رواية جديدة غصات الحب والقدر لعلا السعدني - الفصل 11 - الأحد 1/6/2025
قراءة روايةغصات الحب والقدر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية غصات الحب والقدر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة علا السعدني
الفصل الحادي عشر
تم النشر الأحد
1/6/2025
داخل كافتيريا هادئة في أحد الشوارع الجانبية الإضاءة خافتة ،كان يجلس على طاولة في الزاوية يراقب المدخل منتظر قدوم ذلك الصحفى أمامه كوب قهوة لم يلمسه وأوراق موضوعة على الطاولة ،كان عقله لم يكن هنا بل كان يعيد ترتيب أفكاره للمرة العاشرة يحاول توقع رد فعل الصحفي هل سيخاف؟ هل سينشر القصة؟ هل سيخذله؟ ..
لم يمضِ الكثير من الوقت حتى دخل ذلك الصحفي، كان شابًا في أواخر الثلاثينات يرتدي سترة رمادية تحته تيشيرت ابيض وبنطال أسود بحث بعينياه عن (حسن) وهو يلقى نظرة سريعة حول المكان وما أن وجده اتجه نحوه وجلس أمامه بهدوء ..
تبادلا التحية معا ،وبعدها سأله ذلك الصحفى عن سبب تلك المقابلة حينها اخذ (حسن) نفسا عميقا ثم رفع تلك الأوراق الموضوعة على الطاولة ليضعها أمام ذلك الصحفى وهو يقول
- بص يا (أيمن) دي معلومات مهمة جدا عن أسماء أدوية تقارير طبية وحالات ناس اتدمرت .. وفى ناس ماتوا بسبب الأدوية دى وناس لسه بتموت بالبطيء
أخذ الصحفي الأوراق وبدأ يقلب فيها بعناية تجهم وجهه قليلًا وهو يمرّ على بعض الأسماء ثم توقف عند إحدى الحالات ،نظراته امتلأت بالتردد وهو يعرف جيدا أن ما هو مقدم عليه ليس امر سهل بالمرة لذا اجابه (أيمن) بصوت منخفض
- الموضوع كبير يا باشا ولو نشرنا حاجة غلط ممكن نلاقي نفسنا في مشكلة كبيرة
نظر (حسن) إليه بحدة ،وتحدث بثقة أنه غيره يتمنى تلك الفرصة التى اتاحها له
- لو مش قدّها ممكن أدي المعلومات لحد تاني يكون عنده جرأة أكتر
تصلب الصحفي في مكانه ،نظر مجددًا إلى الأوراق ثم زفر ببطء ،يفكر فى عواقب قراره ،بعد لحظات من الصمت رفع عينيه إلى (حسن) وقال بحسم
- خلاص أنا هتصرف وهعمل اللي قولت عليه
ابتسم (حسن) لأول مرة منذ أيام ،يشعر بانتصار ولو قليلا ،أنهى الصحفي حديثه وأخذ الأوراق ثم نهض واستعد للمغادرة وبينما كان ينصرف دخل (حمدي) إلى الكافتيريا ،لمح الصحفي وهو يمر بجواره، فتبادل معه نظرة قصيرة متسائلة فقد رأئه ينهض للتو من طاولة (حسن) فتوجه نحو (حسن) الذي كان يراقبه منذ لحظة دخوله فقال (حمدى) بعبوس
- إيه الصحفي ده كان بيعمل ايه معاك؟
أشار (حسن) إلى المقعد المقابل له منتظرًا أن يجلس (حمدي) قبل أن يجيبه ،ما إن جلس حتى بدأ يسرد له كل شيء يقرر فعله ،نحو تلك الشركة شركة الأدوية الفاسدة وسبب لقائه مع ذلك الصحفي ،كل ما يريده هو فضح تلك الشركة لكن زاد عبوس (حمدي) من حديثه الذى قال بغضب مكبوت
- كنت فاكر إن اللي حصل خلاك تعقل لكن واضح إنك مجنون ومش هتعقل أبدًا!
نظر إليه (حسن) بثبات غير عابئ بكلماته تلك واجابه بثقة متناهية
- أنا عارف أنا بعمل إيه كويس
هزّ (حمدي) رأسه بيأس وهو يعلم أن صديقه وما يفعله ذلك قد يضر مستقبله ،فحاول تغير مجرى الحديث وهو يقول
- انت طلبت تقابلنى عشان كده؟!
فاجابه (حسن)
- ايوة .. كنت عاوز اخد رأيك فى اللى بعمله ولو احتجت منك مساعدة متأكد انك هتعملها مش كده؟!
حينها نظر (حمدى) إليه وهو يحمل المزيد من التوتر ،فلا يعرف حقا هل عليه مساعدة ذلك المجنون ام عليه تجنبه الفترة القادمة بسبب افعاله تلك الغير مسؤولة التى قد تعرضه للأذى ،ولكنه فى النهاية هز رأسه على مضض وهو لا يشعر براحة ابدا بما يقوم به صديقه ..
تبادلا اطراف الحديث فى امور شتى كعادتهم بعدها توجه كلا واحدا منهم نحو منزله ،وصل (حسن) للمنزل وهو يفكر جيدا فى الخطوة التالية التى سيقوم بها حينها ،وجد (رغد) تحمل كوب من الشاى وهمت لتجلس على اقرب أريكة لولا انها نظرت له بغرابة شديدة فهو لم يذهب للعمل فى الأيام الماضية ،وخرج فى منتصف النهار وعاد فى وقت متأخر قليلا على غير عادته ،لذا قالت بتساؤل وهي تضع كوب الشاي على الطاولة
- إنت مبقتش تروح الشغل ليه؟ ولا واخد أجازة ولا إيه الحكاية؟
نظر إليها (حسن) بصمت لثوانٍ معدودة ،وكأن الكلمات عالقة في فمه حاول أن يظهر طبيعيًا ثم قال بعد فترة من الصمت بصوت هادئ
- أنا اتوقفت عن الشغل لفترة معينة بس مكنتش حابب أقولك
شعرت (رغد) بصدمة واضحة بدت على معالم وجهها وهي تضع يدها على فمها
- إزاي يعني؟ ليه؟ إيه اللي حصل؟
حاول (حسن) أن يكون هادئًا وابتسم بهدوء ،لكن رغم الألم الذى يحمله فى صدره
- قضية شغال عليها بس مهمة جدًا وهم حبوا يقرصوا ودني شوية بس محدش يعرف أن (حسن الريس) ودنه مبتقرصش
تحولت تعبيرات وجهها من الصدمة إلى القلق
- طب إزاي؟ المفروض تشاركني يا (حسن)! ليه تخبي عليا حاجة زي دي؟!
حاول (حسن) أن يهدئها بابتسامة خفيفة
- صدقيني الموضوع مش مستاهل وأنا مش مضايق أصلاً بالعكس اللى عملوه بيأكدلي إنى ماشي في الطريق الصح
- طب ما تحكيلي الموضوع كله؟ أنا مش هقول لحد خالص
ضحك (حسن) بسخرية وهو يقول
- أنتي؟ أنا مضمنكيش من هنا لخطوتين كمان
توقفت (رغد) مكانها وشعرت بالضيق من تلك النبرة الساخرة التى تحدث بها
- طيب خليك كده! أنت أصلاً مستفز يا (حسن)! وأنا بكرهك! أقولك حاجة ؟ مش قعدالك فيها
رفع (حسن) حاجبيه مندهشا ثم رد بسخرية لاذعة
- هتعملي إيه يعني؟ يا (رغد) لتكوني ناوية تسيبي البيت وتمشي؟ إيه مش قعدالك فيها دي؟ عارفك مجنونة وتعمليها
شعرت (رغد) بغضب أكثر ثم دخلت غرفتها بسرعة مغلقةً الباب وراءها وهى تقول
- أنا مش هقعد معاك! مش قادرة!
ضرب (حسن) كفه الأيمن بكفه الأيسر وهو يقترب من باب الغرفة قائلا بمزاح
- طيب المخدة والغطا عشان أعرف أنام بارة خلاص بقيت مطرود من كل حتة
فتحت (رغد) الباب فجأة وأجابت بغضب
- إدخل نام بس هحط مخدة في النص بينا! مش طايقاك!
ابتسم (حسن) قائلا
- كتر خيرك والله
حينها عقدت (رغد) يديها عند صدرها بنفاد صبر وهى تنظر إليه بغضب ..
❈-❈-❈
في مساء اليوم التالى ..
داخل شرفة المنزل الخاص ب (حازم) تحت سماء مليئة بالنجوم قرر ألا يذهب إلى عيادته اليوم فقد كان يشعر بالإرهاق ..
جلس في شرفة المنزل بينما أفكاره تأخذه بعيدًا إلى حيث لا يريد الذهاب إلى (رانيا) ،كانت لا تزال تسكن قلبه رغم مرور الوقت رغم كل محاولاته لنسيانها ورغم زواجها إلا انه لم يستطع ان يمحوها من قلبه وعقله من المفترض ان يكون زواجها النهاية الحاسمة لهذا الشعور ،لكنه وجد نفسه عالقًا غير قادر على طردها من ذاكرته ..
زفر ببطء مستنكرًا ضعفه ولائمًا نفسه على التعلق بأمل لم يعد له وجود ،حاول التركيز على شيء آخر على أي شيء يمكن أن يبعده عن هذا البحر الهائج من المشاعر فى صدره لكنه لم يجد حتى قاطع أفكاره صوت خطوات خلفه تلاه صوت (حسن) وهو يقول بنبرة جادة
- كنت عاوز آخد رأيك في حاجة؟!
التفت (حازم) إليه بهدوء لاحظ في تعابيره توترًا لم يعتده منه، فسأله بقلق
- في إيه؟
لم يتردد (حسن) جلس بجانبه وأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يبدأ بسرد كل شيء منذ اللحظة التي جاءه فيها ذلك الطبيب وأخبره بسر الأدوية الفاسدة إلى بحثه وتحقيقه في الأمر وصولًا إلى قراره بمشاركة الصحفي بالمعلومات لفضح تلك الشركة ..
ظل (حازم) صامتًا لبرهة يستوعب كل ما سمعه ,يعرف أن (حسن) لا يخشى المواجهة لكنه هذه المرة لم يكن يواجه قضية عادية بل قضية قد تضعه في خطر حقيقي تطلع إليه (حسن) مترقبًا ردة فعله حتى تحدث أخيرًا بصوت هادئ لكنه يحمل قلقًا دفينًا
- أنا مش قادر أعارضك على ضميرك واللي عملته أي حد عنده إنسانية كان هيعمله .. بس المشكلة إنك اتأذيت في شغلك ويعتبر هددوك بس بطريقة غير مباشرة لما وقفوك عن العمل مؤقتًا
اكتسى وجه (حسن) بالجدية وهو يجيبه
– مكنش قدامي حل تاني مش قادر أشوف اللي بيحصل وأسكت مش قادر أفضل متكتف وأتفرج
لم يجد (حازم) ردًا على كلماته فقط ,رفع يده وربت على كتفه بحنان ، يخبره دون كلمات بأنه يفهمه بل ويفخر به نظر إليه بعمق وقال بإحساس صادق
- طول عمري بفتخر بيك يا (حسن) وبفتخر إنك أخويا وبرغم إني الكبير إلا إنك دايمًا كنت بالنسبة لي أكتر من مجرد أخ صغير .. كنت بالنسبة لي أب وسند وضهر
ابتسم (حسن) ولمعت عيناه بامتنان حقيقي وهو يبادله المشاعر ذاتها
- وأنا طول عمري بحبك يا (حازم) وشايفك حاجة كبيرة في حياتي مش مجرد أخ إنت بالنسبة لي الأمان اللي بيلجأ له الإنسان لما الدنيا بتضيق عليه
ساد بينهما صمت للحظات حتى قطعه (حازم) بنبرة مرحة وهو يقول
- ماما قالتلي إن (رغد) حامل .. متتخيلش فرحتي وسعادتي قد إيه
ابتسم (حسن) وشعر بدفء غريب يتسلل إلى صدره من كلمات أخيه ثم قال بامتنان
- الحمد لله..
ثم مال نحوه ماكرًا وقال وهو يرفع حاجبه بمكر
– وانت بقى .. إيه حكاية ست (رؤى) دي؟
ارتبك (حازم) للحظة لكنه تمالك نفسه سريعًا وهز كتفيه بلا مبالاة وهو يجيب
- مفيش أي حكاية .. في إيه؟
ضحك (حسن) وأردف
- هتخبّي عليا ولا إيه؟ من إمتى وإنت بتهتم بحد بالطريقة دي؟ أكيد في سبب ورا ده كله!
تطلع إليه (حازم) باندهاش وكأنه يفكر فيما قاله ثم هز رأسه نافيًا وهو يجيب بنبرة جادة
- لا طبعًا كل الموضوع إن البنت دي صعبانة عليا .. اللي شافته في حياتها مش هين خالص
صمت (حسن) قليلًا ثم حكّ ذقنه بتفكير وقال ببطء
- بس شايفك مهتم بيها زيادة عن اللزوم .. أنا افتكرت إنك..
توقف عن الحديث فجأة وكأنه غير رأيه بشأن ما كان سيقوله لكن (حازم) فهم ما يجول فى خاطره فأجابه بإصرار
- مفيش الكلام ده (رؤى) مجرد حالة إنسانية زي بالظبط شركة الأدوية اللي إنت بتدور عليها .. أخلاقي ما سمحتليش أسيبها لوحدها وأنا عارف إنها ملهاش حد في الدنيا دي
هز (حسن) رأسه بتفهم ثم وقف وهو يقول بصوت دافئ
- تصبح على خير يا حبيبي
ابتسم (حازم) وغمغم وهو يراقبه يبتعد
- وأنت من أهله يا (حسن)
شعر (حسن) براحة غريبة بعد هذا الحديث ربما لأنه وجد في أخيه الدعم الذي يحتاجه أو ربما لأن الحديث معه كان كافيًا ليخفف عنه عبء الأيام الماضية دخل إلى شقته باحثا عن الراحة ولو لساعات قليلة ..
❈-❈-❈
فى صباح اليوم التالى ..
كانت تجلس على مكتبها تتابع الملفات بعينيها وتحاول أن تنهى عملها وهى تحاول إلهاء عقلها وقلبها معا بالعمل بالتفكير فى ذلك متبلد المشاعر الذى لا تعلم لما قلبها وعلقها يفكرا فيه معا ،اخذت نفس عميق حتى استمعت لخطوات احدهم تتقدم نحوها رفعت رأسها لتتقابل عيناهم معا ورغم الصمت المطبق فى المكان إلا كان لكلا منهم حديث داخلى لا يسمعه سواه ،تعلقت عيناه بعينيها الزيتونية وهو لا يعلم لما كل تلك المشاعر التى تجتاحه عندما يراها ،فهو لم يتأثر بأى فتاة من قبل سوى تلك العنيدة شعر انه يشتاق لها ولصوتها ربما هو اتى اليوم ليراها ليس لمقابلة صديقه كم يود ان يكون بقربها ويقص لها ما يؤرقه ويؤرق قلبه لكنه لن يفعل ،لم يعتاد الضعف أمام احدهم من قبل لذا اشاح وجهه بعيدا عنها وتقدم نحو مكتب صديقه دون ان يعيرها أى إهتمام ..
ظلت عينان (تقى) معلقة نحوه واخرجت تنهيدة حارة من صدرها فلقد كانت تشتاق بالفعل لرؤياه ولكنها تعلم جيدا ان رجل مثله فى مستواه لن ينظر لفتاة مثلها ،صحيح هى ليست بالفقيرة لكنها لا تناسبه بأى حال من الأحوال فهو لابد وانه يحيطه من السيدات من هم اغنى واجمل منها لذا راقبته حتى دخل مكتب صديقه وعادت هى للعمل مرة آخرى تحاول ان تثنى نفسها عن التفكير فيه ..
بعد مرور برهة من الوقت كانت تلك الساعة هى ساعة الأستراحة لديها لذا اعادت ظهرها للخلف قليلا كى تسترخى لبعض الوقت اغمضت عينيها ورأسها مستند على المقعد وشعرت بالجوع قليلا فقررت أن تطلب الطعام من أى مطعم عبر الهاتف ،اعادت جسدها مرة اخرى نحو المكتب والتقطت هاتفها لكى تحدث احدى المطاعم لتطلب وجبة طعام لكنها تفاجاءت بدخول احدى زملائها فى العمل وهو يحيها ثم قدم لها وجبة من الطعام ووضعها أمامها وهو يقول
- انا قلت انك اكيد جعانة فحبيت اتغدى معاكى
وضعت الهاتف على مكتبها مرة اخرى وبادلته ببسمة واسعة وهى تقول
- انا مش عارفة اشكرك ازاى بجد .. انا فعلا كنت جعانة وكنت لسه بطلب لنفسى اكل .. شكرا جدا يا (يوسف)
شعر بأن بتقربه ذاك سيجعل الطريق بينهم قصير وأنها ستبادله مشاعره التى شعر بها منذ ان وقعت عيناه عليها ،لا يعلم ما المميز فى تلك الفتاة لكى تجذبه هكذا دون جهد صحيح ان جمالها له طابع مميز ولكن ليس ما يبحث عنه الجمال ربما هدوئها وخجلها وشعوره بأنها فتاة من نفس مستواه المادى وسيسهل عليه السيطرة عليها فى كل شئ ،استفاق من افكاره تلك حينما وجدها اخرجت من حقيبتها المال وهى تقدمه نحوه وهى تقول
- اكيد مش هاكل بدون مقابل
اضيقت عيناه بغيظ شديد وهو ينظر تجاه تلك الأموال التى تمدها نحوه ولكنه اعاد النظر داخل عينيها مرة اخرى وهو يقول
- عيب كده يا (تقى) .. انا مطلبتش منك حاجة اصلا .. انتى بخيلة ولا ايه؟! خايفة تكون العزومة المرة الجاية عليكى
قال جملته الأخيرة محاولا تلطيف الأجواء بينهم ولكنها قالت مصرة
- بس مينفعش .. اصل ..
قالتها متلعثمة وهى تشعر بمزيد من الخجل ،فهى لا تحبذ تلك المواقف ابدا لذا حاول (يوسف) ان يزيل عنها الحرج قليلا قائلا
- ارجوكى .. احنا زملاء ومفيش بينا الكلام ده اقعدى بقى عشان تاكلى قبل ما وقت الأستراحة يخلص
شعرت بالمزيد من الأحراج ولكنها وضعت المال مرة اخرى فى حقيبتها ،ابتسمت له بسمة يشوبها بعض الأرتباك وبدأت فى تناول طعامها فقد كانت حقا فى حاجة ماسة للطعام حتى انها لم تلاحظ خروج (ممتاز) من مكتب مديرها والذى حضر ذلك المشهد منذ بدايته ،كان وجهه حينها كالصخر لم تظهر عليها اى علامات من الغضب أو الغيرة ولكن بالداخل كان يوجد بركان ثائر اراد بشتى الطرق اخماده لاحظت هى ان احدهم يحدق بهما فتلاقت عيناهم الذى رمقها حينها بنظرة باردة واتجه نحو الخارج دون ان ينبت ببنت شفاه حينها شعرت بالضيق لا تعلم ربما كانت تريد منه ان يحدثها لكنه لم يفعل بدء (يوسف) بسرد بعض القصص ليختلق معها حديث ويعرفها اكثر به وعن عائلته ،كانت تستمع ببرود تام تارة تبتسم له وتارة تهز رأسها مجارة لحديثه حتى انتهى وقت الأستراحة فعادت للعمل مرة آخرى وبدئت ساعات العمل تمر بملل كبير حتى ما جاء موعد الأنصراف استمعت لصوت رنين هاتفها لتجد أن المتصلة هى صديقتها (فاطمة) التى أخبرتها انها تنتظرها بالأسفل فى سيارتها أمام مقر الشركة شعرت بسعادة كبيرة فقد كانت تشتاق حقا لرؤيتها والحديث معها لملمت اغراضها ثم اتجهت نحو المصعد وهبطت بالأسفل وخرجت نحو الخارج لتستقل سيارة صديقتها ،وصلوا معا لأقرب نط٦عم وجلس ليتناولا معا مشروب القهوة ويثرثروا فى أمور شتى سألتها (فاطمة) أن كانت قابلت (ممتاز) مرة آخرى ،فقصت لها ما حدث اليوم بالشركة وعن تلاقى نظراتهم بعضهم ببعض دون ان يحدث أى حديث حينها ،ارتشفت (فاطمة) من كوب القهوة الذى أمامها ثم قالت
- بس كونه يبصلك من غير كلام ده معناه أنه مهتم يا بنتى
اغمضت (تقى) عينيها بآسى وهى تهز رأسها نافية
- لو مهتم كان اتكلم .. لكن ده .. ده كأنه بيهرب منى ومن وجودى
حينها ظهرت على شفتاى (فاطمة) ابتسامة جذابة وهى تقول
- كونه بيهرب منك معناها انه مهتم
اضيقت عينان (تقى) بعدم فهم وارتشفت من كوب القهوة الخاص بها ثم هزت رأسها نافية ،تنفض تلك الفكرة السخيفة عن رأسها فشخص فى منزلة (ممتاز) لما سيهتم بها من الأساس ثم بدئا أن يثرثرا فى أمور شتى معا ..
❈-❈-❈
دخلت (رؤى) إلى المكتب فقد كانت تلك عادتها قبل وصوله ترتب مكتبه ،تتأكد من أن كل شيء في مكانه الصحيح ..
انتهت من تنظيم كل شئ وكانت تهم بالابتعاد شعرت بشيء يشدها للخلف نظرت إلى الأسفل فوجدت طرف فستانها قد تشابك في أحد أدراج المكتب حاولت تحريره برفق لكنه لم يتحرك فاضطرت إلى جذبه قليلًا مما جعل الدرج ينفتح ببطء لتلمح داخله شيء لفت انتباهها .. صورة موضوعة داخل إطار زجاجي أنيق ،عقدت حاجبيها في استغراب لم ترَ تلك الصورة من قبل ولم تكن تعرف أن ل (حازم) صورًا شخصية يحتفظ بها هنا مدّت يدها ببطء، والتقطت الإطار بين أصابعها لتتفحصه عن قرب في الصورة كان (حازم) يقف مبتسمًا إلى جواره فتاة لم ترها من قبل ابتسامة الفتاة كانت مشرقة وعيناها مميزتان ،كان (حازم) مختلفًا يبدو سعيدا بعيدا عن تلك الجدية النى يرتسم بها طوال الوقت ..
شعرت بمزيد من الفضول حول هوية تلك الفتاة وقبل أن تسترسل في أفكارها انفتح الباب فجأة ،دخل (حازم) التفتت إليه وفي غمرة ارتباكها أفلتت الصورة من يدها ،فسقطت على الأرض وتحطم زجاج الإطار بصوت حاد اخترق الصمت ..
ارتفع حاجبا (حازم) في دهشة ثم ما لبث أن تغيرت ملامحه إلى غضب واضح تقدّم نحوها سريعًا ناظرًا إلى الصورة المحطمة على الأرض ثم رفع عينيه إليها وصوته يخرج بحدة لأول مرة لها
- إنتِ بتعملي إيه؟! مين سمحلك تفتحي الدرج وتلمسي حاجتي؟!
تراجعت خطوة للخلف لم تعهده بهذه النبرة لم يسبق له أن رفع صوته عليها بهذه الطريقة ،ازدردت ريقها وحاولت التبرير بصوت مهزوز
- أنا .. أنا مكنتش أقصد فستاني اتشبك في الدرج وهو اتفتح لوحده ولمحت الصورة .. بس اكيد مكنتش عايزة أكسرها صدقني!
لكن نظراته لم تلِن كان الغضب واضحًا في عينيه فأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يقول بحدة
- حتى لو مكانش ليكي الحق تمسكيها
شعرت بغرابة من طريقة حديثه تلك والغضب الذى يعتليه ولكنها انحنت لتأخذ الصورة وتنفضها من اثر الزجاج الذى عليه وهى تقول
- هنضف المكان حالا
عض (حازم) شفتيه بغضب شديد ولم يهتم لما تفعله تلك الحمقاء وتوجه نحو الشرفة ، ينتظر ان تنتهى من تلك المهزلة انتهت هى من تنظيف اثر الزجاج ثم خرجت نحو الخارج دون ان تحدثه ،فقد شعرت بإهانته لها للمرة الأولى ولا تعلم سبب تحوله ،بعدها بدئت فى ادخال مريضة تلو الآخرى عسى ان ينتهى ذلك اليوم الذى كرهته وما أن انتهى الدوام الخاص بها لم ترد توديعه كعادتها لذا اخذت حقيبتها واغراضها واتجهت نحو الخارج وهمت بالوصول إلى مكان الحافلة لكن استوقفها شخص ما وقف أمامها بجراءة غير معهودة فى البدايه ظنت ان احدهم يسير فى نفس الأتجاه فهمت لتسير فى الاتجاه الأخرى لتجده تحرك معها ليكون حائط صد أمامها فرفعت رأسها كى تسب ذلك المتطفل لكنها شهقت ،تراجعت للخلف وهى تقول بنبرة متلعثمة خائفة فمن اين علم بمكانها
- ا .. انت ؟!
ابتسم لها ابتسامة لطيفة ثم قال بهدوء
- ايه موضوع القضية ده ؟! مش قولتلك اصبرى انا هكلم (ممتاز) ونحل الموضوع
ازدردت ريقها بصعوبة ولكنها قالت بنبرة غاضبة وكأنها تحاول صب غضبها وضيقها الذى تسبب فيه (حازم) على شخص آخر
- وحق ابنى اللى كل يوم عن يوم بيكبر فى بطنى ده اعمل فيه ايه ؟! ابنى مش هيستنى لما حضرتك تحن عليه انت واخوك يا استاذ (سامر)
تفحصها بجراءة كعادته من رأسها لأخمص قدميها وهو يقول
- ماهو انتى برده مخك ناشف .. مش عاوزة تفتحى دماغك معايا
اضيقت عينيها وقد شعرت بنظراته المتفحصة لها وكأنها تقف أمامه عارية ،فعادت للخلف خطوة واحدة وهى لا تفهم اهى تفهم مقصده حقا اينظر لها تلك النظرة كيف ؟! وهى ..
قاطع افكارها الثائرة تلك تقدم (حازم) بخطوات الذى لاحظ الحديث منذ بدايته ورأى نظراته البذيئة لها فاقترب منه ثم قام بلكمه بقوة اسفل ذقنه ،مسح (سامر) على ذقنه بيده ليجد ان شفتيه قد ادمت اثر تلك اللكمة ووجده يقول له
- انت ايه اللى جابك هنا ؟!
رمشت (رؤى) عدة مرات وهى لا تصدق ما يحدث أمامها لما ظهر (حازم) فى ذلك التوقيت ،هى كانت كفيلة به كانت ستلقن ذلك الوغد درسا لن ينساه طوال ما حيا ،فى حين امسك (سامر) تلابيب قميص (حازم) بغضب وهو يقول
- انت ازاى تتجرأ وتعمل كده ؟؛
ازال يديه القذرة عنه كأنه يزيل حشرة تجرئت عليه ثم نظر له بعينان قد احمرتا غضبا وهو يقول
- إياك تفكر حتى تقرب منها
حينها ظلت عينان (سامر) تدور بينها وبينه ثم قال بنيرة تهديد واضحة
- انا كنت فى صفك يا (رؤى) .. بس انتى جنيتى على نفسك
ثم تركهم واتجه نحو سيارته ،فى حين كانت (رؤى) مازالت تشعر بالغضب حتى من نفسها لأنها لم تدرك نوايا ذلك القذر حتى استفاقت من افكارها تلك على صوت (حازم) يقول
- يلا عشان اوصلك .. مش هتمشى لوحدك تانى
عضت شفتاها بغضب شديد وهى لا تفهم تقلبات مزاج ذلك الكائن الذى تارة يعاملها بحنان وتارة اخرى بجفاء رغم أن ذلك مرته الأولى بالجفاء ولكن كرامتها فوق كل شئ ،فارادات تفريغ شحنة الغضب الذى تحملها داخلها وهى تشير لها بسبباتها امام وجهه
- بقولك ايه انا مش ناقصة تحكماتك انت كمان .. كفاية اووى اللى بيحصلى ماهو مش بمزاجك ولا حسب الحالة المزاجية بتاعتك تعاملنى ومش هركب معاك
انهت حديثها ثم توجهت نحو موقف الحافلة وسط دهشته ،فهز رأسه يمنة ويسرة وهو لا يصدق تصرفات تلك الفتاة ولكنها هى من تدخلت فيما لا يعنيها هو لم يقصد إهانتها ،ظلت عيناه معلقة عليها حتى اطمئن انها صعدت الحافلة ورغم انها كانت ترى انه يراقبها الا انها لم تهتم بالنظر إليه حتى وكأنه ليس موجودا ،توجه نحو سيارته متجها إلى منزله ..
❈-❈-❈
فى صباح اليوم التالي ..
جلس (حسن) في غرفته على فراشه وهو متكأ على الوسادة يتأمل شاشة هاتفه التي أضاءت بعناوين الأخبار المتصدرة ،يبحث بعينيه عن الخبر الذى انتظره حتى وجد عنوان مقال فضيحة مدوية مستشفيات كبرى تستخدم أدوية سرطان فاسدة!
نقر على المقال ليتعمق في التفاصيل ،كان الصحفي قد أنجز مهمته صحيح لم يذكر أسماء المستشفيات المتورطة ،تحدث عن وجود بعض الشركات الموردة لها فقط ..
ابتسم (حسن) ابتسامة هادئة ،لقد زرع البذرة الأولى والآن بدأت شجرة الحقيقة تنمو أمام عينيه ..
وضع الهاتف ببطء اعلى الكومود الذى بجانبه ثم شبك أصابعه معًا وهو يتكئ للخلف يتأمل الفراغ أمامه هو يعرف أن صاحب شركة الأدوية لن يبقى صامتًا سيحاول إخماد النيران سيلجأ إلى نفوذه وسلطته سيحاول قلب الطاولة بأي طريقة لكنه لن يتراجع ..
يتبع...