رواية جديدة أرهقته حر با لتوتا محمود - الفصل 24 جـ2 - السبت 21/6/2025
رواية أرهقته حربًا الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية أرهقته حر با الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة توتا محمود
الفصل الرابع والعشرون
الجزء الثاني
تم النشر بتاريخ السبت
21/6/2025
صباح اليوم ...
استيقظت "كاميليا" على ضوء الشمس الذي تسلل بخفة عبر الستائر الحريرية الواسعة، وكأنه يوقظها بود لا يخلو من عبث.
تحركت ببطء، وكأن النوم لا يزال يسكن أطرافها، وفتحت عينيها بتثاقل، كانت الرؤية أمامها ضبابية للحظة، ثم بدأت تتضح الملامح من حولها.
جلست نصف جلسة على الفراش الوثير، وعقدت حاجبيها بحيرة غامرة.
رأسها كان مثقلًا، وجسدها كأن الماء لا يزال يحيط به، يضغط على عظامها بصمت.
تذكرت… آخر ما علق بذهنها كان وجه ذلك الشاب الذي انتشلها من الغرق، عيناه، يديه، وصوته القلق الذي حاول أن يثبتها في الوعي.
لكن شيئًا آخر جذب انتباهها فجأة، سحبت الغطاء عن جسدها، فارتجف جسدها لحظة، شهقت بصوت مكتوم وهي تتطلع إلى المنامة الحريرية التي ترتديها.
من غير ملابسها؟
من سمح لنفسه بذلك؟
وما كادت تسأل نفسها حتى اتسعت عيناها أكثر حين وقع بصرها عليه… ذلك الشاب ذاته، واقف أمامها بابتسامة حنونة وصوتٍ دافئ قال بهدوء:
ـ صباح الخير، حاسه نفسك أحسن؟
نظرت إليه بحدة، وقفزت من الفراش تتحدث بعصبية تخبئ ارتباكها:
ـ انت ازاي تغير هدومي؟؟ مين اللي اداك الحق لكده اصلاً؟
لكن الرد جاء سريعًا، حاسمًا، يحمل من اللهفة ما يكفي لتبريد النار:
ـ لا، اهدى كده وروّقي. أنا مغيرتش حاجه ولا جيت جنبك، رئيسة الخدم هي اللي عملت كده.
هدأت قليلًا، جلست على طرف الفراش وهي تتنفس بعمق، تلتقط أنفاسها وكأنها تحاول تهدئة الموج الذي لا يزال يعصف بداخلها، ثم قالت بهدوء خافت:
ـ أنا آسفة، بس أنا اتخضيت.
ابتسم ابتسامة لم ترها، كانت خبيثة، مدفونة تحت ملامح مطمئنة، وهو يضع يديه في جيوبه قائلاً:
ـ ولا يهمك، أهم حاجه إنك كويسه.
نظرت حولها بتوتر وهتفت بسرعة:
ـ هو أنا فين؟
أجابها بنبرة أقل مكرًا، أكثر هدوءًا:
ـ في بيتي. امبارح لما أنقذتك واغمي عليكي، معرفتش أوديكي فين، لأني معرفكيش أصلاً.
نظرت بجانبها تبحث عن الساعة، وما إن رأتها حتى قفزت من مكانها تهتف بجزع:
ـ أنا لازم أروح الحفلة، زمان وعد مستنيني، إزاي نمت كل ده؟!
ولكنه أوقف حركتها بجملة واحدة، خرجت منه بصوت منخفض، بارد، لكنه حاد كالسكين:
ـ رايحه فين؟
تجاهلت نبرته الغريبة، واقتربت منه بابتسامة مرتبكة ومدت يدها نحوه:
ـ نسيت أعرفك بنفسي، أنا كاميليا النويري.
صافح يدها دون أن يفارقها بعينيه، وقال بصوتٍ أجوف:
ـ فكتوريا لياندرو.
رفعت حاجبيها وابتسمت برقة:
ـ اسمك غريب… بس حلو.
ثم عادت لهجتها المتلهفة:
ـ ممكن بعد إذنك تجيبلي هدومي؟ أنا مضطرة أمشي، النهارده أهم يوم في حياتي كلها.
نظر لها وهو يعقد يديه فوق صدره، كمن يزن كلامها بعناية باردة:
ـ اشمعنا أهم يوم في حياتك؟
أجابت فورًا، بقلب مفعم بالحماسة:
ـ لأن وعد هتسلم جايزتها، ومش بس كده، ونوح معاها ، أنا عايزة أوثق اللحظة دي، وأبقى معاها خطوة بخطوة، مش عايزة أسيبها في يوم زي ده.
نظر لها مطولًا، ثم همس وكأن كلماته تنهش أحلامها:
ـ هقطع عليكي اللحظة السعيدة دي… بس انتي مش هتروحي.
نظرت له بعدم فهم، هتفت ببلاهة:
ـ ها؟ بتقول حاجه؟
هز رأسه نافيًا، وابتعد بخطى ثابتة نحو الباب، فتحه، وقبل أن يغادر ألقى كلمته الأخيرة ببرود يُجمد الحواس:
ـ ولا حاجه… هروح أشوف فاطمة تجيبلك اللبس.
وغاب عن ناظريها.
لكن هي… كانت ما تزال واقفة هناك، تبتسم بحماسة، تحيك في خيالها تفاصيل احتفال "وعد"، دون أن تدرك… أن اليوم، سيأخذ منعطفًا لم يكن أبدًا في حساب قلبها.
❈-❈-❈
كان " أسر " يرتدى ثيابه بعجلة ، دخل الي غرفة الثياب يبحث عن ساعة يرتديها ولكن لفت نظره ، ساعة موضوعة بجانب لوحدها ، كأنه يخاف عليها أن تنكسر او يحصل لها خدش ، امسكها بيـ ـده ، وهو يبتسم ، حين صرخ عقله بتلك الذكرى ، فهى جلبت له " راندة النويرى " هذه الساعة في عيد ميلاده ، وحين انفصلوا ، قال لها انه القى كل الهدايا والاشياء التي جلبته اياها في القمامة .
فهو لا يريد أن تعرف أن الهدايا وكل شئ بينهم محتفظ بيهم حد الأن ، فهو بالفعل يعتبر تزوج مرتين ، والمرتين كان اصدقاؤه ، " زهره " رحمه الله عليها ، و " ديما " .
وضعها بمكانها ، وارتدى ساعة اخرى ، فهو لا يريد ، أن ترى هذه الساعة ، فهى إذا رأتها ، ستقول انه مازال يحبها ، وستتمسك بيه ولن تتزوج ، وهو يريد اسعادها ، فـ هما حين تحدوه الجميع ، خسر صديقة واهله ، وهى خسرت ايضا في الماضي جدتها ، ولا يريد أن يجعلها تتذوق من نفس الكأس .
فهو ليس سعيد بهذه الزيجة ولكنه مضطر أن يكمل بسبب إبنته ، وشخص الذى كان مثل أبيه وهو " عادل " …
قطع تأمله صوته وهو ينادى عليها ، خرج من الغرفة ، وجدوه قد جهز ، مما ابتسم له وهتف بمرح :
ـ ايه يا عدولة ده يا عدولة ، قمر يا اخواتي .
قهقهة علي طريقة حديثه واقترب قال لها بمزاح :
ـ يا واد بطل بكاشة .
بينما اكمل وهو يري هيئته بحيرة :
ـ ليه مجهزتش لحد دلوقتي .
كان هو يتأفف بملل وغيظ ويدور عينيه حينما تذكر :
ـ كنت بكلم مع الشريك الجديد ، راغي اوي وبيحب يعرف اصغر تفاصيل في الشغل وانا بشرح وبعيد تانى وتالت ورابع ، ده الراجل لسه هيكمل عملت تليفوني وضع طيران ، قولت لنفسي لا مهو مش ناقصة ، المكالمة خدت ساعتان انت متخيل ؟؟ .
و
ربت علي كتفه وهو يتنهد بعد ما تذكر " رحيم " رحمه الله عليه وتصرفاته :
ـ رحيم كان زيك كده ، كان يفضل يشتكي من الشغل بس ميقدرش يعيش من غيره ، الله يرحمه .
ختم حديثه وتنهد تنهيدة مسموعة موجعه لها ، اجلسه " أسر " علي الكرسي الذى كان خلفه وهو يبتسم له بمحبة :
ـ الله يرحمه ، هو دلوقتي في مكان احسن من هنا بكتير .
بينما اكمل بنبرة مزحه حتي يجعله يبتسم ولو قليل :
ـ وبعدان مالك يا عادل في ايه ، هو انا مش مالي عينك ؟؟ .
ختم حديثه وابتسم " عادل " وهو يحاوط وجهه بيـ ـده وهو يهتف بحنان :
ـ محدش مصبرني علي اللي انا فيه ده غيرك انت .
وسرعان ما عانـ ـق " أسر " بمحبة وحُب كبير له ، نعم انه ليس أبنه ، ولكن هو أكثر من أبن له .
اغمض عينيه " أسر " وهو يحاول أن يبدو علي ما يرام امامه ، فهو ليس لديه حل ، فهو نفسه يفشل أن يزيل تلك الفترة ولكن موت " رحيم " وهو أثر شئ بداخله ، شئ مستحيل أن يعود مثل ما كان ابداً .
❈-❈-❈
كانت نائمة ولكن شعرت بلمسه ، كأن احد يمسك ذراعيه ، تجاهلت الأمر وحاولت أن تنام ، ولكن شعرت بشئ ، بعض من الألم في زاعيه ، كأن احد يعطيها حقنة ، مما فتحت عينيها وحركت جـ ـسدها بتوتر ، مما سمعت صوت هادي ، صوت مألوف لها ، صوت تعرفه جيداً عن ثقب ، صوت يجعلها تنام بدون قلق :
ـ متقلقيش يا نور ، انا جنبك ، اوعى تخافي من حاجه .
وحين ختم جملته نامت بسلام ، وهو مازال يلمس علي شعرها بأطمئنان .
وفجأه استيقظت فجأه وهى تصرخ بـ أسمه وهي تلتفت حولها وتبحث عنه :
ـ رحيم .
كان " نوح " يجلس امامها وحين رأها استيقظت بفزع مما اقترب منها ، عانـ ـقها وهو يهتف بلهفة وخوف :
ـ اهدي يا حبيبي ده حلم ، استعيذي بالله .
هزت رأسها وهى تبكي وتنظر له بلهفة :
ـ لا لا مش حلم ، رحيم جالي ، رحيم عايش يا نوح صدقني .
عقدت حاجبيه بحيره وهو ينظر الي حالتها وحديثها :
ـ رحيم مات يا نور ادعيله بالرحمه .
صرخت بأعلي صوتها وهى تبتعد عنه وتبحث عنه بعينيها في الغرفة :
ـ لا لا ممتش ، رحيم عايش انا متأكده ، وكمان اداني حقنة وقالي مش هسيبك .
عانـ ـق " نوح " كتفها وهو يتنهد ويهتف بهدوء :
ـ يا حبيبي انا متحركتش من جنبك اصلا ، فضلت طول اليوم جنبك ومتحركتش .
تذكرت تلك الحقنة الذى اعطها في ذراعيها ، نظرت الي مكان الحقنة ولم تجد أثرها ابدا ، مما ارتجف جـ ـسدها ، وهي تهتف ببكاء ألم قلب " نوح " :
ـ أنا كنت بحلم .
ختمت جملتها وعانـ ـقت " نوح " وهى تبكى وتضع يـ ـدها على وجهها ، مما " نوح " عانـ ـقها بحب ، وهو يضع يـ ـده على شعرها بحنان ، واخذ يهتف بحديث هادئ جعلها تهدأ وتستكين بين احـ ـضانه .
قطع تلك اللحظة صوت طرقات على الباب ، مما ابتعد عنها قليلاً وهو يهتف بنبرة حنان لمست قلبها :
ـ هروح اشوف مين ، وهخليهم يجيبوا فطار هنا .
هزت رأسها بدون اضافه اي كلمة ، وحين هو فتح الباب وجد جدته " حميدة " وهى تهتف بهدوء :
ـ في ايه يا نوح منزلتش لحد دلوقتي تفطر معانا ليه ؟؟ .
نظر لها بهدوء وهتف بأعتذار :
ـ انا اسف يا تيته ، بس مش هقدر انزل افطر معاكم ، نور تعبانة شوية ، ومينفعش اسيبها لوحدها .
عقدت ساعديها امام صـ ـدرها ولم يعجبها حديثه وهتفت بسخرية :
ـ ومالها بقي ست الحسن ؟؟ .
تجاهل سخريتها وهتف بهدوء:
ـ عادي شوية تعب وهيروحوا لحالهم .
هتفت هي بحزم وحيرة من نبرتها :
ـ افهم من كده ، انك مش رايح الحفلة توزيع الجوائز ؟؟ .
هتف هو بهدوء وقلق علي زوجته :
ـ لا مش هقدر اروح ونور تعبانة ، خلي وعد وكاميليا وراندة يروحوا ، وخلي ياخدوا السواق معاهم والحراس .
هتفت هي بأندفاع وغضب هذه المرة :
ـ وعد وكاميليا وراندة يروحوا حته وانت مش معاهم ؟؟ ، مش ملاحظ ان لما نور دخلت حياتك ، بدأت تهمل في بنات عمك اللي هما اخواتك اصلا ؟؟ .
حاول هو أن يتحكم في نبرته وهتف بهدوء مُريب :
ـ يا تيته مقصرتش في حق اخواتي ، بس مراتي تعبانة ومينفعش اسيبها كده لوحدها ، وارجوكي افهمي الوضع اللي انا فيه .
تنهدت حين ادركت نبرته جيداً ، فهذه النبرة تجئ بعدها بركان من العصبية لذلك حاولت أن تبدو هادئة :
ـ طيب علي الاقل انزل افطر معايا .
هز رأسه وهو يهتف بنبرة قلقة :
ـ لا مينفعش ، نور مش هتقدر تنزل ، خلي حد يبعتلنا الفطار فوق .
هتفت بنفاذ صبر وهي تغادر من امامه :
ـ ماشي يا نوح ، ماشي .
ختمت جملتها وغادرت وهى تشعر بالغضب اتجاه " نور " أكثر ، اتجهت الي الاسفل وبعد قليل ، جلست علي السفرة بعد ما وصلت الي غرفة السفرة والتي كانوا يجتمعون بيها ، وجدت الجميع ما عدا " كاميليا " ، جلست علي كراسيها ، ولحظت " وعد " ملامح جدتها الغاضبة ، مما هتفت بتساؤل :
ـ مالك يا تيته ؟؟ .
كانت منشغلة وهى ترغف الطعام امام طبقها وهى تهتف بغضب :
ـ ماليش ، هو حد يزعل لما الست نور تبقي في البيت .
توقف الجميع عن الطعام الا " يمن " التي كانت تأكل ببرود ، مما هتفت والدة " نوح " بحيرة :
ـ ليه مالها نور يا مرات عمي .
نظرت لها بحده وهتفت بعصبيه :
ـ الست نور عامله نفسها تعبانة عشان نوح ميفطرش معانا ، ونوح مصدقها ، البت دي شوية شوية وهتقلبه علينا ، بس انا مش هسمحلها .
كاد " أيان " أن يتحدث مدفعاً عن " نور " ولكنه توقف حين " يمن " مسكت يـ ـده وهزت رأسها بلا ، ان لا يتدخل ابداً بالأمر ، مما صمت ولم يتحدث ، حاولت " وعد " ان تتحدث بحنان مدفعاً عن " نور " ولكنها فشلت حين هتفت " حميدة " بعصبية :
ـ انا بس عايزة افهم هى نور عاملة لنوح عمل ؟؟ ، عشان مصدقها فكل حاجه كده ؟؟ .
ادركت " وعد " الأن انها تشعر بالغضب والعصبيه في إنا واحد لذلك من الصعب أن توقفها بحديثها المعسول ، فـ إذا فكرت أن توقفها بحديثها ، ستشعر بالعصبية أكثر ، لذلك صمتت ، حاولت أن تغير مجري الحديث وهى تهتف بلهفة وتبحث بعينيها علي " كاميليا " :
ـ هي فين كاميليا؟؟ .
نجحت ذلك حين بحثت عنها " حميدة " بعينيها ، وهى تهتف بنبرة هادئة :
ـ محدش نادها تفطر ؟؟ .
تحدثت " راندة " ببساطة وهى تأكل بهدوء :
ـ انا خبطت علي اوضتها كتير بس تقريبا لسة نايمة ، فـ مرضتش ازعجها او اصحيها .
هزت رأسها بتفهم وهتفت بهدوء :
ـ جهزتوا نفسكم للحفلة ؟؟ .
هزوا الجميع رأسهم بدون اضافة اي كلمة ، مما غادرت علي الفور حين هتفت جملتها تلك ، وكادت أن تذهب من السفرة ، مما هتفت " وعد " بلهفة :
ـ تيته ، انتى لحقتي كلتي علي كده ؟؟ .
اجابتها بغيظ وهى مازالت مشتعله من تصرفات " نور " :
ـ نفسي اتسدت من الست نور .
ختمت جملتها وغادرت من امامهم ، مما هتفت " وعد " وهى تهتف بلهفة وتنظر الي والدة " نوح " :
ـ خلي بالك منها ، احنا شوية وهنمشي ، حاولي تأكليها اي حاجه .
هتفت والدة " نوح " بأطمئنان ولين :
ـ متقلقيش دي في عنيا ، روحوا اتبسطوا ، وتعالوا .
ابتسموا الجميع وظلوا يأكلوا بهدوء ، نظرت " راندة " بطرف عينيها علي " ايان " وجدته ساكن لم يأكل ، ويبدو شارداً ، كأنه غاضب من حديث جدتها ، حاولت أن تستفزه ولكن قطعتها هو صوت " وعد " وهى تهتف بتساؤل :
ـ مش بتأكل ليه ؟؟ .
افاق شروده علي حديثها وهو يهتف بحيرة من تصرفات " حميدة " :
ـ متضايق بصراحه ، هي ازاي بتتكلم عن نور كده ، وانتوا ازاي سكتوا .
اجابته هي ببساطة وهى تشرب قهوتها بهدوء :
ـ لان تيته متعصبه ، واحنا متعودين عليها انها لما تتعصب محدش يكلمها نهائي ، لان لو كلمنها هتتعصب أكتر ، وممكن يجيلها الضغط كمان ، فـ بنسكت .
كاد ان يرد علي حديثها ولكن قطعته " راندة " وهي تهتف ببساطة :
ـ معلش بس في كلمة في زوزري هموت واقولها .
الجميع نظر لها منتظرين ما الحديث التي ستقوله ، بينما واجهت انظارها الي " ايان " بغضب :
ـ انت مالك ، بتدخل في اللي ملكش فيه ليه ، انت مش حاسس ان احنا مش طايقينك اساسا .
بدل أن يغضب " ايان " ، ابتسم بأستفزاز وحاول أن يجعلها تشعر بالعصبية :
ـ عارف ان اللي هنا مش طايقيني ، عارف كل ده عشان بعد تفكير عميق عرفت اني لا استبدل ولا اتقارن .
ـ والله ولا تتعاشر .
قالتها " راندة " بغيظ وهى تأكل بطريقة مستفزة ، جعلت " وعد " تبتسم بهدوء من شجار بينهم .
❈-❈-❈
حينما اغلق الباب بعد مغادرة جدته ، وجد " نور " وقفت بهدوء ونشاط وهى تهتف معاتبة اياه :
ـ ليه مش عايز تروح الحفلة ؟؟ .
اجابها وهو يقترب منها بحنان ، ويضع يـ ـده علي كتفها :
ـ عشان انتي تعبانة ومينفعش اسيبك كده .
نظرت له بملل وهي تهتف بنبرتها الهادئة :
ـ بس انا كويسه يا نوح ده حلم وحش وحلمته ، وهتروح الحفلة وكمان انا هروح معاك ، عشان اشوفك وانت بتسلم الجايزة افضل راجل اعمال في البلد .
ختمت جملتها وابتسمت له بهدوء ، كاد أن يتحدث ، ولكن قطعته وهى تهتف بلهفة وهى تغادر الي غرفة الثياب :
ـ يلا بسرعة مفيش وقت ، لازم نوصل هناك بدري ، خُد دُوش بسرعة ويلا البس ، وانا كمان عشان الحق اشوف انهى فستان البسه .
ابتسم علي لهفتها وهو يرى انها تفعل كل شئ لاجلة ، وهذا شعور جميل ولطيف يداعب قلبه ، ويشعره بالسعادة .
❈-❈-❈
وصل امام القصر بسيارته ، وهى تبتسم بحماس ، وتهتف بنبرة امتنان :
ـ شكرا جدا علي مساعدتك ليا ، وشكراً كمان انك انقذتني واستقبلتني في بيتك ، وكمان انك وصلتني ومسبتنيش لحظة ، شكراً بجد ، انا مش عارفة اردلك الجميل ده ازاي .
كانت تتحدث بنبرتها التى جعلت قلبه يطرق كالطبول ، ولكنة تجاهل حديثها وهو ينظر الي إبتسامتها ، فهو اتخذ قرار انها سوف يمتلكها ويأخذها الي الابد ويسافر بيها ، ولكنه تراجع ، فهو يريد امتلكها بالقوة نعم ، ولكنه يريد قلبها ، يريد أن يجعلها سعيدة وهو السبب لابتسامتها تلك ، لذا قرر ان يوصلها إلى البيت ، ولكنه لم يتركها ، بل سيفعل خطة ، حتي يكسب قلبها ويمتلكها بإرداتها .
ختمت جملتها وخرجت من السيارة ، وهى تشاور له بسلام ، وبعد ذلك اتجهت الي داخل القصر ، تتجه الي غرفتها بسرعة حتي لا أحد يرأها ، وهى تتحمس ، حتى ترتدي بلهفة وتذهب الي الحفل .
❈-❈-❈
دخلت " وعد " الي غرفتها واغلقتها خلفها ، وهي تخرج الفستان من الدولاب حتى ترتديها وتتجهز ، ظلت تتامل الفستان الأحمر الناري ، التى كان بحمالات رفيعه ، والتى كان قصير من الأمام ، وطويل من الخلف ، وبيه نقوش لمعة تبرق في الضوء .
قطع تأمل فستانها ، صوت هاتفها يعلن عن اتصال ، مسكت الهاتف حتى ترى من المتصل ، وجدته " كمال " ، مما تذكرت ذلك الحلم وهى تقـ ـبله ، مما تلون وجنتيها باللون الأحمر ، وهى ترد عليها بصوت منخفض محروج :
ـ الو يا كمال .
ـ وحشتيني .
ابتسمت حين قال لها هذة الكلمة ، فهو حين يقول لها اي كلمة معسولة تطرق باب قلبها بدون أستاذن ، لم ترد ولكنها اكتفت بالصمت ، مما هتف هو بلهفة :
ـ انا لبست وجهزت ، وهسبقكم علي هناك ، وانتي خلي بالك من نفسك .
ابتسمت له علي اهتمامه المحب لقلبها وهتفت بهدوء :
ـ حاضر .
كادت أن تغلق الهاتف ولكنه سمعته يهتف بأسمها مما همهمت حتي تسمع بما يقول ، مما هتفت بغيرة شديدة ادركتها جيداً :
ـ انا واثق انك هتطلعي احلى واحده في الحفلة ، بس خفي شوية لانى بغير .
مما ضحكت هذه المرة بصوت عالي ، حينما ادركت غيرته ، مما هتفت بطاعة ودلال :
ـ حاضر يا كمال ، أي أوامر تانية ؟؟ .
ابتسم هو الأخر وهتف بهيام :
ـ بعد الكلمتين دول مش هقدر اقولك حاجه تانية .
بينما اكمل هو بلهفة :
ـ يلا روحى اجهزى ، انا مستنياكم هناك .
هتفت هي بنبرتها الهادئة :
ـ تمام ، يلا سلام .
ـ يا احلي كلمة سلام في عمري .
ابتسمت " وعد " وهى تغلق الهاتف في وجهه بدون اضافة اي كلمة ، نظرت الي الفستان وتذكرت حديثه ، مما نظرت الي الفستان الأخر ، الفستان الأخر ، كان باللون الأسود ، مغطي بذراع واحد ، وذراع لا بحمالات سوادء رفيعة ، وكان ضيق عند الخصر ، و واسع من اسفل كـ فستان أميرة ، وبه ايضاً نقوش لمعة تبرق في الضوء ايضا ، اكثر من الفستان الأحمر الناري ، لذا قررت أن ترتدي هذا الفستان بعد اقتناع جيداً .
❈-❈-❈
ارتدت " راندة " فستان ابيض ، بحمالات رفيعة ، وضيق لحد الخصر ، ومن اسفل بنطلون واسع يشبه الفستان أكثر ، كادت أن تضع مساحيق التجميل ولكنها توقفت حين هاتفها اتصل ، مما تركت الذى فى يـ ـديه ، ونظرت الى اسم المتصل وجدته " شهاب " ، مما تذكرت ذلك الحلم الذى كان يحمل " وعد " بطريقة غريبة ، وكان قريب من وجهها بقوة .
مما نفضت تلك الحلم وردت عليها بهدوء :
ـ الو يا شهاب .
ـ ازيك يا كاميليا ، اخبارك .
اجابته بهدوء وهى مازالت تفكر في ذلك الحلم الذى لا يذهب من عقلها :
ـ بخير انت عامل ايه .
ـ الحمد لله تمام ، بقولك يا كاميليا ، انتى اكيد هتروحى الحفلة صح .
اجابتها هي بلهفة :
ـ ايوا جاين كلنا .
اجابها هو بقلق مصطنع :
ـ حاسس ان في حاجه ، مالك نبرة صوتك مش عجباني .
ردت عليه وهى تهتف بحيرة :
ـ اصل حلمت حلم غريب ، ومش فاهمه ايه الحلم ده .
ابتسم هو بخبث ، وهتف بقلق مصطنع وحيرة كاذبة :
ـ ايه هو احكهولي .
تردت في البداية ولكنها تشجعت وقصت له عن ما رأته في الحلم ، مما هتف بمزاح :
ـ اكيد حلم يا راندة زي اي حلم ، متشغليش بالك .
هتفت هي بحيرة ومازالت تفكر بذلك الحلم :
ـ مش شاغله بالي بس حلم غريب فعلا ، ايه الفكرة انك شايل بنت عمى وعد وقريب منها اوي كده .
رد عليها بمزاح وبضحكه جعلتها تشك أنها معجب بـ " وعد " فعلا :
ـ تلاقيكي حسيتي بيا ، لاني فعلا معجب بـ وعد .
هتفت هي بلهفة وتلقائية :
ـ بجد ؟؟ ، ولا انت بتهزر ؟؟ .
اجابها بنبرة صادقة وهو يتذكر تلك القبـ ـلة التى قبـ ـلها وهى نائمة :
ـ ومش بهزر يا ستي بس كنت عايز اسأل سؤال .
هتفت هي بحماس وجلست على الفراش :
ـ اسأل طبعا .
اجابها وهو يهتف بنبرة خبيثة حتى يعرف رأيها بالأمر :
ـ لو انا اتقدمت لـ وعد ؟؟ ، هتمنعيني انى اتجوز وعد ؟؟ .
هتفت هي بحماس شديد لا تعرف تخبئتها :
ـ لا طبعا ، ده يوم المُنى ، انت و وعد لايقين علي بعض موت بجد .
ابتسم بخبث وقد أدرك الآن أن هذه اللعبة ستبدأ الآن ، وان الذي سيقف بصفه هى صديقة طفولته ، و " وعد " ستصبح ملكاً له في النهاية .
❈-❈-❈
وبعد ساعتان .
كانت القاعة مضاءة بأضواء براقة، الأجواء مليئة بالفخامة والرقي، لكن وسط كل هذا الصخب، كانت هناك مشاعر متداخلة، نظرات تحمل معاني أعمق مما قد تبدو عليه.
كاميليا جلست بجوار وعد، تحاول أن تبدو هادئة، لكن عينيها كانت تتابع كل التفاصيل حولها.
بجانب وعد، كانت راندة تجلس في صمت، عيناها تراقبان الأجواء بشيء من عدم الاهتمام.
وبجانب راندة، جلست نور، لكن أكثر ما كان يلفت الانتباه هو نوح، الذي كان يمسك بيدها طوال الوقت، وكأنه لن يسمح لها بالابتعاد عنه ولو للحظة.
كان خلفهم يجلس "يمن" وزوجها "أيان"، ثنائي يثير من حوله مشاعر متضاربة، وجودهما لم يكن عاديًا، كان ثقيلًا، مليئًا بما لا يُقال.
وفي مقدمتهم، جلس كمال وعدلي، الرجلان اللذان كانت نظراتهما تحمل الكثير من التاريخ، كأنهما يحاولان فك شيفرات ما يحدث دون أن ينطقا بكلمة.
وأمامهم تمامًا، جلس "أسر" و"عادل"، كأنهما جزء من مشهد منفصل عن البقية، وجهاهما كانا محايدان في البداية، لكن بمجرد أن التقت أعينهم بعيني نوح، ظهرت ابتسامة خفيفة، احترام قديم لم يختفِ رغم كل شيء.
نوح نهض وتوجه إليهما، صافحهما دون تردد، وكأن شيئًا لم يتغير، وكأن الزمن لم يترك أثره على علاقتهما.
أما نور، فقد كادت أن تتبعه، كادت أن تخطو نحوهما، أن تفعل ما اعتادت عليه دائمًا، أن تكون جزءًا من هذا اللقاء، لكنها توقفت فجأة...
أشاحوا بنظرهم عنها.
كان الأمر سريعًا، لكنه كان كافيًا.
لم ينظروا إليها، لم يبتسموا كما فعلوا مع نوح، وكأنها أصبحت غير مرئية بالنسبة لهم.
لحظة واحدة كانت كافية ليشعر قلبها بالألم، ذلك النوع من الألم الذي لا يأتي من كلمات قاسية، بل من الصمت، من التجاهل، من الإدراك بأنك لم تعد مرحبًا بك.
تراجعت عن خطوتها، عادت إلى مكانها بجوار نوح، وكأنها تحتمي به، لكنه لاحظ.
نظر إليها، شعر بها، لكنه لم يقل شيئًا.
بعد لحظات، وقفَت فتاة على المسرح، صوتها كان واضحًا وقويًا، تحمل نبرة رسمية مدربة، وبدأت تلقي مقدمة طويلة عن حفل توزيع الجوائز، عن رجال وسيدات الأعمال الذين أثبتوا نجاحهم، عن المنافسة القوية، عن الإنجازات التي جعلت هذا الحفل ممكنًا.
لكن وسط كل هذا الحديث، كان هناك صمت آخر، صمتٌ بين بعض الأشخاص الذين لم يكونوا بحاجة للكلمات حتى يفهموا ما يدور بينهم.
القاعة كانت صامتة، لكن الصمت لم يكن هدوءًا، بل كان انتظارًا متوتّرًا، مترقبًا للحظة القادمة.
الأضواء الساطعة عكست على وجوه الحضور، حيث كانت العيون مشدودة نحو المسرح، نحو تلك الفتاة التي تقف هناك، تحمل بيديها الميكروفون، وابتسامتها المشوقة تملأ الأجواء بالحماس.
وبعد حديثها الطويل، هتفت بحماس أكثر، صوتها يملأ القاعة بطاقة تجعل الجميع ينجذب إلى كلماتها، تتوتر أنفاس سيدات الأعمال الجالسات في أماكنهن، تتسارع نبضات قلوبهن، وكأن النتيجة ستحدد مصيرًا بأكمله.
ـ اليوم، بيننا امرأة كافحت لخمس سنوات حتى تصل إلى مكانة عالية
قالت بصوت واثق، ثم توقفت للحظات، مستمتعة بالترقب الذي يملأ المكان :
ـ حاربت، تعلمت، خسرت، وكسبت، لكنها لم تستسلم أبدًا. ظلت تقاتل حتى وصلت إلى قمة لم يسبقها إليها أحد، فمن تكون برأيكم؟
توقفت للحظات أخرى، ثم ابتسمت وأكملت بصوت مشحون بالحماس:
ـ يوجد أربع متسابقات لهذه الجائزة... تعالوا معنا لنرى .
وفجأة، أُغلقت الأنوار، وتحولت القاعة إلى ظلام دامس للحظات، قبل أن تضيء شاشة ضخمة بطول المسرح، ممتدة خلف مقدمة الحفل مباشرة.
كل العيون كانت مركزة على الشاشة، كل الأنفاس محتبسة في انتظار الإعلان عن الأسماء.
ثم ارتفع صوت رجولي قوي، يحمل نبرة حماسية متمكنة، يردد الكلمات بصدى واضح:
ـ يوجد أربع متسابقات لهذه الجائزة
ظهر الاسم الأول على الشاشة بخط عريض، صوت الرجل يردده بحزم :
"المتسابقة الأولى : حياة سعيد
وبعد ذلك ظهرت صورتها
ظهر الاسم الثاني، وصوته يتردد مجددًا:
"المتسابقة الثانية: مي لورد
وبعد ذلك ظهرت صورتها
ثم ظهر الاسم الثالث
"المتسابقة الثالثة: وعد النويري .
في اللحظة التي سُمع فيها اسمها ورأت صورتها ، لم تستطع منع نفسها من الابتسام، كان هناك شعور غامر بالأمل، بالحلم الذي يتحقق بعد سنوات من الكفاح.
عائلتها لم تنتظر سماع الاسم الأخير، وكأنهم كانوا يعرفون النتيجة مسبقًا.
بدأ التصفيق في القاعة، لكنه كان أكثر حرارة وحماسًا عند طاولتهم، حيث صفق لها نوح بحرارة، ونظرت إليه بابتسامة ممتنة.
رفع حاجبه «كمال» بفخر، بينما نور وضعت يدها على قلبها وكأنها تشعر بالفرحة تتغلغل داخلها.
كانوا يحتفلون وكأن الجائزة أصبحت بين يديها بالفعل، لم يعودوا مهتمين باسم المتسابقة الرابعة، لم يسمعوه حتى، فقد أصبحت كل الأنظار متجهة نحو وعد، تلك التي قطعت رحلة شاقة للوصول إلى هذه اللحظة.
وبعد لحظات من التشويق، ابتسمت مقدمة الحفل، حملت بيدها ورقة مغلفة، ثم فتحتها ببطء، وكأنها تطيل أمد الحماسة التي تملأ المكان.
رفعت رأسها بابتسامة أوسع، قبل أن تهتف بصوت مشوق، يُعلن اللحظة التي ستظل محفورة في ذاكرة وعد إلى الأبد:
الفائزة معنا بأقوى سيدة أعمال هي... وعد النويري .
في تلك اللحظة، انفجر التصفيق عاليًا، تردد صوته في أنحاء القاعة، وكأن الجميع كان يعرف أنها تستحق الفوز.
وعد لم تستطع الحركة للحظة، كانت تسمع التصفيق، ترى الابتسامات الموجهة إليها، تشعر بالفرح الذي يغمرها، لكنها لم تصدق بعد، لقد فعلتها، لقد فازت .
كانت لحظة مهيبة، لحظة انتظرتها لسنوات، لحظة شعرت أنها تستحقها بعد كل ما مرت به.
توقفت للحظة، تنفست بعمق، ثم اتجهت بخطوات واثقة نحو منصة المسرح، عيناها تتابعان الجائزة التي كافحت كثيرًا للوصول إليها.
كانت تشعر بكل خطوة تخطوها، كأنها تسير على طريق طويل حملها من البدايات الصعبة إلى هذه اللحظة التي ستظل محفورة في ذاكرتها للأبد.
أصوات التصفيق كانت تملأ القاعة، ومزيج من الفخر والسعادة كان يحيط بها.
وصلت إلى المنصة، صافحت مقدمة الحفل بابتسامة مشرقة، ثم استلمت الجائزة بين يديها، شعرت بوزنها الحقيقي، ليس فقط الوزن المادي، بل وزن الرحلة الطويلة التي قطعتها حتى تمسكها الآن.
اقتربت من الميكروفون، قلبها كان ينبض بسرعة، لكنه لم يكن قلقًا، بل كان يمتلئ بالسعادة.
نظرت للحضور، ثم تنفست بعمق، قبل أن تهتف بحماس ينعكس في صوتها:
ـ أنا مكنتش متخيلة إني ممكن أوصل للمكانة اللي أنا فيها دي.
كانت ابتسامتها صادقة، تمتلئ بالفرحة الحقيقية بينما اكملت بسعادة :
بس أحب أشكر مؤسس الحفلة دي، أستاذ هاني، وأحب أشكره جدًا على الحفلة اللطيفة دي، وأحب أشكر كل حد حتى لو عمل مجهود صغير في الحفلة، حقيقي اتبسطت، ومش أنا بس، الناس كلها.
كانت التصفيقات تزداد كلما تحدثت، لكن أكثر ما كان يشجعها هو تلك العيون التي تراقبها بفخر، بالأخص عيناه... نوح.
التقت نظراتها به للحظة، كان يبتسم لها، دعم غير مشروط، سعادة حقيقية تنعكس في عينيه.
تنهدت قليلًا، ثم أكملت بصوت دافئ، مليء بالامتنان:
ـ وأحب أشكر شخص عزيز عليا، الشخص اللي خلاني أوصل للمكانة دي، لأني من غيره مكنتش هوصل، هو اللي علمني كل حاجة تخص الشغل، مش الشغل بس، في كل حاجة، هو مش بس ابن عمي، هو أخ وسند وأب من بعد بابا، أنا عمري ما شوفت بابا ولا عمري حسيت بحنيته عليا، لكن شفت أحنّ واحد ممكن يقف معاك للآخر ويحبك بجد.
ابتسمت بحب وهي توجه كلماتها إليه مباشرة، بصوت يهتز بمشاعر صادقة:
ـ أحب أشكر أخويا نوح، لأنه ليه الفضل بعد ربنا إني أوصل للمكان ده... شكرًا يا نوح.
عندها، ارتفعت الأصوات بالتصفيق من جديد، لكنها لم تكن تسمع أي شيء سوى صوت دقات قلبها.
نظرت بعيدًا، بحثت بعينيها عن شخص آخر، وعندما وجدته، توقف الزمن للحظة «كمال» .
كان ينظر إليها بفخر حقيقي، كانت ترى ذلك في عينيه، في الطريقة التي يمسك بها هاتفه، يوثق هذه اللحظة، لم يتركها تفوته.
راقبت شفتيه، قرأت الكلمات التي نطق بها بصوت خافت، لكنه وصل إليها بوضوح تام...
"فخور بيكي."
دق قلبها للحظة، كما لو كان يشاركها فرحتها، كما لو كان يخبرها أن كل ما فعلته، كل ما مرت به، كان يستحق العناء.
استلمت جائزتها، ثم اقتربت من نوح، الذي وقف يصفق لها بحرارة، بعينين مليئتين بالفخر والاعتزاز.
دون تفكير، ودون تردد، اقتربت منه وعانقته بمحبة، كما تعانق الأخت أخاها الذي كان دومًا درعها، سندها، ظلها الذي لم يتخلى عنها يومًا.
لكن وسط هذا العناق، وسط هذه الفرحة التي كانت تملأ المكان، كانت هناك نظرات تحترق بنار الحقد والغيرة.
شهاب الشورى...
كان يقف بعيدًا، عينيه تشتعلان بنارٍ مظلمة، يراقب المشهد كوحشٍ ينتظر اللحظة المناسبة لينقض.
قبضته كانت تزداد إحكامًا على كأسه الزجاجي، يضغط عليه مرة بعد مرة، حتى تحول التوتر إلى غضب، والغضب إلى جنون.
وفي لحظة، دوى صوت الكأس وهو يتحطم بين يديه، شظاياه تسقط على الطاولة، وقطرات الدم تسيل من راحة يده، لكنه لم يشعر بأي ألم... الألم الحقيقي كان يحترق داخله.
بصوت منخفض، كاد يكون همسًا شيطانيًا، قال وهو يراقب نوح بعينين مليئتين بالكراهية:
"هقتلك يا نوح... هقتلك."
وفي وسط كل هذا، تحولت عينا وعد للحزن للحظة، حين وقعت نظراتها على يمن...
لكن يمن لم تفعل شيئًا، لم تنظر إليها حتى، فقط أشاحت بوجهها باشمئزاز، كأنها لم تكن موجودة من الأساس.
شعرت وعد وكأن شيئًا ثقيلاً سقط فوق قلبها، شيء جعل ابتسامتها تخفت قليلًا، شيء جعل الفرحة تنكسر للحظة.
لكن نور كانت هناك، ورأت كل شيء.
وقفت، اقتربت منها بهدوء، ثم احتضنتها، همست في أذنها بكلمات كانت أكثر دفئًا من أي شيء آخر :
ـ متخليش حاجة في الكون تقدر تهزك... العالم كله فخور بيكي ومبسوط عشانك، متكسريش فرحتك بإيدك.
كانت كلماتها كبلسم على قلب وعد، ذكّرتها أن هذه اللحظة تخصها، أنها تستحق الفرح، وأنه لا شيء، لا شخص، يمكنه أن يسلبها هذه الفرحة.
وسط التصفيق والاحتفال، وسط الأضواء التي تعكس بريق الفخر والنجاح، كانت وعد لا تزال تعيش لحظتها الخاصة.
ابتسمت بحرارة، واقتربت من راندة التي لم تنتظر لحظة قبل أن تضمها إلى أحضانها، عناق مليء بالسعادة الحقيقية، بالفخر الذي لا يحتاج إلى كلمات.
شعرت بحب راندة يحيط بها، بحنانها الذي لم يتغير أبدًا، وكأنها أرادت أن تنقل إليها شعور الأمان من خلال هذا العناق.
لم تلبث كاميليا أن لحقت بهما، اندفعت نحو وعد بحماس شديد، صرخت باسمها بحماس جعل كل من حولهن يلتفت إليهن بدهشة، نظرات الحاضرين كانت مليئة بالحيرة، وكأنهم لا يفهمون سبب هذا الانفعال المفاجئ.
لكن وعد لم تهتم، فقط ضحكت بحرارة وجعلت كاميليا تجلس بجانبها، وكأنها تخبرها أن هذا الفوز ليس مجرد لحظة فردية، بل لحظة تُشارك مع من نحب.
مرور الوقت…
مرت ساعة كاملة بعد انتهاء توزيع جوائز سيدات الأعمال، الأجواء أصبحت أكثر راحة، الحفل تحول إلى احتفال رسمي حيث اختلطت أصوات الضحك مع الأحاديث الهادئة.
وبعد ساعتين من الاحتفال، أعلنت المذيعة بصوت مشحون بالحماس:
ـ بعد ساعتين، سيبدأ حفل توزيع جوائز رجال الأعمال .
بدأ الجميع بالتحرك، الحاضرين يغادرون القاعة الأولى متجهين إلى القاعة الثانية حيث سيُقام الحفل الآخر.
عينان تراقبان في الظل .
في وسط هذه الفوضى المنظمة، كان أيان يبحث عن شخص واحد فقط… شهاب.
كان يعلم أنه لم يكن في مزاج جيد، كانت نظراته مليئة بالغضب في اللحظات الأخيرة، وكان هناك شيء في تصرفاته جعله يشعر بعدم الارتياح، وحين وجد شهاب أخيرًا، تجمد مكانه للحظات.
عينيه…
نظراته لم تكن نظرات عادية، كانت تحمل في طياتها شرًا خالصًا، نوايا مظلمة لم يكن يشك فيها أيان ولو للحظة.
كان شهاب يحدق في نوح، كما لو كان ذئبًا يراقب فريسته قبل الانقضاض عليها.
في تلك اللحظة، شعر أيان بشيء غريب، إحساس قوي، كأن قلبه صرخ ليحذره، دقاته تسارعت بشكل غير مفهوم، لماذا القلق؟ لماذا شعر فجأة بأن هناك خطرًا وشيكًا يقترب من نوح؟
حاول أن يتحرك نحوه، أن يقترب من شهاب، لكن فجأة، قُطعت خطواته بصوت يمن التي نادته بنبرة ممتلئة بالضجر :
ـ أيان، أنا مخنوقة وزهقانة، بفكر أتمشى شوية… تعال معايا.
كان صوته في عقله يصرخ
"ليس الآن، ليس في هذه اللحظة "
لكن يمن كانت واقفة أمامه، تنتظر رده، عيناها تنظران إليه بترقب، تطلب منه البقاء بجانبها.
ابتلع توتره للحظة، ثم هز رأسه وهتف بصوت هادئ وهو يحاوط يدها برقة :
ـ طيب يا حبيبتي، أوعدك لما نخلص الحفلة نخرج ونتفسح ونتمشى ونعمل اللي انتِ عايزاه، بس أنا دلوقتي مشغول ورايح أشوف أصحابي، ماشي؟
تنهدت بضجر، لكنها هزت رأسها وقالت باستسلام:
ماشي… بس…
لم يتركها تُكمل، لم يستطع البقاء أكثر، كان يجب أن يجد شهاب فورًا.
استدار بسرعة، بحث عنه بعينيه في المكان الذي رآه فيه قبل لحظات، لكنه اختفى.
تباً، لعن حظه، الشعور بالقلق تضاعف في صدره، تحولت الدقات المتسارعة في قلبه إلى طنين مزعج في أذنيه.
بدأ يبحث عنه بين الحضور، يتحرك بخطوات متوترة، عقله يمتلئ بالأسوأ، ماذا لو كان شهاب يخطط لشيء؟ ماذا لو كان قد قرر فعل شيء طائش؟
ماذا لو… آذى نوح؟
في تلك اللحظة، تسارعت أنفاسه، الخوف الحقيقي بدأ يتسلل إلى ملامحه، لا، لا يمكن أن يحدث ذلك!
بسرعة، اندفع نحو الطاولة التي كان يجلس فيها نوح، لكن حين وصل… لم يجده.
شعر بأن قلبه يسقط داخل صدره ، أين ذهب؟!
بلا تفكير، توجه نحو نور، كان عليها أن تعرف، هتف لها بصوت يحمل ارتباكًا لم يستطع إخفاءه :
ـ نور، هو فين نوح؟؟ مشفتيهوش؟ .
عقدت حاجبيها بحيرة من سؤاله المفاجئ، نظرت إليه باستغراب قبل أن تجيبه بصوت هادئ :
ـ راح عند عربيته في الجراج عشان يجيب تليفونه .
بمجرد أن انتهت من كلامها، لم ينتظر لحظة واحدة، لم يفكر حتى في شكرها، فقط استدار وركض باتجاه الجراج بسرعة، قلبه يدق بعنف، أنفاسه تتسارع، وأفكاره تتلاطم في عقله بلا توقف.
ركض وهو يتمتم في نفسه، وكأن قلبه كان يصرخ إلى السماء طلبًا للرحمة :
ـ يا رب لا… يا رب احمي نوح… يا رب ده وصية بابا، متخلهوش يحصله حاجة .
وصل إلى الجراج، عيناه تتحركان في كل اتجاه، يبحث بجنون، حتى رآه…
كان نوح يقف بجانب سيارته، منحنٍ قليلًا، يركز على هاتفه، غير مدرك لما يحدث خلفه… غير مدرك للخطر الذي يقترب.
وشهاب…
كان خلفه مباشرة، يتحرك بخطوات هادئة، خفية، عيناه مليئتان بالحقد الأسود، وفي يده… لمعت شفرة السكين تحت الأضواء الخافتة.
كل شيء حدث في ثانية، لكن بالنسبة لأيان، شعر وكأن الزمن قد تباطأ، كأن القدر أعطاه لحظة أخيرة ليمنع الكارثة التي كانت على وشك الحدوث.
لم يدرك أيان نفسه إلا وهو يصرخ بكل قوته، بصوت خرج من أعماقه، يهتز بالقلق :
ـ نــــــــــــوح
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة توتا محمود من رواية أرهقته حر با، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية
يتُبع..