-->

رواية جديدة نجمة أركان الجزء الرابع من سلسلة فرعون مكتملة لريناد يوسف - الفصل 20 - الجمعة 30/5/2025

 

قراءة رواية نجمة أركان الجزء الرابع من رواية فرعون كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



قراءة رواية نجمة أركان

الجزء الرابع من رواية فرعون

 رواية جديدة قيد النشر

من روايات وقصص 

الكاتبة ريناد يوسف

الفصل العشرون

تم النشر يوم الجمعة 

30/5/2025



دقايق فضل فيهم غريب ساكت وباصص لليل وعيونه اتحولت لكاسات من الدم وبعدها خرج من المطبخ من غير ولا كلمة، مردش عليها وهي بتنادي عليه وبتترجاه يقف ويسمعها ويرد عليها بأي حاجة، رن على شهاب إبنه وهو خارج من الفيلا ناحية عربيته وبغضب الكون كله صرخ فيه:

-اعتبر من النهاردة ملكش اب ياشهاب، مش انت بقيت كبير بالدرجة اللي تقدر بيها تدير أمور أهل البيت وتتصرف كأني موتت، خلاص اعتبرني مت بجد.


رد عليه شهاب بفزع:

-يبابا بعد الشر عليك، كلام إيه اللي حضرتك بتقوله دا يارب يومي قبل يومك، والله كل الحكاية إن دا طلب ماما، خافت عليك من الصدمة و...


قطع كلامه لما شاف اتصال من امه على تليفونه فقاله غريب:

-متردش عليها لو هي اللي بتتصل وخليك معايا وابعتلي الروشته عالواتس دلوقتي.


شهاب:

-ولزمتها ايه الروشته يابابا مادام عرفت اللي فيها، وبصراحة كويس انك عرفت لاني كنت ضد فكرة إن ماما تخبي عليك حاجة خطيرة زي دي محتاجة درجة قصوي من الإهتمام مش هتقدر عليها لوحدها، وخصوصًا انها لا قدر الله ممكن تحتاج لكيماوي. 

غريب ردد وراه بصدمة:

-كيماوي؟ 

شهاب:

-أنا بقول ممكن يابابا دي حاجة لسه مش معروفه، بعد ماتتاخد الخزعة من الورم وتتحلل هنعرف إن كان الورم في المخ حميد ولا خبيث. 


سمع غريب الكلام وكان وصل عند العربية ومع نهاية الجملة وقع التليفون من إيده واتسند علي العربية بأديه الاتنين وحس إن الدنيا لفت بيه وضلمت مرة وحده، جه الحارس بتاع البوابة جري عليه وسنده وسأله بخوف:

-مالك ياغريب باشا فيك إيه، أنت تعبان؟ 

مردش عليه غريب لكنه بص لفوق وإبتدا يتنفس بصعوبة وكانه بيتخنق، فسابه الحارث وجري علي جوه، وقبل مايوصل الفيلا قابل ليل طالعه جري بعد ماشهاب رن عليها وقالها تلحق أبوه.. 

خرجتله وهو أول ماشافها استجمع كل قوته ووطى اخد التليفون وفتح باب العربية وركب وقفل الباب وطلع بسرعة قبل ماليل تحصله. 


اما هي فوقفت مكانها وغمضت عيونها وهي حاسه بوجع وصداع مش قادره تتحمله فدخلت الفيلا بسرعة واترمت على اقرب كنبه واتصلت على شهاب وقالتله يرجع فورًا، 

أما نجمه اللي نزلت من أوضتها على صوت زعيق امها في التليفون وهي مخضوضة فوقفت وهي مش فاهمة حاجة وبتسأل أمها عن اللي حصل، وليل كل اللي قالتهولها:

-فيه كيس علاج في اوضتي في الدولاب تحت الهدوم روحي هاتيه قوام يانجمه. 

جريت نجمه على أوضة أمها جابت الكيس واديتهولها فطلعت ليل منه المسكن اللي قالها الدكتور تاخد منه عند اللزوم وأخدت منه حبايه، ورفعت عيونها على نجمه اللي كانت واقفه مستنيه منها تفسير، فسألتها نجمه بخوف:

-فيه ايه ياماما إيه اللي بيحصل معاكي بالظبط؟ 

ردت عليها ليل بتعب:

-استني اخوكي جاي وهو يقولك، بس دلوك رني على أبوكي وشوفيه فين..كلميه وقوليله ارجع وامي هتفهمك كل حاجة. 


حاولت نجمه ترن على أبوها مره بعد مره، جرس ومفيش رد وفي الأخر التليفون اتقفل! 


اما غريب ففضل سايق من غير مايعرف نفسه رايح فين، لف في الطرقات كتير وهو بيتفرج عالناس اللي رايحه وجايه وعقله رافض يستعيد اي حاجة من اللي سمعها أو يفكر فيها، حاسس إنه مش هيستحمل مجرد التفكير في الموضوع، أخيرًا لقى نفسه واقف قدام العمارة اللي فيها شقته القديمة، واللي لسه محتفظ بيها لحد النهاردة، نزل من العربية وطلع الشقة بعد ماطلب النسخة الإحتياطية من البواب، وأول مادخل إترمى على السرير بتعب وغمض عنيه وابتدا كلام شهاب يتردد فودانه من تاني..


"بعد ماتتاخد خزعة من الورم وتتحلل ونعرف حميد ولا خبيث" 


جملة كفيلة بإنها تهد جبل مش تكسر بني آدم. 

يعني ايه، يعني ليل مريضة سرطان؟ يعني المرض الخبيث دخل جسمها وهو غفلان عنها مش حاسس بيها وهو اللي فاكر نفسه بيحس بيها وبأقل حاجة بتحصلها!

 شاف نفسه قصر في حقها وإنه خذل حبه ليها، والأصعب عليه وعلى قلبه انها خبت عليه وجعها وكأنه غريب عنها، وكأن من حقها تحتفظ بوجعها لنفسها. 


بركان نار بين ضلوعه وخوف اتملك منه ملوش أول عن آخر، وابتدى السؤال اللي خايف منه يطرح نفسه ، ياترى ممكن ليل تسيبه وتمشى، ياترى ممكن يتلفت حواليه فيوم ميلاقيهاش؟ طب ساعتها الدنيا هيكون فيها إيه يتعاش ومع مين؟ 

دقايق بص فيهم للسما وبعدها اتعدل مرة وحده وهو بيقول لنفسه:


- إنت حيوان ياغريب، لا دانت مش بس حيوان داانت اغبى حيوان على وش الدنيا، يعني زعلك منها يخليك تسيبها وتهرب، في الوقت اللي المفروض تاخدها فيه فحضنك وتطمنها انك جنبها، معقوله زعلك منها يكون اكبر من خوفك عليها! 

طيب هي حاسه بأيه دلوقتي، إزاي إنت هنا وسايبها هي هناك لوحدها فوق خوفها على نفسها خايفه عليك وزعلانه على زعلك؟ 

اخد المفاتيح ونزل جري على تحت ركب عربيته وانطلق بيها على الفيلا بأقصى سرعة، وصل ونزل ملهوف، جري عالفيلا ودخل وكانت ليل قاعده عالكنبه وشهاب ونجمه جنبها، وحتى جوهره معاهم.. والكل منهار ونجمه بالاكتر، وأول مادخل هبت ليل واقفه، مشيت نحيته خطوة، بس هو جري عليها باقي المسافة جري، وبحركة سريعة اخدها فحضنه، ضمها عليه ضمة أب خايف على بنته، وفي اللحظة دي بس إنهار.. 

أما هي فمكانتش عارفه تضحك ولا تبكي، فرحانه برجوعه بس أول مرة تسمع دقات قلبه بالطريقة دي، أنفاسه تكون متقطعه كده، عيونه تكون باللون ده. 

استسلمت اخيرًا لضعفها بين إيديه واترخي جسمها وهو حس فبعدها عنه ولقاها خلاص بتقع وهيغمي عليها، شالها وجري بيها على أوضتهم، نيمها وهو مش مبطل زعيق في شهاب:

ياشهاب اتصرف وفوق امك انت مش دكتور ولا ايه؟ 

شهاب عمل اللازم لغاية ماليل فاقت وفتحت عنيها اللي اتعلقوا بغريب وقالتله بضعف:

-حقك عليا والله مااقصد، اني بس... 

حط إيده على بوقها منعها تكمل ورد عليها بحنان:

-دا انتي اللي حقك عليا ومتزعليش مني ياليل، أنا معرفش ازاي رد فعلي كان كده، حقيقي انا مكنتش عارف نفسي بعمل ايه، انا لغاية دلوقتي حاسس إن مخي مشلول ومش عارف أفكر، بس لما حطيت نفسي مكانك لقيتني كنت هتصرف زيك بالظبط، كنت هخبي عنك من خوفي عليكي زي ماخبيتي عني، وكنت هحاول اتصرف من وراكي ومصدمكش الا لو خلصت معايا كل حلول الأرض، وياريتني انا اللي بدالك ياليل. 

حطت ايدها علي بوقه وهي بترد عليه بفزع:

-اخص عليك ياغريب متقولش إكده الف بعد الشر عنك، اني كلي فداك يانن عيني، وبعدين متخافش قوي إكده هتعالج وابقي كيف الحصان بس بعد فرح نجمه واطمن عليها. 

صرخت نجمه فيها:

-افراح إيه وزفت إيه ياأمي، مفيش افراح، مفيش جواز، مفيش اي حد هيفرح غير لما نطمن عليكي انتي الأول، طظ فكل حاجة في الدنيا. 


ردت عليها ليل بحزن وهي باصه لغريب:

-اهو ديه اللي مكنتش عايزاه وكنت خايفه منه، مكنتش عايزه اعكركم ولا اعكر فرحتكم 


مكنتش عايزاكم توقفوا حياتكم عشاني.

رد عليها شهاب:

-حياتنا ايه ياامي اللي منوقفهاش عشانك؟ حياتنا اللي بتتكلمي عنها دي هي انتي، انتي محور حياتنا ومن غيرك كل حاجة تنهار وتبوظ، إحنا عاملين زي حيط كل طوبه فيه مبنيه على طوبه ومينفعش طوبه تختل.. بكده الحيط كله هيتهد، وعشان كده أمر اي حد في العيلة دي مش مقتصر عليه لوحده، ولا قراراته خاصة بيه لوحده ولازم كلنا نشارك بعض فأقل تفصيلة فحياتنا.


رد عليه غريب وهو برضوا عينه على ليل:

-سمعتي كلام إبنك، شفتي طلع بيفهم ازاي، ياريت بقى كلنا نعمل بالكلام ده، ولو علي5 فرح نجمه اللي زعلانه عليه مش هنأجله غير لما نشوف الدنيا فيها إيه، دلوقتي جهزيلي نفسك عشان هنسافر.


ليل:

-هنسافروا فين؟

غريب:

-اي بلد فيها أشطر واكبر دكتور يقدر يعالجك، ودي مهمة شهاب هو اللي يدور ويعرف ويبلغني في خلال ساعات على بال مانجهز الشنط، والموضوع دا هيفضل سر بينا إحنا الاربعه بس، قدام الناس إحنا مسافرين في رحلة إستجمام، مش عايزين نقلق حد ونوقف حياته معانا.


رد عليه شهاب:

-حاضر يابابا إعتبره تم.. قالها وهو بيتحرك فورًا عشان يروح اوضته ويبدًا رحلة البحث عن الدكتور.


اما نجمه ففضلت قاعده جنب أمها وماسكة ايدها بخوف، وكأنها بتقولها متسيبينيش انا محتاجالك، أما غريب فإبتدا يهدي نفسه ويحاول يفكر صح، كلم المكتب بتاعه وقالهم إنه في أجازة بس هيتواصل معاهم بالتليفون عشان يتابع اي مستجدات.


ومسك اللاب بتاعه وأخد الاشعات بتاعة ليل صورهم وإبتدا يبحث بيهم على النت ويكلم دكاتره كبار يبعتهملهم ويستفسر عن الحالة، دا غير إنه فضل يبحث في معلومات الرعاية والعناية بمريض السرطان، أكله وشربه ونمط حياته ويخزن كل المعلومات في دماغه.


وفي الاثناء دي اتصل عليه يمان اللي اتبلغ بخبر طلبه للأجازة وقاله:

- غريب اجازة إيه اللي طالب تاخدها دلوقتي وانت عارف إن البلد في حالة طوارئ ومطلوب من الكل رفع حالة التأهب القصوى، طلبك للأجازة اترفض دلوقتي حالًا من الباشا وأكد على إنك تكون على مكتبك من بكرة.

رد عليه غريب ببرود:

-تمام هكون على مكتبي بكره بس عشان أكتبله إستقالتي.

إتصدم يمان وحتي ليل ونجمه.. ويمان رد عليه بزعيق:

-غريب انت بتقول إيه، ازاي يعني تستقيل وليه؟

غريب:

-عشان عندي حالة طوارئ ومحتاجة حالة تأهب قصوي اكتر من أي حاجة تانيه في الدنيا.

يمان:

-اكتر من بلدك ياغريب، اكتر من وطنك؟

غريب:

-ماهو انا هعمل كده عشان وطني برضوا.

قفل غريب مع يمان وسابه غرقان في حيرته بسبب قرار والغاز مش فاهم منهم حاجة، وملقيش تفسير ليهم غير إن غريب اتجنن خلاص.


بعد ماقفل غريب مع يمان اتصل بنادر اخوه وقاله:

-نادر، عامل ايه ياحبيبي، بقولك عايز فلوس، فيه معاك؟

رد عليه نادر اخوه بإستغراب:

-اكيد معايا، معايا نصيبك من ارباح الشركة السنتين اللي فاتو واللي كل مااقولك تعالى نتحاسب وخد حقك تقولي مش وقته ومش محتاجهم خليهم معاك!

غريب

-طيب انا محتاجهم دلوقتي حولهم وانت عارف حسابي.


نادر:

- من عيوني حاضر، بس يعني ممكن اعرف السبب اللي عايز عشانه الملايين دي بإستعجال كده لو ميدايقكش يعني ومتعتبرها تدخل مني في خصوصياتك؟ 

 غريب:

-لا ابدًا، بس انا بعمل في اكاديمية مش عارف إنت عندك خبر بيها ولا لأ ومحتاج سيولة عشان اكملها فأسرع وقت. 

نادر:

-اه عارفها مش اللي هتعملوها إنت وقاسم ويمان؟ 

غريب:

-عليك نور هي دي. 

نادر :

-تمام هحولك الفلوس وهبعتلك كمان الميزانية بتاعة الشركة عالسنتين اللي فاتوا وكل حاجة خاصة بالحسابات تراجعها،وشوف المبلغ هيكفي ولا ابعتلك عليه تاني من حسابي. 


غريب:

-بقولك ايه يانادر فكك، هو انا مش مأمنك يعني عشان تبعتلي كل ده؟ وبعدين مش هحتاج بإذن الله. 

نادر:

- دا حقك ياحبيبي.

غريب:

-حقي عارفه فإدين أمينه ولولا كده مسبكش بالسنتين محاسبكش واخلي فلوسي معاك. 

نادر:

-ماهو مفيش حد بيسرق نفسه ياغريب، وانت نفسي ياحبيبي. 

غريب:

-تسلملي ياحبيب اخوك، طب يلا طير انت بقى مش هنقضيها حبيبي وحبيبك ونلفلف لبعض ورايا شغل.


ضحك نادر ونهى المكالمة مع غريب، وبعدها حوله المبلغ لحسابه ووصلت رسالة لغريب من البنك، وكمان وصلتله رسالة على الواتس بصور لأوراق الحسابات من نادر، وكاتبله تحتهم..

 "لو كنتوا اخوات اتحاسبو" ووشوش بتضحك، فإبتسم غريب وطلع من الواتس من غير مايبص في الورق ولا يعرف إيه المكتوب فيه.

فضل يبحث على اللاب بإهتمام شديد وليل مراقباه بعيون مليانه حب وحسرة، وقلب فرحان وبيبكي فنفس الوقت، شايفه إهتمامه وحبه ليها اللي مستعد يتخلى عن العالم كله في سبيله، وخايفه عليه من الحب دا يدمره من بعدها وميعرفش يتخطى ولا يعيش حياته.

أما نجمه فجاتلها رسالة من إيان علي تليفونها وهي قاعدة كاتبلها فيها:

"نجمتي فينك.. وحشتيني" 

قرت الرسالة ومردتش عليه وقفلت التليفون، مع إن رسالة زي دي في وقت غير دا وظرف غير دا كانت هتطيرها فوق السحاب من السعادة، لكن الظاهر إن ليل بالنسبة لكل عيلتها اغلى من كل حاجة وفوق الكل ومن بعدها الطوفان. 

وإنطبق الأمر على شهاب كمان، اللي كلمته إيميلي فرد عليها ببرود خلاها نهت معاه المكالمة قوام ومهتمش لكونها ممكن تزعل منه او تاخد موقف من طريقته في الكلام. 


 في الوقت دا البيت كله كان عبارة طاقة سلبية بسبب خيمة الحزن اللي خيمت عليهم كلهم، مفيش بس غير جوهره اللي كانت بتعيش أسعد لحظاتها، وكانت بتتحرك في المطبخ والبيت والجنينة بحرية تحت رعاية:

-مصائب قوم عند قوم منافع. 



أما عند ماهر وموده.. 

وصلوا اخيرًا الشاليه بتاع يمان في العين السخنه، نزلوا من العربية ونزلوا الحاجة اللي فيها بمساعدة الحارث بتاع الشالية، ودخلت موده اطمنت على إن كل حاجة تمام ومش هتحتاج حاجة قريب، فمشت الحارس ودخلت هي وماهر فى هدنه مع نفسهم من كل حاجة، إبتدوها بإستعادة كل الذكريات الجميلة، وفوسط الكلام ضحكة حلوة ولمسة حنونة وضمة رجعت لماهر شغفه للحياة اللي ضاع فى الزحمة واتسلسل مع رجليه العاجزة. خرجوا للبحر، نزلته موده البحر ونزلت معاه، مغوطوش لجوه بس كانوا قاعدين في المية اللي غسلت روحهم مع جسمهم وخلتهم في حالة إسترخاء فظيعة.. ميه وسما وهدوء وهما الاتنين بس والدنيا كلها ورا ضهرهم، هي دي لحظات السعادة المطلوبة اللي بتدي للواحد باور وتخليه يقدر يواصل. 


أما في البلد قبل كام يوم... 

جه نص الليل وراحت نواره للسرايا تتسحب، والنوبادي لحالها من غير عيشه، خبطت خبطتين عالبوابة بالراحة وكان شاكر مستنيها، فتحلها البوابة ودخلها وقفل وراح على اوضته ولا مين شاف ولا مين دري. 


دخلت نواره تتسحب وراحت على أوضة مصرية ووفقي، رفعت يدها عالأوكره بتاعة الباب ولسه هتفتح لكنها اتراجعت بخوف لما سمعت صوت مصرية عتتحدت:

-مالك بس ياولدي مراضيشي تاخد البزازه ليه، الواد عاف البزازه ياوفقي ومراضيشي باللبن الصناعي اعمله إيه؟ 

رد عليها وفقي وهو عياخد منها الواد اللي عيبكي من الجوع ويبصله بحيره:

-متشوفيله وحده من حريم البلد تكون عترضع تاجي ترضعه يامصريه.


ردت عليه بغضب:

-وتوبقى أمه ويبقى أخو عيالها وتفضل في كل قعدة تقول رزق ولدي واخو عيالي، ويكبر الواد تكسر عينه بكلمة انا امك ورضعتك؟


رد عليها وفقي وهو عيبص للواد اللي اتفلق من العياط:

-ياستي نجيبوهاله من بلد بعيده، من أي غاره لا تعرفنا ولا نعرفوها، الواد هيموت من الجوع.

بصت مصرية للواد وردت بقهر:

-وتحطه على صدرها وتحقق امنيتي قدامي واحس اني بالقهر والنقص فكل مرة ترضعه فيها؟

رد عليها وفقي بغضب:

-يعني عشان متحسيش بالنقص نموتوا الواد اللي ماصدقنا شوفناه؟ متعقلي كلامك وتصرفاتك يامصرية، وبعدين لما تاجي وحده ترضعه وتكون مخلفه عيال قبل سابق حتى تعلمك تهتمي من الواد كيف وتاخدي بالك منيه، انتي برضك محداكيشي خبرة كد إكده في العيال وتربيتهم، زيك زي أي أم عتخلف لأول مره.


بصتله مصرية ومردتش ومن الواضح إن الكلام مكانش عاجبها، فرمت البزازه من يدها ونامت على السرير وغمضت عنيها وسابت وفقي واقف بالواد اللي بكاه كل مادا يزيد مينقوصشي، وبعد شوية قالتله:

-خده واطلع بيه بره عايزه اناملي هبابه، ديه وجع راس ووجع قلب، اني مكنتش عارفه إن الأمومه صعبه قوي إكده.


خد وفقي الواد وطلع بيه، ونواره اول ماشافت الأوكره عتتفتح جريت استخبت في الركن ورا ستاره واستنت لما وفقي بعد عن الأوضه وراح عالصالة وفضل رايح جاي بالواد يحاول يديه البزازه والواد رافضها ويبكي وحست إن وفقي خلاص قرب يبكي معاه من كتر الحيرة..

فضلت متحملة صوت بكاه وجوعه وعتتمني لو بس يغفى شوية ووفقي يسيبه ويروح ينام وهي تاخده ترضعه وتسد جوعه، لكن الظاهر الجوع طير النوم من عيونه، صدرها حن وإبتدا ينزل الحليب ويغرق هدومها، وفلحظه فقدت فيها كل الإدراك والعقل وسيطرت عليها أمومتها طلعت من ورا الستاره وراحت على وفقي اللي كان مديها ضهره، وأول مالفت وبقت فوشه برق عنيه وقال بصدمة:

-نواره؟

مردتش عليه بس خطفت الواد من يده وقعدت وحطته على صدرها من تحت خمارها وإبتدت ترضعه، والواد ماصدق لقاها وكأنه كان مستنيها..

سألها وفقي بإستغراب:

-ميته دخلتي إهنه وكيف؟

ردت عليه وهي عتبص لولدها:

-ربنا ساقني لولدي كيف مارد سيدنا موسى لأمه وخلاه ميرضاش يرضع غير منها، كيف مايكون عيقول للكل داي أمي غصب عنكم.

بص وفقي ناحية اوضة مصريه بخوف، وفنفس الوقت ماصدق إن نواره جات في اللحظة دي رحمة للواد اللي هيموت من الجوع، مردش عليها بس فضل رايح جاي على اوضة مصريه يراقبها من خرم الباب أحسن تصحى وتخرب الدنيا، وتقطع رضاعة الواد وتتجنن عليهم، وهو اهم حاجة عنده دلوك إن ولده رزق يرضع ويشبع.

فتح الباب بشويش وفضل مواربه وباصص على مصرية مراقبها، وعين عليها وعين على نواره، اللي كانت ضامه ولدها بحنان ام حقيقي، بغريزة الظاهر إنها عتتولد مع الضنى وفيه حريم معتزورهاش واصل.


شاف لمستها الحنونه للواد وكيف ارتاح فحضنها ورضع لما شبع وكرعته ونام.. وقامت بعدها فضت البزازه وملتها لبن من صدرها وادتها لوفقي وقالتله:

-خد داي ولما يجوع اديهاله، بس اديهاله دافيه، ولو خايف صوح على ولدك قول لمصرية إنك هتجيب للواد حليب من واحد مرته لساها والده وهتشيعله كل يوم بزازه ولا تنين، وانه حن على حال الواد لما حكيتله، واني في النهار هشفط من صدري وادي لشاكر وهو يديهولها ويقولها البيه مشيعهم، وفي الليل اجي احطه علي صدري واطمن عليه، وحسبي الله ونعم الوكيل فيكم انت ومصريه كيف مامشحططيني اني وولدي وميتمينه وامه عالدنيا.


بصلها وفقي وخد منها البيبرونه وهو عيقلب كلامها في دماغه وشاف إنه لموصلحة ولده ومصلحته، وإن كان على مصرية فمش لازم تعرف حاجة.

فرد عليها بهدوء:

-ماشي يانواره اني موافق، بس ديه لغاية مالواد يشد حيله ويعرف ياكل، وبعدها تروحي لحال سبيلك وتنسيه، ومتخافيش رضاعتك ليه مهتكونش ببلاش، اني هطلعلك راتب شهري عشان متوبقيش مجبيه لا عليا ولا على ولدي، واهو عالاقل تاكلي وتتغذي بيهم، ودلوك اطلعي كيف مادخلتي، وخلي شاكر يقفل البوابه وراه زين.


طلعت نواره بعد ماضمت ولدها لآخر مره وشمته وطبعت على كل حته فجسمه كذا بوسه، وسابته على عينها، كانت تتمني إن وفقي يحن قلبه عليها وعليه ويقولها خليكي مع ولدك، بس الظاهر سطوة مصرية اكبر من رأفة قلبه.. بس الحمد لله مطلعتش اكبر من محبته لولده.

طلعت على البوابه فجالها شاكر جري وسالها:

-هاه عرفتي تستفردي بالواد ولا لا، وليه طلعتي قوام!

-وفقي صاحي وعكشني

شاكر:

-ياوقعه مربربه، اتقطع عيشي.


نواره:

-له متخافش بس قوله إنك لما سمعت رزق مفلوق من العياط انت اللي شيعتلي عشان خفت عالواد تجراله حاجة، إنت بس تتحجج بخوفك عالواد وفقي هيغفرلك اي حاجة. 

خلصت كلامها وطلعت وقفل شاكر وراها البوابه، ولف عشان يروح اوضته شاف وفقي واقف وراه وعاقد اديه ورا ضهره..

شاكر:

-عارفك هتقول ايه يابو رزق، بس صدقني اني شيعت علي٦ نواره من خوفي عالواد، سامعو بودني مفلوق من العياط وانتوا محتارين فيه وقولت الواد اللي جالك بعد شوقه خساره تجراله حاجة وتخسره، والست مصريه معارفاشي حاجة.


سمع وفقي الكلام وفك اديه واتنهد بقلة حيله ورد عليه:

- معاك حق والله، عمومًا تشكر ياشاكر، وليك حداي قرشين زينين مع انك خالفت الأوامر بس هسامحك لأنك خالفتهم عشان خاطر رزق، وعايزك تسمعني وتفهم اللي هقولهولك زين ..نواره كل يوم هتجيبلك قزازة حليب مرة او مرتين في النهار على حسب، تاخدهم منها وتدخلهم لمصرية وتقولها إني عشيعهم مع صبي من الشغل، ومتخليش نواره هي اللي تجيبهم لهنه، يعني لو شيعتلها إنت جبت منها يكون احسن، ولو جات تصرفها طوالي واوعاك مصرية تلمح طرف توبها. 

رد عليه شاكر :

-طيب ياوفقي بيه ماني عقول يعني..

قاطعه وفقي قبل مايكمل:

-مش هينفع ياشاكر، مش هينفع واصل، إعمل بس اللي عقولك عليه دلوك، ولو نواره جات بالليل متاخر دخلها بس تتاكد إن مصريه نايمه، أوعاك تكون عارف انها صاحيه وتدخلها، ساعتها مش هتتقبل ليك اي شفاعة حداها، ولا اني هعرف ادافع عنك واخليك، السرايا بتاعتها وانت خابر من حكم في ماله ماظلم.


هز شاكر دماغه بتفهم وراح على أوضته ينامله هبابه بعد ماوفقي دخل السرايا، وهيستنى الصبح يصبح بفارغ الصبر عشان يروح يبلغ الاخبار الحلوة لنواره، وإن اول قطرة من الرحمة نزلت وباقي الغيث جاي بس عايز صبر..


قامت مصريه الصبح وشافت وفقي واخد رزق فحضنه ونايم، والواد لا حس ولا خبر، وجار منه البزازه مليانه زي ماهي!، راحت عليهم ومدت يدها تشوف الواد ليكون مات من الجوع ووفقي ميعرفش، لكنها لقته نايم بعمق!

صحت وفقي بهزه من يدها وسألته:

-وفقي، ياوفقي، رزق نام كيف إمبارح، ورضع إيه وبزازته مليانه كيف ماهي؟

رد عليها وفقي وهو عيتعدل ويبص لرزق يطمن عليه:

-الظاهر كان حداه مغص إمبارح ولما خف رضع ونام، والبزازه داي اني عملتهاله قولت ربما يصحى تاني تكون جاهزه.

ردت عليه مصريه وهي عتمد يدها عالبزازه:

- طيب الحمد لله، داني نمت إمبارح واني قلبي عيتقطع عليه. 

خطف وفقي البزازه من يدها وقالها:

- إيوه ماني شفت قلبك وهو عيتقطع.. ومالها داي واخداها مودياها وين؟ 

-هكبها واعمله غيرها، اللبن الصناعي ليه ساعات ويفسد، مش الداكتور قالنا إكده ولا نسيت؟ 

رد عليها وهو عيرجع البزازه مكانها:

-له ماديه معداش عليه ساعات ولا حاجة، اصلا رزق لساه نايم من شويه واني عيملتها من مفيش بعد مانام، همليها وروحي اعمليلي فطور جعان. 


بصتله مصريه بإستغراب وراحت عالموطبخ تعمل الفطور، وهو في الوقت ديه طلع عالحمام بل فوطه ميه سخنه ولف بيها البزازه لغاية مادفي الحليب اللي فيها وصحى رزق رضعهاله وبس عيميل إكده خد نفسه واطمن على ولده إنه فطر وهيروح شغله وهو مرتاح البال. 


رجعت مصريه وشافته شايل رزق اللي كان صاحي فايق وراضع البزازه كلها، فقربت عليه وخدته منه وهي عتقوله:

-شايفه الواد اتعلق بيك وبقي يسكت معاك ويرضع من يدك احسن مني ياوفقي، الظاهر إنه حاسس إنك ابوه وعرف إني مش أمه. 

رد عليها وفقي بنفي:

-يابوي حاسس ايه وعرف إيه، انتي عتقولي ايه، انتي شايفاه واحد كبير قدامك عيعرف ويفهم؟! كل الحكاية إنه كان تعبان شويه ودلوكيت خف الف حمد وشكر، خدي يلا ولدك شيليه وشطفيه وغيريله واخزي الشيطان وحصليني عشان نفطورو سوا. 

خدت مصريه الواد منه وراحت شطفته وغيرته وطلعت لوفقي اللي كان قاعد على السفره عياكل وسرحان، وأول ماشافها جايه بالواد إبتسملها، ولما قعدت قالها:

-عقولك يامصريه، النهارده هشوف حد من العمال حداي تكون مرته عترضع واقوله يخليها.. 

- له ياوفقي متشوفش، هو هيرضع صناعي خلاص. 

وفقي:

-افهمي يابقره وهمليني اكمل حديتي، اني هخليه يقولها تحلب من صدرها وتجيب الحليب في قزازة، وانتي تديه لرزق، ولا يشوفها ولا تشوفه ولا تعرفه من أصله. 

سكتت مصريه شويه وبعدها ابتسمت وردت عليه:

-طب والله فكره زينه، ولا يتعب من اللبن الصناعي ولا يسهرني بالليل من الجوع والبكا. 

وفقي:

-له لو عالسهر خلي عنك اني هقوم واسهر بيه وانتي بزياداكي تعب النهار ياغالية. 

مصريه:

-تسلملي يابو رزق، طيب اقولك، مره وحده يمكن حليبها ميكفيشي، شوف اتنين تلاته يساعدوا بعض. 

رد عليها بصوت عالي:

-مااجيبلك من كل مره في الدنيا رضعه عشان لما يكبر ميلقاش وحده يتجوزها وكل البنته يوبقوا اخواته، متهدي يامصريه هبابه ومتفكريش انتي احب على راسك تفكيرك عيطين الدنيا، واوعاكي تجتهدي من نفسك وتجيبيله حليب من اي وحده، لو مشيعتش اني رضعيه صناعي سامعه. 


مصريه:

-يابوي سامعه، سامعه، قوم بس انت روح علي شغلك ومصالحك وشيع اللي هتشيعه واني مستنيه. 

وفعلًا طلع وفقي على شغله وهمل رزق وهو فرحان ومرتاح النهارده غير اي يوم، ومتأكد إن نواره مش هتنساه وهتفتكره وهتشبعه، وكل مادا يتأكد إن ولده محتاج لأمه وإن تفريقهم اكبر غلطة ومش عارف إيه اللي مانعه إنه يصلحها ويلم شملهم، إيه اللي مكتفه ومخليه كل مايفكر يرجع نواره ميقدرش، إيه اللي مسلسله من ناحيتها ومخلي فكرة رجوعه ليها ابعد من النجوم وهو عارف إنه يقدر يأثر على مصرية أو يجبرها.. وإن الموضوع مش هياخد منه جهد كد اللي عيبذله في انه يدادي مصرية عشان خاطر تاخد بالها من الواد، ولو عالأملاك والأرض مفيش حد هيقدر يبصلهم طول ماهو رجله فيهم؟! والأهم إنه مشتاق لنواره طول ماهي بعيد عن عينه وعيفكر فيها، بس أول مايشوفها عيروح كل الشوق ويحل محله كره وغيظ مع انها معملتلوشي حاجة واصل.. 

أسئله كتيره مش لاقيلها إجابه ومخلياه واخد قرار تاعبه والحل بسيط وفيده،القصة فيها لغز مش عارفله حل وحارق روحه،كيف اللي قدامه الجنه وعتفصله عنها خطوة وحده وهو قاعد في النار بخطره. 


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ريناد يوسف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة