-->

رواية جديدة ساحر الليل لبسمة بدران - الفصل 14 - الثلاثاء 24/6/2025

 

    قراءة روايةساحر الليل كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ساحر الليل

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة بسمة بدران


الفصل الرابع عشر 


تم النشر يوم الثلاثاء

1ط20/6/2025

صدفة


استيقظ مبكرًا وارتدى ثيابه إذ كان عليه أن يُفكر مليًّا في المشروع الذي ينوي تنفيذه في مصر. قرر أن يتجول في شوارع القاهرة ليستنشق بعض الهواء النقي.

اتجه إلى غرفة أخيه فوجده نائمًا في سباتٍ عميق فانطلق إلى الخارج مشبعًا بالحنين لوطنه الحبيب.

وبعد دقائق قليلة وجد نفسه واقفًا أمام النيل يتأمل مياهه في صمت مستمتعًا بجمال صنع الخالق.


وبينما كان عائدًا إلى منزله منشغلًا بهاتفه اصطدم بأحدهم دون قصد. رفع عينيه ليعتذر لكنه تجمد في مكانه وقد اتسعت عيناه بدهشةٍ بالغة.


شعرت بالقلق عندما رأته أمامها فقد كان لقاؤهما الأول غير سار خاصة وأنها تمادت في الحديث معه.

قالا معًا: "إنت؟!"


"بتعمل إيه هنا؟ إنت بتراقبني ولا إيه؟"


"أنا أراقبك؟! هو أنا مجنون؟!"


وضعت يديها في خصـ رها وقالت بعناد: "آه بتراقبني!"


زفر بملل ورد بسخرية: "آه يا ستي أيوه براقبك علشان إنتِ أجمل واحدة شفتها في حياتي وعايز أفضل أشوفك طول الوقت! كده ارتحتي؟"


رفعت حاجبيها بدهشة ثم تمتمت بعصبية: "إنت بتسخر مني؟! طيب استنى بس هتشوف أنا هعمل فيك إيه!"


نظر إليها باستخفاف: "بسخر منك! هتعملي إيه يعني؟ المرة اللي فاتت رميتِ رمل في وشي هترشي ميه دلوقتي يعني علشان إحنا واقفين قدام النيل؟"


"ياااه إنت دمك تقيل بس عندك حق فعلاً هرميك بالميه!"


أخرجت زجاجة من حقيبتها وفتحتها وقبل أن تقذفها في وجهه أمسك بيدها مانعًا إياها لتتلاقى أعينهما في لحظة صمتٍ مطبقة تكلّم فيها النظر وسكت اللسان.


ظلا يتبادلان النظرات فترة لا يعلمان مداها حتى قطعت هي سحر تلك اللحظة هاتفة بتلعثم: "رخخم!"


نظرت إليه بعدائية واستدارت تركض بعيدًا بينما هو ظل يشيّعها بنظراتٍ متعجبة فحقًا كانت تلك الفتاة غريبة الأطوار.


❈-❈-❈


أشرقت الشمس وكانت لمار ما تزال جالسة في مكانها وقد بدا عليها الإرهاق الشديد.

قضت ليلتها بين البكاء والتفكير العميق لكنها كانت واثقة أن الحل موجود وأنها يجب أن تجده سريعًا وإلا فقد تفقد عقلها أو حياتها.

تحاملت على أوجاعها الجسـ دية والنفسية ونهضت بتثاقل عازمة على أخذ حمامٍ بارد لعلّه يخفف من لهـ يب ما بداخلها.


تذكرت ما فعله حسن بالأمس فصكت على أسنانها غضـ بًا وقررت أن تصب جام غضبها عليه فقد حان وقت توبيخه وإيقافه عند حدّه.


❈-❈-❈


بعد أن اطمأنت على زوج أمها الذي استيقظ وقد بدا أفضل حالًا خرجت لتجد والدتها حاملة كوبًا من اللبن.


سألتها الأم باهتمام: "هتروحي الجامعة؟"


"أيوه يا ماما عايزة حاجة؟"


"لأ يا حبيبتي بس خلي بالك من نفسك."


اقتربت منها وقبّـ لت وجنتها هامسة: "حاضر متقلقيش خير إن شاء الله."


خطت بضع خطوات قبل أن يوقفها صوته الهادئ: "أروى... استنيني أنا هوصلك."


استدارت تنظر إليه متفحصة فهو يبدو هادئًا على غير عادته ويبدو أن ما حدث لوالده أثر فيه كثيرًا: "شكرًا يا آدم أنا هاخد تاكسي."


"بس..."


قاطعته بإشارة حاسمة: "شكرًا قلت لك هاعتمد على نفسي."


"ماشي زي ما انت عايزة"


رمقته بدهشة وكأنه يمتلك رأسين ثم خرجت وهي تتساءل في سرّها عن سبب تغيّره لكنها سرعان ما طردت تلك الأفكار فقد كانت سعيدة أنها سترى حبيبها نور اليوم وسيقضيان وقتًا جميلًا معًا.


❈-❈-❈


استقلت سيارة أجرة وبعد حوالي ربع ساعة توقفت سيارة بشكلٍ مفاجئ أمامهم. للوهلة الأولى شعرت بالخوف لكن الذعر اجتاحها حين فتح رجلان بابَي السيارة من الجانبين فصـ رخت مذعورة.


أحد الرجلين كمم فمها بينما انتزع الآخر حقيبتها كاملة. الرجل الذي كممها أشهر سكينًا في وجهها صارخًا: "دلوقتي هشيل إيدي ولو نطقتي كلمه هقـ تلك!"


هزّت رأسها موافقة والدموع تنهمر من عينيها تمنّت لو كان آدم معها فقد كان دومًا مصدر أمان لها.


نظر إليها الرجل بإعجاب مريض مغمغمًا: "يا خسارة الجمال ده هيتشوّه دلوقتي."


صـ رخت برجاء: "أرجوك أرجوك بلاش والنبي بلاش"


تمتم كأنه يفكر: "ماشي... بس لازم أسيبلك تذكار يا حلوة."


وقبل أن تدرك ما يحدث ضـ ربها برفق في كتفها مسببًا جرحًا صغيرًا تناثر منه الدم.


غادر الرجلان بينما صـ رخ سائق التاكسي: "يلا انزلي من عربيتي"


فهمت في الحال أنها كانت خطة متفق عليها وأن السائق كان شريكًا في الجـ ريمة. أخرجت بعض المناديل من جيب سترتها ووضعتها على الجرح ثم نزلت من السيارة والدموع لا تفارق عينيها.


كانت حزينة على أشيائها المسروقة خاصة هاتفها الجديد لكنها حمدت الله أنها خرجت من الحادثة على قيد الحياة.


❈-❈-❈


اقتـ حمت مكتبه دون سابق إنذار وأغلقت الباب خلفها تشتعل عيناها بالغضب.


نهض فزعًا مغمغمًا: "لمار؟! أهلاً... تفضلي!"


اقتربت منه والعدائية بادية على ملامحها. سألها بخوف: "مالك يا لمار؟ بتبصيلي كده ليه؟ إيه العصبية دي كلها؟"


"بجد إنت مش عارف؟!"


"وأنا هعرف منين؟!"


اغتاظت من سماجته وضربت المكتب بكلتا يديها صـ ارخة: "اسمعني كويس أنا مش من النوع اللي إنت متعود عليه وإياك ثم إياك تكلمني تاني لا بالليل ولا بالنهار فاهم؟!"


وقبل أن يرد رمقته بنظرة غاضبة وخرجت من المكتب وأغلقت الباب بعنـ ف.


صـ رخ وهو يزيح كل ما على المكتب بعصبية: "يا متكبرة صدقيني مش هاسيبك وهتدفعي تمن اللي عملتيه غالي... وده وعد!"


❈-❈-❈


كانت تقف في مطبخ منزلها برفقة الخادمة تشرف بنفسها على تحضير فطور زوجها.

وبعد لحظات سمعت صوت هاتفها يُعلن عن رسالة واردة. فتحته وقرأت محتواها في صمت:> "دي هدية بسيطة يا حلوة روحي افتحي لبنتك وافتكري دايمًا إني ما بهددش يا غادة. وإن ما عملتيش اللي قولتلك عليه المرة الجاية هتترحمي عليها فهمتي؟"


شهقت بقوة وركضت مسرعة نحو الباب وما إن فتحته حتى وجدتها أمامها في حالة يُرثى لها.

نظرت إليها بدهشة وهتفت: "عرفتي منين إني جيت؟! أنا كنت لسه هادوس على الجرس!"


جذبتها إلى أحضـ انها تمسد على خصلات شعرها بحنو ثم تمتمت: "الحمد لله إنك بخير يا روحي..."


أبعدتها قليلًا وبدأت تتفحص جرحها والدموع تنهمر من عينيها.


"ما تقلقيش يا ماما ده جرح بسيط وأنا كويسة."


جذبتها للداخل برفق وأجلستها على أقرب أريكة ثم هرولت باتجاه الحمام باحثة عن علبة الإسعافات الأولية.

وبعد ثوانٍ خرجت تحملها وبدأت بتنظيف الجرح بعناية ثم ضمدته حتى لا يتلوث.

كان عقلها مشغولًا تمامًا بما يحدث فقد تأكدت اليوم أنها ضعيفة تمامًا أمام تهديدات ذلك المجرم وأنه قد يؤذي كل من حولها إن لم تُنفّذ ما يطلبه منها.

لذا جلست تُفكر بعقلانية حتى توصّلت في النهاية إلى قرار قد يُريح الجميع... عداها هي.


❈-❈-❈


كانت تقف أمام قاعة المحاضرات تحاول الاتصال بصديقتها لكنها تجمدت عندما سمعت الرسالة المُسجلة: "الهاتف الذي طلبته مغلق."


أجفلت على صوته القريب منها: "إزيك يا جوري؟"


"الحمد لله كويسة."


قالتها دون أن ترفع عينيها إليه ما جعله يشعر بالإحباط فقد أراد أن يرى عينيها الجميلتين يستمد منهما طاقته لهذا اليوم. تحدث بجديّة قائلًا: "ليه ما دخلتيش المحاضرة؟ عاوزاني أطردك تاني ولا إيه؟"


رفعت نظرها إليه برجاء وكأنها ترجوه ألا يفعل مما جعله يشعر بجاذبيتها أكثر. ابتسم لها ابتسامة دافئة وهمس بعذوبة: "مش هعملها تاني يا جوري حتى لو دخلتي بعدي..."


تهدجت أنفاسها وتسارعت دقات قلبها فبادلته الابتسامة ثم استدارت تركض إلى الداخل تاركة إياه يشيّعها بنظراتٍ ولهة.

فرغم أن عمره قد تجاوز الثلاثين إلا أنه لم يذق طَعم هذه المشاعر من قبل.


❈-❈-❈


"شفتي اللي حصل معايا؟!"


صـ رخت بها يارا وهي تقـ تحم مكتب لمار.

قفزت لمار واقفة تسألها بلهفة: "إيه اللي حصل؟!"


نظرت يارا من حولها ثم سألتها: "هو المدير مشي؟"


"أيوه النهارده ما جاش."


تنهدت يارا بارتياح ثم جلست تُحدثها عما جرى بينها وبين ذلك الشاب الوسيم.

وبعد أن أنهت قصتها انفجرت لمار ضاحكة وقالت وهي تلهث من الضحك: "يا نهار أبيض إنتي مجنونة بجد يا يارا! طب إزاي قدرتي تقاومي السحر اللي كنتي بتحكيلي عنه؟!"


ابتسمت يارا وردت: "بصراحة هو مش وسيم وبس ده جميل شبه ممثلين هوليود! بس بلاش منه دلوقتي هقولك على حاجة تانية كنت عايزة أقولك عليها من امبارح بس إنتي كنتي مشغولة."


أسندت لمار ذقنها على كفيها وبدأت تُنصت باهتمام.

اتسعت حدقتاها بدهشة وتمتمت بعدم تصديق: "إيه أبوكي رجع من الموت إزاي ده؟!"


"أقسم لك يا لمار اللي حصل كده بالظبط!"


بدأت تروي لها عن لقائهما به وعن مرض والدتها المفاجئ بالأمس وكانت لمار تستمع بتعبيراتٍ تتنقل بين الدهشة الفرح والحزن.


❈-❈-❈


ابتسامة شيطانية ارتسمت على وجهه بعد أن تلقى تلك الأخبار السارة فقد نفّذ رجاله مهمّتهم بنجاح.

ألقى بجسـ ده فوق الأريكة المطلية بماء الذهب في مكتبه داخل قصره يغمره شعور بالانتشاء لا مثيل له.

وبعد لحظات رنّ هاتفه. ضحك ضحكة مجلجلة عندما رأى اسمها يزين شاشة الهاتف.

سعادة عارمة اجتاحته فلم يكن يُصدق أنها تتصل به؛ هذا تمامًا ما كان يخطط له منذ أيام.

انتظر قليلًا ثم سحب الشاشة ورفع الهاتف إلى أذنه وقد نهض من مكانه ليستمع إلى صوتها الذي لطالما أطربه.


"أنا موافقة يا استاذ فافاروق بس بالله عليك خليك رحيم واستنى شوية لحد ما جوزي يتحسن."


هزّ رأسه نافيًا وكأنها تراه ثم قال ببرود: "آسف يا حلوة أنا بكره الانتظار أتمنى أسمع خبر حلو بسرعة. معاكي لحد بالليل بس يا غادة."


وقبل أن ترد أنهى المكالمة وأغلق الخط في وجهها ثم ألقى الهاتف بعيدًا وبدأ يُدندن ويقهقه بمرح.

أشعل سيجارة بقداحته وجلس فوق الأريكة واضعًا ساقًا فوق الأخرى وأسند ظهره مغمضًا عينيه تاركًا لخياله العنان يتصورها أمامه... لكن سرعان ما تحولت تلك التصوّرات إلى خيالات غير لائقة.


❈-❈-❈


كانت تجلس قبالته في أحد الأماكن العامة تنظر إليه باندهاش فمنذ أن هاتفها صباحًا وطلب رؤيتها وهي تشعر أن هناك أمرًا غير طبيعي.

ارتدت ثيابها على الفور وجاءت إلى العنوان الذي أملاه عليها بينما هو قرر أخيرًا أن يُصارحها بما يحمله في قلبه منذ سنوات.


لطالما أرهقه حبّه المكتوم وقد حان الوقت ليكسر الصمت.

أجفل حين سمع صوتها تسأله فجأة: "مراد! إنت جيت علشان تفضل ساكت كده؟"


تنحنح قليلاً ليجلي صوته ثم قال بنبرة جادة: "اسمعيني يا ملك عايز أقولك حاجة مهمة بس أوعديني إننا هنفضل أصحاب مهما حصل وإن الكلام اللي هقوله مش هيأثر على علاقتنا."


شعرت بالقلق مما سيفصح عنه فأسندت وجهها على مرفقها تنصت له باهتمام.


أردف وهو ينظر في عينيها: "ملك أنا بحبك جدًا وبتمنى أتجوزك."


صدمة اجتاحت كيانها؛ لم تتوقّع يومًا أن تسمع مثل هذا الكلام منه. لطالما اعتبرته أخًا وصديقًا غاليًا وكان يعلم بحبها الكبير لزوجها الراحل. فكيف ومتى أحبّها؟

لم تمنحه ولا غيره أي فرصة فقد أغلقت على قلبها بمئة مفتاح وألقتهم في بئرٍ لا قرار له.


صمتت لتُجمّع أفكارها ثم تمتمت بهدوء يخالف العواصف التي تضـ رب صـ درها: "يا مراد أنا بحبك جدًا بس دايمًا كنت شايفاك أخويا وصاحبي القريب... فاعذرني أنا لا أقدر أتجوزك ولا أتجوز حد تاني. أنا بحب يوسف حب مش عادي وبطلب من ربنا في كل صلاة إنه يجمعني بيه في الآخرة. الست بتكون لآخر أزواجها في الجنة وأنا مش هكون لحد غيره."


رغم أن كلماتها كانت قاسية عليه وقسمت قلبه إلى نصفين إلا أنها أبهرته كعادتها. تلك المرأة وفاؤها واحترامها لا مثيل له.


لم يتغيّر حبه لها بل زاد. ابتسم ابتسامة حزينة لم تصل إلى عينيه وقال: "عارفة؟ أنا بقيت بحسد يوسف... وصلت لمرحلة إني أحسد راجل ميت. أكيد كان راجل عظيم علشان تحبيه كده."


وكادت أن تواسيه بكلمات رقيقة لكنه أشار لها بيده أن تصمت ثم نادى على النادل وقال وهو يبتسم: "تحبي تشربي إيه يا مدام ملك؟"


❈-❈-❈


بعد أن اطمأن على حالتها الصحية ووجدها أصبحت بخير قرر أن يتحدث معها مرة أخرى ربما تُراجع قرارها. 

طرق الباب وحين سمحت له بالدخول ولج الغرفة. وقف أمامها كطفلٍ مذنب ينتظر العقاب من أمه.

رمقته بتفحّص ثم سألت باقتضاب: "عايز إيه؟"


أجاب وهو ينظر إلى الأرض: "أرجوكي يا نادية اسمعيني. عارف إني غلطت بس ربنا بيغفر وإنتِ..."


قاطعته بإشارة من يدها وقالت بحسم: "إنت قلتها... ربنا بيسامح بس أنا بشر يا أسامة. فكر لو أنا اللي كنت مكانك وحبيت راجل وأنا مراتك... كنت هتسامحني؟ أنا حافظت عليك وعلى اسمك رغم إني عرفت خيـ انتك.

رجالة كتير حاولوا يقربوا مني لكن أنا فضّلت كرامتي. علشان كده من فضلك من غير وجع دماغ... سبني في حالي. شوف أولادك وقت ما تحب لكن أنا... لأ آسفة."


ثم تذكرت شيئًا فسألته: "بالمناسبة... خلفت من مراتك الفرنسية؟"


أومأ بالإيجاب دون أن ينبس بكلمة.

هزّت رأسها باستسلام وأشاحت ببصرها عنه ثم أشارت له بالخروج فهي ليست بحالة تسمح لها بجدال جديد.


فانصاع لكلامها هذه المرة؛ فهو يعرفها جيدًا ويعلم كم تعتز بكرامتها التي لا تفرّط بها تحت أي ظرف.


❈-❈-❈


وقفت أمام ذلك الرجل تُحدّق فيه بتفحص من ثيابه البالية إلى لحيته البيضاء الطويلة وهيئته المخيفة.

نظرت إليه باشمئزاز وهتفت بخوف واضح في عينيها: "أنااا... أنا عايزاك تساعدني يا شيخ."


بادلها التحديق يتمتم بكلمات غير مفهومة موزعًا نظراته بينها وبين البلورة الزجاجية أمامه ثم قال بتهكم: "أنا عارف إنتي جايالي ليه يا زينب."


صُدمت شُلّت كل حواسها وجفّ حلقها أرادت أن تصـ رخ لكن صوتها خانها. ظلت تنظر إليه بفمٍ مفتوح عاجزة عن الكلام.


قهقه بقوة: "ما تخافيش كده يا زينب أنا عارف إنتي هنا ليه وكمان عشان مين."


همست بذعر بالكاد تسمعه: "مين؟"


نفخ داخل البلورة أمامه فاشتعلت النيران من حولها وهمس مؤكدًا: "فارس... فارس ابن فاطمة صح يا زينب؟"


للمرة الثانية اجتاحها الذهول واكتفت بإيماءة برأسها.

تابع كلامه بنبرة آمرة: "اقعدي يا بنتي واطمني أنا هساعدك."


انصاعت لأمره وجلست بينما الخوف يغلّف كل خلية في جسـ دها.


❈-❈-❈


شعر بالملل من البقاء في المنزل فهو لم يعتد على الجلوس بلا حركة. قرر الذهاب إلى أخيه في الشركة ليُناقشه بشأن خطوته القادمة.

ارتدى بنطال جينز وقميصًا أبيض فوقه سترة سوداء أنيقة انتعل حذاءً رياضيًا ومشّط خصلاته البنية إلى الخلف ما زاده وسامةً فوق وسامته الأصلية.

رش عطَره المفضل وغادر ليستقل سيارة أجرة...

ولم يكن يدري أن هذا اليوم سيغيّر مستقبله إلى الأبد.


❈-❈-❈


كانت تقطع الغرفة ذهابًا وإيابًا داخل مكتبها تفكر في حل لمشكلة صديقتها المقربة. حالها يُرثى له.

كانت قد استأذنت مبكرًا لتعود إلى المنزل متعللة بألم في رأسها لكنها تعلم أن الألم الحقيقي في قلبها.

لطالما حذرتها مرارًا لكنها استسلمت لمشاعرها وها هي الآن تدفع الثمن.

ثم قفزت في رأسها فكرة جهنمية ستكشف لها شعور فارس تجاه لمار.

مدحت نفسها على ذكائها وصفقت بسعادة ثم ركضت نحو مكتبه غير مبالية بنظرات الموظفين الفضولية.


❈-❈-❈


كان يرمقها بتفحّص وهي تجلس أمامه تفرك يديها بتوتر.

عرف على الفور أن لديها ما تقوله فهو يعرفها جيدًا... زوجته التي أحبها بكل تفاصيلها.

ورغم تصرفاتها الأخيرة التي أزعجته لم يتوقف يومًا عن حبها.


"في إيه يا غادة؟ قوليلي اللي في قلبك."


ابتلعت ريقها بصعوبة وهمست: "مافيش..."


ابتسم برقة: "مافيش؟! أنا عارفك كويس أوي يا حبيبتي."


يا رب كيف ستقولها الآن؟ كلمة "حبيبتي" لا تزال تذيبها. ما ستقوله صعب عليها أكثر مما تتخيل لكنها مضطرة فهو تهـ ديد لا يحتمل التأجيل ولا التهاون.

آدم كان ابنها كما كانت أروى لم تفرّق بينهما لحظة ولا تتحمل أن يُصيبه مكروه.


تنفست بعمق وقالت دفعة واحدة: "إيهاب... أنا عايزة اطلق."


❈-❈-❈


طرقت باب مكتبه فلم يرد. فتحت الباب بهدوء وولجت إلى الداخل وأغلقته خلفها استدارت فرأته يضع رأسه على المكتب وظنته نائمًا.

لكنّه رفع رأسه ببطء ثم وقف فورًا هاتفًا بترحاب: "أهلاً يا يارا."


اقتربت وجلست على المقعد المقابل له وقالت بمرح: "خلصت شغلي وكان فاضلي وقت قولت أعدّي أشرب معاك فنجان قهوة."


"طبعا طبعا تنوري."


رفع السماعة وطلب لهما فنجانين من القهوة ثم أعاد السماعة وراح يرمقها بتأمل وكأن لديه ما يقوله.

لاحظت ذلك وقالت ممازحة: "قول اللي عندك أنا سامعاك."


"هو... لمار كويسة؟"


رمقته بدهشة فأكمل متداركًا: "أقصد يعني لقيت مكتبها فاضي وخوفت تكون تعبانة."


ابتسمت بمكر خفيف: "قالتلي إنها تعبانة وراحت بدري وأنا هروح أزورها بعد الشغل."


قاطع حديثهما دخول العامل الذي قدّم القهوة شكره فارس بابتسامة خفيفة ثم غادر العامل وأغلق الباب خلفه.


أكملت يارا بخبث: "تحب تيجي معايا؟"


رد بسرعة ولهفة: "طبعًا! قصدي... كان نفسي بس عندي شغل كتير النهاردة أرجوكي طمنيني عليها إنتي."


رأت في عينيه مشاعر صادقة تشبه مشاعرها لكن هناك ما يمنعه ويجب أن تعرف ما هو.


وقفت فجأة تناولت هاتفه من فوق المكتب وطلبت رقمها وقالت بمرح: "هسجلك رقمي وأطمنك عليها... تمام كده؟"


أومأ بابتسامة خفيفة وقبل أن يرد بشيء فتح الباب ودخل أخوه بهيئته المميزة وصوته الرجولي القوي ملقيًا تحية المساء.


تجمّدت الكلمات على شفــ تيه حين أبصرها واقفة أمامه وهتف الاثنان في صوت واحد: "إنت تاني؟!"


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة بسمة بدران، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة