رواية جديدة نجمة أركان الجزء الرابع من سلسلة فرعون مكتملة لريناد يوسف - الفصل 26 - الثلاثاء 10/6/2025
قراءة رواية نجمة أركان الجزء الرابع من رواية فرعون كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قراءة رواية نجمة أركان
الجزء الرابع من رواية فرعون
رواية جديدة قيد النشر
من روايات وقصص
الكاتبة ريناد يوسف
الفصل السادس والعشرون
تم النشر يوم الثلاثاء
10/6/2025
فجعه مابعدها فجعة للجميع، حالة من السكوت، محدش خالص عارف ولا قادر يتكلم ولا لاقيين كلام يقولوه، منظقتش بس غير جوهره اللي قالت بصوت عالي:
-خير ياجماعه وربنا هيشفيها، أكتر من إكده وربكم عيزيح، ادعولها بس انتوا وربكم الشافي.
قعدت جواهر مكانها تاني وهي فاتحه بوقها بصدمة قبل ماتحط ايدها علي بوقها وتنزل دموعها ويتخنق صوتها جواها، بصت لقاسم اللي قرب منها وقعد قدامها ومسك اديها وقالها:
-هحجزلك تذكرة وتسافريلها فورًا، أركان سبقك ليها وهيكون مستنيكي في المطار، واجمدي عشان ليل محتاجاكي بكامل قوتك، انا كمان المفروض كنت أسافر لغريب، بس للأسف محدش وافقلي على أجازة.. هروح دلوقتي بيتنا اخد باسبورك، هتيجي معايا اوصلك تلمي شنطتك ولا ايه؟
ردت عليه جواهر بصوت يادوب طالع:
-مش هقدر، مش هقدر اقف على رجلي دلوقتي، روح انت وانا همشي كده، بالهدوم اللي عليا، أو هاخد من عند ماما أي حاجة، المهم انت روح احجزلي تذكرة بسرعة ياقاسم.. اخص عليك ياقاسم، اخص عليك وعلى ليل وغريب وعليكم كلكم، بقى ليل يكون فيها كل دا وانا معرفش؟ طيب ليه؟
قاسم:
-والله ماعرفت غير من يومين، ومن شوية بس طلعت نتيجة تحليل عينة الورم اللي اخدوه منها، واول مااركان بلغني جيت أبلغك فورًا.
جواهر حطت ايدها على قلبها وهي بترد عليه:
-وطبعًا نتيجة التحليل طلعت...
قاسم هزلها دماغه بتأكيد لشكها فدفنت وشها بين اديها ودخلت في نوبة بكا قاسم متحملهاش.. فقام خرج من الفيلا جري لأنه مش متحمل صوت بكاها، ولا هيقدر يشوف إنهيارها قدامه.
دقايق والكل انضملها في البكا، وكانهم مكانوش مستوعبين وصوت بكا جواهر فوقهم للكارثة، واتقلبت الفيلا لعزاء حرفيًا، وأول مارجعت نجمه من بره وشافت حالهم انهارت هي كمان معاهم، وحمدت ربنا انها خلاص مش مضطرة تتماسك أكتر من كده قدامهم ولا تمثل إن كل حاجة بخير.
فاترمت في حضن جدتها جميله اللي كانت بتبكي بصمت وهي متأكدة إن فيه حاجة كبيره في ميزان حياتهم هتختل لو ليل جرالها حاجة، ومفيش حاجة هترجع زي الاول ولا حد هيفضل على حاله،
إبتداء من غريب إبن اخوها لأبوه ماهر، لأصغر حد فيهم، زي مايكونوا عقد.. ليل هي أول حباته واللي ماسكة باقي العقد.. ومع خسارتها حبات العقد كلها هتتبعتر ومفيش حباية هتكون جنب التانيه، وفيه حبات هتضيع خالص ومحدش هيعرف يلاقيها.
رجع ماهر على آخر النهار مع موده، وكانت جواهر خلاص اخدت كل حاجة تلزمها في السفر من عند أمها، وقاسم جالها عشان يوصلها المطار، وأول مادخلوا من باب الفيلا وشاف ماهر مناظرهم صرخ برعب:
-غريب.. غريب إبني فين، ليه متجمعين كده، إبني ماله حصله ايه، انا كان قلبي حاسس.. ماله غريب انطقوا.
راحله قاسم ومسك ايده اللي بتترعش وقاله:
-متخافش ياماهر غريب بخير مفهوش اي حاجة.
جديته في الكلام خلت ماهر خاف أكتر وقال:
-لا والله مش بخير، اشكالكم ووشوشكم وعيونكم الحمره مبتقولش إن غريب بخير،.. اتصليلي بإبني ياموده دا مبعتش رسالة حتى النهارده ولا رد عليا لما بعتله، عايز اكلم إبني دلوقتي وأسمع صوته.
جم عليه ولاده دياب وماجده جري لما شافوا حالته وقعدوا قدامه ودياب قاله:
-يابابا متخافش كده، والله ابيه غريب بخير، طنط ليل بس هي اللي تعبانه شويه.
ماهر:
-ليل تعبانه؟ فيها ايه ليل.. ايه تاعبها اتكلموا.
ماجده بنته ردت عليه:
-عندها ورم عالمخ يابابا وابيه غريب أخدها يعالجها فألمانيا.
سكت ماهر أول ماسمع الخبر وموده شهقت بخوف، واول ماماهر قدر يتكلم قال وهو بيتحرك بالكرسي:
-ابني.. ودوني لابني.. ودوني لغريب دلوقتي أكون معاه، أنا عارف إن الوجع الي فليل مسمع فيه هو، عارف إنها هي بتتالم وهو بيتوجع أكتر منها.. ياحبايبي ياولادي، ودوني ليهم دلوقتي.
قاسم:
-إهدا ياماهر، مرواحك ليهم مش هيقدم ولا يأخر، اركان راحلهم، وشهاب هناك، وهبعت جواهر لليل.
ردت عليه نجمه:
وانا كمان هحصلهم ياجدو، انا حجزت تذكرة طيران أونلاين على بكره الصبح.
قاسم:
-طيب مقولتيش ليه يانجمه كنت حجزتلك مع خالتك جواهر؟
نجمه:
- لما انا رجعت حضرتك كنت مشيت تحجز ياعمو، وانا حجزت اونلاين ودفعت بالفيزا الموضوع مش صعب.
ماهر:
-انا مليش دعوه بيكم انا عايز اكون مع ابني.. احجزيلي يانجمه تذكرة زي ماحجزتي.
نجمه:
-ياجدو مش هينفع حضرتك تسافر، السفر فيه تعب عليك.. انا هكون معاك لحظة بلحظة وابلغك الأخبار أول بأول.
ماهر:
-وعد هتعملي كده يانجمه؟
- وعد ياجدو.
بص ماهر لإبنه دياب وقاله:
-اخوك. نادر عرف يادياب؟
قاسم:
-محدش لسه عرف حاجة، انا يادوب عارف من ساعات.
ماهر:
-موده اتصليلي عليه.. خليه يجي، وكلمي ناديه هي كمان تيجي، خليهم يحولوا لاخوهم فلوس، وانتي كمان حوليله من حسابي، مش عايزه يستني لما يكلم حد على فلوس.
موده:
-حاضر ياماهر هعمل كل ده بس انت إهدا... أرجوك إهدا أديك بتترعش وعروق رقابتك برزت من التوتر.
ماهر زعق فيها:
-اهدا ازاي وليل تعبانه، اهدا ازاي وحبيبي قاعد محتار بيها دلوقتي وعايز يعملها اي حاجة عشان تخف ومش عارف.. انا حاسس بيه وعارف حالته دلوقتي عامله ازاي.
أما عند ليل وغريب..
كانت نايمه وهو نايم جنبها،
بيتأملها، اخر مره من نص ساعة. اتململت وفتحت عيونها ورفعت دماغها اتأكدت من وجوده جنبها وشدت الغطى اللي عليها وغطته معاها وهي بتقوله بصوت ضعيف:
-الدنيا سقعه إهنه وانت ملابسشي تقيل، احسن ياخدك البرد يانن عيني.
غطته وحضنته زي مايكون إبنها... زي مابتعمل دايمًا، بيعذبه إهتمامها بيه اللي غلب خوفها على نفسها، وازاي انها فعز وجعها بتفكر فيه..مد ايده على شلال الحرير الأسود اللي عمره كله مضفور مع جدايله الطوال، اخده وشمه وغمض عيونه وهو بيفتكر أول لمسه لمسها ليه، كانت فشقته وكان أعمي مشافهاش، شعرها وريحتها وصوت الخلخال وصوتها كانوا العالم كله بالنسباله، حاجات من كتر ماعاش عليهم بقي حافظهم.. واتنهد بحسرة وهو بيبص لتاجها الأسود اللي قريب هيقع كله مع الكيماوي، ويتخيل رد فعلها ساعتها هيكون ايه وهي شعرها دا طول عمرها بتعامله زي مايكون عيل من عيالها تراعيه وتخصصلة وقت مخصوص عشان تهتم بيه؟!
اما ليل فكانت مغمضه عنيها وعامله نايمه بس هي صاحيه وحاسه بكل حركة عيعملها وشايفاه من غير ماتفتح عنيها..
ملامحه موشومه جوا روحها ومش محتاجة تبصله بعيونها عشان تمليهم من شوفته. مكفيها قربه منها وريحته اللي معبيه صدرها، دا كل اللي محتاجاه في الفترة دي.. انها تفضل فحضنه طول الوقت.. لآخر عمرها، لآخر لحظة فحياتها.. واللي حاسه إنها قريبه قوي، وبرغم كده مبقتش حاسه باي خوف، خلاص بدأت تأقلم نفسها مع الواقع وتتصرف على انها بتعيش آخر أيامها ولازم تودع كل حاجة حواليها، الدنيا والناس اللي فيها.. حبايبها اللي شايله هم ايام الحزن اللي هيعيشوها من بعدها.. واللي عتدعي ربها انه ميطولش، وان ربنا يخلق لكل واحد فيهم من وسط حزنه عليها فرحة تنسيه وتهون عليه.. وخصوصي غريب.. مع انها عارفه إن دعوتها دي مستحيلة، بس مفيش حاجة تصعب على رب العباد.
قرب منها غريب وهمس جنب ودنها:
-مش هتفتحي عنيكي؟.. مش كفايه تظاهر وتبصيلي شوية، ولا كرهتيني ومبقتيش طايقه تبصي فوشي؟
ليل بعد جملته الاخيره فتحت عيونها فورًا فضحك وقبل ماتتكلم حط ايده على بوقها وقال:
-متتكلميش عشان انا عارف هتقولي ايه، انا بس كنت بنكشك عشان تفتحي بسرعة.. يلا قومي هلبسك عشان خارجين.
ضمت ليل حواجبها بإستفسار فرد عليها وهو بيشيل إيده من على بوقها بشويش:
-هنخرج نتفسح ونتعشى بره، فأفخم مطعم، هناكل اكلات جديده مأكلناهاش قبل كده، هنشتري أي حاجة تعجبنا، وهنتمشى، هنتمشى كتييير اوي في الشوارع، ومتقلقيش لو تعبتي هشيلك.. هنا مفيش عيب وميصحش ومحدش هيقولنا بتعملوا ايه، هنا حريه وكل واحد فحاله. ومحدش بينتقد تصرفات حد.. بعد كده هنرجع على اوتيل نقضي فيه باقي الليل، أنا وانتي وبس، بعيد عن المستشفى والدكاترة وريحة الدوا..هنسرق من الزمن ليلة من ألف ليله وليله.
إبتسمت ليل ومدت يدها مسدت على خده بحنان وردت عليه بحب:
-قصدك ليلة بألف ليله وليله.
غريب:
-لأ انا قاصد إنها ليلة من الف ليلة.. الف ليلة حب هنعيشهم سوا بإذن الله وكل ليلة فيهم هتكون أحلى من اللي قبلها..قومي بقا قبل مالواد شهاب يرجع وأركان الغتت اللي نايم في الأستراحة يصحى ويمسكوا فينا عايزين نهرب منهم.
ضحكت ليل وقامت فعلًا وبدأت تلبس وغريب يساعدها وعنيه بتاكل فتفاصيلها بنفس نظرة الإعجاب والحب اللي متغيرتش من ساعة ماشافها اول مرة.
أما شهاب...
راح على السكن بتاعه عشان ياخد شاور ويغير هدومه، وأثناء ماكان في السكن رنت عليه نجمه اخته فرد عليها بتعب:
-أيوه يانجمه، عامله إيه ياحبيبتي طمنيني عنك؟
نجمه:
- أنا زي مانا ياشهاب ومعنديش جديد، طمني انت عاللي عندك، ماما وبابا أخبارهم ايه، أنا مش قادره أكلم ماما عشان أول ماهسمع صوتها هنهار وهتنهار معايا هي كمان، فقولت خليه انهيار واحد لما أوصل عندكم واخدها فحضني.
سألها شهاب بإستغراب:
-ايه دا هو انتي جايه؟
نجمه:
_اكيد جايه ياشهاب وهو يعني ينفع مااجيش؟
شهاب:
-والله يانجمة انا شايف إن ملوش داعي، ووجودنا كلنا حواليها ممكن يجيب معاها نتيجة عكسية، لما تشوف الخوف في عيون الكل وكأنهم جايبن يودعوها، نفسيتها تتعب وحالتها تتغير، اصل ماحدش بياخد شوية مرض من حد يانجمة، ولو دا بيحصل كان بابا أخد من أمنا التعب كله.
ردت عليه نجمه بغضب:
-ايه اللي انت بتقوله دا ياشهاب، إنت كمان هتعمل زي ايان؟
اصل الكلام دا لسه بسلامته قايلهولي من شويه.
شهاب:
-طيب ماعنده حق بصراحة ودي حقيقة انتي ايه مزعلك منها، ماهو فعلًا المريض مبيستفادش بأي حاجة من اللمة اللي حواليه!
ردت عليه نجمه بإنفعال أكبر:
- يعني يابني آدم أنت، أكون تعبانه مثلًا وحبايبي يسيبوني أواجه تعبي وخوفي لوحدي بدال مايبقوا حواليا ويطمنوني اني هعدي كل دا وانهم معايا مش هيسيبوني!
هي العلاقات اتخلقت ليه إلا عشان الأوقات دي؟
وانا اللي كنت مستغربة إيان وتفكيره وبقول عليه لسع من كتر التفكير، وإحساسه مات من كتر مابيشم الغازات اللي بتنتج عن التجارب، بس يبدوا إنه مش هو لوحده اللي كده، وفيه جلنفات زيه كتير، وإن دي ظاهرة او متلازمة بتيجي للناس اللي مستواهم العلمي والتعليمي بيعلى.
ضحك شهاب من وسط وجعه على كلامها ورد عليها:
-جلنفات؟!.. مصطلحات عظيمة.. كملي كملي.
نجمه:
-اكمل ايه.. ايوه جلنفات، قولتها وأعنيها؟
شهاب:
_ ماشي احنا جلنفات متزعليش نفسك... كملي كلامك عن الجلنف بتاعك اللي ملاحظ في الفترة الأخيرة إن كل ماتيجي سيرته بتركبك العفاريت.. قوليلي عامل فيكي ايه لكل القهر اللي بتتكلمي بيه عنه ده؟
نجمه:
-مش وقته هحكيلك لما اجيلك، بس رؤوس أقلام إنه بيعمل تجربة وإكتشف إكتشاف عظيم أقل غلطة منه هيموت فطيس فمعمله ومحدش هيعرف عنه حاجة.
شهاب:
-وايه هو الإكتشاف العظيم دا ياتري؟
نجمة:
-متحور جديد وخطير ممكن يقضي عالعالم في ساعات، وطبعًا الكلام دا هتحطه في البير اللي بنرمي فيه كل حاجة ومبنتكلمش فيها مع حد.
شهاب:
- متقلقيش، أساسًا نص كلامك معايا تلقائيًا بيروح عالبير، والنص التاني بيروح على باسكيت الزبالة.. يلا اسيبك انا وأقوم اروحلهم المستشفى طولت عليهم.
نجمه
-وأنا كمان اخلص لم حاجتي.. خلاص ميعاد الطيارة مش باقي عليه كتير.
خلصت مكالمتهم وقام شهاب يروح المستشفى لأمه وأبوه وهو رايح أخد أكل عشان يتعشوا كلهم سوا، ميعرفش إن أبوه وإمه ليهم خطط مختلفة.
راح شهاب عالمستشفى وقابل اركان اللي كان بيلف ويدور في طرقات المستشفى زي المجنون.، جري عليه وسأله بخوف:
-أركان فيه ايه، بتدور على مين؟
رد عليه أركان بفزع:
-أمك وابوك مش لاقييهم في المستشفى كلها، يادوبك نمت شويه اختفوا، تليفوناتهم مقفوله ومحدش من إستف التمريض عارف عنهم حاجة!
اتلفت شهاب حواليه وجري راح عالأمن اللي على بوابة المستشفى وحكاله إن امه إختفت من المستشفى وطلب منه مراجعة الكاميرات، ولما راجعوها شافوا غريب وليل خارجين من المستشفى بكامل أناقتهم، حاضنين إيدين بعض وبيضحكوا بفرحة، فبص أركان لشهاب وقاله:
-الست جولييت والاستاذ رميو طالعين يروقوا على نفسهم وسايبينا هنتجنن عليهم، ياخي والله نفسي أشتمك بأمك وأبوك بس للأسف إحنا في بلد متحضر واخاف اتحبس، بس دا ميمنعش إني هشيلهالك وأول ماترجع مصر هشتمك كل الشتيمه اللي كاتمها فنفسي وساكت دي.
رد عليه شهاب بإبتسامة:
-معلش ماانت عارف أمي وابويا ساعات بتطلع منهم حاجات كده غير منطقية.
المهم يلا ناكل قبل الأكل مايبرد أنا جبت معايا عشا.
اركان:
-طيب يلا بسرعة عشان امي خلاص طيارتها باقي عليها ساعتين وتوصل، عايزين نروح نجيبها من المطار.
شهاب:
-تمام وانا هدخل دليل الخدمات واشوف شقة قريبه من المستشفى هنا أئجرهالهم، مش هينفع نستنى كلنا في المستشفى.
وصلت جواهر المانيا ولقت اركان وشهاب في إستقبالها وأخدوها على الشقة اللي فاقل من نص ساعة كان داخل شهاب متفرج عليها على موقع ومخلص فيها ولغاية مااستلموا المفتاح أركان كان يقوله هنروح نلاقيهم نصبوا عليك... لكنه فهم كلمة شهاب اللي كان يرد عليه بيها:
"يابني إحنا فألمانيا مش فمكان تاني"
جواهر كانت منهاره حرفيًا لما وصلت، مش قادرة تفتح عيونها من كتر مابكيت، وانهارت أكتر لما عرفت إن غريب أخد ليل يفسحها، حست إنه بيحاول يفرحها قدر الإمكان َ.. ودا إن دل فيدل على تسليم غريب بأمر خسارته لليل.
نزلوا الولاد جابوا طلبات لجواهر اكل وشرب، وفضل اركان معاها.. وشهاب راح على السكن بتاعه، بعد مااتفقوا انهم يتقابلوا في المستشفى اول مايرجعوا ليل وغريب.
فضل اركان سهران وفتح تليفونه بملل ودخل عالفيس، فضل يقلب فيه بلا هدف وبعدها دخل عالماسنجر اللي من كتير أوي مدخلش عليه، وشاف كم رسايل مهولة، فضل يقلب فيهم من بره مدخلش على حاجة فيهم، كان بيدور فيهم على حد معين، لكنه افتكر إنه آخر مرة عملها تقييد.. دخل علي التقييد وشافها باعته أكتر من ٢٠٠ رسالة، فتحهم وإبتدا يقراهم، آخرهم كانت من يومين.. رسالة مضمونها:
-أركان انا عارفه إن فرصتي معاك بتتلاشى، بس أنا مش زعلانه ، ودلوقتي أقدر أبعد وانا ضميري مرتاح، لأني حاولت معاك، ويكفي قلبي شرف المحاولة، بس الظاهر إن قلبك اتقفل بعد نجمه بالضبه والمفتاح، ودلوقتي إنا هسيبك تعيش على اطلالها وأنا هحاول أصرف قلبي عنك واخليه يتعلق بحد تاني، أصلي مبحبش اتعلق بحبال دايبه ولا أفضل في أماكن مهجورة أهاتي فيها لوحدي من طرف واحد.. لحد ماكل حاجة فيا تتعب وطاقتي تخلص..
العمر واحد وأيامه غاليه، ومحدش من البشر يستاهل إني اضيع من عمري يوم واحد اتحسر فيه على خسارته.. فيه حاجات كتيره حلوة لازم تتعاش.
لا إراديًا صباع أركان راح على الحروف وكتبلها:
-زي إيه؟
كام دقيقة مروا وإفتكر أركان انها نامت أو خلاص كده قررت تبعد، فكان هيقفل الماسنجر لكنه اتفاجئ بيها "يكتب الآن"
-مش فاهمة؟!
_ زي إيه الحاجات الكتيرة اللي لازم تتعاش؟
-الحياة عمومًا لازم تتعاش، كل حاجة فيها، أقل تفصيلة، أي حاجة حتى لو كانت صغيرة وانت قررت تستمتع بيها هتلاقي فيها متعة مكنتش تعرفها.
_؟؟
-ايه اللي مش فاهمه فكلامي؟
_ زي ايه الحاجات الصغيرة دي؟
- زي الأكل زي الخروج والفسح، الأوقات اللي بنقضيها مع اهالينا، الأوقات اللذيذة اللي بنقضيها مع أصحابنا، الوقت اللي بنقضيه مع اقرب شخص لينا من كل دول، كل دي حاجات فيها متعة بس لما تتعمل بحب، بشغف، بطريقة غير تقليدية.
_فلسفة كدابة.
-شكرًا ياذوق!
_لأ مش انتي الكدابه، أنا بقول عالفلسفة بتاعتك هي الكدابه.
-ماهي فلسفتي يعني أنا، يعني رأيي، يعني كياني ووجودي، فلو هي كدابة بالتالي أنا هبقى كدابة، ومن هنا قولتلك شكرًا.
_علي فكرة انتي متناقضة جدًا.. تبسطي كل حاجة وتبيني إن الحياة حلوة، ومع ذلك تقدري تخلقي غلطة من وسط كلام عادي.
-لا انا مش متناقضة ولا حاجة، أنا بس عندي قناعات، وأنانية فقناعاتي ومبحبش حد يعيب عليها.. عشان كده اعترضت... هترجع إمتا؟
_هرجع من فين؟!
-من ألمانيا..صحيح آلف سلامة على أم نجمه.
_وانتي عرفتي منين كل ده؟ أنا محدش يعرف بسفري غير المقربين مني بس! وكمان حالة مرات عمي محدش يعرفها.. انتي مين، انتي أكيد قريبه عليا قوي عشان تعرفي حاجات دقيقة وخاصة بالشكل ده؟
-أنا لا قريبه ولا الحاجات اللي قولتهالك دي خاصة، واللي بيحب حد بيعرف عنه كل حاجة، عشان مبيكونش وراه غيره.. طول الوقت بيلف حواليه كأنه محور الكون بالنسبالة.
_كلام مش مقنع، انتي عارفه معلومات دقيقة مطلعتش بره عيلتنا، أو بره بيتنا وبيت عمي غريب بالذات، ودا ملوش غير معنى واحد.
-انا رايحه إنام تصبح على خير.
_استني هنا رايحه فين أنا بكلمك..
-لا إنت بتستجوبني.. فيه فرق.. بص لما تلاقي نفسك عايز تتكلم معايا، كلام لمجرد الكلام من غير مانفتش في التفاصيل ولا نشغل نفسنا بحاجات مش مهمة إبقا ابعتلي.. أنا خلاص كده مش هبعت حاجة تاني.
_استني طيب..
-قولتلك رايحه انام، والنوم هو السلطان الوحيد اللي بطيع أوامره من غير نقاش، يلا تصبح على خير.
خلصت كلامها وقفلت وسابته فحيرته من ناحيتها، فك التقييد ودخل صفحتها عشان يدور فيها على اي حاجة تعرفه عليها لكنه لقاها قافلة ملفها الشخصي.. فاتنهد وخرج من الفيس وقفل التليفون خالص ورماه جنبه وحط اديه تحت دماغه وفضل باصص للسقف بيفكر في كل حاجة بتحصله، وبالذات البنت اللي بدأت تاخد حيز من تفكيره، بدأ يعيد في دماغه كلامها كله، وفجأة ظهر طيف نجمه قدامه، وكأنها بتقول لقلبه "أوعى تنسي إني لسة موجودة جواك، أوعى تنسى حب السنين وتفتح قلبك لوحده تانيه".
فإتنهد وقرر إنه ينام عشان ميفكرش فيها أكتر من كده وتاخده دماغة لمنطقة اول مابيروحها مبيرجعش منها إلا تعبان ومجهد وحاسس إن الدنيا كلها اتلونت باللون الأسود.
عدت ساعات الليل وجواهر بتحاول تتصل بليل وتليفونها مقفول، وفي الآخر غلبها النوم، مصحيتش غير على صوت كركبه وكان أركان بيستعد للخروج، سألته بقلق:
-ايه ياأركان ليل رجعت المستشفى؟
رذ عليها وهو بياخد تليفونه :
-لأ دي نجمه خلاص هتوصل ورايح اجيبها من المطار.
ردت عليه وهي بتقوم من السرير:
-هتيجوا على هنا ولا هتروحوا على المستشفى عشان لو كده ألبس واروح معاك ونطلع كلنا عالمستشفى؟
أركان:
-هنروح المستشفى نعمل إيه ياأمي، إذا كان اللي رايحينلها مش موجودة، انا هجيب نجمه على هنا واخدكم ونروح المستشفى أول مايرجعوا.. عايزه حاجة من بره اجيبهالك؟
-لا ياحبيبي سلامتك.
راح اركان لنجمه ولقى شهاب هناك مستنيها ومعاه بنت جميله قوي، قرب منه وقاله وعينه على ايميلي:
-وانا اقول ليه تقولي خليك انت هروح اجيبها لوحدي، أتاري الحته بتاعتك معاك ومش عايز توريهااني.
رد عليه شهاَب وهو بيبص لإيميلي:
- دي ايميلي صاحبتي.... أيميلي هذا إبن عمي وبمثابة اخي إسمه أركان.
مدت ايميلي ايدها لأركان وهي بتقوله بإبتسامة عريضه:
-هاي اركان، تشرفت بمعرفتك.
سلم عليها اركان وبعدها رجعت ايميلي تتكلم مع شهاب وأركان عينه على صالة الوصول لحد ماظهرت نجمه منها.. إبتسم أركان وكأنه غايب عنها بقاله عمر.. مهما حاول هتفضل الملعونه دي هي نقطة ضعفه، حضورها بيلون دنيته وغيابها بيسحب من حواليه كل أسباب الحياة.. قربت منهم وسلمت عليهم، وإيميلي مكانش سلامها عليها عادي، دي أخدتها بالحضن كأنها تعرفها من سنين، وترحيبها بيها كان مبالغ فيه!
بصت نجمه لشهاب وقالتله:
-تملق العروسه لأخت خطيبها طلع مش بس عندنا فمصر، تصدق عجبني الموضوع اوي..بس ايه البت صاروخ يخرب عقلك.
إبتسم شهاب بخجل فبصله أركان وقاله:
-عروسه؟! وانا تقولي زميلتي، والله ماكدب ابويا لما بيقول عليكم عيله واطيه.
راحوا كلهم على المستشفى بعد ما اتصلوا علي ليل تليفونها رن وعرفوا انها رجعت المستشفى مع غريب، وعدوا على الشقة واخدوا جواهر معاهم.
وصلوا وجواهر ونجمه أول ماوصلوا قدام أوضة ليل فتحوا الباب واتسابقوا جري عليها، وهي فتحتلهم دراعاتها الإتنين وكل وحده فيهم خدت نص حضن، جواهر إنهارت بكا وكل ماتحاول تتكلم متعرفش تكمل الكلمة وليل تطبطب عليها.. ونجمه متقلش عنها انهيار... ليل بصت لغريب وأبتسمتله كأنها بتقوله اوعى تضعف إنت كمان زيهم..
تماسكها كان غريب لدرجة إن حتى إيميلي كانت مستغرباه.. والأغرب إبتسامة الرضى اللي على وشها..
ميعرفوش إن سر الهدوء والسلام النفسي دا هما الساعات اللي فاتوا، واللي قضتهم مع غريب وبين أحضانه، سمعها كل عبارات الغزل اللي يعرفها، قالها مليون بحبك بالكلام والفعل، حسسها إنها ملكة على عرش الكون وهو جيشها وحاشيتها والرعيه والملك، واخد كل الأدوار في مملكة مفيهاش غيرهم هما الاتنين..
وطلع عليهم الصبح وهي بين دراعاته حاضنها بتملك، انفاسهم مختلطة ودقات قلوبهم متوحده.
وليل جواها شعور واحد غطى على أي شعور غيره..
"إنها بعد الليلة دي حاسه بالإكتفاء من الحياة، وحتى لو ماتت دلوقتي مش مهم.. مفيش في الدنيا حاجة احلى من اللي عايشاه دا عشان تتحسر إنها مش هتعيشه".
قرب غريب من نجمته وشدها من حضن ليل واخدها فحضنه وابتدا يمسح على دماغها وهو بيقولها:
-متخافيش عليها، ماما قوية وهتعدي منها بخير وسلامة، هتعيش.. وهتعيش سنين طويلة قوي..هي متقدرش تسيبنا وانا واثق إنها هتقاوم بكل قوتها عشان ترجعلنا.. مش كده ياليل؟
_إكده ياقلب ليل، يانن عين ليل.
أما إيميلي فكانت بتصور كل دا بموبايلها وتوثق لحظات المشاعر الصادقه دي وهي مبتسمة بسعادة، وبعد ماخلصت راحت على ليل واخدت مكان نجمه فحضنها وبدأت تبكي هي كمان زيهم!
فبص أركان لشهاب وقاله بصوت واطي:
-ايه الهبله اللي باكيه مع الباكيين وضاحكه مع الضاحكين دي؟ ماكنت استنيت لما ترجع بلدنا تشوفلك وحده إعداداتها متظبطة عالطبيعي، دا غلب ايه دا ياربي.. هو انت واختك متدوروش غير على الخارج عن المألوف وترتبطوا بيه؟ ياباحثين عن العته!!
إبتسم شهاب بمرارة وهو شايف الصورة مكتملة وفيها كل حبايبه، واتمنى من كل قلبه إن المشهد يفضل مكتمل كده ومينقصش، حتى إيميلي اللي كان متردد بشأنها لما بقت وسط عيلته حس انها ممكن تكون وحده منهم بسهولة، وانهم متقبلينها وسطهم، حتى امه اللي كانت معترضه في البداية شايف انها مش واخده من ايميلي موقف رفض أبداً.
وهي لو بتحبه صحيح هتقبل بكل شروطة إللي أولها وأهمها إنها تدخل الإسلام.. بس دا مش وقته خالص، يطمن بس على امه وبعدين يبتدي يخطط لحياته الخاصة ويرتبها براحته.
بعدت نجمه عن حضن ابوها وخرجت بره للطرقه، فعلت خطها تجوال واتصلت بإيان تقوله انها سافرت.. حاولت إمبارح تتصل بيه كتير لكنه مكانش بيرد، بعتتله رسايل وبرضوا لا فتحها ولا رد.. وحتى دلوقتي فضلت تحاول الإتصال بيه كذا مرة وبعد إلحاح و٢٠ رنه رد بصوت جامد:
-ايوه يانجمه، فيه ايه من إمبارح مش ساكته رن ورسايل؟ بجد لو مفيش سبب قوي يستدعي دا يبقى انتي في الحالة دي بتستهبلي، عشان انا مفهمك وضعي اليومين دول عامل ازاي.
بلعت نجمه ريقها بصدمة من هجومه العنيف وردت عليه بغضب:
-هو فيه ايه ياإيان، لا بجد فيه ايه؟ إنت ازاي مش بتديني فرصة حتي إني اتكلم، طيب اعرف أسبابي وبعدها هاجم، انا متصله اقولك اني سافرت المانيا لماما، ببلغك الخبر بنفسي عشان متحسش اني انتقصت من رجولتك وعملت حاجة بدون إذنك.
إيان رد عليها بغضب أكبر:
-طيب وايه المهم فإنك سافرتي لوالدتك؟ مادا طبيعي ومش غريب مادام امك او حد من عيلتك تعبان إنك تروحيله! يعني دا سبب بذمتك تعملي عليه كل الإزعاج ده؟
وبعدين إيه اللي ينتقص من رجولتي فإنك تتحركي بحريتك وبدون إنتظار إذني مادمت واثق فيكي، وأصلًا لو انا مش واثق فيكي هرتبط بيكي واديكي إسمي ليه، انضجي يانجمه انتي كبيره.
وأه الحاجة المهمة اللي تستدعي كم الإتصالات دي انك تعرفي ميعاد نهاية العالم مثلاً وتتصلي تبلغيني بيه، أو تكون كارثة كونيه حصلت، إختراع عظيم تم إكتشافه وعايزه تناقشيني فيه.. إنما بعيد عن الحاجات دي كلها أسباب هايفه من وجهة نظري، وبعد كده هبعتلك علي الواتس مواعيد وجودي في المعمل عشان مترنيش عليا فيها مهما حصل، وللاسف مش بقدر اقفل تليفوني عشان متابع حاجات مهمه بتجيني بيها إشعارات، سلام وربنا يطمنك على مامتك.
قفل السكه فوشها وهي بعدت التليفون ودنها وبصيتله بغرابة وهي بتقول لنفسها"عمري ماشوفت ولا هشوف إنسان بالغرابة دي"
لفت عشان ترجع الاوضة ولقت أركان واقف وراها بس بعيد شويه وحاطط اديه فجيوبه وبيبصلها، قربت منه فاتنهد وقال:
-لو سمحتي قبل ماتتحركي أي حركة ابقي بلغيني، وياريت تلتزمي بوجودك معانا طول الوقت إحنا فبلد غريبة ومتضمنيش تصرفات سكانها عاملة ازاي، خلينا على هم وقلق واحد متشتتيش تفكيرنا معاكي انتي كمان.
ردت عليه نجمه بسؤال أركان استغربه جدًا:
-ليه؟
_هو ايه اللي ليه؟
-ليه يتشتت تفكيرك، ليه تشغل بالك بيا اصلًا مانا كبيره وناضجة واقدر اتحمل مسئولية نفسي؟!
رد عليها اركان وهو بيقربلها أكتر:
-مهما كبرتي هتفضلي فنظري نجمه العيله الصغيرة اللي طول الوقت حاسس اني مسئول عنها وعن سلامتها، وبعدين مين اللي ضحك عليكي وفهمك إنك ناضجة، انتي لا ناضجه ولا مستويه، انتي هبله.
برقت نجمه عيونها ورفعت حواجبها بصدمة فرد عليها وهو بيقلد حركتها:
-ايه مالك اتصدمتي ليه، مانتي فعلًا هبله وإحنا كلنا عارفين حقيقتك وساكتين عشان منجرحش مشاعرك.. المهم يلا ادخلي اقعدي مع مامتك مش وقت محن مع دكتور القرود، محبكتش.
ردت عليه نجمه بتهكم:
-محن؟! إن بعض الظن إثم.
دخلت نجمه الأوضه وقعدوا كلهم سوا، ايميلي بتسمعهم وتهز دماغها ومبتسمه وواضح انها مش فاهمه حاجة، وغريب قاعد يتكلم مع أركان وشهاب وعينه على ليل اللي وجود نجمه وجواهر معاها فرق حتى في الابتسامة اللي بقت ملازمه شفايفها، والكل انتبه على صوت خبط عالباب، فدخلت الممرضة وقالتلهم:
-إن الطبيب أمرني بأخذ عينة دماء من المريضة للقيام بعمل التحاليل اللازمة حتى يحدد موعد الجراحة.
ترجم شهاب الكلام وأخد هو منها امبوب العينه والإبرة وسحب الدم من أمه بمنتهى السهولة وادى العينه للممرضة وهي راحت بيها للمعمل، وبدأوا المشي في طريق المجهول بخطوات تقيله وقلوب مهزوزه من الخوف.
وبعد ساعات، جاتلهم الممرضة بنتيجة التحاليل ومعاها الدكتور اللي قالهم:
-إن نتيجة التحاليل ممتازة، وتحدد موعد العملية بعد الغد، فلتستعدوا لذلك... وبص لليل وقالها بأبتسامة هاديه..
"لا تقلقي كل شيء سيكون على مايرام، فقط كوني قوية.
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ريناد يوسف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية