رواية جديدة غصات الحب والقدر لعلا السعدني - الفصل 19 - السبت 28/6/2025
قراءة روايةغصات الحب والقدر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية غصات الحب والقدر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة علا السعدني
الفصل التاسع عشر
تم النشر السبت
28/6/2025
كانت (رؤى) تسير بخطوات مرهقة بعد يوم طويل من العمل حقيبتها معلقة على كتفها، وقفت عند موقف الحافلات تنتظر الحافلة بفارغ الصبر ،حيث كانت تشعر بإرهاق شديد كان الهواء البارد يتسلل إلى بشرتها وتشعر بالبرودة تتخلل جسدها ..
على الجانب الآخر خرج (حازم) من العقار الخاص بالعيادة الخاصة به، واتجه نحو سيارته، ثم استقلها وقبل ان يدير مقود السيارة توقف للحظة حيث وقعت عيناه عليها هناك واقفة بمفردها كعادتها، مؤخرًا شعر بإنه يفتقد وجودها وحديثها معه، كان يعلم جيدا أنه باتت هناك مشاعر لها داخله تنمو يوما بعد يوم، لا يعلم كيف حدث له ذلك ولكن حدث، لقد اصبحت تشغل حيز كبيرا داخل قلبه وعقله وكيانه حتى انه لم يعد يستطيع انكار ذلك بعد الآن ..
لم يفكر كثيرًا قرر أن يفعل شيئًا كى ينعم بإن يكون جوارها ولو للحظات، فتح باب السيارة وترجل منها ثم أغلق باب سيارته واستدار متجهًا نحو الحافلة التي كانت (رؤى) تنتظرها، عندما صعد تحرك مباشرة وجلس بجوارها ..
استدارت ببطء لتنظر له بدهشة وهي تراه يجلس بجوارها في صمت، رفعت حاجبيها قليلًا وكأنها تنتظر تفسيرًا لكنه لم يقل شئ منه، فنطقت بصوت هادئ يحمل اندهشا
- في إيه؟!
نظر إليها للحظة، ثم أشاح ببصره بعيدًا قبل أن يجيب بنبرة خالية من الصدق لكنه تعمد أن يبدو طبيعيًا
- أصل العربية عطلت قلت أروح معاكي
عقدت حاجبيها وكأنها تحاول أن تستعب ما يحدث قبل أن ترد بسخرية خفيفة
- بقت تعطل كتير اليومين دول!
تردد للحظة ولكنه ابتلع ريقه ثم أكمل تمثيله وقال وهو يهز كتفيه
- آه .. لازم أشوف ليَّ عربية تانية بقى
ابتسمت قليلاً لكنها لم تعقب، أدارت وجهها ناحية النافذة تراقب الطريق في صمت، لكن (حازم) لم يعجبه ذلك الصمت، فلقد جاء ليتحدث معها يفتقد حديثه معها فسألها
- (نوح) عامل إيه؟ وحشني أوي
التفتت إليه، وظهر على وجهها ابتسامة صغيرة لتجيبه
- تعرف .. أنا ساعات بحس إنه متعلق بيك لما بتكون شايله بيبقى ساكت وهادى ومش بيعيط خالص مع إنه بيعيط مع أي حد تاني
ابتسم بدوره لكنه لم يعلق، فقط شعر بالسعادة فهو حقا يهتم لأمرها هى وابنها، مرت لحظات من الصمت قبل أن يتحدث مجددًا هذه المرة بنبرة أكثر جدية
- الجلسة أول الشهر إن شاء الله وبإذن الله هتعرفي تثبتي نسب الطفل المرة دي
أخفضت نظرها قليلًا، ثم زفرَت أنفاسها في تنهيدة طويلة كأنها تحاول أن تطرد من صدرها كل القلق الذي سكنه منذ أن بدأت هذه القضية
- أنا فعلًا مش يهمني في القضية دي كلها غير إنه يكون ليه اسم ولما يكبر ميحسش إنه أقل من غيره .. أو مختلف عن غيره
نظر إليها بحنان ثم قال بثقة
- متقلقيش .. هيحصل إن شاء الله
رفعت رأسها إليه شعرت بامتنان له قبل أن تقول بجدية
- أنا مش عارفة .. لولا وجودك في حياتي كنت عملت إيه إنت أكتر واحد بيساعدني بدون أي مقابل ومش عارفة إزاي أسدد دين واحد من اللي بتعمله معايا
ابتسم ابتسامة واسعة، شغر بأن وجوده مهم في حياتها، فلو لم تكن مهمة لما اهتم بها منذ البداية نظر إليها لوهلة ثم قال بصوت هادئ
- إحنا مفيش بينا دين إنتي شخص مهم في حياتي ولازم تبقي عارفة ده كويس
ابتسمت وهى تشعر بالراحة فهى حقا ممتنة لوجوده فى حياتها ثم قالت فجأة كأنها تتذكر شيئًا
- تعرف .. أنا حكيت لخالتو عليك كتير جدًا مانا بقيت على اتصال بيها حتى هي جاية تزورني يوم الجمعة هي و(سيف) .. مبسوطة أوي بقالى سنين مشوفتهاش وهي كانت زي أمي .. وساعة جوازي اتكلمت مع بابا كتير إنه المفروض ميجوزنيش في السن ده بس بابا مكنش شايف غير الفلوس وبس
توقف عقله عند جملة واحدة فقط بإن (سيف) سيقوم بزيارتها شعر بانقباض غريب في صدره، شعر بوغزة فى صدره، لم يكن منتبهًا لبقية حديثها عقله كان عالقًا في فكرة واحدة .. (سيف)؟!
حاول أن يبدو عاديًا لكنه سألها مباشرة بصوت بدا أكثر حدة مما يقصد
- وإنتي بقى بتكلمي (سيف) باستمرار؟
نظرت إليه باندهاش، ثم عقدت حاجبيها وكأنها تحاول فهم سبب سؤاله
- آه .. بكلمه في حاجة؟
لم يجب ظل صامتًا، حاول أن يبتلع الضيق الذي بدأ يزحف إلى داخله منذ متى وهي على تواصل مع (سيف) بهذا الشكل؟ لماذا لم يخطر بباله هذا الاحتمال من قبل؟! هل (سيف) كان حبها الأول؟ هل هي تحبه الآن؟!
لم يستطع التفكير بوضوح، فقط ظل صامتًا حتى توقفت الحافلة فنهضا معًا كان يمشي بجوارها لكنه لم يكن معها حقًا .. كان في مكان آخر محاصرًا بأسئلته ..
عندما اقتربا من المنزل استدارت إليه وكانت نظراتها متفحصة إياه
- أنا حاسة إنك متغير الفترة دي .. في حاجة مضايقاك؟!
حاول أن يستعيد توازنه أن يخفي اضطرابه أجابها بسرعة وكأنه يتهرب
- لا خالص .. أنا كويس جدًا
لكنها لم تصدقه شعرت أن هناك شيئًا لم يبح به بعد لكنها لم ترد أن تضغط عليه أكثر ..
وصل كل منهما إلى المنزل توقف للحظة ينظر إليها، بينما تصعد هى إلى شقتها ثم زفر أنفاسه ببطء ..
دخل إلى شقته وأغلق الباب خلفه لكنه لم يتحرك ظل واقفًا ظهره مستند إلى الباب عينيه معلقتان على الفراغ ..
فكرة واحدة لم تفارقه .. ماذا لو كانت تحب (سيف)؟!
❈-❈-❈
مرت الأيام سريعا ..
كان (حازم) يعلم جيدًا أن اليوم سيزور (سيف) (رؤى) ومنذ الصباح وهو يشعر بتوتر، يجوب غرفته ذهابًا وإيابًا ثم يقف في شرفته يراقب الطريق، حتى رآه أخيرًا ينزل من سيارة أجرة برفقة سيدة كبيرة في السن بالتأكيد هى خالة (رؤى) شعر بشيء ما في داخله ازداد ضيقًا، فكرة أنهما سيجلسان معًا بمفردهما يتبادلان الحديث يضحكان ربما يستعيدان ذكريات قديمة .. كل هذا كان كافيًا ليشعر بضيق يكتم على أنفاسه ..
أخذ نفسًا عميقًا محاولًا دفع هذه الأفكار بعيدًا، ولكنه لم يستطع التركيز على أي شيء آخر، حتى انه امسك هاتفه ليتصفح مواقع التواصل الأجتماعى لكن لم يكن ذلك كافيًا لإلهائه كان كل ما يدور في رأسه أنهم يجلسون الآن سويًا وربما (سيف) ينظر إليها بتلك النظرات التي يكرهها ..
لم يستطع المقاومة أكثر فنهض من مكانه، وذهب إلى غرفة شقيقته (تقى) دافعًا الباب بخفة بعد ان استأذن بالدخول وسمع اذنها له، ثم قال بصوت بدا هادئًا لكنه يحمل توترًا داخليًا
- (تقى) ممكن تنزلي عند (رؤى) شوية؟
نظرت (تقى) إليه باندهاش مستشعرة أن هناك شيئًا غريبًا في نبرته لتجيب وهي تعقد حاجبيها
- مش فاهمة .. أنزل ليه؟
ابتلع (حازم) ريقه سريعًا محاولًا إيجاد مبرر، ثم قال
- يعني انتي صاحبة (جود) ده اللى اعرفه .. اصل (رؤى) جاى ليها خالتها النهاردة وابن خالتها (سيف) وده لازقة اووووى بيفضل لازق فى (رؤى) مش عاوز يسيبها تقدري تنزلي تشوفيهم فانتى تقدرى تنزلى بما انك صاحبة (جود) لكن انا مش هينفع انزل
نظرت إليه (تقى) بتمعن، ثم ضيقت عينيها قليلاً قبل أن تقول بمكر
- (حازم) أنت عاوزني أتجسس على (رؤى)؟!
توتر (حازم) للحظة لكنه سارع بإخفاء ارتباكه، قائلًا وهو يمرر يده في شعره بحركة عصبية
- إيه اللي بتقوليه ده يا (تقى)؟! أنا بس شايف إن (سيف) ده لازق فيها زيادة عن اللزوم .. مش عاجبني أسلوبه فكنت عاوز أعرف هو بيضايقها ولا لأ
رفعت (تقى) حاجبها بتساؤل ثم ابتسمت بمكر واضح وهي تقول
- طب هو انت مالك أصلًا؟!
عض (حازم) شفتيه بغيظ ثم زفر بضيق وهو يشيح بوجهه قائلًا
- أنا عارف إنك مش هتنفعيني بحاجة .. أنا غلطان أصلاً إني لجأت ليكي!
لم تهتم بكلماته بل اقتربت منه وهي تبتسم وكأنها استوعبت الأمر
- هو أنت مهتم ب(رؤى) ولا حاجة!
تجمد في مكانه للحظات، قبل أن يمرر يده مجددًا في شعره البني مترددًا يعترف أم ينكر ثم قال بصوت خافت
- بقولك إيه .. انسي اللي قولتهولك مفيش حاجة أصلاً
ليست غبية لقد قرأت ما لم يقله في عينيه، لم تجادله بل اكتفت بالابتسام وهي تقول بخبث
- ولا يهمك أنا فاهمة .. وهشوف شغلي كويس متقلقش!
حينها شعر هو بسعادة ونهض ليترك لها الغرفة، فبدلت هى ملابسها ثم خرجت من الغرفة وهي تشعر بسعادة غير عادية فقد رأت في عيني شقيقها شيئًا لم تره منذ أن كان مع (رانيا) ..
صعدت (تقى) إلى منزل (رؤى) وحين فتحت لها (جود) الباب رحبت بها بحفاوة لكن (تقى) تظاهرت بالمفاجأة حين وجدت ناس لم تراهم من قبل بداخل المنزل وقالت
- ايه ده .. انتوا عندكم ضيوف؟! هبقى اجي في وقت تاني بقى ..
أصرّت (جود) على دخولها قائلة
- تعالى يا بنتى انتي مش غريبة دول خالتي وابن خالتي!
عند تلك اللحظة وقعت عينا (تقى) على (رؤى) التي كانت تقف وهي تحمل (نوح)، بينما (سيف) اقترب منها وهو مبتسم قائلاً
- ممكن أشيله؟
ابتسمت (رؤى) وقالت ببساطة
- طبعًا خده
فى حين قالت (تقى) ل (جود)
- أنا كنت جاية ألعب مع (نوح) شوية هروح أخده من مامته
أومأت (جود) لها بالموافقة، فتوجهت (تقى) نحو (رؤى) و (سيف) الذى كان يحمل الصغير الذى كان صامتا لبرهة بعدها بدأ فى البكاء فاقتربت (تقى) من (سيف) وهى تقول
- اصل (نوح) بس مش متعود عليك .. ممكن تدهونى انا هسكته
نظر إليها (سيف) باندهاش قبل أن يعطيها الطفل، وما إن حملته (تقى) حتى أخذت تهدهده قائلة بمكر
- شفت مش بيرتاح غير معايا أنا و(جود) و(رؤى) .. و(حازم) بس!
كان قولها الأخير به غرابة شديدة وكأنها تقصد ما تقوله حينها شعرت (رؤى) بغرابة جعلتها ترمش ببطء، قبل أن تنظر له (سيف) الذي بدا عليه الضيق للمرة الأولى، منذ بداية اللقاء و(رؤى) بدأت تلاحظ شيئًا غريبًا .. لماذا تشعر أن أسلوب (تقى) مع (سيف) يشبه أسلوب (حازم) معه تمامًا؟ حتى نظرات (تقى) لابن خالتها نفس نظرات شقيقها له ..
ومع مرور الوقت كلما حاول (سيف) الجلوس مع (رؤى) على انفراد، كانت (تقى) تظهر فجأة تتدخل بأي حديث وكأنها مصممة ألا تجعله يقترب منها، حتى شعرت (رؤى) بأنه يوجد شئ غير طبيعى فى معاملة (تقى) ل (سيف) حتى انه يبدو وأن احد اخبرها ان تفسد اى محاولة للحديث بينها وبين (سيف) ومن سيكون غيره (حازم)!!! ..
في النهاية بعد انتهاء الزيارة وقفت (رؤى) عند الباب تودّع خالتها و(سيف) بينما (تقى) بقيت قليلًا ثم غادرت هي الأخرى ..
عادت (تقى) إلى منزلها واتجهت مباشرة إلى غرفة (حازم)، الذي كان يجلس على فراشه شارد الذهن يفكر بأن (سيف) ينعم بوجودها معه طيلة ذلك الوقت، وهو لا يستطيع فعل شئ لتفريقهم يشعر بغيرة شديدة تنهش قلبه، فهو لا يريد من احد ان يقترب منها او يتحدث معاها حتى وجد (تقى) تدخل غرفته وهى تقول
- معاك حق الولد لازق فيها أوي!
رفع رأسه بسرعة وحدّق فيها ثم زفر بضيق وهو يسألها
- عمل ايه البارد ده ؟!
- كان باين عليه إنه بيحبها بجد
شعر بشيء غريب في صدره شيء أشبه بوخزة لكنها مؤلمة، لم يكن يريد سماع هذه الكلمات حتى لو كان يعلمها مسبقًا ،فهو يرى أن ابن خالتها هو انسب شخص لها فهو شاب فى نفس سنها وقريب لها عاشت طفولتها معه يستطيع ان يعوضها عن ألم ومرار الزيجة الأولى الذى عاشته ..
ظل صامتًا يفكر بأن (سيف) هو انسب شخص لها مقارنة به
- سرحت فين؟
اخرجته شقيقته من دوامة افكاره، فهزّ رأسه بالنفي وهو يقول بفتور
- لا مفيش معاكى
حينها رن هاتفه نظر إلى الشاشة فوجد اسمها ينير شاشة هاتفه ..
تجمد للحظة فهى غير معتادة على الأتصال به، لاحظت (تقى) نظراته المذهولة بعد أن قرئت اسمها على شاشة الهاتف وقالت بمكر
- هسيبك انا بقى؟
غادرت قبل أن يتمكن من الرد ليضغط هو على زر الإجابة بصوت هادئ
- (رؤى)؟
سألته بهدوء
- اتصلت بيك في وقت مش مناسب؟
- لا خالص .. انتى تتصلى فى اى وقت
ساد الصمت للحظة قبل أن تقول بتردد
- التقديمات بتاعت الكليات قربت وانت وعدتني إنك هتساعدني .. صح؟
ابتسم قليلًا مجيبًا بثقة
- طبعًا كنت هكلمك فى الموضوع ده فعلًا
ابتسمت بدورها ثم قالت بعفوية
- على فكرة كنت بكلم (سيف) فى التليفون وقولتله انه نفسى ادخل كلية حقوق فلما جاه هو وخالتو جاب لي كتب كتير عن القانون .. عشان أقرأ
شعر بالغيرة تفتك مشاعره فسألها بنبرة غير واعية
- وهو على طول بيكلمك في التليفون؟
-أيوة احنا زمان كنا قريبين جدًا .. اللي فرقنا بس هو جوازي من (أشرف)
قبض على يده بضيق، فى حين كانت تريد طمأنته ولا تعلم السبب، هى اصبحت تعلم أنه يهتم لأمرها ورغم انها لا تبادله نفس الشعور تماما، لكنها شعرت أن عليها أن تقول له الحقيقة حتى لا يشعر بالضيق دون داعى
- بس أنا دايمًا كنت بشوفه زي أخويا
كلمتها هدّأت شيئًا في داخله شعر بالدماء تعود إلى وجهه والحيوية تجتاحه، دماءه عادت إلى التدفق بشكل طبيعي، فسألها دون أن يشعر
- بجد؟
ابتسمت وهي تجيب
- أيوة
- بس هو مش شايفك كأخته
صمتت قليلًا قبل أن تقول
- المهم أنا شايفاه إزاي .. مش هو شايفني إزاي .. مش كده برده؟
ابتسم أخيرًا وشعر بالراحة فحقا أنها لا ترى ابن خالتها كحبيب، فذاك ما كان يود التأكد منه وتأكد منه دون حتى سؤالها، بينما هى ابتسمت لأن شعوره بالراحة تسلل إليها، وقد كان ذلك هو سبب اتصالها الفعلى صحيح أنها لا تبحث عن حب او عن زيجة ثانية بل انها غير مستعدة لأى زيجة، ولكن ان تشعر بحزنه هذا ما لم تتخيله، كان عليها ان توضح له الأمور حتى لا يسئ فهم الأمور .. لما تهتم بمشاعره لا تعرف ولكن كل ما تعلمه انه كان عليها ان تفعل ..
❈-❈-❈
تعاقبت الأيام دون أن يدرك أحد كيف مضت حتى أنه تمت ولادة (رغد)، وقد انجبت ولد اسمته (عمر) وكان (حازم) ووالداته وشقيقته يزورنها بإستمرار، كى يطمئنوا على الطفل الذى تركه (حسن) كذكرى له تعيش معهم بعد شهور حرمان من وجوده، ولدت بذرته بالحياة تعلقت والدة (حازم) به بشدة لأن حتى ملامح الطفل تشبه ابنها التى حرمت منه الشهور الماضية، كما حين احتضن (حازم) الطفل بين ذراعيه، اجتاحه شعور غريب من التناقضات كان صغيرًا ينبض بالحياة، لكن في ملامحه البريئة رأى أخيه الراحل، تأمل ملامحه الصغيرة وابتلع غصته بصمت يدرك أن هذا الصغير سيحمل اسم أبيه لكنه لن يعرفه أبدًا ولكنه قرر بينه وبين نفسه ان يعوضه عن فقدان الأب ولن يجعله يشعر انه دون أب طالما هو حى على وجه الأرض ..
حتى أن (تقى) تعلقت بوجوده وذكرها بشقيقها الراحل من الدنيا الحاضر فى قلبها، حتى أنها شعرت بأن (رغد) قد تغيرت كثيرا عن ما سبق، وقد بدئت تتعامل معها بحنان وذوق عن زى قبل، واخبرتها انه عندما تستعيد صحتها ستأتى لتعيش فى منزلها حتى يكون الصغير فى احضان اهل والده ولا يحرم منهم كما حرم من وجود والده ..
اما بخصوص قضية (رؤى) عرض (تميم) أمام القاضي مقطع الفيديو الذي حصل عليه حديثًا، المقطع الذي قلب مسار القضية رأسًا على عقب، ظهرت الصورة واضحة على الشاشة الكبيرة أمام الجميع حيث كان المأذون يتلو صيغة الزواج و(أشرف الصاوي) يرددها بحضور والد (رؤى) والشهود فيما كانت (رؤى) تجلس هناك ..
حينها شعر (ممتاز) بالغضب، كيف وصلت (رؤى) إلى هذا الفيديو؟ ومن أعطاها إياه؟ لم يكن هناك أي أثر لعقد الزواج وكان متأكدًا أن لا شيء يمكن أن يثبت زواجها من والده الراحل لكن الآن .. الآن ظهر هذا الدليل القاطع الذى سيغير مجرى القضية تماما ..
فى حين (عاصم) المحامي الخاص ب (ممتاز) حاول أن يجد ثغرة أي ثغرة يمكن التمسك بها أخبر القاضي مشيرًا إلى أن (رؤى) كانت قاصرًا وقت عقد الزواج وأن هذا وحده يثير تساؤلات حول قانونية العقد حتى لو كان موثّقًا بالفيديو ثم أشار إلى احتمالية الطعن في صحة المقطع نفسه مدعيًا أن التكنولوجيا الحديثة تتيح التلاعب بالفيديوهات وأنه لا يوجد أي إثبات رسمي غير ذلك المقطع ..
لكن (تميم) لم يتفاجئ، كان مستعدًا لكل تلك الحجج الواهية بل هذا ما كان ينتظره منه، ولم يتأثر بل أدرك أن تلك المعركة القانونية قد حُسمت لصالحهم بالفعل وكل ما سيحاول فعله من طعون أو تأجيل لن يكون سوى محاولة يائسة لإطالة أمد القضية ..
على الطرف الآخر كانت (رؤى) أول مرة منذ شهور تشعر بهذا الكم من الاطمئنان وكأن جبلًا ثقيلًا كان يضغط على صدرها قد بدأ أخيرًا في الزوال ..
❈-❈-❈
في تلك احدى الليالى ..
جلست والدة (حازم) في المطبخ تراقب بخار القهوة المتصاعد من فنجانين اللذين أعدّتهما فهى تنوى اختلاق حديث مع ابنها، تعرف جيدًا أنه لن يوافق، التقطت الكوبين داخل الصينية، واتجهت نحو غرفة (حازم) ..
دفعت الباب برفق فوجدته جالسًا على مكتبه، فتح عينيه فور أن شعر بوجودها، ليلمح القهوة في يدها فابتسم رغم الإرهاق الواضح على ملامحه
- كأنك بتحسي بيا يا ماما أنا فعلًا كنت محتاج القهوة دى
بادلت ابتسامته بأخرى، وضعت الفنجان أمامه، ثم جلست على المقعد المقابل لمكتبه، تستعد لحديث تعلم أنه قد يكون صعبًا، أخذت رشفة صغيرة من قهوتها قبل أن تقول
- وأنا كنت محتاجة أتكلم معاك شوية
رفع حاجبيه قليلًا متسائلًا
- خير في حاجة؟
زفرت بهدوء كأنها تجمع أفكارها، فهي تعرف أن ما ستقوله قد لا يعجب ابنها لكنه ضروري، وربما يُغيّر الكثير فى حياته نظرت إليه، قبل أن تقول بهدوء
- أنا شايفة بعد ما (رغد) خلفت .. ابنها ده إحنا أولى بيه .. وطبعًا مش هينفع نحرمه من حضن أمه بس ..
قطّب (حازم) حاجبيه بانزعاج ولم يمهلها فرصة لإكمال حديثها قبل أن يسأل باستغراب
- مش فاهم يا ماما .. تقصدي إيه؟
ترددت للحظة ثم قالت بنبرة جادة
- بص يا (حازم) (رغد) لسه صغيرة ومش هتعيش على ذكرى (حسن) طول العمر .. هي شابة ومن حقها تتجوز وأنا شايفة إنك ممكن تتجوزها
اتسعت عينا (حازم) على الفور وكأن كلماتها الأخيرة نزلت عليه كالصاعقة، ظل محدقًا بها في ذهول تام غير مصدق لما يسمعه، بينما هي رغم إدراكها لصدمته لم تتراجع بل تابعت حديثها
- العلاقة دي مفيدة ليك ولها من كل الجوانب يا ابني أنت مش بس عم الولد أنت هتبقى أحنّ عليه من أي حد غريب وفي نفس الوقت الولد هيتربى في حضننا مش هيحس بفقدان أبوه لأنك هتبقى أقرب حد ليه
لم يستطع استيعاب الفكرة ولا استساغها، مرر يده في شعره بارتباك ثم قال بنبرة غير مصدقة
- إيه اللي بتقوليه ده يا ماما؟ ده مستحيل! أنتِ عارفة كويس إني مش بفكر في الجواز وفكرة الجواز بالنسبة لي مستحيلة
لكنه لم يكد يُكمل جملته حتى قاطعته والدته بضيق
- بطل هبل يا (حازم)! إنت مفكّش حاجة ومش معنى إن تجربة واحدة فشلت يبقى تحكم على حياتك كلها بالإعدام
توقّف في مكانه كانت نبرتها تحمل عتابا لكنه لم يستطع الرد فورًا فتابعت
- أنا فكرت في الموضوع كويس قبل ما أكلمك كمان شفت نظرات (رغد) ليك آخر مرة كانت مرتاحة وسعيدة بقربك منها ومن ابنها .. إنت مش غريب عنهم وهي كمان مش هتفضل عازبة طول عمرها ما تنساش إنها لسه صغيرة ومن حقها تعيش حياتها وبعدين ابنها .. ابنها محتاج يكون وسط أب وأم بيحبوا بعض وفى بيئة كويسة
استمع (حازم) لحديثها، لكنه لم يكن قادرًا على استيعاب الأمر ،ابتلع ريقه بصعوبة واضيقت عيناه كمن يحاول فهم ما لا يمكن فهمه، كيف لأمه أن تقترح عليه أمرًا كهذا؟ كيف له أن يُفكر في الزواج مرة أخرى؟ كيف له أن ينظر إلى (رغد) بهذا الشكل؟ فهو لم ولن يراها إلا زوجة شقيقه الراحل ..
رأته غارقًا في صمته فنهضت من مكانها ثم اقترب منه ووضعت يدها على كتفه بلطف وقالت بصوت خافت
- فكر في كلامي كويس يا (حازم) .. أنا قلت لك لأنه في مصلحة الجميع
ثم نهضت، تاركة إياه غارقًا في أفكاره المتشابكة نظر إلى الباب بعدما أُغلق خلفها، ثم حدّق في فنجان القهوة أمامه لم يعد يعلم إن كان طعمها مرًا بفعل القهوة نفسها .. أم بفعل الأفكار التي زرعتها والدته في رأسه ..
❈-❈-❈
داخل عقل (ممتاز) كان الكثير من الأفكار تتصارع بعنف، يدرك جيدًا أن علاقته بـ(تقى) باتت على وشك الانهيار ولم يعد هناك مجال للهروب أو التهرب كل الأعذار التي كان يختبئ خلفها صارت بلا قيمة، لم يعد هناك مماطلة، لم يعد هناك ما يمنعه من مواجهة شقيقها للحديث عن الارتباط الرسمي بينهم لكنه يعرف أن ما يخفيه قد يكون كفيلًا بإنهاء كل شيء ..
فزوجة ابيه على وشك الانتصار بالقضية التي حارب بكل قوته كى يجعلها تخسرها، أصبحت النهاية شبه محسومة لصالحها، الحقيقة التي حاول طمسها ستظهر قريبًا ومعها سينكشف كل شيء بما في ذلك علاقته بـ(تقى) لم يعد أمامه سوى خيار واحد أن يصارحها قبل أن تعرف الحقيقة من غيره ..
التقط هاتفه بيد مرتجفة، مرر أصابعه فوق شاشة الاتصال ثم ضغط على اسمها رنّ الهاتف لثوانٍ حتى اجابت، فطلب منها أن تقابله لأمر ضرورى، رفضت فى البداية واخبرته أنها ليست معتادة على الخروج معه بمفردهم، لأنه لا يوجد أى صلة تربطهم الآن، ولكن مع اصراره شعرت بغرابة من نبرة صوته وأنه يوجد امر ضرورى يريد التحدث فيه، فرضخت لمطلبه واتفقا على المقابلة بعد ساعة ..
بعد مرور بعضا من الوقت في أحد المطاعم، جلست (تقى) أمامه تراقبه بأعين مليئة بالتساؤلات كانت ملامحه شاردة، بد وكأنه يحمل جبلًا فوق كاهله لم يكن (ممتاز) الذي تعرفه هناك شيء ما ليس على ما يرام ..
انتظرت قليلًا لكنه لم يتحدث، فقط كان يحدق في فنجان قهوته كأن الكلمات تخونه، شعرت بالقلق أكثر فحركت يدها قليلًا على الطاولة وقالت بصوت هادئ
- مالك يا (ممتاز)؟ فيك حاجة؟
رفع نظره إليها ببطء وكأنه يجمع شتات نفسه فرك يديه بتوتر ،وأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يقول بصوت متردد
- (تقى) .. أنا عاوزك تفهميني كويس قبل ما تحكمي على أي حاجة .. عاوزك تسمعيني للآخر
ازدادت ضربات قلبها شيء ما في نبرته جعلها تدرك أن هناك شئ سئ على وشك قوله، عقدت حاجبيها في قلق وقالت بقلق
- (ممتاز) اتكلم في إيه؟ قلقتني!
أغمض عينيه للحظة وكأنه يحاول استجماع شجاعته ثم فتحهما ونظر إليها مباشرة وصوته جاء أثقل مما توقعت
- (رؤى) .. جارتك اللي بتحكي لي عنها دايمًا واللي كنت بمنعك تتكلمي معاها..
توقّف وكأن الكلمات علقت في حلقه رأت في عينيه صراعًا لم تفهمه، لكنها شعرت أن ما سيقوله سيكون صادمًا انتظرت لحظة لكنه ظل صامتًا ..
حركت يدها ببطء فوق الطاولة وكأنها تحثه على الكلام ثم قالت بصوت خافت
- كمّل يا (ممتاز)
رفع عينيه إليها تردده تحول إلى استسلام ثم قال بصوت خافت لكنه سقط عليها كالصاعقة
- (رؤى) .. تبقى مرات أبويا
يتبع...
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة علا السعدني، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية