رواية جديدة محسنين الغرام لنعمة حسن - الفصل 5 - الأحد 25/5/2025
قراءة رواية محسنين الغرام كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية محسنين الغرام
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة نعمة حسن
الفصل الخامس
تم النشر الأحد
25/5/2025
كانت نسيم تجلس بمقعدها في السيارة بصمت بعد أن انتهت زيارتها لقبر حازم ، بينما كان عاصم ينظر إليها من فينة لأخرى ليجدها تسند رأسها على إطار النافذة بجانبها، شاردة تطالع حفنة من تراب قبر حازم كانت قد ملأت بها كفها قبل المغادرة .
شعر بالأسى حيالها ، وأخذ يبحث عن مخرج لتلك الحالة التي انتابتها..
حسنا.. هو أيضًا حزين وقلبه منشطر لأجل أخيه ، ولكن كلما فكر في الطريقة التي سينتقم بها يشعر وكأن ناره تُخمد وجراحه تلتئم ، ولكن هي.. كيف ستخمد نارها وتلتئم جروحها ؟!
حمحم وهو يحاول أن تكون نبرته أكثر انفتاحًا وقال مقترحًا :
ـ إيه رأيك نروح أي مكان نقعد فيه شويه بدل ما ترجعي البيت من دلوقتي ؟!
ـ مش ضروري .
أجابته وهي لا تزال تحدق في التراب بكفها ، تطالعه وتتأمل بصمت ، رحل حبيبها ولم يبق من أثره سوى ذكريات قاسية وحفنة تراب .
بينما هو كان ينظر إليها بشفقة ثم تنهد بصبر ثم قال:
ـ في مكان جديد ممكن نجربه سوا ، نقعد هناك شوية ونتغدى .. بما إن يعني قدامي ساعتين فاضيين .. إنما لو مش حابة براحتك ، مجرد اقتراح .
أخذت نفسًا طويلا بصمت، لم ترغب في أن تصبح أكثر فظاظة لذا تحدثت بهدوء وهي تقبض جيدًا على كفها وقالت :
ـ خلاص اللي تشوفه .
أومأ بحماس ثم قال وهو يلتقط هاتفه :
ـ عظيم .. نحجز بس الأول لأن احتمال يكون زحمة ..
قام بالاتصال بمدير المكان وقال :
ـ مساء الخير ، أستأذنك تحجز ترابيزة لفردين في ركن هادي بعيد عن الدوشة .. أيوة .. أنا والمدام .
أنهى الاتصال وألقى عليها نظرة خاطفة ليلتقط ملامحها وهي تحاول كبح الضيق الذي توغل داخلها ، وأبقى تركيزه على الطريق متجاهلًا نظراتها الحانقة العابسة التي تنوي الإطاحة به.
بعد نصف ساعة قضوها صامتين كان قد توقف بالسيارة أمام باب المقهى الرئيسي ، فنزل واستدار سريعا حتى وصل إليها، وأمسك بيدها يساعدها على النزول من السيارة ..
كانت تمسك بعصاها بيد ، واليد الأخرى مضمومة حول حفنة التراب التي لاتزال متمسكة بها .. فنزع منديل سترته ثم قام بفرده فوق كفه ونظر إليها وأومأ بصمت.. فهمت مقصده ، فأرخت قبضتها حول التراب لينزلق تلقائيا فوق كفه المغطى بالمنديل ، ثم قام بربط المنديل بإحكام حوله ومن ثم وضعه بجيبه .
طلبت منه أن يصطحبها إلى الحمام لكي تغسل يديها ، فذهب برفقتها ووقف ينتظرها على بعد خطوتين إلى أن انتهت ثم مد يده إليها عارضًا المساعدة ككل مرة ، فأمسكت بيده وسارت بجواره حتى وصلا إلى الطاولة التي تم حجزها لهما .
سحب لها مقعدها بكياسة اعتادتها منه ، ثم فتح زر سترته وجلس بهدوء يحاكي رجولته الغير تقليدية ، ثم نظر إليها مبتسمًا وقال :
ـ ها.. تحبي تتغدي دلوقتي ولا نشرب حاجة الأول ؟
تنهدت وهي تنظر إليه ، تحاول سبر أغواره ، تحاول فهم ديناميكيته ، ولكنها عاجزة عن ذلك ، فهو أمامها كقفل محكم لا يسهل فكه ، ولكنها لا تملك سوى مجاراته علها تفهمه مع الوقت، فبالرغم من أنه يبدو غامضًا ومخيفًا إلا أنها تثق أنه عند الحاجة يصبح واضحًا وسلسًا ..
أبعدت عينيها عن مرمى نظراته ، فيما ظل هو ينتظر جوابها بصبر إلى أن تحدثت وقالت :
ـ ممكن نشرب عصير .
أومأ موافقا ، ثم طلب كوبين من العصير ، ونظر إليها وقال محاولا انتزاعها من صمتها المطبق :
ـ تحبي تبدأي الجلسات النهارده ولا بكرة ؟ أنا اتفقت مع الدكتورة وهي منتظرة اتصال ..
ـ خليها بكرة أفضل .
ـ تمام .. اللي يريحك .
صمتا وأخذ يتطلع حوله مستكشفًا المكان عن كثب وهو يعلم أنها تنظر إليه وتحدق فيه بشرود ، فعاد إليها بعينيه وهمّ بقول شيئ ٍ ما ولكنه لسبب ـ غير معروف ـ أخذ ينظر إليها ويشملها بنظرات متفحصة .
لم يكن يومًا ممن يبحثون عن الكمال الزائد في النساء لأنه يعتبره انتقاصًا من جاذبيتهن ، بل يفضل المرأة العفوية التي تتمتع بقدر عال من الإنسانية ، والتي لا تتعارض إنسانيتها مع قوتها أبدا ، فهو يكره المرأة الضعيفة ، ويكره المرأة التي يشعر بجوارها أن طاقته تنخفض .
أما هي عبارة عن تركيبة بدت إليه معقدة جدا . تبدو ضعيفة ولكن ضعفها وهدوءها يعكس طاقة رقي قوية جدًا .
تبدو مهمشة ولكن تأثيرها ملحوظ ولا يمكن تجاهله ..
امرأة مثيرة للفضول ، مثيرة للشفقة والأسى أحيانًا .. تناقضاتها تصنع انسجامًا غريبًا يصعب تجاهله وغض الطرف عنه .
أحضر النادل العصير فشكرهُ عاصم فانصرف، بينما هي رفعت كأسها وتجرعت منه جرعتين ليباغتها بسؤاله الهادىء :
ـ هي الإصابة اللي في رجليكي دي بسبب حادثة ؟
لم يغفل عن تلك الرجفة بيدها عندما استمعت لما قاله ، وراقب يدها المهزوزة وهي تسند الكأس فوق الطاولة مرة أخرى وتجيبه وهي لا تنظر إليه :
ـ أيوة .
يظنها لا تراوغ ، الكذب ليس من مهاراتها ، إذًا تلك الإجابة المقتضبة تنم عن ضيقها وانزعاجها من سؤاله الذي أربكها حتى كاد أن يفقدها ثباتها .
تنحنح بهدوء ورفع كأسه وتجرع نصفه ثم أسنده مجددا وهو يقول :
ـ إن شاء الله مع العلاج الطبيعي هتبقي كويسة .
ـ إن شاء الله.
رفعت الكأس وتجرعت ما تبقى منه ثم أسندته فارغًا فوق الطاولة وهي تسأل بتوجس :
ـ ممكن أعرف إنت ناوي على إيه ؟! بخصوص اخواتي يعني .
كانت عيناه تتحرك دون وعي إلى عينيها اللتان تنظران إليه باهتمام جديد ، وقبل أن يجيبها رآها تميل للأمام وتنظر إليه برجاء وتقول :
ـ ممكن تخرجهم برا حساباتك ؟! فريد وعمر انت أذيتهم فعلاا واستفدت منهم خلاص ، وبعدين هما ملهمش علاقة باللي حصل .
كان يريد أن يظهر جانبه الحاد ، و استدعاه فعلاا ولكنه أخفق إخفاقا مروعا ، فلم يفلح في التحدث بقسوة كما ود أن يفعل خصوصا بعد ذكر اسميهما ، وقال :
ـ مانا قولتلك مبتتحسبش كدا ، لو هنحسبها مين ليه ذنب ومين ملوش الحسابات هتختلف..
أغمضت عينيها بتشوش وقالت :
ـ مش فاهمة .. ممكن توضح ؟
ـ متشغليش بالك يا نسيم ، أنا عارف أنا بعمل إيه كويس .
ارتعبت من النظرة الجامحة بعينيه ، وكلامه الذي أثار خوفها أكثر ، ولكنها آثرت الصمت وظلت تنظر حولها وعقلها لا يتوقف عن الضجيج .
بينما هو زفر نفسًا مهتزًا ثم أجبر ابتسامة لتظهر على ثغره وقال :
ـ صح قبل ما أنسى ، أنا مسافر بكرة بالليل إن شاء الله.
وقبل أن تتساءل قاطعها مضيفًا :
ـ احتمال أغيب يومين تلاته ، لسه مفيش حاجة واضحة .
مال بجذعه نحوها وعقد ذراعيه فوق الطاولة ثم قال:
ـ وكنت عاوزك تشوفي المساعدة بتاعتك تكلميها تيجي تقعد معاكي على ما أرجع بحيث مافضلش قلقان عليكي وانتي لوحدك ، وعلى فكرة .. لو حابة أنها تفضل معاكي مفيش أي مانع .
كانت ستسأل عن وجهته ولكنه شغل تفكيرها عن السؤال فأخذت تفكر فيما قال وأجابت :
ـ زينب ! مش عارفه هينفع ولا لأ .
ـ و إيه اللي يخليه مينفعش ؟!
ـ أصل زينب هي كل حاجه في الڤيلا ، من غيرها كل حاجه تختل .
هز كتفيه بلا اكتراث وقال ببساطة :
ـ و إذا ؟؟ .. انتي من حقك على فكرة تخليها تقعد معاكي ، انتي ظروفك الصحية بتتطلب ان حد يكون معاكي ويساعدك ، وبعدين أكيد في غيرها في الڤيلا ، وحتى لو مفيش.. ده حقك زي ما قلتلك ومش مضطرة تتنازلي عنه .
سقطت في هوة الصمت ، واشتعل رأسها بالأفكار ..
حقها إذًا ! وهل هي من الأفراد المعترف بهم لكي يعترف بحقوقها ؟! هل والدها الديكتاتور سيسمح لها أن تطالب بحقها ؟! والآخر يخبرها بكل ثقة وثبات أنه حقها وليست مضطرة للتنازل عنه وهو يجهل أنها لم تعرف سوى التنازل منذ نشأتها.
بينما هو كان ينظر إليها وإلى تلك الملامح التي تنبض بالحزن ، ويراهن على تلك النظرة المنكسرة في عينيها ، ينتظر منها جوابا يؤكد له أنه بالفعل قادرٌ على فهم نظراتها وقراءتها بسهولة.
وأتاه جوابها أسرع مما تخيل ، حيث نظرت إليه وأومأت بتأكيد وقالت :
ـ معاك حق ، أنا هكلمه دلوقتي حالا وأطلب منه يبعتلي زينب بكرة ..
أومأ وهو يمط شفتيه بثقة ، ثم أردف مصوبًا :
ـ عظيم.. بس في تعديل بسيط .. انتي هتكلميه دلوقتي وهتبلغيه بقرارك إنك عاوزة زينب .. مش هتطلبي منه .
غرس بداخلها ثقة سحرية ، كيف تمكن من ذلك لا تعرف ، وأمسكت بهاتفها في محاولة منها أن تصب كامل تركيزها على ما ستقوله ، وأبعدت نظراتها عنه لئلا تتشتت أكثر .
قامت بالاتصال بوالدها وهي ترجوه بداخلها ألا يجيب ، تنتظر صوته بخوف وكأنه سيقبض روحها حال إجابته ، وفجأة استمعت إليه يجيبها بهدوء :
ـ ازيك يا نسيم ؟!
تعلقت عيناها بعيني عاصم الذي كان ينظر إليها وبداخله يتساءل .. ما كل هذا الخوف ؟! ماذا فعل لها سالم لكي تشعر بالخوف في حضرته هكذا ؟! الأمر قد تعدى مقتل أخيه أمامها .. تلك الفتاة قد عانت بطريقة مروعة ، ومعاناتها لن تنتهي إلا إذا انتزع ذلك الخوف من داخلها وألقاه بعيدا ووضع مكانه الثقة والقوة .. وهذه مهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة .
ـ الحمد لله.
قالتها بصوت مهتز ، ثم صمتت لثوان وهي تحاول صوغ ما ستقوله بطريقه لا تثير حنقه، وتابعت :
ـ كان في طلب ..
التقت عينيها بعيني عاصم وشيئٍ ما بداخله عينيه جعلها تستجيب لذلك الجحود الذي رأته بهما، فقالت بتلعثم وتخبط :
ـ هو مش طلب.. هو قرار أنا أخدته ..
استمعت إلى الصمت … إلى صفير الرياح ربما !!
صمت مطبق ولكنه لم يتجاوز ثوان معدودة، فكر فيها سالم وانشغل رأسه وهو يحدث نفسه قائلا : قرار !! منذ متى ونسيم تقرر ؟! نسيم كانت دومًا تؤمر فتنفذ الأوامر ، هل الآن تبلغه بقرارها ؟!
على ما يبدو أن هذا المدعو عاصم ألقى عليها تعويذة ما جعل نسيم أخرى ذات شخصية جديدة تنبعث من أسفل أنقاض شخصية ضعيفة، هادئة، ومستسلمة دائما .
في تلك اللحظات كان قلب نسيم يرتجف بقوة، صمت والدها لم يُسرِ في نفسها سوى الرهبة والخوف. وفي النهاية تساءل بهدوء :
ـ قرار إيه ده ؟!
سحبت نفسًا شحذت به همتها ثم قالت دفعةً واحدة :
ـ زينب هتيجي تعيش معايا .
صمت سالم لبرهة ، ثم تساءل بحدة أوشكت على الفتك بالهاتف الذي تمسكه :
ـ ما انتِ عارفة إنه مينفعش ، البيت ميستغناش عن زينب .
فأجابته بحدة مماثلة وقد انطلق لسانها بغضب:
ـ وأنا كمان مستغناش عنها ، أنا محتاجاها تساعدني لأني مش بعرف أعمل حاجة .
حسنًا.. إنها أبهرته ثانيةً ! في المرة الأولى حين قررت والآن وقد انفعلت وارتفع صوتها !
الوضع لا ينذر بالخير أبدا من وجهة نظره !!
رد عليها بضيق وهو يحاول أن يتمسك بثباته :
ـ و البيه جوزك مش عارف يجيبلك خدامة ؟! مش شايف حالتك ؟!
تنهدت بتوتر حاولت جاهدةً أن تخفيه عن أعين عاصم الذي يتفحصها ويلاحق ردات فعلها بنظرات ثاقبة نهمة، وقالت وهي تصارع لكي تبث الهدوء والثبات بصوتها وقالت:
ـ أنا مش عاوزة خدامة ، أنا عاوزة زينب وبس ، أنا كلمتك عشان أبلغك بقراري عشان متحاولش تمنعها..
صمت سالم لثوان وأخذ يفكر فيما تقوله ، إنها بدأت بالتمرد وبرز صوتها الذي انقطع لسنوات عدة ، على ما يبدو أن زواجها من عاصم أيقظ الروح المتمردة بداخلها من جديد.. ولكنه لن يكون سالم مرسال إن تركها تظن وأنها قد انتصرت عليه ، لذا تنهد وقال:
ـ تمام . على كل حال أنا كنت ناوي أبعتلك حد يساعدك من اللي في الڤيلا لأني عارف إنك مش هتقدري تخدمي نفسك، بس طالما انتي محتاجة زينب بالتحديد مفيش مانع، اللي يريحك، زينب هتيجي تقعد معاكي مؤقتاً لحد ما تتحسني وتكوني شوفتي حد غيرها ..
وشدد على كلماته مؤكدا :
ـ مؤقتا مش دايما .
ظهر على وجهها الابتهاج رغمًا عنها، لم تتوقع في الأساس أن يوافق، لم تتوقع أن تنجح محاولتها وأن يستجيب لطلبها.. وتنهدت ثم قالت:
ـ تمام ..
انتهت المكالمة فامتدت يدها تلقائيا نحو قلبها وهي تحاول تهدئة نبضاتها الثائرة ، فيما بقي هو يرمقها بصمت ، يقيم الوضع وفي وسعه أن يجزم على الفور أن الوضع جيد جدا ، على الرغم من أنها في غاية الارتباك والتشتت الا أنه يثق بقدرتها على التحول إذا لزم الأمر ، فتلك تلميذة نجيبة ، تتعلم الدرس وتطبقه منذ الوهلة الأولى ، وإن كان انفعالها وانقباض قلبها مؤشرا لشيء فهو مؤشر قوي على أنه يمضي للأمام بنجاح .
أفسح المجال لابتسامة رضا نادرة أن ترتسم على شفتيه وهو ينظر إليها قائلا :
ـ واضح انه وافق .
أومأت بموافقة فقال:
ـ أنا مبسوط جداا إنك واجهتيه ، لازم تتعلمي تواجهي من هنا ورايح ، انتي مش ضعيفة يا نسيم ولا قليلة ، انتي بس محتاجة ننفض غبار الخوف ده عنك وصدقيني أنا واثق إن شخصيتك الحقيقية هتلمع .
لاحظ كتفاها يتشنجان ، ونظرتها تبدو غير واثقة فيما يقول ، وكأنها تمر بهراء مخيف ، تحتاج دفعة قوية للأمام نحو الاتجاه الصحيح الذي يريده ، وهو أهلٌ لذلك .. هذه مهمته الجديدة وهو مبرمج للتفوق في مهامه و إنجازها على أعلى درجات الكفاءة .
ثم نظر إليها وهو يمد قائمة الطعام نحوها ويقول :
ـ لو مش هتعبك تطلبي انتي الغدا واختاريلي على ذوقك .. أنا واثق إن ذوقك حلو .. وبعد الغدا حابب أنا وانتي نشتري هدوم جديده ليكي ، وبالمرة تختاري معايا كذا حاجة ليا .
مدت يدها كالمغيبة في اتجاههزوهي تلتقط القائمة وأومأت بموافقة وهي لاتزال على نفس الحالة البلهاء ، الأمر تخطى كونه يترك لها حرية الاختيار ويمنحها الثقة الكاملة بنفسها، لقد أصبح يطلب منها مساعدة، الأمر أشبه وكأنه يستثمر فيها، يثق بامكانياتها، يثق بذوقها، يراهن على قدرتها في اختيار شيئا سيناسبه، سيرضيه، سينال إعجابه ..
الأمر بالنسبة لها لم يكن مجرد طلب مساعدة في اختيار وجبة غداء أو شراء بعض الأغراض ، الأمر أكبر بكثير ..
حاولت الهاء نفسها عن التحديق به بتلك الطريقة الحمقاء وكأن عقلها على وضع الطيار الآلي، ونظرت بقائمة الطعام بين يديها وهي تنتقي الأصناف بسعادة، وتحاول اثبات جدارتها بالثقة التي أوكلها إليها، بينما قلبها كان يتحرك في ماراثون جديد بسبب نظراته القائدة بلا أي سُلطة.
❈-❈-❈
في أثينا .
كان فريد قد انتهى من حمامه للتو ووقف أمام الخزانة ينتقي ما سيرتديه فاستمع إلى صوت رنين هاتفه ، فنظر إلى الهاتف ليجد المتصل هو نفس الشاب الذي كلفه سابقا بمراقبة كل تحركات عمر وإخباره بها، فأجاب سريعا وقال:
ـ مساء الخير ، إيه الأخبار ؟
ـ مساء الخير يا فريد بيه ، ازي حضرتك ؟
ـ أنا تمام ، قوللي في جديد ؟!
ـ عمر بيه من شوية اتقابل مع واحد شكله غريب شويه ووقفوا يتكلموا حوالي نص ساعة وبعدها مشي ..
ـ شكله غريب إزاي يعني ؟
ـ أنا صورتهم ، هبعتلك الصور حالا .
وقام بإرسال الصورة التي جمعت حسن بعمر إلى فريد عبر أحد تطبيقات المراسلة فأخذ فريد يطالعها بضيق وملأهُ الغضب ثم قال :
ـ تمام .. كويس انك صورتهم ، على العموم خلي بالك منه كويس ولو في أي حاجه تانية تستدعي أعرفها يا ريت تبلغني بيها فورا.
ـ تحت أمرك يا فريد بيه ، مع السلامه.
أنهى فريد الاتصال وقام بتحويل مبلغ مالي متفق عليه إلى حساب هذا الشاب نظير خدمته ، ومن ثم أخذ ينظر إلى صورة حسن وعمر اللذان يقفان في مواجهة بعضهما البعض .
أخذت موجة شديدة من الإحباط تندفع إلى رأسه واشتدت قبضة يده حول الهاتف ثم قذفه بقوة غاشمة نحو المرآة فتناثر حطامها في جميع أركان الغرفة .
أخذ صدره يعلو ويهبط بضيق وانفعال حاد ، كان ساخطًا على كل شيء ، على نفسه ، ومرضه ، وحظه ، وقدره الذي جعل من ألد أعدائه أخًا شقيقًا له ..
لا بد أن كل ما يمر به إلى الآن هراء ، لعنة ، خرافة لا تمت للمنطق بصلة ، غير معقول أن كل هذا حقيقي !
شقيقه الأصغر والذي يعتبره ابنه وليس مجرد أخ يتحالف الآن مع شقيقهما الغير معترف به بعد ، ومن الواضح أن الأمور بينهما تسير على ما يرام .
وحبيبته الحمقاء ، تقطن نفس المنزل معه وهي تعلم أنه يحبها ـ حسبما يدعي ـ ومن الصعب ، بل ومن المستحيل أن تكون قد نسيت ما قاله وما اتهمها به من فترة ليست ببعيدة ، ومع ذلك فقد غضت الطرف عن هذا كله وفضّلت أن تعيش معه في نفس البيت من جديد على أن تعيش ببيته هو .. وكل ذلك لأنها لا تسامحه .. لم تسامحه ولم تغفر له زلته ، و لكنها سامحت الحقير الذي طعنها بشرفها واتهمها سرًا وعلانية .. !!
اللعنة ، هذه الفتاة تتصرف بكل الطرق الغبية الممكنة، دومًا تبحث عن المتاعب وتلقي بروحها داخلها ، لا يهنأ لها بال إلا إذا حفتها المخاطر من كل جهة ولا يغمض لها جفن إلا وهي محاطة بحلقة من النار .
قام بالاتصال بنفس الشاب مجددا وقال :
ـ محتاج منك خدمة تانية ، هبعتلك صورة بنت عاوزك تراقبها ، بس خلي بالك اوعى تعرف إنك بتراقبها ، أنا كل اللي عاوزه إني أكون مطمن عليها وواثق إنها مش في خطر.. ده الهدف الوحيد من مراقبتي ليها مش أي شيء تاني ..
ـ اللي تؤمر بيه حضرتك ، ابعتلي بس صورتها وعنوانها وسيب الباقي عليا .
تنهد فريد باستياء ثم قال ؛
ـ حاضر .. ثواني وهيكونوا عندك .
وأنهى الاتصال معه ثم استدعى صورتها عبر هاتفه وأخذ ينظر إليها بابتسامة مسكينة وهو يحدثها قائلا :
ـ على عيني إني أبعتله صورتك ، أنا لو أطول أخبيكي جوه قلبي ومحدش يشوفك غيري هعمل كده ، بس أنا وعدتك إن حمايتك مسؤوليتي ، ولازم أكون قد المسؤولية .
انتهى من ارتداء ملابسه وأصبح على أتم استعداد وبينما هو يستعد لمغادرة المنزل وصله بريدًا جديدًا فأخذ يقرأه ليتبين ما فيه ، ليجد أنه قد أُرسل من المسؤولون عن تجهيز المشفى الخاصة به حيث يطلبون منه إرسال الدفعة الأخيرة من المبلغ المتفق عليه للتحضير للافتتاح .. لم يتردد ، وقام بتحويل المبلغ .
وعلى ذكر المشفى أتى ذكر الملجأ ، مما دفعه للتفكير في أمرٍ ما وعمل على تنفيذه فورا ..
فقام بالاتصال بعمر ، والذي أجابه بصوت بائس :
ـ كنت عاوز أكلمك على فكرة ..
ـ ممم.. و ايه اللي منعك ؟
ـ محبيتش أشغلك معايا وأضايقك .
ازداد ضيق فريد عند سماعه تلك الإجابة الحمقاء ، فهو دومّا كان ملاذه حتى لو كان غير متفرغٍ ، ولكن يبدو أن بظهور حسن أصبح عمر يميل لمن يشاركه نفس تفاهته وحماقته .
ـ وفيها إيه لما تشغلني يا عمر ؟! إيه الجديد يعني ؟! إيه اللي جد دلوقتي مش فاهم ؟!
تعجب عمر أسلوبه الحاد ونبرته الجافة فقال :
ـ هو أنت متضايق ولا انا متهيألي ؟
ـ بصراحة متضايق جدا.. لأني مش عاوز أحس إنك بتعاقبني لأني بعدت وسافرت ، مع إني لما قولتلك إني عاوز أبعد لأني تعبان مكانش قصدي أبدا أني هتخلى عن دوري كأخ وصاحب ليك .
ـ في إيه يا فريد ، كل ده عشان بقولك محبيتش أضايقك وأشغلك معايا ؟! الحق عليا يعني ؟!
تنهد الآخر وأضاف بخيبة أمل :
ـ أيوة الحق عليك يا عمر لأنك عارف إن بتصرفاتك دي انت كده بتشغلني أكتر .. أنا متعود أسمع مشاكلك وقرفك طول عمري ، و حلها بقا مسؤوليتي لأنك ابني مش أخويا بس .. كون انك تنتزع مني الدور ده فدي حاجه هتخليني في قمة استيائي على فكرة انت كده مش بتساعدني أبدا .
صمت عمر للحظات، ثم تنهد وقال بأسف :
ـ أنا آسف ، أنا مش قصدي أي حاجه غير إني مش عاوز أحملك فوق طاقتك .. لكن طالما مشاكلي وقرفي وحشوك فاسمع بقا ، أبوك ضربني بالقلم النهارده .
صمت فريد للحظات ثم قال باستنكار :
ـ ضربك بالقلم !! وانت عملت إيه ؟!
ـ ولا حاجة ، أديني أهو خدت لوشن ملطف من چيچي ودهنت مكان القلم عشان أعرف أنزل بالليل .
ضحك فريد مغلوبًا ثم قال بهدوء :
ـ مش بسأل على كده . أقصد عملت إيه فضربك ؟
ـ أبدا.. كل ده علشان وقفت قدامه بكل شجاعة و قلت له إن حسن أوفر حظا مني ومنك لانه مترباش على ايديه ..
صمت فريد لبرهة ، وأخذ يفكر في الأمر ، كل الدلائل والقرائن تثبت أخوتهم ، حتى أن عمر تقبل الأمر بمنتهى السهولة ، على عكسه هو لايزال يملك أملا نابضا أن تكون تلك خديعة أو كذبة !
ـ سكت ليه ؟! بذمتك حسن مش محظوظ عننا ؟! لا طلع معقد ولا مريض نفسي .. عايش برنس في نفسه كده وفي الطراوة .
مريض نفسي !! وكأنها وصمة عار وأُلصقت بجبينه مدى الحياة ، ولم لا وهو نفسه يعي ذلك ، و يعي جيدا أن لا أحدا سيتحمل ذلك المرض وتبعاته ..
أدرك عمر فداحة وقسوة ما تفوه به فتحمحم وقال معتذرا :
ـ أنا مقصدش يا فريد والله أنا كان قصدي…
ـ ولا يهمك يا عمر، سيبك من كل ده ، أنا كلمتك عشان حاجه مهمة جداا ومش شايف حد جدير بالمهمة دي غيرك .
ـ مهمة إيه ؟
ـ طبعا انت عارف إني كنت بعمل زيارة للدار مرة كل أول شهر .. وبكرة أول الشهر وأنا مش هكون موجود ، فلازم انت تروح لهم ..
استغرق عمر في التفكير قليلا ثم قال:
ـ خلاص ماشي سيبها عليا ..
ـ خلي بالك.. لازم وانت رايح تاخدلهم هدايا زي ما أنا كنت معودهم لأنهم بيكونوا مستنيين الهدايا دي من الشهر للشهر..
ـ حاضر .. متقلقش ،
ـ حاجه كمان ، وانت بتتعامل مع المديرة أو المشرفين خليك حازم وجد معاهم.. لازم يعرفوا من أول مرة انك شديد ومش هتتهاون في أي تقصير ..
ـ ماشي ، بس هو لو في تقصير من أي نوع أنا هعرف إزاي أصلا ؟
ـ لأ متقلقش من الناحية دي.. المكان كله كاميرات وأنا بتابعها أول بأول ، أكيد مش هسيبهم منهم للأطفال يعني ..
ـ تمام يا بوص .. الدار في ايد أمينة ان شاء الله .
ـ ربنا يستر .. خلي بالك من نفسك وأي حاجه تحصل كلمني، اتفقنا ؟
ـ اتفقنا يا صاحبي ، مع السلامة .
أنهى فريد الاتصال وهو يشعر ببعض الراحة تتسلل إليه بعد أن أوكل إليه هذه المهمة ويأمل في أن يكون جديرا بها ، وأن تكون سببا في صلاحه وبعده عن رفاق السوء .
***
دخل عاصم أحد المولات وبرفقته نسيم التي كانت تشعر بالحرج قليلا بينما هو كان ممسكًا بكفها بقوة ويحاول دعمها وطمأنتها .
سار بها حتى وصلا إلى المصعد فلاحظ ثقل حركتها وتباطؤها مما أوحى له أنه ثمة خطبٍ ما بها متعلق باستخدام المصعد فقال :
ـ مالك ؟! متقوليليش إن دي أول مرة هتطلعي فيها في أسانسير !!
أومأت مؤكدة وقالت بتلعثم :
ـ دي أول مرة أدخل مكان زي كده أصلا .. وبصراحة أنا بخاف جدا من الأماكن المقفولة .
تعجب لسماعه ما قالته توًا ، هل هذه المرة الأولى التي تخرج فيها للتبضع مثلا ؟! ولكنه أخفى تعجبه ببراعة ، فعلى ما يبدو أنه سيتفاجأ معها كل يوم بأشياء لم يتوقع سماعها منها مطلقًا .
أما عن خوفها فهذه مهمته التي سيضعها على عاتقه ، فهو قد أخذ عهدًا على نفسه أن ينزع منها كل ذرة خوف . ولن يتوانى في فعل ذلك .
تنهد وهو يربت على كفها الذي يمسك به ثم قال مبتسما :
ـ مفيش أي داعي للخوف ، كل الحكاية عشر ثواني وهتلاقينا خرجنا ، تعالي .
تفرست وجهه فرأت النظرة الغريبة التي يرمقها بها عندما يكون واثقا من نفسه ، وأخذت عيناه تلمع بطريقة وترتها وجعلتها تتبعه بصمت .
انقبض قلبها بخوف والتصقت به دون وعي وهي تشاهد الباب وقد أُغلق عليهما ، فتقدم عاصم وضغط زر الطابق الخامس وهو لا يزال ممسكًا بيدها و تحدث محاولا تشتيت انتباهها :
ـ عاوزك تختاري كل اللي تحبيه ، اتفقنا ؟
أومأت بموافقة فتابع :
ـ و أكيد مش هنجيب أي حاجة سودا .. ألوان وبس .. مفهوم ؟
سألها مبتسما فأومأت بابتسامة واهية ، توقف المصعد فنظر إليها واتسعت ابتسامته وهو يقول :
ـ بذمتك في أسرع من كده ؟
انتزع منها ابتسامة حين أومأت أن لا ، فخرجا سويًا وسارا بجانب بعضهما البعض ، يطالعان المتاجر ويتحدثان إلى أن وقع الاختيار على متجر معين فدخلت وهو يتبعها ، وعلى الفور قادها نحو الأريكة وساعدها لترتاح ثم نظر إلى مسؤولة المتجر وقال :
ـ من فضلك شوفي طلباتها ..
ونظر إلى نسيم وقال بهدوء :
ـ في مكالمة ضرورية لازم أعملها دلوقتي بخصوص الشغل ، خمس دقايق بالكتير وهرجعلك .
أومأت بموافقة فقال مازحًا :
ـ على اتفاقنا ، مفيش اسود .. كله ألوان .
ابتسمت لا إراديًا وأومأت مؤكدة فانسحب وتركها تواجه تجربة هي الأول من نوعها ، فدومًا كانت زينب هي من تتولى مهمة شراء الملابس لها ، وكانت تعرف أنها لا ترتدي سوى الأسود ، وإذا اضطرتها الظروف تلجأ للألوان القاتمة ، أما الآن.. فالمطلوب منها أن تكسر القاعدة وتخرج عن المألوف .
ـ حضرتك بتفكري في حاجة معينة ؟!
سألتها الشابة مسؤولة المتجر عارضة عليها المساعدة بطريقة روتينية فنظرت إليها نسيم بحيرة وتنهدت ثم قالت وهي تشكره سرًا لأنه تركها وانصرف :
ـ عاوزة هدوم للبيت.. بيجامات.. بس تكون مقفولة ، أقصد يعني متبقاش مكشوفة ..
أومأت الفتاة كابحة تعجبها ثم سألتها :
ـ بتحبي ديزاين معين أو ألوان معينة ؟!
هنا سحبت نفسًا عميقًا مهتزًا ثم قالت :
ـ مفيش ألوان معينة ، بس بلاش غوامق .
بدأت الفتاة في مساعدتها وعرض موديلات للمنامات الموجودة حسب طلبها ، بينما بدأت نسيم تختار من بينهم ، تختار اللون والتصميم ، تفضل واحدة على الأخرى ، وتنتقي واحدة بحماس وهي تتخيل مظهرها بها كيف سيبدو ..
بعد خمس دقائق عاد عاصم الذي وقف خلف الباب الزجاجي واضعًا يديه بجيبه بهدوء ، يطالعها ويطالع تلك الابتسامة البريئة على شفتيها ، وللحظة وجد نفسه غارقًا في التفكير بها .. يبدو أنها عانت ، ونالت من القسوة والحرمان ما يجعل العقل عاجزا عن الاستيعاب ، فبالرغم من أن أخوه كان قد أخبره بمدى قسوة والدها وكيف أنها تعيش حياة أشبه بالجحيم ، وأخبره كذلك أن والدها هو من وضعها بدار الأيتام ، إلا أنه لم يتخيل أنها كانت حتى محرومة من أتفه حقوقها وهي الاختيار بحرية .
لذا فرحتها تبدو عارمة لمجرد أنها تختار بين بضعة منامات ، يفهم شعورها جيدا وفرحتها بشعورها بكينونتها المسلوبة ، يفهم كيف يكون حال الطير إذا حُرر .
سحب نفسًا عميقًا ، ثم اقترب ودق الباب ودخل ، ونظر إليها مبتسما وقال :
ـ إيه الأخبار يا جميل ؟!
نظرت إليه وتوترت نظراتها فأخفضت عينيها سريعا ، وبالرغم من ذلك التوتر إلا أنها شعرت شعورا ناعمًا يتسلل إلى قلبها ببطء ..
فهي مثلها مثل أي فتاة تميل نفسها للغنج والدلال خاصةً في وجود أنثى أخرى في محيطها ، فهذا الشيء يكسبها ثقة بنفسها ويمنحها شعورا بالكمال .
قالت بهدوء وهي تروض نظراتها لكي تعود إليه مجددا :
ـ خلاص خلصنا ، اخترت حاجات كتير.
مط شفتيه بإعجاب وأومأ قائلا :
ـ عظيم .. طيب كده خلاص مش محتاجه حاجه تاني ؟! خدي وقتك وشوفي تاني جايز يعجبك حاجة كمان .
ـ لأ .. كده كفاية أوي .
ـ تمام ، اللي تشوفيه .
قام بإخراج بطاقته البنكية وناولها للفتاة التي قامت بإنهاء معاملة الشراء ثم أعطته البطاقة مجددا ، وقامت بتغليف ما اشترته نسيم ثم أعطته الحقيبة وهي تودعهم بلباقة .
***
بعد أن انتهت نسيم من التبضع برفقته دخلا المصعد سويًا لكي يحملهما إلى الطابق الأرضي .
كان عاصم يراقب ردة فعلها عن قرب وهي تقترب منه أكثر حتى باتا متلاصقين ، علم أنها تحتمي به وهذا ما أشعره بالمسؤولية أكثر تجاهها، وأكد لنفسه أن ما شرع في فعله هو حتمًا في صالحها ؛ فالخوف لا يزول إلا بالمواجهة !
عدّ بداخله حتى الرقم خمسة فانقطعت الكهرباء وتوقف المصعد ..
شهقت نسيم بفزع ، وتشبثت به بكلتا يديها فسقطت عصاها أرضا وهي تقول بفزع :
ـ ايه اللي حصل ؟
ـ اهدي .. قالها وهو يلتفت نحوها ببطء وتابع : متخافيش من حاجة .
أخرج هاتفه وقام بتشغيل ضوء الهاتف وهو يقول :
ـ اهدي.. أكيد في مشكلة وهيحلوها بسرعة ..
بدأت وتيرة أنفاسها تعلو وشعرت برأسها يدور فأمسكت به بإحكام وهي تقول :
ـ أرجوك اتصرف اعمل أي حاجه ، أنا ممكن أتخنق .
استدار ليقابلها ووقف أمامها ممسكًا بذراعيها وهو يقول بهدوء وثقة :
ـ اهدي وصدقيني مش هيحصل أي حاجه ، الخوف اللي انتي فيه ده هو اللي بيهيألك انك هتتخنقي لكن لو هديتي مفيش حاجه هتحصل .. انتي ركبتي أسانسير قبل كده ؟
نظرت إليه وقد بدأ وجهها يتعرق وزادت قبضة يديها فوق يديه أكثر فقال :
ـ طيب عرفتي منين إنك هتتخنقي طالما ممرتيش بتجربة زي دي قبل كده ؟!
لتجيبه بحدة وهي ترشقه بنظرات ساخطة :
ـ أكيد مش بمثل يعني .
ـ مقولتش إنك بتمثلي ، بس انتي واهمة نفسك .. والخوف هو السبب .
نظرت إليه بضجر صامت ، ودت لو أنها تخنقه بيديها اللتين تتمسكان به بذعر كالحمقاء بينما هو يقف ثابتًا وكأنه يعلق بالمصعد مرة كل أسبوع مثلا ..
ـ خدي نَفس عميق..
وتنفس بهدوء مطولا ثم زفرهُ على مهل ففعلت مثله فأومأ وقال :
ـ أيوة بالظبط كده.. حافظي بقا على نفس الهدوء ده.. كل ما كنتي هادية كان أفضل ، واتعودي دايما لو حصل لك موقف مشابه وانتي لوحدك تحافظي على هدوئك قدر الإمكان لأن التوتر هيخليكي تتنفسي بسرعة وهتستهلكي أكسجين كتير فممكن وقتها لاقدر الله يغمى عليكي !
أغمضت عينيها وهي تتنفس بهدوء كما أخبرها لتتفاجأ به يسألها :
ـ انتي مغمضة عينيكي ليه ؟! بصي لي .
فتحت عينيها لتجده ينظر إليها ضاحكًا بطريقة أثارت ضيقها وانزعاجها فقالت بانفعال :
ـ مغمضة عينيا لأني خايفة وبحاول أهدى .. مش ده كلامك ؟
ـ اوكي بس متغمضيش ، ركزي معايا وحاولي تفكري في أي حاجه غير الموقف اللي احنا فيه ده .. فكري في حاجه إيجابية عشان الوقت يعدي ..
نظرت إليه ، فنظر إليها بدوره ، تلاقت عيناها الخائفتان بعينيه الواثقتين ، وفجأة امتلأت عيناها بالدموع وتكلمت دون وعي وقالت :
ـ أنا خايفه ، مبحبش الضلمة ، بتفكرني بحاجات وجعاني ..
اقترب منها أكثر ، وأطبق على ذراعيها أكثر فتابعت :
ـ أنا بخاف من كل حاجه ، أنا دايما عايشة في خوف وقلق ..
تحدث وعيناه مثبتتان على عينيها ، وألزم نفسه بوعدٍ يثق في قدرته على الوفاء به :
ـ هتتخلصي من كل الخوف ده أوعدك .. بس لازم تواجهيه .
كان يقصد خوفها، بينما هي لم تعِ ذلك .. فتغضن جبينها أكثر وارتعش جسدها ، وقالت :
ـ مش هقدر ، أنا.. أنا متعودتش أواجهه ، هو مكانش بيسمح بكده ، والمرة الوحيدة اللي واجهته فيها عاقبني .
فهم أنها تتحدث عن سالم ، فسالم هو خوفها الأكبر وكابوسها المسيطر عليها..
لاحظ ارتجافة كفيها حول ذراعيه ، وعيناها اللتان انحرف مسارهما عن عينيه باتا يتذكران ، ولسانها ينطق لا إراديا :
ـ قولتله إني بكرهه ، واني بتمناه يموت ! دي كانت المرة الوحيدة اللي اتكلمت فيها وقلت اللي في قلبي ..
ابتلع ريقه وهو يحاول درأ انفعاله وغضبه ، فهو في تلك اللحظة ود لو أنه اقتلع رأس سالم بيديه عقابًا له على ما فعله بها حتى أوصلها لتلك الحالة الميئوس منها ، وسألها .. يود معرفة الإجابة التي ستكون وقودا إضافيا سيشعل به فتيل انتقامه .
ـ وبعدين ؟!
ـ استرجاع زمني ـ
كانت تبكي بغرفتها المظلمة وترتجف ، فها هي قد عادت من دبي منذ ساعة فقط ، وهو من أمر بعودتها على وجه السرعة ، وبعد أن سمعت صوته والذي أخبرها كم هو غاضبٌ أدركت أن بطشه سينالها لا محالة .
وبالفعل انفرج الباب بعد لحظات ودخل هو بجبروته وقسوته ، وقف حاجبًا عنها ذلك الضوء المنبعث من الخارج وهو يقول بصوتٍ أسرى الرعب في قلبها :
ـ انتي قلتي لاصحابك أني أنا اللي قتلت أمك ؟!
انقبض قلبها وتسربت الدماء منه وأخذت تنظر إليه بخوف ، فاقترب منها و أوقفها عنوةً وأخذ يهزها بعنف وهو يتساءل :
ـ انطقي .. كلموني من المدرسة وقالولي إنك قلتي الكلام ده لواحده من زمايلك !!
وتساءل بصوت هز أرجاء المكان كله :
ـ هو أنا اللي قتلت أمك ؟!! اتكلمي ! ساكتة ليه ؟! انطقي !
ـ أيوة .
قالتها فجأة بحدة وصرخت به وهي تقول :
ـ أيوة انت السبب في موتها ، هي انتحرت بسببك .. انت اللي قتلتها .
لم يتمالك غضبه ، فصفعها بقوة أطاحت بالدماء من أنفها وقال :
ـ انتي كدابة وغبية ..
ـ أنا بكرهك ..
تحررت من خوفها أخيرا ، و أضافت :
ـ يا ريتك مت وهي لأ .. أنا بتمنى انك تموت عشان أرتاح .
هنا لمعت عيناه بقسوة لا مثيل لها ، وظل يرمقها بهدوء ثم قال :
ـ و ماله ، احنا فيها .. اعتبريني مت ، بس يا ترى تعرفي اللي أبوه وأمه بيموتوا ويصبح يتيم ده بيكون مكانه فين ؟!
ونظر إليها بابتسامة أظهر بها مرضه وعقده وخلله النفسي وقال :
ـ بعدين هتعرفي .
وبعدها استغل غياب الجميع عن المنزل واصطحبها إلى دار أيتام مملوكة لصديق له ، وعاد دونها لتقابله تساؤلات الجميع عن نسيم ، فكانت إجاباته أنها بخير .. في الحفظ والصون .. في أيدٍ أمينة .
ـ عودة للحاضر ـ
كانت تقص عليه ما حدث وهي تبكي ، ولا تزال يديها ترتجفان وهي تتذكر قسوة وبشاعة ما تعرضت له بعدها وتقول :
ـ بس أنا مكنتش في إيد أمينة أبدا ، مدير الدار اللي المفروض إنه صاحبه حاول ..
انفطر قلبها وهي تحاول إقصاء تلك الصورة وذلك المشهد من عقلها تماما ، ولم تجد سوى البكاء بين ذراعيه سبيلا للهرب من وجعها الحي النابض بالألم ، عانقته دون وعي، فاستقبل عناقها بترحاب، وضمها برفق، فارتخى كتفيها، وهذا يعتبر في لغة جسدها دليلا على شعورها بالأمان والطمأنينة ، فأحاطها بذراعيه أكثر وأسند ذقنه على مقدمة رأسها وهو يستمع إلى صوت نحيبها بعجز ..
كان يشعر بالاستياء الشديد لأجلها ، يشعر بالرغبة في الثأر من أجلها حالا بعد أن فهم ما حاولت قوله ولكنها فشلت ، ولم تكن رغبته في الانتقام من والدها فقط لأنه من ألقى بها في ذلك المكان ، لا بل من مدير الدار الذي خان الأمانة وحاول الاعتداء على طفلة كان من المفترض أن يكون هو أول من يحميها .
ربت على ظهرها ، فيما حاولت هي تهدئة نفسها وهي تبتعد عنه وتمسح دموعها ، فناولها منديلا وهو يقول :
ـ خلاص اهدي .. كل ده مر وانتهى ، وصدقيني هجيبلك حقك من اللي وصلوكي لكده قريب أوي .
نظرت إليه تتبين الصدق في عينيه فرأته يرمقها والوعد ينبض في عينيه بصدق ، حينها التقطت أنفاسها بهدوء وشعرت ببعض السكينة تملأ قلبها من جديد .
عاد الضوء ، وتحرك المصعد من جديد ، فعلم أن الخمس دقائق التي اتفق عليها مع مدير المول قد انتهت ..
نظرت إليه وظهر بعض الارتخاء في ملامحها خاصة عندما توقف المصعد عند الطابق الأرضي فقال :
ـ شوفتي بقا إن الموضوع بسيط ومكانش مستاهل كل الخوف اللي كنتي فيه ؟! عشان بس تعرفي .. كل ما كنتي هادية كل حاجه هتعدي أسرع .. ولو لا قدر الله الموقف ده اتكرر تاني وانتي لوحدك حاولي تشتتي انتباهك بالتفكير في أي حاجه تانية غير الخوف ..
وتابع متبسمًا :
ـ بس طبعا تفكري في حاجات إيجابية مش زي ما عملتي دلوقتي .
تنهدت وأومأت بتأكيد فتابع :
ـ على كل حال لازم نشكر الظروف اللي خلتك تخرجي الخوف اللي جواكي دلوقتي بالشكل ده ، وبالنسبة للي حكيتيه هنا سيبيه هنا .. انسيه واعتبريه محصلش .
نصحها بالنسيان ولكنه لن يفعل ، فهو لا ينسى، لا يغفر ، ولا يهدي الفرص .
جفف آثار الدموع على خديها بطرف إصبعه وهو يقول مضيفًا بعض المرح :
ـ امسحي دموعك قبل ما تخرجي بدل ما يقولوا كنت بعذبك هنا ولا حاجه..
ابتسمت رغمًا عنها فابتسم بدوره وأمسك بيدها وهو يقود خطواتها نحو السيارة برضا وهو يشعر أنه قد أحرز هدفًا لا يستهان به.
❈-❈-❈
في المساء ..
عادت نغم للتو من عملها ، أغلقت الباب ودخلت والإرهاق يبدو على ملامحها بوضوح ، وبينما هي تخطو نحو غرفة خالتها استوقفها حسن الذي كان واقفًا بالشرفة، ممسكًا بسيجارة بين إصبعيه ، وقال :
ـ حمد الله على السلامة .
رمقته بلا اكتراث وهي تقول :
ـ الله يسلمك ..
ـ استني ، لازم نتكلم .
نظرت إليه بضجر وقالت :
ـ معلش وقت تاني أنا راجعة تعبانة وعاوة أنام .
تركته وتقدمت للأمام خطوتين ولكنها توقفت عندما استمعت إليه يتساءل :
ـ بتعملي كل ده ليه ؟! معقول كل ده عشان تهربي من البيت ومتشوفينيش ؟!
استدارت ببطء وهي تزفر بنفاذ صبر، ثم نظرت إليه باستهجان وقالت :
ـ هو إيه اللي بعمله مش فاهمة حاجة .
اقترب منها وزادت حدته أكثر وهو يطالعها بغضب و هو يقول :
ـ الشغل ، نزلتي اشتغلتي عشان تهربي مني مش كده ؟
كانت عيناها تهدد بالانفجار بسبب كم الضغوطات التي تعتريها ، ولكنها تماسكت قدر المستطاع وقالت بنبرة مرتجفة :
ـ ميمشيش معاك اني بشتغل عشان أصرف على نفسي مثلا بدل ما أمد إيدي لحد ؟!
ضحك ضحكة قصيرة مبتورة ساخرة ، ومسح جانب شفتيه وهو يسألها متهكمًا :
ـ وهو مينفعش تمدي إيدك لحد بس تمدي إيدك في جيوبهم وتسرقيهم عادي.. مش كده ؟
اهتز صوتها أكثر ، و أوشكت على البكاء وهي تقول :
ـ أنا حتى لما كنت بمد إيدي في جيوبهم وأسرقهم كنت بعمل كده عشان أصرف على علاج خالتي ، عمري ما صرفت جنيه على نفسي ، ولا عمري سرقت عشان نفسي .. ولو كان قدامي فرصة وقتها إني أجيب الفلوس بطريقة تانية مكنتش هسرق .
في تلك اللحظة كانت عائشة قد أنهت صلاتها وعلى وشك الخروج من الغرفة ولكنها التقطت حديثهما فوقفت بغرفتها تستمع لبقية الحديث .
وأكملت نغم حديثها بنبرة لوم صارخة وهي تقول :
ـ وبعدين مين اللي علمني السرقة والنشل على أصوله ؟! مش انت ؟!
وأخذت الدموع تسيل عبر خديها وهي تحكي وتشرح طريقته بسخرية وهي تقول مرددةً حديثه الذي لطالما ألقاهُ على مسامعها إلقاء المعلم لطالبه :
ـ النشل له أصول يا نغم.. قبل ما تنشلي لازم تركزي مع اللي هتنشليه ، وتمدي ايدك في جيبه وانتي عينك في عينيه ، قبل ما تنشلي لازم تكوني عارفة اللي قدامك ده جيبه معبي ولا لأ، وعشان تضربي الضربة التمام تستني لموسم النشل.. كل أول شهر .
تسابقت دقات قلبها وهي ترمقه وهو يقف أمامها كتمثال رخامي، واقتربت منه خطوة ونظرت بأم عينيه وهي تتسائل بحسرة :
ـ مش ده كلامك ؟ مش دي نصايحك اللي مشيت عليها سنين ؟! من يوم ما وعيت على الدنيا وأنا بساعدك لحد ما بقيت نشالة محترفة وبقيت أساعد نفسي بنفسي ، قعدتني من المدرسة و علمتني النشل ، بدل ما تقوللي ذاكري ولا اتعلمي ، ولا حتى تعلمني الصوم والصلاة علمتني أمد ايدي وأسرق .. وجاي دلوقتي تعيب عليا وتحاسبني ؟!!!!
حُبست كلماته كما لو أنه اُخرس تماما ، وارتفع حاجباه في إباءٍ واهم ، تعرفه جيدا وتعرف أنه يحاول إخفاء توتره وضيقه ، وتعرف أنها فاجأته وأربكته بحديثها ، لكن ما لم تكن تعرفه أن صوتها كان عاليًا للحد الذي سمح لخالتها أن تنصت إلى حديثهما .
انتزعهما من صمتهما خروج عائشة من غرفتها حيث كانت تنظر إليهما بصدمة ، ثم وقفت أمام حسن ، وأخذت تنقل نظراتها بينهما وهي تقول :
ـ الكلام ده صحيح يا حسن ؟!
لن يكون حسن إذا اعترف بخطئه أو حتى سمح لعينيه أن تفصحان عن ندمه ، ولكن لغة جسده كانت كفيلة بأن أوضحت مدى ارتباكه وتشوشه ، حيث أنه وقف يحاول رسم الثبات على جسده الفارع وقامته الطويلة بمبالغة عكست الفوضى الكامنة بداخله ، وعيناه اللتان لم تخضعا لنظرات والدته أبدا صرحت عن الخوف الساكن في قلبه .
اقتربت منه عائشة وأمسكت بتلابيبه وهي تهزه بقوة وتتساءل بحدة :
ـ رد عليا.. انت عملت كده فعلا ؟
ـ أيوة ..
قالها وهو ينظر إليها وأتبع قوله بتنهيدة عميقة ومُتعَبة ثم قال :
ـ أيوة كنت بعلمها النشل ارتاحتي ؟!
تجرأت للمرة الأولى وفعلتها ، صفعته وأفرغت جميع ما في قلبها من غضب ، بينما هو وقف مذهولا يطالعها بغير تصديق ، ويده امتدت نحو أثر الصفعة ثم ضم قبضته بقوة وكأنه يحبس قهره بداخلها ، بينما أخذ فكاه يرتجفان واشتعل لهيب الغضب بعينيه وراح يحدجها بنظرات ساخطة ثم انفجر قائلا :
ـ لا مؤاخذة لو كنتي فكراني السنين دي كلها عالم ذرة وأنا صدمتك ، أصلي ملقيتش أب يعلمني الصح من الغلط ، ولا الحلال من الحرام فاستسهلت الغلط والحرام ومبخلتش بيه على بنت أختك اللي انتي وخداها في حضنك ورامية بنتك للكلاب تنهش فيها .
رد لها الصفعة ولكن أقوى ، لطمها بحقيقتها المُرة مجددا وتركها تموج في غضبٍ عاصف .
انسحب من أمامها سريعا والتقط هاتفه ومفاتيحه ثم غادر وصفق الباب خلفه .
كانت تشعر وكأنها على وشك أن تفقد وعيها ، فتهاوت على أقرب مقعد بجوارها وهي تتمتم بذهول :
ـ إيه اللي بيحصل ده بس ، أنا إزاي أمد إيدي عليه .. ايه اللي عملتيه ده يا عيشة !!
وبترت كلامها وهي تنظر إلى نغم التي لازالت تقف بمكانها ، وعقلها المشوش لا يستوعب ما قاله ابنها فسألتها :
ـ انتي كنتي بتسرقي وتعالجيني يا نغم طول السنين دي ؟! وأنا اللي فكراكي شغالة في كوافير زي ما قولتيلي !!
مسحت نغم دموعها بارتباك وقلق، كان الأمر عسيرًا جدًا ، أن تقف في مواجهة خالتها وتعترف لها أنها كانت تسرق لكي تعالجها بمال حرام ، كان قولا ثقيلا جدا لم تتمكن منه ولكنها قالت على كل حال :
ـ أنا فعلا كنت شغالة في كوافير فيفي مكدبتش عليكي ، بس الفلوس اللي كنت باخدها منها مكانتش بتكفي .
ـ تقومي تسرقي؟!
تساءلت عائشة باستنكار شديد ، وتابعت قاطعةً عليها السبيل للرد :
ـ وأنا اللي كدبت حسن لما قال إنك سرقتي خزنة سالم ، أتاريه متأكد من كلامه وعارف هو بيقول ايه ؟
تحول تعبيرها الحزين إلى آخر مصدومًا ، مصعوقًا ، ونظرت إليها باستفهام وقالت :
ـ خزنة سالم ؟! سرقة إيه اللي بتتكلمي عليها ؟!
نظرت إليها خالتها بلومٍ قاتل وقالت باستهجان :
ـ ملوش داعي الكدب بقا أنا عرفت كل حاجه خلاص ..
قاطعتها نغم بحدة واقتربت منها أكثر وهي تتساءل :
ـ كدب إيه يا خالتي أنا مبكدبش ، أنا فعلا مش فاهمة حاجة..
ـ يعني انتي مسرقتيش خزنة سالم وهربتي من الڤيلا ؟!
رفعت حاجباها بذهول وقالت :
ـ أنا ؟! مين اللي قال كده ؟!
ـ بنت اللي ما تتسمى نادية .. لما كانت هنا قالتلي كده وأنا مصدقتهاش ، وحسن قاللي كده وأنا كدبته وقولتله نغم مستحيل تعمل كده ..
بترت حديثها عندما رأت نغم تتجه نحو الباب باندفاع فركضت خلفها لتمنعها ولكنها خرجت وصفقت الباب خلفها بقوة ، بينما وقفت عائشة تتطلع حولها بعجز ، لا تدري ماذا ستفعل ولا إلى أين ستذهب .. ولكنها توقعت أنها ستبحث عن حسن وكالعادة سيدور شجارٌ بينهما ..
ولكن نغم كانت قد استوقفت سيارة أجرة وطلبت من السائق الذهاب بها حيث ڤيلا سالم .
لم تكن واثقة من قرارها ، ولكنها لن تسمح لتلك الشقراء الحقيرة أن تلصق بها تهمة لم تفعلها ، وأخذت ترتب أفكارها وخطواتها استعدادا لتلك المواجهة .
❈-❈-❈
حاولت عائشة الاتصال بحسن لكي تخبره بما حدث وما قالته نغم ولكنه لم يجب ، فقررت أن تخرج لكي تحاول اللحاق بها ؛ فمن الممكن أن تكون قد خرجت لتتمشى وتهدأ من روعها ، لذا ارتدت عباءتها ووضعت وشاحها واتجهت نحو الباب ، أدارت المقبض وفتحت الباب ولكنها قوبلت بصدمة لم تتوقعها.. حيث أنها رأت سالم يقف أمامها ، ينظر إليها نظرات لم يغيرها الزمن أبدا ، نظرات لم تفقد سلطتها وهيمنتها ، ونطق قائلا بحزم :
ـ لازم نتكلم يا عيشة .
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة نعمة حسن، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية