-->

رواية جديدة ساحر الليل لبسمة بدران - الفصل 9 - الجمعة 23/5/2025

 

   قراءة روايةساحر الليل كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ساحر الليل

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة بسمة بدران


الفصل التاسع


تم النشر يوم الجمعة 

23/5/2025

اشتاقه.


في ظهر اليوم التالي وصل فارس إلى عروس البحر المتوسط. كان يستنشق هواء الإسكندرية باستمتاع شديد؛ تلك المدينة الساحرة التي تجذب أي زائر لتكرار الزيارة مرة بعد أخرى.

قرر في نفسه أن يتجول في شوارعها ويزور معالمها الفريدة بعد انتهائه من العمل.


بفضل مساعدة أهل المدينة استطاع الوصول إلى عنوان الشركة الذي أعطاه إياه مديره دون عناء يُذكر.

وها هو الآن يقف أمام مكتب مديرة الشركة ينتظر الإذن بالدخول.

لم تمضِ سوى دقائق قليلة حتى دخل يرسم على شفـ تيه ابتسامة بسيطة. أبصر امرأة في عقدها الرابع تمتلك قدرًا لا بأس به من الجمال تمد إليه يدها لمصافحته.

اقترب منها بخطوات متأنية ووضع يده في يدها قائلاً باحترام: " «أنا سعيد بلقائك يا فندم.»


ابتسمت ابتسامة بشوشة: " «أشكرك يا بشمهندس فارس.»


اتسعت ابتسامتها أكثر عندما لاحظت علامات الدهشة مرسومة بوضوح على ملامح وجهه الوسيم فقالت بمرح: " «مستغرب ليه؟ الأستاذ عادل كلمني عنك وقاللي إن اسمك فارس وإنك شاطر جدًا في شغلك.»


أطرق رأسه بخجل إذ لم يكن يفضل المديح ثم تمتم بصوت خافت: " «شكرا يا فندم.»


رفع رأسه مجددًا وسألها بنبرة عملية: " «دلوقتي تحبي أبدأ منين؟ محتاجة مني إيه بالظبط؟»


رمقته بإعجاب واضح فهو لا يشبه جيله رجل من طراز خاص. استطاعت بفطنتها أن تقرأ شخصيته سريعًا فقالت بجدية: " «نشرب القهوة الأول وبعدين نتكلم.»


ثم تابعت قبل أن يعترض: " «ومفيش مجال للرفض يا بشمهندس.»


أومأ لها باستسلام فرفعت سماعة الهاتف الداخلي تطلب فنجانين من القهوة بعدما سألته عن نوع القهوة الذي يفضله.


❈-❈-❈


في الجامعة كانت أروى تجلس برفقة صديقتيها جوري ورفيف يتحدثن بشأن المحاضرة السابقة.

وأثناء الحديث أبصرت ذلك الشاب الذي رأته بالأمس يسير بالقرب منهن وهو يعبث بهاتفه المحمول.

لم تشعر بنفسها إلا وهي تنهض وتترك صديقتيها وتركض نحوه منادية بصوتها المميز: " «من فضلك! من فضلك! لو سمحت!»


ارتسمت على وجهه ابتسامة ماكرة سرعان ما أخفاها ثم استدار إليها قائلاً باحترام: " «اتفضلي محتاجة حاجة؟»


نظرت إليه بدهشة فهي معتادة على اهتمام الرجال بها فكيف له ألا يتذكرها وقد رآها بالأمس؟

رغم الغضب الذي اعترى صـ درها حاولت الحفاظ على رباطة جأشها وقالت بجدية: " «أنا اللي خبطت فيك امبارح والأوراق كلها وقعت على الأرض.»


ضرب رأسه بخفة وقال: " «آاااه صح! آسف افتكرتك دلوقتي.»


ساد الصمت بينهما لحظات ثم قطعته هي بقولها: " «أنا آسفة كنت بس حابة أشكرك تاني.»


رد عليها بابتسامة خفيفة: " «ولا يهمك يا آنسة.»


قالت بلهفة: " «أنا أروى.»


أجابها: " «وأنا نور طالب في كلية الهندسة زيكم بس في دفعة رابعة.»


رغماً عنها ارتسمت على وجهها ابتسامة فقد أدركت أنها ستراه يوميًا وربما يصبح صديقًا أو أكثر من ذلك. لم تكن تدري لماذا شعرت بهذا الانجذاب نحوه لكنه كان قويًا وكأنه يجذبها بمغناطيس خفي.


تنحنحت قليلاً وقالت وهي توزع نظراتها بينه وبين صديقتيها اللتين كانتا تحدقان فيها بدهشة: " «عن إذنك يا بشمهندس نور أنا بس كنت عايزة أشكرك.»


رد بلطف: " «العفو يا آنسة أروى اتشرفت بيكي وإن شاء الله أشوفك تاني.»


قالت بلهفة: " «بجد؟»


ابتسم رغمًا عنه وأومأ برأسه ثم استأذنها بأدب وانصرف تاركًا إياها تتابعه بنظرات ولهانة.


لكنها شعرت وكأن دلوا من الماء البارد سُكب على رأسها عندما وصلها صوته الغاضب: " «مين الشخص ده؟ وواقفة معاه ليه يا أروى؟»


❈-❈-❈


في نفس الوقت كانت لمار تجلس فوق كرسي مكتبها تعبث بقلمها تشعر بالوحدة والملل.

بعد ثوانٍ دخلت صديقتها يارا وهي تهتف بمرح: " «صباحك سكر يا سكر!»


ألقت لمار القلم فوق المكتب وأشارت لصديقتها أن تجلس على أحد المقاعد المقابلة.

انصاعت يارا وجلست واضعة سـ اقًا فوق الأخرى تنظر إلى لمار نظرات متفحصة وقالت: " «عاملة إيه يا لمار؟ وليه نظرة الحزن اللي في عينيكي دي؟»


أجابتها لمار بخفوت: " «مش عارفة يا يارا بس حاسة بملل ووحدة.»


نظرت لها يارا باستنكار وهتفت بنبرة حادة مصطنعة: " «إيه ده! وحدة وملل وأنا معاكي؟ إنتِ أكيد بتهزري! ده عيب في حقي بل مصيبة!

أنا يارا! عارفة يعني إيه يارا؟»


ابتسمت لمار رغمًا عنها وقالت بهدوء: " «ياااه قد إيه إنتي متواضعة يا صاحبتي العزيزة»


قالت يارا بفخر مصطنع: " «طبعًا ودي أهم صفاتي غير بقى جمالي وأنوثتي وخفة دمي واا...»


قاطعتها لمار بإشارة من يدها: " «بس كفاية كده أنا عارفة كل ده قوليلي بقى إيه الأخبار مع حازم اتكلمتوا؟»


اعتدلت يارا في جلستها وبدأت تقص على لمار ما حدث بينها وبين حازم واعتذاره في اليوم السابق.


شعرت لمار بالراحة فحال صديقتها في الأمس كان يحزنها كثيرًا. لم تعتد رؤيتها بتلك الحالة فهي دومًا مرحة بشوشة محبة للحياة والحزن لا يليق بها أبدًا.


❈-❈-❈


تسير بسرعة متوسطة في الطرقات غافلة عن عينين تتابعانها بتركيز شديد. شعرت بالخوف والغضب معًا حينما أبصرت سيارة تقف أمام سيارتها لا يفصل بينهما سوى إنشات قليلة.

بصعوبة تمكنت من إيقاف السيارة وترجلت منها بعد أن أطفأت المحرك هاتفة بضراوة: " إنتَ أهبل إزاي تعمل كده؟ كنا هنموت!


أزال نظارته الشمسية وهو يترجل من سيارته بغرور شديد هاتفا باعتذار وهو يرمقها بنظرات فاحصة ومعجبة: " آسف يا آنسة.


حدجته بنظرة حادة وقالت بحدة: " مدام لو سمحت.


رفع رأسه بشموخ يخاطبها بتعالٍ: " صدقيني ماكانش قصدي بس ببساطة كنت عايز أتكلم معاكي.


ارتسمت الدهشة جليًا على ملامح وجهها الجميل وهتفت بعدم تصديق: " إنتَ مجنون! كنا هنموت عشان حضرتك عايز تتكلم معايا؟


أطلق ضحكة مزلزلة: " ماتبالغيش ما إنتي قدامي زي الفل اهه وأنا كمان مفيش حاجة حصلت. فبلاش الدراما وتعالي معايا في عربيتي نتكلم شوية.


رمقته باشمئزاز: " لأ مش هاعمل كده لو عايز تتكلم تعالى الجريدة اللي بشتغل فيها.


ـ بس أنا مابحبش الأماكن المغلقة خلينا نتكلم في مكان عام أرجوكي يا مدام.


وأمام إصراره ونظرات عينيه المتوسلة أومأت بالموافقة وذهبت لتضع سيارتها في أقرب موقف.

وبعد دقائق عادت لتستقل السيارة بجانبه تراقبه بحذر وهو يتابع الطريق ويختلس النظر إليها بين الحين والآخر.

أما هي فكانت تشعر بالخوف وتلوم نفسها على تسرعها كيف تستقل سيارة مع شخص لا تعرفه؟

تنحنحت لينتبه إليها ثم تساءلت بهدوء: " ممكن أعرف إنت مين؟


ابتسم نصف ابتسامة وقال: " أنا فاروق الحيني يا أستاذة غادة.


❈-❈-❈


انطلقت السيدة نادية ضحكة عبر الهاتف وتحدثت من بين قهقهاتها: " يا شيخة بس يا ملك إنتي ردك امبارح كان جامد جدًا والمقولة اللي بدأتي بيها البرنامج كانت ضربة معلمة


ردت السيدة ملك من الطرف الآخر: " طبعًا يا حبيبتي أعدائي عاملين حملات إلكترونية لتشـ ويه سمعتي والتشهير بيا وأنا مش هاسيبهم تعبت على ما بنيت القاعدة الجماهيرية دي والمصداقية اللي الناس دلوقتي شايفيني بيها مش أي رعـ اع هيوقعوني.


قاطعتها نادية بصرامة: " كملي يا ملك إحنا معاكي ولما تحتاجي الدعم هتلاقينا كلنا في ضهرك.


أطلقت شهقة وهي تغمغم: " يا نهار أبيض نسيت أقولك الصحفية غادة كانت عندي في مركز التجميل وطلبت مني أوصلها بيكي ضروري ووعدتها إني هكلمك في الموضوع أديها رقمك؟


ردت بدهشة: " طبعًا ادّيها الرقم يا نادية دي غادة مصدر ثقة وأنا باحترمها جدًا علشان تشبهني بتفـ ضح الفـ ساد رغم كل اللي بيحصل لها. أتمنى أتكلم معاها قريب وكمان أقابلها شخصيًا.


❈-❈-❈


نعود مرة أخرى إلى الجامعة وبالتحديد إلى أروى وآدم اللذين يتبادلان النظرات المتحدية.

هتفت أروى بصرامة: " آدم إنت بتعمل إيه هنا؟ أنا لسه ماخلصتش محاضراتي وبعدين...


قاطعها بحدة: " جاوبي على سؤالي يا أروى مترديش بسؤال على سؤال.


عقدت ذراعيها أمام صـ درها وهي ترمقه بنظرات حادة: " عايز تعرف إيه يا آدم يلا بسرعة صحباتي مستنيني.


صك على أسنانه كي لا ينفـ جر غيظًا وأعاد سؤاله من بين أسنانه: " مين الشاب اللي كنتي واقفة معاه لوحدكم؟


أجابته ببساطة: " اسمه نور وكنت بشكره على مساعدته ليا امبارح.


رفع حاجبًا بدهشة وسأل: " وساعدك في إيه امبارح؟


تنهدت بنفاد صبر: " موضوع بسيط يا آدم. يلا روح على محاضراتك عندي حاجات أهم أعملها.


اغتاظ من طريقتها الفظة وقال بتحدٍ: " مش هاحضر باقي المحاضرات هافضل معاكي.


ضربت الأرض بسـ اقها صـ ارخة: " مش هاقعد معاك عايزة أروح أقعد مع صحباتي.


ـ لأ هتقعدي معابا يلا.


قالها وهو يجذبها من يدها بقـ وة آلمتها فهتفت من بين أسنانها وهي تتحامل على ألمها: " سيب إيدي يا آدم مش هاروح معاك في أي حتة!


حاولت ان تسحب يدها من قبضته الفولاذية لكنها فشلت فاستسلمت له وسارت برفقته تلـ عنه بداخلها وتلـ عن تلك الزيجة التي وضعتها في طريق ذلك المغرور.


❈-❈-❈


حاولت فتح باب السيارة أكثر من مرة لكنه لم يفتح لأنه مغلق إلكترونيًا فصاحت بضراوة: " افتح الباب! أنا عايزة أنزل مش قادرة أتنفس نفس الهوا اللي إنت بتتنفسه!


ضغط على شفـ ته السفلى بأسنانه محاولًا التحكم في غضبه ثم قال بهدوء مصطنع: " لأ يا غادة مش هافتح الباب غير لما تسمعيني.


ـ مش عايزة أسمع صوتك أصلًا فاهم؟


يا إلهي كيف لتلك المرأة أن تتحدث معه بهذه الطريقة؟! هو رجل اعتاد أن يطيعه الجميع الكل يقدم له فروض الولاء لا أحد يجرؤ على رفع عينيه نحوه رجالًا ونساء.تحديها له يثير أعصابه... بل يعجبه.


تنهد ببطء ليهدئ من روعه ثم قال بمهادنة: " حاضر هافتح الباب بس عايز أقولك نصيحة.


رمقته باستهزاء وغمغمت بسخرية: " إنت تنصحني أنا؟


رغم الغضب الذي اعتراه من سخريتها إلا أنه أومأ موافقًا وخاطبها بتركيز: " المرة دي أنا سايبك تتمادي بس المرة الجاية مش هاسمح بده.


ـ مش هيبقى فيه مرة جاية فاهم؟ أنا بكره حتى اسمك اسمك اللي مبني من دم الناس وعرقهم

افتح الباب ده بقى!


حدجها بلا مبالاة وقال بصرامة: " ماشي بس خدي بالك إحنا هنتقابل تاني وكتير يا غادة.


قالها وهو يضغط على زر صغير في الجهاز الإلكتروني ليفتح الباب أوتوماتيكيًا.

نزلت هي بسرعة وأغلقت الباب بعنـ ف ثم هرولت بخطوات واسعة إلى أول سيارة أجرة رأتها.

بينما هو راح يتابعها بابتسامة واسعة وعقل يخطط للإيقاع بتلك الحسناء.


❈-❈-❈


ولج إلى مكتبها وهو يرسم ملامح الحزن جليّة على وجهه ملقيًا السلام بصوت بالكاد يُسمع.

فردّت كلٌّ من يارا ولمار التحية.


قالت لمار بتساؤل: " عايز إيه يا حسن؟


أجابها بنبرة يملؤها الحزن: " جاي أعتذرلك يا لمار عن اللي حصل في عيد ميلادك... والله ما كنت أقصد أزعلك أنا ندمان ووعد إن ده ما يتكررش تاني.


قاطعته بحدة: " بس إنت زوّدتها اوي يا حسن وأنا مش ممكن أقبل بالطريقة الرخيصة دي تاني


قال بتوسل: " صدقيني أنا ندمان وإلا ما كنتش جيت ووقفت قدامك دلوقتي والله ما هعمل كده تاني واحكمي زي ما تحبي.


ابتسمت يارا بخبث وهي ترمقه بنظرات متفحصة أربكته ثم قالت: " شكله ندمان يا لمار إدّيه فرصة تانية.


اتسع وجهه بالابتسامة وهتف بحماس: " شكرًا يا يارا والله إنتِ بنت طيبة بالله عليكي اقنعيها تسامحني.


نظرت يارا بينه وبين لمار ثم قالت بجدية مصطنعة: " سامحيه بقى يا لمار هو إنتِ مستنيّاه يركعلك ويمسك إيدك ويبـ وسها وبعدين يلبسّك خاتم في صباعك البنصر ويقولك: "هل تقبليني بغلا أقصد جوزا؟"


زجرتها لمار بحدة ثم قالت بصرامة لتُنهي النقاش: " خلاص يا حسن أنا مسامحاك بس لو عملتها تاني أوعدك إني...


قاطعها وهو بيرفع يده باستسلام: " لا لا مش هتتكرر تاني اوعدك.


أومأت له بالموافقة فابتسم لها ابتسامة واسعة ثم استأذن بأدب وخرج.


شيّعته يارا بنظرة باسمة ثم التفتت إلى صديقتها التي بدا عليها الشرود وسألتها بمكر: " سرحانة فين كده يا لمار؟


أجابتها بحزن: " سرحت مع فارس تصدقي أنا وحشتني نظراته بشتاقله أوي.


اتسعت عينا يارا بدهشة فقد بدأت تشك أن صديقتها على وشك الجنون.كيف يمكن لفتاة أن تتعلق بشاب لمجرد رؤيته في حلم؟ هل هذا حب أم مجرد احتياج للحب؟


هي نفسها لا تعرف بما تنصحها لذلك التزمت الصمت واكتفت بدور المستمعة حتى لا تنفر لمار منها.


أخذت تسألها ولمار تجيب واستمرت جلستهما بين الجد والمرح تارة تسخر يارا من مشاعرها وتارة تشجعها بكلماتها مما جعل الجلسة ممتعة ومرحة.


❈-❈-❈


في محاضرة الدكتور حازم جلست تستمع إليه بتركيز شديد. كانت تنظر إليه أحيانًا وعندما يلتفت نحوها كانت وجنتاها تحمر خجلًا.

هي تشعر بشيء جديد تجاه هذا الحازم... مشاعر لم تعهدها من قبل. يبدو أنها على أعتاب الوقوع في الحب.


رغماً عنها سرحت في ملامحه الجذابة عيناه السوداوان تغطيهما أهداب كثيفة أنفه المستقيم شفـ تاه الممتلئتان لحيته الخفيفة وشعره الأسود الناعم.


انتفضت فجأة عندما وكزتها صديقتها رفيف وهمست بخفوت: " إنتِ سرحانة في إيه؟ الدكتور حازم بيكلمك!


تجمد الدم في عروقها ثم وقفت وقالت بخجل: " ممكن حضرتك تعيد السؤال؟ معلش سرحت شوية...


جحظت عيناه بدهشة من تلك الفتاة التي تبهره يومًا بعد يوم ببراءتها ورقتها التي قد تُفقده صوابه.


قال لها بصرامة: " أنا ما بعيدش السؤال مرتين يا آنسة... اتفضلي اقعدي.


نظرت حولها فرأت العيون كلها عليها فجلست بسرعة وراحت تنكس رأسها بينما دموعها تنساب على وجنتيها.


أما هو فأشار إلى طالبة أخرى ليعيد عليها السؤال متجاهلًا تلك المسكينة التي حطّم قلبها للتو.


❈-❈-❈


انتهت من سرد ما حدث لها فهب واقفًا يصيح بغضب: " إزاي؟! إزاي تركبي مع راجل غريب؟! دي الأمانة؟ دي الثقة اللي اديتهالك؟ شكلي كنت غلطان لما سبتلك حرية للأسف استخدمتيها غلط!


صـ رخت باكية: " والله ما كنت أقصد! مش عارفة ليه وافقت كان بيبصلي برجاء في عينيه وانا ضعفت... بس لما عرفت هو مين سبتله العربية ومشيت فورًا صدقني هو ده كل اللي حصل.


مرر يده بعنـ ف بين خصلات شعره ثم نظر لها بعتاب وخرج من الغرفة.


شيّعته بنظرة حزينة لكنها عزمت على مصالحته فور عودته ومهما كانت النتيجة ستظل تحاول حتى يسامحها. هي تعلم أنه طيب القلب ويحبها كثيرًا لذلك ستنتظره وستفعل المستحيل من أجله.


❈-❈-❈


في المساء عاد فارس إلى الفندق الذي يقيم به وولج إلى الحمام ليأخذ حمامًا باردًا. ثم ارتدى ملابسًا بسيطة واستقل سيارة أجرة متجهًا إلى منطقة بحري.


بعد دقائق ترجل من السيارة استنشق هواء البحر العليل ثم جلس على السور الحجري المحيط به.

ابتسم وهو يراقب المارة... عائلات أصدقاء عشّاق... جميعهم يبدون سعداء. كسا الحزن ملامحه عندما تذكر محبوبته القريبة البعيدة في آن واحد.


نهض عازمًا على تناول العشاء بأحد المطاعم المطلة على البحر ثم يأخذ الحلوى من محل الشيخ وفيق الذي قرأ عنه على مواقع التواصل.


وبعد ساعة عاد إلى البحر مجددًا يستنشق رائحته المميزة التي تهدئ القلوب وتنعش العقول. فجأة قفزت صورتها في رأسه وابتسامتها التي يعشقها شعر بالحنين والاشتياق فتنهد بحرارة وهمس باسمها. 

من يراه يظنه مجنونًا لكنه في الحقيقة عاشق.


❈-❈-❈


على الجانب الآخر كانت هي جالسة على فـ راشها تشعر بالحزن. لن تراه غدًا لكن ما يطمئنها أنها ستراه في أحلامها.

ما لم تكن تعلمه أنه لن يزورها هذه الليلة حتى في المنام.


ابتسمت بنعومة وضعت رأسها على الوسادة وأغمضت عينيها بسلام تنتظر حلمها اليومي.


❈-❈-❈


خرجت من غرفتها بعد أن انتهت من مذاكرة جميع محاضراتها. بحثت عنه بعينيها فرأته يجلس في الشرفة يدير ظهره لها.


اقتربت منه بهدوء تنوي إفزاعه ثم هتفت بصوت مرتفع: " مرااااد!


انتفض من مكانه وارتفعت دقات قلبه قال وهو يلهث: " الله يسامحك يا جوري! عملتي فيا كده ليه؟!


جلست أمامه وسألته باهتمام: " سرحان في إيه يا مراد؟


قال بتلعثم: " مفيش.


غيّر الموضوع بسرعة: " احكيلي أخبار دراستك إيه يا جوري؟


قالت بارتياح: " متقلقش كله تمام وناوية أبقى معيدة في الجامعة زي الدكتور...


قطعت حديثها قبل أن تفضح مشاعرها. حدّق بها والدها وسألها باهتمام: " كمّلي... زي الدكتور مين؟


بلعت ريقها وقالت وهي تنهض بخجل: " لا لا مفيش أنا رايحة أعمل قهوة تحب اعمل لك؟


أومأ لها موافقًا.

فانطلقت إلى المطبخ تحمد الله في سرّها أنها لم تفضح ما في قلبها.


أما والدها فتابعها بنظرات متعجبة وابتسامة خفيفة فقد بدا له أن ابنته واقعة في الحب لكنه قرر الانتظار فابنته خجولة وسيترك لها حرية الحديث حين تشاء.


❈٦-❈-❈٢


تقطع الغرفة ذهابًا وإيابًا. الساعة تجاوزت الثانية عشر منتصف الليل وهو لم يعد بعد. كانت غاضبة وقلقة تعلم أنها أخطأت لكنها لم تقصد هو ولأول مرة يكون قاسيًا إلى هذا الحد.


واتتها فكرة فقررت الاتصال به لكن قبل أن تصل إلى هاتفها سمعت رنينه الخاص بها ابتسمت ظنته حبيبها.


ركضت نحو الهاتف لاكن تلاشت ابتسامتها حين رأت رقمًا غير مسجل. ترددت لكنها شعرت بالخوف ربما حدث له مكروه. استغفرت ربها وردّت بخوف: ـ السلام عليكم.


جاءها صوت رجولي لا تعرفه: " وعليكم السلام يا غادة عاملِة إيه؟


قطبت حاجبيها باستغراب: " مين حضرتك؟


قال بهدوء: " أنا فاروق الحيني ماقدرتش أنام غير لما أسمع صوتك الجميل.



يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بسمة بدران، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة