-->

رواية جديدة ساحر الليل لبسمة بدران - الفصل 10 - الأربعاء 28/5/2025

 

   قراءة روايةساحر الليل كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ساحر الليل

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة بسمة بدران


الفصل العاشر


تم النشر يوم الأربعاء 

28/5/2025

شك.


تطاير الشر من ملامحها وهي تستمع إلى صوته البغيض يغازلها بكل وقا حة: ""إنتِ عارفة إنك أحلى ست شُفتها في حياتي؟"


هزّت رأسها بعدم تصديق فمن أين أتى هذا المتبجح برقمها؟ والأدهى من ذلك يتصل بها دون حياء في منتصف الليل غير مبالٍ بوجود زوجها أو ابنتها بجوارها!

تبا له تقسم أنها لو رأته أمامها الآن لفتّـ ت رأسه إلى أشـ لاء صغيرة ذلك الو قح الفاسد.


أطلقت شهقة مرتفعة وهي تسمع تنهداته الحارة يهمهم قائلاً: ""عارفة أنا نفسي أكون جنبك دلوقتي قد إيه؟"


طفح الكيل بها واستفاقت من ذهولها فصاحت بعـ نف مقاطعة حديثه: ""كفاية بقى يا حقـ ير بطّل كلامك القـ ذر اللي زيك ده اسمعني كويس مش هسألك جبت رقمي منين بس أوعى تعملها تاني لو كررتها هتشوف مني اللي مش هيعجبك!"


وما إن أنهت جملتها حتى شهقت شهقة أعلى وهي تستمع إلى صوته الحازم: ""ما تعليش صوتك عليّ تاني واسمعيني كويس... قلتلك هتشوفيني كتير وأنا ما برجعش في كلمتي وده أولًا... وثانيًا أنا هكلمك كل ما تيجي لي فرصة وإنتِ هتردي ولو ما عملتيش كده هتشوفي اللي مش هيعجبك فهمتي؟"


ثم أغلق الهاتف في وجهها قبل أن تنطق بكلمة. تركها مذهولة خائفة في الوقت ذاته.

من يظن نفسه هذا الأبله حتى يهددها بتلك الطريقة؟ ألا يعرف من هي؟ وزوجة من يكون! لكنها لن تصمت وستجعله يندم على كل كلمة تفوّه بها.


راحت تتمتم بكل ما تعرفه من سبابات غافلة عن زوجها الذي كان يقف على أعتاب الغرفة يرمقها بدهشة.

أجفلت على صوته الهادئ وهو يسألها: ""كنتي بتكلمي مين؟"


ألقت الهاتف فوق المنضدة وهرولت نحوه تعـ انقه لتستمد منه القوة والأمان اللذين لطالما شعرت بهما في حضوره.


أبعدها برفق وهو يكرر سؤاله: ""كنتي بتكلمي مين؟"


ازدردت ريقها وأجابته بكذب: ""كنت بحاول أكلمك... اتأخرت اوي يا حبيبي."


رمقها بتفحص وقد اكتشف كذبها من حركات عينيها المضطربتين واهتزاز جسـ دها. فهو يحفظها عن ظهر قلب.


أما هي فلاحظت تحديقه بها فحاولت إلهاءه بأن اقتربت منه تخلع عنه سترته وهي تغمغم بنعومة: ""لسه زعلان مني يا إيهاب؟"


هزّ رأسه نفيًا وبداخله ألف سؤال وسؤال وشعور ثقيل بعدم الارتياح.


❈-❈-❈


في صباح اليوم التالي في شركة الخطيب...

كانت لمار تجلس على مكتبها تستند بخدها إلى كفها شاردة. شعرت بيد أحدهم تلامس شعرها فنهضت فزعة مغمغمة: ""فارس؟!"


انفـ جرت يارا ضاحكة بصوت عالٍ: ""أيوه يا حبيبتي أنا فارس!"


ضـ ربتها لمار على كتفها: ""إنتي بتقلديه ليه كده هو أصلًا ما بيتكلمش بالطريقة دي."


– "بيتكلم كده وكمان بيهز راسه مع كل كلمة بيقولها."


نظرت لها لمار بغضب: ""بلاش تتكلمي عنه بالطريقة دي يا يارا."


ألقت يارا بجـ سدها على أحد المقاعد المقابلة للمكتب وهي تهز رأسها بعدم تصديق: ""بجد بتحبيه للدرجة دي من مجرد حلم؟!"


تنهدت لمار وقالت بنبرة حزينة: ""مش عارفة يا يارا من يوم ما شُفت وشه في الحلم وصوته ما بيسبش وداني وصورته قدام عيني طول الوقت حاسة إني هتجنن صدقيني مش عارفة مالي."


قطعها صوت رنين هاتف الشركة فأجابت يارا بدلًا منها: ""شركة الخطيب للإلكترونيات... تحت أمرك."


اتسعت ابتسامتها وهي تسمع صوته الذي عرفته على الفور: ""أنا فارس عايز أكلم لمار."


أجابته بمرح: ""بس أنا مش لمار."


ثم أردفت: ""ثواني هندهالك."


أشارت إلى لمار هامسة: ""فارس حبيب القلب."


التقطت لمار الهاتف بلهفة: ""فارس! عامل إيه؟ كويس؟"


جاءها صوته عبر السماعة: ""آه أنا كويس... وإنتي؟"


– "الحمد لله يا فارس هترجع إمتى؟"


تسارعت دقات قلبه وهو يشعر بالحنين في نبرتها.

رباه لقد بدأت تبادله المشاعر لكن… لماذا الآن؟ بعد أن وافق على ذلك الشرط الذي سيحرمه منها؟ تبا لهذه الحياة التي تعبث بنا كما تشاء كأننا دمى.


استفاق من شروده على صوتها الناعم: ""فارس... فارس انت لسه معايا؟"


– "معاكي وهفضل معاكي دايمًا."


قالها بصوت لم تسمعه. فكررت سؤالها عن عودته فأخبرها بأنه سيعود غدًا وطلب منها أن تحوّله إلى السيد عادل.


وضعت لمار السماعة فنهضت يارا من مكانها وبدأت تمشي ذهابًا وإيابًا ثم وقفت أمام لمار فجأة وقالت بجدية: ""اسمعيني كويس يا لمار لازم تفكري بعقلك ما ينفعش تحبي حد من طرف واحد والله هتتوجعي اوي ولو إنتي عايزة فارس حاولي تتقربي منه بس أوعديني هتلاقيلي شاب حليوة كدة ووسيم أحبّه."


قفزت لمار من مكانها واحتـ ضنتها بقوة: ""بحبك أوي يا يارا وشكرًا علشان انتي في حياتي."


ضحكت يارا وهي تبتعد عنها: ""مالك يا بنتي أنا يارا مش فارس."


فوكزتها لمار ضاحكة: ""يلا على مكتبك."


قهقهت يارا: ""يا ساتر! أنتي بنت مستغلة فعلًا تاخدي غرضك وترميني في أقرب صندوق زبالة!"


رفعت لمار قلمًا وأشهرته في وجهها فشهقت يارا وركضت نحو مكتبها وضحكاتها تملأ المكان.


❈-❈-❈


هاتفت السيدة نادية صديقتها المقرّبة ملك بصوت بدا عليه الحماس الممزوج بالدفء: ""صباح الخير يا ملك إنتي فاضية النهاردة؟ حابة نروح نفطر سوا."


لم تتردد ملك في الرد فقد كانت علاقتها بنادية تمتد لسنوات طويلة مليئة بالمواقف والذكريات الجميلة. ابتسمت على الطرف الآخر من الخط وأجابت برحابة صٕ در: ""طبعًا فاضية وإنتِ عارفة إن يومي بيبقى أحلى لما بنقضيه سوا."


ضحكت نادية وقالت: ""يبقى اتفقنا هاعدي عليكي الساعة تسعة ونص وهنروح على طول. المطعم في الزمالك والمكان شكله رايق جدًا."


أغلقت نادية الهاتف وهي تشعر بسعادة داخلية فقد كانت تحتاج بشدة إلى لحظة هدوء بعيدًا عن ضغوط الحياة اليومية ولم تجد أفضل من صديقتها الوفية ملك لتشاركها هذه اللحظات.


أما ملك فبدأت تتحضّر للخروج وهي تسترجع في ذهنها بعض الذكريات القديمة التي جمعتها بنادية وكيف كانت كل واحدة منهما سندًا للأخرى في أوقات الشدة قبل الفرح.


❈-❈-❈


انتهت المحاضرة الأولى واستعدّ الطلاب لمحاضرة الدكتور حازم.

وها هو يدخل القاعة وابتسامة خفيفة تزين وجهه الوسيم. ألقى السلام ورغما عنهما تلاقت أعينهما لبضع ثوانٍ فقط حتى قطعت هي التواصل البصري بأن أنزلت رأسها أرضًا وقد احمرّ وجهها خجلاً. ابتسم بخفة ثم تنحنح بخشونة وبدأ في إلقاء المحاضرة.


أما هي فكانت تستمع إليه بتركيز شديد وابتسامتها الجميلة تنير وجهها البريء طوال الوقت.

وهو كان يحاول إلهاء نفسه عن النظر إليها دائما حتى لا تنكشف مشاعره أمام الطلاب وأمامها على وجه الخصوص.


❈-❈-❈


انتهت غادة من ارتداء ملابسها وعدلت من وضع حجابها وها هي جاهزة للخروج.

خرجت من الغرفة فرأت زوجها يعبث بهاتفها. دبّ الذعر في أوصالها فحمدت الله في سرّها أن هاتفها لا يسجّل المكالمات وقبل أن تنطق رأته يرفع هاتفها أمام وجهها قائلاً: ""الرقم ده بتاع مين؟"


ازدردت ريقها بصعوبة وصمتت قليلاً لترتب كلامها ثم قالت بتوتر واضح: ""حد طلبه غلط… معرفهوش."


ردّ عليها بنبرة تتضمّن اتهامًا: ""واللي بيتصل غلط يقعد في المكالمة خمس دقايق؟"


شعرت وكأن دلوًا من الماء البارد سُكب فوق رأسها

فأكمل بنبرة لاذعة: ""إنتي اتماديتي اوي يا غادة دلوقتي أنا عايز أعرف الرقم ده بتاع مين؟ إنتي بتخـ ونيني بعد العمر ده كله؟"


هزت رأسها بالنفي فصـ رخ فيها بعصبية: ""لو زهقتي مني قوليلي واطلبي الطلاق أرحملي من الإهانة مش هاسمحلك تذليني ولا تبوظي سمعتي… فاهمة؟"


نظرت إليه بعتاب وركضت للخارج ودموعها تسيل فوق وجنتيها بلا توقف.

أما هو فقد رمى الهاتف بقوة على الأرض حتى تحطم تمامًا وراح يدور حول نفسه كأنه أسد جريح ضاغطًا بيده على رأسه بعـ نف

فهو لم يذق طعم النوم منذ الليلة الماضية والشكوك تنهـ شه دون رحمة.


❈-❈-❈


في المطعم وبعد أن طلبت كل منهما مشروبها المفضل سألت ملك باهتمام: ""قوليلي يارا وحازم أخبارهم إيه دلوقتي؟"


أجابتها نادية بابتسامة: ""الحمد لله في هدنة دلوقتي بينهم وده مريحني جدًا يا رب يفضلوا كده طول العمر."


ردّت ملك: ""إن شاء الله يا حبيبتي كله هيبقى تمام بإذن الله."


قاطعتها نادية قائلة: ""سيبك مني احكيلي عن شغلك."


ردّت ملك بثقة فهي تعشق الحديث عن عملها: ""الحلقة الجاية هفـ جر قضية كبيرة وبالمستندات كمان."


ابتسمت نادية باتساع وقالت: ""عارفة إنك مش بتتكلمي من فراغ بس بجد أنا زعلانة على حال الإعلام بقى كله توجيه واستغلال."


أومأت ملك برأسها مؤيدة: ""معاكي حق يا نادية بس في كل مهنة في الكويس وفي الوحش."


واستمر الحديث بينهما في مختلف مواضيع الحياة لوقت لا بأس به.


❈-❈-❈


دخلت غادة مقر الجريدة ودموعها تغشي عينيها ما حدث بينها وبين زوجها كان بمثابة كارثة حقيقية. كيف له أن يشك بها وبحبها الكبير له؟ لو كان يعلم ما تكنّه له في قلبها لما فكّر بهذه الطريقة مطلقًا. لقد عشقته بكل جوارحها واعتبرته أبًا وأخًا قبل أن يكون زوجًا.


كان هناك شيء في داخلها يجبرها على إخفاء ما يحدث معها عنه فهي تعلم تمامًا مدى خطورة وقـ ذارة فاروق الحيني لذا لا تريد أن تُدخل زوجها في هذا المستنقع.


لكن من وجهة نظري… غادة أخطأت. فالزوج هو شريك الحياة وليس من الصواب أن تُبعد الزوجة زوجها عن مشكلاتها الخاصة عليها دائمًا أن تستشيره حتى لو لم تقتنع برأيه. المشورة شيء مقدّس والزوج يحب أن يشعر أنه المسيطر في البيت.


عندما تُبعده الزوجة عن حياتها أو عن جزء منها يشعر بالنقص وتبدأ الخلافات. يحاسبها على كل تفصيلة صغيرة وتنهار الثقة بينهما لذا على الزوجة أن تكون ذكية…

تعامله أحيانًا كأنه طفل وأحيانًا كأنه أب. الرجل يحب أن يشعر بالمسؤولية ويحب الإحساس برجولته وقيمته.


أفاقت غادة من شرودها على صوت زميلتها في العمل تسألها بلهفة: ""غادة إيه مالك يا حبيبتي؟ بتعيّطي ليه؟"


اشتدّت شهقات غادة مما جعل زميلتها تُغلق باب المكتب وتهرع إليها تعانـ قها بقوة وتربت على كتفها وتهمس بكل كلمات التهدئة التي تعرفها.


وبعد وقت طويل ابتعدت غادة تمسح دموعها بظهر يدها. شهقت زميلتها عندما رأت عينيها شديدتي الاحمرار من كثرة البكاء وقالت بلطف: ""أنتي كويسة دلوقتي؟"


هزت غادة رأسها نفيًا وارتعشت شفتـ اها دلالة على أنها على وشك أن تبكي من جديد فأسرعت زميلتها بالكلام: ""لأ لأ لأ بلاش تاني بلاش كلام دلوقتي… اهدي واستعيذي بالله."


وبالفعل استعاذت بالله وبدأت تستغفر لكن رغمًا عنها الألم ما زال يعتصر قلبها…

فالشعور بالخيانة من أكثر شخص تحبه في الدنيا مؤلم للغاية.


❈-❈-❈


"في ايه يا ايهاب انت جبتني علشان تسمعني صمتك ولا ايه!"


رمقه بحدة ولم يعقب. فاستطرد هو: "مالك يا صاحبي؟ قولّي في حاجة حصلت بينك وبين آدم؟


هز رأسه نفيًا. فشعر بالحيرة؛ فليس من المعقول أن تكون المشكلة بينه وبين زوجته ففي خلال فترة زواجهما لم يتشاجرا قط وعلى الرغم من الخلافات الصغيرة التي تحدث بين أي زوجين إلا أنهما لطالما كانا متفاهمين. فهز رأسه مستبعدًا تلك الفكرة لكنه شعر بالملل من تلك الحالة التي عليها صديقه فأردف بحدة: "اتكلم يا راجل أنا زهقت.


ـ مفيش حاجة يا مراد بس اطلبلي فنجان قهوة.


رفع أحد حاجبيه بدهشة: "قهوة؟ إنت جايلي من الصبح بدري عشان تشرب قهوة؟ ما كنت تشربها في بيتك؟


نهض واقفًا وهو يتمتم بحدة: "خلاص أنا ماشي.


رفع يده باستسلام: "حاضر حاضر مش هتكلم اقعد يا إيهاب شكلك شايل حاجة ومش قادر تقولها بس خليك عارف إني جنبك ولما تحب تتكلم هتلاقيني سامعك أكتر من أي حد.


رمقه بامتنان حقيقي فصديقه ليس له ذنب بأن يخرج ما بداخله من غضب ويصبه عليه. فرسم ابتسامة مرتعشة على شفـ تيه وتمتم بخفوت: "عارف يا مراد بس صدقني مش عايز أتكلم.


فماذا سيخبره؟ أيخبره أن زوجته تخـ ونه؟ هذا سيقلل من كرامته واحترام الآخرين له لذا عليه أن يلتزم الصمت حتى يتأكد ويقطع الشك باليقين.

لكنه أقسم بداخله: إن كانت تقوم بهذا الفعل المشين سيقتلها وليحدث ما يحدث.


❈-❈-❈


تسارعت خفقات قلبها وهي تستمع إلى صوته المميز يناديها. يا الله! كم يبدو اسمها جميلاً عندما خرج من بين شفـ تيه.

استأذنت من صديقاتها بلباقة واتجهت نحوه بخطوات متمهلة.

ابتسم لها بخفة وسرعان ما بادلته الابتسام وسألته بهدوء يليق بها: "أيوه يا دكتور حازم حضرتك عايز حاجة؟


أومأ لها موافقًا وتحدث وهو يسلّط عينيه في عينيها: "آسف يا جوري عشان أحرجتك امبارح قدام الطلبة بس أنا اتضايقت لما قلتي إنك كنتِ سرحانة.


قاطعته ببراءة كادت أن تفـ تك برأسه: "بس دي الحقيقة كنت عايزني اكدب يعني؟


رباه تلك الأنثى ستقـ تله يومًا ما. كيف لفتاة في عمرها أن تكون بتلك الشخصية؟ إما أن تكون كذلك حقًا أو أنها تدعي ذلك والأرجح الخيار الثاني؛ فليست هناك فتاة تمتلك هذا القدر من البراءة والرقة. كلهن أصبحن منفتحات بطريقة مستفزة.


أخفضت بصرها أرضًا عندما أبصرت نظراته المتفحصة لها مما جعله يضحك بانتشاء على تلك الصغيرة فسألها بهدوء : "ما فكرتيش تلبسي الحجاب يا جوري؟


هزت رأسها نفيًا وهي ما زالت تشيح بعينيها عنه.


ـ بصيلي واسمعيني كويس أنا مش عارف ليه بتكلم معاكي إنتِ بالذات بس اللي عايز أقوله إنك مميزة عندي إنتِ بنت جميلة والحجاب هيزودك بهاء وجمال وهكون مبسوط جدًا لو لبستيه.


اتسعت حدقتاها في دهشة وارتفع معدل خفقات قلبها. ماذا يقول؟! هي مميزة عنده؟ هذا بالطبع حلم وستستفيق منه الآن.

لكن ما زاد من دهشتها عندما تابع حديثه: "فكري كويس يا جوري واتأكدي إني بعمل كده عشان تبقي أحسن.


وقبل أن تعطيه جوابًا انصرف من أمامها تاركًا إياها تشعر بفراشات تدغدغ معدتها.


❈-❈-❈


بينما في منزل الحاجة أمينة صـ رخت زيزي باهتياج: "راح فين يا ماما؟! أنا استنيته امبارح ومارجعش البيت أكيد مع واحدة والله لو طلع كده هكسر راسه وراسها.


شعرت والدتها باليأس من تصرفاتها المجنونة فيبدو أن ابنتها ستظل متهورة ومندفعة. فتحدثت بحدة طفيفة: "اهدي شوية يا بنتي فارس مش النوع ده من الرجالة طول عمرنا عارفينه محترم.


صكت على أسنانها بغل: "أمال فين دلوقتي؟ وليه ما رجعش من امبارح لو ماكنتش مع واحدة تانية؟!


أشفقت والدتها على حالتها فابنتها تعاني من الحب من طرف واحد لكن ماذا عساها أن تفعل لها؟

فالحب ليس بالإكراه وابنتها تلتصق به كالعلكة وهناك نوع من الرجال يكره ذلك النوع من الفتيات. أغلب الرجال يحبون الفتاة الصعبة التي لا تبالي بهم لذا حاولت أن تقنعها أن تسلك هذا الطريق لعلّه يلتفت إليها.

لكن يا ترى هل ستفعل ما تطلبه منها والدتها؟


في اعتقادي لا. ففتاة مثل زيزي لا تتغير أبدًا لكنها ربما ستتخذ نهجًا آخر لكن عليها أولًا أن تصلح ما أفسدته قبل سفره.


❈-❈-❈


اغتاظت من تجاهله لها فلقد تلاقت أعينهما منذ قليل وتجاهلها عمدًا. من يظن نفسه؟ إنها أروى أجمل فتاة في الجامعة هكذا يلقبها أصدقاؤها فكيف يتجاهلها من أجل فتاة أقل منها شكلًا ومضمونًا؟


وبفضل شخصيتها المتمردة والجريئة هرولت نحوه والشر ينضح من عينيها الزرقاوين حتى وقفت أمامهم. فقالت وهي تمد يدها لمصافحته: "إزيك يا نور؟


رسم ابتسامة مصطنعة وحدق بها وكأنه يحاول تذكرها ثم قال وهو يضع يده في يدها: "أنا كويس يا مروة وإنتِ؟


قاطعته بحدة: "اسمي أروى مش مروة.


ابتسم بإحراج مصطنع: "آسف سامحيني أنا ضعيف في تَذكُر الأسامي.


تدخلت الفتاة التي كانت معه بملل ظاهر: "مش تعرفني على صحبتك يا نور؟


ـ طبعًا يا حبيبتي دي أروى... بس إحنا مش صحاب. أروى دي مهيتاب صاحبتي وباباها صاحب بابا.


رمقتها مهيتاب بتعالٍ وهمست: "أهلًا.


مما جعل أروى تغلي من الغيظ فتلاعبت بخصلات شعرها متجاهلة إياها عن عمد: "طيب يا نور كويس إني شفتك يلا استأذن.


استدارت عائدة وهي تطوي الأرض تحت قدميها من شدة الغضب. هي لا تعلم لماذا كل هذا لكنها تشعر بالغيرة من تلك الفتاة التي ترافقه.

حقًا هذا شيء غريب كيف تتعلق بشاب من مجرد رؤيته مرتين فقط؟ ربما لم تجد ما رأته من بني جنـ سه أعني تجاهله المستمر لها وعدم تذكره لها. فهناك بعض الفتيات يعشقن هذا النوع من الرجال ويركضن خلفهم.


بينما هو شيّعها بنظرات خبيثة وهو يمدح ذكاء والده الذي رسم له تلك الخطة التي تسير على أكمل وجه وأسرع مما تخيلوا.


❈-❈-❈


في قلب عروس البحر المتوسط

كان فارس يجلس داخل غرفة الصيانة منشغلاً بفحص جهاز إلكتروني دقيق ينهي عليه آخر لمسة من عمله المتقن. وفي هدوء خفيف دخلت السيدة ناريمان صاحبة الشركة يسبقها حضورها الراقي وألقت عليه التحية باحترام واضح قبل أن تقول باهتمام: "كده خلاص؟ النهاردة آخر يوم؟


رفع رأسه بابتسامة هادئة وأجاب بثقة: "أيوه يا فندم ده كان آخر جهاز محتاج صيانة.


أومأت برضى ومنحته ابتسامة دافئة ثم أثنت عليه بكلمات مليئة بالامتنان مما جعله يشعر بشيء من الحرج فابتسم ابتسامة مصطنعة بعض الشيء وهو يرد: "متشكر جدًا يا فندم بس ده شغلي ومش مستاهل كل ده.


تأملته بعينين فيهما مودة وإعجاب لا تخفيه ثم قالت بنبرة خفيفة قريبة من القلب: "أنا فخورة إني اتعرفت عليك يا أستاذ فارس وتشرفت جدًا بلقائك.


رد بخجل مكتوم: "وأنا كمان يا فندم.


وضع ما في يده ونهض في وقار: "خلاص كده أنا خلصت استأذن بقى.


نظرت إليه بدهشة صادقة: "كده بسرعة؟ وبعدين هتمشي من غير ما تاخد مقابل؟


رد بجدية فيها احترام: "آسف يا فندم الأستاذ عادل قاللي ماخدش حاجة.


هزت رأسها اعتراضًا وقالت بحزم رقيق: "بس أنا مش هقبل بكده الأستاذ عادل غالي عليا بس برضو لازم تاخد حقك.


وقبل أن يفتح فمه للاعتراض رفعت يدها بشيك صغير وقالت بإصرار ناعم لا يُرد: "والله لازم تاخد الفلوس. اتفضل ده شيك بعشر آلاف جني.


تردد للحظة لكنه في النهاية أخذ الشيك بخفة شكرها بأدب ثم استأذن وانصرف.


تابعته بعينيها وهو يغادر بنظرات امتزجت فيها الحنية بشيء من الفراغ القديم… لقد أحبت هذا الشاب النبيل كثيرًا وتمنت ولو للحظة لو كان لها أخ يشبهه لكن القدر لم يمنح والديها سوى طفلة واحدة.


أما فارس فقد غادر المكان بقلب يضج بالسعادة. قرر أن يشتري هدية لحبيبته وبدأ يفكر في طريقة ليقدمها لها احتار كثيرًا كيف سيقدمها 

كان الحماس يغلبه رغم الحيرة التي لم تفارقه لكنه حسم أمره قرر أن يشتريها أولًا وبعدها سيضع خطة كي تصل إليها.


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بسمة بدران، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة