-->

رواية جديدة رواية خيانة لأمل مصطفى - الفصل 16 - الجمعة 23/5/2025

 

  قراءة رواية خيانة كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر




رواية خيانة

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أمل مصطفى


الفصل السادس عشر

تم النشر الجمعة 

23/5/2025



ضغط على فكّها بقسوة حتى امتلأت عيناها بالدموع من شدة الألم.


اندفع زملاؤها، محمود وحامد، بسرعة هاجما يده ينقذوها منه، فاضطر أن يتركها. 


تحركت ريم مسرعة خارج الكلية، لا تدري إلى أين تذهب، ولا ماذا تفعل. لو كان لها من يحميها، ما كانت تعرضت لتلك الإهانة المؤلمة.


ظلت تبكي بلا توقف حتى وصلت أمام منزلها. لم تستوعب كيف وصلت، فقد نسيت سيارتها متوقفة أمام الكلية.


نادتها حليمة:


"ريم! يا ريم!"

لكنها لم ترد. دخلت غرفتها وأغلقت الباب من الداخل، ثم جلست على الأرض جوار فراشها، تسترجع ما حدث، ليزداد بكاؤها حرقة.



لم يكن هناك أحد يدافع عنها. لم يكن هناك من يقف في وجه ذلك الشخص الكريه. وفجأة، طافت أمام عينيها صورة عمرو...


ارتعش جسدها حزنًا؛ ظنت أنها وجدت أخيرًا من تستند عليه وقت ضعفها، من يصد عنها الأذى، لكنها خُدعت. كان مجرد وجع جديد يُضاف إلى أوجاعها السابقة.


مرّت ثلاثة أيام على حالتها تلك وحيدة، ضعيفة، تشعر بمرارة الإهانة، وعجز لا يُطاق. كانت صائمة، لا عن الطعام فقط، بل عن الناس أيضًا.


ومع أذان المغرب، تأخذ فقط لقيمات صغيرة تسد بها رمقها.


مسحت دموعها بقوة، وكأنها تمسح معها ضعفها.


.

قررت أن تواجه مصيرها بشجاعة، أن تترك خلفها كل ذرة ضعف، أن تقف.


لن تسمح لأحد بعد اليوم أن يستقوي عليها.

وأول خطوة نحو ذلك... أن تعود إلى الكلية.


لن تهتم بنظراتهم، ولن تهاب أحدًا.


وإن تجرأ أحدهم وتعرض لها من جديد، لن تقف مكتوفة الأيدي.


سوف تأخذ حقها، وتدافع عن نفسها.


ستمسح دمعتها بيدها، لأنها لم تعد تنتظر من أحد أن يزيلها عنها.


ارتدت ملابسها بهدوء وثقة، وخرجت من غرفتها للمرة الأولى منذ ثلاثة أيام.


هبطت السلم حتى وصلت منتصفه...


وهناك، وجدته... يصعد السلم جوارها.


لم تُلقِ التحية، وهو الآخر لم يتحدث.


بعد أن صعد درجات السلم عاد للخلف مرة أخري أوقفها سؤاله الحازم:


— "إيه اللي في و شّك ده؟"


لم ترغب في الحديث معه، جرحه ما زال حيًّا داخلها. كسرها أمام الجميع، والآن يسأل و كأن شيئًا لم يكن. أجابت ببرود وهي تزيح عينيها عنه:


— "مافيش."


اقترب منها أكثر، عينه تتفحص وجهها بقلق خفي:


— "دي صوابع معلمة على و شّك... مين اللي عمل كده؟"


دفعت يده بعيدًا عنها بعنف، وقالت باقتضاب وهي تستعد لمتابعة طريقها:


— "وده يهمك في إيه؟ بعد إذنك."


لكنه جذب يدها فجأة بقوة، جعلها تستدير لتواجهه، ثم أزاح حجابها بيده دون استئذان، لتظهر علامات أكبر مما توقع.


ارتجفت من لمسته الدافئه لكنه لم يعبأ، فقد كان الغضب يشتعل في عينيه.


نظرت إليه بسخرية وهي تزيح باقي الحجاب عن وجهها ببطء:


— "شوف... ده سبب قسوتك عليّا. خليتني ضعيفة. كسرتني... هزّتني من جوايا. بقيت هشّة، مش قادرة أواجه حد... ولا حتى آخد حقي."


ثم انفجرت باكية وهي تكمل ::


— "تصدق؟ أنا من غيرك كنت أقوى من كده... سيبني في حالي، أرجوك يا عمرو. كفاية لحد كده."


شعر عمرو كأن قلبه تلقّى طعنة قوية نعم هزته لكنه لا يظهر غير البرود و هتف بجنون و هو يرى آثار


 الأصابع بوضوح على و جنتها البيضاء:


— "قوليلي مين عمل فيك كده، يا ريم! أحسن أقسم بالله أحرق البيت باللي فيه دلوقتي!"


 نظرت إليه بإنكسار، دموعها تتساقط بصمت وهي تحدثه:


— "ده يهمك في إيه؟ مين عمل كده؟"

ثم رفعت عينيها إليه، نظراتها كانت طعنة:


— "أكيد عايز تشكره... لأنه ساعدك في كسري."


اتسعت عيناه من صدمة كلماتها. لم يتوقع منها هذا الإتهام، و أجاب بحدّة، نبرته تحمل و جعًا بروده يحجم رؤيته :


— "أنتِ لعبتي... وأنا ما اسمحش لحد يشاركني فيها. أنطقي... أحسنلك."


نظرت إلى الأرض، قلبها يضج بالخذلان. كانت تريد دفئه، احتواءه، لا هذه القسوة.


ثم همست بصوت خافت:


— "ده طالب جديد في الكلية... حاول يتحرش بيا، ولما اعترضت... ضربني و... و هانني."

تنهدت ريم بألم، ودموعها تتساقط دون توقف، قبل أن تهمس بصوت مبحوح:


— "اتنين من زمايلي حاولوا يدافعوا عني... بس الحرس بتوعه ضربهم و بهدّلهم، واتنقلوا على المستشفى."


رفعت عينيها إليه، تتأمل ملامحه التي اشتدت بغضب لا تخطئه، ثم أكملت بحزن مرير:


— "وبسبب مركز أبوه... الاتنين اتفصلوا من الكلية. رغم إنهم كانوا بيحموا شرف زميلتهم!"


لم يكن لعمرو أن يصمت أكثر، زمجر بصوت لا يقبل الجدل:


— "اطلعي... اغسلي وشّك بسرعة، وتعالي معايا!"


قالها بقوة تقطع الشك، دون أن يترك لها فرصة للرفض أو الإعتراض 


نزلت بعد دقائق معدوده 

جذبها عمرو من يدها بعنف، وشتائم صامتة تتردد في رأسه. لعن نفسه ألف مرة لأنه تركها فريسة لذئاب بشرية تنهش كرامتها. كيف سمح للكلاب أن يطؤوا أرضها، وهو بعيد؟!


ركبت جواره في السيارة، قلبها يرقص فرحًا رغم جمود ملامحها. كانت سعيدة، سعيدة بجنونه، وغضبه لأجلها، و شعورها بأنها ليست وحدها أخيرًا.


دخل عمرو من بوابة الجامعة دون أن يعبأ بالحرس أو أنظمة المكان. أوقف السيارة وسط الساحة، ترجّل منها، ثم فتح بابها وجذب ريم من يدها بحدة.


— "شاوري عليه!"


قالها بأمر واضح، ونظراته تشتعل نارًا.


ظلت ريم تلتفت حولها، لا تدري إن كان قلبها ينبض خوفًا أم حماسًا. اقتربت منهن بعض الفتيات وابتسمن لها بحذر:


— "ريم، إزيك؟ عاملة إيه دلوقتي؟"


عمرو كان و اقفًا إلى جوارها، كوحشٍ كاسرٍ يحرس فريسته، مستعد لافتراس من يقترب منها. كان حاميها، فارسها، بوصلته الآن تشير نحو هدف واحد: كرامتها.


قالت ريم بهدوء، لكن نبرتها لم تخلُ من القوة:


— "الحمد لله... أنا بخير. دا عمرو... جوزي."


شهقت إحداهن بدهشة، ثم أشارت الأخري بحماس نحو أحد الأركان:


— "بتدوّروا على سامر؟ هناك أهو!"


 اجتمع الجميع وسط ساحة الجامعة، كانت الأعين مشدودة لما يحدث.


 فطريقة دخول "عمرو" الحادة وسط الحرم الجامعي، وهو يقود ريم بجانبه كأنها درع ثمين، جذبت الأنظار وأثارت التساؤلات.


 الكل بدأ يلتقط هاتفه كأنها حفله لاشهر المطربين وليس شجار، عارفين أن شيئًا غير معتاد على وشك الحدوث.


توجهت أنظاره فورًا نحو الإتجاه الذي أشارت إليه، قبض على يد ريم بقوة، وسحبها معه


تقدم عمرو بخطى ثابتة، ملامحه قاسية، تنذر بالخطر.

 حتى وقف أمام سامر مباشرة.


رفع سامر حاجبه بسخرية لاذعة، ثم قال وهو ينظر لريم:


— "إيه يا ريم؟ جايبة ولي أمرك يعاقبني؟"


اقترب عمرو أكثر، و نبرته كانت أشبه بجحيم متفجر:


— "لا يا روح أمك... جايبة جوزها... يعلم عليك ويخليك أُختها!"



❈-❈-❈


اجتمع الجميع عندما علموا بوجود خناقة، ومن طريقة دخول عمرو فهموا أن الأمر خطير.،


 فرغم أنه لم يمضِ على وجوده في الجامعة سوى أيام، إلا أنه كسب أعداء كثيرين بسبب وقاحته وأسلوبه الفج في التعامل 


قال سامر بغرور:

— إنت مش عارف بتكلم مين؟


لكن عمرو هجم عليه بغضب قائلاً:

— ولا يهمني ابن مين... لازم تدفع ثمن تطاولك علي مراتي و إهانتك ليها.


وجّه له لكمة قوية أوقعته على الكراسي خلفه، وفقد على إثرها أحد أسنانه من شدة الضربة وقوة صاحبها.


صرخت ريم محذّرة عندما رأت الحرس يهاجمون عمرو من الخلف، لكنها لم تكن تعرف شيئًا عن قوة وسرعة زوجها . هو يستطيع هزم كتيبة كاملة مدربة منفردا دون أن يرمش له جفن. التفت إلى الحارسين، وقفز في وجهيهما بسرعة واحترافية، ما أفقدهما توازنهما، ثم أكمل هجومه على سامر.


انتشر الفيديو كالنار في الهشيم، عندما أرسله أحد الطلاب مباشرة لموقع الجامعة، فانتقل إلى جنة، ثم إلى خالد، ومنه إلى مالك الذي خرج مسرعًا من منزله دون أن يلتقط أنفاسه.


في تلك الأثناء، حاولت هاجر الاتصال بـ ريم مرات عدّة، لكنها لم تُجب.



قام الحارسان مرةً أخرى، ولكن تلك المرة كل شخص رفع سلاحه، ولم يهتموا بتلك التجمعات؛ فدورهم هو حماية ذلك الشخص فقط.


ابتعد الجميع عندما رأوا السلاح، خوفًا من أن تصيبهم رصاصة، ما عدا ريم، التي لم تهتم لأي شيء، وكل ما يقلقها هو عمرو، الذي سحب


 سلاحه هو أيضًا، ووجّهه نحوهم، ثم أطلق رصاصتين، وكانت تعرف كل واحدة هدفها بمنتهي الدقه 


صرخ الحارسان عندما اخترقت الرصاصة كفوف أيديهما، ليسقط سلاحهما، دون أن يُصاب أحد بأي أذى.

❈-❈-❈


اتصل السائق بوالد سامر، الذي جمع رجاله و توجّه إلى الجامعة التي تحوّلت إلى ساحة حرب.


وصل خالد ومالك لرؤية ما حدث، وما الذي فعله صديقهما هذه المرة.


كان سامر مُلقى على كتف عمرو مثل الذبيحة، وعندما قابله خالد ومالك، سأله خالد بدهشة:


– في إيه يا عمرو؟ حصل إيه لكل ده؟


ردّ عمرو ببرود:

– واحد عايز يتربى، وأنا ربيته.


يتعجب مالك من عنف عمرو ماذا حدث حتي يصل لتلك الدرجه من الغضب وقع نظر مالك علي وجه ريم، علم ما يمرّ به عمرو من غضب.


أما خالد، فصرخ بانفعال وهو ينظر إلى ريم:

– الحيوان ده هو اللي عمل فيكي كده؟


هزّت ريم رأسها، ودموعها تنهمر في صمت، دون أن تنطق بكلمة.


وقبل أن يكملوا سيرهم 


توقفت سيارات والد سامر أمام بوابة الجامعة، ونزل هو وحراسه، وعندما وجد ابنه بهذا الشكل، جن جنونه.


 أردف بغضب:

"أنت عملت إيه في ابني؟ أنا هدفعك الثمن غالي!" 


رد عمرو بسخرية، وهو يترك ابنه يسقط علي الأرض بعنف :

"وتدفعني أزاي؟" 


أشار والد سامر لحراسه بالهجوم، بينما نظر الثلاثة لبعضهم البعض بسخرية،


 وحدث الاشتباك. كان غير متكافئ؛ 


فهم ثمانية مقابل ثلاثة، بقوة وسرعة مئة رجل. 


في ثوانٍ معدودة، وجد كل رجاله يفترشون الأرض فاقدي الوعي، وليس مصابين فقط، 


 تحت ذهول الجميع وإعجاب وإنبهار الفتيات. 


اقترب عمرو من منطقة تحت الحزام، وقام بركلها أكثر من مرة، ثم نظر لوالد سامر قائلاً:

"الوقت تقدر تأخذه خلاص كده، ماعدش ليه لزوم." 



❈-❈-❈


عادت إلى واقعها، متجمدة في مكانها مما حدث حولها. لقد وجدت نفسها وكأنها دخلت أحد أفلام الأكشن، بطولة زوجها .


جذبها عمرو إليه، محتويًا إياها بذراعه بامتلاك واضح، وتحرك بها أمام الجميع، وهي تسير بلا إرادة، لكنها مرفوعة الرأس عندما استردت كرامتها وصلت إلى السيارة وركبت، ثم ركب إلى جوارها.


استقل كل من خالد ومالك سيارتهما، في انتظار أن يتحرك عمرو.


كتب عمرو رسالة على هاتفه وأرسلها إلى خالد، ثم قاد سيارته عائدًا إلى المنزل. ريم لم تنطق بكلمة واحدة طوال الطريق، كانت مصدومة مما حدث أمامها.


ما إن وصلا حتى نزل أمام باب المنزل وفتح لها الباب. نزلت وتحركت حتى وصلت أمام السلم الداخلي، حينها أوقفها عمرو فجأة.


قال بحدة:

ـ أوعي تفتكري إني عملت كده عشانك.


نظرت له بعدم تصديق، كأنها كانت تأمل أن يتركها في حلمها الجميل ليومٍ واحد فقط.


فرقع بأصابعه أمام عينيها ليعيدها إلى الواقع


 وهو يضيف بنبرة صارمة:

ـ أنا عملت كده لأنك شايلة اسمي، وما ينفعش حد يهين حاجة تبعي. لكن ما تحلميش بأكتر من كده.


نظرت إليه بابتسامة تحمل الكثير من الألم والانكسار، وقالت بصوت خافت:

ـ عمري ما حلمت بحاجة مش بتاعتي، ما تخافش.


ثم استأنفت حديثها:

ـ بس أنا لازم أشكرك على رد اعتباري قدام زمايلي، ولو حتى بالكذب... عمري ما هنسى أبدا 

❈-❈-❈


تحركت ببطء نحو الدرج، تصعد إلى غرفتها، وعزمٌ جديد يتشكل في صدرها: لن تضعف أمامه مرةً أخرى.


في الطابق السفلي، كان عمرو يصعد هو الآخر، متجهًا إلى الحمام ليأخذ حمامًا سريعًا. خرج بعدها مرتديًا ملابسه، وفي أثناء نزوله، كان يتحدث في الهاتف.


– "ها، عملت إيه؟" سأل عمرو وهو يضع الهاتف على أذنه.


جاءه صوت خالد من الطرف الآخر:

– "معايا كل حاجة. هاقابلك فين؟"


رد عمرو بحزم، رافضًا:

– "لا، روح إنت شوف مراتك... وأنا هخلص الموضوع."


لكن خالد أصرّ، قائلاً:

– "لا، أنا ومالك بنستناك قدام المستشفى."


– "طيب، خلاص... ثواني وأكون عندكم. مسافة السكة."


أغلق عمرو الهاتف، وهمَّ بالخروج، وقد بدا عليه الغضب ممزوجًا بالإصرار.


❈-❈-❈


دخل الثلاثة إلى المستشفى الحكومي بخطى متسارعة، وجوههم تعكس مزيجًا من الضيق والإصرار. توجهوا مباشرة إلى غرفة الشباب، حيث كانت تجلس أمام الباب سيدة تبكي بحرقة، ترفع يديها إلى السماء وتدعو على من فعل ذلك بابنها.


كانت كلماتها تنزف ألمًا:

– "حسبي الله ونعم الوكيل... ده كان شايلنا كلنا، بيشتغل شغلتين علشان يجيب مصروف كليته ويأكلنا!"


اقتربت منها سيدة أخرى، وراحت تربت على كتفها محاولة تهدئتها:

– "قولي يا رب... عليه العوض ومنه العوض."


دخلوا الغرفة، فوجدوا بها خمسة أسرّة، يرقد عليها الشباب المصابون، وآثار الكدمات واضحة على وجوههم. توجه خالد نحو أحدهم – حامد – وهو يبتسم رغم الموقف:


– "أخبار رجالتنا إيه؟"


رفع الشبان أنظارهم إليه بصعوبة، وقد أعياهم الألم، إلا أن محمود حاول أن يبتسم قائلاً:

– "أهلاً بحضرتك."


تقدم عمرو، وعيناه تمتلئان بالامتنان، وقال بصوت قوي :

– "اللي عملتوه مع مراتي... دين في رقبتي لآخر يوم في عمري. أنا رجعت قيد كليتكم، وكل مصاريف علاجكم على حسابي. والوقت هنقلكم من المستشفى دي لمستشفى خاصة، أحسن تجهيزًا."


حامد حاول الاعتراض بأدب:

– " ما لوش لزوم كل ده حضرتك... إحنا عملنا اللي لازم يتعمل. كنا بندافع عن شرف أخت لينا، وإحنا عندنا بنات برضه."


رد عليه عمرو بتفهم وعيناه تشكرهم:

– "دي مش صدقة ولا شفقة... أنا عايزكم تخفّوا بسرعة علشان أمهاتكم وأخواتكم اللي في رقبتكم. وأي حاجة هتحتاجوها، أنا موجود وتحت أمركم. وكمان... جايب لكم هدية هتعجبكم جدًا."


ناول خالد اللاب توب لواحدٍ منهم، وفتحه. عُرض عليهم فيديو... راحوا يشاهدونه بصمت، ثم اتسعت أعينهم بدهشة وسعادة.


لقد ردّ لهم عمرو كرامتهم أمام كل من أهانهم، و أعاد إليهم إحساسهم بالفخر.


جاءت سيارة إسعاف من مستشفى كبيرة، و حملتهم إلى الخارج.


قالت والدة محمود بقلق:

– "هتعملوا إيه في ابني؟ حرام عليكم، أخدينه فين؟"


رد مالك باطمئنان:

– "ما تخافيش يا أمي، ابنك بأمان. إحنا هننقله لمستشفى أحسن عشان يتحسن بأسرع وقت و يرجعلك بالسلامة."


أخرج عمرو ظرفين بهما بعض المال، وناولهما للسيدتين.


قالت والدة محمود، وهي تنظر في الظرف بعزة نفس :

– "إيه دا يا باشا؟ إحنا مش بنشحت من حد."


قال عمرو بهدوء:

– "دي مش شحاتة، ده سلف، ولما ابنك يقوم بالسلامة إن شاء الله، هيرجعهم لي. وكفاية إنه دافع عن شرف مراتي وهو ما يعرفهاش."


بكت السيدة من الفرح، فقد كانت تحمل همّ قوت يومها لها و لصغارها، ولكن الله حليم كريم.

❈-❈-❈


هناك، في مبنى المخابرات، وتحديدًا داخل غرفة شريف، كان يتحدث في الهاتف مبررًا:


– "يا فندم، رجّالتي ما غلطوش في أي حاجة. ده ضابط مخابرات، يعني بيضحي بحياته علشان البلد دي تفضل في أمان. وفي عز ما هو بيعمل المستحيل عشان يحافظ على بلده، مراته تتعرض للتحرش والضرب قدّام زملائها! عايزه يعمل إيه لما يرجع يلاقي مراته مضروبة من واحد حقير زي ده؟"


توقف لحظة، ثم أكمل بنبرة أكثر جدية:


– "لا يا فندم، سيادتك عارف إن رجال المخابرات مالهمش دعوة بالمحسوبيات، ولا بيستغلوا مناصبهم. أمن بلدهم أهم من أرواحهم. وحضرتك عارف أخلاقي، وأخلاق عمرو، وأخلاق والده قبله. الموضوع كله واحد بيدافع عن شرف مراته."


أخذ نفسًا عميقًا، وأردف:


– "السوشيال ميديا كلها واقفة معاه، لأن أصحاب مراته صوّروها وهي بتتهان، وشاركوا الفيديو مع فيديو جوزها وهو بياخد حقها. كل مواقع التواصل في صفّه."


توقف لحظة ثم تابع بثقة:


– "الدكتور نفسه قدّم فيه شكوى، وغير كده، كتير من الطالبات قدموا شكاوى بتعرضه ليهم، وحتى الولاد اللي كانوا بيدافعوا عنها في المستشفى واتبهدلوا، دول أصلاً أولاد غلابة، و بيشتغلوا جنب كليتهم علشان يصرفوا على أهاليهم الموضوع أصبح تريند ."


صمت للحظة، ثم أنهى حديثه بنبرة حاسمة:


– "يعني كل الموضوع في صالحنا. باباه مش هيعرف يعمل حاجة، لأن القوة الحقيقية دلوقتي بقت في مواقع التواصل.

لا، حضرتك... أنا قدّمت."

قال شريف عبر الهاتف، بنبرة واثقة ومُصرّة:


– "أنا قدمت تقرير بكل اللي حصل، والتقرير هيبقى قدام سيادتك أول ما تفتحه وتشوف. في ناس كتير قوي معاه وفي صفّه، وهو ما عملش أي حاجة تمس الدولة، ولا ارتكب أي خطأ."


توقف لحظة، ثم تابع بثقة واحترام:


– "طبعًا أنا عندي ثقة كبيرة في معاليك، ولو في أي غلط من ناحيتنا، حضرتك عارف إن أنا أول واحد هيقول."


أنهى المكالمة قائلاً:


– "مع السلامة، سيادتك."


❈-❈-❈

في مساءٍ ممطر، وعلى قارعة الطريق، كانت فتاة تقف تحمل طفلًا صغيرًا على ذراعها.


 تركض به وسط السيارات، تحت المطر الغزير، محاولة استجداء أي سيارة لنقلها إلى المستشفى.


توقف أمامها أحدهم، وسألها بقلق:

– "خير؟ في حاجة؟"


أجابته بدموع متدفقة:

– "معلش، كنت محتاجة حد يوصّلني أي مستشفى... لأنه وقع على دماغه، وخايفة يكون جاله نزيف."


قال سريعًا:

– "طيب، اركبي بسرعة، وأنا أوصلك."


ركبت بلهفة، وطوال الطريق لم تبتعد عيناها عن ذلك الصغير الذي بين يديها.


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل مصطفى، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة