رواية جديدة غصات الحب والقدر لعلا السعدني - الفصل 13 - الأحد 8/6/2025
قراءة روايةغصات الحب والقدر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية غصات الحب والقدر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة علا السعدني
الفصل الثالث عشر
تم النشر الأحد
48/6/2025
كان صوت القرآن الكريم يملأ الأجواء يتردد صداه في المكان فلا شئ غيره يهدئ الأرواح المتعبة ،لكن شيئًا لم يستطع تهدئة قلب (حازم) المنهار تماما ..
صحيح انه كان واقفًا في العزاء ولكنه مبعثر من الداخل محاطًا بالناس الذين يهمسون بكلمات المواساة والتعزية الحارة لكنه لم يكن يسمع شيئًا ،كان يحاول التماسك يحاول أن يبدو قويًا لكن الحقيقة كانت تزلزل كيانه من الداخل عينيه شاردتان لا يدري إلى أين ينظر فعقله لم يستعب ما يحدث، تذكر تلك المكالمة التي غيرت كل شيء .. كل شئ ..
حين اتصل (حمدي) ب (حسن) صدفةً ليطمئن عليه لكن لم يكن (حسن) هو من أجاب جاءه صوت غريب ،صوت ممرض أخبره بصوت هادئ رغم بشاعة ما يرويه أن المتصل الذى تتصل به كان بحادث وتوفاه الله ..
حينها أسرع (حمدي) إلى المستشفى ثم استلم أغراض (حسن) بيدين مرتجفتين ثم التقط هاتفه واتصل ب (حازم) واخبره ذلك الخبر المشؤوم ..
رنّ الهاتف بعد منتصف الليل أيقظ (حازم) من نومه الذى نظر إلى الشاشة فوجد اسم (حسن) ظن أنه مجرد اتصال عادي ربما شقيقه يحتاج شيئًا رغم علمه وثقته التامة انه لا يتصل ابدا بذلك التوقيت ،شعر بغصة غريبة ثم رفع الهاتف إلى أذنه ثم جاءه الصوت الذي مزّق كيانه تلك الكلمات التى توقف حينها العالم من حوله (البقاء لله) تلك الكلمات البسيطة صحيح ان البقاء لله دائما وابدا ولكن شعور ان تفقد عزيز عليك ليس بالأمر الهين تماما ،ذلك شعور مريب لا احد يريد او يحبذ بالطبع ان يشعر بذلك الشعور المقيت خصوصا فى اقرب المقربون لقلبك ..
تجمد مكانه لم يستطع استيعاب الكلمات ،شردت عيناه فلا يرى ، لم يتذكر كيف ارتدى ملابسه ولا أن كانت حتى متناسقة بل ارتدى اول ما التقطته يداه لا يتذكر كيف وصل إلى المستشفى لكنه وجد نفسه هناك ،يركض في الممرات كالمجنون يبحث عن شقيقه يرفض أن يصدق يتمنى لو كان ذلك كابوسا سيستيقظ منه قريبا ولكن تلك الحقيقة التى يرفض عقله استيعابها ..
حين دخل الغرفة رآه ممددًا على السرير بلا حراك للحظة ظن أنه نائم سيستيقظ بعد قليل ،لكن وجهه الباهت كان يصرخ بالحقيقة التي يرفض تصديقها اندفع نحوه احتضن جسده البارد وهتف باسمه ،لكنه لم يجيبه لم يفتح عينيه لم يبتسم لم يبادله اى كلمة لقد انتقل لعالم آخر بالفعل بعيدا عنه ..
ظل (حازم) يحتضنه كالغريق الذي وجد أخيرًا بر الأمان لكنه أُجبر على تركه ،جاءه صوت (حمدي) يحاول تهدئته يحاول إبعاده عن الجثة لكنه رفض تشبث به أكثر لم يُدرك متى هدأ متى بدأ يستوعب أنه أمام أمر واقع لا يمكن تغييره بدأ في إجراءات الدفن لكن داخله كان ينهار ببطء يتفتت في صمت ..
وفي تلك اللحظات في مكان آخر كانت (رغد) جالسة على فراشها تحتضن صورة (حسن) بين يديها ، عقلها يرفض التصديق هو قال لها إنه قادم إلى البيت فكيف لا يعود؟ حولها اقرب الناس لها يحاولون ان يخففوا عنها ولكنها لم تكن تسمع أى مواساة من احد عقلها شارد قى تلك اللحظة التى فارقته فيها ..
تذكرت كيف شعرت بانقباض قلبها حين اوصلها للمنزل ،وبدء بالقيادة ليذهب لصديقه كانت تتمنى لو تترجاه ان لا يتركها لو كانت تعلم ما يخبئ لهما القدر ما تركته لحظة واحدة ..
تذكرت كيف اتصلت به مرارًا وهو كان يجيب ويخبرها انه أمامه القليل وسيأتي لها حتى آخر مرة تحدثت معه اخبرها أنه سيستقل السيارة فى الحال ويتوجه نحو المنزل عائدا لها ولكنه لم يعد أبدًا ..
أما (تقى) فكانت منهارة في حضن والدتها تبكي حتى جفت الدموع لكن والدتها لم تبكِ لم تصرخ فقط جلست هناك عيناها معلّقتان للحائط شاردة ،كانت تمسك بيدها مسبحة تحرك خرزاتها بلا وعى ،تفعل ذلك فقط لتبقى متماسكة شعور ان تفقد ولدك العزيز هو اسوء ما يمكن ان تشعر به اسوء حتى من اشد انواع التعذيب ..
كانت (رؤى) تحاول أن تجعلهم يأكلون شيئًا تحاول أن تخرجهم من تلك الدوامة وضعت الطعام أمامهم تحدثت إليهم برفق لكن لم يكن هناك رد نظرت إليهم ثم جلست بجوارهم تأملت وجوههم الباكية وفجأة شعرت بالحزن في قلبها هى الآخرى ..
تذكرت (حسن) لم ترَ منه يومًا سوى الخير لم ينظر إليها نظرة سيئة ،لم يجرحها كان دائمًا يعاملها كأخت له لم ترى منه نظرة حتى متفحصة لها حتى انها ظنت انه لا يعلم ملامحها وان التقى بها خارج المنزل لن يعرفها ولكن الآن هو ليس هنا ..
انحدرت دمعة من عينها .. إن كانت هي تشعر بكل هذا الألم فكيف حال (حازم)؟
لطالما أخبرها (حازم) أن (حسن) لم يكن مجرد شقيق له بل كان أبًا له ،رغم أن (حازم) هو الأكبر لكنه كان يشعر دائمًا أن (حسن) هو من يرعاه هو من يقوده هو من يمنحه الأمان والآن أصبح وحيدًا ..
شعرت (رؤى) بالقلق على (حازم) فهو ليس من النوع الذي يُظهر حزنه ليس من النوع الذي يشارك الآخرين ألمه لكنها كانت تعرف جيدًا .. أن حالته الآن مزرية وأن الألم بداخله أعظم مما يمكن احتماله ..
❈-❈-❈
بعد مرور أسبوعان ..
كان الليل قد بدء أن يحلّ والسكون يغيم على المكان مع صوت نباح خافت على سطح منزله جلس في ركن بعيد مستندًا بظهره إلى الجدار بينما تمدد كلبه بجواره يشاركه صمته العميق كان الجو باردًا لكنه لم يشعر بشيء فقد كان قلبه أكثر برودة فالدفى قد ول بعد وفاة شقيقه ..
منذ أسبوعان لم تطأ قدمه المستشفى ولا العيادة لم يعد يرى معنى في أي شيء وكأن الحياة توقفت عند لحظة فقدان شقيقه كانت الأيام تمرّ وهو غارق في احزانه حتى الطعام لم يكن له طعم والنوم لم يكن يأتي بسهولة ..
فى حين قررت (رؤى) وهى فى منزلها مساعدته والحديث معه لأنها علمت أنه يشعر بحزن كبير ،أخذت نفسًا عميقًا ثم توجهت إلى المطبخ أعدّت كوبين من القهوة ثم قررت الصعود حيث سطح المنزل لتتحدث معه فهى لم تراه منذ أيام العزاء وهو دائما بمفرده ..
عندما وصلت إلى السطح وجدته على حاله شاردًا كأن عقله قد غاب عن ذلك العالم بمن فيه ،لم يلتفت إليها عندما اقتربت لكنه وجدت كلبه بجواره ،توقفت وهى تشعر بالخوف من ذلك الكلب ثم قالت بصوت هادئ قطع ذلك الشرود
- ممكن تربط الكلب ده فى حتة عشان اعرف اتكلم معاك
انتبه لصوتها ورفع رأسه ليجدها أمامه فهز رأسه إيجابا ،قام من مجلسه ليربط الكلب بعيدا عنها ثم عاد إلى مجلسه دون أن يتحدث ..
تقدمت نحوه ثم جلست بجواره بهدوء وضعت كوب القهوة أمامه ثم احتفظت بكوبها بين يديها تستمتع بحرارته في هذه الليلة الباردة وقع بصره على الكوب الذي تحمله فرفع حاجبه وقال بنبرة شبه معاتبة
- انتي عارفة إن القهوة مش أحسن حاجة للحامل؟
ابتسمت (رؤى) بمرح مصطنع وأخذت رشفة صغيرة وهي تقول
- عامل فيها مهتم أوي وانت أصلاً زعقتلي جامد لما كسرت الصورة وشوفت منك وشّ مشوفتوش قبل كده
التفت إليها ببطء وحدّق فيها للحظات قبل أن يهز رأسه بخفة قائلاً
- انتي قلبك أسود أوي يا (رؤى) لسه فاكرة موضوع الصورة؟
لم تجيب فقط اكتفت بابتسامة خفيفة قبل أن تقول بصوت هادئ
- بصراحة أنا بحاول أغير معاك الموضوع .. من ساعة اللي حصل وانت مش شايف شغلك خالص ولا بتروح الشغل ولا بتخرج من بيتك حتى
حمل كوب القهوة بيده ،نظر إليه للحظة يعلم انها محقة لكن لم يعد لديه قدرة على أن يفعل شئ دون شقيقه ثم أخذ رشفة بطيئة قبل أن يبتسم بسخرية مريرة
- آه واختارتي موضوع تنسيني بيه حزني فعلاً يا (رؤى) .. الصورة اللي كسرتيها دي كانت صورة مراتي السابقة
شعرت (رؤى) بجفاف في حلقها فابتلعت ريقها بصعوبة قبل أن تهمس
- هي .. ماتت هي كمان؟
هزّ رأسه بالنفي وقال بهدوء
- لا أطلقنا .. وهي اتجوزت واحد تاني
نظرت إليه مطولاً شعرت وكأنها تدوس دون قصد على جرح آخر لم يلتئم بعد ،لم ترد أن تفتح المزيد من الأوجاع وأن تسأله المزيد عنها لذا فكرت للحظات قبل أن تختار كلماتها بعناية
- أنا عارفة إن خسارة كل حاجة بين إيديك موضوع مش سهل وصعب جداً بس فكر في اللي انت تملكه .. عندك أمك وأختك لازم تهتم بيهم وكمان مرات أخوك .. صحيح راحت تعيش مع أهلها بس ده طبيعي صعب أهلها يسيبوها لوحدها في ظروف زي دي لكن اللي أعرفه إنها حامل والودّ لسه ممكن يفضل بينكم
أومأ برأسه موافقًا لكنه لم يقل شيئًا فعقله يدرك صحة كلامها لكن قلبه لا يزال يفكر فى جراحه فقط بعد برهة قال بصوت متحشرج
- معاكي حق .. بس أنا من غير (حسن) ضايع مش عارف أعمل حاجة
تأملت (رؤى) ملامحه المنهكة رأت في عينيه انعكاسًا لألمها الخاص ذلك الألم الذي لا يفهمه إلا من ذاق مرار الفقد ،أخذت نفسًا عميقًا وقالت بصوت خافت كأنها تريد أن تبوح بما فى قلبها اكثر من ان تهون عليه
- زمان لما ماما اتوفت حسيت إن الدنيا سودة أوي .. خصوصًا إن عمري ما حسيت بحنان أبويا بالعكس أمنا كانت اللي بتصرف على البيت وهو مكنش بيعمل أي حاجة كنت دايمًا أقول لنفسي إني لما أكبر وأتجوز مش هتمنى يكون واحد زي بابا أب لعيالي أبدًا .. كنت بقول لازم أختار كويس عشان أولادي ميعشوش المرار اللي أنا واختي عشناه ..
ابتسمت بمرارة وهي تحرك أصابعها على الكوب
- ملحقتش أكبر حتى .. لقيت الدنيا كل يوم بتسوء أكتر وأكتر اتجوزت واحد أكبر من أبويا عشت أسود أيام حياتي .. أسود حتى من بعد موت ماما الله يرحمها اللي كنت فاكرة إن مفيش حاجة هتبقى أصعب منه لكن الحياة أثبتت لي العكس
انزلقت دمعة من عينيها قبل أن تهمس بصوت متهدج
- لما (أشرف) مات قلت .. أنا كده اتحررت من السجن عارفة إن المفروض الواحد ميفرحش بموت حد بس لو مفرحتش بسبب موته .. هفرح إمتى؟ بعد كل العذاب اللي شفته على إيده؟ المشكلة إنه كان بيحبني بجنون غيرة هستيرية وأنا كنت بكرهه أكتر واكتر .. لما مات حسيت إن الدنيا بدأت تضحك لي تاني .. لحد ما عرفت إني حامل
ابتسمت بسخرية وهي تضغط على الكوب بين يديها
- كنت مش قادرة أصدق ان ده حصل .. ده الأب اللي كنت بحلم بيه لابني؟ واعتقد انت عارف النص التاني من القصة عارف أنا كنت إزاي وحالتي كانت عاملة إزاي .. بس في الآخر بقيت قوية وراضية بأي حاجة بتحصلي لأن اللي هييجي مش هيكون أسوأ من اللي عشته وانت كمان لازم تبص لقدام .. لازم تكون قوي مش عشان نفسك بس عشان الناس اللي محتاجينك
نظر إليها طويلاً فكلماتها اخترقت طبقات الحزن المتراكمة بداخله ثم ابتسم أخيرًا ابتسامة هادئة صادقة ثم قال
- إنتي فيكِ ميكس غريب كده يا (رؤى) .. ساعات بحس إنك طفولية وقماصة وساعات بحس إنك أعقل من أعقل بني آدم في الدنيا
ضحكت بخفة وهي تمسح دموعها سريعًا التى خانتها وهى تتحدث عن ما مضى ثم قالت
- صدقني أنا مكنتش كده .. بس اللي شفته غيرني تمامًا ده أنا كنت أخف دم في صحابي كلهم في المدرسة
ضحك بخفوت وقال
- حسدوكي
ابتسمت وهي تهز رأسها
- يظهر كده
وساد الصمت بينهما لكنه كان هذه المرة صمتًا أقل قسوة ،الألم الذى كان يشعر به تبدد وذهب بمجرد حديثها معه ..
❈-❈-❈
فى صباح اليوم التالى ..
ارتدى (حازم) ملابسه وقرر أن يذهب إلى المستشفى بعد أن تحدث مع شقيقته بالأمس وامرها ان تذهب للعمل هى الأخرى فكيف يأمرها بفعل يعجز هو عن فعله ..
وصل إلى المشفى وباشر فحص مرضاه وحاول ان يتناسى ولكن ان سرد عقله لوهلة وتوقف عن التفكير قلبه لن يفعلها ابدا ..
عاد إلى مكتبه وهو يشعر بإرهاق شديد طلب كوب من القهوة كى يستطيع التركيز بقية اليوم حتى انه لم يلاحظ ان احدهم طرق الباب ودخل المكتب عليه ،كان عقله شاردا فى ذكرياته مع شقيقه اقتربت بخطوات هادئة وهى تقول
- البقاء لله
استفاق من شروده على صوتها وتلاقت عيناهم للحظة ازدرد فيها ريقه بصعوبة وهو لا يصدق انها اتت إليه ولكنه قال بهدوء
- ونعمة بالله
شعرت بتوتر كبير فلا تعلم لما جاءت إليه تعلم جيدا ان فعلتها ليست صائبة ولكنها تعلم جيدا مدى الألم الذى بداخله فأرادت ان تطمئن عليه لذا قالت بهدوء
- انا عارفة انك مش فى احسن حال فحبيت اطمن بس عليك و ..
فى تلك اللحظة دلف (هانى) ذلك الطبيب الذى لا يطيق (حازم) ولا يحب رؤيته ابدا ،رأه مع زوجته السابقة فى المكتب فابتسم قليلا ثم وجه حديثه نحو (رانيا) قائلا
- فيكى الخير بجد .. جاية تودعيه قبل ما تمشى
عضت (رانيا) شفتاها بغيظ من ذلك المتطفل واضيقت عينان (حازم) بعدم فهم ليتابع (هانى) قائلا
- هى مقلتش ليك ولا ايه؟! اصل دكتورة (رانيا) خلاص هتسيب المستشفى وكانت بتودعنا كلنا النهاردة لأنها هتسافر مع جوزها هيستقروا فى (أمريكا) مش كده يا دكتورة ولا ايه ؟!
اخذ (حازم) نفسا عميقا ثم وجه حديثه نحو (هانى) وهو يقول بنبرة هادئة رغم الضيق الذى اجتاح صدره ،لأنه يحاول ان يضايقه بشتى الطرق
- لا يا دكتور .. وهى هتودعنى ليه ؟! دى جاية تعزينى فى اخويا مجتش منك يا دكتور
ثم وجه حديثه نحو (رانيا) بجفاء تام
- اعتقد عملتى اللى عليكى يا دكتورة ..شكرا لذوقك
شعرت هى بتوتر كبير ثم استأذنت منهم وخرجت نحو الخارج وهى تلعن نفسها على ذلك الموقف المحرج الذى وضعت نفسها بها فهى تعلم جيدا انها مازالت تشعر ببعض المشاعر نحو زوجها السابق ولكن لا يجب عليها فعل ذلك هذا ليس صائبا لكنها لم تستطع منع نفسها من الأطمئنان عليه بينما نظر (حازم) نحو ذلك المتعجرف قائلا
- اعتقد ان وراك شغل .. روح شوف شغلك
شعر (هانى) حينها بالغضب فقد كان يتمنى ان يراه مقهورا وحزينا دوما ،صحيح انه لم يفعل له شيئا يجعل قلبه يحمل كل ذلك البغض تجاهه ولكن يكفى تفضيله عليه فى المشفى وانه الطبيب المفضل للمشفى ..
❈-❈-❈
كانت جالسة في مكتبها عيناها على الأوراق أمامها لكن عقلها شارد في دوامة من الحزن الظاهر على ملامح وجهها ويجثم على صدرها بثقل الأيام التي مرت دون أن تشعر بألام أن تفقد شخص عزيز لها ،فمنذ أن رحل (حسن) وهي تشعر وكأن الحياة توقفت فلم تكن تتخيل يوما أن تفقده او عند فقدانه تشعر كأنها تائهة لتلك الدرجة ،حاولت أن تركز في عملها أن تنسى ولو للحظة لكن الذكريات كانت أقوى تتسلل إلى عقلها بلا استئذان ..
على بُعد خطوات منها وقف (ممتاز) يتأملها بصمت منذ أن علم أنها عادت إلى العمل بعد تغيب اسبوعان كاملان ،وهو لم يستطع التراجع عن فكرة رؤيتها التى كانت تلح على قلبه قبل عقله ،لم يكن بحاجة إلى أسباب كى يراها لم يكن يفكر في أي شيء سوى أن يراها كى يتأكد بنفسه أنها بخير ،رغم أنه كان يعلم جيدًا أنها ليست هكذا ،ملامحها الذابلة نظراتها التي فقدت بريقها كل شيء فيها اخبره بأنها ليست على ما يرام ..
لقد استعلم عن كل شئ عنها الفترة الماضية علم ان شقيقها قد توفى تمنى لو يذهب لمنزلها ولكن ما منعه انه تأكد من ان (حازم) هو شقيقها (حازم) الذى يقف بجانب زوجة ابيه الذى بينهم خصومة ،حاول أن لا يفكر بها وكأنه لم تمر بحياته ولكنه كلما لم يراها كلما شعر بالحنين والشوق لها .. الشيء الوحيد الذي لم يفهمه هو لماذا يشعر بهذا الضعف أمامها؟ لماذا غيابها كان يشعل بداخله قلقًا لم يختبره من قبل؟ لماذا كان يتذكرها كل ليلة رغم أنه لم يكن يومًا رجلًا يسمح لمشاعره بأن تتحكم فيه؟ والأجابة بسيطة ولكنه يرفض الأعتراف بها حتى بينه وبين نفسه ..
ضغط أسنانه على شفتيه في ضيق من تلك المشاعر التى بداخله ولكن ليست بإستطاعته ان يتحكم بها ثم اقترب منها بهدوء وقف أمام مكتبها للحظات قبل أن يقطع الصمت بصوته
- البقاء لله
ارتجفت أصابعها حول القلم ورفعت رأسها ببطء لتلتقي عيناها بعينيه ،لم تكن تتوقع وجوده ولم تفهم لماذا شعرت بتلك الرجفة الخفيفة في قلبها للحظة تمنّت لو تخبره كم هى متعبة كم أن كل شيء انهار من حولها لكنها أدركت سخافة الفكرة فورًا ،فهو ليس شخصًا تلجأ إليه هو ليس أحدًا من المفترض أن تشعر تجاهه بتلك المشاعر ومع ذلك لماذا كانت تلك الفكرة تراودها؟
- ونعمة بالله
قالتها بصوت خافت متحشرج بالألم ثم عادت لتنظر إلى الأوراق محاولة تجاهل اضطرابها
لكنه لم يتحرك لم يغادر بل سحب المقعد الذى أمامها وجلس دون إذن واضعًا ساقًا فوق الأخرى بتلك الثقة المعتادة التي تثير استفزازها ،نظر إليها للحظة ثم قال بصوت هادئ لكن يحمل نبرة صارمة
- مش مسموحلك تغيبي تاني
رفعت عينيها نحوه بسرعة تجمدت للحظة وهي تحدق فيه غير مصدقة كلماته ،رمشت مرتين وكأنها تحاول استيعاب ما قاله قبل أن تهمس بدهشة
- إيه؟
ارتسمت على شفتيه ابتسامة جانبية وبدت وسامته أكثر سطوعًا في تلك اللحظة كأنها لعنة ثم أكمل بصوت أكثر عمقًا محملًا بالمعاني التي لم يقلها صراحة
- أنا عاوزك جنبى
كلماته اخترقت روحها قبل أن تصل إلى عقلها شعرت بقلبها ينبض بقوة لم تفهم سببها ،لم تكن تعرف ما الذي يحدث لها ولا لماذا كانت تشعر وكأن الحزن الذي احتلها منذ أيام قد تلاشى للحظات أمام وجوده ..
لكن الشيء الوحيد الذي أدركته يقينًا .. أن (ممتاز) لم يكن مجرد شخص عابر في حياتها بل شخص نبض له قلبها حتى لو لم تعترف بينها وبين نفسها ..
يتبع...