رواية جديدة رواية خيانة لأمل مصطفى - الفصل 18 - الأربعاء 28/5/2025
قراءة رواية خيانة كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية خيانة
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة أمل مصطفى
الفصل الثامن عشر
تم النشر الأربعاء
28/5/2025
عودة لهاجر وجنة، تلك المتوحشة التي دلفت الفيلا كعاصفة من زوابع أمشير، بخطوات سريعة ومضطربة. وعندما فتحت حليمة الباب، لم تترك لها جنة مجالًا للكلام، وقالت بحدة:
— داده، جهّزي فطار لريم.
صعد الثلاثة الدرج على عجل، وفتحت حليمة باب غرفة ريم. صُدموا من المنظر أمامهم... كانت ريم تحتضن نفسها، ودموعها تنساب في صمت موجع. اقتربوا منها بقلق شديد.
قالت جنة بصوت مرتجف:
— مالك يا قلبي؟ بتبكي ليه؟
لكنها لم تتلقَ ردًا. ريم كانت تنظر إلى الفراغ، وكأن من حولها غير موجودين. جلست هاجر جوارها، ومدّت أناملها برفق تمسح دموعها، ثم همست بحزن، وهي تعرف تمامًا ما تعانيه ريم مع زوجها:
— فيكي إيه يا حبيبتي؟ إحنا جنبك أهو... اتكلمي، خرّجي كل اللي جواكي.
ظلّوا يتحدثون معها، ولكنها كانت أسيرة في عالم آخر. لقد انحبست داخل مشهد رؤيته
وهو يحتضن ويقبّل تلك المرأة... كأن المشهد يُعاد بلا توقف، كأنه شريط يكرر مرارا وتكرارا لا ينتهي.
حاولوا إطعامها، لكن دون جدوى، لم تستجب.
قالت جنة بغضب، وهي توجه حديثها لحليمة:
— مالها يا داده؟ عمل فيها إيه اللي ما يتسمى ده؟
أجابت حليمة بحزن واضح:
— والله ما أعرف إيه حصل. طلبت نسكافيه، وكانت كويسة وفي أمان الله... بعدها بساعة أو اتنين، لقيته بيصرخ عليا عشان أتصل بالدكتور، ومن ساعتها وهي كده.
ردّت جنة بقسوة وغضب مكتوم:
— حظه إنهم في مهمة، وإلا كنت خَليته يطلّقها وأخدتها عندي. دي جوازة سودة من يومها! من يوم ما دخلت حياته وهي دبلت، وحالتها بقت صعبة... منه لله!
❈-❈-❈
ركض خالد وسط الدخان وهو يصرخ بأسمائهم، يبحث عنهم بين الركام واللهيب المتصاعد.
كان مالك يحتضن عمرو، الذي بدا عليه الغضب، وهو يصرخ فيه:
— إيه اللي أنت عملته ده؟!
أردف مالك، وما زال يحتضنه بشدة:
— خوفت عليك... شكلك ماكانش مظبوط من أول المهمة، ودي أول مرة أشوفك مشتت كده.
ابتعد عنه عمرو بغضب، وهتف بحدة:
— إحنا في مهمة يا مالك! وكل واحد له دور ماينفعش يتخلى عنه مهما كانت الظروف.
توقف خالد عندما رأى غضب عمرو، وشكر الله في نفسه على نجاتهم ووجودهم جميعًا بخير.
نظر له عمرو بنظرة حادة وقال:
— وأنت كمان بتعمل إيه هنا؟
رد خالد بتوتر:
— كنت بطمّن عليكم...
ثار عمرو أكثر، ورد بسخرية لاذعة:
— لا بقى، دي بقت حضانة مش شغل مخابرات!
ثم أردف بانفعال:
— كده المهمة فشلت بسببكم... يلا، كل واحد يشوف نقدر نصلح إيه. أنا ما بمسكش مهمة وتفشل... فاهمين؟ حتى لو فيها موتنا كلنا!
تحرك الجميع بصمت، وتركوه واقفًا وحده.
همس لنفسه بوجع، وعيناه على الأرض:
— كان نفسي أخلّصك مني... بس مافيش نصيب. وجودهم لخبط الدنيا. يظهر إن ربنا لسه ما أرادش موتي...
❈-❈-❈
بعد ساعة متواصلة من المحاولات والكلام، تنهدت جنة بحزن وضيق، وهي تردف:
— حبيبتي، مالك؟ عملك إيه الحيوان ده؟! وأنا أخدلك حقك منه...
لم ترد ريم. أكملت جنة بنبرة حاولت أن تخفف بها الجو:
— طيب، أجيبلك النحنوح يقولك كلمتين حب؟
لكن ريم لم تكن تسمع شيئًا من كلامها. قلبها وعقلها لا يريان سوى صورته، وهو مع تلك الفتاة. لم تعد تريد الكلام... ولا حتى الحياة
يكفيها الحزن والوجع الذي عاشته سنين طويلة. ألم يأن الأوان أن ترتاح روحها... وتموت بسلام؟
جلست هاجر بقربها، تحاول جذب انتباهها، وقالت بمرح مصطنع:
— إيه رأيك تختاري معانا اسم بنت؟ جنة طلعت حامل في بنوتة!
ردت جنة بحماس:
— مش هسميها غير "ريم"... ريم وبس!
ضحكت هاجر لتداري خوفها من حالة صديقتها، ثم قالت ممازحة:
— أنا شاكه في البنت دي يا ريم، بتحبك بطريقة أوفر قوي! طريقة مشكوك في براءتها... لتكون شاذة ولا حاجة!
ردت جنة بضيق:
— اتلمي يا هاجر...
طوال هذا الحوار، لم تعلّق ريم بشيء، ولا حتى نظرت إليهم. كانت تنظر إلى الفراغ فقط، بعينين فارغتين من الحياة.
نظروا لبعضهم بحزن وعدم فهم لما يحدث. لم يروها بهذه الحالة من قبل، رغم كل ما عانته في حياتها...
❈-❈-❈
بعد غياب شهرٍ كامل، عاد وهو يُمني نفسه بالخلاص. كان يأمل أن تكون قد استردت عافيتها، أن تكون قد نسيت...
لكن، هل أنت مجنون عمرو؟! تُراها تنسى؟
هل كانت كل تلك السنوات التي مرت كافية لتُنسيك ما حدث، حتى تنتظر منها أن تمحوه في أيام معدودة؟!
دخل من الباب، وعيناه تبحثان عنها في كل زاوية.
لقد عاد بعد غيابٍ طويل، معتقدًا أن تلك الفترة كفيلة بترميم جُرحها...
لكنه لا يعلم أن بفعلته تلك، جعل روحها كمنزل قديم أكلته الرطوبة بلا رحمة. هشّ، ينتظر هفوة تسقطه، ليصير رمادًا تنثره الرياح، كأنه لم يكن له وجود يومًا ما.
رأى "داده حليمة" أمامه، فتوجه إليها بلهفة وسألها:
— أخبارها إيه يا داده؟
نظرت له بحزن وقالت:
— والله يا بني حالتها لا تُسرّ عدو ولا حبيب...
مش بتتكلم، أكلها ضعيف جدًا، وجنة وهاجر باتوا معاها كذا يوم، ولا اتكلمت معاهم، ولا حتى بصّت ليهم...
كأنها فقدت النطق، بقالها شهر على الحال ده... لأزم نشوف لها دكتور.
نظرت إلى ملامحه المتبدلة بالحزن، وسألته بحنان أم:
— أجهزلك الأكل يا حبيبي؟
ردّ بغصّة في حلقه:
— لا يا داده، مليش نفس... أنا طالع أرتاح شوية.
تحرك نحو الدرج صعده ببطء، يشعر بثقل في صدره... ضيق من نفسه، من غبائه. هو، الرجل، لم يتحمل الموقف... فماذا كان يتوقع منها هي؟!
مرّ جوار غرفتها، نظر إلى الباب بحزن، لكنه لم يستطع المضي. توقف... ظل واقفًا، يفكر:
هل يطمئن عليها؟ أم يتركها حتى تهدأ؟
مرر يده على الباب، كأنه يحن إلى لمسة منها... قرر الدخول.
وجدها نائمة، كملاك. اقترب أكثر... ظل يتأمل ملامحها البريئة.
الآن فقط، يستطيع أن يفعل ما هو محروم منه في يقظتها.
مدّ أنامله بخفه ، يمررها على و جنتها، وهمس بندم:
— آسف... غصب عني، كسرتك.
بحاول كتير أنسى عشانك... بس مش قادر...
فتحت عينيها فجأة.
جذب يده بسرعة، و اعتدل في وقفته. أسدل ستائر البرود على وجهه كعادته.
لكنها، ما إن رأته أمامها، حتى صرخت بقوة، ممزوجة بالدموع، وابتعدت عن مكانه للطرف الآخر من الفراش ، كمن يهرب من شيء يفترس قلبه...
– إيه جابك هنا؟!
أخرج برّه... مش عايزة أشوفك... أخرج برّه!
كانت تصرخ بصوت يملؤه الألم، تنادي على "حليمة" التي صعدت الدرج بسرعة، تكاد تقع أكثر من مرة، فهذه السرعة لا تناسب سنّها ولا جسدها المرهق.
دخلت الغرفة تجده يقف ، مصدومًا، يتلقى صرخات ريم التي كانت تنتفض من شدة الإنهيار.
اقتربت منها وجلست جوارها، اندفعت ريم إلى حضنها باكية، تردد بأنين:
— أرجوكي يا داده... خليه يخرج، مش عايزة أشوفه... مش أنتي بتحبيني؟ خليه يخرج...
يتأمل مشهد انهيارها ودخولها في بكاء هستيري بألم لم يشعر بمثله من قبل.
تمنى لو يستطيع أن يبكي على صدرها، أن يفرّغ ما بداخله من آلام تراكمت داخل قلبه وروحه، ولم يجرؤ يومًا على البوح بها.
لكنه لم يتحمّل أكثر... ترك الغرفة بسرعة، كأن شياطين الأرض تطارده.
اقتربت حليمة أكثر من ريم، ضمّتها بقوة، و همست لها بأمومة وحنان:
— اهدي يا حبيبتي... خلاص، مشي.
لم تتمالك ريم نفسها، وانهارت بين ذراعيها.
لقد فقدت ثقتها به، بعد أن كانت تحمل له عشقًا كبيرًا داخلها.
تحمّلت قسوته، و بروده، وصمته القاتل، لكن ألم الخيانة... أقوى، وأصعب.
لم تفارق صورة خيانته مخيلتها لحظة.
كابوس، يطاردها في نومها و يقظتها، وهو يحتضن تلك الفتاة و يقبلها...
لقد انشق قلبها من هول ما رأت... هناك، في غرفته، حيث كان من المفترض أن تكون هي وحدها ملكته.
❈-❈-❈
عاد خالد إلى منزله بعد غياب، يملؤه الاشتياق لزوجته المجنونة التي طالما أضفت على حياته لونًا مختلفًا.
لكن ما إن فتحت له الباب، حتى قابلته بعاصفة من الغضب والعصبية:
— إنت كنت عارف إن صاحبك مريض! و معقّد من الستات، ورغم كده وافقت إنه يطلب إيد ريم؟
رغم إنك عارف هي عندي إيه... ليه؟ ليه ما قلتش؟
كان لأزم أعرف، علشان أحذرها
وهي صاحبة القرار توافق أو ترفض
تأملها بوجع، وصوته يحمل عتابًا:
— دي حمد لله على السلامة اللي بتقابلي جوزك بيها بعد غياب شهر؟!
لكنها لم تعبأ بكلامه، وكأنها لم تسمعه أصلًا، وتابعت بحرقة:
— ريم مش بتتكلم خالص! بقالي شهر بروح عندها مع هاجر، نتكلم ونضحك، وهي كأنها في عالم تاني...
لا سامعانا ولا شايفانا!
إنت ساعدت في تدميرها... و عايزني أقابلك إزاي؟!
زفر خالد بهدوء، كمن يحاول إخراج هذا الألم المتراكم بين ضلوعه منذ وقت طويل.
هتف بسخرية لاذعة:
— عندِك حق... ريم عندِك أهم مني.
بس لأزم تبقي عارفة إن هو كمان مش طبيعي... وكان ممكن يضيع مننا أكتر من مرة.
توقف لحظة، كأن صورًا مرت أمام عينيه، ثم أردف:
— أول مرة أشوفه مشتت بالشكل ده... إحنا كنا دايما بنحس بالأمان وهو معانا، بس دي المرة الوحيدة اللي الكل كان خايف عليه فيها!
ثم تركها، وتوجه إلى غرفته بضيق.
لم يكن يتوقع أن تقابله بهذا الجفاء.
هو دائمًا ما حاول أن يفصل بين عمله وبيته، وتمنى لو تفعل هي الأخرى المثل.
لكن... ليس كل ما نتمناه ندركه.
❈-❈-❈
ترجّل من سيارته أمام مطعم يقع في حيٍّ شعبيٍّ متوسط، بهيئته الرجولية اللافتة،
وجسده العريض، ووسامته الشرقية الجذابة.
يرتدي بنطالًا موف، و قميصًا أبيض، و كوتشي أبيض اللون، وساعة فاخرة تلمع في معصمه. خلع نظارته الشمسية، ووقف يتأمل اسم المطعم قليلًا، ثم قرر الدخول.
جلس على طاولة هادئة في زاوية المكان، وما إن أتت إليه إحدى الفتيات تسأله عن طلبه، حتى تحدث مالك بصوتٍ أجش يحمل بحة رجولية آسرة:
— ممكن تبعتي آنسة مها؟
نظرت له النادلة بدهشة، وردت مستغربة:
— ليه يا فندم؟ حصل منها حاجة؟
مها صديقتها وابنة حارتها، وتعرف تمامًا أنها لا تتحدث مع رجال الغرباء، خصوصًا من هذا النوع الراقي من الرجال.
ابتسم مالك ابتسامة خفيفة، وقال بهدوء:
— أبدًا، بس كنت محتاجها في موضوع بسيط.
هزّت الفتاة رأسها، ثم انصرفت لتبحث عن مها. وما إن وجدتها حتى جذبتها من يدها، وهتفت بمرح:
— قوليلي، تعرفي المِز الجبار اللي بره ده منين؟ بقالنا سنين أصدقاء، و ماقولتيش إنك تعرفي رجالة نضيفة كده!
شهقت مها بذهول من وقع كلماتها، وردّت بانفعال:
— الله يخرب بيتك، هتفضحيني! هو أنا من إمتى بكلم رجالة يا غبية؟!
ضحكت صديقتها، و ردّت بحيرة:
— أومال طالبك بالأسم ليه؟ بيـنجم مثلًا؟!
نظرت لها مها بعدم فهم، ثم تمتمت:
— وأنا أعرف منين؟!
روحي شوفيه وانتي تعرفي.
اتجهت مها بخطوات مترددة نحو الطاولة التي أشارت إليها صديقتها، بينما كانت همسات أخرى تدور في أرجاء المطعم.
سألت إحدى زميلتها بهمس وفضول:
— مين ده يا هناء؟
التفتت هناء نحوها و همست بدورها:
— والله ما أعرفه، بس شكله حاجة صعبة خالص! شكله ابن ذوات... ومش من هنا خالص.
هتفت زميلتها ببلاهة:
— الله! ده فارس أحلامي!
أردفت هناء بسخرية وهي ترمقها بطرف عينها:
— هو عايز مها مش إنتِ... فوقي بقى يا حجة!
ردّت الأخرى بلامبالاة:
— وأنا ومها إيه يعني؟ واحد! والشرع محلل أربعة!
في تلك اللحظة، كانت مها قد وصلت إلى الطاولة، وقفت أمامه بثبات مصطنع، وهي تحاول كتمان توترها.
قالت بنبرة رسمية:
— تأمر بحاجة حضرتك؟
رفع مالك عينيه إليها بابتسامة دافئة أربكتها، شعرة بصدمه وخجل أهلا بحضرتك بشمهندس مالك نورتنا من ارتباكها أكثر حين قال:
هتف مالك بسعادة:
— أنا "مقدّم"، مش مهندس...هو ممكن نتقابل بره الشغل؟ محتاج أتكلم معاكي في موضوع مهم.
نظرت إليه مها بقلق، وردّت بسرعة وكأنها تبرر لنفسها قبل أن تبرر له:
— آسفة جدًا، أنا مش بخرج مع رجاله. أنا ركبت مع حضرتك وقتها لأني كنت مضطرة... كان معايا طفل بين الحياة والموت، وكنت عايزة أنقذ حياته. في الطبيعي، عمري ما كنت هعمل كده.
شعر مالك بتوترها، وخوفها من أن يُساء فهم موقفها، فأردف مطمئنًا:
— أنا عارف ده كويس، وبالعكس... أنا مقدّر تصرفك. ومفيش في نيتي أي حاجة وحشة، خالص.
وفي تلك اللحظة، أتى النادل الذي لاحظ أن مها أطالت الوقوف مع الزبون الغريب،
وهي التي لا تفعل ذلك عادة، اقترب منهما بنظرة استفسار، وكأنه يذكّرها بصمت أن هناك من يراقب.
اقترب النادل منهما باستغراب وهو يسأل باهتمام:
— خير يا آنسة مها، في حاجة؟ في مشكلة يا فندم؟
تدخل مالك بسرعة وبثقة، ليرد بابتسامة هادئة:
— أبدًا، كنا بنتناقش في المنيو، وطلبت منها تختار لي حاجة على ذوقها.
نظرت مها إليه بتوتر، ثم التفتت للنادل قائلة:
— خلاص، يا فندم، هطلب لحضرتك المرة دي، بما إنك أول مرة تزورنا، وأتمنى ذوقي يعجبك.
تحركت بسرعة لتنهي الموقف، لكنه لحق بها وأوقفها قبل أن تبتعد. همس بنبرة عاتبة:
— في إيه يا مها؟ أول مرة تقفي مع زبون بالشكل ده.
التفتت له بحدة واضحة وقالت بجدية:
— أولًا، اسمي "آنسة مها"، مش "مها" بس. وثانيًا، لو كنتِ متضايقة من أسلوبه، عمري ما كنت وقفت معاه، وكنت هبعت حد غيري ياخد الطلب. بس هو إنسان محترم واتكلم بكل ذوق.
ردّ عليها بضيق، وقد بدأت حدتها المعتادة تضايقه:
— دايمًا واقفة لي كده! كل ما أكلمك، بتقفشي معايا ليه؟
أجابت ببرود وهي تشيح بوجهها:
— أبدًا، أنا بتكلم عادي جدًا، بس حضرتك دايمًا ليك رأي تاني. عن إذنك...
ثم تركته ومضت، محاولة السيطرة على ارتباكها، بينما وقف هو يتأملها بنظرة غامضة، مزيج من الإعجاب والضيق.
❈-❈-❈
بعد مرور أسبوع على تلك الأحداث...
جلس الثلاثة في مطعم لتناول وجبة الغداء، لكن عمرو لم يكن في حالة مزاجية جيدة. كان يشعر باختناق لازالت تنفر منه وتدخل في حاله صراخ مرعبه عندما تراه كأنه أصبح بالنسبه لها وحش قاتل ، هتف وهو ينهض فجأة:
— أنا ماشي.
استغرب خالد تصرفه المفاجئ، ورد بنبرة تجمع بين العتاب والمزاح:
— النكد ده مش لايق عليك، خليك شوية... إحنا طلبنا الأكل خلاص!
لكن عمرو لم يستجب، بدا وكأن جسده حاضر وعقله في مكان آخر. تمتم بصوت خافت:
— معلش، مش قادر... عايز أمشي.
تدخل مالك بشفقة واضحة على حال صديقه:
— خلاص يا خالد، سيبه براحته.
لكن خالد، كعادته، أصر بعفوية:
— طيب خلاص... ناخد الأكل ونأكل عندك في الجنينة، المهم مش هاكل من غيرك.
رضخ عمرو في النهاية، وقال باقتضاب:
— تمام... هستنى في العربية لحد ما تخلصوا.
اتجه إلى سيارته وجلس داخلها، وعيناه شاردة في الفراغ. بدأ يعيد في ذاكرته أحداث الأسبوع الماضي، وشعور بالحزن العميق يزحف في قلبه. لقد أصبحت تنفر منه، تكرهه لدرجة أنها تصرخ كلما رأته، كأنه وحش كاسر انتزع منها الطمأنينة ذات يوم.
وعندما لا يحتمل غيابها، يكتفي بمراقبتها من بعيد، دون علمها. يتأمل نظراتها، حركتها... لكنها لم تعد كما كانت. دائمًا شاردة، تنظر في اللاشيء، كلامها قلّ، بل كاد ينعدم. كأنها نسخة باهتة من نفسها، وروحها تاهت في غياهب الألم
شعر بما تشعر به من قبل...
لقد عاش كل ما تمر به الآن. في أعماقه، كان يشعر بالندم العميق على ما فعله. كان يتمنى لو كان بإمكانه ضمها، احتضانها، ليخفف عنها قليلاً من أوجاعها. لكن ما حدث كان أبعد من توقعاته، فقد كانت ردود أفعاله تلك عكس ما كان ينتظره. كان يتوقع غضبها، ثورتها، أو حتى طلب الطلاق... لكنه لم يتخيل قط أنها ستتحطم إلى هذا الحد، وكأنها فقدت كل شيء، حتى متاع الحياة.
استفاق على صوت مالك وهو يفتح الباب ويدخل ليجلس بجواره، بينما دخل خالد من الخلف ووضع الطعام بجانبهم. لم يتحدث أحد منهم لبرهة، فقط جلسوا في صمت حتى دخل مالك سيارته متجهًا إلى باب الفيلا.
نزل الجميع من السيارة ونادا على حليمة التي كانت في انتظارهما بابتسامة حنونة.
— حمد لله على سلامتك.
— عمرو: الله يسلمك يا داده، ممكن تحطي الأكل ده في أطباق وتجيبيه للجنينة؟
— حليمة: حاضر، ثواني ويكون جاهز.
كادت تتحرك عندما سمعت صوت مالك يلقي عليها التحية.
— مالك: أزيك يا داده؟
— حليمة: الحمد لله بخير يا بني، ربنا يبارك في عمركم.
ثم جاء خالد بحركاته المعتادة وهو يمازح:
— خالد بمرح: أزيك يا مزه؟ لسه شباب يا حليمة! قولتلك تعالي أجيبلك عريس.
ضحكت حليمة على كلامه ودعت له بالسعادة وراحة القلب، ثم تركتهم وتوجهت إلى الجنينة لتجهيز الطعام.
تحرك الجميع خلفها، وفي الطريق، مالك تحدث إلى خالد:
— مالك: مش تبطل أسلوبك ده؟
— خالد بسماجة: طب أنا عملت إيه؟! أنا بس عايز أطمن عليها وأفرح نفسي شوية.
❈-❈-❈
كلما اقترب، ظهر شيء أمامه في البول ، لا يعلم ماهيته.
عقد ما بين حاجبيه، "إيه ده؟"
كلما اقترب، شعر بشيء غريب، قلبه توقف فجأة عندما خُيّل له أن ذلك الجسد الذي يطفو على سطح الماء هو ريم.
وضع يده على قلبه وهو يشعر بروحه تُسحب من جسده، تحدث برعب:
"لا يا ريم... عاقبيني بأي طريقة إلا كده!"
اقترب أكثر، ثم صرخ بكل قوته:
"رييييم! لاااا!"
توقف خالد عن الضحك، وركض هو ومالك خلفه دون أن يعرفوا ماذا يحدث.
وجدها ممددة على وجهها لا تتحرك، قفز في البول وهو يتمنى الموت قبل أن يراها فاقدة للحياة بسببه.
جذبها لحضنه وهو يصرخ صرخة هزّت الجميع من الداخل:
"لا يا ريم! بلاش تعملي فيه كده! آسف، آسف والله!"
يمرر عيونه علي وجهها الذي تحول للون الأزرق، ولا يشعر بنبض .
تحدث بطريقة هستيرية:
"لا! لا والله أنا ما خنتك! أنا كنت بمثّل عليكي، والله ما حصل بيني وبينها حاجة خالص... كنت عايز أشوف رد فعلك بس!"
قفز مالك خلفه وهو يحاول سحبها من عمرو، الذي تمسك بها بقوة.
هتف مالك بغضب وقد أدرك أن صديقه في حالة صدمة:
"سيبها يا عمرو! فوق! ممكن نلحقها!"
هتف عمرو بتيه وعدم تصديق:
"لا... راحت مني خلاص... قلبي مات مرتين، مرة معاه، ومرة معاها... آه! قلبي مش قادر يتحمل أكتر من كده! ريم! ردي عليا!"
يمرر يده المرتعشه علي ملامحها بدموع وهو يتحدث بوجع والله مقدر المرة دي علي الفراق أنا هموت وراكي يا ريم
نزل خالد يساعد مالك في نزعها من بين يديه.
علهم ينقذوها
نزعها منه بالقوة، حقيقه لو كان بوعيه، ما استطاعوا الوقوف أمامه بهذا الشكل.
حملها مالك وخرج من البِول بسرعة في محاولة لإنقاذها، رغم تأكده من فقدها للحياة.
وجه كلامه لخالد وهو يتحرك مسرعًا:
– "خرُجه يا خالد،و أبقي حصلني أوعى تسيبه اصل يعمل في نفسه حاجة... هو مش في وعيه!
يتبع مع الفصل الأخير الفصل القادم
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة أمل مصطفى، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية