-->

رواية جديدة محسنين الغرام لنعمة حسن - الفصل 3 - الأحد 25/5/2025

  

  قراءة رواية محسنين الغرام كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر



رواية محسنين الغرام

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة نعمة حسن


الفصل الثاني

تم النشر الأحد 

25/5/2025




في الصباح .. 

كانت نغم تجلس على الفراش بغرفة خالتها ، تقضم أظافرها بتوتر وهي تفكر .. ماذا بعد أن عاد حسن ؟! هل سيكتب عليها الشتات والتيه من جديد ؟! هل ستجرب فقدان خالتها مرة أخرى !! 

بعد ما حدث أصبحت تصاب بالهلع لمجرد احتمال أن تتواجد مع حسن في نفس المكان ، ولكن ماذا بعد ؟! هل ستترك المنزل وتهيم في الأرض مجددًا لتقضي في كل مكان فترة ؟ 

البداية كانت بالڤيلا .. وبعد هروبها منها لجأت للعم إكرامي ، لينتهي بها المطاف في منزل فريد ..

تذكرت قولهُ أنه قد سجل المنزل باسمها، وهذه تضحية لم تتوقعها منه أبدا خاصةً في ظل الظروف التي تمر بها العائلة ، ولكنه لن يكون فريد إن لم يفاجئها في كل مرة . وحتى وإن كان قد سجل المنزل باسمها فهذا لا يعني مطلقًا أنها ستقبل بذلك، ولن تقبل أن تعود للعيش مع حسن من جديد ، ولن تكون عالة على غيرها مرة أخرى .. لا بد أن ترسم لنفسها طريقًا تسير فيه دون الحاجة لأي شخص .

انتبهت إلى حركة خالتها والتي قد بدأت بالاستيقاظ ، ومن ثم نظرت إليها قائلة :
ـ صباح الخير يا نغم ..

ـ صباح الخير يا خالتي ..

ـ غريبة يعني ، صاحية بدري ليه النهار ده ؟

تنهدت نغم وهي تمسك بشعرها وتجمعه للخلف بعشوائية وتقول:
ـ أنا لسه منمتش ..

ـ ليه ؟! 

رفعت الأخرى كتفيها في إشارة منها لعدم معرفتها بالسبب، بالرغم من أنها تعرف مسببات أرقها جيدًا، ولكنها لن تفصح عنها رغبةً في عدم الخوض في حديث لا يجدي منذ الصباح، فتساءلت عائشة بلهفة :
ـ حسن مرجعش وأنا نايمه ؟

ـ لأ .. 

زفرت نفسًا مكتومًا، ثم قالت باستسلام وهزيمة :
ـ حسن مش هيسامحني بالساهل ، دماغه حجر صوان طول عمره .

ـ متقلقيش ، إن شاء الله هيرجع ، هيروح فين يعني ؟

ـ يروح لسالم مثلا !! مين عارف .

زفرت نغم باستياء وقالت :
ـ حتى لو حصل ، بقا أمر واقع خلاص وحسن عرف انه أبوه، يعني سواء النهارده أو بعد سنه كده كده هيحصل بينهم كلام والمياه هترجع لمجاريها ..

فأجابتها الأخرى بنبرة حادة جافة:
ـ مياه إيه ومجاريها إيه .. بقا بعد ما كبرت وربيت وشقيت لوحدي عليه ٣٣ سنه يسيبني ويروح لأبوه !! مش كفايه بنتي اللي عشت قلبي محروق عليها السنين دي كلها وهي عايشه !! ودلوقتي رافضة حتى تسمعني وتعرف مني الحقيقه ، الله أعلم أبوها قاللها إيه شحنها ضدي وخلاها ترفض تكلمني بالشكل ده .

كانت نغم ترمقها بحسرة، بشفقة، تعلم أن منطقها هذا لا يخلو من الأنانية ولكنها لا تملك سوى مواساتها، لذا نهضت وجلست بجوارها، وأسندت رأسها على كتف خالتها وأمسكت بيدها وهي تقول:
ـ كل حاجه هتتحل مع الوقت يا عيوش، حسن بيحبك ومستحيل يفضّل حد عليكي.. هو بس تلاقيه مخضوض من الحقيقه ومتاخد ومش عارف يفكر .. 

ثم أضافت بقليل من المرح:
ـ ماهو بصراحة حاجه تخض يا عيشة لما يبقا عايش العمر ده كله على إنه حسن جادالله ويلاقي نفسه فجأة حسن سالم مرسال..

اهتز كتفاها وقشعر بدنها في انتفاضة مصطنعة وهي تقول:
ـ يمّا .. ده اسمه لوحده يخوف .

ابتسمت عائشة بانكسار، فتابعت نغم متسائلة:
ـ كان إيه اللي عاجبك فيه بذمتك ؟! طب ده حتى عليه حنجرة توقع الدهان من ع الحيطان .

اتسعت ابتسامة عائشة ثم نظرت إليها بطرف عينها وهي تقول:
ـ وانتي كان إيه اللي عاجبك في فريد ؟! 

شحبت ابتسامة نغم فجأة ، وتهدلت ملامحها بإحباط، وامتلأت عيناها بالدموع وهي تقول :
ـ فريد ! .. يا ريت كل الناس زي فريد .

ثارت نبضات قلبها لدرجة كادت أن تصيبها بسكتة قلبية، وأفرجت عن دمعات لعينة كانت تحتجزها بمقلتيها وهي تتابع :
ـ هو بس عيبه الوحيد إنه غبي حبتين .. لأ.. مش حبتين.. كتير .. 

وأغمضت عيناها تعتصرهما بينما الدموع تغادرهما كفيضٍ جارف وهي تقول بانهزام:
ـ كان نفسي أفضل معاه .. كل حاجة كانت جميلة بوجوده ، أنا عمري ما هحس تاني بالأمان اللي كنت حاسه بيه وهو معايا ، مع اني مقولتلوش اني بحبه ، ولا هو نطقها .. بس كنت واثقه من حبه ليا .. وزي الغبية كنت متأكدة إنه هييجي اليوم ويقولها ، بس للأسف ملحقتش .

وارتجف فكها في ابتسامة واهية وهي تتابع:
ـ قليل البخت بقا .

حركت عائشه رأسها قي يأس، تعلم كم أنها تحبه، وتعلم كذلك حجم الألم بقلبها بعدما خذلها ورفض تصديقها واتهمها بالكذب، فلقد حكت لها نغم كل شيء منذ بداية هروبها من البيت سابقا، مرورا بخديعة الحفل ثم تقربها من فريد، ووصولا إلى حفل ذكرى التأسيس والتي كشفت كل الحقائق يومها . لذا تنهدت ثم ضمت نغم بقوة إلى صدرها وهي تقول :
ـ لو بيحبك بجد مش هيسيبك الا لما تسامحيه ..

حينها انفجرت نغم باكية وهي تقول بحسرة:
ـ فريد سافر خلاص .

نظرت إليها خالتها بتعجب وقالت :
ـ سافر !!

أومأت بموافقة وهي تجهش في بكاءٍ مرر إليها نوبة من خيبة الأمل فتساءلت عائشة وقالت:
ـ سافر من غير ما يقولك حاجه ؟! سافر كده وخلاص ؟!

ـ قاللي آسف . 

وصمتت وابتسمت بسخرية يغلفها الألم، ثم تابعت:
ـ كان فاكر إن آسف دي هتعدي الموضوع وكأن مفيش حاجه حصلت، بس في حاجات تعدي وحاجات لأ ، أنا سامحته أول مرة بس المرة دي لأ.. لأني لو سامحته تاني مش هتبقا آخر مرة، في كل مرة هييجي عليا أنا ويكدبني ويشك فيا وييجي يقولي آسف ، وأنا مهما كنت بحبه مقدرش أتحمل ولا يمكن أقبل تكون دي حياتنا مع بعض .. الشك والتخوين هيخلوني أكرهه مع الوقت.. يبقا أحسن ليا وليه اننا نبعد وأفضل محتفظة بحبه بيني وبين نفسي .

أنهت كلماتها بقرارها الذي أخذته وتتمنى لو أن بوسعها تنفيذه، لو أن بمقدورها تدبر أمر قلبها وحدها دون أن يئن تحت وطأة الشوق ، لو أنها تحلّت بالشجاعة الكافية التي تُخولها للتصدي لتلك المشاعر الضارية ، حينها فقط ستصبح بخير .

❈-❈-❈  



بعض الذكريات مصنوعة من مواد غير قابلة للاشتعال ، لا تفنى ولا يزول أثرها مهما حاولنا سكب وقود النسيان فوقها ؛ فتظل قيد الحياة تشتعل وتتأجج ولكنها لا تغدو رمادًا مهما حدث .

منذ تلك اللحظة التي غادر فيها المنزل بعد مواجهته مع والدته وهو يفكر، أين سيذهب بعد أن تقطعت به السبل ؟! وبعد أن فقد الرغبة في الاحتكاك بأي كائن حي ؟ ليجد الإجابة تفرض نفسها عليه في النهاية ، منزلهم القديم المحترق .. الذي سيحتويه مهما كانت حالته الآن .

وبالفعل لم يتردد ، فعاد أدراجه إلى الحارة التي كانوا يقطنون بها، ودخل المنزل الذي استقبله بسعة صدر ، وبالرغم من أنه لم يجد بداخله ما يصلح للاستخدام ولكنه شعر بأنه في مكان مؤهل لاستيعاب تخبطه وحيرته .

وها هو منذ الأمس ، يفترش الأرض غير عابئٍ بتلك الآلام التي نخرت عظامه من شدة البرد ، فما يشعر به قلبه يطغى على أي شعور آخر .

ـ انت ابني أنا.. مش ابن محمود جادالله..
ـ كنت خايفة أخسرك وأنا مليش غيرك .
ـ أمك هي اللي غلطانة لأنها كانت أنانية و خبت عليا وجودك .
ـ كنت مجبرة أختار حد منكم ، كان لازم أضحي بحد منكم وأحافظ على التاني..
ـ إنت ابن سالم مرسال ، انت فرع من شجرة عيلة كبيرة وليها صيتها وتقلها ، وأوعدك من اللحظة دي هعمل كل اللي أقدر عليه عشان تعيش العيشة اللي تستاهلها وتليق بيك .

كانت تلك الكلمات تتردد في ذهنه بطريقة كادت أن تفقده صوابه، بطريقة جعلته مشتتًا ، مذبذبًا ، يشعر وكأن هناك صخرتان كلما حاول تفادي إحداهما تعثر بالأخرى ، حقيقتان لا يعلم أيهما أقرب للمنطق، شخصان إذا انحاز لأحدهما لابد وأن يظلم الآخر .

تلك الحقيقة التي عرفها أضرمت النيران في واقعه المر والتهمته كما التهمت جدران هذا المنزل ، تلك الحقيقة المرة كانت من القسوة بأن جردته من كل الأسلحة والأدوات التي كان يعتد بها لمواجهة حاضر يفتقر لكل شيء ، وجعلته يقف في مهبها أعزلًا لا يملك سوى هشيم قلب لم ينجح في التمرد على شيء قط إلا وقد دفع ثمن تمرده باهظًا .

ـ وبعدين يا حسن ؟! هتفضل واخد جنب من أمك وبتحاسبها على غلطة مش غلطتها لوحدها ؟! بس بردو .. سالم مش غلطان ، هو مكانش يعرف اني موجود أصلا .. اكيد لو كان يعرف كان الوضع اختلف.. يعني هو كمان مقدرش أرمي عليه اللوم لوحده.. الاتنين غلطانين .. كل واحد فيهم كان أناني بطريقته .. وفي الآخر ، أنا اللي دفعت التمن .

صُدع قلبه النابض بسبب تلك الحقيقة التي كانت في وضوحها كالشمس، ثُقب صدره وهو يتخيل كيف قضى سنوات حياته وشبابه في فقر و عَوَز وبلطجة بينما كان هناك من يفترشون ريش النعام دون أدنى إحساس بقيمة ما يملكونه، تحطمت روحه، تفتتت لملايين القطع وهو يتخيل الفرق بينه وبينهم ، وهو يتخيل نظرتهم له بعد معرفتهم بحقيقته، لا بد أنهم سينظرون إليه نظرة السيد للخادم ، نظرة استعلائية يملؤها الاحتقار والاشمئزاز، فيما أنهم جميعهم أخوة ، تربطهم نفس صلة الدم، كل الفرق بينه وبينهم أنهم لم يكونوا نتاج نزوة عابرة كما هو حاله .

حوصر داخل عقله وهو يفكر ، من له ؟! لمن سيذهب الآن ويشكي همه ؟! والحقيقة الراسخة الآن أمامه هي أنه لا يملك أحدا .

لذا ، بعدما انتهى من تفريغ دموعه على مأساته الأزلية نهض وغادر ذلك المنزل الذي يشبه قلبه المتآكل ، وقرر العودة إلى الشخص الوحيد الذي يظنه قادرًا على إعطائه الحب ولو قليلًا .. إلى أمه .

***

خرج عاصم من غرفته في تمام الساعة العاشرة ، ثم توجه إلى المطبخ لكي يعد فطوره كما هو المعتاد ، ولكنه قبل أن يدخل إلى المطبخ توقف أمام غرفة نسيم ودار حوارا صامتا مع نفسه كان ملخصه هل يطرق بابها ليدعوها للفطور أم يتركها وشأنها ؟! ولكنه أراد أن يكسر حاجز الصمت بينهما قدر المستطاع لذا طرق الباب ووقف في انتظار صوتها ، يعقب ذلك طرقتين أخرتين ولكنها لم تجب . 

طرق الباب بقوة أكبر ليجدها وقد فتحت الباب فجأة ، واضحًا على ملامحها آثار النوم والضجر يعلو ملامحها ..

ـ في إيه بتخبط ليه كدا ؟

سألته بسخط فتنهد باسترخاء قليلا وقال:
ـ خبطت مرتين قبل المرة دي ، صباح الخير.

كانت تجمع شعرها للخلف مما أظهر ملامح وجهها المستدير بطريقة تدعو لتأمله ، ثم أجابت :
ـ صباح الخير . 

ـ معقوله نمتي بهدومك ؟

قالها وهو ينظر إلى ملابسها فنظرت إلى نفسها بحرج وقالت :
ـ محسيتش بنفسي ونمت فجأة .

أومأ وقال بابتسامة تدعو للهدوء :
ـ طيب على ما تجهزي أكون حضرت الفطار .

هزت رأسها بموافقة، ثم أغلقت الباب وسارت ببطء نحو الحقيبة التي لم تفرغ محتوياتها بعد، وأخذت تنظر إلى ما بها.. الكثير من الملابس باللون الأسود ! 

زفرت بضيق ، في الحقيقة لا تعرف ما كان يدور برأسها عندما قامت بتجهيز تلك الحقيبة الكئيبة ، ألم يخطر على بالها أن تضيف إليها ولو بضع قطع بألوان هادئة للنوم حتى ! 

التقطت ما سترتديه ثم دخلت إلى حمام الغرفة ، وبعد أن انتهت من أخذ حمامٍ منعش قامت بارتداء تلك الملابس التي اختارتها .

غادرت الغرفة وهي تستند إلى عصاها ، لتجده وقد أنهى إعداد مائدة الإفطار ويجلس في انتظارها .

اقتربت من المائدة بحذر ، فهي تشعر بالرهبة والتوتر يحفان قلبها، وازدادا أكثر وهي تراه ينهض من مقعده ويسحب مقعدها للخارج في لفتة لطيفة جدا منه ، فجلست وشكرته ، جلس بدوره وهو يقول مبتسما :
ـ يا رب أكلي يعجبك .

نظرت إليه متعجبة ، وشعورها بالتعجب كان يزداد كلما نطق حرفًا إضافيًا ..

ـ شكرا .. تسلم ايديك على كل حال .

نطقتها بهدوء يماثل الجو العام المحيط بهما ، وبدأت بتناول فطورها وبالها مشغول في أكثر من أمر .. فنظرت إليه وهمت بقول شيئ ٍ ما ولكنه سبقها :
ـ تحبي نشوف مركز تعملي فيه جلسات علاج طبيعي ولا أجيبلك حد هنا ؟! يعني.. أظن الموضوع يتعالج بالجلسات هيكون أفضل من اللجوء للعصاية دي طول الوقت .

صمتت لبرهة، ثم قالت بعد تفكير :
ـ يكون أفضل لو الدكتور جه هنا .. 

أومأ وهو يتناول طعامه قائلا :
ـ تمام .. النهارده هشوف الموضوع ده .

هزت رأسها بموافقة صامتة ، وتابعت تناول طعامها وهي تشحذ همتها لكي تسأله سؤالا يلح عليها بشدة منذ الأمس ، ولكنه تساءل مجددا بطريقة جعلتها تنسى ما كانت تخطط لقوله .
ـ نسيم .. ليه لبسك كله اسود ؟! 

شتتها سؤاله قليلا ، وما شتتها أكثر هو مناداتها باسمها بكل سلاسة وأريحية وكأنهما أصدقاء منذ الصف الأول، بالرغم من أن وضعهما بالكامل يخالف كل منطق ، فهي تشعر وكأنها أقدمت على أكثر الأفعال حماقة في العالم عندما تزوجت من شخص لا تعرف عنه سوى اسمه وأنه شقيق حبيبها !! 

شتت  انتباهها عندما تابع :
ـ يوم الحفلة كنتي لابسة اسود ، وامبارح في كتب الكتاب ، والنهارده أهو لابسة اسود !! 

ابتلعت ريقها بتوتر وتجهمت ملامحها قليلا وقالت:
ـ عادي .. بحب الاسود مش أكتر .

لم يعقب ، وأكمل تناول طعامه وهو يفكر ، ثم قال وهو ينظر إليها وقد توقف عن تناول الفطور :
ـ لبس اللون الاسود طول الوقت بيعزز مشاعر الاكتئاب والقلق لأنه بيمتص الطاقة اللي حواليكي كلها .. على عكس الألوان الفاتحة..  

هزت رأسها بصمت ، لم تعقب. لذا تابع :
ـ تحبي تخرجي تشتري لبس جديد ؟ 

نظرت إليه ، للمرة الثانية يخيرها بين قرارين ، على عكس ما كانت تعتاد عليه تماما وهو فرض الرأي والصرامة في كل شيء ، وهذا ما جعلها تتفاءل وتشعر ببصيص أمل يخبرها أنها لن تندم على اختيارها .. فحتى وإن كانت قد تحامقت ووافقت على زيجة مبهمة غير واضحة المعالم ولكن هذا لا يعني أنها لن تهتم بمواصفات ذلك الزوج .

تنهدت بعمق ثم قالت :
ـ مش لازم أخرج ، أنا عندي لبس كتير هبقا أخلي زينب تبعتهولي .

مضغ طعامه على مهل، ثم حمحم وهو ينظر إليها بهدوء ممزوج بالقوة وقال :
ـ اللبس اللي عندك هناك خليه هناك ، أنا حابب أشتري لك لبس جديد لو مفيش عندك مانع .

لمحت في صوته شيئًا من الضيق ، لم تفهمه ، لكنها أومأت بهدوء وقالت :
ـ تمام .

أومأ وقال:
ـ ها .. تحبي نخرج سوا نشتري ولا تختاري من أي مكان بيبيع اونلاين ؟

رجحت اقتراحه الأخير بأن أومأت قائلة :
ـ يكون أفضل.

ـ زي ما تحبي .

أكملا تناول فطورهما بصمت ، فقررت إلقاء سؤالها الذي كانت تحتجزه منذ فترة طويلة فقالت بصيغة مباشرة :
ـ هو انت عرفت منين ؟! أقصد .. موضوع الفيديو .

نظر إليها متفاجئًا، لم يتوقع أن تفاتحه في موضوع كهذا الآن ! لذا تنفس محاولا الحفاظ على هدوئه وقال:
ـ بعد الفطار نتكلم .

❈-❈-❈  


وقفت أمام المرآة تنظر إلى ما ارتدته، ثيابًا بسيطة للغاية ، تشبه في بساطتها حياتها القديمة قبل أن تغوص بقدميها في عالم عائلة مرسال  .

كانت تستعد للخروج، لا بد وأن تحصل على عمل في أي مكان ، لن تكرر تلك المأساة التي عاشتها قديمًا .

خرجت من الغرفة أصبحت على أتم الاستعداد ، وأخذت تبحث عن خالتها لتجدها تجلس على مقعد في الشرفة وتنظر يمينا ويسارا في انتظار عودة حسن ، فتحدثت إليها قائلة :
ـ خالتي أنا نازلة.. 

ـ بردو مصممة ؟

أومأت نغم بصمت ثم تابعت:
ـ شوية وراجعة ..

فتحت الباب لتغادر ولكنها تسمرت بمكانها عندما تفاجأت بزينب تقف أمامها وهي تمسك بيدها حقيبة سفر كبيرة .

ـ خالتي زينب ! 

قالتها نغم وهي تحتضن زينب بقوة فعانقتها زينب بحب وظلت تربت على ظهرها وهي تقول :
ـ وحشتيني يا نغم .

ـ انتي اللي وحشتيني أوي يا خالتي .. اتفضلي ادخلي .

دخلت زينب وهي تجر الحقيبة، بينما نغم كانت تنادي عائشة التي ركضت نحو زينب وعانقتها بشوق وهي تقول:
ـ وحشتيني يا زينب ، خير ما عملتي انك جيتي .

جلسن ثلاثتهن فأخذت زينب تمسح على شعر نغم وهي تقول بابتسامة حزينة :
ـ عاملة إيه يا نغم ؟

ـ الحمدلله بخير يا خالتي ، انتي عاملة إيه ، مصدقتش نفسي لما لقيتك قدامي .

ابتسمت زينب وقالت :
ـ استغليت ان الباشا راح العزبة قلت أخطف نفسي وأجي أشوفك …

وأشارت إلى الحقيبة الكبيرة وهي تقول :
ـ جبتلك حاجتك اللي سيبتيها ومشيتي .. الباشا أمر نفضي الاوضة.

ـ مكانش له لزوم ، الحاجة دي مش بتاعتي من البداية ، وبعدين أنا ملبستش منها غير حاجات بسيطة يعني ممكن تديها لأي حد .

تنهدت زينب وقالت:
ـ بردو بتعاندي وتجادلي ، اللبس ده جايلك انتي مش لحد تاني .. 

شردت نغم للحظات، ثم نهضت وهي تقول:
ـ هجيب لكم عصير ..

نظرت عائشة إلى زينب وهي تقول:
ـ نسيم عاملة إيه ؟! مشيت خلاص ؟ 

نظرت إليها زينب بحزن وقالت:
ـ أيوة .. ربنا يصلح حالها ويكون ابن حلال يراعي ربنا فيها، هي مش ناقصة .

أطرقت عائشة برأسها أرضًا وتجمعت الدموع بعينيها، كم كانت ترغب في حل الخلاف بينهما و مشاركتها تلك اللحظة كأي أم ، ربتت الأخرى على كتفها وقالت بمواساة:
ـ مسير كل حاجه تتحل يا عيشة ، الموضوع عاوز شوية وقت ومحاولات منك .. 

ـ ماهو على يدك يا زينب بحاول أتكلم معاها هي رافضة تسمعني. 

ـ معلش .. نسيم لسه تحت تأثير الصدمة ، مهي معذورة بردو ، عاشت كتير وشافت أكتر ، البنت يا حبة عيني شبعانة قسوة وصدمات .. 

في تلك اللحظة ، أحضرت نغم كوبين من العصير، ثم انسحبت، وبدون مقدمات التقطت حقيبة يدها وفتحت الباب لتغادر ، ولكنها اصطدمت برؤية حسن أمامها ..

انقبض قلبها بقوة ، بينما هو كان يطالعها بصمت، وعيناه تفيضان بحديثٍ طويل لم يفصح عنه ، انصرفت دون النبس بحرف، بينما هو دلف إلى المنزل وأغلق الباب ، وإذا به يتفاجأ بحديث والدته مع زينب .. فوقف يستمع إليهما بصمت .

ـ منه لله سالم .. لو مكانش كدب عليا وقاللي انها ماتت كان زمانها عايشة معايا زي أي أم وبنتها .. أنا اتظلمت من سالم كتير يا زينب، أول مرة لما خدعني وباعني بالرخيص وخد مني بنتي ورماني، وتاني مرة لما فهمها ان امها واحدة تانية وفهمني انها ميتة عشان يبعدني عن حياته تماما .. وبعد كل ده زعلان إني خبيت عليه ابنه .. كان عاوزني أقولله عشان ياخدهم هما الاتنين مني ويرميني .. مش ده اللي كان هيحصل يا زينب ؟

ربتت زينب على يدها وهي تقول بشفقة :
ـ هدي نفسك يا عيشة انتي تعبانة ومش مستحملة ..

ـ احكيلي عنها يا زينب ، كانت عامله ازاي وهي صغيرة ، كانت شقية ولا هادية ، عنيدة ولا مطيعة ، بتحب ايه وبتكره إيه .. هموت وأعرف عنها أي حاجه.

سالت الدموع على جانبيّ خديّ زينب وهي تحكي قائلة :
ـ  نسيم طول عمرها هادية ، من وهي عمرها كم يوم .. لا كانت بتبكي ولا بتصرخ زي الأطفال.. لدرجة انهم كانوا قلقانين يكون عندها مشاكل في السمع .. كانت بريئة جدا ودايما مطيعة ، لحد ما ماتت امها..

قطعت كلماتها وهي تنظر إلى عائشة التي انكسرت ملامحها وقالت :
ـ أقصد يعني ناهد هانم الله يرحمها ..

ـ كانت بتحبها ؟

تساءلت عائشة فأومأت زينب قائلة بابتسامة حزينة :
ـ جداا .. فريد ونسيم كانوا بالنسبة ليها الحياة كلها ، كانت بتحب نسيم بطريقة كانت بتخليني أسأل نفسي كل يوم.. هي ازاي بتحبها أوي كده وهي عارفه إنها بنت جوزها من واحدة تانية ، بس ده مش جديد على ناهد هانم.. لأنها كانت مثال للقلب الطيب .. نسيم كانت متعلقه بيها جداا أكتر من أبوها كمان ، وكانت ماشيه في ديلها طول الوقت ..

ـ وبعدين ، بعد ما ماتت إيه اللي حصل ؟!

رمقتها بنظرة حزينة قبل أن تعود بعينيها إلى الطاولة المستديرة أمامها وقالت :
ـ بعد ما ماتت ناهد هانم حال نسيم اتبدل ، كان وقتها عندها ٨ سنين ، كانت صغيرة لكن زي ما يكون قلبها كان حاسس إن أبوها هو السبب في اللي حصل ، بقت متمردة .. عصبية وعنيفة ، كانت بتتمرد على كل حاجه وترفض أي طلب ، محدش فلح يرجعها لشخصيتها الاولى ، الوحيد اللي كان بيقدر يسيطر عليها شوية هو فريد .. كان حنين عليها بشكل لا يوصف .. 

فتحت فمها لتكمل ، ولكنها توقفت وانهارت باكية وهي تقول:
ـ لحد ما في يوم دخلت مكتب سالم باشا وسحبت السلاح بتاعه من الدرج .. دخل المكتب بالصدفة لقاها واقفة قدامه ومصوبة يمُّه المسدس ، لولا ستر ربنا كانت الرصاصة جت فيه .. بعدها مكانش حد قادر يسيطر عليها ، ولا حتى فريد .. فضلت حوالي ست شهور مبتتكلمش. بطلت تروح المدرسة وحتى المدرسين اللي كانوا بييجوا يدرسوا لها في البيت بقوا يشتكوا من انفعالاتها الزايدة، وقتها فقد صبره عليها وقرر يبعدها عنه تماما.. ومنها لله نادية الصواف .. هي اللي اقترحت عليه وقتها يبعتها مدرسة داخلية في دبي . 

تساءلت عائشة باستفهام :
ـ مدرسة داخلية ازاي ؟

لتجيبها الأخرى بعد أن ابتلعت مرارة الذكرى :
ـ يعني بيعيشوا ويتعلموا فيها في نفس الوقت . 

قطبت الأخرى جبينها بذهول وهي تتسائل :
ـ بعت بنته اللي عندها ٨ سنين تعيش وتتعلم في بلد تانية لوحدها !! 

أومأت زينب فقالت عائشة وهي تنتحب بلوعة :
ـ أكيد وقتها كان عايز يبعدها عني عشان معرفش انها عايشة .. أنا مش قادرة أصدق إزاي أب يبقى بالقسوة والجبروت ده على بنته..

هنا نطق حسن الذي كان يستمع إلى كل ما قالته زينب وقال بنبرة تملؤها الهزيمة :
ـ وأنا مش قادر أفهم إزاي أم تبقا بنفس القسوة اللي تخليها تتنازل عن بنتها من البداية ، وإزاي أم تبقا أنانية وتفكر في نفسها ومصلحتها وبس وتخبي على ابنها حقيقته وحقيقة عيلته.. لو هو ظالم فانتي كمان ظالمة  .. بس كل واحد فيكم ظالم بطريقته .

ألقى ما ألقى ودخل إلى غرفته وصفق الباب خلفه بقوة ، بينما ظلت عائشة تنظر إليه بحسرة ، ما قاله كان كالسكين اخترق صدرها، حولت كل شعور بداخلها إلى ألم لا يهدأ .

نهضت زينب ، وربتت على كتفها وهي تقول :
ـ أنا همشي لأني اتأخرت يا عيشة ، خلي بالك من نغم ومن نفسك كويس اوي ،  ومتشيليش هم بكرة .. كل حاجه مع الوقت هتتحل.

غادرت زينب، بينما اتجهت عائشة نحو غرفة حسن، طرقت الباب ودخلت لتجده ممددا فوق سريره، فجلست بجواره ووضعت يدها على قلبه وهي تقول بصوت مرتجف:
ـ سامحني يا حسن .. جايز كنت أنانية فعلا زي ما بتقول ، بس دلوقتي مش هقدر أعمل كده .. لو شايف ان مصلحتك في وجودك معاه روحله . مش هطلب منك تفضل معايا .

كان يسند ذراعه على عينيه ، فأزاح ذراعه ونظر إليها وانبعث صوته من مكان عميق ومظلم  :
ـ أهرب من أنانيتك لجبروته ؟! طب الأنانية ومقدور عليها ، جايز تتصلح مع الأيام .. لكن القلب الميت نعمل فيه إيه .. وأعمل بيه إيه .. كنت موهوم وفاكر انه هيعوضني عن حنان الأب ووقفته في ضهر ولاده .. جايز عشان كده كنت هفكر اروح له ، لكن بعد ما عرفت اللي عمله في بنته .. والقسوة اللي ماليه قلبه وبيفرقها على الكل بالتساوي .. تفتكري فيه إيه يخليني ملهوف عليه ؟! اسمه ؟! فلوسه ؟! تغور الفلوس اللي تربطني بيه .. أنا لا عاوز فلوسه ولا عاوز اسمه .. أنا عشت نص عمري حسن جادالله .. ومش هخسر كتير لو قضيت بقية عمري حسن جادالله . 

أعاد ذراعه فوق عينيه من جديد معلنًا انتهاء الحديث ، فتنهدت بقليل من الراحة ونهضت ، وغادرت الغرفة وقد بدأ الاطمئنان يزحف نحو قلبها من جديد.. ما قاله ابنها أوضح عدم وجود نية لديه للتقرب من والده، إذا فاحتمالية خسارته معدومة ، أما عن ابنتها .. فلابد من وجود طريق لتسلكه إليها .. تثق بذلك .

❈-❈-❈  


بعد أن انتهى عاصم من نقل الأطباق إلى المطبخ ، عاد إليها حيث كانت تجلس بغرفة المعيشة في انتظاره .

دخل وهو يرسم على ثغره ابتسامة هادئة ، ليتفاجأ بها ممسكةً بإطار يحوي صورة له برفقة شقيقه حازم وكلاهما يمسكان بميدالية ذهبية والابتسامة تعلو وجهيهما .

كانت تنظر إلى الصورة ، إلى حبيبها تحديدا ، و إبهامها يطوف على ملامحه باشتياق ولوعة ، وعيناها تذرفان من الدمع ما يملأ المحيط على المدى القصير .

أدرك خطأه وفداحة فعلته ، فهو كان قد جمع كل الصور التي كان يعلقها على جدران المنزل قبل أن تأتي نسيم ، لأنه يعرف أنها ستمر بتلك الحالة فور رؤيتها ، ولكنه لم ينتبه لتلك الصورة إلاّ الآن .

وقف على بعد خطوتين منها ، لا يعرف هل يتركها بمفردها أم يتجاوز الأمر ويفتتح حديثا معها .

تحمحم بهدوء ، فمسحت دموعها ووضعت الصورة فوق قدميها وتنهدت تنهيدة طويلة صامتة .

لم يعرف كيف يدير الحوار معها وكيف ينتشلها من تلك الحالة ، فقرر البدء من نفس النقطة فقال :
ـ الصورة دي من ١١ سنه تقريبا .. وقتها كنا بنحتفل بحصولي على لقب أفضل لاعب كيك بوكسينج ..

توقف للحظة ، ثم تابع عندما رأى صمتها:
ـ كان دايما رافض موضوع الملاكمة وشايف ان كده بعرض نفسي للخطر، الحقيقة هو كان بيخاف عليا جدا.. وبالرغم من ان فرق السن بيننا مكانش كبير أوي لكنه كان بيعاملني دايما على انه أبويا مش أخويا الكبير .. وبصراحة أنا كنت ابن متعب جداا ..

ابتسم بمرارة ، ثم زفر نفسًا ثقيلا وتابع :
ـ الله يرحمه .

صمتت لبرهة ، ثم خرج سؤالها متذبذبًا أكثر مما تمنت :
ـ كان بيحكيلك إيه عني ؟

شرد في تفكيره، ثم شبك يديه ببعضهما وأخذ يحدق فيها وهو يقول :
ـ كان دايما بيقوللي إنه نفسه يعوضك عن كل اللي مريتي بيه .. 

بهت وجهها وكأن الحياة قد تسربت منه للتو ، وانهالت دمعاتها فوق وجنتيها ترسم معاناتها بوضوح ، كان يرغب في تعويضها عن كل ما عانته، وبدلا من ذلك خسر حياته وأصبحت هي المدينة له بتعويض .

مد يده إليها بمنديل فالتقطته وجففت وجهها، ثم نظرت إليه وتساءلت بحيرة :
ـ هو انت بتعمل معايا كده ليه ؟! منين اتجوزتني عشان تنتقم ومنين بتعاملني بالطريقة دي ؟ 

أجابها دون الحاجة للوقت لكي يفكر أو يرتب إجابته :
ـ أنا معنديش اي عداوة معاكي يا نسيم ، انتي مش الشخص اللي لازم أنتقم منه .. بالعكس .. انتي كمان ضحية زي حازم الله يرحمه .. 

زفرت نفسًا ، وأخفضت كتفيها في هزيمة وقالت :
ـ فريد .. وعمر .. 

قبل أن تكمل كان قد أجابها :
ـ عارف إنهم مش هما اللي قتلوه .. عارف إنك هتقوليلي ذنبهم إيه يحصل معاهم كدا ؛ هقولك سالم مرسال ملوش مالكة غير اسمه وسمعته .. 

وأضاف ضاغطًا على أحرف كلمته ، مؤكدا معناها :
ـ  " المزيفة " .. فمكانش في ثغرة أدخله من خلالها غير ولاده .. لأنهم بيمثلوه وبيمثلوا العيلة .

وتابع وهو يحك ذقنه منشغلا بترتيب ما سيقوله:
ـ أنا مش من مبادئي إني آخد حد بذنب حد تاني ، لكن أحيانا الحياة بتضطرنا نغير مبادئنا بالشكل اللي يناسب مصالحنا الشخصية ، في النهاية إحنا بشر مفيش فينا حد مثالي .

توقفت عند ما قاله قليلا، وشعرت بالمدى العميق لكلامه وكيف أنه ليس إقرارا فحسب، بل واقعًا نمطيَا يحياه الكثيرون ..

رن هاتفه فأخرجه من جيب سرواله ونظر به ليتبين هوية المتصل، ثم أعاده إلى جيبه مرة أخرى وهو يقول :
ـ أنا اتأخرت ولازم أخرج دلوقتي ، لما أرجع نكمل كلامنا .

نظرت إليه، فلمح بعينيها أسألةً تنبض بالحياة ، فقال مطمئنًا:
ـ كل اللي عاوزة تعرفيه هجاوبك عليه، بس مش دلوقتي.

أومأت ، لم تظهر أكثر حاجتها الملحة، المتطلبة، في معرفة كل شيء بخصوص حازم ، وأرجأت الأمر للمستقبل القريب.

انسحب ودخل غرفته، قام بتبديل ملابسه إلى أخرى رسمية، ثم غادر الغرفة ومر بها ليجدها لازالت تجلس في مكانها فقال بنبرة ودودة:
ـ يومك هيمشي ازاي لحد ما أرجع ؟!

ابتسمت له ابتسامة هزيلة وتمتمت بصوتٍ خافت بائس :
ـ ولا حاجة ..

تنهد ثم قال مقترحًا :
ـ لو حابة تخرجي تتمشي أنا ممكن أأجل شغلي ساعتين وأخرج معاكي، أنا مش عاوزك تحسي إنك محبوسة هنا .. 

انفرجت شفتيها وظهر عليهما طيف ابتسامة واهية لا بريق فيها وقالت:
ـ متشغلش بالك ، أنا متعوده . 

زفر مستسلما ، ثم أومأ وخرج من المنزل ، استقل سيارته ثم انطلق مسرعًا صوب مقر شركته .

❈-❈-❈  


بعد أن وصل إلى مقر الشركة ، ودخل مكتبه ، قام باستدعاء مدير أعماله الخاص " رشيد " والذي قام بوضع كومة من الملفات أمامه وأخذ يقدم عرضًا تفصيليًا سريعا لمحتوياتهم فقال :
ـ أول تلت ملفات فيهم ملخص نشاطات وفعاليات التلت شركات خلال الاسبوع الماضي ، والملف الرابع فيه الميزانية الجديدة اللي طلبت مني أحضرها .. 

أومأ عاصم وبدأ يتفحص الملفات سريعا، ثم قال وهو ينظر بهاتفه منتظرا اتصالًا محددًا :
ـ متشكر يا رشيد .. ابعت لي القهوة وشوف لو في مواعيد بعد الساعة ٤ إلغيها ..

وقف رشيد يطالع جدول الأعمال الموجود بحوزته، ثم قال :
ـ في عشا عمل مع فريق عمل شركة تيليكور ..

أخذ عاصم يفكر قليلًا ، ثم قال حاسمًا قراره :
ـ اعتذر لهم واطلب منهم يحددوا ميعاد تاني .

ـ اللي تشوفه حضرتك.

غادر رشيد، بينما رن هاتف عاصم فأجاب متلهفًا :
ـ أيوة يا عم راضي ؟

ـ أيوة يا بشمهندس ، جهزنا المدفن وكل حاجه جاهزة خلاص. 

ـ تمام.. اتحرك بعد نص ساعة بالظبط أكون اديتهم خبر .. بس إنت متأكد إن الموضوع مفيش فيه أي مجال إن يحصل لخبطة أو تنقلوا حد مكان حد ؟

فأجابه راضي بنبرة الواثق وقال :
ـ متقلقش يا بشمهندس عاصم ، التُربي بيكون عارف مكان كل ميت دفنه بايده ومعاه كشف بتاريخ الدفن ، سيبها على الله .

تنهد عاصم بثقل وقال :
ـ ونعم بالله.. طيب لما تخلص كلمني ..

ـ أكيد هكلمك ، مع السلامة .

أنهى عاصم الاتصال ، وأسقط رأسه بين كفيه بتعب ، والشعور المسيطر عليه لم يكن سوى جحيمًا مستعرًا بأعماقه، يجعل عقله يغلي في كل لحظة ويرغب في الفتك بسالم وأفراد عائلة مرسال بالكامل .. 

قرص بين عينيه بتعب وقد شعر ببوادر صداع يغزو رأسه، ففتح درج مكتبه وأخرج منه حبة مسكن، تناولها على عجالة وبدأ بتصفح الملفات الخاصة بشركات مرسال التي استولى عليها بجرة قلم .. وأخذ يحدق بالأوراق المكدسة أمامه وشرارات الانتقام تتأجج أمام عينيه ، ليقوم بعدها بالاتصال بأحد مسؤولي الدعاية والتسويق مخبرًا إياه قراره النهائي :
ـ من بكرة يكون عندي خطة دعائية جديدة تناسب الإعلان عن هوية الشركات الجديدة.. عاوز اسم مرسال ده يتمحي من الوجود تماما .. انت فاهم ؟

وأنهى الاتصال وهو يحدق بصورة أخيه الموجودة على مكتبه وهو يقول :
ـ هانت يا حازم .. حقك هيرجع أوعدك بس الصبر.

❈-❈-❈  


" مطلوب آنسة متفرغة للعمل في الصالون ، يشترط الخبرة وحسن المظهر " 

وقفت نغم تطالع تلك اللافتة المعلقة فوق الباب الزجاجي بحماس، ثم طرقت الباب ودفعتهُ بهدوء ، حينها تحولت نحوها كل أنظار العاملين بالمكان ، واستطاعت أن تستشف نظرات الاستفهام على وجوههم، خاصةً وأنها وقفت تحدق بهم بابتسامة مفتعلة لدقائق ثم اقتربت من أول فتاة بالقرب منها وقالت:
ـ ممكن أقابل صاحبة المكان ؟ مكتوب انكم محتاجين بنات تشتغل هنا ..

طالعتها الفتاة بتفحص وبنظرة شاملة بينما الأخرى كانت تعدل ملابسها بتوتر وهي تنظر إليها في انتظار إجابة فقالت الفتاة :
ـ مكتب مدام عليا في الدور اللي فوق .

أومأت نغم بحماس ، وسارت في الممر المؤدي للطابق العلوي وهي منشغلة بتفحص المكان الواضح فخامته وتجهيزه على أعلى مستوى ، لتتعثر خطواتها حيث أنها لم تلحظ أنها قد وصلت إلى الدرج فسقطت .

أثار سقوطها جلبة في المكان وجعلت الأنظار كلها تلتفت نحوها، بينما هي كانت تتلاشى النظر إليهم وقد كست حمرة الخجل وجهها، وأكملت طريقها إلى الأعلى مسرعة .

دخلت مكتب المدعوة عليا .. ولم تكن في حاجة للتعرف عليها فتلك اللافتة الموضوعة أمامها على المكتب كانت كفيلة بذلك " عاليا القاضي " 

ـ صباح الخير..

قالتها نغم بهدوء ، فاستقبلتها برودة نظرات عاليا التي أخذت تنظر إليها بنظرات شملتها من أعلى رأسها لأسفل قدميها ، ثم قالت :
ـ صباح الخير ، اتفضلي .

استبشرت خيرا بذوقها المزعوم، فاقتربت من المكتب وجلست وهي تقول:
ـ قرأت إعلان انكم محتاجين بنات تشتغل في الصالون.. أنا ممكن أشتغل .

ـ اشتغلتي في مجال التجميل قبل كدا ؟

ـ أيوة .. ٣ سنين .

ـ بتعرفي تعملي إيه ؟! 

ـ كل حاجه .. عندي فكرة عن كل حاجه.

همهمت عاليا وهي تتحرك بكرسيها بهدوء ثم قالت:
ـ و ليه سيبتي المكان اللي كنتي فيه ؟!

ـ حصل ظروف ومرتاحتش مع صاحبة الصالون فمشيت .

أومأت عاليا ثم قالت :
ـ تمام.. على كل حال انتي هتفضلي تحت التدريب أسبوع.. هنجربك ونشوف إيه أكتر حاجة انتي بيرفكت فيها عشان نوظفك صح، وبعدها نثبتك .

ابتهجت ملامحها وأومأت بموافقة ثم قالت:
ـ تمام.. شكرا جدا..

ونهضت ومدت يدها لتصافحها وهي تسأل بحماس:
ـ يعني هشتغل من بكرة ؟

ـ أيوة.. الساعة ٨ الصبح تكوني موجوده.

ـ إن شاء الله..  عن إذنك .

غادرت الصالون وهي تشعر بالحماس والفرحة لأنها أخيرا وجدت عملا يؤهلها للإنفاق على نفسها دون الحاجة لأي شخص .

رن هاتفها برقم نسيم فأجابت مسرعة :
ـ ألو.. أيوة يا نسيم وحشتيني..

ـ انتي كمان وحشتيني جداا يا نغم.. عامله إيه ؟

ـ أنا كويسة ، طمنيني انتي عاملة إيه في حياتك !

استمعت إلى تنهيدتها التي أوضحت مدى تخبطها ثم قالت:
ـ أنا محتاجة أشوفك ونتكلم .. عندي كلام كتير عاوزة أقوله .

في المقابل.. زفرت نغم باستياء شديد يعتريها وقالت:
ـ ومين سمعك .. أنا كمان على أخري وهنفجر . 

ـ طيب إيه رأيك بكره نظبط وتجيلي ؟! 

ـ يا لهوي.. أجيلك بيت جوزك !!

نطقتها نغم باستنكار شديد ، فهي إلى الآن لم تستسغ فكرة أن نسيم تزوجت بالرجل الكارثة المدعو عاصم الذي كان هو من وضع خطة حفل افتتاح الدار واستعملها بكل سهولة للإيقاع بفريد.  

وتابعت :
ـ على كل حال أنا بكرة نازلة شغل جديد ومش هعرف أشوفك .. بس ممكن يوم الأجازة نتقابل ..

ـ شغل إيه ده ؟

ـ بيوتي صالون.. عملت مقابلة ومبدأيًا كده اتقبلت .. 

زفرت الأخرى بضجر وقالت :
ـ بيوتي صالون إيه يا نغم اللي هتشتغلي فيه، حبيبتي انتي مش محتاجه لكل ده …

قاطعتها نغم قائلة بصرامة:
ـ نسيم .. سواء البيت أو الفلوس اللي سابهالك فريد على اسمي كل ده ميلزمنيش ولا هاخد منه جنيه واحد .. 

وتساءلت بانفعال :
ـ أصلا هو سايبلي بيت وفلوس بصفته إيه ؟! أنا وهو مفيش بينا أي صلة لا من قريب ولا من بعيد ، أنا مش عاوزة بيته ولا فلوسه ، أنا هشتغل وهعتمد على نفسي ومش هحتاج لأي مخلوق تاني ولا هسمح لحد يتحكم فيا وفي حياتي ولا هسمح إن حد يكون له جمايل عليا .. ويا ريت لو كلمتيه بلغيه الكلام ده.

ـ طيب اهدي خلاص أنا مش قصدي أضايقك ..

ـ خلاص يا نسيم مفيش حاجه.. أنا هقفل دلوقتي وهبقا أكلمك تاني ، سلام .

أنهت الاتصال وهي تشعر بغضبها يصل لأعلى مستوياته، وأخذت تغمغم وهي تعبر الطريق :
ـ لا فريد ولا غير فريد .. كتر خيره أوي لحد كدا .

قفز اسمه إلى ذهنها مبددًا كل غضبها، كل الجحيم الكامن بداخلها ، وجعلها تتوقف عن الحديث ، عن الثرثرة ، عن كل شيء..

تجهم وجهها ، إلى متى سيظل في ملاحقتها حتى بعد أن افترقت بهم السبل ؟ إلى متى سيظل الجميع ينظرون إليها نظرة الفتاة المسكينة المحتاجة للعطف والمساعدة ؟ متى ستنأى بنفسها عن تلك الصورة المثيرة للخزي ؟ 

رسمت على شفتيها ابتسامة مشرقة ، ووعدت نفسها بطريقٍ أكثر إشراقًا ، ستسعى جاهدةً لكي تستقل بذاتها وتصبح شخصية جديدة ، ستتجاوز صعابها بمفردها منذ الآن ، ستكتفي بذاتها وتعتد بها ولن تسمح بأن تصبح ضحية لأي شخص مهما كان مرة أخرى .

ستنسلخ عن نسختها القديمة الرديئة التي شكلها المحيط والبيئة التي امتلكت روحها ، ستتعدى تلك الحدود التي رسموها لها حتى أقنعوها أن هذه هي حياتها وشخصيتها التي تملكها، بينما هي تملك العالم بأسره ، تملك روح واسعة الأفق لا حدود لها ، تملك الكثير من الأشياء الجميلة التي تميزها ، هي فقط تنتظر الفرصة المناسبة للظهور .

❈-❈-❈  


كان عاصم قد وصل لتوّه أمام المدفن الخاص بعائلته ، وبالرغم من أنه قد تعمد أن يأتي متأخرًا لكي يكونوا قد انتهوا من الدفن إلا أنه وصل في اللحظة التي كانوا ينقلون فيها الرفات من السيارة إلى المدفن.

قُبض قلبه وحاول بصعوبة أن يكتم تلك الصرخة التي زعزعت ثباته بحبسها داخل صدره ، ود لو أنه أطلقها وتخلص منها ..

صرخة عمرها ثمان سنوات.. لم يستطلع الإفراج عنها حين بلغه خبر مقتل أخاه الوحيد ، وظل محتفظا بها بقلبه على أمل أن يأتي اليوم الذي يستطيع فيه التخلص منها .. وكلما مرت سنة تلو الأخرى تضخمت وأخذت حيزًا أكبر مما ينبغي، حتى أصبح صدره مكتظًا بالقهر، بالسواد ، بالألم . وأصبح شغله الشاغل هو الانتقام .

والآن .. بعد أن سنحت له الفرصة أخيرا لم يتردد ، قام محاميه بإبلاغ محامي سالم بأنه يرغب في استرداد رفات أخيه ليقوم بدفنه في مدفن العائلة .. المثوى الأخير المنطقي لكل إنسان .

فأشد ما كان يؤلمه و يؤرق مضجعه في كل ليلة هو دفن جثمان أخيه بعيدا عن عائلته ، والده، ووالدته.. وخاصةً في مدفن عائلة  الرجل الذي أمر بقتله ووارى جثته وكأنه حيوان تخلص منه وانتهى الأمر .

حاول تهدئة نفسه ولكنه فشل .. 

ذلك الكفن الذي يحمل كومة عظام هي فقط ما تبقت من أخيه. سنده الذي كان يتكئ عليه دائما ، الرجل طويل القامة ، الوسيم ، صاحب الهيئة المميزة ، كل ما تبقى منه رفات !! 

في تلك اللحظة زاد سخطه على سالم وكل عائلته، أعلن عداوته للجميع .. وجدد رغبته في الانتقام ، كل ما حدث لهم لم يكن كافيًا .. ما قيمة الشركات والأموال أمام خسارته لأخيه الوحيد ؟! 

هم لم يتسببوا في خسارته بضعة شركات أو أموال لكي يسلبهم شركاتهم وأموالهم.. لقد كان مخطئًا ، أخطأ تقدير الموقف منذ البداية ، أخطأ تقدير حجم الخسارة التي تكبدها ..

أما الآن فقد وعى لكل شيء ، ما قيمة الشركات التي أخذها منهم وأخاه قد تحول لكومة عظام ؟! شركاتهم سيعوضونها ، سيأسسون غيرها ، وأموالهم أيضا .. يملكون غيرها الكثير .. أما شقيقه .. من أين له أن يأتي بغيره ؟! 

لا بد أن تتساوى الكفتين ، ويتساوى مقدار الخسارة .. لا بد أن يتساوى مقدار الألم .. 

العين بالعين والسن بالسن.. والبادئ أظلم .

بعد أن انتهى راضي من الدفن وقف عاصم يقرأ له الفاتحة وهو يكتم نحيبه وقد تجدد ألمه بعد سنوات .. وكأنه مات اليوم ..

وبعد أن انتهى قام بوضع يده فوق شاهد القبر وهو يقول :
ـ أكيد الوقت اتأخر أوي إني أقوللك كده .. بس أتمنى روحك دلوقتي تكون مرتاحة وانت جنب الناس اللي بتحبهم .. أبونا وأمنا .. ولحد ما ربنا يأذن وأجاوركم أوعدك مش هسيب اللي ظلمك يرتاح لحظة . 

زفر نفسًا ثقيلا للغاية ، ثم انسحب وهو يشعر بعبء ثقيل يسقط عن كتفيه لأول مرة بعد زمن طويل ، ثم استقل سيارته وعاد إلى الشركة .

***

وقف فريد بشرفة غرفته الفندقية ، مغمضًا عينيه وهو يحاول تنظيم أنفاسه تزامنًا مع سماع صوت الأمواج الهادئة .

بعد لحظات .. فتح عينيه وأخذ يتأمل المكان بهدوء وهو يرتشف من قدح القهوة  ثم قام بالاتصال بعمر الذي أجابه بصوت ناعس :
ـ كنت هكلمك على فكرة ..

ـ أيوة أيوة مانا عارف ..

ضحك عمر ضحكة قصيرة ثم قال :
ـ على فكرة البيت ملوش لزمة من غيرك .. وبفكر أهرب لعندك..

التزم الصمت برهة ثم قال :
ـ مش هينفع تسيب والدتك وچيلان لوحدهم يا عمر ..

ـ مخنوق يا فريد ، مش قادر أفضل في البيت في الجو الكئيب ده ، ماما طول الوقت ساكتة وبتعيط وأنا مش لاقي حتى كلام أواسيها بيه .. بقيت حاسس إن أي كلام هيكون تافه وملوش داعي..

ـ بالعكس .. حتى لو انت حاسس كده بس الواقع غير كده تماما ، الكلمة اللي انت شايفها تافهة دي هتفرق جداا مع شخص مستني كلمة تطمنه وتهون عليه .. متستصغرش دورك لمجرد إنك بتساندها بس بالكلام .. انت مش عارف كلامك ده يفرق معاها إزاي .

تنهد عمر ثم أومأ وهو يقول :
ـ حاضر يا فريد .. اللي تقوللي عليه هسمعه .

رفع فريد حاجباه ، ساخرًا بقدر الألم الذي يعتريه وقال :
ـ هو انت ليه مكنتش مطيع كده وأنا موجود.. لازم أسافر يعني عشان تسمع الكلام ؟

ابتسم الآخر بحزن وقال ممازحا أخاه :
ـ بستعطفك بس مش أكتر .

ضحك فريد ثم قال :
ـ متحاولش ، ألاعيبك كلها مكشوفة .

ـ فريد .. هو إيه اللي بيحصل معانا ده ؟! معقوله حسن أخونا !! وهو ونسيم اخوات ؟! أهي دي أعجوبة الدنيا التامنة .. 

زفر فريد بضيق ، وفتح فمه ليتحدث لكن عمر قاطعه متسائلا :
ـ لحد إمتا هنفضل نكتشف ان بشاعة أبونا ملهاش سقف ؟! الراجل ده كل مدى بيبهرني .. أنا حاسس إننا عايشين مع رجل مخابرات .. كل حياته أسرار وألغاز ومخططات .. 

وتابع باستياء :
ـ وبعدين الدنيا خربانة وهو قاعد في العزبة بتاعته .. تلاقيه دلوقتي لابس الجلابية الفلاحي وقاعد بيشرب شيشه وناقع رجليه في ميه وملح واحنا هنا بنخبط دماغنا في الحيط ..

تنهد فريد وقال بإيجاز :
ـ كالعادة يعني نفسه ثم نفسه .. على كلٍ .. خلي بالك من نفسك وأرجوك بلاش تتصرف أي تصرف يوقعنا في مشاكل تانيه.. كفاية اللي احنا فيه .

ـ متقلقش ..

ـ وابقا اسأل على نسيم .. بلاش تحس إنها لوحدها ، وأنا أول ما أحس إني مستعد هكلمها ..

ـ ماشي.. خلي بالك من نفسك..

ـ حاضر.. مع السلامه..

همّ بإنهاء المكالمة ليستوقفه عمر ممازحًا :
ـ بقولك .. هي اليونان فيها بنات حلوة ؟!

هز رأسه بيأس وتمتم :
ـ حسبي الله .. اقفل يا تافه .. مع السلامة .

أنهى الاتصال ، ثم غادر الغرفة وتوجه إلى قسم الاستقبال، ليستقبله الموظف بابتسامة ودودة وقال ناطقا بالإنجليزية:
ـ صباح الخير سيدي ، نأمل أن تكون قد قضيت ليلةً هادئة .

أومأ فريد مؤكدا وقال :
ـ صحيح ، شكرا لك .. من فضلك أرغب في تأجير سيارة طوال مدة إقامتي في الفندق ، هل يمكنك مساعدتي ؟

ـ بالطبع ، تفضل بالجلوس وأنا سأنهي لك الأمر .

أشار له نحو المقعد فأخذ فريد ينظر إليه للحظات ثم ابتسم وقال:
ـ لا داعي ، شكرا لك .

بدأ الموظف في عرض بعض السيارات على فريد من خلال الحاسوب، فقام باختيار إحداها بدأ الموظف بتحضير أوراق عقد الإيجار الخاصة بالسيارة، وعند الانتهاء أشار نحو خانة المستأجر وقال وهو يمد يده لفريد بالقلم :
ـ من فضلك وقع هنا .

ابتسم فريد وهو يخرج قلمه الخاص من جيبه ويقول :
ـ لدي واحد ، شكرا لك .

قام بإمضاء العقود ، ثم حك ذقنه بتوتر وانهمام وهو يقول :
ـ من فضلك تأكد من نظافة وتعقيم السيارة أولا ..

ليجيبه الآخر بثقة :
ـ لا تقلق ، ستتأكد بنفسك من ذلك.

شكرهُ فريد وانصرف وهو يلتقط زجاجة الكحول وينثر منها على يديه وملابسه ، ثم خرج من الفندق ووقف في انتظار وصول السيارة ومن ثم انطلق بها في طريقه نحو المنزل الذي قرر شراءه والاستقرار به .. 

يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة نعمة حسن، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة