رواية جديدة غصات الحب والقدر لعلا السعدني - الفصل 17 - السبت 21/6/2025
قراءة روايةغصات الحب والقدر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية غصات الحب والقدر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة علا السعدني
الفصل السابع عشر
تم النشر السبت
21/6/2025
فى المساء ..
جلس وحيدًا في غرفة المعيشة متكئًا على الأريكة وعيناه تتظران للفراغ أمامه بينما أفكاره كثيرة بسبب موعد ولادتها خلال يومين وهو حقًا يشعر بالشفقة عليها ..
أكثر ما يؤرقه هو ذلك الطفل الذي سيأتي إلى الدنيا دون أن يكون له اسم دون أن يكون له أب يضمه دون أن يمتلك حتى أبسط حقوقه كإنسان ،القضية التي يخوضونها ضد (ممتاز) لم تحصد ثمارها بعد ..
أخرج نفسًا عميقًا ومسح وجهه بكفيه ،قبل أن يرفع بصره فجأة على صوت خطوات خفيفة تقترب منه ،التفت ليجد والدته قادمة نحوه تحمل كوبًا من القهوة الساخنة ملامحها يكسوها القلق ،تشعر بأنه ليس على ما يرام ..
مدت يدها بكوب من القهوة نحوه ،فشكرها بصوت خافت وأخذه منها لكنه لم يشرب منه على الفور جلست بجواره وعيناها تتفحص ملامحه التي بدا عليها الشرود ثم قالت بصوت دافئ
- مالك يا (حازم)؟ حاسة إنك مش مركز خالص ومش على بعضك
زفر ببطء ثم قال وهو يحدق في السائل الداكن داخل الكوب - بفكر في حكاية (رؤى) .. القضية بقالها شهور ولسه مش عارفين نثبت أي حاجة ضد ابن جوزها .. والولد كلها يومين وهييجي على الدنيا ومش هيتسجل مش هياخد حتى حقوقه الأساسية ..عارف إن الموضوع متعب بس ..
صمت للحظة ثم أضاف بصوت خافت وكأنه يحدّث نفسه
- الطفل صعبان عليا جدًا في هيتحرم من حاجات كتير لمجرد إنه مش مسجل .. حتى التطعيمات ابسط حقوقه مش هيقدر ياخدها
نظرت إليه والدته باستغراب عندما رأته يتردد قبل أن ينطق بجملته التالية نظر إليها أخيرًا ثم قال بتردد
- فكرت .. يعني .. أكتبه باسمي عشان ..
لكنه توقف وكأن الكلمات خانته حدقت فيه والدته بدهشة ولكنها أجابته بهدوء
- إنت مش عارف إن ده حرام؟ إزاي تكتب ابن مش ابنك باسمك؟
نظر بعيدًا وهو يزفر ببطء ثم هز رأسه
- عارف .. عارف .. ده اللي موقفني أصلًا .. بس الحالة إنسانية يا ماما .. بصراحة مش عارف أفكر كويس خالص
ربتت والدته على كتفه بحنان وقالت بهدوء
- مش القضية لسه شغالة؟
هز رأسه بالإيجاب دون أن ينطق
- يبقى استنى واصبر .. ربنا مش بيرضى بالظلم وهييجي يوم المسكينة دي هتجيب حقها وحق ابنها
لم يجب فقط أطرق رأسه وهو يشعر بالضيق والمرارة كم هي غريبة هذه الدنيا .. هناك آباء يتخلون عن أطفالهم كأنهم عبء وهناك من يتمنى أن يكون أبًا ولو ليوم واحد ..
❈-❈-❈
مرت الأيام سريعًا، وضعت فيها (رؤى) طفلها ،حينها اجتاحتها مشاعر متداخلة، مزيجٌ من الفرحة والخوف ،فرحتها بطفلها الذي أنعم الله به عليها، وإحساسها بالأمومة الذي لم تكن تتخيل يومًا أنها ستعيشه، وحزنها انها لم تستطع إثبات حقه حتى الآن ،شكّلا دوامةً من الأحاسيس التي لم تعهدها من قبل ..
حين احتضنت فيها صغيرها للمرة الأولى ،شعرت وكأن قلبها قد انتُزع من بين ضلوعها ليصبح بين يديها، صغيرًا، هشًّا ،تلاشت كل الآلام التي عانتها في سبيل قدومه ..
ورغم ذلك، لم يكن الشعور بالراحة حاضرًا؛ بل تسلل الخوف إلى روحها، بات عليها أن تثبت نسب طفلها بأي وسيلة، ليكبر في بيئةٍ تحميه من نظرات المجتمع القاسية ،كان أكثر ما يُرهقها هو أن يُنظر إليه كعارٍ أو خطأ، بينما هو ليس سوى ضحية، ضحية إهمالها وإهمال والدها قبل كل شيء ..
أما (حازم)، فقد شعر بمزيج غريب من العطف والحب تجاه هذا الطفل ،لم يعرف لذلك سببًا واضحًا، رغم أنه شهد ولادة الكثير من الأطفال، إلا أن هذا الصغير تحديدًا احتل في قلبه مكانةً خاصة ،ربما لأنه كان مهددًا بالموت أكثر من مرة، من والدته نفسها ومن ابن زوجها ،ربما لأنه، رغم كل ما تعرض له، عافر كي يأتي إلى هذه الدنيا ،وربما لأن أصعب ما قد يواجهه إنسانٌ هو أن يُولد بلا هوية، بلا اسم، بلا أب ينسب إليه ..
أما والدة (حازم)، فقد عرضت على (رؤى) أن تبقى في منزلهم حتى تتعافى، لتكون بجانبها وتساعدها في رعاية الطفل ،لكن (رؤى)، لم ترد أن تثقل عليهم بمزيد من الديون، رفضت بلطف، مؤكدة أن شقيقتها ستتولى أمرها وأمر صغيرها ..
❈-❈-❈
انتهت من عملها وأغلقت حاسوبها جمعت أوراقها بعناية في حقيبتها وهمّت بالمغادرة لكنها توقفت فجأة عندما رأته واقفًا أمامها نظرت إليه بدهشة لم تعتد رؤيته هنا منذ مدة كبيرة فهو دائمًا ما يكتفي بالمكالمات ولم يكن من السهل عليها مقابلته خارج الشركة إذ رفضت ذلك مرارًا خشية أن يعلم أهلها ..
حاولت كسر الصمت المفاجئ بسؤال بدا وكأنها تحاول إقناع نفسها أكثر من إقناعه
- حضرتك جاي لمستر (محسن)؟
رأته يهز رأسه بأسى قبل أن يقول بصوت خافت
- حصرتك!! لأ .. جاي لوحدة كده سرقت قلبي .. ومانعاني أشوفها أو حتى أشرب معاها فنجان قهوة في أي مكان
كانت نبرته تحمل عتاب واشتياق مما جعل قلبها يخفق بتوتر لا إرادي خاصة عندما تابع بصوت أهدء
- واللي أكتر من كده كمان .. بقيت أمسك التليفون طول ما أنا في البيت مستني الوقت المناسب عشان أكلمها وأسمع صوتها وأطمن عليها .. أنا.. أنا اللي كنت برمي التليفون في أي حتة ومش عاوز صداع من حد بقى يتعمل فيا كده؟
شعرت (تقى) بحرارة الخجل تتسلل إلى وجنتيها ابتسمت بخجل وهي تخفض نظرها قليلًا قبل أن تهمس بصوت متردد
- (ممتاز) .. أنا لحد دلوقتي بتوتر أصلاً لما بكلمك في البيت وببقى خايفة أي حد يدخل عليّا ويلاقيني بكلمك .. حاسة إني بعمل حاجة غلط .. أنا متعودتش أخبي حاجة عن ماما أو أخويا .. أرجوك افهم موقفي
تغيرت ملامحه للحظة كأنه استوعب مخاوفها حقًا ثم زفر ببطء قبل أن يقول بنبرة أكثر هدوءًا وصدقًا
- يا ستي أنا راضي .. بالعكس بحترمك جدًا وعارف إنك متربية كويس .. بس في نفس الوقت مش قادر أمنع نفسي .. بتوحشيني
صمت فجأة وكأنه لم يصدق أنه باح بذلك علنًا لاحظت (تقى) كيف تغيرت تعابير وجهه كأنه تفاجأ من نفسه فرفعت حاجبيها بمرح وقالت بابتسامة خفيفة
- إنت اتكسفت؟
رفع عينيه إليها سريعًا وكأنها أيقظته من شروده فقال بغيظ مصطنع
- بتضحكي على إيه؟
هزت رأسها بالنفي وهي تكتم ضحكتها
- مفيش .. بس شايفاك اتكسفت
زم شفتيه في عناد وقال بصوت خافت لكن به غيظًا واضحًا
- إيه اتكسفت دي؟! أنا متكسفتش!
أصرت بعناد طفولي
- لأ اتكسفت
نظر إليها نظرة ثابتة ثم ابتسم تلك الابتسامة الماكرة التي جعلتها تشعر بأنه سيقوم بفعل شئ مجرد منها، اقترب منها قليلًا وقال بصوت منخفض
- تحبي أثبتلك إني مابكسفش؟
شعرت بقلبها ينبض بسرعة رغم أنها لم تفهم قصده تمامًا لكنها شعرت برهبة مفاجئة جعلتها تبتلع ريقها قبل أن تهمس باسمه بتحذير خافت
- (ممتاز)؟
لكنه فقط ابتسم ،وهو يستمع بنبرة الخوف التى باتت واضحة فى صوتها وقال بنفس النبرة الواثقة
- أيوة كده .. خافي .. عشان أنا غير الصورة اللي ظاهرة ليكي خالص
لم تفهم كلماته تمامًا لكنها لم تسأل ففضلت تغيير الموضوع لتخفيف التوتر فقالت وهي تتجه نحو الباب
- أنا همشي بقى
لكنه استوقفها قائلاً بجدية مفاجئة
- هوصلك
نظرت إليه بحرج وقالت
- لأ مش هينفع بجد .. أنت عارف وقولتلك قبل كده إني مستحيل أركب معاك
قاطعها بصوت منخفض يشوبه الغضب
- شوفي رغم إنه فات شهور على إن صاحب أخوكي وصلك إلا إني مش ناسي وفاكر كويس .. فهوصلك غصب عنك .. وإلا هتشوفي وش تاني يا (تقى)
رفعت نظرها إليه بصدمة وقالت باستغراب
- إنت بتشخط فيا ليه؟!
أخذ نفسًا عميقًا كأنه يحاول ضبط نفسه ثم قال بصوت هادئ
- عشان يومها .. كنت عاوز أموتك وأموته
نظرت إليه ببراءة حقيقية كأنها لم تستوعب حجم الأمر عنده، ثم قالت بدهشة صادقة
- إنت بجد لسه فاكر؟! ده عدى عليه كتير الموضوع ده
أجابها بصوت قاطع
- أيوة .. لسه فاكر .. ويلا عشان أوصلك
لم تجادله هذه المرة فقط سارت بجواره بصمت حتى وصلا إلى سيارته فاستقلت بجانبه وهي ما زالت تفكر في كلماته أثناء الطريق قالت فجأة وهي تتذكر شيئًا
- عارف جارتنا اللي قولتلك عليها؟ خلفت الولد .. ما شاء الله جميل أوووي يا (ممتاز) أنا بقيت أنزل ليها كتير عشان بس أقعد معاه .. مش عارفة ليه أهل جوزها مش راضيين يعترفوا بالولد
فجأة، ضغط (ممتاز) على الفرامل بقوة فتوقفت السيارة فجأة في منتصف الطريق شهقت (تقى) وهي تلتفت إليه بقلق حقيقي
- مالك يا (ممتاز)؟! إنت وقفت العربية كده ليه؟!
هز رأسه وهو يحاول أن يبدو طبيعيًا لكن عينيه كانتا تخفيان عاصفة من الأفكار ثم قال بصوت بارد
- لا بس حسيت بشوية صداع
ثم نظر إليها بحدة وأضاف بجملة بدت غريبة
- وبعدين مش قولتلك مليون مرة متكلميش مع الست دي تاني؟!
عقدت حاجبيها باستغراب حقيقي
- أصلًا أنا و(رؤى) مش صحاب .. بالعكس بحب أختها الصغيرة أكتر وهي اللي بيني وبينها عشرة .. أما (رؤى) فهي في حالها جدًا قليلة الكلام ومعظم كلامها مع أخويا وماما ..
وفى بضيق وهو لا يريد أن يستمع لمبرارتها تلك
- وبعدين بقى أنا قولتلك مليون مرة دي واحدة باعت نفسها عشان شوية فلوس ومستعدة تعمل أكتر من كده أنا مش فاهم أخوكى يدخل الأشكال دي بيته ليه أصلاً!
نظرت إليه بدهشة عندما لاحظت أنه ما زال يتحدث عن (رؤى) بتلك الطريقة وهو لايعرفها من الأساس فقالت باستغراب أكبر
- أنا اللي مش قادرة أفهم .. إنت ليه عامل كده؟ ليه مضطهد البنت دي؟ بتكلمني على أساس إنها ست مش كويسة مع إنها أصغر مني .. ولو تعرفها هتعرف قد إيه هي بريئة وجميلة
رأى في عينيها اقتناعًا حقيقيًا كأنها كانت ترى (رؤى) من زاوية مختلفة تمامًا عن تلك التي يراها هو منها فقرر إنهاء النقاش قبل أن تطرح المزيد من الأسئلة التي قد تضعه في موقف لا يريد مواجهته الآن تنهد قبل أن يقول بصوت أخف
- خلاص بلاش نتكلم فى الموضوع ده .. بس أنا بحبك تبقي بعيدة عن المشاكل .. عشان خاطري خليكي بعيد
هزت رأسها موافقة بهدوء فتابع القيادة بصمت لكن أفكاره لم تكن أبدًا صامتة ..
❈-❈-❈
تعاقبت الأيام كلمح البصر حتى أن (رؤى) بعد ثلاثة اسابيع فقط من ولادتها قررت النزول مرة آخرى للعمل ،حاول (حازم) ان يثنيها عن ذلك القرار فهى بحاجة لمزيد من الراحة لكنها اصرت انها ليست بحاجة لتلك العطلة الكبيرة فهى تشعر بأنها قد تعافت ،كما أن عملها ليس بالصعب لتلك الدرجة ولن يأخذ منها اى مجهود بالنهاية رضخ لمطلبها ولكن يبدو أن السبب الأكبر لرضوخه لذلك المطلب هو انه كان يحتاج مساعدة حقًا بالعمل ..
إما عن (رغد) فقد اقترب موعد ولادتها هى الآخرى لذا قرر (حازم) أن يزورها كما اعتاد فى منزل اهلها وأن يأتى بملابس كثيرة لطفل شقيقه الراحل كان ينتظر ولادة ذلك الطفل بفارغ الصبر لأنه ما تبقى له من رائحة شقيقه الغالى ..
سار بجوار والدته التي كانت صاحبة فكرة تلك الزيارة، كانت تريد ألا تشعر (رغد) للحظة أن طفلها سيولد وحيدًا بلا سند بل هى وابنها وابنتها سيكونوا افضل عائلة لهم ..
حين وقف أمام الباب أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يضغط الجرس محاولًا أن يبدو طبيعيًا رغم أن داخله كان مشوشًا بعض الشئ فهو لم يكن مقربا ابدا من زوجة شقيقه فى حياته فلم يكن بينهم اكثر من السلام ولكن الفترة الأخيرة بدء يتقرب منها ليتابع حالتها الصحية هى والطفل الذى بأحشائها ولكن ما كان يزعجه انه رغم محاولاته هو ووالداته فى التقرب منهم إلا أنها مازالت لا تشعر بالحياة من بعد غياب زوجها فلم يكن يعلم إن كانت ستستقبلهم وهى واعية أم أنها ستظل مسلوبة الحياة فهو حقًا يشعر بالشفقة عليها ويشعر بالعجز وهو يراها ضعيفة هكذا وهى لم تكن يوماً هكذا ..
استقبلت والدة (رغد) كلا من (حازم) ووالدته بترحاب شديد حتى ،جلسوا بغرفة المعيشة ينتظروا حضور (رغد) لمقابلتهم التى بعد عدة دقائق ،خرجت لهم وهى تحييهم مع ابتسامه هادئة لوالدة (حسن) التى قالت لها
- أنا عارفة ان الولد لازم يلبس على ذوقك طبعا بس انا قلت اساعدك عارفة انك مش قادرة تدورى عشان التعب يا حبيبتى
ثم قدمت لها الأكياس البلاستيكية التى تحتوى على ملابس جديدة لحفيدها القادم وهى تقول
- أنا و (حازم) و (تقى) جبنا الهدوم دى
شعرت (رغد) بسعادة كبيرة فعلى الرغم من انها تنتظر ولادة ذلك الطفل على احر من جمر ألا انها لم تفكر فى ملابسه بعدم وجود (حسن) معها ،كانت تريد ان يشاركها هو تلك اللحظة ولكن ما فعلوا القدر بهم كانت لم تخطط له ابدا ،حتى أن والدتها حاولت معها مرارا و تكررا ان تجعلها تخرج من المنزل لكى تبتاع تلك الملابس بمولودها إلا انها رفضت بالنهاية نظرت لهم بأمتنان وهى تقول
- انا مش عارفة اشكركوا ازاى بجد .. انا حتى قررت بينى وبين نفسى ان لما استرد صحتى بعد الولادة هاجى اعيش فى شقتى مع (حسن)
صمتت قليلا وكأنها تحاول ان تفكر فيما قالته ثم تلعثمت وقالت مصححة
- ا.. اقصد يعنى مع ابنى .. انا اصلا وعدت (حسن) قبل ما يموت ان علاقتى بيكوا هتبقى احسن حاجة .. عارفة انى كنت مش بسأل عليكوا وعلى طول انتوا اللى كنتوا بتسألوا بصراحة بس غصب عنى و ..
صمتت وقد تجمعت الدموع داخل مقلتيها فشعر (حازم) حينها بالشفقة على حالها وقال
- اهدى بس يا (رغد) احنا مقدريين الظروف اللى انتى فيها كويس جدا مش مجرد موت (حسن) بس .. لا كمان ظروف حملك وتعبك وتقلباتك المزاجية اللى هى عادية جدا خلال الفترة دى ومش مفروض تعتذرى خالص احنا جنبك فعلا
حينما قال تقلبتها المزاجية اثناء الحمل تذكرت شجارها مع (حسن) بسبب ما كان يقولها لها دوما ولكنها جاهدت نفسها فى اخفاء تلك البسمة التى كانت ستفضح ما تفكر به لذا هزت رأسها بتفهم وهى تقول
- انا مش عارفة اشكركوا ازاى على تفهمكوا لمشاعرى ولو اى حاجة حصلت منى ضايقتكوا ابقوا سامحونى
هزت والدة (حازم) رأسها نافية بخفة وهى تقول
- ربنا يهديكى ويهدينا كلنا يا بنتى ومفيش زعل خالص انتى زيك زى (تقى) ربنا يعلم
ابتسمت (رغد) بإمتنان وجلسوا سويا لبعض الوقت ،وبعدها استأذن كلا منهم ثم قام (حازم) بأخبرها انها عليها ان تذهب للمشفى لكى تحدد موعد الولادة ،لأنه لم يتبقى الكثير على ولادة طفلها من (حسن) فهى تشتاق لرؤية الذكرى الذى تركها (حسن) لها بعد وفاته ..
❈-❈-❈
فى المساء ..
انتهت (رؤى) من عملها بالعيادة ،فدلفت نحو غرفة الفحص الخاصة به تخبره بأنها ستنصرف وستعود إلى المنزل ليحرك رأسه متفهما فتنصرف هى وهو يلملم اغراضه ويستعد ليغلق العيادة ويتجه نحو سيارته بالأسفل ..
عندما خرجت (رؤى) من العيادة كانت فى طريقها نحو الحافلة ،لكن استمعت إلى صوت احدهم يناديها بأسمها ،فى البداية ظنت انها تتوهم فلا أحد يعلمها هنا ومن يعرفها هنا من الأصل ولكنها استمعت إلى الصوت مجددا لتلتف وتصدم حين رأته أمامها ،لم تكن تتوقع ان السنوات كانت قد مرت بتلك السرعة هى تتذكره فدوما كان يعتنى بها ،عندما كانت صغيرة ظهرت على شفتياها ابتسامة عذبة فلم تبتسم منذ مدة طويلة ربما منذ سنوات فى الحقيقة هى لا تعرف منذ متى الابتسامة لم تزر شفتيها لم تكن تتوقع مقابلته بعد مرورها بكل تلك الصعاب حتى وجدته يمد يده ليسلم عليها و ازدانت شفتاه بابتسامة دافئة وهو يقول
- (رؤى) مش معقول .. بقالى سنين مشوفتكيش من ساعة .. كتب كتابك
قال جملته الأخيرة وقد خالط نبرة صوته بعض الحزن انتبهت هى ليده الممدودة فمدت يدها لتسلم عليه وهى تقول ببراءة
- وحشتنى جدا يا (سيف)
ازدرد ريقه بصعوبة ونسى تماما يده الممسكة بيدها وتابع ليكمل حديثه محاولا التغاضى عن جملتها التى بعثرت مشاعره شتاتا
- ايه اخبارك يا (رؤى) ؟! عاملة ايه دلوقتى ؟! الحياة فرقتنا رغم اننا كنا بنعمل كل حاجة سوا حتى المذاكرة مكناش بنذاكر إلا مع بعض
هزت رأسها إيجابا وقد خالت بمخيلتها تلك الذكريات التى تسربت إليها واحدة تلو الآخرى ،فبالفعل هى و(سيف) كانوا منذ الطفولة معا نظرا للقرابة التى تجمعهم كما أنه يكبرها فقط بشهريين لذا كان دوما يتسابقان فى مشوارهم الدراسى ..
كان (حازم) قد خرج من العقار ووجدها تقف فى منتصف الطريق مع شاب ويدهم ممسكة بعضهم ببعض لا يعرف صراحة لما شعر بكل مشاعر الضيق تلك التى اجتاحته ،يفكر فى سبب منطقى واحد لذلك الضيق ووجد أنه من حقا طبعا ان يشعر بذلك فهو المسئول عنها هى وابنها منذ شهور ،كما أنها لا تختلط بالرجال فمن ذلك الشاب الغريب الذى تقف معه ، أم لأن يده تحاوط يدها لا يعلم ،حتى انه لم يشعر بنفسه كيف ذهب نحوهم فقد تملكه الفضول ليعرف من ذلك الشاب فهو منذ ان علم تلك الفتاة وهو يعرف اخلاقها جيدا هى ليست من النوع التى تحبذ الكلام مع الجنس الآخر اصلا بالعكس ،حتى انها اعتادت على وجوده فى حياتها بعد مدة كبيرة اقترب منها وسمعها وهى تقول مبتسمة
- فعلا يا (سيف) كانت احلى ايام من بعدها كل حاجة اتغيرت
انفعل (حازم) قليلا رغم أنه لا يوجد أى مبرر لذلك وقال بصوت هادئ رغم الأضطراب الغير مفهوم به داخلياً وهو يقول
- ايه اللى موقفك هنا يا (رؤى)؟!
انتبهت (رؤى) لصوت (حازم) فسحبت يدها من يد (سيف) وهى تشعر بالخجل فهى لم تشعر بأنه قد امسك بيده طيلة المدة فقد كانت سابحة فى افكارها ،فاندهش (سيف) لفعلتها تلك واندهش من ذلك الرجل الذى معها فقالت (رؤى) بهدوء
- ده (سيف) يا دكتور ابن خالتى
ثم وجهت نظرها نحو (سيف) قائلة
- وده دكتور (حازم) شغالة عنده فى العيادة
حاول (حازم) أن يبدو متماسكًا وألا يُظهر أي انفعال فختى لو كان ابنة خالتها هذا ليس مبرر لتظل ممسكة بيده طيلة كل تلك المدة ،رمق (سيف) بنظرة ثابتة يتفحصه يحاول تحليل شخصيته ثم قال بنبرة هادئة لكن حادة بعض الشئ
- أهلًا وسهلًا
رد (سيف) بابتسامة ودودة ومدّ يده لمصافحته ليصافحه الآخر على مضض لتقول (رؤى)
- انا اتأخرت على ابنى لازم اروح دلوقتى
ثم مدت يدها لهاتفها نحو (سيف) وهى تقول
- ممكن تكتب ليا رقم تليفونك هنا واكيد هبقى اكلمك
كان (سيف) فى وادى آخر فقد توقفت اذناه عند تلك الكلمة التى رددها دون شعور
- ابنك؟!
بينما صر (حازم) على أسنانه وهو لا يفهم سر اهتمامها بذلك الشخص ،حتى اتها مهتمة ان تكون على اتصال معه، فهزت رأسها ايجابا وهى تقول
- اه جوزى اتوفى ولما اتوفى اكتشفت انى حامل وموضوع كبير كده هبقى احكيلك عليه بعدين
تهللت أسارير (سيف) وقد سمع انها لم تعد متزوجة بعد الآن تأمل (حازم) نظرات (سيف) التي ازدادت إشراقًا بعد سماعه لخبر ترمّلها ورغم محاولته البقاء متماسكًا إلا أن ضيقه تصاعد دون أن يتمكن من كبحه شعر ، فتابعت (رؤى)
- اكتب يلا رقمك عشان الحق الباص
ابتسم (سيف) واخذ الهاتف منها ودون رقمه ثم قال
- لا ده انا هركب معاكى بقى وتحكيلى كل حاجة بالتفصيل
- مش هعطلك؟
كان سؤالها رقيقا للغاية فأجاب (سيف) بهدوء
- لا خالص يا (رؤى) انا كنت جاى لواحد صاحبى اصلا هنا زيارة بس مش مهم تتعوض فى يوم تانى
هزت رأسها تفهما فى حين تشنجت عضلات وجه (حازم) ضيقا من الذى يراه فقد باتت ناعمة فى حديثها وهو لا يعتاد منها على ذلك ،فقالت (رؤى)
- طيب يا دكتور انا هركب مع (سيف) الباص حضرتك ممكن تتفضل تركب عربيتك
- اه طبعا اتفضلى
توجه نحو سيارته و كان كل شيء داخله يزداد اضطرابًا استقل سيارته وعيناه معلقة على (رؤى) التى مع ذلك الغريب نعم فهو غريب ماذا يعنى بأنه ابنة خالتها هل لأنه ابنة خالتها تلك رخصة تجعله يستقل معها الحافلة ،ضرب مقود السيارة بغيظ شديد ووجدها تهم لتستقل الحافلة معه فخرج من سيارته على الفور وتوجه هو الآخر نحو الحافلة فهو مسئول عنها حتى تنتهى تلك القضية لن يتركها مع اغراب ،وجدهم يجلسون بجوار بعضهم البعض فجاس فى المقعد الذى خلفهم حينها انتبهت (رؤى) لوجود (حازم) فسألته
- فى حاجة يا دكتور؟!
ازدرد ريقه بصعوبة ولكنه خرج من ضجيج افكاره وهو يقول كاذيا
- اه العربية شكلها عطلانة فهتضطر اروح معاكوا لحد ما اشوف مالها
هزت (رؤى) رأسها تفهما فى حين شعر (سيف) بالضيق من ذلك المتطفل ،فقد كان يريد ان يجلس معها بمفردها لبعض الوقت ولكنه تعامل وكأن ذلك الطبيب لا وجود له وقال
- ها قوليلى بقى يا (رؤى) .. انتى راكبة اصلا الاتجاه ده ليه انتوا عزلتوا؟!
تنهدت (رؤى) بآسى وبدئت تقص على (سيف) كل شئ منذ وفاة زوجها ،مرورا بأن والداها كان يريد تزويج (جود) هى الآخرى بنفس الطريقة ،حتى هروبها من المنزل وانها تعيش بمنزل ذلك الطبيب وتلك القضية التى ترفعها على اولاد زوجها لأثبات نسب ابنها ،شعر حينها (سيف) بالضيق والشفقة على حال (رؤى) فمنذ سنوات وهى كانت تعانى وهو لم يكن بجانبها ،فمنذ ان تزوجت من ذلك المتصابى وهو قطع علاقته معها وكيف كان سيكون له علاقة بإمراءة متزوجة حتى لو كان يهيم عشقا بها لذا قال بآسى
- ومفيش اى حاجة تثبت خالص جوازك
هزت رأسها نافية فشعر بالضيق ولكنه تذكر شئ ما لمعت عيناه بفرحة ،رغم تلك الذكرى المريرة التى مرت عليه فمنذ ان علم ان (رؤى) ستتزوج من غيره انقطع عن تناول الطعام وكان يحبس نفسه داخل غرفته دون ان يتحدث مع أى شخص وقد شعر والديه بالضيق على حاله لذا قرر والده ان يخرجه من ذلك بصدمة اكبر ،ذهب والده لعقد قران (رؤى) وقام بتصوير الشيخ وهو يعقد قرانها عليه وعاد إليه وحدثه بالغرفه حديثا طويلا انه لن ينفع ما يفعله بنفسه فالفتاة التى يحبها قد تزوجت حتى انه اراه ذلك الفيديو كى يجعله يستفيق إلى نفسه ويعلم انه لم يعد هناك أى امل كى يفكر حتى بها ،ظل (سيف) محتفظا بذلك الفيديو كى عندما يشعر بالحنين إلى حبيبته يرى انها اصبحت فى عصمة رجل آخر لمعت عيناه بدموع استطاع اخفائها ثم قال بهدوء
- وانا عندى اللى يثبت جوازك يا (رؤى)
نظرت له (رؤى) بعدم فهم ،بينما انتبه (حازم) لحديث ذلك الأبله رغم انه كان يستشيط غضبا ،ولكن لو كان حقا يملك شئ يفيد (رؤى) لن يمنعه غضبه من طلب تلك المساعدة منه ليتابع (سيف) قائلا
- عندى فيديو كتب كتابك متصور كامل بين ابوكى وجوزك
يتبع...