-->

رواية جديدة ساحر الليل لبسمة بدران - الفصل 12 - الجمعة 13/6/2025

 

   قراءة روايةساحر الليل كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ساحر الليل

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة بسمة بدران


الفصل الثاني عشر 


تم النشر يوم الجمعة 

13/6/2025

خطة


انتظرت حتى نامت ابنتها بعد أن أرهقها البكاء

دثرتها بغطاء خفيف ودلفت للخارج سامحة لدموعها بالهطول. لم تغب عن عينيها نظراته القا سية التي رمقها بها قبل خروجه نظرات احتـ قارية يشوبها الاتهام.

لا تصدق أن هذا هو إيهاب. إيهاب الذي فضلته على جميع الرجال وتزوجت به ليكون أبا لابنتها وسندا لها لكنها تكتشف بعد كل هذه العشرة أنها لم تعرفه يوما أصبح رجلا مختلفا تماما عن الذي التقت به قبل عدة سنوات.

وعلى الرغم من كل ما بدر منه بخصوصها إلا أنها أبت أن تنام بعيدا عنه فهي لم تفعلها خلال فترة زواجهما قط لذا تدثرت جيدا وغفت ودموعها تأبى التوقف.

لكن ما لا تعرفه غادة أنها على أعتاب حـ رب كبيرة وستكون هي أحد أطراف هذه الحـ رب.


❈-❈-❈


عودة إلى عائلة حازم الذين لا يزالون تحت تأثير الصدمة.

هل حقا هو هنا بشحمه ولحمه؟ والدهما الغائب منذ أكثر من خمسة عشر عاما يقف الآن أمامهما يرمقهما باشتياق شديد.

لم تستطع يارا الصمود أكثر من هذا وألقت بنفسها داخل أحضـ انه تعـ انقه بقوة. تشبث بها ورغما عنه دمعت عيناه من شدة التأثر.

ظل هكذا لبضع دقائق حتى ابتعدت عنه وهي تمسح دموعها بأصابعها هاتفة بحنين:ـ "وحشتني أوي يا بابا."


ـ "وأنا كمان يا يارا... كبرتي وبقيتي عروسة."


ابتسامة صغيرة شقت وجهها ولم تعقب. بينما حازم ما زال غير مستوعب ما يحدث حوله فبقي متجمدا مكانه يتبادل النظرات مع والده حتى تحدثت السيدة نادية بجمود لا يليق بالموقف:ـ "هتفضلوا واقفين كده على الباب طول الليل؟ يلا ادخلوا."


انصاع الجميع لكلامها وولجوا للداخل مغلقين الباب من خلفهم.

وجه بصره إلى زوجته لكنها أشاحت ببصرها عنه وهرولت للداخل بخطوات واسعة مغلقة الباب عليها من الداخل مما جعل السيد أسامة يشعر بالحزن الشديد. فهو يعلم أنها محقة في كل ما تفعله لكنها لا تعلم ما حدث معه والمعاناة التي عاناها منذ اختفائه. لا بأس سيتركها حتى تهدأ وبعدها لكل حادث حديث.

وجه حديثه لابنه الذي جلس فوق إحدى الأرائك الكلاسيكية الموجودة بداخل غرفة الاستقبال:ـ "مالك يا حازم؟ مش هتسلم عليا ما وحشتكش؟"


هز رأسه موافقا. فاستطرد وهو يفتح له ذراعيه:ـ "طب تعالى بقى في حضـ ني يا ابني."


على الرغم من حالة الرفض التي اعتلته لكنه لم يستطع رفض ذلك العرض المغري فهو وأخته ووالدته كذلك حرموا من ذلك الحضـ ن فترة طويلة.

ركض باتجاه والده وضمه بقوة وبعدها ابتعد عنه واتجه إلى غرفته بخطوات بطيئة.

شعر بالدهشة حيال ما يحدث فهذه ليست التوقعات التي جالت برأسه قبل مجيئه. لكن هذه هي الحياة لا تعطينا كل ما نتمنى.

أجفل على صوت يارا المرتفع تهتف بمرح وهي تجلس فوق ذراع الأريكة:ـ "يلا بقى قول يا بابا عملت إيه وكنت فين؟"


ـ "سامحيني يا يارا بس أنا تعبان أوي وعايز أرتاح دلوقتي."


ـ "ماشي طيب تعالى على أوضة حازم ارتاح فيها شوية."


منحها ابتسامة ممتنة وتبعها للداخل وهو يحمد الله بداخله على عودته سالما وسط عائلته مرة أخرى.


❈-❈-❈


هل الصباح وبدأ الجميع بالاستيقاظ فمنهم من ذهب إلى عمله ومنهم من ذهب إلى مدرسته أو جامعته وهكذا تدور الحياة.

وما زال مراد يلازم الفـ راش لم يذق طعما للنوم منذ البارحة يفكر في حبيبته ويتذكر حديثه مع إيهاب فغمغم في نفسه:ـ "يا ترى ينفع أقولها إني بحبها؟ هتتقبل ولا ترفضني ونخسرو كل حاجة؟"


قاطع شروده صوت جوري الرقيق:ـ "سرحان في إيه يا قمر؟"


ـ "لا مفيش حاجة يا حبيبتي صحيتي بدري ليه؟"


ـ "نمت بدري امبارح... يلا اصحى خدلك دش ساقع وأنا هجهز الفطار."


أومأ لها موافقا ومن ثم هب واقفا يعانـ قها بقوة واضعا قبـ لة طويلة فوق جبينها وبعدها انطلق إلى المرحاض.


❈-❈-❈


فتح عينيه بصعوبة بسبب أشعة الشمس حاول النهوض لكنه شعر بألم طفيف وتشنجات. نهض أخيرا وبدأ يمارس تمارين الضغط بمهارة ثم توجه إلى المرحاض ليأخذ حماما باردا استعدادا لعمله.

بعد دقائق ارتدى ملابسه ثم خرج متجها لغرفة أخيه.

فتح الباب بهدوء فابتسم وهو يراه نائما بعمق أغلق الباب في سكون ثم خرج عازما ترك رسالة على "الواتساب" يخبره فيها بعنوان الشركة التي يعمل بها.


❈-❈-❈


انتهت من إعداد طاولة الإفطار وتحاول جاهدة نسيان ما حدث بالأمس. فهي لم تستوعب حتى الآن عودة زوجها المفقود. لقد اعتادت حياتها بدونه حتى أنها لم تشعر بشيء حين رأته.

غريب أمر هذه الحياة.

فطالما قالوا إن البعد يعلم الجفى وآخرون يقولون إن البعد يزيد العاشق عشقا. أيهم أصح؟ لا تدري لكن السيدة نادية تشعر بالجفاء.


نادَت بصوت مرتفع:ـ "حازم يارا يلا الفطار جاهز."


ثم بصوت أعلى:ـ "حازم الشاي هيبرد!"


خرج حازم من غرفته يهندم ملابسه وغمغم بتحية صباح مقتضبة بادَلته التحية بابتسامة صغيرة.

فتحت فمها لتنادي على يارا لكنها أغلقته حين رأتها تقترب وابتسامة كبيرة ترتسم على محياها:ـ "بابا فين يا حازم؟


 "لسه نايم.


ـ "أنا مبسوطة إنكم بطلتوا تتخانقوا."


ـ "إحنا عملنا كده علشانك يا ماما."


ـ "لأ ده عشان أنا دعيت ربنا يهديك ويبدو إنه استجاب."


ترك حازم شطيرته وحدق فيها بشدة ثم هتف:ـ "إيه الفستان اللي انتي لابساه ده؟!"


ضحكت يارا حتى أدمعت وضحك هو أيضا. ثم قالت السيدة نادية:ـ "يلا يلا روحوا شغلكم بدل ما تبدأوا الخناقة اليومية."


ـ "ثواني هاكل لقمتين وهقوم."


نهض حازم اختطف منها الساندويتش وأكله ثم جذبها من يدها:ـ "يلا يلا ورايا!"


ـ "أنا جعانة! إديني حتى حتة!"


ـ "لأ!"


ظلت تضربه بيديها وهو يضحك بينما والدته تتابعهما بابتسامة كبيرة تلاشت حين اختفيا فهي الآن بمفردها مع ذلك الغريب.

هي تعلم أنه زوجها لكن بالنسبة لها الآن هو مجرد غريب.


❈-❈-❈


أمام مرآتها الكبيرة وقفت تهندم من ثوبها الفضفاض وحجابها الذي يماثل نفس الثوب مما جعلها أكثر جمالًا وإشراقًا.

دخل والدها وهو يصدر صفيرًا من فمه وابتسامة كبيرة ترتسم فوق وجهه: " " إيه الحلاوة دي أنتي قمر يا بنتي."


التفتت إليه وراحت تدور حول نفسها بإعجاب شديد: " "بجد يا بابا شكلي حلو كده؟ والحجاب لايق عليّا؟"


اقترب منها وقبّـ ل جبينها بحنو قائلًا بصوت خافت: " "ما شاء الله الحجاب مزوّدك بهاء وجمال يا جوري."


ارتسمت الدهشة على ملامحها عندما تفوه والدها بتلك الكلمات فقد سمعتها من قبل من الدكتور حازم.

تنهدت بشرود متناسية وجود والدها الذي راح ينظر إليها بتركيز شديد.

تنحنح ليعيدها إلى الواقع هاتفًا بمرح: " "نحن هنا يا جوري!"


خفضت بصرها خجلًا محاولة تهدئة أنفاسها ثم هرولت إلى الخارج قائلة بمرح لتخفي توترها: " "يللا نفطر وبعدين توصلني الجامعة يا بابا."


ضرب كفًا بكف وابتسم بسعادة فابنته باتت تتخذ قرارات مصيرية في حياتها دون الرجوع إليه. الآن فقط أدرك أنها كبرت وأصبحت يافعة يعتمد عليها وأنه قد أدى رسالته كما يجب.

تبعها إلى الخارج وهو يناديها بشقاوة: " "جوري يا بنتي رايحة فين؟!"


❈-❈-❈


دفعت الباب ودخلت دون استئذان هاتفه بغيظ: " "قاعدة هنا بتضحكي وأنا مولـ عة من جوّا!"


سألتها بدهشة وهي تشير إليها لتجلس: " "مولـ عة ليه بس يا بنتي؟ إيه اللي حصل؟"


" "بنتك! بتتريقي عليا! نفسي اعرف منين جايبة الهدوء والسلام النفسي ده؟


رفعت لها يدها ولوّحت بكفها أمام وجهها ممازحة:

" "قل أعوذ برب الفلق جايالي تحسديني ولا إيه؟"


عبست بوجهها كالأطفال ولم ترد مما جعل يارا ترمقها باستغراب وتسأل بجدية: " "لمار مالك يا بت"


ردت بحزن: " "أنا عايزاه يا يارا... عايزة فارس قوليلي أعمل إيه؟ أقرّب منه إزاي؟ يلاحظني إزاي؟"


وقفت من على الكرسي وبدأت تمشي في المكتب ذهابًا وإيابًا ولمار تتابعها باهتمام. توقفت فجأة وهتفت: " "لقيتها أنا هعملك خطة وانتي هتنفذيها بالحرف تمام؟"


أومأت لها بالموافقة فجلست يارا أمامها وأكملت: " "اسمعيني كويس بقى..."


❈-❈-❈


في قصر الحيني كان ممسكًا بهاتفه يعبث به حتى عثر على الرقم المطلوب ثم ضغط على زر الاتصال وانتظر الرد.

ثوانٍ ووصله صوت الطرف الآخر: " "أهلاً بيك يا استاذ فاروق."


استنشق نفسًا من سيجارته الكوبية مخلّفًا سحابة رمادية حوله وقال بأمر حازم: " "نفّذ اللي قولتلك عليه النهاردة ومش عايز أي غلطة الخطة تتنفذ بالحرف مفهوم؟"


ابتسم باتساع عندما استمع إلى الموافقة.

أغلق الخط فشاهد ابنه يهبط درجات السلم الداخلي للقصر وهو يلقي تحية الصباح بالإنجليزية ثم سأله وهو يهندم سترته: " "إيه سبب الضحكة دي يا بابا التنفيذ دلوقتي؟"


استنشق نفسًا آخر من السيجارة ثم أجابه باختصار: " "أيوه. ودلوقتي دورك إنت فاهمني يا نور؟"


أومأ له بالموافقة فاقترب منه فاروق ووضع ذراعه على كتفه يحدثه بجديّة: " "اسمعني كويس أنا عايز الست دي في أسرع وقت."


ضحك نور بشقاوة: " "هي فعلاً حلوة وتستاهل بس يا بابا إنت قابلت ستات أحلى منها بكتير!"


هز فاروق رأسه نافيًا وهمس بتأكيد: " "لأ يا نور ما قابلتش واحدة زيها قبل كده فيها حاجة مختلفة شـ راسة جمال قوة... كلهم مجتمعين فيها هي فعلاً عاجباني."


قاطعه نور: " "وبنتها شبهها جدًا بس جريئة أوي وأنا ما بحبش النوع ده إنما صاحبتها جميلة جدًا! أنا حبيتها من أول نظرة بس ما قربتلهاش علشان خطتك. فخلينا نخلص الخطة دي بقى علشان كل واحد فينا ياخد اللي عايزه!"


قهقه فاروق بصخب وهو يطفئ سيجارته في المنفضة الكريستالية: " "بوعدك الموضوع هينتهي قريب جدًا."


❈-❈-❈


كان جالسًا في مكتبه شاردًا كعادته في الآونة الأخيرة. اجفل على صوت رنين هاتفه فأمسكه وابتسم تلقائيًا عندما رأى اسم المتصل.

سحب الشاشة ووضعه على أذنه قائلًا بمرح: " "صباح الخير يا كسلان."


جاءه صوته الأجش من أثر النوم: " "صباح النور إمتى مشيت؟ أنا ما حسيتش بيك."


استمع إلى ضحكاته على الطرف الآخر ثم رد بمزاح: " "إنت كنت في غيبوبة أنا دخلت أطّمن عليك وقفلِت الباب ورحت الشغل من غير ما أفطر."


" "يعني زعلان علشان مشيت وانت جعان؟"


" "أيوه أيوه هو ده فعلاً!"


ضحك بمرح: " "ما تقلقش أنا هقوم بالواجب ووعد إني هخلص على كل الأكل اللي في التلاجة."


 استمع فارس صوت طرقات خفيفة على باب مكتبه فهتف بجدية: " "استنة شوية يا فهد."


دخلت بعد أن سمح لها بالدخول. قال مرحبًا: " "لمار! اتفضلي."


جلست وهي ترمقه بتفحص أربكه فقال بصوت خافت: " "هكلمك بعدين."


لم تعرف لمَ شعرت بالغيرة وهو يتحدث مع أحدهم واستنتجت فورًا أنها فتاة بدليل خفض صوته وسرعة إنهائه للمكالمة.

أجفلت على سؤاله المفاجئ: " "لمار؟ اتفضلي محتاجة حاجة؟"


كان ينظر إلى الحاسوب الذي تحمله بين يديها فأجابته بعملية وهي تضعه أمامه: " "اللابتوب وقع مني ومن ساعتها مش راضي يفتح."


اتسعت عيناه دهشة وهو يرى حالته السيئة وهتف غير مصدق: " "وقع؟ ده اللي يشوفه يقول نط من برج مش من مكتب! متأكدة إنه موقعش من بلكونة؟"


هزت رأسها نافية فقال بهدوء: " "ماشي سيبيهولي وأنا هشوفه وبعد كده هرجعهولك بنفسي."


قاطعته بلهفة: " "بس أنا محتاجاه أوي مش ممكن تقولي إيه اللي بايظ فيه؟"


ضحك بصوت مرتفع قائلًا: " "قولي إيه اللي ما باظش فيه! واضح إنه مضروب جامد سيبيهولي وهفحصه كويس وأجيبهولك على طول."


أومأت له بتفهم لكن داخلها اشتعلت نيران الغيرة تخيلت أنه يريد التخلص منها ليكمل مكالمته مع حبيبته التي أغلق معها عندما رآها.


خرجت من المكتب غاضبة فاصطدمت بحسن دفعته بقوة وأكملت سيرها وهي تهمهم بغيظ: " "اتفو عليه وعلى حبيبته دي! ياترى هي جميلة؟ بيحبها؟

عجباه اوي؟


ظلّت تتآكل من الغيرة وتغمغم بكلمات غير مفهومة حتى وصلت إلى مكتبها.




بينما وقف حسن في مكانه مدهوشًا هتف بحدة: " إيه إللي جرالها دي؟!


ثم أكمل طريقه للداخل فأبصر حاسوب لمار فوق مكتب فارس سأله بتركيز: " مش ده لاب توب لمار؟


أومأ له فارس موافقًا. فاستطرد: " هو بايظ ولا حاجة؟


" أيوه هي بتقول إنه وقع من فوق المكتب بس باين عليه مش كده خالص زي ما إنت شايف اللاب متبهدل جامد.


ش له مجددًا ثم فتحدث حسن بمزاح: " طب إيه رأيك تعزمني على الغدا النهارده؟ سمعت إنك أخدت مكافأة حلوة من الأستاذ عادل صح؟


ابتسم فارس ثم قال بجدية: " ماشي جدًا بس هاعزمك عندي في البيت علشان فهد أخويا رجع من السفر امبارح وهنتغدى أنا وإنت وهو مع بعض.


أومأ له حسن موافقًا وتمتم: " حمد لله على سلامته.


" تسلم يا حسن يلا بقى روح مكتبك ونتقابل بعد الشغل ونروح سوا.


انصاع لكلامه وغادر وهو يشعر بغيرة خفية مما يحدث فهو ليس غبيًّا ليتجاهل محاولات لمار للتقرب منه لكن ما يثير التساؤل: 

لماذا لا يعطيها فارس أي اهتمام؟ هذا غير مقبول خاصة وأنه يعلم بحب فارس القديم لها. لماذا يتجاهلها الآن؟ لا بد أن هناك أمرًا ما ويجب أن يعرفه في أقرب وقت ووقتها سيستغله أسوأ استغلال… لتكون لمار له وحده.


❈-❈-❈


كان يفتح عينيه ويغلقها عدة مرات وهو يراها واقفة وسط صديقاتها ترتدي ثوبًا فضفاضًا وحجابًا مشابهًا له يبدو أن تلك الصغيرة استمعت لحديثه وهو من ظلمها بالأمس.

لم يشعر بنفسه إلا وهو يقترب منهن يناديها بصوته المميز: " آنسة جوري…


تسارعت دقات قلبها واحمرت وجنتاها خجلًا ثم استدارت إليه بتساؤل فأشار إليها لتقترب.

اعتذرت من زميلاتها واقتربت بخطوات متمهلة.

أما هو فظل يراقبها بسعادة غمرت قلبه. يا الله لم ير فتاة يليق بها الحجاب مثلها وكأنه خُلق لها وحدها!

كم هي جميلة ورقيقة!

تنحنحت بنعومة عندما لاحظت تركيزه الشديد عليها.

فغض بصره بصعوبة وهمس بصوت خافت وصل إلى مسامعها: " شكلك جميل جدًا يا جوري.


احمرّ وجهها خجلًا وتمتمت بهدوء: " شكرًا جدا يا دكتور حازم.


سقط اسمه من شفـ تيها على أذنه كموسيقى عذبة فقال بهدوء: " قوليها تاني يا جوري.


نظرت له باستفهام فتابع: " قولي اسمي… قولي حازم.


كادت تنصهر من شدة الخجل ولم تشعر بنفسها إلا وهي تتركه وتهرول عائدة إلى صديقاتها تاركة إياه يحدّق بها في ذهول سرعان ما تحول إلى ضحكات عالية تلك الفتاة تبهره يومًا بعد يوم.

ظل يتابعها حتى اختفت بين زميلاتها ثم انطلق إلى مكتبه وهو عازم على أن تكون تلك الصغيرة له مهما كلّفه الأمر.


❈-❈-❈


اقتحمت مكتبها مرة أخرى وهي تشعر بغليان الغـ ضب جلست على أحد الكرسيين وهتفت بحزن: " بوظت اللاب علشانك يا يارا!


سألتها يارا باهتمام: " بوظتي اللاب؟ ليه عملتي إيه؟


أخذت لمار تقص عليها ما حدث: " مسكته ورميته على الأرض كذا مرة و…


قاطعتها يارا بصـ راخ: " وكذا مرة؟!! إنتي دمرتي اللاب يا غبية! ما قلتلك وقعي الويندوز أو احر قي الشاشة! ترمي اللاب على الأرض؟ حمارة بجد يا لمار!


لم تستطع لمار أن تصمد أكثر فضحكت بقوة حتى دمعت عيناها ثم تابعت تحكي لها ما حدث بينها وبين فارس وأخبرتها عن المكالمة الهاتفية التي أغلقها عندما رآها.

تنهدت يارا بنفاد صبر وقالت بعدم تصديق: " يعني أي حد بيتكلم مع بنت يبقى بيحبها إنتي مجنونة ولا إيه؟ يمكن تكون قريبته! أو أصلًا مش بنت!


صمتت لمار تفكر في كلام صديقتها يبدو أنها على حق وأنها متسرعة في قراراتها. فنهضت بعد أن استأذنتها واتجهت إلى مكتبها وهي تشعر بضيق شديد في صـ درها.


❈-❈-❈


كان يسير بسيارته في الطرقات بلا هدف فما حدث بالأمس ضرب من الجنون… طفلته التي ربّاها على يديه لتكون له عندما تكبر تعلقت بشاب غيره! يا لسخرية القدر.

 لطالما كان لها درعًا واقيًا أحبها كابنته دللها كما لم يدلل أحدًا من قبل ومع ذلك تركته وذهبت لغيره تُرى ما السبب؟ ما الذي جعله يخسرها؟


يعلم أنه كان يقسو عليها أحيانًا يضيّق الخناق حولها لكنه كان يفعل ذلك لحمايتها يخشى عليها حتى من نفسه. لكن يبدو أن صغر سنها وقلة خبرتها جعلتها تفهم الأمور بشكل خاطئ فظنت أنه يكرهها أو يمنعها من حريتها.

لو كانت تعلم كم يحبها لبقيت معه حتى لو كانت معصوبة العينين! لكن لا… هو ليس ضعيفًا ليترك ما يملكه وهي ملكه من اللحظة التي رأى فيها وجهها أول مرة وهي تسير بجوار والدتها لن يتركها لغيره أبدًا.

سيجعلها تحبه كما يحبها سيفعل المستحيل لتظل معه وتحت رعايته. ولأجلها فقط سيغيّر من نفسه سيتخلى عن حدته سيبذل قصارى جهده ليكون كما تريده هي. فمن يحب. يجب أن يفعل أي شيء لمحبوبته وهو سيفعل ليس فقط لأنها حبيبته… بل لأنه لم يرتح لذلك المدعو نور.

هو شاب مثله ويفهم هذا النوع جيدًا الشاب الذي يُغري البنات ثم يتركهن وأروى ليست كبقية الفتيات… رغم جرأتها ولسانها الطويل إلا أنها ما زالت بريئة.

سيظل يفعل ما يفعله لكن من بعيد دون أن يخنقها وعليها أن تعرف قيمته وتفهم كم يحبها.

لذا سيكون دومًا… القريب البعيد.


❈-❈-❈


نهضت من سريرها وهي تشعر بإعياء شديد لم تنم جيدًا من كثرة التفكير. وزوجها لم يعد إلى المنزل حتى الآن… ربما صدق شكوكه ولهذا لم يعد.

ليس أمامها خيار سوى أن تصارحه بما يحدث علّها تجد فيه الأمان كما اعتادت دائمًا.

وقبل أن تلج إلى الحمام سمعت صوت هاتفها يرن أخذته وأجابت بسرعة عندما رأت اسم زوجها على الشاشة: " إيهاب! إنت فين؟


جاءها صوته من الطرف الآخر متعبًا: " أنا في المستشفى يا غادة… حصللي حادث بسيط ماتقلقيش يا حبيبتي تعاليلي أنا في مستشفى…


انسابت دموعها على وجنتيها وهي تستمع إليه يملي عليها اسم المستشفى.

أغلقت الهاتف واتجهت للحمام لتأخذ حمامًا سريعًا ثم بعدها تنطلق لتذهب إلى حبيبها.


وبعد دقائق قليلة كانت قد ارتدت ملابسها وعندما التقطت هاتفها وجدت مكالمة واردة من رقم غريب أجابت فورًا باستغراب: " مين؟


جاءها صوته الجاد في الطرف الآخر: " صباح الخير يا غادة عاملة إيه كنت حابب أطّمن على صحة جوزك… زعلت عليه جدًا.


صمتت ثم بدأت تمطره بسيل من السباب… لكنه قهقه وقال بسخرية: " إيه اللسان الطويل ده يا قمر؟!

بس مش مشكلة لما تيجي عندي هاقصهولك! اسمعيني كويس ومتزعقيش اللي حصل لجوزك ده مجرد بداية لو ما عملتيش اللي هاقوله.

أولًا… تطلبي الطلاق وبعد ما تخلص عدتك نتجوز أنا وإنت.


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بسمة بدران، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة