى أخبره الموظف متى ستكون نتيجة تلك التحاليل ..

غادر المختبر في صمت كل ما يمكنه فعله هو انتظار نتيجة تلك الأدوية التي قد تغيّر كل شيء، فهو لن يصمت بعد أن يتأكد من تلك النتيجة للمرة الثانية، ولا بد له من اتخاذ خطوة مصيرية بعد ذلك ..

❈-❈-❈

في المساء ..

بعد أن أنهت (تقى) اجتماعها المتأخر، شعرت بالإرهاق وهي تتوجه إلى ممرات الفندق الفاخرة التى كانت هادئة،ضغطت على زر المصعد منتظرة إياه ..

في الجهة المقابلة، كان (ممتاز) ينهي مكالمة هاتفية غاضبة أثناء سيره نحو المصعد كان الغضب يشتعل في عينيه بعدما تأكد من أن (رؤى) عادت إلى المنزل، وأن الجنين ما زال بخير ولم يحدث إجهاض أغلق الهاتف بعصبية وتنفس بعمق في محاولة للسيطرة على أعصابه، وعندما فتح باب المصعد، وجد تلك الفتاة واقفة داخله وذلك ما ينقصه حقا وجود تلك الفتاة هى الآخرة فى طريقه ..

 دخل المصعد ووقف بعيدًا يضغط على الزر للوصول إلى طابقه لاحظت (تقى) التوتر الظاهر على ملامحه، لكنها اختارت تجاهله، فهو كالعادة غاضب ولن يتغير سلوكه وشخصيته أبدًا ..

بدأ المصعد بالصعود لكن فجأة توقف، تراجعت (تقى) خطوة للخلف دون وعي ووضعت يدها على صدرها لم تكن لديها فوبيا من الأماكن المغلقة، لكنها قرأت مؤخرًا عن حوادث للمصعد مشابهة أثّرت فيها بشدة شعرت بقلبها ينبض سريعًا ولم تستطع إخفاء قلقها ..

لاحظ (ممتاز) تغير تعبير وجهها، وكيف بدأت أنفاسها تصبح غير منتظمة للحظة نسي غضبه وسألها بصوت هادئ

- ما تخافيس الموضوع بسيط وأكيد هيحلّوه بسرعة

لكن كلماته لم تصل إلى عقلها المشتّت ضغط على زر الطوارئ وتحدث مع خدمة الفندق لإبلاغهم بالعطل ثم التفت إليها مجددًا عندما رأى يديها ترتجفان

- انتي عندك فوبيا ولا إيه؟! الموضوع بسيط وهيحلّوه حالًا متقلقيش

رغم كلماته لم تستطع السيطرة على خوفها شعر أنها لا تسمعه ولا تشعر حتى بوجوده من كثرة خوفها دون تردد، مدّ يده وأمسك بيدها حتى يشعرها أنها ليست وحدها رغم ارتباكها حدّقت فيه بعينين متسعتين وكأنها تحاول استيعاب تصرفه المفاجئ، ثم قال بلطف غير معهود

- إمسكي فيّا لو ده هيريّحك الموضوع مش مستاهل خوفك ده

لم تستطع الرد عليه، شعرت بأنها في حالة أشبه بالانفصال عن الواقع لحظات مرة مرت قبل أن يعود المصعد للحركة مجددًا أطلق كلاهما أنفاسًا متزامنة عندما توقف المصعد أمام الطابق المطلوب خرج (ممتاز) أولًا ثم استدار نحوها قائلًا بجدية

- أوضتك فين؟

أشارت بصمت إلى الممر، سار بجانبها حتى وصلت إلى الباب، وقبل أن تُغلق الباب التفت نحوها قائلًا

- حاولي تهدي وأنا هطلب يجيبوا لك حاجة تشربيها تهدي أعصابك

لم ينتظر ردًا منها غادر دون أن ينظر خلفه وقفت أمام الباب للحظات تحاول فهم ما حدث للتو، ولكنها جلست على أقرب مقعد، فلا تصدق حقًا أنها قد نجت من ذلك المصعد فهى ترتعب من كثرة القراءة عن تلك الحوادث عبر مواقع التواصل الأجتماعى ..

بعد دقائق استمعت لصوت أحدهم يطرق باب غرفتها فاتجهت لتفتح الباب وجدت أمامها النادل معه عصير ليمون طازج قدّمه لها نظرت إلى الكوب بدهشة، ثم استوعبت أن (ممتاز) هو من أرسل ذلك العصير جلست على الفراش ممسكة بالكوب وهي تفكر في شخصيته الغريبة تلك وشعرت بأنه ليس سيئًا كما ظنّت ..

❈-❈-❈

في المساء ..

كان (حازم) قد تحدث مع (رؤى) عبر الهاتف لكي يعرف قرارها النهائي، فوافقت على الانتقال للعيش في تلك الشقة، وأخبرها أنه سيأتي ليأخذها من منزلها، فأعطته عنوان المنزل الذي تقيم فيه وفي غضون نصف ساعة كان قد وصل إلى منزلها فأخذت هي حقيبتها وحقيبة شقيقتها لتهبط إلى الأسفل، فقد أخبرها (حازم) أنه يقف بسيارته أمام العقار ولكنها وهي تخرج من باب شقتها، تفاجأت بوجود (سامر) أمامها مباشرة وكان على وشك أن يدق باب المنزل فأضيقت عينيها بعدم فهم وهي تراه يقف بكل برود أمامها كتمثال رخامي جامد الملامح لا تُقرأ على وجهه أي انفعالات ولا تعرف سر تلك الزيارة، لتقول له بصوت غاضب

- ويا ترى جاي انت كمان تخلص عليا؟!

شعر (سامر) حينها بالعجز في الرد عليها، فقد علم بما فعله بها شقيقه ولن ينكر لم يعجب بتصرفات شقيقه رغم نواياه الدنيئة تجاهها، ولكنه خرج عن صمته ذاك وهو يقول

- أنا لسه عارف باللي عمله (ممتاز) وعلى فكرة هو ماخدش رأيي حتى في أي حاجة من اللي نفّذها حتى أنا عرفت عنوانك بطريقتي .. صدقيني أنا جاي أساعدك لو محتاجة أي حاجة وأعرف منك انتي ناوية على إيه ومستعد أساعدك

اندهشت من حديثه ذاك، فلم تكن تتوقع منه أنه يريد مساعدتها في تلك المشكلة التي بها، ولكنها بحاجة لشخص يدعمها في ذلك التوقيت لذا قالت

- مستعد تعترف انت بالطفل؟!

بدا وكأن كلمتها الأخيرة أصابته بصاعقة ازدرد ريقه بصعوبة، وابتلع تردده في صمت قبل أن ينطق أخيرًا

- أنا مقدرش أعمل خطوة زي دي لوحدي من غير (ممتاز)

ابتسمت بسخرية مشوبة بالمرارة، فهي كانت تتوقع منه ذلك الرد، فأشاحت بوجهها بعيدًا ثم قالت

- اتفضل امشي يا (سامر) كلامك ملوش لازمة ولا محتاجة مساعدة منك ولا من غيرك

فحك (سامر) ذقنه بيده قليلًا، وقال مفكرًا وهو يتفحصها من رأسها لأخمص قدميها

- أنا ممكن أحاول معاه واتكلم تاني بس انتي ليني دماغك

في تلك الأثناء، كان (حازم) ينظر في ساعة يده فوجدها قد تأخرت، فقرر أن يصعد ليرى ما السبب في تأخيرها ذاك حينها،

 وجدها تقف على درج العمارة وذلك الشاب يتفحصها بنظرات يعرفها جيدًا، ويعرف مدى وقاحة تلك النظرات ..

يتبع...


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة علا السعدني، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة