-->

رواية جديدة غصات الحب والقدر لعلا السعدني - الفصل 16 - الأربعاء 18/6/2025

 

  قراءة روايةغصات الحب والقدر كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية غصات الحب والقدر 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة علا السعدني


الفصل السادس عشر 

تم النشر الأربعاء 

18/6/2025


فى المساء ..

بعد ان انتهى (حازم) من فحص المرضى بداخل العيادة قرر ان يقوم بالأطمئنان على طفل (رؤى) التى كان مستلقية على سرير الفحص تنظر إلى الشاشة أمامها حيث يظهر جنينها الصغير ..

كانت تستمع إلى دقات قلبه الصغيرة ،فشعرت بسعادة بالغة وهى تستمع إلى دقات قلبه وكلما سمعت تلك الدقات زاد احساسها بالأمومة فابتسمت ولكن تلك الابتسامة كانت تحمل بين طياتها مشاعر متضاربة بين الحنين والشوق وبين الذنب والضيق ،لأنها فكرت يومًا فى اذيته وانهاء حياته بيدها التى لم تبدء بعد ،همست بصوت خافت وكأنها تحدث نفسها أكثر مما تخاطب (حازم)

- مش عارفة فكرت إزاي أقتله بإيدي .. مع كل حركة بحسها جوايا ببقى سعيدة جدًا بحس بيه ومشتاقة أشوفه أضمه أحسه بين إيدي

ابتسم (حازم) وهو يرفع عينيه عن الشاشة ،وينظر إليها نظرة بإنه متفهم موقفها جيدًا صوته كان هادئًا حيث انه يفهم تلك المشاعر المضطربة التى تشعر بها تلك المسكينة لقد اعتاد رؤية مشاعر الأمهات المتضاربة في مثل هذه اللحظات

-ده شعور طبيعي جدًا يا (رؤى) إحساسك بالأمومة بيزيد يوم عن يوم والخوف اللي كان جواكي بيتحول دلوقتي لحب ومسؤولية .. أما إنك كنتِ عاوزة تتخلصي منه متلوميش نفسك انتي كنتِ خايفة ..خايفة على مستقبله والمشاكل 

اخذت نفس عميق ثم اجابته

- أنا كنت عايزة ليه مستقبل أفضل يتولد بطريقة طبيعية بعيدة عن الألم والمآسي ..

- عموماً إحنا معاكي ومش هنسيبك إن شاء الله لحد ما نجيب حقه

نظرت إليه بعينين يغمرهما الامتنان ،فكلماته أزالت بعضًا من الحمل الكبير الذي كان يثقل صدرها عدّلت من جلستها على سرير الفحص ،ومررت أصابعها فوق بطنها بحنان قبل أن تهمس

- أنا حاسة إني عمري ما هقدر أوصل لحقه .. حقه ده أمر مستحيل مفيش أي حاجة تثبت جوازي من (أشرف) ولا أي ورقة أو دليل .. بس مش مهم هربّي ابني كويس وهفضل أحاول لحد آخر نفس في عمري مش هخليه يحس إنه ناقص عن أي حد

نظر إليها (حازم) نظرة ممزوجة بالإعجاب بقوتها والحزن على معركتها التي تخوضها وحدها ،ثم ابتسم بثقة وهو يقول

- وأنا واثق إنك هتبقي أحن أم في الدنيا يا (رؤى)

نهضت من على سرير الفحص ،واتجهت نحو المكتب لتجمع أغراضها ثم التفتت إليه قبل أن تهمّ بالمغادرة قائلة بابتسامة هادئة

-أنا ماشية

وقف (حازم) على الفور وهو يمد يده نحو معطفه

- طب استني أوصلك .. الوقت اتأخر

لكنها هزت رأسها نافيا برفق ،ثم رسمت على وجهها ابتسامة خفيفة وهي تقول بصوت ناعم لكنه جاد

- كده أحسن أنا مش حابة حد يشوفني معاك طول الوقت بصراحة مش حابة الناس تتكلم عني بأي حاجة مش كويسة .. كفاية إني عايشة في بيتك بس انت عارف أنا وأختي بنتين لوحدنا ده غير إني حامل ومحدش أصلًا يعرف إني كنت متجوزة الموضوع ملغبط ومربك

ظل ينظر إليها للحظات ،ثم هزّ رأسه بتفهم ، يعلم جيدًا أنها على حق ،ويدرك تمامًا أن العالم لا يرحم وأنها تحاول حماية نفسها من ألسنة الناس التي لا ترحم أحدًا فقال بصوت هادئ

- وأنا عمري ما هسمح لحد إنه يجيب سيرتك أصلاً يا (رؤى) .. عموماً اتفضلي وأنا هقفل العيادة وأمشي

ابتسمت له للمرة الأخيرة قبل أن تستدير ،غادرت وهي تشعر بالأمان فى قربه ولا تعلم السبب ربما لأنه يساعدها بدون مقابل ..

❈-❈-❈

فى عصر اليوم التالى ..

انتهت من عملها وامسكت هاتفها وهى مترددة ،تذكرت بالأمس كيف اخذت هاتف شقيقها اثناء نومه ،بحثت عن رقم صديق شقيقها المتوفى ثم قامت بتدوين رقم هاتفه واحتفظت به ،تعلم جيداً انها لو طلبت من (حازم) ان يخبرها بما حدث وهل (حسن) قُتِلَ ولم يمت ميتة طبيعية لن يخبرها بشئ لذا ليس أمامها سوى ان تتحدث مع (حمدى) كى تفهم منه ربما تصرفها خاطئ ولكن لا بديل ..

طلبت رقم (حمدى) ويديها ترتجفان لا تعلم ماذا سيكون رد فعله ولكن ما أن اتاها صوته ،ازدردت لعابها ببطء وكأنها تبتلع مخاوفها معه لم يكن يعلم من المتحدث فى البداية واصابه الملل بأن من معه على الخط لا يتحدث وهم ليغلق الهاتف حتى اخبرته عن نفسها وانها تريد مقابلته لشئ ما مهم ،اندهش (حمدى) من تلك المكالمة ولكنه اخبرها أنه يمكن ان يقابلها الآن بداخل مطعم (...) فوافقته على الفور ..

خرجت من محل عملها ،ثم استقلت سيارة آجرة وفى غضون ربع ساعة ،كانت قد وصلت لذلك المطعم ،جلست على احدى الطاولات تنتظره ،فركت يديها من كثرة التوتر وهى لا تعلم هل سيكون صريح معها أم لا وظلت ترتب افكارها وحديثها الذى ستقوله له ..

دلف داخل المطعم أخيرًا بعض فترة من الوقت لم تكن قليلة ،ثم اتجه نحوها وهو يحيها بإماءة من رأسه ،ثم سألها عن سبب مطلبها لرؤيته ولكن اجتاحها شعور خانق بالرهبة فلا تعلم كيف تبدء الحديث ولكن بالنهاية قالت

- لما كنت عندنا فى البيت وانت كنت مع (حازم) سمعتك وانت بتقول ان (حسن) اتقتل مامتش موتة طبيعية ومكنتش مجرد حادثة عادية

اتسعت عينان (حمدى) من تلك المفاجأة التى لم يكن يتوقعها ،هو لم يكن يريد أن يعلم اى من شقيقة صديقه او والدته شئ كهذا فتابعت هى لتزيد حيرته

- انا لو سألت (حازم) كان هيخترع ليا اجابة وواثقة انه مش هيكون صادق معايا عشان كده اخترت اكلمك انت

تنفس ببطء ،يحاول جمع شتات أفكاره المتناثرة مع كل زفير ثم قال بالأخير

- بصى يا (تقى) اللى اقدر اقولوا ليكى ان (حسن) كان بيحقق فى قضية مهمة جداً وقبل وفاته اتوقف عن العمل بسببها وانا شاكك بنسبة كبيرة انه حادثة موته كانت مدبرة رغم عدم وجود ادلة مادية معايا بس اللى واثق منه انى بفكر كويس ازاى اجيب حقه

حدّقت (تقى) في (حمدي) ،فالكلمات التي قالها للتو ليس من السهل استيعابها ،شعرت برجفة خفيفة تسري في أوصالها وبرودة غريبة تسللّت إلى أطرافها ،قلبها بدأ ينبض بعنف كأنه يوشك على القفز من صدرها ولم تعد متأكدة إن كان ذلك بسبب الخوف أم الغضب أم مزيجًا من الاثنين معًا كانت تتمنى ولو انه يخبرها ان ما سمعته ليس حقيقة ،انها فهمت شئ خاطئ من الحديث الذى دار بينه وبين شقيقها ،انهم كانوا يتحدثون على شخص آخر لما سلبت حياة (حسن) بتلك الطريقة لما يقتل شخص شخص آخر برئ لمجرد أنه يريد ان يثبت الحق لم ،تكن تتخيل ان قصص الأفلام والمسلسلات الذى تراها اصبحت حقيقة أمام عينيها الآن ..

جفلت عيناها وهي تشد قبضتيها على حافة الطاولة أمامها تحاول التمسك بشيء يمنعها من الانهيار، تشعر بأنها ستسقط في هاوية لا نهاية لها ابتلعت ريقها بصعوبة وكأن حلقها أصبح صحراء قاحلة بينما عقلها يحاول جاهدًا أن يستوعب ما قيل لها للتو ..

شعر هو بربكتها وبخوفها ،فقال بنبرة حانية 

- صدقينى انا بفكر فى الموضوع .. بحاول اعرف اوصل للناس دى وهجيب حق (حسن) تالت ومتلت 

شعرت بدموع ساخنة تحرق عينيها لكنها رفضت الاستسلام أمام شخص غريب عنها ،ثم رفعت يدها إلى رأسها تدلك صدغها بقوة في محاولة يائسة لطرد الدوار الذي بدأ يسيطر عليها ثم قالت 

- عن أذنك انا المفروض اروح

شعر بأنها لن تكون مدركة لما حولها فى ذلك التوقيت ،وأنها لن تستطيع أن تذهب للمنزل بمفردها بتلك الحالة

- استنى انا هوصلك

لم تجيبه فهى من الأساس لا تستطيع حتى النهوض من مكانها لذلك لم تجادله كثيراً ،هزت رأسها إيجاباً فى ذلك التوقيت كان احدهم قد آشار ل (حمدى) من على طاولة اخرى ،فانتبه له فكان صديق له فقال بهدوء يستأذن من (تقى)

- ثوانى وجاى هكلم واحد بس على التربيزة اللى هناك وجاى

نهض عن مقعده وتركها ذهب إلى صديقه كى يحيه بينما هى مسحت دموعها التى خانتها ،حتى استمعت إلى صوت هاتفها فاخرجته من الحقيبة الخاصة به ،ووجدت أن المتصل هو (ممتاز) فأجابت على الفور فقد كانت بحاجة ماسة إلى وجوده بجانبها وأن تستمع لصوته ،ويشعرها بالآمان استمع هو إلى صوتها وشعر بأنها ليست على مايرام فسألها

- فى ايه يا (تقى) مال صوتك ؟!

- انا تعبانة اووى يا (ممتاز)

- حصل ايه طيب .. انتى فين طيب ؟!

انتبهت لما حولها وانها لن تستطيع ان تخبره اين هى بالظبط ،لأنها لم تقص عليه شئ مما حدث كما انها تخاف من ردة فعله ان يعرف من انها مع رجل فى مطعم ،ولكنها تعلم جيداً انه سيتفهم الأمر بعد أن يعرف مصيبتها لذا قالت بهدوء

- شوية وهكلمك واحكيلك على كل حاجة 

- بس انا قلقت عليكى فعلا .. طمنينى

فى تلك الأثناء كان قد عاد (حمدى) من مع صديقه ،ثم اخذ هاتفه الذى كان اعلى الطاولة ومفاتيح سيارته وهو يقول

- يلا يا (تقى) عشان اوصلك

رمشت (تقى) عدة مرات من كثرة توترها ،ثم ابتلعت ريقها وهى لا تصدق ثم اشارت ل (حمدى) وهى تضع اصابعها على فمها فيما معنى ان يصمت والا يتحدث ،فى حين كان قد استمع (ممتاز) إلى صوت رجل معها فقال

- انتى مع مين ؟!

- ا.. انا فى البيت .. ده صوت التلفزيون هكلمك هكلمك بعدين

- انتى بتكدبى يا (تقى) ده بيقولك بأسمك

اغلقت (تقى) الهاتف وقد ضربت كف يدها بمقدمة جبهتها فى غيظ فهو لن يمرر ذلك الأمر مرور الكرام ،كان ذلك وسط دهشة (حمدى) الذى جلس مجدداً على المقعد الذى أمامها ثم قال

- فى مشكلة معاكى ؟! حصل ايه ؟!

هزت رأسها نافية فلمح ان هاتفها ينير لينبئها باتصال مجدداً فقرأ اسم المتصل وهو يسألها

- مين (ممتاز) ده ؟!

شعرت بتوتر كبير ثم قامت باخفاء الاسم عنه وهى تقول

- انا عاوزة اروح .. لازم اروح دلوقتى

عقد حاجبيه وهو لا يفهم سر خوفها الذى يراه فى عينيها وهو يقول

- فهمينى يا بنتى فى ايه ؟! ومين ده اللى انتى خايفة منه؟!

فركت يديها الأثنتين فى توتر ثم قالت بخجل

- ده .. ده واحد بيحبنى .. و.. وانا يعنى كمان بحبه 

ثم نظرت فى عينيه فى عجالة رغم خجلها وهى تكمل حديثها

- بس .. بس هو وعدنى انه هيتقدم ليا قريب بس انت عارف الظروف اللى حصلت موت (حسن) الوقت مش مناسب للكلام ده ويعنى وانا لسه مفتحتش ماما أصلًا ولا اخويا ..

ثم نكست رأسها لأسفل مرة آخرى وتابعت

- يعنى .. يعنى لو ممكن متقولوش ل (حازم) الموضوع ده قبل ما اقوله انا عشان ميزعلش منى

نظر (حمدي) إليها مطوّلًا صامتًا ،بينما عقله يحاول استيعاب كلماتها ،لم يكن يتوقع منها أن تُخفي أمرًا كهذا عن عائلتها زفر ببطء وهو يتراجع بظهره على المقعد متأملًا ملامحها المرتبكة ارتعاشة يديها وهي تفركهما بتوتر وتلك النظرة الخجولة التي تهرب بها منه كلما حاول الإمساك بعينيها ..

مرر يده بين خصلات شعره في توتر ثم أسند مرفقيه إلى الطاولة مائلًا للأمام قليلًا نبرته جاءت منخفضة لكنها كانت صارمة

- (تقى) .. انتى مستوعبة ان اللى بتقوليه ده غلط؟!

ارتبكت أكثر أطبقت أصابعها على طرف حقيبتها في إحراج لكنها لم ترد فتابع هو

- مستوعبة انك مخبية على اهلك حاجة زى دى؟! 

صوته كان هادئًا لكنه يحمل في طياته توبيخًا ،حركت شفتيها كأنها توشك على الحديث لكنها آثرت الصمت فقط ،نكست رأسها أكثر تحاول تجنب نظراته التي تخترقها ،زفر (حمدي) مرة أخرى ثم قال بنبرة أقل صرامة لكنها لا تزال جادة

- انتى عارفة انى بحترمك وبحترم خصوصيتك اكيد بس اللى انتى بتعمليه ده مش صح خالص .. 

رفعت رأسها أخيرًا نظرت إليه للحظات بعينين متردّدتين ،لا تستطيع النظر فيهم ، تدرك في أعماقها أنه محق ..

تابع بصوت أكثر هدوءًا محاولًا إيصال فكرته 

- مفيش حاجة اسمها تخبى حاجة زى دى عن اهلك خصوصًا عن اخوكى انا مش هضحك عليكى لو اختى عملت حاجة زى دى مش هبقى هادي معاها خالص .. 

حركت (تقى) شفتيها في محاولة للرد ،لكنها لم تجد ما تقول فقط ،ازدردت ريقها ،تحاول التخلص من تلك الغصة العالقة في حلقها ،فأضاف بصوت أكثر دفئًا أقرب لنبرة الأخ الأكبر الذي يخاف على شقيقته الصغرى

- لو الشخص ده بيحبك بجد مش هيكون عنده مشكلة انه يكون واضح وصريح مع أهلك

شعرت بحرارة الخجل تزحف إلى وجنتيها فخفضت رأسها أكثر تراقب يديها المتشابكتين فوق الطاولة ،أخذت نفسًا متقطعًا ثم قالت بصوت بالكاد يسمع

- انا... انا كنت بس .. الوقت اصله مش مناسب بس انا غلط صح ؟

ابتسم (حمدي) بخفة على رد فعلها ذلك ثم قال 

- مش بقولك انتى غلطانة بس بقولك ان الطريقة اللى انتى ماشية بيها دى هتتعبك أكتر المواجهة أريح بكتير من القلق والخوف

زفرت (تقى) ببطء وأومأت برأسها ،أخيرًا اقتنعت بحديثه حتى لو كانت لا تزال تشعر بالخجل والارتباك فى حين كان هاتفها مازال ينير يخبرها بأتصاله بها فقال (حمدى)

- انا ممكن اكلمه لو فى مشكلة ممكن تحصل بينكوا بسببى

هزت (تقى) رأسها نافية وهى تقول

- لا انا اللى غلطت أصلًا انا اللى مقولتش ليه انى رايحة بعد الشغل اقابلك

هز كتفاه بعدم اقتناع وهو يقول

- انتى أصلًا مش مضطرة تبررى ليه ولا انك تقوليله انك خارجة او داخلة .. ببساطه هو ملوش حكم عليكى

حينها اخذ (حمدى) الهاتف الخاص بها ،فقد استفزه كثرة اتصال (ممتاز) بها على ذلك المنوال واجاب بهدوء وسط دهشة ورعب (تقى) فقال (حمدى) بهدوء

- ايوة يا أستاذ (ممتاز) انا (حمدي) صديق اخو (تقى) وهى كانت فى مطعم مع صحبتها شوفتها بالصدفة ولاقيت ان حالتها مش احسن حاجة وشكلها كان تعبان فقررت اوصلها روحت استأذنت من صحابى اللى كانوا معايا وجيت عشان اوصلها لأنها فعلاً كانت مرهقة

خبئت (تقى) وجهها بكلتا يديها وهى لا تتخيل رد فعل (ممتاز) فى تلك اللحظة الذى كان يعض على شفتاه بغيظ شديد من الغضب لكنه قال بهدوء

- شاكريين افضالك ممكن تقولى عنوانها وانا اجى اوصلها بنفسى

أمسك (حمدي) الهاتف بإحكام وهو يستمع إلى نبرة (ممتاز) الهادئة ظاهريًا ،لكنها كانت تحمل خلفها موجات من الغضب المكتوم رفع حاجبه ساخرًا وهو يرد بنبرة تحمل بعض التهكم

- يعني نسيب البنت تعبانة ومش قادرة تمشي لحد ما حضرتك تتكرم وتيجى توصلها بنفسك؟!

ابتلعت (تقى) ريقها بقلق وهي تراقب وجه (حمدي) الذي ازداد توترًا بينما أكمل حديثه بنفس النبرة الثابتة 

- بص يا أستاذ (ممتاز) أنا حاولت أوضح سوء الفهم ده عشان ميحصلش بينكم مشاكل بسببي لكن واضح إن حضرتك واخد الموضوع ناحية تانية خالص

توقفت أنفاس (تقى) وهي تنتظر رد (ممتاز) ،لكنها لم تسمع سوى صمته على الطرف الآخر فأضاف (حمدي) بنبرة أكثر صرامة

- عموماً مع السلامة دلوقتي ولما (تقى) توصل البيت هتبقى تطمنك إنها وصلت بس بالمناسبة .. لو فعلاً خايف عليها وبتحبها يبقى من الأفضل إنك تكلم أخوها بشكل رسمي بدل ما تفضل تراقب خطواتها بالطريقة دي لأن اللي بيحصل ده ميصحش مع السلامة يا أستاذ (ممتاز)

أغلق الخط قبل أن يتيح له فرصة الرد ،فلم يكن ينتظر إجابة منه اكثر من أن يحذره ان يتمادى فى تلك العلاقة بدون رباط رسمى بينهم ،ثم ألقى الهاتف على الطاولة بغير اكتراث وهو يتنفس بحدة من شدة الغضب بعدها التفت إلى (تقى) التي كانت تحدق به بذهول ثم انفجر قائلاً بضيق

- إيه الكائن ده اللي انتي مرتبطة بيه؟ ده ميتعاشرش دقيقة!

لم تستطع (تقى) السيطرة على نفسها فغطت فمها بكفها وهي تضحك مما زاد استفزازه أكثر فحدجها بنظرة متشككة وهو يعقد ذراعيه أمام صدره

-أنتي بتضحكي؟ بجد؟!

هزت رأسها وهي تحاول تهدئة ضحكتها ،ثم تنهدت قائلة بابتسامة صغيرة

- ما هو ده اللي شدني فيه يا (حمدي) .. شخصية قوية وغيور وكمان غني جدًا ووسيم لدرجة إني كنت فاكرة إنه عمره ما هيبص لوحدة زيي لأني مش من مستواه

قطب (حمدي) حاجبيه ونظر إليها باستغراب ثم أمال رأسه قليلًا وهو يسأل بجدية

- انتي ليه بتقللي من نفسك كده؟ الفلوس مش كل حاجة وبعدين انتي مش قليلة أبداً إخواتك واحد ظابط والتاني دكتور وانتي خريجة حاسبات ومعلومات غير إنك جميلة ومثقفة والف واحد يتمنى واحدة زيك المفروض تكوني فخورة بنفسك وتعرفي كويس إنك كتير عليه مش هو اللي كتير عليكي!

اتسعت عيناها قليلًا من كلماته الصادقة ،ثم تسللت ابتسامة خجولة إلى وجهها وتمتمت بصوت منخفض

- ميرسي أوي ..

أومأ برأسه بابتسامة خفيفة ،ثم اعتدل في جلسته قائلاً بمزاح

- طب يلا عشان أوصلك وابقي كلمي الحوت الأزرق بتاعك ده وطمنيه شكله هيموت من القلق

ضحكت وهي تهز رأسها بالإيجاب ،ثم نهضت معه ليغادرا المطعم ،صعدت إلى السيارة بجواره وظل الصمت بينهما طوال الطريق حتى اقتربا من وجهتها وقبل أن تنزل التفت إليها (حمدي) بجدية قائلاً

- بصي يا (تقى).. موضوع (ممتاز) أوعديني إنك تتكلمي فيه مع (حازم)

نظرت إليه بتردد للحظة ثم أومأت برأسها وهي تقول بهدوء

- حاضر

راقبها وهو يراها تترجل من السيارة متجهة إلى منزلها ثم أطلق زفرة طويلة قبل أن يشدّ على عجلة القيادة ..

❈-❈-❈

مرت الشهور سريعا ..

كانت (تقى) قد تشاجرت مع (ممتاز) بسبب جلوسها مع (حمدى) بمفردها ولكنها وضحت له كل شئ وانها قابلته بسبب أنها علمت بأن شقيقها (حسن) قد تم قتله ولم يمت ميتة طبيعية ،وكانت تريد التأكد من صديق شقيقها لم ترد ان تكذب عليه لأنها تكره الكذب والخداع ولا مبرر ابدأ للكذب خصوصا لو بين الأحباء ،فهدء روعه وحاول أن يقف بجانبها وأن يهون عليها ما سمعته عن شقيقها المقتول ،حاوطها بحبه واهتمامه اللذان لم يظهرا إلا لها وحدها ،لكنّ ذلك لم يكن كافيًا لإخماد الحزن الذي يدور داخلها بمعرفتها حقيقة موت شقيقها ..

 كان يعلم جيداً ان عليه مواجهتها فى القريب بشأن زوجة ابيه وشقيقها وعليها ان تختار صفه ،فهو لم يفعل شئ خاطئ كيف له ان يتخلى عن ثروته من اجل غريبة ومن اجل مولود لم يأتى بعد للحياة لمجرد ان تلك الغريبة تخبره بأنه شقيقه ،كيف عليه ان يضحى بنصيب ثروته التى نماها يوماً بعد يوم حتى لو كان كما يقول الجميع انه منذ الولادة فى فمه ملعقة من إلماس إلا انه حافظ على تلك الثروة ولم يكن يوما مدللًا أو مستهترً بذلك المال كشقيقه الفاشل الذى لا يحافظ على ممتلكاته ويعرض نصيبه للإنهيار يوماً بعد يوم ..

بينما كانت (رؤى) على وشك الولادة ومع ذلك قضيتها التى ستحفظ لها نسب ولدها لم تنل منها شيئاً فبالفعل قد اتى صديق زوجها السابق واخبر الجميع أمام المحكمة انه كان شاهد على عقد زواجها من زوجها الراحل ولكن لم يتوانَ (ممتاز) فى تقديم طعن لتلك الشهادة حيث لا دليل لها ..

 شعرت بأن كل شئ ينهار من حولها ولكن ماذا عليها أن تفعل فهذا بسبب والدها وبسبب تلك الزيجة التى تصفها بأسوء كوابيس حياتها فلم تكن منها أى فائدة سوى خسارة شبابها وروحها وطفل مشرد دون عائلة ،ولولا وقوف (حازم) معها وشقيقتها الصغرى ،لم تكن تعلم ماذا كان عساها ان تفعل ،ربما كانت القت بنفسها فى ماء نهر النيل لتتخلص من كل تلك الهموم التى فوق عاتقها .. ولكن هل حقا كانت ستفعل؟! ام ستكون اضاعت حياتها بالدنيا وحياتها السرمدية فى الآخرة ..

فى حين كانت (رغد) تهتم بصحتها وبجنينها فقط من اجل ان ترى جنينها الشئ المتبقى من ذكرى زواجها السعيد ،فلم تكن تعلم ان الدنيا غدارة بكل ما تعنيه الكلمة ،فلو كانت تعرف ان الحياة قصيرة إلى ذاك الحد لكانت صنعت المزيد والمزيد من الذكريات مع زوجها لكى تتذكرها ،وتستطيع العيش بدونه ،لم يتخلى (حازم) عنها ولو لحظة بل كان يساعدها على تخطى تلك الأزمة وان تتمسك بجنينها اكثر واكثر فهو سيكون ثمرة حبها لزوجها الراحل حتى انها قررت ان تعود إلى شقتها بين الحين والآخر كى تشعر بروح (حسن) حولها تحاوطها فى المنزل الذى شهد على قصة حبهما معا ..

فى حين كان (حمدى) يحاول اقناع اهالى المرضى الذى توفاهم الله بسبب تلك الأدوية الفاسدة بأن يقوموا بمقاضاة تلك الشركة ،كى تتحول تلك القضية لقضية رأى علم وحتى يثأروا من من اهمل فى موت ضحايهم حاول مع هؤلاء الأهالى الكثير والكثير من المرات لم يكن الأمر سهلًا البعض استسلم للحزن واعتبر أن لا جدوى من المواجهة ،فالموتى لن يعودوا والبعض الآخر تملّكه الخوف من الدخول في صراع قانوني مع أصحاب النفوذ لكنه لم يستسلم وواصل محاولاته حتى أقنع أخيرًا أسرتين فقط بالمثول أمام المحكمة لمواجهة أولئك الذين تخلّوا عن إنسانيتهم وتسببوا بقلوبهم الحجرية في رحيل أحبابهم ،حينها شعر (حمدي) بأنه يسير على الطريق الصحيح وأنه بات أقرب للانتقام لصديق عمره الذي دفع حياته ثمنًا لفسادٍ لم يعد السكوت عنه خيارًا ..

يتبع...


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة علا السعدني، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة